موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة - الدرر السنية

مجموعة من المؤلفين

الفصل الأول: تعريف المذاهب الفكرية وسبب التسمية والنشأة

الفصل الأول: تعريف المذاهب الفكرية وسبب التسمية والنشأة • المبحث الأول: معنى المذاهب الفكرية. • المبحث الثاني: أسباب نشأة المذاهب الفكرية. • المبحث الثالث: هل يصح نسبة الفكر إلى الإسلام فيقال الفكر الإسلامي؟.

المبحث الأول: معنى المذاهب الفكرية

المبحث الأول: معنى المذاهب الفكرية المذاهب جمع مذهب وهو ما يذهب إليه الشخص ويعتقده صواباً ويدين به سواء أكان ما يذهب إليه صوابا في نفس الأمر أو كان خطأ، ومعنى هذا أن المذاهب تختلف باختلاف مصادرها وباختلاف مفاهيم الناس لها من دينية وغير دينية وما يتبع ذلك من اختلاف في فنونها من فقهية أو لغوية أو رياضية أو علوم عقلية تجريبية أو فلسفات أو غير ذلك. ويجب معرفة أنه لا يخلو إنسان أو مجتمع من مذهب يسير بموجبه مهما اختلفت الحضارة أو العقلية للشخص أو المجتمع. تمشيا مع سنة الحياة ومع ما جبل عليه الإنسان الذي ميزه الله عن بقية الحيوانات بالعقل والتفكير وحب التنظيم والسيطرة على ما حوله وابتكار المناهج التي يسير عليها إلى آخر الغرائز التي امتاز بها الإنسان العاقل المفكر عن غيره من سكان هذه المعمورة (¬1) وقيل لها مذاهب فكرية: نسبة إلى الفكر الذي تميز به الإنسان عن بقية المخلوقات التي تشاركه الوجود في الأرض، ويعرفه بأنه صنعة العقل الإنساني ومسرح نشاطه الذهني وعطاؤه الفكري فيما يعرض له من قضايا الوجود والحياة سواء أكان صوابا أو خطأ. وقد نسبت المذاهب إلى الفكر لأنها جاءت من ذلك المصدر وهو الفكر أي أنها لم تستند في وجودها على الوحي الإلهي أصلا أو استعانت به وبما توصل إليه الفكر من نتائج جاءته إما عن طريق الوحي أو التجارب أو أقوال من سبق أو أفعالهم، وقد تكون تلك النتائج صحيحة وقد تكون خاطئة في نفس الأمر. وأما بالنسبة لاستنادها إلى الوحي فقد لا يكون ذلك بل ربما كانت تلك الأفكار محاربة له فتنسب إلى مؤسسيها فيقال الفكر الماركسي أو الفكر الفلسفي اليوناني أو الفكر الصوفي أو غير ذلك من الأفكار التي تنسب إما لشخصيات مؤسسيها أو لبلدانهم أو لاتجاهاتهم وغير ذلك. ومن هنا يتضح أنه إذا أطلق لفظ الفكر فإن المراد به هو ما يصدر عن العقل من شتى المفاهيم والمبتكرات الدينية أو الدنيوية. ومن هنا سميت مذاهب فكرية نسبة إلى المذهب الذي تنسب إليه كل طائفة ونسبة كذلك إلى أفكارها التي تعتنقها مبتكرة لها أو مقلدة، وقد انتشرت في العالم أفكار عديدة باطلة سندرس إن شاء الله أهمها ونبين مفاهيم تلك الأفكار عند أهلها مع الإشارة في المقابل إلى الفكر الصحيح عند المسلمين وبيان معينه الفياض. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 41 ¬

(¬1) قد لا يشارك الإنسان في هذه الصفات من سكان الأرض غير الجن. والله أعلم.

المبحث الثاني: أسباب نشأة المذاهب الفكرية

المطلب الأول: نشأتها في الغرب ليس في المذاهب الفكرية الضالة ما يغري العقلاء باعتناقها إلا أنه كما يقال: " لكل بضاعة سوق ولكل صائح صدى" وقبل أن نبدأ بذكر الأسباب لابد أن يعلم القارئ أن المذاهب الفكرية منشؤها وموطنها المضياف هو الغرب النصراني الذي تهيأ له ما لم يتهيأ لغيره من الدول من أسباب الاندفاع إلى الثورات العارمة على كل الأوضاع والمعتقدات نتيجة أحوال تعيسة أفرزتها أسباب مجتمعة أدت إلى ظهور مذاهب فكرية عديدة كما يظهر الطفح الجلدي على المريض. ومن تلك الأسباب ما هو ظاهر ومنه ما هو خفي. أما الأسباب الخفية: فقد تعود إلى أمور سياسية في أكثرها من حب السيطرة والتوسع وانتشار مواضع النفوذ وكذلك الرغبة في الانفلات من كل القيود التي كانت قائمة في ظل حكم رجال الدين النصراني ثم ملء الفراغ الذي أحس به الأوروبيون بعد إقصاء الدين ورجاله والرغبة في إشغال الناس بأي جديد في المعتقدات وخلط الأمور وربما توجد أسباب أخرى هي أهم من هذه الأمور تحتاج إلى بحث وتدقيق ووقت بعد التأكيد على أن أبرزها كان بسبب الرغبة في الانفلات من قبضة رجال الدين النصراني وخرافاتهم، وكذلك سوء الأحوال في الحياة الأوروبية المتمثلة في الحالة الاجتماعية والثقافية والدينية التي كان يعيش الأوروبيون في عهود سيطرة رجال الكنيسة من عداوات وتنافر ومن انتشار الجهل والخرافات الجاهلية ومن بعد عن الدين الصحيح، وكذلك اختلاط المفاهيم الفكرية الدينية النصرانية – الخرافية أساسا – وإظهارها بالمظهر الديني مما كان له الأثر البالغ في تشجيع أصحاب الآراء الثائرة على الدين النصراني على اختراع الآراء المضادة له وإلصاقها بالدين في البداية والتي نشأت في أشكال مذاهب ونظريات مختلفة بعد ذلك مقتدية بانحراف الديانة النصرانية من الأساس وقيامها على يد بولس اليهودي الوثني، الذي أقام النصرانية على مفاهيم بشرية وقوانين وضعية مملوءة بالتناقضات والخرافات التي كانت محل ازدراء أصحاب العقول الناضجة وتبرمهم منها سواء كانوا في الغرب أوفي الشرق بعد أن فقد النصارى إنجيل عيسى عليه السلام بعد رفعه على أنه لم يكن ظهور الخرافات وحدها هي التي أزعجت الأوروبيين بل كان لزوال طغيان رجال الكنيسة الحافز القوي لظهور مختلف الأفكار والمذاهب بعد الإطاحة بطغاة الكنيسة وتخلص الناس من قبضتهم الفولاذية، فإن كل شيء له رد فعل، فإن الأوروبيين وهم في مرحلة جديدة ماسة إلى كل الآراء لسد الفراغ ببديل عن الدين النصراني وتحقق بعد ذلك ما يقال من أن " لكل صائح صدى" فإنه بعد انفلات الناس عن قبضة الكنيسة وتحولهم إلى مارد جبار ما كان أحد يظهر رأيا إلا وجد من يستمع له ويأخذ به في البناء الجديد للحياة الأوروبية وأن يكون فيه إسهام في زيادة الابتعاد عن قبضة رجال الكنيسة وقد انضاف إلى تلك الأسباب أيضا ما قام به رجال الكنيسة قبل الإطاحة بهم من الوقوف بحزم وكبرياء أمام كل المفكرين من علماء الغرب والحكم عليهم بأنهم هراطقة يجب قتلهم لردتهم – كما يرى الجامدون رجال الكنيسة – فأي عالم كان يظهر رأيا جديدا في أي شيء في هذا الكون يخالف عقلية رجال الدين كان يعتبر قوله كفرا وردة فقامت المذابح لكل من كان يتصف بأنه حر أو مفكر وقتل الآلاف لأتفه الأسباب إلى أن تغلب الثائرون ومرغوا أنوف رجال الدين النصراني الخرافي في الوحل وقامت على أنقاضه مفاهيم ومذاهب شتى.

أما عصر سلطة الكنيسة هذا فسوف يتضح لك بعض حقائقه من خلال ما يلي بعد أن تعرف معنى الهرطقة. الهرطقة: (¬1) أساس التسمية في بداية إطلاقها هو بنز أطلقته الكنيسة على كل مخالف لهم في باطلهم للبطش به. ومعناها عندهم الكذب والفجور والخروج عن الدين والمراد بها الفتك بمن ينسبون إليه هذه التسمية ولاستباحة دمه " فرأي يراه عالم في الكون هرطقة، ومحاولة فهم الكتاب المقدس لرجل غير كنسي هرطقة، وانتقاد شيء يتصل بالكنيسة هرطقة، ومساعدة واحد من هؤلاء أو الرضا عن اتجاهه هرطقة ... وهكذا". ولقد كان من ضحايا هذا البنز كثير من المفكرين منهم من أحرق حيا ومنهم من أحرقت كتبه ومنهم من سجن وعذب عذابا شديدا مثل: 1ـ " ويكلف" الذي نبش قبره وأحرقت جثته. 2ـ " جون هيس" عميد جامعة براج الذي أحرق حيا. 3ـ "لوثر كنج" وقد عانى الكثير منهم. 4ـ " كلفن". ثم تتابع المفكرون إلى أن استطاعوا انتزاع سلطة الكنيسة وإخفات أصوات رجالها. أما عصر سلطة الكنيسة: فهذه السلطة برزت في القرون الوسطى حين كانت أوروبا تعاني من انتشار الجهل وسيطرة الخرافات بسبب سيطرة رجال الكنيسة وشدة قبضتهم على أتباعهم إذ كانوا بمثابة الدولة الطاغية فقرروا لأنفسهم صلاحيات لا حدود لها صلاحيات دينية وسياسية فوق ما يتصور العقل فلا حق إلا ما قرره البابا وأعضاؤه ولا باطل إلا ما أبطلوه ولا حلال ولا حرام إلا ما جاء عنهم، والويل كل الويل لمن حاول الخروج عن قبضتهم في أي ناحية دينية كانت أو دنيوية فإنه ينال عقابا لا هوادة فيه تحت بنزه بالهرطقة التي اخترعوها لتبرير جرائمهم بالمخالفين كما عرفت. ومن الأمثلة على مظاهر ذلك الطغيان وعلى مدى صلاحيات رجال الدين في تلك الحقبة التاريخية ما يلي: 1ـ اختراعهم الأسماء التي يستحلون بها دماء مخالفيهم ومنها تسمية الهرطقة. ولقد تسلط رجال الكنيسة على كال من حاول أي نوع من إصلاح مفاهيم الكنيسة الخاطئة ورموه بالهرطقة وكان من أولئك الرواد في مجابهة الكنيسة وكل ما يتعلق بها وكانوا ضحية هذا البنز من تقدم ذكر أسمائهم. 2ـ فرض هيمنة رجال الدين على كل شيء دنيوي أو أخروي فربطوا كل شيء بأيديهم فلا ينال ما عند الله إلا بإرضائهم وطاعتهم. 3ـ فرضوا على الناس احترام وطاعة رجال الدين طاعة عمياء قائمة على الذل والخضوع المطلق والاستسلام وعدم الاعتراض في أي أمر كان. 4ـ قرروا أنه لا يستطيع الإنسان أن يصل إلى ملكوت الله إلا عن طريق واسطة وتلك الواسطة هم رجال الدين البابوات فهم وحدهم الذين فوضهم الله تعالى وعلى لسان المسيح – وقد كذبوا على الله عز وجل وعلى المسيح. 5ـ لم يجوزوا لأي شخص كان، مهما كان ذكاؤه وعلمه، أن يجرؤ على تفسير الكتاب المقدس إذا لم يكن من أعضاء مجلس البابا. 6ـ جعلوا من مراسيم العبادة المتقبلة عند الله والطريق إلى قبول التوبة الاعتراف بالخطأ أمام الكاهن الذي بيده محو وغفران الذنوب فور سرد المخطئ لأخطائه سرية أو جهرية وهو على كرسي الاعتراف الذي شبه دائرة المباحث العامة. ¬

(¬1) انظر كتاب ((الهرطقة في الغرب)) تأليف د. رمسيس عوض حيث ذكر كثيرا من الحقائق والمفاهيم المختلفة حول هذه التسمية الإغريقية الأصل وكيف استغلتها الكنيسة أسوأ استغلال في التنكيل بالمخالفين لهم".

7 - أنشأوا فكرة صكوك الغفران وجعلوها من أهم ما ينبغي أن يفكر فيه الشخص لمستقبل حياته الأخروية، وهي في حقيقتها حيلة لنهب أموال الناس بالباطل، ولولا أن الناس قد سلبوا حتى مجرد التفكير لما قبل أحد منهم هذه المهزلة ولكن الذي يعتقد بوجود ثلاثة آلهة من السهل أن يقبل كل مستحيل وقد عرفت أنهم احتكروا كل شيء من الأمور الدينية والدنيوية وجعلوها قصرا عليهم وبالتالي فليس على الإنسان إذا أراد السعادة في الدنيا والآخرة إلا أن يقدم الهدايا العينية والنقدية والأموال المفروضة عليه وغير المفروضة ويشتري صكوك الغفران بأي ثمن يكون ويتحبب إلى رجال الدين ويتودد إليهم وهم يتولون ما يهمه لمستقبل حياته في الآخرة أو إرضاء الله عنه حسب زعمهم بسبب الصلاحيات الممنوحة له من المسيح عليه السلام وحاشاه من أكاذيبهم. 8ـ فرضوا على الناس نظام السُخرة والعشور وذلك بأن يعملوا في الأرض التي تملكها الكنيسة يوما كل أسبوع بدون أجر وأن يدفعوا عشر أموالهم هبة لرجال الدين الذين أصبحوا يأكلون ولا يشبعون. 9ـ وقف رجال الدين ضد العلم وحقائقه النظرية والتجريبية موقفا عدائيا لأنه خارج عن نطاق الكتاب المقدس الذي أعطى البابوات صلاحية التدخل في كل أمور الحياة ونشأ عن هذا الموقف العداء المستحكم فيما بعد بين الدين الذي لا يعترف بالاختراعات التجريبية ويعتبرها هرطقة وبين العلم الذي شق طريقه وسط تلك الظلمات ونجح. 10ـ تبنت الكنيسة أفكارا ونظريات في علوم الجغرافيا والأحياء وغيرها وقدستها ولم تسمح لأحد بمخالفتها وحكمت على من خالفها بالكفر والإلحاد وإباحة دمه. وكان من نتيجة تلك الصلاحيات والهيمنة الكهنوتية أن عاش رجال الدين. البابا وأعضاؤه، عيشة البذخ والتهتك والفجور فوق ما كان يعيشه الأباطرة والملوك وحينما قوي الفكر الحر لرجال العلم والتجارب كان لهؤلاء حسابا قاسيا مع رجال الدين، ابتلى الله الظالمين بعضهم ببعض سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلا. ولقد تبرم بعض كبار أتباع الكنائس من طغيان رجال الكنيسة من أصغر رتبهم إلى أكبرها ومدى ما وصلوا إليه من جرائم واستهتار بالقيم والأخلاق وبذخ لا حد له وحتى تكون الشهادة منهم على حد قوله تعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا [يوسف:26] فقد قالت عنهم "كاترين السينائية " كما ينقل عنها "ول ديروانت ": "إنك أينما وليت وجهك سواء نحو القساوسة أو الأساقفة أو غيرهم من رجال الدين أو الطوائف الدينية المختلفة أو الأحبار من الطبقات الدنيا أو العليا سواء كانوا صغارا في السن أو كبارا لم تر إلا شرا ورذيلة تزكم أنفك ورائحة الخطايا الآدمية البشعة إنهم كلهم ضيقو العقل شرهون .. تخلوا عن رعاية الأرواح .. اتخذوا بطونهم آلهة لهم يأكلون ويشربون في الولائم الصاخبة حيث يتمرغون في الأقذار ويقضون حياتهم في الفسق والفجور". كما يصفهم "ماستيشو" بأنهم: " خدم الشيطان منغمسون في الفسق واللواط والشره وبيع الوظائف الدينية والخروج عن الدين ويقر بأنه وجد رجال الجيش أرقى خلقا من رجال الدين".وبعد أن ذكر " ديوارانت " ما سبق ذكر كذلك أن سجلات الأديرة احتوت على عشرين مجلدا من المحاكمات بسبب الاتصال الجنسي بين الرهبان والراهبات" (¬1) 11ـ أنشؤوا محاكم التفتيش: ¬

(¬1) ((قصة الحضارة)) (21/ 84 - 95) انظر: ((موقف الإسلام والكنيسة من العلم)) (103 – 104).

ومحاكم التفتيش أسوأ وصمة عار ارتكبها رجال الدين في حق العلم التجريبي والفكر الحر والناس عموما، فلقد كان الجهل والغباء والعناد سمة عقول الباباوات وأعضاء مجالسهم ينظرون إلى كل جديد بعين الريبة والتخوف على مراكزهم الدينية أن تذهب بها فكرة أو حركة أدراج الرياح ليقينهم بأنها قائمة على شفا جرف هار لذلك طلب الراهب " ثور كماندا" إنشاء التفتيش لمقاومة العلم والفكر الحر والنظريات العلمية وكل من يخالفهم، فتم ذلك الكابوس فعاش رجال الفكر في خوف شديد ولم يجرؤ الكثير منهم أن يعلن نظرياته واكتشافاته خوفا من سلطة الكنيسة التي كانت لا ترحم أحدا خالف ما قررته. ولقد كانت تلك المحاكم سيفا مسلطا على رقاب أصحاب الفكر وعلى المسلمين بعد ذلك بخصوصهم فحكمت في المدة من عام 1481م – 1499م أي في حدود ثمانية عشر عاما على عشرة آلاف ومئتين وعشرين شخصا بأن يحرقوا وهم أحياء فأحرقوا وعلى ستة آلاف وثمانية وستين بالشنق فشنقوا وعلى سبعة وتسعين ألفا وثلاثة وعشرين شخصا بعقوبات مختلفة فنفذت (¬1) " وكان أبرز العلماء الذين حاكمتهم الكنيسة في العصور الوسطى " جاليليو" الذي قال "بدوران الأرض حول الشمس" وقال كذلك "بأن السماء أكثر من سبعة كواكب " مخالفا ما جاء في رؤيا يوحنا في سفره الذي اضطره البابا " أريان الثامن" إلى أن يجثو على ركبتيه وهوفي السبعين من عمره وأن يعلن عن رجوعه عن آرائه وأنها هرطقة. وصفة اعترافه هكذا " أنا غليليوفي السبعين من عمري سجين جاث على ركبتيه وبحضور فخامتك وأمامي الكتاب المقدس الذي ألمسه الآن بيدي أعلن أني لا أشايع بل ألعن وأحتقر خطأ القول وهرطقة الاعتقاد أن الأرض تدور" (¬2) ومثله " بافون" الذي أعلن عن رجوعه عن رأيه في تكوين الأرض مما يخالف ما جاء في قصة موسى. وصفة رجوعه " أعلن إقلاعي عن كل ما جاء في كتابي خاصا بتكوين الأرض" وحمله عن كل ما جاء به مخالفا لقصة موسى (¬3) ¬

(¬1) انظر ((الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية)) (ص 26). (¬2) ((بين العلم والدين)) (79 – 80). (¬3) ((بين العلم والدين)) (79 – 80).

وكذا " جيورد أنو برونو" الذي أحرقته الكنيسة حيا وذرته في الرياح و" شيكو داسكولي" الذي كان له شهرة في علم الفلك بجامعة كولولينا الذي أحرقته الكنيسة حيا في لفورنسا، و" دي رومينس" الذي قال إن قوس قزح ليس ميثاقا بين الله وبين خلقه وليس قوسا حربية بيد الله ينتقم بها من عباده إذا شاء كما قرره الكتاب المقدس بل هو من انعكاس ضوء الشمس في نقط الماء. فجلب إلى روما وحبس حتى مات ثم حوكمت جثته وكتبه وحكم عليها وألقيت في النار. وهذه الأهمية لقوس قزح إشارة لما جاء في خرافات الكتاب المقدس من أنه علامة لله يتذكر به أهل الأرض فلا يجعل المطر عليهم طوفانا يغرقهم به كما أفادته النصوص الآتية من سفر التكوين. وكلم الله نوحا وبنيه معه قائلا: "وها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم. ومع كل ذوات الأنفس الحية التي معكم. الطيور والبهائم وكل وحوش الأرض التي معكم من جميع الخارجين من الفلك أيضا بحياة الطوفان ولا يكون أيضا طوفان ليخرب الأرض وقال الله هذه علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلى أجيال الدهر وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض فيكون متى أنشر سحابا على الأرض وتظهر القوس في السحاب إني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد فلا تكون أيضا المياه طوفانا لتهلك كل ذي جسد فمتى كانت القوس في السحاب أبصرها لأذكر ميثاقا أبديا بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض" (¬1) وقال الله لنوح "هذه علامة الميثاق الذي أنا أقمته بيني وبين كل ذي جسد على الأرض" (¬2) ومن المفكرين الذين شملهم عقاب رجال الدين" لينيوس" الذي استطاع بتحليله للماء أن يعرف سبب احمراره وأنه يرجع إلى تكاثر نوع من الجينات فيه. ولكن حينما علم بذلك رجال الكنيسة ثاروا عليه وناصبوه العداء لأن التعليل عندهم لذلك هو أن ذلك خارقة من الخوارق الربانية، تحدث عند غضب الله تعالى وقد اضطر " لينيوس" إلى التراجع خوفا من رجال الكنيسة (¬3) ومنهم " كوبرنيوكس" الذي كانت له آراء فكرية تخالف ما عليه الجامدون من رجال الكنيسة الذي أفلته الموت من قبضتهم ولكنهم لعنوه وهوفي قبره وصادروا كتبه وأحرقوها وحرموا قراءتها. ومنهم " نيوتن" الذي تبنى القول بقانون الجاذبية فقد عوقب من قبل الكنيسة لأن هذا القول معناه من وجهة نظر الكنيسة انتزاع قوة التأثير من الله عز وجل إلى قوى مادية (¬4) ومنهم " بلاج" الذي أظهر رأيه في أن الموت كان موجودا قبل آدم عليه السلام وقامت لذلك ضوضاء وجلبة وانتهى الأمر بصدور أمر إمبراطوري بقتل كل شخص يعتقد ذلك ولعل السبب في هذا الحكم هو اعتقادهم أن الموت إنما وجد من أجل خطيئة آدم فوجوده قبل آدم يعتبر أمرا لا مبرر له وعبثا وأن الخطيئة كانت موجودة قبل آدم. وغير هؤلاء كثيرون لقوا مصارعهم قتلا وحرقا وشنقا وسجنا مؤبدا إلى الموت بسبب ما كانوا يعلنونه من اكتشافات أو آراء علمية قابلة للتجربة والبحث يستحق صاحبها المكافأة إن كانت صادقة أو عدم الاهتمام بها إذا كانت غير صحيحة لكن حكم الكنيسة يختلف. ¬

(¬1) ((سفر التكوين. الإصحاح9)) (¬2) ((سفر التكوين. الإصحاح9)) (¬3) ((موقف الإسلام والكنيسة من العلم)) (ص 138) (¬4) ((موقف الإسلام والكنيسة من العلم)) (ص 138)

ولهذا فقد شُلت الحركة الفكرية في أوروبا زمنا طويلا إلى أن جاء القرن الخامس عشر وبدأ المفكرون ينفضون عن الناس غبار جاهلية البابوات وطغيانهم فنادى " مارتن لوثر" بحركته لإصلاح الكنيسة سنة 1483م- 1546م واعتبر صكوك الغفران من وسائل الذل والعبودية التي يجب أن تنتهي ثم جاء بعده كالفن سنة 1509م – 1564م على نفس الاتجاه ورغم أن حركة لوثر ومن سار على طريقته غيرت كثيرا من المفاهيم الخاطئة واعتبرت العقل مصدرا من مصادر الفهم أيضا إلا أنه يلاحظ أن تلك الحركات لم تتحرر من تعاليم الكتاب المقدس بل جعلته مصدر الحقيقة فيما يتصل بالإيمان وله الكلمة الأخيرة ولو خرجوا عن هذا لكانوا على جانب من الإصلاح والتحرر من الخرافات. ومن أسباب قيام المذاهب الفكرية في الغرب ما أحس به الأوروبيون من التخلف الذي كانوا يعيشونه والغبن الفاحش الذي كانوا يعاملون به وقد كان من الأسباب التي أيقظتهم على هذا الواقع المؤلم هو اتصال الغربيين عن طريق طلب العلم في البلدان الإسلامية واحتكاكهم كذلك بالمسلمين عن طريق التجارة أو غير ذلك من الأسباب التي جعلتهم يطلعون على الأوضاع تحت ظل الإسلام والأوضاع التي يعيشونها في ظل حكامهم ورجال دينهم. ومنها ما قام به مفكرو الغرب من نبش الحضارات القديمة وإحياء الفلسفات اليونانية والاستفادة منها لقيام نظريات ومفاهيم سموها جديدة لإغراء الناس بها كالديمقراطية والعلمانية الرأسمالية وغيرها من الأفكار التي أرادوا أن يسدوا بها فراغ بعدهم عن الكنيسة. ومنها مكائد اليهود وحبكهم المؤامرات لإثارة الفتن في عامة العالم الغربي لتغيير كل المفاهيم السائدة في ذلك الوقت وتحطيم كل ما كان معاديا لليهود والانتصاف من كل من أسهم بأي نوع من الأذى لليهود حتى تم لهم ما كانوا يخططون له فقامت الثورات التي تسفك فيها الدماء والثورات التي يداس فيها الدين وتداس الأخلاق وجميع النظم المخالفة لليهود. وواقع الغرب اليوم أقوى شاهد على هذا. وإذا كان ما تقدم يدل على أسباب انتشار المذاهب الفكرية في أوروبا فما هي أسباب انتشارها في العالم الإسلامي. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 53

المطلب الثاني: أسباب انتشار المذاهب الفكرية في العالم الإسلامي

المطلب الثاني: أسباب انتشار المذاهب الفكرية في العالم الإسلامي عرفت مما سبق أنه إذا كان للغرب من وجهة نظرهم ما يبرر قيامهم بالثورات على الدين – والمقصود به الدين النصراني الوثني الخرافي بطبيعة الحال – ولهم ما يبرر قيامهم بالثورات على رجال ذلك الدين ولهم كذلك ما يبرر نشوء مختلف المذاهب الفكرية بينهم إذا كان لأولئك مبررات في كل ذلك سواء أكانت مبررات مقبولة أو غير مقبولة فما هو المبرر لقيام تلك الأفكار والمذاهب في بلدان من أغناهم الله بالإسلام وأعزهم به في الدنيا والآخرة وشهد له إعلام الغرب من الموافقين ومن الحاقدين بأنه خير دين ينظم الحياة كلها وأن تعاليمه ونظمه فيها السعادة وحل كل المشكلات بطرق لن يهتدي إلى مثل عدالتها أحد من البشر؟!! إنه لأمر غريب أن يتطفل أحد من المسلمين على موائد الغرب الآسنة ليبحث فيها عن النجاة والسعادة في الوقت الذي يرى بأم عينيه ما يعانيه الغرب من الشقاء والحرمان والحياة اليائسة. أَفَحُكمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا [النساء:139] نعم إنه لا مبرر لقيام تلك المذاهب في ديار المسلمين ولكن قد حصل ذلك شئنا أم أبينا فما هي أسباب ذلك؟ إن أعظم أسباب تأثر بعض المسلمين بما عند أعداء الإسلام إنما يعود إلى: 1ـ جهل هؤلاء بدينهم وما يحويه من مفاخر وما يحويه من شمولية كاملة حيث شهد الله تعالى له بهذا في كتابه الكريم بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3] فمن رد هذه الشهادة فلا شك في جهله وكفره وخروجه عن ربقة الإسلام وجماعة المسلمين وأنت تعلم أن هذا الجهل من هؤلاء يعود إلى أسباب كثيرة إما لتفريطهم وإهمالهم وإما لتربيتهم وإما لاختلاطهم وإما لغير ذلك من الأسباب الكثيرة. 2ـ جهلهم بحقيقة ما تحمله تلك المذاهب الضالة من بؤس وشقاء وأنهم تأثروا بها دون معرفة لحقيقتها المخزية وما تحمله من دمار أخلاقي واقتصادي واجتماعي وديني وكل شيء يمت إلى الطريق الحق والصراط المستقيم فأصبح حالهم تنطبق عليه هذه المقالة "حبك الشيء يعمي ويصم" ولا يمنع أن هؤلاء عملاء مأجورين أيضا ما أكثر أولئك الذين باعوا دينهم وضمائرهم. 3 - من الأسباب أيضا رغبة هؤلاء في الانفلات والتحلل من كل القيم والأخلاق والعادات الحسنة والفضائل ورغبتهم في العيش على الطريقة الغربية يعيشون كما تعيش البهائم ويأكلون كما تأكل الأنعام دون أن يقف في طريقهم أي مانع شرعي أو عرفي. 4ـ نشاط أعداء الإسلام وقوة عزمهم على إفساد عقائد المسلمين وإخراجهم من دينهم بأنواع الدعايات والمغريات. 5ـ بذل المساعدات المالية وتحبيب الحياة الغربية إلى قلوب المسلمين وتنفيرهم من حياتهم الإسلامية وبث الدعايات ضد الإسلام وحكام المسلمين وعلماء الإسلام قاطبة فقد صوروا لهم الإسلام أنه هو الواقف حجر عثرة في طريق تقدم المسلمين ونهوضهم ووصولهم إلى صنع الطائرات والصواريخ و ... إلخ وصوروا لهم علماء الإسلام أنهم متخلفون وجامدون إلى غير ذلك من أنواع الدعايات الخبيثة التي سرت في عروق كثير من جهال المسلمين. 6ـ تأخر بعض بلدان المسلمين في مناهجهم التعليمية حيث أقصيت كل الدراسات – إلا القليل - التي تبصر المسلم بما يبيته له الغرب على أيدي عملائه من المنصرين والمستشرقين ومن وافقهم ممن يدعي العروبة أو الإسلام. 7ـ الضعف النفسي الذي أصاب المسلمين وانبهارهم ببريق الحضارة الغربية ورغبة المغلوب في تقليد الغالب ومحاكاته لجبر ما يحس به من ضعف الشخصية أمامه. 8ـ الضغوط الشديدة التي يتعرض لها ضعفة المسلمين باستمرار في أكثر من بلد إسلامي وإملاء الكفار لأفكارهم على تلك الشعوب لتقبلها راغبة أو راهبة وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي تضافرت لتهز من كان في قلبه مرض هزا عنيفا. ولكننا على يقين أن الحق سيبقى وأتباعه سيبقون إلى نهاية هذا الكون بإخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بذلك. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 67

المبحث الثالث: هل يصح نسبة الفكر إلى الإسلام فيقال الفكر الإسلامي؟

المبحث الثالث: هل يصح نسبة الفكر إلى الإسلام فيقال الفكر الإسلامي؟ يبدو أن هذه المسألة التبس أمرها على بعض طلاب العلم فمنهم من منع هذا على الإطلاق، ومنهم من لم ير به بأسا، والذي يبدو والله أعلم أنه يجب معرفة أمر مهم وهو التفريق بين إطلاق كلمة (الفكر الإسلامي) مرادا به التشريع الإسلامي ذاته وأنه ناتج عن فكر وبين الحديث عن ما أنتجته عقول علماء الإسلام في شتى ميادين العلوم وأن إطلاق كلمة الفكر الإسلامي على الإسلام ومبادئه الإلهية إطلاق غير دقيق بل ليس بصحيح فإن الإسلام ليس فكرا ناتجا عن اجتهاد أحد وإنما هو تشريع إلهي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم. أما إذا أريد بالفكر الإسلامي ما كان ناتجا عن اجتهاد وذكاء عقول المسلمين وإنجازاتهم في الأمور القابلة لذلك فلا حرج في إطلاقه إن شاء الله تعالى ومن هنا فلا يصح أن يفهم أن عبارة الفكر الإسلامي المقصود بها الإسلام ومبادئه الأساسية أو أن يكون بهذا المفهوم قابلا للمقارنة بينه وبين الأفكار الوضعية الفكرية كأن يقال مثلا المقارنة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي أو الشيوعي أو أي فكر كان في قضية كذا فإذا أريد بحث قضية ما بين الإسلام وبين غيره فلا يجوز أن نبحثها على ضوء الإسلام على أنه يمكن التوافق بينهما أو التقارب بل على أن الإسلام يقول فيها حكمه الحق والعدل كما أمر الله تعالى سواء وافق الأفكار الأخرى أو خالفها دون أن نتكلف في الجواب أو نتملق أحدا لتقريب الفكر البشري الوضعي إلى حقيقة الإسلام ومبادئه تحت تسمية شمول الفكر الإسلامي ونحو ذلك من العبارات التي قد ينخدع بها المسلم من حيث لا يشعر فينجر إلى تمييع الحكم الإسلامي المبتكر تناديا بإنارة العقل وحل المشكلات وزيادة ثقافة المسلم وتوسيع مداركه وإشعاره بالجد في العمل وتحذيره من الغفلة أو اتباع الخرافات أو التحذير مما يقوله أعداء الإسلام من شبهات باطلة ودس كاذب على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو على كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيجب أن تكون الكتابة كذلك فإنها حينئذ تكون قد مثلت جانبا من جوانب التفكير العلمي الممدوح وقدمت صفة من صفاته المتعددة وخدمة مشكورة في بناء وإثراء الفكر لدى المسلمين عامة في شتى المجالات الدينية والدنيوية. أما إذا كانت الكتابة بغير علم ولا هدى أو يراد بها التملق أو الخداع أو تقريب الأفكار الباطلة إلى الإسلام فإنها لا يحق لها الانتساب إلى فكر علماء الإسلام وجهودهم كما فعله الكثير ممن كتب في هذا المجال عن تطور الإسلام ومرونته أو تقاربه مع الأديان الأخرى بزعمهم أو كانت في شؤون سياسية بعيدة عن منهج الإسلام ويحاول كاتبها أن يلوي أعناق نصوص الإسلام لتنسجم مع رغبته في تقرير فكرته تلك فإنها عمل شخصي وليس هو المطلوب لإثراء العمل الإسلامي فهناك من يحاول أن يقدم الإسلام على أنه مرن جدا بحيث تتوافق نصوصه مع كل ما هب ودب من الأفكار ولا شك أن هذا خطأ فاحش وهناك من يقدمه على أنه سياسة أو اقتصاد وهناك من يقدمه على أنه ثقافة اجتماعية أو أنه حركات ثورية صاخبة أو أنه زهد وعبادة وانزواء عن الناس .. إلى غير ذلك من الأمور التي وقع فيها الكثير عن قصد وعن غير قصد وهذه التجزئة لمفهوم الإسلام قاصرة وغير مفيدة ولا تمثل حقيقة الإسلام الشاملة ومزاياه العديدة التي طرقت كل جوانب الحياة تحت عموميات شاملة وقواعد يسبح في ظلها الفكر الإنساني في شتى مجالات قدرته على أنه – لا محذور أن نقتصر على إشباع جزئية ما وتقديمها على أنها من صميم الإسلام إذا كانت كذلك في مقابل الرد على من يزعم أن الإسلام لم يتطرق إليها أو أن المسلمين لا يعرفونها ولكن مع بيان أن الإسلام شامل وكامل في بيان جميع القضايا وأن تلك الجزئية إنما هي نقطة في محيط الإسلام مع ربطها ربطا وثيقا بالنصوص المؤيدة أو المانعة وذلك لئلا نستدرج في التوسع فنتقول على الإسلام ونتكلف التدليل ليتوافق مع الأفكار البشرية الوضعية ولا ريب أن الإسلام قد تطرق إلى كل ما يهم البشر في حياتهم ولا ريب كذلك أن المسلمين كانت لهم جهود في خدمته قدموها ابتغاء مرضاة الله ونفع البشر من خلال اطلاعهم على مزايا الإسلام وخصائصه العظيمة التي كانت قابلة لكل ما يستجد في أذهانهم من علوم دينية أو دنيوية مستحدثة بحكم أن الإسلام هو آخرالديانات والمهيمن على الدين كله. وفي النهاية أعتقد أن ترك التعبير بكلمة المفكر أو الفكر الإسلامي واستبدالها بكلمة التفكير عند المسلمين هو الأفضل. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 217

الفصل الثاني: دخول الأفكار إلى بلاد المسلمين وموقفنا منها

المبحث الأول: كيف دخلت الحضارة الغربية بأفكارها بلدان المسلمين لقد كان أساس دخول الحضارة الغربية إلى البلاد الإسلامية وانتشار أفكارها المختلفة هو شعور حكام المسلمين بتفوق الغرب عليهم في شتى المجالات التنظيمية والاقتصادية وخصوصا ما يتعلق بالنواحي العسكرية والنظم التي تسير بها الجيوش والحاجة إلى السلاح الذي كان بيد الغرب حينما صنعه الغرب النصراني والمسلمون في سبات عميق ومن هنا برز الشعور القوي لدى هؤلاء الحكام بضرورة مد اليد إلى الغرب لشراء الأسلحة التي تزخر بها المصانع الغربية وتم ذلك فنشأت حاجة أخرى وهي طلب من يقوم بالتدريب عليها وكذلك طلب من يقوم بصيانتها ولا بديل عن الغرب الأوربي في ذلك بطبيعة الحال فاستقدموا المدربين والمهندسين والمستشارين من شتى دول الغرب ثم برزت حاجة أخرى وهي توفير الكتب والمدرسين والمدارس للنشء الجديد في الدول الإسلامية الذين أريد منهم أن يكونوا دائما عدة للجهاد وتم ذلك ولكن لا يخفى عليك أخي القارئ من هم الذين سيقومون بتلك المهام كلها للنشء الجديد فالدول الإسلامية في بداية الصحوة من نومها ولا تملك شيئا من ذلك فكان آخر الأمر أن ارتموا أمام خبراء الغرب الذين أتوا بكل ما أمكنهم لتغريب العالم الإسلامي – وفي أولهم الجيوش – ومن هنا بدأت عجلة التغريب تعمل في العالم الإسلامي وبدأ الكثير من حكام المسلمين يتبعون سنن الغربيين في كل شيء بدؤوا ينظرون إلى التعاليم الإسلامية وإلى القيم الإسلامية نظرة ضعيفة فيها نوع من تفضيل للحياة الغربية عليها وكانت تركيا هي المثال القوي المخزي على هذا السلوك في آخر الدولة العثمانية إلى أن تسلمها العلماني الملحد مصطفى كمال أتاتورك الذي سلخها من كل شيء يمت إلى الإسلام بصلة – كما هو معروف من تاريخه الشنيع – ثم ابتعث كثير من المسلمين أبناءهم للدراسة في الدول الغربية ليتعلموا شتى الفنون التي كانت تنقصهم كضرورة ملحة جديدة ولكن بعد أن رجع هؤلاء إلى بلدانهم لم يقف في وجوههم أي حاجز لرفع علم الحضارة الغربية في بلدانهم والمناداة ليلا ونهارا وسرا وإعلانا بالانضمام التام إلى الحياة الغربية واللحاق بركبها الذي كانوا يرونه سفينة النجاة ومصدر فخرهم وإعجابهم، وبدأ هؤلاء ينفخون في أذهان المسلمين المبادئ الغربية والعادات الاجتماعية عندهم – متخذين من بعض القضايا ذريعة – لتوصيل الحضارة الغربية إلى الأذهان، مثل زعمهم أن حجاب المرأة ظلم لها وأن المسلمين ينقصهم الدعوة إلى الحريات، حرية الكلمة، وحرية العقيدة، والدعوة إلى منع الطلاق وتعدد الزوجات ووجوب تعليم المرأة ومشاركتها الرجل جنبا إلى جنب في ميادين العمل وكذا الدعوة إلى العودة إلى الحضارات القديمة التي كانت قائمة قبل الإسلام وإلى السلوك الإسلامي – وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي نفذوا من خلالها إلى إنقاد التعاليم الإسلامية في مكر وخديعة وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]

ولقد افتتن بعض المسلمين بالحضارة الغربية وبريقها اللامع لأسباب حملتهم على ذلك تمنوها في مجتمعاتهم فلم يجدوها كحال الحرية التي رأوها في العالم الغربي في الظاهر فتمنوها دون رؤية ولا نظرة ثاقبة في حقيقتها ومآل أمرها ولعل الأوضاع التي يعيشها المسلمون في بعض الأماكن تحت بعض الأنظمة التي تتظاهر بالإسلام من عدم الاهتمام بحرية الفرد ولا المجتمع وسوقهم إلى ما يراد بهم طوعا أو كرها دون مراعاة كرامة أحد والتعسف المقيت في معاملتهم لعل هذه الأوضاع أيضا كانت من الأمور التي شجعت أولئك الذين فتنوا بالحضارة الغربية بكل ما فيها من حسن وقبيح إلى المناداة بها ومعلوم أن هذا الوضع ليس مبررا لترك الدين وما يأمر به أو ينهى عنه لا من قريب ولا من بعيد فإنه يمكن معالجة هذه الأوضاع السيئة حين توجد بطرق كثيرة غير الحضارة الغربية والحرية الشخصية التي أصبحت يراد بها العري والخناء وعدم الحياء في ظل تلك الحضارة المادية الزائفة فإن الإسلام لم يهمل حلول أي مشكلة تتعلق بحياة الناس دينية حكاما أو محكومين وتاريخه يتحدث بذلك في صوره المشرقة ففي الإسلام ليس للحاكم إلا تنفيذ الشرع الإلهي على الجميع وإذا خرج عن الدين ونادى بالكفر البواح فلا طاعة له أيضا وإذا ظلم رعيته فإن الله تعالى له بالمرصاد ويحاسب كذلك عن تصرفاته في أموال المسلمين ولا يستبد برأيه ولا يكتم حريات الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ولا يحكم لنفسه بحكم ينتفع به بظلم الناس إلى غير ذلك من الأمور المعروفة في الإسلام أي أن الحاكم ليس له مطلق الاستبداد كما يتصور الجاهلون بالإسلام قياسا منهم على ما اخترعه رجال الكنيسة باسم الدين النصراني فإن الإسلام يُوجِدُ في قلب الحاكم الملتزم به الشفقة والرحمة والتواضع ويؤكد على أنه يسأله الله يوم القيامة عن كل تصرفاته وبذلك يكبح جماحه ويهذبه. ويتضح مما تقدم أن الغرب النصراني لم يعد يهتم بمقارعة المسلمين وجها لوجه مناظرات ومجادلات حول الأسس الإسلامية التي قام عليها بناء الإسلام في قلوب أتباعه لم يعد الغرب يهتم بذلك. 1ـ لأنهم يئسوا من زحزحة المسلمين عنها بالكلية عن طريق النضال الفعلي أو الفكري. 2ـ لأنهم اكتشفوا طرقا جديدة تختصر لهم المسافة الفارقة بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية وكان لهذا الاكتشاف وزنه وفائدته بالنسبة للغرب ومن هذه الطرق متابعة الأفكار الغربية التي قبلها المسلمون وتنميتها في صدورهم وإطرائها بالمديح، وزينوا لهم أن البداية والنهاية تكمن في تقبل المسلمين للتطور والتجديد في جميع النواحي السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ... إلخ وأصبح مثل الغربيين ودعائهم بالنسبة لبث تلك الأفكار في العالم الإسلامي أصبح مثلهم أشبه ما يكون بالمزارع الذي يتعاهد ما بذره كل يوم في الوقت الذي فتحوا فيه شهية المسلمين للوصول إلى كل المغريات التي تزخر بها الحضارة الغربية الجديدة ولم يقف الغرب عند حد الوصول إلى تحقيق هذا الهدف بطريقة منفصلة لدى المسلمين بل عملوا جهودهم على أن يصبح هذا الهدف هو الاتجاه العام لدى كل المسلمين وبالتالي تكون النتيجة من وراء تحقيقه هو إقامة علاقات مشتركة على قدم المساواة بين الغرب وبين العالم الإسلامي بعد توحد الأفكار والأهداف ومن ثم تذويب العالم الإسلامي في بوتقة الحضارة الغربية إلى الأبد فإن المغلوب ينظر دائما إلى الغالب بعين الإجلال والهيبة ويحب محاكاته في كل تصرفاته سيئة كانت أو حسنة وطبيعة صاحب الهزيمة النفسية أنه لا يفرق بين الغث والسمين في تعامله مع المنتصر. قصور خطير:

ظهرت النتائج لدى العالم الإسلامي في صورة شنيعة يمثلها قصور المفكرين والعلماء المسلمين في الإحجام عن دراسة العالم الغربي بجد وبيان أفكاره والأخطار التي ستحل بالأمة الإسلامية إن لم يضعوا حدا لذلك الغزو. لم يحصل هذا مع شدة حاجة أبناء المسلمين إلى تفهمه والحذر منه بل إن الذي حصل هو ضد هذا وهو اشتغال بعض المفكرين دارسي الإنجليزية من المسلمين بترجمة كتب أولئك في ميادين القصص الغرامية العابثة والأخبار التافهة وفي مغامرات بعض أقطاب الغرب وسيرهم التي تمجد أقطابهم وتوحي للقارئ بعظمة أولئك في شتى الميادين أو ما كان منها يوحي بحياة العصبية والوطنية والقومية والتعالي على الآخرين والعودة إلى الافتخار بما عفى عليه من حضارات قديمة بزعمهم وأنه يجب العودة لها تحت أشكال متعددة وساعدهم أصحاب الأموال الغربية بكل ما يحتاجونه لتحقيق ذلك ولعل القارئ قد سمع في الإذاعات الغربية خصوصا لندن ومونت كارلو وواشنطن لعله سمع ما حصل من الاحتفال المهيب في أول هذه السنة 1419هـ بترميم تمثال " أبي الهول " وأنه بلغت تكلفة ترميمه عشرة ملايين دولار وإن العمل استمر في ذلك قرابة عشر سنوات وكان الاحتفال بالانتهاء منه يوما مشهودا حضره رئيس الدولة وعدد غفير من الوجهاء والأعيان وسفراء بعض الدول العربية وسفراء الدول الغربية وتبرع" روكفلر " المليونير اليهودي بمبالغ هائلة – غير مشكور عليها – للبحث عن الآثار الفرعونية وبنى معهدا لأجل ذلك على نفقته لسد الحاجة إلى الفنيين لنبش الآثار الفرعونية في الوقت الذي كان الشعب المصري في أمس الحاجة إلى المساعدة المالية لسد ما دمرته البراكين التي ثارت فيه وأصبح كثير من السكان بدون مأوى ولا غذاء إلا من بعض المساعدات التي كانت تذكر إذاعة القاهرة أنها لا تكفي لإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية وليس هذا فقط فقد أتخموا العالم الإسلامي بالدعوة إلى إحياء ما يسمونه الفن بجميع أشكاله وإيجاد كل ما يتطلبه الأمر من بناء مساكن ومدارس وإيجاد مدربين .. إلخ وقد تحقق الكثير من إحياء هذا الفن الذي كان أكثره موجه لتدمير الأخلاق الإسلامية والعفة ونزع الحياء من وجوه الفتيان والفتيات الناشئين وانتعشت حركة الفن هذه حتى أصبحت ذات رسالة – كما يعبرون عنها – وأصبح تحقيقها يعتبر – على حد زعمهم – رسالة ومفخرة وطنية يجب تمجيدها وتقديسها وحينما تتم المقابلة بين أحد الفنانين في الإذاعة يقول له المذيع: ماذا تتمنى فيقول: أتمنى على الله أن يوفقني لإكمال الرسالة؟! والقارئ يدرك السبب من وراء هذا الاهتمام من قبل الغرب بجوانب الفن المزعوم والإنفاق السخي على نبش الآثار لأنهم عرفوا أن هذه الأمور هي مقصد الكثير من الناس للتسلية وأنها ذات أثر جذاب على كل الناس مهما كان التفاوت بينهم في المعرفة والأعمار أيضا ومن الغريب أن تسمع كثيرا من وسائل الإعلام عند المسلمين يأتي مصدر البرامج فيها إما تمثيلية غربية أو ترجمة لكاتب غربي أو خدمة لكتاب غربي كذلك حتى ليخيل للسامع العادي أن الحضارة الإسلامية لا شأن لها إلا بالمساجد وإقامة الصلاة فيها فقط وأنها لا بديل فيها عن تلك البرامج الغربية وهذا الظلم للحضارة الإسلامية سببه جهل أبناء الإسلام وكيد أعدائه فأصبح الإسلام بين أمرين أحلاهما مر بين جهل أبنائه وكيد أعدائه. الدعوة إلى خلط الفكر الإسلامي بالفكر الغربي بدعوى تقارب الحضارتين والسير معا لخدمة الإنسانية

قال الله تعالى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [ص:24] وإذا كان الخلطاء يبغي بعضهم على بعض وينتج عن ذلك شر وظلم في الأمور الدنيوية فما بالك إذا كان في الأمور الدينية حين يراد خلط الحق بالباطل فما الذي سيحصل من ذلك؟ إنه يحصل نتاج مشوه ومشئوم لا خير فيه، وظلم صارخ لا عدل فيه وتقارب الحضارتين هو وجه آخر لدعوى الأديان فكيف يتجاهل هؤلاء الدعاة الغربيون ومن سار على طريقتهم من أتباعهم في العالم الإسلامي من دعاة التغريب كيف يتجاهل هؤلاء الفرق الهائل بين الدين الحق والدين الوضعي وهو فرق يمثل الفرق بين الحق والباطل والعلم والجهل فأنى يجتمعان؟ إن التقارب الذي يدعو إليه أصحاب الفكر الغربي إنما يراد به جر المسلمين إلى الغرب وذوبان الشخصية العزيزة للمسلم في خضم التيار الغربي بما يملكه الغرب من وسائل الإغراء التي لا حد لها ولعل هذه الدعوة نبعت من جراء تراخي قبضة المسلمين على دينهم والإسفين الذي دقته الحضارة الغربية الحديثة وقوة التغريب المتنامي في العالم الإسلامي على أيدي المنصّرين والمستشرقين وأتباعهم من المحسوبين على العالم العربي أو الإسلامي، ثم إحساس هؤلاء بهذه الفجوات في المسلمين ومن هنا وقر في أذهان أولئك الكتاب وجميع القائمين على حركة التغريب أنه يجب توجيه كافة الإمكانيات والجهود وتجييش الكل لخدمة تلك البذور النامية في أذهان المسلمين نحو حب الحضارة الغربية وأنها السبيل الوحيد للمسلمين إذا أرادوا التقدم والعيش الكريم بزعمهم وأقطاب الغرب والتغريب كلهم يشترطون - بالقول أحيانا وبالفعل أحيانا أخرى- لهذا التواصل والاندماج أن يتم بعيدا عن حقيقية الإسلام التي سار عليها في عهوده السابقة وأن يتم على فلسفة عصرية جديدة بزعمهم وهي خدعة ظاهرة يراد من ورائها عدم الاهتداء بتعاليم الإسلام الثابتة. ومن المعلوم مسبقا أنه لو صار تقارب الحضارتين على هذا الأساس لكان الخاسر فيها هم المسلمون بدون شك حتى ولو كان التقارب أيضا على دعوى النعرات الجاهلية من قومية ووطنية أو تسامح ديني وما إلى ذلك فالنتيجة واحدة على حد قول الشاعر: من لم يمت بالسيفِ مات بغيرهِ تعدَّدت الأسبابُ والموتُ واحدُ فإن الهدف الأخير للغرب هو استعمار بلدان المسلمين وعودة جنودهم إلى ثكناتهم السابقة ومحو الشخصية الإسلامية من القلوب ولقد تفوق الغرب على غيره بحسب الترتيب وإحكام الخطط بمكر ودهاء وهو أمر واقع وظاهر وما حصل الآن من استعمار الغرب للعراق العربي المسلم مما يندى له الجبين ويثير في النفوس الأسى والحزن والإحباط الشديد. نتيجة خطيرة:

الذي يبدو – والله أعلم – أن الحضارة الغربية ستلتف على العالم الإسلامي نهائيا ما دامت أوضاع المسلمين بهذا الحال من الفقر والتقهقر وعدم الاستفادة من العقول ومما أودعه الله في داخل الأرض من الخيرات العظيمة وما داموا بهذا التفرق الشنيع وما دام اسمها " الدول النامية" فلن يمكنها الوقوف أمام الحضارة الغربية العاتية التي استحوذت على كل ما يتطلع إليه البشر من التفوق في سائر الفنون من اقتصاد وصناعة وتجارة وطب وغير ذلك من الأمور التي سترضخ المسلمين لهم طوعا أو كرها للحصول على أجزاء منها – وليس كلها – فإن من احتاج إلى شيء خضع له والإنسان أسير من أحسن إليه وأعتقد أن ما يتبجح به بعض الناس من أن العالم الإسلامي بخير ولا ينقصهم أي شيء أعتقد أن قائله إما أن يكون جاهلا يريد تثبيط المسلمين وإلهائهم عن النظر إلى واقعهم الضحل كما أعتقد أن ثالثة الأثافي على المسلمين هي هذه الثغرة الهائلة التي فتحها نظام العراق البعثي الصليبي الذي أعطى الغرب المتربص الضوء الأخضر والفرصة السانحة لتغلغل أفكارهم وانتشار حضارتهم ونصرانيتهم بكل صلف وكبرياء وقد أصبح العراق في عهد طواغيته اليوم المثل الثاني – بعد فلسطين – على إذلال المسلمين وانكسار شوكتهم. ومما يلاحظه القارئ الكريم أن الدعوة إلى تقارب الحضارة الإسلامية مع الحضارة الغربية أحيانا تأتي هذه الدعوة في شكل طلب صداقة – صداقة الذئب والحمل – أو علاقات حميمة بين الإسلام والمسيحية في مقابل وقفة الجميع ضد التيار الشيوعي وأنه يجب أن توجه كل الجهود ضده فهو العدو المشترك وقد انكشفت هذه الخدعة بسقوط الشيوعية وأحيانا تأتي بدافع حب تطوير الشعوب إلى التقارب ومدارسة الجوانب والأمور التي يجب أن يقفها الجميع ضد الإلحاد ما لم يكن ذلك التقارب على حساب الإسلام أو هضم حقوق المسلمين إلا أنه تبين أن العالم الغربي وضمن نفوذه السياسي والاقتصادي ليس إلا والأدلة على هذا كثيرة من أقواها وقوف الغرب إلى جانب الشيوعية عندما يحاط بها وعداؤهم السافر للإسلام والمسلمين وخصوصا في هذه الأيام من هذه السنة 1422هـ بعد فتنة التفجيرات التي وقعت في أمريكا في نيويورك وواشنطن حيث أخرجت أضغانهم على الإسلام والمسلمين فصرحوا بكل وقاحة بأن عدو حضارة الغرب هم المسلمون والإسلام المتخلف بزعمهم ولأن الكفر ملة واحدة فإنك تجد أن أعداء الإسلام دائما يقفون إلى جانب بعضهم بعضا في محاربة انتشار الإسلام وحصاره ورميهم له بأنه غير متطور ويجب تطويره كشرط أساس لمسايرته الحضارة الغربية ولا تسأل بعد ذلك عن هذا التطور الذي يدعون إليه ولا عن نتائجه الوخيمة وعن الشر الكامن في مبادئه ولا عن قيمة المجتمعات الإسلامية في ظل هذا التطور المزعوم فأين إذاً الدعوة إلى تلاحم النصرانية والمسيحية ضد الإلحاد ما داموا لا ينظرون إلى الإسلام إلا بهذه النظرة الظالمة.

ومن هنا وقع الكثير من الكتاب المسلمين – بحسن نية – في بعضهم وبمكر ودهاء في أكثرهم من دعوى مسايرة أحكام الشريعة الإسلامية للأحكام الوضعية الغربية لكي يتم بناء هذا التمثال الهزيل ثم ركبوا كل صعب وذللوا لتحقيق هذا الادعاء الباطل المستحيل فما من قضية غربية إلا ووجد لها من بعض كتاب المسلمين من يقول "أن الإسلام أيضا قد اشتمل على بيانها فلا ينبغي أن يعاب وأصبح الإسلام كأنه مذنب يحتاج إلى المحامين عنه لامتصاص أخطائه وذنوبه أمام الحضارة الغربية حسب دفاع هؤلاء ولا شك أن دعوى مثل هذا التطور هو قتل للإسلام على تؤدة وأنه لن يتم إلا إذا تخلى المسلمون عن دينهم نهائيا".وهذا الصنف من المحامين خُدِعُوا في أنفسهم وخَدَعوا غيرهم فقد أوقفوا أنفسهم للاعتذار عن الإسلام أمام كل قضية يخالف فيها الإسلام ما نادت به الحضارة الغربية العصرية فحينما ظهرت الاشتراكية قالوا والإسلام أيضا فيه اشتراكية (¬1) بل وافتروا أن مؤسس الاشتراكية الإسلامية هو الصحابي الجليل أبو ذر رضي الله عنه وحاشاه من إفكهم وحينما ظهرت الديمقراطية قالوا والإسلام أيضا ديمقراطي (¬2) وحينما وجد تعدد الأحزاب قالوا والإسلام لا يمنع هذا، وحينما ظهر دعاة تحرير المرأة وأن لها حق الانتخاب والوصول إلى الحكم قالوا والإسلام أيضا قرر لها هذا (¬3) وتكلم هؤلاء عن الإسلام بما لم يحيطوا بعلمه منهم الماكر المخادع ومنهم من كان عن حسن قصد كي يدفع عن الإسلام تهمة عدم التطور وصفة الرجعية التي وصفوا بها الإسلام كذبا وزورا وهو دفاع المتقهقر غير الواثق بدينه ونصاعته لا دفاع المتيقن الثابت. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 170 ¬

(¬1) سموها لجهلهم ومكرهم الاشتراكية الإسلامية. (¬2) يستدلون بآية الشورى وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ على أنها هي نفس الديمقراطية الغربية. (¬3) يستدلون بقول الله تعالى في سورة الممتحنة يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُور رَّحِيم. وهو فهم سخيف للآية إذ الآية واردة في بيعة الطاعة لله ولرسوله في الدين وليس في حق الانتخاب للمرأة.

المبحث الثاني: كيف نقف من الحضارة الغربية وأفكارها؟

المبحث الثاني: كيف نقف من الحضارة الغربية وأفكارها؟ لقد جاءت الحضارة الغربية كالسيل المزبد تريد أن تجتث كل شيء في طريقها صالحا أو غير صالح دون تمييز جاءت وهي تحمل مزيجا هائلا من العقائد والطبيعة والعمران والاجتماع والتجارب المختلفة في شتى الاتجاهات والفنون إنها خليط يحير العقل حيث يقف أمامها متسائلا هل أرفض تلك الحضارة برمتها أم آخذ منها وأترك لها؟ ذلك أن أخذها يعني الاستسلام لها بكل ما فيها من خير أو شر وأن مصير الأمة الإسلامية سيكون هو نفسه مصير الغرب في تعامله وفي جاهليته وأن يتحمل تلك الأخطار التي تهدد المجتمعات الغربية في أخلاقها وفي كل سلوكها كما أن تركها يعني تفويت منافع ومصالح نحن في أمس الحاجة إليها إذاً فما هو الحل الذي ينبغي أن يسلكه الشخص الذي يريد الحفاظ على دينه وقيمه الإسلامية والاستفادة كذلك من الحضارة الغربية؟!! والجواب فيما يلي بالإيجاز (¬1) الخيار الأول: أي رفض الحضارة الغربية برمتها ¬

(¬1) انظر ((الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية)) (ص 8).

هذا الموقف غير سليم ولا يؤيده العقل ولا الواقع لأنه يؤدي إلى انعزال العالم الإسلامي وانطوائه وبعده عن الأسباب التي تقويه اقتصاديا وحربيا أيضا وذلك لما أودعه الله في العالم الغربي من أسباب القوة المادية المشاهدة التي لا يجهلها أحد في الوقت الذي تأخر فيه العالم الإسلامي ولم يحققوا ما أراده الله منهم من التقدم المادي وأسباب القوة كما في قوله تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [الأنفال:60] بعد أن دعاهم إلى استعمال عقولهم وشحذ أفكارهم للاستفادة من كل شيء لا يصطدم مع دينهم الذي ارتضاه لهم وأخبرهم في أكثر من آية أنه سخر لهم كل ما في هذا الكون وجعله هبة لهم كما أرشدهم إلى بعض أدوات القوة كرباط الخيل الذي يساوي الآن الطائرات والسفن الحربية وإلى الحديد الذي هو قوام الصناعات الحربية وغيرها قديما وحديثا وغير ذلك من أنواع القوة المادية كما أن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أسوة حسنة، فقد كانوا يبادرون إلى الاستفادة من أي خبرة فيها نفع لهم وقوة للإسلام كحفرهم الخندق بمشورة سلمان الفارسي وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبيِّ أن يتعلم لغة اليهود واشتراطه صلى الله عليه وسلم على بعض الأسرى أن يعلم أولاد المسلمين الكتابة وغير ذلك مما فيه نفع المسلمين وزيادة قوتهم ولن تجد قطرا من الأقطار منطويا على نفسه غير مستفيد من خبرات الآخرين في شتى المجالات التي لا تتعارض مع دينه إلا وجدت ذلك القطر متخلفا في كل شؤونه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووجدت الجهل والخرافات قد طغت على أهله كما تطغى الفيضانات على ما حولها بل ووجدت ذلك القطر يتنفس الصعداء بين فترة وأخرى في شكل عصيان مدني وتمرد عسكري وشغب بصور مختلفة لما يحسه أهله من الغبن في عيشتهم المتخلفة والقلق الذي يساورهم على مستقبلهم ومستقبل أولادهم من بعدهم إلا أن هذا لا يعني أن يفتح العالم الإسلامي ذراعيه للحضارة الغربية بكل ما فيها من سلبيات لا تقرها الشريعة الإسلامية كما فعل الكثير من المسلمين سواء أكان ذلك في شكل أفراد أو جماعات أو دول فلقد لهثوا للحاق بركب الحضارة كما يسمونه دون تروٍّ وتأنٍّ فكانت العاقبة ما يراه كل مسلم من تفشي الأوضاع الفاسدة وانتشار الرذائل الغربية بشكل واضح في أكثر الأقطار الإسلامية إلا من رحم الله تعالى وهم قليل بالنسبة لغيرهم فأقصي الحجاب للمرأة وخرجت سافرة بل ولا يسترها إلا القليل من الثياب التي تجعلهن كاسيات عاريات وأحيانا شبه عاريات ولم يعد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثير من ديار المسلمين أي مكان فيهم لابتلاع ما يسمونه بالحرية الشخصية له وانتشار الجريمة بشكل رهيب وقس على ذلك شؤون الحياة المختلفة التي يسبح فيها العالم المادي ومن تأثر به على طريقة عيشة البهائم. ولا أظن القارئ في حاجة إلى ذكر أسماء تلك البلدان الإسلامية التي غمرتها الحياة الغربية بكل ما فيها من عهر وسخافة ومجون تحت أسماء براقة خادعة كالتطور والإنسان العصري والتقدمي وما إلى ذلك. فكانت النتيجة أن أدخلوا رؤوسهم في الحياة الغربية على رجل واحدة لأن الهدم أسهل من البناء فهدموا دون بناء فقد حققوا سيئات الغرب ورذائله ولم يتمكنوا من تحقيق الجانب الآخر المشرق المتمثل في تلك النهضة الجبارة في ميدان الصناعة التي تزخر بها بلا د الغرب.

الخيار الثاني: وهو أخذ الحضارة الغربية على علاتها ما طاب منها وما خبث: يعبُّها كلهفة الظامئ المتلهف إلى الماء العذب دون التفكير في الفوارق الطبيعية بين تلك الحضارة وحضارة الإسلام في السياسة والتفكير والنظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وسائر السلوك كما حصل في تركيا بعد أن تأخر خلفاؤها في القوة المادية والقوة الدينية وتمالأ عليها الأعداء من كل جانب حيث سقطت فريسة الحضارة الغربية على يد زعماء افتتنوا بما عند الغرب من التقدم المادي والإلحاد الذي لا حد لجماحه. لقد واجهت تركيا الضعيفة طوفان الحضارة الغربية القوية دون تبصر ووعي وبعقلية غير متفهمة للأوضاع الجديدة بل تواقة إلى العلمانية الملحدة خصوصا وقد برز شباب كانت ثقافتهم غربية تماما ينظرون إلى الإسلام وإلى تعاليمه على أنه عقبة كأداء في سبيل رقيهم وتقدمهم وأن على الحضارة الغربية أن تقوم على أنقاضه راضية مطمئنة كما شاء لها أولئك الثائرون أمثال" أتاتورك" وأتباعه الذين نادوا بإلحاق تركيا بالحضارة الغربية في ذلك ما وسعهم من الدعاية لهذا الاتجاه وقلبوا ظهر المجن لكل حضارة يمت إليها الأتراك بصلة وخصوصا الحضارة الإسلامية وأتاتورك هو الشخصية الهامة التي كان عليها وزر تحويل تركيا إلى ركاب الحضارة الغربية وهو أعدى أعداء الإسلام في وقته عاقبه الله بما يستحق. ووجد كذلك مفكرون متحمسون للحضارة الغربية ونشرها بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات مثل " سيد أحمد خان" الهندي و" قاسم أمين" المصري صاحب كتاب (تحرير المرأة) وكتاب (المرأة الجديدة) و" طه حسين" الذي كان من كبار المتعصبين للحضارة الغربية ومن كبار المفاخرين بها وكان يود لو أن العالم الإسلامي كله وخصوصا مصر تنسلخ من كل ماضيها وتتقدم باحترام لتتقمص الحضارة الغربية بكل ما فيها (¬1) وعلى مستوى أولي الأمر من الرؤساء مثل " الحبيب بورقيبة" الذي ظهر إلحاده وعداؤه للدين الإسلامي ولنبيه العظيم في تصريحاته التي كان يلقيها في المناسبات مثل تهجمه على القرآن الكريم ووصفه له بالتناقض وتهجمه على الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه بدويُّ يجوب الصحراء ويؤمن بالخرافات وغير ذلك من كفرياته وقد طلب إليه كثير من العلماء منهم الشيخ ابن باز – رحمه الله – أن يتوب ويرجع إلى الإسلام. والحاصل أن هذا المسلك مرفوض ولا ينبغي للمسلمين أن يقعوا فيه فإن طريق الحضارة الغربية مملوء بالمخاطر الأخلاقية والدينية والعاقل من اتعظ بغيره وقد أسفر الصبح لذي عينين. الخيار الثالث: وهو الأخذ من تلك الحضارة بحذر وترو دون اندفاع: فلا ينظر إليها على أنها هي المثل الأعلى للحياة أو المورد العذب وإنما ينظر إليها على أنها متاع الحياة الدنيا وأنه سيفارقها أو تفارقه فهي عرض زائل مهما بدت في المظهر الأنيق والصور الخداعة البراقة. فيعتقد المؤمن اعتقادا جازما أن الحياة السعيدة إنما هي الحياة الآخرة التي جعلها الله ثوابا لأوليائه وأن ما وجد على ظهر الأرض من أنواع المتع المباحة فإنما هي عون له من الله على الاستعداد لتلك الحياة يتمثل قول الله تعالى وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] فيجمع بين الدنيا والآخرة أو يجعل الدنيا في يده لا في قلبه فلا يفتتن بها افتتان من يسمون أنفسهم أصحاب التجديد الذين لا هم لهم إلا الحياة المادية وزخرفها أو جماعة التغريب الذين ينظرون بكل تقديس واحترام إلى الحضارة الغربية على أنها هي كل شيء في هذا الوجود. لا حرج على المسلم أن يستفيد من أي أمر لا يتعارض مع دينه، لا حرج عليه من أن يستفيد من مصانع الغرب وآلاته المختلفة ما دام ذلك لم يصل إلى أن يكون على حساب دينه وقيمه أو تقليدا أعمى لا يفرق فيه بين المفاهيم الغربية والمفاهيم الإسلامية كما هو حال كثير من الأقطار الإسلامية مع الأسف ولذلك لا يحتاج الشخص إلى تفكير عميق أو دقة ملاحظة كي تتبين له تلك الأوضاع التي تردت فيها تلك الأقطار عن وعي أو عن غير وعي حيث كانوا كحاطب ليل أو كتلميذ صغير أمام أستاذه ينظرون إلى الغرب بكل انبهار ونسوا أنهم يملكون ما لا يملكه الغرب من القيم والمبادئ الإلهية التي لا يوجد لها مثيل في تنظيم الحياة البشرية من جميع الجوانب ونسوا كذلك أنه يجب أن يكونوا هم القدوة للغرب المتحير في سلوكه المتخبط في جهله وأن تقدمهم إنما هو ظاهر من الحياة الدنيا وأن السعادة كلها في أيدي المسلمين لو أرادوا تحقيقها حينما يعتزون بدينهم ويوصلوه إلى تلك القلوب الخاوية والأفكار البالية في العالم الجاهلي فيرتوون من معينه الفياض ويخرجون من حياة الفسق والفجور والظلم والطغيان إلى عدل الإسلام ونوره المشرق دائما. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 194 ¬

(¬1) انظر ((الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية)) (ص 35).

الفصل الثالث: الآثار السيئة للمذاهب الفكرية

المبحث الأول: عدم تطبيق الشريعة الإسلامية إن أكبر رزية حلت ببعض المجتمعات الإسلامية وبغيرها هو إقصاء الشريعة الإسلامية، أو التهاون في تطبيقها، أو الاحتيال لتمييع أحكامها عمدا أو تحت مبررات شخصية كثيرة، سواء أكانت صادقة أم كاذبة. إن العالم الإسلامي يعاني في هذا الزمن من ظاهرة الانبهار بما عند أعداء الإسلام، ويعاني من ظاهرة التخلف المفروض عليهم لأن أراضي المسلمين مشهورة بخصوبتها حتى قيل إن السودان سلة العالم، يعني لو استغل استغلالا حقيقيا سليما، كما يعاني من تكالب أعداء الإسلام عليه كما يعاني من جهل أبنائه وكيد أعدائه وحلول الكوارث والانهزامات على أيدي اليهود والنصارى والمجوس والملاحدة، تداعت عليه الأمم كما تداعى الأكلة على القصعة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وصارت كثرة المسلمين لا تفرح كثيرا بعد أن أصبحوا غثاءا كغثاء السيل حين صاروا يتكففون الشرق والغرب يستمدون منهم قوانين معيشتهم ويطبقون أفكارهم الضالة ويحكمون دساتيرهم الوضعية فصار حالهم كحال العيس التي أخبر عنها الشاعر بقوله: كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول أو كالغراب الذي أراد أن يقلد مشية الحمامة فلم يفلح في تقليدها ولا في البقاء على مشيته. فكثير من المسلمين لا هم بقوا على دينهم يعتزون به ويفتخرون بالانتماء إليه، ولا هم وصلوا إلى ما وصل إليه أعداؤهم من التقدم المادي، فكانت النتيجة أنهم خسروا دينهم ودنياهم فعادوا باللائمة على الشريعة الإسلامية وهي حجة الكاذب المنقطع. ومن العجيب أنهم يحكمون على الإسلام وهم لا يحكمونه، ويتهجمون عليه وهم لا يعرفونه ولم يجربوه في حياتهم اليومية، إنهم متحيرون ضاقت صدورهم به من جراء الضغوط المختلفة عليهم خارجيا وداخليا، المسلمون الحقيقيون يطالبونهم بتطبيق الشريعة الإسلامية، وأعداء الإسلام يطالبونهم بإقصائه وإحلال مذاهبهم المختلفة محله، هذا في الوقت الذي اضمحلت فيه شخصياتهم التي كادت أن تنصهر في بوتقة الحضارات الجاهلية الشرقية والغربية. لقد توالت صيحات أعداء الإسلام يصدق بعضهم بعضا أن تطبيق الشريعة الإسلامية هو التأخر والرجعية والجمود، وأن في نبذها التقدم والتطور، وصدق المغفلون هذا الهراء، فإذا بهم يصيحون إلى جانب سفاكي دمائهم بمثل صيحاتهم يتبعونهم كما تتبع الشاة الذئب من الرعب، ولم يبخل عليهم أعداء الإسلام بإطلاق الألقاب الفخمة والعبارات الرنانة ليتموا استبعادهم لهم من ناحية وليستجلبوا بهم غيرهم ممن لم يقع تحت تأثير شبهاتهم كاستدراج الفيل المدرب العميل لبقية الفيلة ليدخلوا الحظيرة كما أوصى بذلك " زويمر ". يجب أن يعرف كل من لا يطبق الإسلام أن الشريعة الإسلامية كاملة لا ينقصها شيء، وقد شهد رب الكون وخالقه بأنها كاملة، قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد جئتكم بها بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)) (¬1) (¬2). أكمل الله بالإسلام الدين وأتم به النعمة ورضيه لعباده، فماذا بعد هذا كله؟!! ¬

(¬1) رواه ابن ماجه (43) وأحمد (4/ 126) (17182) والحاكم (331) والطبراني (15352) كلهم بلفظ ((تركتكم)) بدل جئتكم، وصححه الألباني. (¬2) انظر ((اعتقاد أهل السنة)) (1/ 22، 74). وانظر ((أحاديث في ذم الكلام وأهله)) (1/ 8، 4/ 29).

هدي الإسلام في العقيدة واضح تمام الوضوح، وهديه في الأحكام والعقوبات واضح تمام الوضوح ورادع، خير رادع، وهكذا في كل شأن من شئون الحياة، فلماذا لم يجربه الهاربون عنه ليتفيئوا ظلاله، وليعيشوا الحياة السعيدة الخالية من الشقاء والحرمان والأحقاد والذل والتبعية لمن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ألم يعلم المنهزمون من المسلمون أن أهل الحضارات القديمة العريقة قد تركوا حضاراتهم حينما عرفوا الحضارة الإسلامية وسموها العجيب، وأن أهل الديانات قد تركوا دياناتهم عن طواعية ورغبة في الإسلام حينما علموا شأنه العظيم، وصاروا جنودا بواسل لحمايته والدفاع عنه لا تأخذهم في الله لومة لائم، ألم يعلموا أن الله أعز أسلافهم بالدين حينما حكموه. لقد انحصر الحكم الإسلامي لشعوب العالم بعد خروج العرب الفاتحين، ولكن العقيدة الإسلامية ظلت حية في قلوبهم لم تنحصر ولم تضعف، وظل حنينهم إلى الإسلام وأحكامه العادلة خفاقا في قلوبهم رغم ما يحيط بهم من جبروت حكام ضالين محاربين للإسلام وأهله ليلا ونهارا وسرا وإعلانا. وعلى الذين يدعون الإسلام أو يحكمون باسم الإسلام وهم يستحيون أن يعبروا به، عليهم أن يفيقوا وأن يعلموا أن عزهم ومجدهم ودوام حكمهم هوفي تطبيق الشريعة الإسلامية لو كانوا يعقلون، وأن يعلموا أن في قتل القاتل حياة لبقية الناس، وفي قطع يد السارق أمان للأموال لتبقى محفوظة لأهلها دون تعد عليها، وأن في تحريم الربا والغش مفخرة للإسلام، وكله مفاخر، وفي تحريمه الخمر حفظ للعقول، وفي رجم الزاني المحصن حفظ للأعراض وصيانة للأنساب وبعد عن الأمراض. وهكذا فإن في كل أحكام الشريعة الخير والسعادة والعيش الهنيء الذي يزعمون أنهم يريدونه لشعوبهم وأوطانهم وهم يصدون عن الإسلام. فلماذا لم يردوا هذا المنهل العذب. أي إلى الحكم بالشريعة الإسلامية لمن يبيح في دستوره التعامل بالربا علنا أو تحليل المحرمات كالخمر والزنا وإقامة بيوت الدعارة وحمايتها ومحاربة دعاة الإسلام وتلفيق التهم ضدهم للتنفير عنهم واختراع ما يبيح قتلهم ومحاربة التعليم الإسلامي ومدارسه وإهمال المساجد أو تخريبها والاستهزاء بها وإباحة أنواع المجون من رقص النساء أمام أولئك الحكام الجهلة بالإسلام في حفلات صاخبة وسمر فاضح. إن كثيرا من أبناء المسلمين هم حرب لا هوادة فيها ضد الإسلام وتطبيق شريعته، خلفوا الاستعمار وصاروا أشد وطأة على شعوبهم وأكثر فحشا من أيام الاستعمار لأنهم ماجنون بطبعهم وزيادة على ذلك يحبون التزلف إلى سلفهم رؤساء الاستعمار الملحدين. وشجعوا بذلك قادة الكفر والإلحاد فتبجحوا بأن ما هم عليه هو الصحيح والصواب، وما عليه المسلمون هو الضلال بدليل أن المسلمين رموا دينهم خلف ظهورهم وتلطفوا لهم لإعطائهم دساتيرهم التقدمية – الجاهلية – بدل التشريع الإسلامي. ومن الغريب أن يدعي القاضي المسلم أنه يحكم بالإسلام وبين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله دساتير أولئك الملاحدة، هذا في الوقت الذي جمد عليه علماء الفقه الإسلامي على ما هم عليه من تعصبات مذهبية وأقوال خيالية قد لا تدع الحاجة إلى أكثرها، ولم ينهضوا – أو لم يسمح لهم – بإعطاء فقه كامل شامل موحد قائم على الشريعة الإسلامية، مما أعطى صورة سيئة لدى من لم يعرف الإسلام وتسامحه ودعوته المسلمين إلى أن يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا.

وقد سمعت – إن صح الكلام – أن دولة كافرة أراد حاكمها أن يدخل في الإسلام فسأل بعض الفقهاء ضيقي الأفق عن كيفية الدخول في الإسلام فوقع النزاع بينهم واشتد الخصام على أي مذهب يتم الدخول في الإسلام، وكل فضل مذهبه وذم مذهب الآخرين حتى ضاق صدر الحاكم فأخرجهم جميعا وامتنع عن الإسلام، واستدل بأن خلافهم دليل على بطلان الإسلام ظنا منه أن أولئك الجهال على صواب أو على علم ومعرفة، ولا شك أن وراء هذا التفكير الضيق من يغذيه لحاجة في نفسه. ومن الملاحظ أن وسائل أعداء الإسلام الإعلامية المقروءة والمسموعة والمشاهدة كلها تتكتل في صف واحد – رغم ما بينهم من الخلافات – لمواجهة أي حركة إسلامية أو أي نشاط للدعوة إلى الإسلام، وترمي القائمين بذلك عن سهم واحد، وواقعنا المعاصر أقوى شاهد، خصوصا بعد ما يسمونه الإرهاب على مدينتي نيويورك وواشنطن، واستغلالهم لهذا الحادث استغلالا فاحشا، وأقصيت الشريعة الإسلامية وتطبيقها في معظم ديار المسلمين، وحرم على الخطباء والوعاظ ورجال الفكر طرق الجوانب التي تمس معالجة الإسلام للقوانين المدنية والتي استوردتها الحكومات الموالية للشرق أو الغرب، أو تبين خطورة المذاهب الفكرية الضالة، وحددت فيها العقوبات الصارمة بحجة أن طرقها يفضي إلى التدخل في السياسة العامة للدولة، أو هو خروج عليها، ومن خرج على الدولة فقد أخل بالأمن وناصب الشعب العداء فتصدر القرارات العاجلة باسم الشعب بمعاقبة كل من يجرؤ على مخالفة النظام العام للدولة. فأين حرية الكلمة التي يتشدقون بأنها مضمونة لكل فرد، بل هي حيل وتضليل، والشعب بريء من تلك الحيل الإجرامية لعملاء أعداء الإسلام من العلمانيين وغيرهم، بل إن كلامهم باسم الشعوب يشبه كلام الجني من داخل الإنسان بعد أن يصرعه، ولا أعتقد أن شخصا يشك في أن العالم اليوم يعيش في فراغ حقيقي، فالنصرانية أفلست فهي تقدم دينا غير معقول وخرافات سخيفة، واليهودية دينهم المادة والعنصرية، والشيوعية ماتت في عقر دارها، والمذاهب الفكرية تتطاحن فيما بينها للاستعلاء في الأرض، ولم يبق من منقذ سليم وحيد للبشرية غير الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى وتكفل بحفظه ورد كيد أعدائه إلى نحورهم على مر الزمن، وصلح به أمر البشر قديما، وسيصلحهم حديثا حينما يجربون تطبيقه ويوفقون للالتزام به، والناس عظة واضحة في الحياة السعيدة التي تنعم به الدولة التي تطبق الشريعة الغراء. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 79

المبحث الثاني: انتشار فساد الأخلاق والقيم

المبحث الثاني: انتشار فساد الأخلاق والقيم لقد رزء العالم الغربي والشرقي من تبعهم في أعز ما يجب الحفاظ عليه في السلوك وهي القيم والأخلاق الطيبة التي ميز الله بها الإنسان عن الحيوانات، لقد كانت البشرية - فيما عرف من تاريخهم - في غاية الحفاظ على التمسك بالأخلاق والحشمة والحياء بل منذ أن طفق آدم وحواء عليهما السلام يخصفان عليهما من ورق الجنة والتمسك بالأخلاق الحسنة والبعد عن سيئها فطرة في النفوس حتى إذا اجتالت الشياطين من اجتالته من حثالة البشر فإذا بالأمر ينعكس تماما بعد أن انتكست أخلاقهم وفسدت فطرهم وتردوا في مهاوي الضلال وتنكروا للفضيلة بل رأوها عارا وتخلفا ورأوا الثياب التي هي زينة للإنسان كالريش للطائر، رأوها تأخرا، فنبذوها في مجامع عامة تسمى نوادي العراة حيث وصلوا فيها إلى ما لا تصل إليه الحيوانات، وصدق قول الله تعالى عليهم: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179]. لقد تمالأ الشرق والغرب كلهم بقيادة اليهودية العالمية على إفساد أخلاق المسلمين ونشر الرذائل بينهم بكل وسيلة، وما أكثر تلك الوسائل التي دخلت كل بيت – إلا من رحم الله – امتلأت بها البيوت والأسواق والواجهات، فلا ترى أمامك ولا عن يمينك ولا عن يسارك إلا دعوة فاجرة وصورة ماجنة وفحشا ورذائل في تخطيط دقيق ودعايات براقة وزخرف من القول، ولك أن تعجب حينما تقرأ في أساطير الملاحدة أن الإنسان كان في بداية حياته عاريا لا يعرف اللباس ولا ستر العورة، ثم ترقى قليلا قليلا إلى أن عرف اللباس، وبعد فترة – ولحاجة في نفس يعقوب – عادوا ونادوا بأن ترك المرأة لباس الحشمة وخروجها شبه عارية أو عارية هو التقدم بعينه والرقي الحضاري، هكذا ودون إبداء أي تعليل لهذه النقلة الغربية، وأصبحت المرأة سلعة رخيصة للرجل يقضي منها حاجته متى أراد، وأصبحت هي عارية والرجل يلبس الثياب الفضفاضة وهي تعاني الحر والبرد في سائر جسمها – اللهم ما تستر به السبيلين – والرجل يلبس لكل حالة لبوسها في دعة وسكون. وانتشرت محلات الخمور التي تزكم الأنوف تحت حماية القوانين الوضعية – وما دامت الخمر أم الخبائث فماذا تتوقع من وجود الخبائث التي شب عليها الصغير وشاب عليها الكبير، ولك أن تسأل عن عدد المجرمين وعدد المجانين والمعتوهين، وكم عددهم في المستشفيات وفي السجون، إنها أعداد تبعث الرعب والأسى على مستقبل هذه البشرية. وانتشر الزنا بصورة تتنزه عنها الحيوانات، وظهر عالم من الأولاد غير الشرعيين، وبنيت بيوت الدعارة علنا وتحت حماية القانون، بل وصارت بعض الحكومات السافلة تطلب من الزانيات زكاة مال فروجهن من البغاء، ولم يسمعوا قول الشاعر: ومطعمة الأيتام من كسب فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي

ووجدت في بعض مطارات الدول الإسلامية العربية بطاقات لدعوة السياح إلى كيفية معاشرة الزانيات، ووجوب التأكد من صلاحية بطاقاتهن الشخصية خوفا من مرض الإيدز؟!!، وقد جاء في الحديث الشريف ما معناه أنه ما انتشر الزنا في قوم إلا سلط الله عليهم عقابا لم يكن في أسلافهم، وقد عرفنا هذا العقاب في زماننا إنه مرض نقص المناعة " الإيدز" الذي جعلهم يجرون جثث موتاهم إلى المقابر كل يوم دون أن يجدوا له الدواء المضاد، ولن يجدوا إن شاء الله إلى أن تتطهر الأرض من رجسهم رغم تبجحهم بأنهم وصلوا في القوة إلى حد أنهم يخلقون الخلق عن طريق التناسخ وإلى حد أنهم يستطيعون إجبار السحاب على إنزال ما به من المطر في المكان الذي يريدون .. إلى آخر غرورهم. وانتشر الربا وعاد الناس إلى تطبيق العقيدة الجاهلية الأولى فيه حيث كانوا يقولون إنما البيع مثل الربا، فقامت البنوك الربوية الشاهقة البناء ونشطت الشركات في ابتلاع أموال الناس تحت مسميات مختلفة خادعة ودعايات براقة وصار من بقي فيه عرق ينبض ببقية خافتة من الخوف أو الحياء يسميه فائدة ليتحاشى تسميته ربا، مع أن هذه الحيلة قد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عنها مبكرا حيث ذكر أنه سيأتي أقوام يستحلون الخمر والحرير والمعازف ويسمونها بغير اسمها (¬1)، وهذا هو الحاصل في زماننا، دخل إباحة الزنا تحت تسمية " الحرية الشخصية "، ودخل إباحة الربا تحت تسمية " الفائدة"، ودخل قتل كبار السن ومن لا يريدونه تحت تسمية " الموت الرحيم"، ودخل رفض الدين وتركه تحت تسمية " حرية الأديان " أو "حرية التدين"، ودخلت قلة الحياء ونبذ الحشمة تحت تسمية " التقدم" وترك الماضي، ودخلت أشياء وأشياء كثيرة لا تحصى تحت تسميات كاذبة وعناوين خادعة، ويا ويل البشرية من شر أشرارهم. وانتشرت ظاهرة المساحيق والماكياجات التي أثقلت ظهور كثير من الرجال والنساء لتذهب فائدة قيمتها إلى بنوك اليهود، وغيروا خلق الله وغرروا ودلسوا واختفت حقائق كثيرة وظهرت أمور غريبة تنذر بشر مستطير ومصير مظلم لا يدري عاقبته إلا الله تعالى. كما انتشرت ظواهر سيئة في جميع نواحي الحياة من غش وكذب وجشع لا حد له واستغلال القوي للضعيف، وماتت – أوفي طريقها – أخلاق وفضائل كانت عند الناس في قمة أولوياتهم، كفضيلة الكرم، والإيثار، والتواضع، والشهامة ... وأخلاق كثيرة لم يعد لها وجود في أذهان كثير ممن مسخت فطرهم المذاهب الفكرية الضالة من اشتراكية ورأسمالية وعلمانية وغيرها من المذاهب المادية التي جنت على القائمين بها قبل غيرهم حينما جعلتهم يعيشون في فوضى وقلق واضطراب يصل إلى حد الجنون، لا يحسون بهدوء ولا راحة نفسية ولا عاطفة حب نحو الآخرين – غير المجاملات العابرة – وجوههم مقطبة، وأفكارهم شاردة، ولم يعد للرحمة تلك المكانة التي تبوأتها قبل ظهور قرن الشيطان فوق المذاهب الفكرية، ولم يعد للعدل والإنصاف أي مكان يحط رحاله فيه – إلا القليل – وذهب حتى ذكر أولئك الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة – وجاء الجيل الذي لا يأكل الوالد في مطعم ولده أو الولد في مطعم أبيه إلا بدفع القيمة نتيجة حتمية لإعراضهم عن هدي الله عز وجل واتباعهم لأهواء الضالين وقراصنة المال الذين لا يتكلمون إلا في المال، ولا يضحكون إلا للمال ولا يعملون إلا للمال، ولا يعطون شيئا إلا ليأخذوا ما هو أثمن منه، وحق للضعفاء والفقراء أن ينشدوا مع الشاعر قوله: ذهب الذين إذا رأوني مقبلا ... هشوا إليّ ورحبوا بالمقبل وبقيت في خلف كان حديثهم ... ولغ الكلاب تهارشت في المنزل ¬

(¬1) انظر ((الإصابة)) (7/ 404) وانظر ((أحاديث في ذم الكلام وأهله)) (3/ 162) و ((الخصائص الكبرى)) (2/ 62).

إن من المؤسف والداعي للرثاء حال الذين يتهجمون على النظام الإسلامي في الأخلاق والسلوك العام والخاص، إننا نرثي لحال أولئك الذين لا يعرفون عن الإسلام شيئا وهم يناصبونه العداء، نرثي لجهلهم ونرحم حالهم وشقاءهم. ونكون أشد حزنا لحال من يدعي الإسلام وهو يحاربه ويتهجم على نظامه الاجتماعي عن جهل أو عن معرفة، فحينما نسمع من يدعي الإسلام ثم يقول عن قتل القاتل إنه وحشية، وعن قطع يد السارق إنه همجية، وعن عقوبة الزنا بقسميها أنه تدخل في الحرية الشخصية، وعن الحجاب أنه ظلم للمرأة وطمس لها، وعن الحشمة والعفة والوقار أنه من مخلفات الماضي البغيض المتخلف، وعن أشياء أخرى كثيرة حث الإسلام على التمسك بها أو الانتهاء عنها يقول عنها أنها غير صالحة في زماننا، أو أنها كانت لقوم مضوا وانتهوا وانتهت معهم تلك المفاهيم. إن حال هذا المتحذلق يدعو للرثاء ولا حزن عليه، لأنه يعيش في دوامة مطبقة من الجهل، إنه بحق كما يقول المناطقة " حيوان ناطق " إنه يقلد ما يقوله أعداء الإسلام حرفيا كما تقلد الببغاء الأصوات التي تسمعها، وفوق ذلك يرى نفسه أنه متحضر ومتطور، وأنه بلغ السماء طولا والجبال ارتفاعا، ولا يدري أنه قزم حقير ضئيل على حد قول الشاعر: مثل المعجب في إعجابه ... مثل الواقف في رأس الجبل ينظر الناس صغارا وهوفي ... أعينهم صغيرا لم يزل وحينما ينبري بعض الكتاب السفهاء أو بعض الكاتبات السفيهات ليتباكوا على النظام الأخلاقي الذي أرشد إليه الإسلام بأنه غير حضاري، إنما هم أدوات في أيدي أعدائهم وأعداء دينهم، باعوا ضمائرهم بل ودينهم بثمن بخس وليس لهم عند الله – إن لم يتوبوا – من خلاق. والذين يجتهدون في نشر الخلاعة والمجون في وسائط الإعلام المختلفة إنما هم عبيد لليهود وخدم لهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وحينما يدعون إلى تأخر الزواج بين الشباب والشابات إلى ما بعد فتور فوران الشهوة فيهم، وبالتالي يقدمون لهم كل وسائل الإغراء لاقتحام الشهوات الجنسية، إنما هم يطبقون جزءا من المخطط المرسوم لمحو الفضائل وإشاعة الفواحش، لأن المنافقين والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، لأن فطرهم انعكست وصار العالي سافلا والسافل عاليا في نظرهم. والذين يدعون إلى تحديد النسل لئلا يحصل الانفجار السكاني بزعمهم، وبالتالي فلا يجدون لقمة العيش (¬1) أو يدعون إلى الحد من الإنجاب محافظة على رشاقة المرأة وتألقها إنما هم مخادعون كاذبون ينفذون جزءا من المخطط اليهودي، إذ أن اليهود والنصارى يشجعون تكاثر النسل بينهم، وقد سمعت من إذاعة إسرائيل أنهم احتفوا واحتفلوا بامرأة أنجبت ثمانية أولاد وكرموها وأعطوها عدة جوائز. ومثلهم دعاة منع الحمل بدون ضرورة أو الإجهاض بلا سبب أو الدعوة إلى خروج المرأة للعمل سافرة متبرجة مبدية زينتها لكل من هب ودب وتضحك مع هذا وتميل إلى هذا، وهذا يمدحها وهذا يضرب على كتفيها استحسانا لها أو لعملها وهي تمشي العنجهية مشية العسكري في طابور التدريب عارية أو شبه عارية. ¬

(¬1) انظرالقضية الاقتصادية في هذه الدراسة.

وكذلك احتقار الحياة الأسرية والعيش مع الأولاد وتهوين الخيانات الزوجية، وما إلى ذلك من الرزايا التي وصل إليها دعاة الأفكار المنحطة التي غزت كل بيت في ديار المسلمين إن أخطأته واحدة أصابته الأخرى ولابد. ومن الظلم الصارخ والغش المبين تشويههم لصورة الإسلام الناصعة، فقد ربطوا كل صورة من صور التأخر والتخلف الحضاري والمدني بالتمسك بالإسلام أو ترك مذاهبهم التي هي حبل النجاة بزعمهم، فربطوا كل صورة من صور التقدم والنهوض والعيش الرغيد بالتمسك بمذاهبهم وأفكارهم، وقد رأيت في بعض الاحتفالات ببعض الذكريات الخرافية أنهم يأتون بكلام عن الحضارة الغربية وتفوقها، وثم تأتي طائرات تهز الأرض ثم يخلفها رجل عربي يركب حمارا، وأحيانا يركب جملا وعليه أغراضه، ثم تتكرر مناظر كثيرة كأنها تقول انظروا إلى ما عندنا أيها المسلمون وانظروا إلى ما عندكم، وإذا جاز لنا أن نعذرهم لأنهم لم يقرأوا قوله تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ [الأنفال:60] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) (¬1)، وغير ذلك من النصوص التي يجهلونها، إذا جاز لنا أن نعذرهم، فبأي وجه نعذر من يدعي الإسلام ويقرأ تلك النصوص ثم يرجع باللائمة على الإسلام وتعاليمه وكأنه يقول لم يمنعنا من صناعة هذه الطائرات إلا أن نتخلى عن ديننا لنصبح أمة صناعية؟!!، أو نتخلى عن عاداتنا الشرقية – كما يسميها الغرب – أي نتخلى عن ديننا ونظامه في السلوك لنصبح في قمة التطور .. إنها أماني بلا برهان، وحجة العاجز الذليل، فهل الإسلام منعهم وأقام السدود والحواجز بينهم وبين أي مصدر فيه قوة المسلم أيا كان، أليس الإسلام قد دعا إلى القوة واعتزاز المسلم بدينه ويعمل يده واستغنائه عن غيره من المسلمين فضلا عن أعداء الإسلام؟ لقد انصب اهتمام أعداء الإسلام، أعداء الأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن على نشر فساد الأخلاق وضياع القيم، فلماذا؟!!! يأتي الجواب تلقائيا لأنهم يعرفون أن في فساد الأخلاق وضياع القيم تفتيت للروابط الاجتماعية كلها فتنتشر الرذائل التي تعجل بهدم كيان ذلك المجتمع الذي تنتشر فيه، حيث ينتشر الكذب والغش وقطع صلة الأرحام والعداوة والبغضاء والتهاجر وعدم الثقة بين الناس واختفاء الأمانة وانتشار الدعارة والفجور .. ومساوئ كثيرة هي أشبه ما تكون بالمسامير في النعش. وتنتشر الرشوة بكل مظاهرها سرا وجهرا بين أصحاب النفوس الضعيفة فتضيع الحقوق وتختل موازين العدل بين الناس، ولهذا فسدت ضمائر كثير من الموظفين، فتجد المظلوم يصبح ظالما وصاحب الحق يصبح معتديا وباذل الرشوة يصبح صادقا محقا ناهيك عن اختلاس الأموال العامة بمجرد الحصول عليها بأي سبيل إذ لا رادع يردعه عن ذلك. كما ينشأ عن فساد الأخلاق الاحتكارات المحرمة شرعا والإثراء عن طريقها وكذا تهريب المخدرات للحصول على المال من جهة، ولإفساد حياة المسلمين من جهة أخرى، لأن فساد الأخلاق هو فساد الفضائل، قال شوقي: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 86 ¬

(¬1) رواه مسلم (2664).

المبحث الثالث: نشر الفساد عن طريق استخدام النساء

تمهيد هذا الموضوع الحديث عنه ذو شجون، والحاجة إلى معرفته ملحة، وقد قيل " ما لا يدرك كله لا يترك كله"، وبالإيجاز فقد انطلق أعداء الإسلام إلى هدم الإسلام عن طرق كثيرة، من أبرزها حربه عن طريق النساء مستخدمين وسائل لا تكاد تحصر ومن أهمها: إغراء الشباب والاستيلاء على ولائهم عن طريق غرائزهم الجنسية عن طريق العاهرات المتصنعات اللاتي لا يرددن يد لامس، حيث يوصلونهن إليهم عن طرق ماكرة كثيرة ودعايات مغرية، وفي هذه الأيام يردد الإعلام الغربي ما يسمونه بمحاربة فساد الاتجار بالبشر، أي عن طريق نشر البغايا، ويذكرون أن القائمين على هذه التجارة يكسبون ملايين الدولارات. قتل الاحتشام عن طريق إغراء الفتيات بشتى الأزياء الفاجرة تحت الدعايات الباطلة بأنهن سيحزن على إعجاب الرجال وعلى الجمال وعلى الدلالة على أنهن متقدمات متحضرات، ثم عن طريق موضة أنواع الماكياجات التي ستعود أثمانها كلها إلى البنوك اليهودية الربوية. بادر أعداء الإسلام إلى تعليم المرأة وفتح الباب لها على مصراعيه وفق خطة مدروسة لإخراج الفتاة المسلمة عن دينها، وتم لها ذلك، حيث تخرج الدارسة وهي على وفق ما جاء في المخطط المبيت لها وليس على وفق ما أراده الإسلام لها في حثه على تعليمها. قال زويمر: " تعليم المرأة بؤبؤ عيني "، والإسلام يوجب على المرأة أن تتعلم، ولكنه التعليم الذي ينفعها في دينها ودنياها. التأثير على المرأة المسلمة في مجال الفنون الجميلة وزينة المرأة وكيفية وصولها إلى إغراء الرجل، لأنها تأثرت بما استخدمه الغزاة من وسائل الإعلام القوية (سينما – مسرح – قصص هادفة – صحف – مجلات – إذاعة – تلفزيون) وغير ذلك كلها تضافرت وصدق بعضها بعضا للتأثير، فأغرمت بالرسم والنحت والأزياء والموسيقى والتمثيل والتصوير، وشراء أدوات تلك الفنون بباهظ الأثمان. التركيز الجاد من قبل أعداء الإسلام على انتشار الاختلاط بين الجنسين وسفور المرأة، وتم لهم هذا، وكانت له نتائج وخيمة، الأمر الذي أدى إلى هدم الأخلاق والآداب الإسلامية بسبب ضعف الوازع الديني، والدعاية القوية العارمة لتهوين أمر الفاحشة ونبذ الحجاب، فالتهبت الغرائز الجنسية وعرضت الصور الماجنة في كل وسيلة إعلامية يصدق بعضها بعضا. وسبب هذا التكالب منهم على هذا المسلك هو معرفتهم التامة بأن الاختلاط والسفور هما من أقوى الأسباب لانهيار المجتمعات وتمييعها وقتل هممها. ولقد تكاثرت الضباء على خراش، وبلغ السيل الزبى وانفلت الأمر من أيدي ولاة الأمر من الآباء والحكام في ثورة عارمة معلنة أو غير معلنة، وقد جعل المخدوعون من المسلمين نصب أعينهم هذه المقالة الحمقاء " متى نلحق بركب الدول المتقدمة " ظانين أن هذه القبائح هي التي تنقصهم.

وكان من جراء تلك الموجة العارمة أن نسي الرجل المسلم والمرأة المسلمة أن وراءهم حسابا وعقابا أخرويا لاستحلالهم ما حرمه الله عليهم فاتجهوا لإشباع شهواتهم الحيوانية، ولم يعد التماسك الاجتماعي بينهم قويا، بل تآكل، ثم حدث أن تفاخر كل من الرجل والمرأة في اقتناء أجمل الثياب وسائر المظاهر، ثم اتجهوا إلى أدوات التجميل التي تصنعها المصانع اليهودية والنصرانية، وانتشرت الفتن والخيانات وفقدت الحشمة والحياء بين الجنسين، وقد انتشرت خديعة كبرى يرددها كثير من الناس دون أن يعرفوا مصدرها الخبيث، وهي خديعة أن النساء المحجبات هن الداعرات والداعيات إلى الفواحش، وحيلة أخرى وهي أنهن يردن إخفاء قبحهن، بينما السافرات لا يتعرضن لأي أذى سائرات لا يلتفتن لأحد ولا يلتفت إليهن أحد، واثقات من أنفسهن، وتمت هذه الحيلة على كثير من النساء المسلمات فنبذن الحجاب خوفا من هذه الدعاية الكاذبة الضالة المضلة. وقد اخترع أعداء الفضيلة لتقوية هذه الحيلة طرقا شيطانية منها: توجيه بعض العاهرات الفاجرات أن يتسترن بمثل الألبسة التي تتستر بها المؤمنات العفيفات الشريفات وأن يسرن في الأسواق العامة ويتعرضن للفساق، وهن في هذه الألبسة الساترة المزورة، فيظن من لا يعرف سر هذه المكيدة أن الأمر على حقيقته. ويراد من وراء هذه المكيدة إعطاء الأدلة على أن المحجبات فاسقات، وكذلك لمضايقة المحجبات أيضا من ناحية أخرى. توجيه فريق من الفساق المأجورين أن يتعرضوا للمتسترات العفيفات في الطرقات العامة ويؤذونهن في عفافهن بفسق من القول أو الغمز أو اللمز أو اللمس .. الخ (¬1). ويراد من هذه المكائد مضايقة المحجبات كي ينبذن الحجاب، ومن المتوقع أن المرأة المسلمة إذا لم تكن عندها حصانة كافية من المعرفة بالإسلام ومعرفة بثواب الصابرين من المتوقع لها أن تنهار أمام تلك الضغوط كلها، وهو ما حصل بالفعل حتى أصبحت بعض النساء تستحي أن تلبس ثياب الحشمة وكاد أن يتحقق ما توقعه الفاجر " فرويد" من أنه لابد من التركيز على ذم الحشمة عند النساء حتى تصبح عيبا في نظرهن. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 95 ¬

(¬1) انظر ((أجنحة المكر الثلاثة)) (ص414).

المطلب الأول: قضية المرأة في النظم الجاهلية وفي الإسلام

المطلب الأول: قضية المرأة في النظم الجاهلية وفي الإسلام لم تكن المرأة في يوم من الأيام في عصر خير القرون تمثل مشكلة تتطاحن حولها الآراء، بل كانت جوهرة مكنونة لها احترامها كأم أو أخت أو زوجة أو بنت، ولها حقوق وعليها واجبات معروفة في غاية البساطة، وعاش الرجال والنساء في غاية من المودة والتفاهم يكمل بعضهم بعضا دون أن يقف أحدهم في طريق الآخر لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء:32] وتعاليم الإسلام تظلل الجميع وتبين لكل منهم منهجه وطريقه إلى أن ظهر قرن الشيطان في أوربا، فإذا بالمرأة تصبح نهبا مشاعا بين الرجال وإذا بها تمثل مشكلة مفتعلة شغلتها وجلبت لها الشقاء وجعلتها تواجه الرجل وتقف في طريقه، بل وتشتبك معه في جوانب كانت في غنى عنها، وخدعها القائمون على إلقائها في معترك الحياة أيما خديعة، ولم يتركوا لها الفرصة للتفكير والتروي، بل صاحوا بها على عجل لترمي بنفسها في هذا الخضم، وليكن ما يكون، واستعجلت ونفذت ما خططوه لها وبدأت حياة الشقاء والكر والفر مع الرجل في دوامة لا نهاية لها، فلا هي تستطيع أن تخرج منها، ولا هي قادرة على إكمال ما رسم لها، ولا زالت تكابد الهموم والغموم في ظلام دامس، وكثر الحديث عن المرأة وتضاربت فيها الآراء بين جاد وهازل ومخادع، حتى كادت حقوق المرأة أن تضيع بين هؤلاء المتعاركين، وكثرت فيها المؤلفات وأصبحت مادة دسمة لكل متحذلق ومتزلف، واحتارت المرأة كثيرا أمام هذا الضجيج من حولها – ولابد لها أن تحتار – فهي لا تدري إلى أي ناعق تسمع، ولا إلى أي جانب تميل، كل يصيح بها إليَّ إليَّ النجاة عندي. وتفنن الكتاب والممثلون والمغنون والرسامون والصحفيون والمذيعون، تفنن هؤلاء وغيرهم في وسائل إغرائها وجذبها، ولقد ارتابت كثير من العاقلات في أمر هؤلاء، هل هذا كله ناتج عن حب وعطف عليها؟ أم أنه ناشئ عن مؤامرات لا يعلم مداها إلا الله؟، وعلى أي حال فلا نجاة للمرأة ولا مفر من أن تسقط في أي فخ عاجلا أم آجلا إن لم تتداركها رحمة الله تعالى فتعود إلى رشدها. ولم تكن هذه الحيرة عامة – ولله الحمد – لجميع النساء، بل هناك قسم نجاهن الله من تلك الحيرة وشعرن بالسعادة تغمرهن، وأخذن يندبن حظ من لم تدخل تلك السعادة الغامرة، فأين هي تلك السعادة التي تبدد كل تلك الشكوك والقلق، وأين هي السعادة التي تسكت أفواه أولئك الذين ينوحون عليها من كل جانب ويذرفون دموع التماسيح؟ إن تلك السعادة بدون ريب وجدنها في الإسلام، وجدنها بكل هدوء وأناة وقناعة تامة، ولعل القارئ يدرك معي أن الحديث حول المرأة ذو شجون، وأنه يحتاج إلى مجلدات، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، كما تقدم، وإليك أخي القارئ نبذة موجزة نافعة إن شاء الله لبيان ما وقع عن أحوال المرأة قديما وحديثا. المرأة في النظم الجاهلية مظلومة ظلما فاحشا لم تجد المرأة – ولن تجد - في جميع النظم من الإنصاف ما وجدته في الإسلام، والأدلة على ذلك كثيرة من الواقع ومما دون حول قضية المرأة في النظم الجاهلية، ومن تلك الأدلة: جاء في أقدم النظم الجاهلية وهي شريعة حمورابي الذي يرجع إلى سنة 23 قبل الميلاد، جاء فيها: " أن من حق رب الأسرة بيع أفراد الأسرة أو هبتهم إلى الغير مدة من الزمن ". وفيه " أن الزوج إذا طلق زوجته فإنها تلقى في النهر، وإذا أراد عدم قتلها نزع ثوبها عن جسمها وطردها من منزله نصف عارية إعلانا منه بأنها أصبحت شيئا مباحا لكل إنسان"، فلتسمع الجاهلات المعاصرات. (ج) وفيها "أن المرأة إذا أهملت زوجها أو تسببت في خراب بيتها تلقى في الماء".

(د) ونص قانونه على أن " الزوجة التي ترمى بالزنا بدون دليل عليها وتناولتها ألسنة الناس تلقى في النهر وتغطس في الماء، فإن عامت على وجه الماء كانت بريئة، وإن غطست اعتبرت آثمة"، أي أن المتهم مدان إلى أن تثبت براءته حسب هذه المفاهيم الجاهلية، وهذا الحكم في المقذوفة – بدون دليل – أنها ترمى في النهر أمر عجيب، وأعجب منه الحكم لها بالبراءة إذا طفت على الماء ميتةّ!! .. هكذا حكم الجاهلية، وأين هو من حكم الله تعالى، وما الذي ستستفيد منه إذا طفت ميتة بريئة. 2 - كانت المرأة لا قيمة لها في القانون الصيني الذي قرر أنه: "ليس في العالم شيء أقل قيمة من المرأة". وفي القانون اليوناني كانت القاعدة أن المرأة تدخل ضمن ممتلكات ولي أمرها قبل الزواج، وتدخل ضمن ممتلكات زوجها بعد الزواج. وكانت قيمة المرأة عندهم كما سجلها "ديموستين" هي قوله: "إننا نتخذ العاهرات للذة، ونتخذ الخليلات للعناية بصحة أجسامنا اليومية، ونتخذ الزوجات ليكون لنا أبناء شرعيون". وفي بلدان إيطاليا كانت الزوجة تعد خادمة في المنزل، وعليها أن تجلس على الأرض بينما يجلس الرجل على المقاعد، وخارج البيت إذا ركب زوجها الحصان، فلابد أن تسير على قدميها خلفه مهما كان بعد المسافة. وفي القانون الهندي عدة قوانين منها: لا يجوز للمرأة في أي مرحلة من مراحل حياتها أن تجري أي أمر وفق مشيئتها ورغبتها حتى ولو كان ذلك الأمر من الأمور الداخلية لمنزلها". "المرأة في مراحل طفولتها تتبع والدها، وفي مراحل شبابها تتبع زوجها، فإذا مات تنتقل الولاية إلى أبنائه أو رجال عشيرته الأقربين، فإن لم يكن له أقرباء تنتقل الولاية إلى عمومتها، فإذا لم يوجد لها أعمام تنتقل إلى الحاكم". (ج) وكانت شرائعهم تقضي أيضا بأن تحرق الزوجة نفسها مع زوجها إذا مات، وقيل إنهن في الهند كن يفعلن هذا حتى إن الزوجة تتحايل وتتظاهر بالموت لتحرق مع زوجها، إلى أن منعتهن بريطانيا من ذلك زمن احتلالها للهند. وسبب هذه الإهانة للمرأة في القوانين الهندية بينه قانون "مانو" بقوله: "إن مانو عندما خلق النساء فرض عليهن حب الفراش والشهوات الدنسة والتجرد من الشرف وسوء السلوك، فالنساء دنسات، وهذه قاعدة ثابتة عندهم". وفي القانون الروماني كما في الألواح الإثني عشر أن المرأة لا أهلية لها، لأن أسباب انعدام الأهلية عندهم هي: (صغر السن – الجنون – الأنوثة)، وفيه أن رب الأسرة يحق له أن يبيع زوجته وابنه وابنته كما يحق له أيضا النفي والتعذيب، بل والقتل إذا شاء، أي كما تذبح واحدة من غنمك أو تبيعها. وفي القانون اليهودي: عند بعض فرقهم البنت بمنزلة الخادم ولأبيها أن يبيعها، ولا إرث للزوجة ولا للبنت. وفي قانون الأحوال الشخصية في إسرائيل: "إذا توفي الزوج ولا ذكور له من زوجته فإنها تصبح زوجة لشقيق زوجها أو لأخيه من أبيه، ولا تحل لغيره إلا إذا تبرأ منها"، كما نصت عليه التوراة، وعندهم الحائض نجسة لا تلمس ولا تلمس إلى أن تطهر وتضع خرقة حمراء على فراشها. وعند النصارى ليس في الإنجيل أي نص ينظم الحياة الاجتماعية، ولذا يعتمد أتباعه على ما جاء في التوراة، ويخالفون اليهود في طهارة الحائض. لا يزال حق المرأة مهضوما في الدول الغربية رغم مناداتهم الكاذبة بإنصاف المرأة فهي مظلومة في احترامها، ومهضومة في تكليفها بالعمل والاكتساب، وكانت المادة (213) من القانون الفرنسي تقضي بإلزام المرأة طاعة زوجها وأن تسكن معه حيث يسكن، كما يقضي هذا القانون بإلزام الزوجة بعدم التصرف في أموالها إلا بإذن كتابي من زوجها.

وآخر تعديل للقانون سنة 1942م هو الإذن الضمني بأن تثبت أن الأموال التي تتصرف فيها ليست ملك لزوجها، ولا هي من الأموال المقدمة منها للمساهمة في نفقات الأسرة، ولا هي من الأموال المختلطة بين الزوجين. وقال "هربرت سبنسر" في كتابه (علم الاجتماع): "إن أوربا حتى القرن الحادي عشر الميلادي كانت تعطي الزوج الحق في أن يبيع زوجته، فجعلت حق الزوج قاصرا على الإعارة والإجارة وما دونها". وفي إنجلترا يسمح القانون ببيع الزوجة حتى سنة 1805م، وكان الثمن محددا بست بنسات آنذاك، وقد حدث أن باع رجل إنجليزي زوجته سنة 1931م بخمسمائة جنيه، وفي مرافعات المحكمة قالوا له إن قانون بيع الزوجات قد ألغي سنة 1805م، وأخيرا حكمت عليه المحكمة بالحبس عشرة أشهر. وفي القرن الخامس انعقد مجمع ماكون المسيحي المقدس للنظر في حقيقة المرأة هل هي جسم بلا روح، أم لها روح كالرجل، وكان قرارهم أن المرأة لها روح شريرة غير ناجية من العذاب، عدا أم المسيح. وصرح بعض علمائهم بأن أجسام النساء خطيئة ومن عمل الشيطان وأنه يجب لعنهن!! وفي سنة 586م انعقد مؤتمر في فرنسا للبحث هل المرأة من البشر أم لا؟ وخرج القرار أنها إنسان خلق لخدمة الرجال فقط. كما أنه في الدول الغربية تفقد المرأة اسمها وحريتها ونسبتها إلى أبيها بمجرد الزواج إذ تنتسب إلى زوجها (¬1). وفي عصور أوربا المتأخرة أصبحت مشكلة كبرى تتطلب حلولا وقام الخادعون لها بالدعوة إلى حرية المرأة، ومساواتها بالرجل .. فهل نالت الحرية فعلا؟!! وهل حصلت على المساواة؟!! أما الحرية التي يمنون بها على المرأة فهي حرية زائفة عبر عنها المتظاهرون في الصين حينما كانوا يصيحون "لا حرية عندنا إلا في الجنس"، فقد فتحوا لها باب الحرية الجنسية على مصراعيه تعاشر من تريد وتترك من تريد، وأعطوها حرية التبرج والرقص لتكون في متناول أيديهم، وأعمالا أخرى دون طموح كثير من النساء الشريفات، كما أعطوها حرية العمل لكي تكدح وتتعب مثل ما يكدح الرجل، وحملوها بأعمال هي من طبيعة الرجال، ولم يرحموا نعومتها وتكوينها الجسدي، ولهذا كثرت شكاوى النساء في مجتمعاتهم من قساوة الرجال وغلظ طباعهم، كما شكين من إرهاقهن بالعمل المضني، وشكين من اختفاء العاطفة الأسرية ومجابهة الشدائد كل واحدة بمفردها وجها لوجه، وما أكثر المنتحرات احتجاجا على سوء أوضاعهن، وتبين لهن أن المناداة برفع مستوى المرأة والعناية بها والتملق لها إنما هو موجه إلى من كان عليها مسحة من ملاحة، وأما اللواتي لم يحظين بالجمال والرشاقة والحيوية فالويل لهن، وعليهن أن يندبن حظهن. تقول إحدى الموظفات في أحد مطارات أوربا (¬2) إني لأعجب من الإسلام كيف جعل أتباعه يهتمون بالمرأة إلى حد أن الأخ يؤثر أخته ويدافع عنها ولو أدى إلى موته، ثم قالت وأنا لي أخ لا يراني أحيانا إلا في السنة مرة، وقد يسلم بيده من بعيد ويمضي. ¬

(¬1) بتصرف عن كتاب ((مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية)) - سالم البهنساوي. (¬2) سمعت هذا الكلام، وقد رواه أحد الدعاة في الراديو، وقد حصل له هذا الموقف شخصيا حينما أعطته تلك الموظفة تذكرة سفر له ولزوجته وأخرت أخته لعدم وجود مقعد، فامتنع عن السفر، فسألته في دهشة ولماذا ترفض إلا السفر بأختك؟ فقال لها هكذا يأمرنا ديننا، فاستفسرت عن هذا الدين، فشرح لها الداعية المسلم الدين ونظرته إلى الأسرة، فتأثرت جدا وقالت له: لا أريد أن أؤخركم عن السفر، وأعطتهم جميعا تذاكر، وطلبت منه أن يرسل لها كتبا إسلامية.

أما زعمهم المساواة بين الرجل والمرأة، فلها قصة قديمة، وذلك أن المرأة كانت تعمل إلى جانب الرجل، ولكنها كانت تأخذ أجراً أقل منه لضعفها عن الجهد الذي يبذله الرجل، واستمر الحال إلى أن نبهت – أو تنبهت – المرأة إلى هذا الغبن فطالبت بمساواتها بالرجل في الأجرة واستمر الطلب وقوي مع مرور الوقت، ومن هنا نشأ طلب المساواة بين الرجل والمرأة. ثم تُنُوسي أساس الطلب وتطلعت المرأة إلى أبعد من ذلك، فإذا بها تدفع إلى ما لا يتفق وفطرتها وطبيعتها وشمخت بأنفها وأخذ الغرور منها كل مأخذ وظنت أنها مثل الرجل تماما فقلدته ومسخت أنوثتها، حلقت رأسها وأبعدت عنها الحلي، الذي أخبرنا الله تعالى أن المرأة تنشأ فيه، وقلدته في الصوت والمشية والحركات فكانت هي الخاسرة من حيث لا تشعر إذ نظر إليها الرجل على أنها لحم على ظهر وضم، فأعرض عنها واستهان بها فأخذت هي التي تبادله بالمغازلة ومراودته عن نفسه، ولم يبق لها عرق واحد ينبض بالحياء، وذلك عند الكثيرات في ظل هذا التيار الجارف. إلى أن اكتشفت بعض العاقلات الحالة على حقيقتها، فهالها الغبن الفاحش الذي وصلت إليه المرأة على أيدي ثعالبة الشر، وأن الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل في كل شيء إن هي إلا مهزلة ونفاق وخدع لا حد لها، وأنه يستحيل أن تتساوى المرأة والرجل الذي لا يحس بما تحس به المرأة في الحمل والولادة، وضعف القوى في المرأة وما تتعرض له من تقلبات نفسية ومواقف وشدائد فوق ما تتحمله من أعمال كلفها بها الرجل تنوء بكاهلها وتعجل لها الهرم والشيخوخة أبعدتها عن الزوج المؤنس والأولاد الذين يجلبون لها السرور والهدوء والراحة في بيتها وأخرجتها إلى عالم الصخب والضجيج وهدير الآلات والمشاكسات التي تحصل عادة بين أرباب العمل. وإذا كان ما قدمنا عن حال المرأة في أوربا والدول التي تدعي التقدمية والحضارات غير العربية السابقة، فماذا عن المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام وبعده؟ الواقع يدل على أنها في الجاهلية لم تكن شيئا يذكر، وإن كان حالها أحسن حالا من المرأة عند الأمم الأخرى، لأن تقاليد العرب في المروءة والشهامة كانت تحتم حماية المرأة والذود عنها، ومع ذلك فقد هضمت في جوانب عديدة سنذكرها فيما يلي مقارنة بحاله في الإسلام. – مقارنة بين حال المرأة في الجاهلية وحالها في الإسلام: تبين لنا مما تقدم أن المرأة في الإسلام لم تكن تشكل قضية تتطلب الحلول أو احتدام الخلاف حولها، وذلك لوضوح أمرها، فلها مكانتها ولها حقوق وعليها حقوق وواجبات وأمور أخرى ستراها أخي القارئ من خلال عرض حالها فيما يلي: ولادة البنت في الجاهلية وفي الإسلام: يعرف القارئ الكريم أن الجاهليين كانوا يكرهون ولادة البنات ويتبرمون منها ويسود وجه أحدهم من الغيظ ويختفي عن مقابلة الناس حياء من ولادة البنت، ثم يأخذ في التفكير العميق هل يبقيها حية تتجرع أنواع الإهانة حتى تموت أم يعاجلها بالعقوبة فيدفنها في التراب حية دون أدنى مبالاة، وقد وصف الله هذا الحال بقوله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ، وبعد هذا قال الله تعالى في الحكم عليهم: أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ [النحل:58، 59]، إنها إساءة إلى الله تعالى، وإلى أم المسكينة، وإلى تلك المسكينة التي وجدت من دون اختيارها، وإلى المجتمع كله.

وقال تعالى: عن دسها في التراب – أي دفنها حية -: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8 - 9]، وهو تهديد شديد، ويعود سبب تلك الكراهية لها إلى أن حياة الجاهلية كانت قائمة على الغارات والسلب والنهب، والبنت لا تستطيع ذلك فكرهوا ولادتها وتعللوا بخوف العار. 2 - كان حكم الجاهلية يقضي بأن المرأة لا إرث لها من مال والديها ولا أحدا من أقاربها، بل الذي يختص بالمال كله هو الرجل فقط، ولكن حكم الله تعالى: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا [النساء:7] فجعل المرأة ترث من المال مهما كان قليلا أو كثيرا بقدر نصيبها الذي بينته السنة أتم بيان. 3 - كانت المرأة تورث كالمتاع أو كالحيوانات التي يتركها الميت لورثته، هكذا حكم الجاهلية، ولكن حكم الإسلام يختلف تماما إذ حكم بأن هذا لا يحل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا [النساء:19]. 4 - كانت المرأة تعامل كقطعة من جماد لا اهتمام بها ولا نظر لمشاعرها، فقد كان الرجل يجمع بين الأختين في الزواج دون أي اعتبار لما تحس به كل منهما من الغيرة والتعذيب النفسي، ولكن الله في القرآن الكريم جعل هذا العمل من المحرمات المؤبدة في حياة كل منهما تحت رجل واحد، حيث قال الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:22] إلى أن قال تعالى وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء:23]. 5 - كانت المرأة لا تملك الانفصال عن زوجها ولو طلقها مائة مرة، فجعلها الإسلام طلقتين فقط، وفي الثالثة تنتهي عشرتها مع زوجها. 6 - كان الرجل يعدد الزوجات حسب ما يريد، فجعلها الإسلام أربعا فقط مع أمن الجور والاستطاعة الكاملة. 7 – كانت المرأة لا رأي لها في اختيار الزوج الذي تريد، بل تزوج مكرهة. 8 - كانت المرأة إذا مات عنها زوجها ينكحها ولده من غيرها دون أي اعتبار لما كانت تتمتع به في حياة زوجها من منزلة ودون اعتبار لزوجة الأب التي هي بمنزلة الأم، فأبطل الله هذه الفعلة القبيحة وحرمها بقوله تعالى وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً [النساء:22]. ثلاث صفات قبيحة لهذا السلوك البهيمي. 9 - كانت المرأة التي تقع أمة لشخص بأي سبب تقهر وتهدر كرامتها، بل تصبح سلعة رخيصة معروضة إذ كان سيدها يكرهها على البغاء ليثرى على حساب عفتها، فأبطل الله ذلك فقال تعالى وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور:23] فحرم الله ذلك السبيل الجائر إلى الأبد. كما أنه لم يكن للمرأة أي حقوق أو دور مع الرجل في الأمور المهمة، فلا يسمع لها رأي، ولا يقام لها وزن، وإنما هي لمتعة الرجل فقط، فجاء الإسلام الذي أعطى المرأة حقوقا لم تنلها في حياتها لا من قبل ولا من بعد في غير الإسلام، فقد بين الله في كتابه الكريم وفي سنة نبيه أن المرأة هي بخلاف ما كانت تتصوره الجاهلية، فهي تماما مثل الرجل في أشياء كثيرة تأملها فيما يلي:

أولاً: أصل الخلق: تحدث الله في القرآن الكريم عن الأصل الذي تكاثر منه الإنسان وجعل المرأة شريكة الرجل في تكوين ذلك الأصل وجعله نعمة توجب على الإنسان التقوى والمراقبة، قال الله تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى [الحجرات:13]، وأن الذكر والأنثى خلقا من نفس واحدة، قال تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً [النساء:1]. ثانيا: أن كلا من الرجل والمرأة سواء في اعتبار كل منهما هبة ومنحة من الله تعالى، قال تعالى لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَآءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49 - 50]. ثالثا: سوى الله في القرآن الكريم كذلك بين الرجل والمرأة في الاستقلال في المسئولية الشخصية، وهذا يتمثل في الأمور الآتية: 1 - تحميل المرأة مسئولية تصرفها في الدنيا كالرجل سواء بسواء، قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءَ بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38]. 2 - ترتيب الجزاء في الآخرة على العمل الفردي من الرجل والمرأة طاعة كان أو معصية، قال تعالى عن الطاعة: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ [آل عمران:195]. وبالنسبة للمعصية قال تعالى: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:73]. 3 - سوى بينهما في إباحة كسب المال بالطرق المشروعة رغم اختلاف طبيعتهما وأرشد كلا منهما إلى تحري الفضل والخير من الأموال بالعمل دون التمني والتشهي، وأنه ليس للرجل أن يسلب المرأة مالها ولا العمل الذي يتناسب مع طبيعتها، كما أنه ليس للمرأة أن تطمع فيما وراء مؤهلاتها الطبيعية، قال تعالى: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء:32]. ومعنى ما فضل الله به بعضكم على بعض: أي تمني النساء أن يكن رجالا أو تمني بعضكم أموال البعض الآخر. 4 - سوى بينهما في استحقاق الإرث بحكم الصلة التي تربط كلا منهما بالموروث، فقال تعالى لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا [النساء:7]. وبهذا أبطل ما كان متعارفا عليه قبل الإسلام من حرمان المرأة والصغير من الميراث، وإن كان نصيب الرجل أكثر من المرأة في الميراث، فذلك لما كلفه به الإسلام من النفقة عليها والقيام بشؤونها، وعلى هذا فإن نصيب المرأة وإن كان يبدو قليلا لكنه كثير، إذ أن ما تأخذه سيكون باقيا لها بخلاف الرجل فإن ما يأخذه سيذهب في الإنفاق على النساء وعلى كل من يعول الرجل، فقليل يبقى خير من كثير يزول.

5 - وسوى بينهما في توجيه الخطاب عندما تحدث عن الآداب العامة ووجوب مراعاتها مثل غض البصر، وحفظ الفرج، وعدم إبداء المرأة لزينتها، فقال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:30 - 31] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11]. وسوى بينهما في التكافل الاجتماعي، فاعتبر المرأة طرفا مساويا للرجل، ولها نفس التأثير وعليها نفس التبعة، يقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]. وسوى بينهما عندما هدد من يعمل على إيذاء المؤمنين والمؤمنات، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب:58]. وسوى بينهما في طلب الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وسلم لكل منهما، قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد: 19]. ومن تكريم الله للمرأة ولطفه بها أن أوجب الإسلام على الرجل أن يقوم بالإنفاق على وليته، والزوج على زوجته، فهو مسئول عن مسكنها وكسوتها ومطعمها ومشربها على قدر طاقته، قال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]، وهذا بخلاف البهائم فإن الأنثى هي التي تقوم بالإنفاق على نفسها وعلى أولادها. ومن تكريم الله للمرأة أن جعل الرجل قيما عليها ومسئولا عنها، فهو الذي يقوم بكل ما تحتاج إليه مما لا تقدر عليه، وقد جعل الله للرجل درجة عليها ليقوم بالتوجيه والإرشاد، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، ولم يقل سبحانه "بما فضلهم عليهن"، ولعل ذلك إشارة إلى أن هذا التفضيل ليس إلا كتفضيل بعض أعضاء الجسم على بعضها الآخر دون أن يكون ذلك احتقارا للمفضول كتفضيل اليد اليمنى على اليد اليسرى مثلا، أو كتفضيل العقل على البصر، ونحو ذلك مما اقتضته الحكمة الإلهية (¬1). ومن تكريم الله للمرأة في الإسلام كذلك أن جعلها راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، ومنحها كل الحقوق التي تليق بطبيعتها وبما يقوم به صلاحها، ولقد شهد الكثير من الكفار أن الإسلام أعطى المرأة فوق ما كانت تحلم به، وأنها سعيدة جدا في ظل حضارته الوارفة. ¬

(¬1) ([24]) بتصرف واقتباس عن كتاب ((نعم الله في خلق الإنسان كما يصوره القرآن))، (ص110 – 117).

هذا هو الوضع السليم للمرأة في الإسلام، وظلت على هذا الخير إلى أن جاءت الحضارة الغربية الجارفة فإذا بالمرأة تخدع عن هذا الخير وتنزل إلى الحضيض دون أن تشعر حيث نفخوا في روعها أن الحشمة والعفة والحجاب وبيت الزوجية والاقتصار على تربية الأولاد فقط في داخل بيتها وعدم مشاركتها الرجل في العمل جنبا إلى جنب نفخوا في روعها أن كل هذا وما يشبهه من مظاهر عدم انفلات المرأة، أنه تأخر ورجعية إلى الوراء، وأن اقتحام المرأة كل ميدان هو التقدم، فالرقص والاختلاط، وكشف العورة، ونبذ الحياء، كله أدلة قوية على السير في الطريق العلماني السليم بزعمهم، طريق تقدم المرأة وحريتها في ظل الحضارة اللادينية. وما نسمعه اليوم من المناداة الملحة في أكثر البلدان الإسلامية إلى تقديم المرأة وإلى دخولها في الحكم أقوى دليل على أن النية مبيتة، بل إن البلدان الإسلامية أصبح الحكم عليها بالتقدم أو التأخر عند الغرب يقاس بمدى استهتار المرأة بكل القيم الفاضلة ونبذ الحجاب والانفلات عن الدين. وانهالت على المرأة المدائح تلو المدائح لجرأتهن على اقتحام الميادين التي كانت للرجال، وأخذ الكتاب والمفكرون في الصحف والإذاعة والتلفزيون وكل وسائل الإعلام يطالبونهن بالمزيد من هذه الجرأة التي لا حد لها عندهم حتى تصورت أنها علت فوق منزلة الرجل وظنت أنها وصلت إلى خير، بينما هي في الواقع مظلومة ظلما فاحشا في ظل هذه الحضارة اللادينية، فأصبحت تعاني من الهموم والمتاعب وإرهاق العمل مثل ما يعانيه الرجل، رغم طبيعتها الضعيفة، وقد أدركت كثير من النساء زيف تلك الدعايات الكاذبة التي بهرجها دعاة تحرير المرأة، وجأرت كثير من نساء العرب المثقفات بالشكوى من وضعهن، وتمنين لو أنهن يعشن عيشة النساء المسلمات كما صرحن بذلك.

وعن الحياة التعيسة التي تعيشها المرأة الأوروبية بعد أن زج بها أدعياء الحضارة والتقدم من العلمانيين اللادينيين في كل معترك الحياة، وبعد أن أصبحت سلعة معروضة بأرخص الأسعار، لا هم لها إلا استرضاء الرجل، وهو أيضا لا هم له إلا الاستمتاع بها إن كانت ذات جمال وكمال، والويل لها إن لم تكن كذلك. عن تلك الحياة التعيسة تقول الكاتبة الإنجليزية " آني رود ": " إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد. أيا ليت بلادنا كبلاد المسلمين حيث فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء الخادمة والرقيق الذين يتنعمان بأرغد عيش، ويعاملان معاملة أولاد رب البيت، فلا يمس عرضهما بسوء. نعم إنه عار على بلادنا الإنكليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطتهن للرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية كما قضت بذلك الديانة السماوية وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها " (¬1).وتقول الكاتبة " اللادي كوك": "إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، ولا يخفى ما في هذا من البلاء العظيم على المرأة. فيا أيها الآباء لا يغرنكم بعض دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن في المعامل ونحوها ومصيرهن إلى ما ذكرنا، فعلموهن الابتعاد عن الرجال إذ دلنا الإحصاء على أن البلاء الناتج من الزنا يعظم ويتفاقم، حيث يكثر الاختلاط بين الرجال والنساء، ألم تروا أن أكثر أولاد الزنا أمهاتهن من المشتغلات في المعامل ومن الخادمات في البيوت، ومن أكثر السيدات المعرضات للأنظار، ولولا الأطباء الذين يعطون الأدوية للإسقاط لرأينا أضعاف ما نرى الآن، ولقد أدت بنا الحال إلى حد من الدناءة لم يكن تصوره في الإمكان حتى أصبح رجال مقاطعات من بلادنا لا يقبلون البنت ما لم تكن مجربة، أعني عندها أولاد من الزنا فينتفع بشغلهم، وهذا غاية الهبوط في المدنية، فكم قاست هذه المرأة من مرارة الحياة حتى قدرت على كفالتهم، والذي اتخذته زوجا لها لا ينظر لهؤلاء الأطفال ولا يتعهدهم بشيء يكون ويلاه من هذه الحالة التعيسة نرى من كان معينا لها في الوحم ودواره والحمل وأثقاله والفصال ومرارته " (¬2).وتقول " أجاثا كريستي " أشهر كاتبة إنجليزية للمؤلفات البوليسية: " إن المرأة الحديثة مغفلة، لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءا يوما بعد يوم، فنحن النساء نتصرف تصرفا أحمقا لأننا بذلنا الجهد الكبير في السنين الماضية للحصول على حق العمل والمساواة في العمل مع الرجال، والرجال ليسوا أغبياء، فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقا من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج، ومن المحزن أن نجد بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف، أننا نعود اليوم لنتساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده " (¬3). ¬

(¬1) ([25]) ((الإسلام روح المدنية)) – مصطفى الغلاييني – (ص211). نقلا عن ((العلمانية)) د. سفر (ص419). (¬2) ([26]) ((الإسلام روح المدنية)) – مصطفى الغلاييني – (ص420). نقلا عن ((العلمانية)) د. سفر (ص419). (¬3) ([27]) مجلة ((الاعتصام)) – العدد 3 – السنة 41/ 1398هـ - عن ((العلمانية)) (ص435).

وفي استفتاء لمعهد غالوب في أمريكا تقول النتيجة: " إن المرأة متعبة الآن، ويفضل 65% من نساء أمريكا العودة إلى منازلهن: كانت المرأة تتوهم أنها بلغت أمنيتها في العمل، أما اليوم وقد أدمت عثرات الطريق قدمها، واستنزفت الجهود قواها فإنها تود الرجوع إلى عشها لاحتضان أفراخها (¬1).بل وصل الحال بدعاة العلمانية الغربية إلى أن يعتبروا الفضائل رذائل، والعفة مشكلة فقد " انزعجت السلطات التعليمية في اسكوتلانده بسبب موجة الزواج التي تعصف بالمدرسات، فقد تبين أنه خلال عام 1960م عينت 1463 مدرسة في اسكوتلانده، وفي نهاية العام تركت ألف منهن الوظيفة للزواج، وقالت السلطات إن الزواج يهدد النظام المدرسي " (¬2). وهؤلاء الذين ينزعجون من تزويج النساء يشابهون انزعاج قوم لوط حينما دعاهم عليه السلام إلى الطهارة والعفة، فاعتبروا دعوته جريمة، كما قال تعالى مخبرا عن ذلك: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ النمل [:56]. وكان لوقوف دعاة الشر في وجه فطرة المرأة آثاره السلبية، فقد ارتفعت نسبة الانتحار بين النساء في تلك المجتمعات، وارتفعت نسبة الطلاق بينهن، بل وارتفعت نسبة السرقات بين النساء دون أن يكن في حاجة إلى المال، وإنما إلى الانتقام من المجتمع الذي أوصلهن إلى تلك الحالة التعيسة. أقدمت الممثلة الشهيرة "مارلين مونرو" على الانتحار رغم بهرجة الحياة التي كانت ترى عليها، وقد كتبت قبل أن تنتحر هذه النصيحة لبنات جنسها تقول فيها: "احذري المجد .. احذري من كل من يخدعك بالأضواء، إني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أما، إني امرأة أفضل البيت والحياة العائلية الشريفة على كل شيء .. إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة، بل الإنسان .. "، وتقول في النهاية: " لقد ظلمني كل الناس، وإن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة" (¬3).وقد كتب بعض الأطباء في " فيينا " تقريرا عن نسبة محاولات الانتحار بين الفتيان والفتيات قال فيه: "وقد لوحظ أن النساء أكثر محاولة من الرجال، ففي عام 1948م كان عدد المحاولات من النساء 381، وهذا يوافق 61ر58% من المجموع، وفي عام 1956م كان العدد 590 أي بنسبة 73ر56%، وفي عام 1959م كانت النسبة 92ر55%، كما لوحظ أن نسبة المحاولات من الفتيان والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 14 عاما، و20 عاما ترتفع باستمرار، فعند الفتيان كانت النسبة في عام 1948م 5ر6%، وفي عام 1956م كانت 53ر6%، وفي عام 1959م كانت 81ر6%. وأما عند الفتيات فالتصاعد مخيف، ففي عام 1948م حاولت 50 فتاة الانتحار، وهذا يشكل نسبة 69ر7% من مجموع محاولات الانتحار في ذلك العام، وفي عام 1956 حاولت 89 فتاة الانتحار، وهذا يشكل نسبة 55ر8%، وفي عام 1959م حاولت 150 فتاة الانتحار، وهذا يعني نسبة 20ر14%، وهذا يعني أن كل تسعة أيام توجد ست محاولات انتحار، أربع منها من جانب الفتيات، واثنتان من جانب الفتيان" (¬4). وقالت إحدى الكاتبات الألمانيات: " أتمنى أن أعيش مع رجل ناجح حتى ولو كانت له عشر زوجات " لأنها لا تعرف أن للرجل أن يجمع بين أربع زوجات فقط في الإسلام عند حاجته لذلك. ومع كل ما سبق فإنه من المؤسف ما تلاحظه – أخي القارئ – من استشراء ذلك الداء العضال الذي أصيب به الغرب في أخلاقهم وفي سلوكهم الاجتماعي، من المؤسف أن ينتقل ذلك كله إلى ديار المسلمين الذين أصبحوا أشبه ما يكونون بتلك القرية التي ضربها الله مثلا بقوله تعالى: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [النحل:112]. ومما يجدر التنبيه إليه قضية الفوارق بين الناس وما هو الصحيح في النظرة إليها. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 99 ¬

(¬1) ([28]) ((المرأة بين الفقه والقانون)) (ص259) – عن ((العلمانية)) (ص 435). (¬2) ([29]) ((المرأة بين الفقه والقانون)) (ص257) – عن ((العلمانية)) (ص 435). (¬3) ([30]) ((المرأة بين الفقه والقانون)). (¬4) ([31]) ((المرأة بين الفقه والقانون)) (ص273).

المطلب الثاني: قضية الفوارق في الإسلام

المطلب الثاني: قضية الفوارق في الإسلام الإسلام لا ينكر الفوارق بين الناس لأنها أمر واقع، ولكنه ينظمها ويجعلها فوارق طبيعية تتماشى مع الفطرة والواقع، وينأى بها بعيدا عن الكبرياء والفخر والعصبيات البغيضة، ذلك أن الأساس في الإسلام لجميع البشر التساوي بينهم في الأصل والنشأة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلكم بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهين قوم يفخرون بآبائهم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان)) (¬1). إن الإسلام يعترف بوجود فوارق حقيقية بين الناس في نواح مختلفة؛ كالفقر والغنى، والقوة والضعف، والبلادة والذكاء. ولكن الإسلام لا يجيز أن تكون تلك الفوارق مصدر استعلاء الناس بعضهم على بعض، وإنما هي دلالات على وجود مختلف الصفات فيهم ووصولهم إلى ما قدر لهم، وليست هي من قبيل نظام الطبقات الجاهلي في شيء، وإنما هي أمور ملموسة ليس للإنسان دخل فيها، وقد جعل الله كل البشر يفتقرون إليها ثم قدرها وفق إرادته وحكمته، فالعاقل لا يجد مبررا للافتخار بها على غيره ممن لم تتوفر فيه لأنها هبة من غيره وتفضل من الله تعالى، للرجل نصيب من صفات النقص والكمال، وللمرأة كذلك لها نصيب من تلك الصفات، وعلى العاقل أن يرضى بما قسم له، ولهذا نهى الله عز وجل أن يتمنى الشخص ما لم يكن له حق فيه، قال تعالى: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32]. وما من إنسان إلا وهو يؤمن في قرارة نفسه بوجود فوارق شتى بين البشر شاءوا أم أبوا، سواء أكان الشخص مؤمنا أو ملحدا، والذين يدعون أنهم سيذيبون الفوارق بين البشر إنما يتكلمون كلاما فارغا ويطلبون إيجاد مستحيل، وسنة الله تعالى لا تغيير فيها ولا تبديل. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 124 ¬

(¬1) ([32]) رواه البزار (3584) بهذا اللفظ، ورواه أبو داود (5116) وأحمد (2/ 361) (8721) والترمذي (3955) بألفاظ مقاربة، والحديث سكت عنه أبو داود وقال الترمذي حسن، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 86): رواه البزار وفيه الحسن بن الحسين العرني وهو ضعيف، والحديث صححه الألباني.

المطلب الثالث: الخصوصيات بين البشر

المطلب الثالث: الخصوصيات بين البشر وإذا كان وجود الفوارق بين الناس أمرا بديها وواقعا ملموسا، فنحن على يقين من وجود خصوصيات متفاوتة بين البشر، مع معرفتنا بأن الله تعالى قد ساوى بين الرجال والنساء في أصل الخلقة فجعل سبحانه للرجل خصوصيات وللمرأة خصوصيات أيضا كل واحد حسب ما يليق به. فقد خص الله الرجل بالقوامة على المرأة وانتساب الأولاد إليه، وخص المرأة بالأمومة والعطف والحنان. خص الله الرجل في الميراث بأنه له مثل حظ الأنثيين، وخص النساء بنصيب منه مختلف. خص الله الرجل بالشهادة بمفرده، بينما شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، ولذلك أسبابه الكثيرة التي ذكرها العلماء وسنذكرها فيما بعد، ولا يصح أن يقال هنا أن الرجال أهليتهم ناقصة في الشهادة، حيث لا يقبل في بعض القضايا إلا شهادة رجلين فأكثر، وفي بعضها أربعة رجال فأكثر كجريمة الزنا مثلا .. فما سبب وجود تلك الخصوصيات؟ والجواب: أما القوامة بالنسبة للرجل فسببه الذكورة، وأما الأمومة بالنسبة للنساء فسببها الأنوثة، كما أنه لا تستقيم الأمور إذا كانت القوامة للجميع، أما الميراث فليست المرأة في الميراث على الأقل دائما، فقد ساوى الإسلام بين الأب والأم في الميراث من ولدهما المتوفى عن بنت وأم وأب، وجعل نصيب البنت أضعاف نصيب الرجل في قوله تعالى: وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ [النساء:11]. وأما كون الرجل له حظ الأنثيين فإنما هو لقيامه بالأعباء المالية التي كلف الله بها الرجل، حيث يذهب ماله بسرعة، فلو أعطيت المرأة دائما مثل حظ الرجل لتراكم المال بيد النساء فلا توجد صفة العدل في التوزيع، وإذا قيل بأن المرأة قد تحتاج إلى المال مثل حاجة الرجل تماما فذلك يدل على اختلال في السلوك، أما مع بقاء قوامة الرجال فإنها لا تكون مثله وتصل إلى درجة حاجته مع وجود الميراث بيدها. وأما بالنسبة لشهادة المرأتين بشهادة رجل فإنما هوفي صور بعيدة عن حياة النساء في الغالب، وهو ما يتعلق بالديون والمعاملات التجارية، فخشية أن تنسى المرأة الواحدة لابد أن تعزز بأخرى كما قال تعالى: أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]. فالسبب هو خوف النسيان، لأن المعاملات التجارية ومسائل الديون أمور لا تتخصص فيها المرأة غالبا فيسرع النسيان إليها، كما أن مدارك المرأة في الغالب وفهمها في أمور الحياة أقل من مدارك الرجل وفهمه لكون الرجل يعيش الحياة من أوسع الأبواب بخلاف المرأة التي قد لا تصادف تلك المعاملات إلا قليلا، وأما إذا خرجت المرأة عن أنوثتها ونزلت إلى الشارع وعاشت الحياة بصخبها وضجيجها ومشاكلها فقد يكون لها شأن آخر من المدارك لكنه خارج عن طبيعتها الحقيقية. وأما اشتراط أربعة شهود في جريمة الزنا فليس سببه نقص أهلية الرجل، وإنما سببه الحفاظ على كرامة المرأة من أن تكون عرضة للكيد والشبهات، ومنعا وردعا للتساهل في هذا الأمر الخطير، وصونا للأعراض. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل من إحداكن)) (¬1). فالقرائن تبين الغرض من الحديث، أما نقصهن للب الرجل الحازم فقد كان الحديث في يوم عيد أي يوم فرح وسرور وزينة، فليس المراد به ذم النساء، وإنما يراد به تقرير ذكاء النساء حيث يذهبن بلب الرجل الحازم بزينتهن وتصنعهن، لأن كيدهن في هذا الباب عظيم، فهو إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم وليس ذما لهن. وأما نقص الدين فهو بسبب الحيض الذي يحول دون الصلاة والصوم وغيرهما من بعض العبادات، وليس معناه الذم للنساء، إذ لا مذمة عليهن في الحيض، بل هو أمر أراده الله فبدونه تنعدم وظيفة الأمومة وتنقرض البشرية. وأما نقص العقل فليس المراد به أن كل امرأة ناقصة العقل، ولكن المراد به نقص عقلها في الشهادة لما سبق تعليله، كما أن العقل والذكاء من الأمور النسبية بين الرجال والنساء وهو أمر مشاهد. وظهور الخصوصيات في هذه الأمور واضحة، ولا يصح إقحام دعوى التساوي بين الرجال والنساء في جميع الجوانب، فهناك موانع يجب أن ندركها. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 126 ¬

(¬1) ([33]) رواه البخاري (304).

المطلب الرابع: موانع دعوى التساوي بين الرجال والنساء

المطلب الرابع: موانع دعوى التساوي بين الرجال والنساء أما المناداة بالتساوي: فقد خدعت به المرأة، لأنه لا يمكن التساوي بين الناس في كل شيء، وإلا لكان الطبيب والممرض والصيدلي في درجة واحدة، والموظفون كلهم رؤساء، ولا فرق بين الرئيس وفراشه أو سائقه. والذين ينادون بالمساواة بين الرجل والمرأة اندفعوا بدون روية وتأمل ينعقون بما لا يدركون. وعلى هؤلاء على حد مناداتهم بالمساواة أن يساووا بين الرجل والمرأة في الحمل والولادة والحضانة، أوفي حمل السلاح وخوض المعارك، وفي العواطف، وأن يساووا بين المجد والكسول، وغير ذلك من موانع المساواة الواضحة والتي لا يمكن أن تتم إلا في خيال غير العقلاء. إن هناك فوارق واضحة جلية بين الرجال والنساء، لا يستطيع أحد إنكارها، فمثلا: حالة الحيض: تتأثر بها المرأة في قواها الذهنية وتعتبر حالة مرضية عند المرأة، وقد ذكر الدكتور "جب هارد" والدكتور " فيشر" أن المرأة في حالة الحيض تتأثر قواها الذهنية، وفي حالة الحمل يصاب مزاجها بالتلون وعقلها بالشرود، فتختل فيها ملكات التفكير والتأمل. وحين وضع الكونجرس الأمريكي مشروعا لتعديل الدستور بما يكفل للمرأة المساواة الكاملة مع الرجل قامت بعض المنظمات النسائية بالاعتراض على هذا معللين ذلك بالآتي: إن مساواة المرأة بالرجل يلزم المرأة بالعمل، فلا تستطيع التفرغ للبيت إن شاءت. أن مساواة المرأة بالرجل تلغي وجوب النفقة على الرجل، بل تجعل له حقا في النفقة في مالها. أن مساواة المرأة بالرجل تلغي امتيازات المرأة في السجون. أن مساواة المرأة بالرجل تستلزم وجوب تجنيد المرأة في الجيش. ثم لم توافق أغلب الولايات على قانون الكونجرس فتوقف التعديل. ومن العجيب أنه بعد الاعتراضات النسائية: قضت المحكمة العليا أن من حق الولايات افتتاح معاهد خاصة بالبنات. قضت المحكمة العليا أن من حق ولاية ميتشجان منع النساء من العمل ساقيات في الحانات. في المجر استقلت البنات عن الأسرة والأطفال بسبب استقلال المرأة في حياتها لعملها واكتفائها بالعلاقات غير الشريفة، فاضطرت الحكومة لمنح أجازة حضانة بمرتب كامل للراغبات في البقاء في البيت (¬1). وهذا يدل على مدى التخبط الذي يعيشه الخارجون عن منهج الله تعالى، ومدى ما هم عليه من الإفراط والتفريط، إذ لم يوفقوا إلى السلوك الوسط الذي أراده الله تعالى للحياة البشرية. ومن العجائب – والعجائب جمة – أن النساء اللاتي لم يجربن الحياة المعيشية والأخلاقية في عالم الإلحاد ينزعن برغبة جامحة إلى نبذ الحياة الإسلامية والدخول في خضم تلك الحياة العاهرة، بينما النساء اللاتي اصطلين بنار الحضارة الإلحادية وجربنها ينزعن بشوق إلى الدخول في الحياة الإسلامية بعد أن سمعن – وإن كان سماعا مشوشا – عن عدل الإسلام وحفاظه على المرأة، أو قرأن قراءة عابرة عن الإسلام ومعاملته الكريمة للمرأة. استطلعت شبكة "سي إن إن" الأمريكية المشهورة بالتعاون مع صحيفة "يو الإسلام توداي" رأي النساء والرجال في بقاء المرأة في المنزل والرجل خارج المنزل، فأكدت 48% من النساء بقاء المرأة في المنزل وعمل الرجل خارجه، بينما أكد 60% من الرجال خروج المرأة للعمل، وهذا دليل على خداع الرجال للمرأة وعدم الرحمة بها، وأنهم يرغبون في أن تكد وتشقى وتعاني الحياة التعيسة ومصاعبها كما يعانيها هم تماما. ¬

(¬1) ([34]) بتصرف عن كتاب ((مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية)) (ص227).

وقد جاء أن مطلقة بريطانية اسمها "ماينس جاكسون" عرضت ابنها الوحيد للبيع بمبلغ ألف جنيه، والمبلغ يشمل الطفل وألعابه، وقد قالت إنها ستبيع ابنها لأنها لا تستطيع الإنفاق عليه، وليس لديها دخل لإعاشته، فأين الذين يتهمون الإسلام كذبا وزورا أنه لم يعطها حقها، وهل تصل امرأة في الإسلام وتكافله الاجتماعي إلى حد بيع ابنها؟!! وحين تفاقمت الجرائم الجنسية والاغتصاب والحمل العشوائي بالآلاف بين فتيات بعضهن دون الرابعة عشرة يتسافدون كما تتسافد البهائم، أصدرت شرطة مانشستر دعوة إلى النساء بأن يتحجبن ويخفين مفاتنهن لئلا يثرن الشباب الصعاليك والمهووسين جنسيا، وإلا فإنهن سيتحملن ما يصادفنه من المضايقات الجنسية والاغتصابات المنتشرة. وفي بدايات عام 1990م تم لقاء مع رئيسة وزراء بريطانيا التي أطلق عليها "المرأة الحديدية" بينت فيه أنه تضاعف عدد الرجال والنساء المرتبطين بعلاقات غير شرعية ثلاث مرات في الفترة من 1979م حتى 1987م، والمحصلة 000ر400 طفل غير شرعي، وقالت إن المرأة هي الخاسرة وهي تتحمل العبء الثقيل لهذا الانفلات (¬1). ومن العجيب جدا أن تتلهف المرأة التي أعزها الله بالإسلام ونظامه الرحيم إلى دخول تلك الحياة التعيسة للمرأة في الغرب، وصدق من قال: "العاقل من اتعظ بغيره"، ولكن الأحمق يريد أن يكون هو العظة. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 130 ¬

(¬1) ([35]) انظر ((أساليب العلمانية في تغريب المرأة المسلمة))، للدكتور بشر بن فهد البشر – بتصرف (ص73)، تحت عنوان " ملحق ".

المبحث الرابع: التفكك الاجتماعي والضعف الحاصل في أوضاع المسلمين وأسباب ذلك

المبحث الرابع: التفكك الاجتماعي والضعف الحاصل في أوضاع المسلمين وأسباب ذلك مرت على المسلمين أحداثا ومؤامرات وفتن بعضها تلو البعض الآخر فرقت بينهم وجعلتهم أحزابا بتخطيط بارع من قبل أعدائهم، ولم يعد لقول الله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103] مدلولا خاصا في نفوسهم، أو رادعا قويا عن التفرق والتحزب، واستحكم الهوى في النفوس، وأعجب كل ذي رأي برأيه، واختلفت الولاءات، فبدلا أن تكون الموالاة بين المؤمنين ضد أعدائهم أصبح كل فريق من المسلمين يوالي جهة من أعداء الإسلام، ويستعين بعضهم على بعض بأعداء دينهم، وأصبح بأسهم بينهم شديدا، وقلوبهم شتى، وتمكن أعداؤهم منهم فضربوا بعضهم ببعض وأحكموا بينهم الخلافات، وكانوا هم الحكم بين المسلمين على بعضهم بعضا، وهم الممولون للجميع بالسلاح ليضربوا عصفورين بحجر واحد، يجربون أسلحتهم عليهم ويبيعونها منهم، وهذا الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم من الذل والهوان والتمزق والانكسار أمام أعداء الإسلام ما هو إلا نتيجة للتفكك المقيت الذي حل بالمسلمين نتيجة عدم قبضهم على دينهم بجد وإخلاص، وليس هذا فحسب بل قد ظهر هذا التفكك في جوانب مختلفة في حياة المسلمين، وهي كثيرة يصعب حصرها هنا، من اجتماعية واقتصادية وسياسية، وسنشير فيما يأتي إلى أهم الأسباب التي تظهر أنها مؤثرة جدا على مجرى الحياة العامة بين المسلمين. أما بالنسبة للضعف العام في المسلمين: فإنه أمر مشاهد لا يحتاج إلى عبقري يبينه، والأدلة على ذلك تتوارد من كل جانب، ذلك أن المسلمين كلمتهم غير مسموعة، وآراؤهم غير منفذة، وأعداؤهم قائمون على رؤوسهم، وأصبحوا لا يملكون إلا الشكوى للأمم المتحدة – اليهودية المنشأ والهدف – ولراعيي السلام، وللدول الأوروبية .. الخ. وقد قيل إن من أكبر المصائب على الشخص ألا يجد من يحتكم إليه إلا عدوه. ولك فيما يفعله اليهود في فلسطين، وما يفعله الشيوعيون في الشيشان، وفي بورما، وما يفعله الهندوس في كشمير، والهند، وما يفعله النصارى في الفلبين، وإندونيسيا، والبوسنة والهرسك، وبلاد أخرى كثيرة. لك فيها أقوى دليل على ضعف الأمة الإسلامية وتكالب أعدائها عليهم. وحينما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمته بأنه سيتكالب الأعداء عليهم ويتداعون عليها كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قال له الصحابة رضوان الله عليهم: ((أمن قلة بنا يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) (¬1). ولك أن تقارن بين مفهوم هذا الحديث وبين ما يتشدق به بعض المسلمين، وأنهم من المحيط إلى الخليج، وقولهم بأننا أمة لن تقهر، وأننا نستطيع ونستطيع .. في جعجعة لا ترى فيها طحنا، وغرور كاذب سواء كان على مستوى الزعماء أو الأفراد. فلا كثير من زعماء المسلمين فيهم نخوة المعتصم، ولا الأفراد فيهم حماس أسلافهم ولا بأيديهم من أسباب القوة التي يمتلكها أعداء الإسلام في الشرق أوفي الغرب ما يخيفون به أعداءهم، بل ليس له إلا ما جادت به نفوس الأعداء من أسلحة متأخرة وشروط مجحفة كما قال أحد الشعراء: وعدة الخصم صاروخ وطائرة ... ونحن عدتنا الكبرى قرارات ومع ذلك نجد الكثير من الزعماء من يشمخ بأنفه إلى عنان السماء ويتحدى الشرق والغرب ويصول ويجول، وهو في مكانه يلهب المشاعر بالخطب الرنانة والتهديدات الجوفاء. ¬

(¬1) ([36]) الحديث رواه أبو داود (4297) وأحمد (5/ 287) (22450) والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه الألباني.

فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانا وركبانا تراخي قبضة المسلمين على دينهم: وهذا هو السبب الأكبر - في اعتقادي – الذي أدى بالمسلمين إلى الضعف العام وهوان المسلمين، ذلك أن المسلمين من ناحية العدد كثير، ومن ناحية العدة فإنهم يملكون عدة كثيرة جدا بغض النظر عن مساواتها بما عند أعدائهم، ولو قارنت عدد المسلمين وعدتهم اليوم، وعددهم وعدتهم في صدر الإسلام وزمن الفتوحات لتحيرت أشد الحيرة، ولتساءلت كما تساءل الكثير ممن لم يلتفت إلى هذا الجانب الهام من حياة المسلمين، فإنه ما دام العدد موجود والعدة موجودة، فما الذي ينقصنا إذا، أليس أعداء الإسلام يألمون مثلما نألم، ونرجو من الله ما لا يرجون؟ وهو فارق كبير جدا. ولكن يأتي الجواب الصحيح الذي غاب عن أذهان كثير من المسلمين أن السبب في ضعف المسلمين وهزائمهم هو تراخيهم في قبضتهم على دينهم، وليس العدة ولا العتاد. هو غفلتهم عن السر في سبب النصر على الأعداء، وغفلتهم عن معنى قول الله تعالى: كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249]. هو تحاكمهم إلى أعداء الإسلام وتوجههم إليهم لأخذ القوانين الجاهلية بدلا عن الشريعة الإسلامية. هو تلك التيارات الجارفة والبحور المتلاطم أمواجها وسباحتهم فيها من اشتراكية وشيوعية وشيعية ورأسمالية وعلمانية و .. إلى آخر تلك المذاهب التي مسخت شخصيات المسلمين. هو الذل الذي أصاب المسلمين والذي أعاد للأذهان حال المسلمين وذلهم أمام هولاكو وجنوده. هو هذا العري والتبجح بالمعاصي وانتشار الرذائل دون نكير كاف. هو أشياء كثيرة تجمعها عبارة " تراخي المسلمين في قبضتهم على دينهم، وحبهم العافية، وجمع الأموال الربوية، والتفاخر في البنيان ... وغيرها، وعدم تمثلهم هذا البيت من الشعر الذي تمثل به الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه حينما سمع جماعة كل واحد منهم يفتخر بحسبه ونسبه، فقال: أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم وأي عذر ونصر سيكون لشخص حكمه بغير ما أنزل الله، وعمله خبط عشوائي دون الاهتداء بالكتاب والسنة، وليس في قرارة نفسه أن النصر هو من عند الله تعالى. وقف أحد الصحابة الكرام يوم فتحت إحدى القلاع الحصينة للكفار، وقف يبكي فسئل عن ذلك وأنه يوم فرح وسرور فما الذي يبكيه، فأخبرهم رضي الله عنه بأن الذي جعل المسلمين يصلون إلى هذا الخير والنصر إنما هو تمسكهم بدينهم، فلو تركوه لتركهم الله تعالى كما ترك أولئك الكفار، وأنه لا ينبغي لمسلم أن يأمن مكر الله تعالى. وتذكر كذلك عدم اعتزاز كثير من المسلمين بدينهم. وتذكر أخي القارئ الكريم ما أجاب به الخليفة المؤمن هارون الرشيد ملك الروم حين كتب إليه ملك الروم يتهدده ويقول له إن الملكة "إيرني" التي كانت قبلي كانت امرأة ضعيفة، فإذا جاءك كتابي فادفع الجزية، فاستشاط الخليفة غضبا وكتب إليه فورا على ظهر الكتاب: " من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى كلب الروم "نقفور"، الجواب "ما ترى لا ما تسمع"، ثم نادى في المسلمين لجهاد الروم، فخرجوا كالجراد المنتشر حتى مرغوا أنوف الروم في الوحل واستعد "نقفور" بدفع الجزية للمسلمين بكل إخلاص لقاء أن يرفعوا عنه وعن بلاده سيوفهم. وتذكر كذلك حينما كان يصاب أحد المسلمين في القتال بسهم أو رمح قاتل فيقول: "فزت ورب الكعبة"، كيف جعل القتل فوزا. وتذكر حينما رمى عمرو بن الجموح التمرات التي كانت في يده وقال: " لئن بقيت حتى أتمهن إنه لعمر طويل "، ثم خاض المعركة حتى قتل. وتذكر حينما كتب أحد المسلمين إلى زعيم كافر يقول له: "سآتيك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة".

وتذكر حينما كان أولئك النجباء من صبيان الصحابة كيف يتطاولون أمام النبي ليثبتوا له أنهم كبار ليسمح لهم بدخول المعركة وهو يمنعهم لصغر سنهم. وتذكر ابني عفراء الصغيرين وقد دخلا المعركة وانقضا على أبي جهل ومزقاه بسيفيهما. وتذكر أحوالا ومشاهد ومواقف لا تكاد تحصر " تكاد لحسنها تتكلم "، تذكر تلك الأمور ثم انظر حال شباب المسلمين اليوم وقد غرقوا في الموضات وفي تقليد أعداء الإسلام في كل شيء من مأكل وملبس ونعومة وتكسر وميوعة، وانظر كيف يتزاحمون بالمناكب على محلات الحلاقين لعمل موضة وقصات "الأسد" وغيرها وحاشا الأسد منها. وانظر إلى ابن العشرين اليوم وهو يتدلل كما يتدلل ابن الخمس سنوات، قديما، انظر لحركته وملبسه وشخصيته، هل تجده كفؤا لقيادة الجيش الذي قاده محمد بن القاسم وعمره سبعة عشر عاما لفتح السند والهند. قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤددا من مولد واستمع للصحابي الذي قال لرستم، وقد تواقف الجيشان: "ليس لكم عندنا إلا ثلاث: إما الإسلام، وإما أن تدفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما القتل". واستمع لبعض زعماء اليوم حينما يزور الكفار – الذين سفكوا دماء المسلمين – كيف يثني عليهم ويتودد إليهم، ثم يضع الزهور على تمثال الجندي المجهول – أي الجندي الذي قتل المسلمين ولم يعرف اسمه. واقرأ ما يكتبه كثير من السفهاء والسفيهات في الاستهزاء بالدين وبتعاليمه، خصوصا في قضية الحجاب والعقوبات في الجنايات، واقرأ مدحهم وإعجابهم بما عند الكفار من أنظمة جاهلية يسمونها متطورة، اقرأ واسمع وتذكر ما سبق ذكره وغيره حتى ترى بنفسك مدى تمسك كثير من المسلمين بدينهم في هذه العصور – عصور الفتن والشرور – واسألهم ما بال القومية والوطنية والشعوبية والقبلية وغيرها من النعرات الجاهلية قد أحلوها محل العقيدة الإسلامية وأخوة الدين. وما الذي يحملهم على تقديس المجرم الذي قال: بلادك قدسها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم سلام على كفر يوحد بيننا وأهلا وسهلا بعده بجهنم وكيف طبقوا هذا الكلام الفاجر بحيث قدس كل أهل بلد بلدهم وسموه بلدة كذا وكذا المقدسة. من أين لهم هذا التقديس؟ وما هو دليلهم على أنها مقدسة؟!! ثم اسألهم أي كفر سيوحد بينهم؟ أليس الكفر هو الذي يفرق الناس ويطغى بعضهم على بعض؟ وكيف جاز لهذا المجرم أن يستهين بجهنم إلى هذا الحد فيرحب بها في تحد صارخ وعنجهية حمقاء؟!!! أخي القارئ .. أليس كل ما تقدم ينذر بشر مستطير وتفلت تام؟ أليس هو تراخي عن العقيدة التي أعز الله بها أسلافنا، ولن تقوم لنا قائمة إلا بالتمسك بها؟ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]. والله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. هو عدم الوحدة والتفكك السياسي: لا أحد يذكر أوضاع المسلمين اليوم إلا ويتبادر إلى ذهنه هذه الأبيات إن كان قد سمع بها لشاعر أندلسي يرثي الأندلس وأهلها ويمقت ما هم فيه من كثرة الممالك والزعماء وأنها شر وغرور فارغ. مما يزهدني في أرض أندلس ... أسماء معتضد فيها ومعتمد ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالمهر يحكي انتفاخا صولة الأسد وحينما كانت الدولة الإسلامية دولة واحدة كانت قوية يحسب لها ألف حساب، ولكن حينما أصبحت دولا وزعماء كثيرون جاءها الأفرنج فإذا هي كهشيم المحتضر، وعرفوا أن التفرق خذلان، ولكن ولات حين ندم. لقد كان المسلمون دولة واحدة وتحت حاكم واحد قلوبهم كقلب رجل واحد، هدفهم واحد، وكلمتهم واحدة، أشرقت بهم وبعدلهم الأرض، وقوي المسلمون وانتشر نور الإسلام في بقاع الأرض ودخل الناس في دين الله أفواجا، ولا زالت آثارهم شاهدة بأمجادهم إلى يومنا الحاضر.

ثم خلف من بعدهم خلف نجح فيهم تخطيط أعدائهم وتمت المؤامرات عليهم بدقة، وزاد الطين بلة حينما وطئت أقدام المستعمرين بلادهم حيث كانت الوطأة شديدة عليهم فقسموا بلاد المسلمين وجعلوهم دويلات يحكمونهم مباشرة أو بواسطة عملاء من أهل كل بلد هم أشد على قومهم من المستعمرين، وظل المسلمون قرونا وهم تحت جبروت وطغيان الإفرنج. حتى إذا تنبهت الشعوب للغبن الواقع عليهم من استعمار أعدائهم لهم وتحكمهم في كل مواردهم وحربهم لدينهم وإقصاء الحكم بالشريعة الإسلامية وطمس اللغة العربية وإثارة الفتن والعداوة بين المسلمين على طريقة "فرق تسد". حينما تنبهت الشعوب هبت لمحاربة المستعمرين وإخراجهم من أراضيهم بالقوة وسالت الدماء وانتهكت الأعراض وتم في ظاهر الأمر النصر لهم، فهل خرج المستعمرون فعلا من ديار المسلمين وانتهت آثارهم النجسة؟ الواقع أن المستعمرين كانوا في غاية الذكاء والترتيب والمكر: قسموا البلاد تقسيما تعسفيا ظالما بحيث يبقى أهل البلاد في حزازات وشجار دائم على الحدود، وهو ما عانته الدول الإسلامية إلى اليوم إذ أصبحت كل دولة تطالب بجزء من أراضيها تحت الدولة الأخرى المجاورة، وكثيرا ما تقوم الحروب بينهم ليحتكموا في النهاية إلى ذلك العدو الذي سبب هذا الحال. قبل أن يخرجوا رتبوا لهم عملاء هم أشد على أبناء جنسهم من أولئك المستعمرين، فضمنوا بقاءهم في صورة أخرى هي أشد من الأولى، ولا زالت مفاهيمهم ومناهجهم سارية على أغلب تلك الشعوب التي تدعي التحرر وتتشدق به في الوقت الذي كانوا فيه عالة على المستعمر في كل شؤون الحياة – حتى في التشريع والتعليم. وما دام الحال هكذا فلابد أن تأتي النتيجة الحتمية التي أرادها المستعمرون أثناء حكمهم لدويلات المسلمين وهو وجود التفكك السياسي وما يتبعه من العداوة والصراعات المشتعلة، ونسوا أنه: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا وحال المسلمين اليوم من إحدى العجائب إذ يتمنون الوحدة الإسلامية والجرائد تكتب والإذاعات تصيح والزعماء يصرحون ويلمحون، ولكن هذا الوضع شيء والواقع شيء آخر، وكأنما طلب الوحدة واللهفة لتحقيقها معناه العكس تماما، وكأنها معلقة بالثريا. يدخل الزعماء مؤتمراتهم وشعارهم قول الله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103] ثم يخرجون وهم على حبال شتى وأفكار متباعدة، لأن كل طائفة تعتقد أن هذا الحبل الذي ذكره الله تعالى المقصود به ما عليه تلك الطائفة لا غيرها من الحاضرين. بل لم تتوحد كلمة المسلمين حتى في القضايا التي يسمونها مصيرية، ومن المعروف أن الذي يريد أن يحترمه الناس عليه أن يحترم نفسه أولا، فهناك قضايا كثيرة أمام مجلس الأمن وغيره لم يستطع أحد البت فيها ما دام أصحاب القضية لم يبتوا فيها بشيء خصوصا ما يتعلق بمواقف الدول الإسلامية من قضية فلسطين وقضية مواقفهم الاقتصادية مع الغرب، وغير ذلك. كان للخلاف المذهبي دور ظاهر في تفكك المسلمين وتأجج الخلافات فيما بينهم بسبب ضيق أفق بعضهم من المتأخرين وجهلهم بأسباب قيام تلك المذاهب ولجمودهم على ما وجدوه مدونا عمن تعصبوا له من المتقدمين. ويجب أن نعلم مسبقا أن الخلاف بين الناس أمر حتمي لا يمكن دفعه بحال بسبب اختلاف المفاهيم وقابلية المسائل الخلافية لذلك، ولا يجب أن نعتب على المخالف في تلك المسائل إلى حد التكفير أو النفور التام لأن كل الخلافات في غير الأمور المعلومة من الدين بالضرورة تحليلا أو تحريما لا غبار عليها ما لم تؤد إلى مخالفة الشرع أو إثارة الفتن.

ومما يبشر بالخير أن الخلافات بين فقهاء المسلمين إنما هي في مسائل فرعية، أي ليست في أصول الدين المعلومة من الدين بالضرورة، وإذا رجعنا إلى أسباب نشأة الخلافات الفقهية المذهبية فسنجد أن الأئمة الأربعة وغيرهم كانوا في رتبة الاجتهاد، فكانوا يختلفون في فهم النصوص والاجتهاد فيها، أو يقع الخلاف لأن بعضهم لم يبلغه النص القاطع للخلاف، ولم يكن منهم أي تعصب لآرائهم، بل كانوا يصرحون بأنه إذا خالفت أقوالهم النص من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فليضربوا بقولهم عرض الحائط، وكانوا يذمون الجمود على الرأي المخالف ويحذرون منه إلى أن انقضت أزمانهم المجيدة، ثم خلفهم أقوام تبلدت أفهامهم وجمدوا على ما وجدوه عن أولئك الأئمة الكرام، وتعصب كل فريق لإمام منهم تعصبا مذموما، إذ أخذ كل صاحب مذهب يشنع على الآخرين ويذمهم ويمدح مذهبه، ويعتقد أنه هو الحق وحده وما عداه هو الباطل دون أن يعير أدنى اهتمام لما يخالف إمامه الذي يتعصب له، بل حتى لو وجد النص الصحيح يخالف إمامه لضرب به عرض الحائط وأخذ بقول إمامه، ووصلوا إلى حد أنه لا يصلي بعضهم خلف بعض، بل وصلوا إلى أمور تدل على مدى حمقهم وتعصبهم الأعمى، وكأنهم اتخذوا أئمتهم أربابا من دون الله في التشريع، وهو أمر كان يغضب أولئك الأعلام ويذمون أهله أشد الذم، ولو تراخت قبضة المسلمين على هذا التعصب وضيق الأفق لكانوا في خير. ومن الأسباب الحروب: فقد توالت على المسلمين حروب وفتن كثيرة ومؤامرات شرسة منذ بزوغ فجر الإسلام إلى يومنا الحاضر. بدأت تلك الحروب والمؤامرات والرسول صلى الله عليه وسلم حي، وتمثلت في مواجهات عسكرية بين المسلمين وأعدائهم من قريش ومن سائر العرب عباد الأصنام، نصر الله فيها نبيه وأتباعه نصرا مؤزرا. والحقيقة أن تلك المواجهات لم تكن سببا في فرقة المسلمين، بل كانت سببا قويا في تلاحمهم وتعاضدهم، حيث كانوا كالجسد الواحد، لم يستطع أحد من أعدائهم أن يقف في طريق مدهم الذي كان ينساب انسياب النور في الظلام بإذن ربهم. ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقر الله عينه بدخول الناس في دين الله أفواجا، ثم خلفه خيرة أتباعه فتولى أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم جميعا، فكان الإسلام فيها في أوج قوته وإشراقه رغم ما كانت تظهر هنا وهناك من منغصات لا تمثل أي تهديد حقيقي للمسلمين، اللهم إلا ما حصل في عهد علي رضي الله عنه حيث انفتحت أبواب الفتن، وبدأ التفرق وظهور المتربصون بالإسلام، وكانت أقوى الفتن تلك الثورة العارمة الهوجاء التي قام بها الخوارج في وجه الخليفة الراشد علي رضي الله عنه. ثم جاءت الدولة الأموية، فإذا بالمسلمين يستعيدون قوتهم الميمونة، وإذا بهم تعلو كلمتهم ويتابعون نشر نور الإسلام في معارك تم النصر فيها للمسلمين تباعا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وفي آخر الدولة الأموية أصاب المسلمين الوهن، فإذا بالفتن تثور كالليل المظلم في أكثر من مكان من بلدان المسلمين. فتسلمت الراية الدولة العباسية، وكان خلفاؤها الأوائل أصحاب نفوذ وكلمة وقوة إلى أن دخلها الضعف فهان المسلمون وتفرقت كلمتهم وهووا من سيء إلى أسوأ، وتوالت المؤامرات المختلفة على الإسلام والمسلمين. وكان أخطر الحروب التي مرت بالمسلمين تتمثل فيما يلي: الحروب الصليبية. الحرب مع التتار. مؤامرات اليهود. أما الحروب الصليبية: فقد بدأت منذ فجر الإسلام بين النصارى على مختلف طوائفهم وبين المسلمين، واستمرت الحرب على أشدها بين مد وجزر إلى أن جاءت الحروب الصليبية التي استفحل أمرها وطمت العالم الإسلامي إلا من شاء الله أن يسلم منهم.

ولقد كانت هذه الحروب هي المعول الهدام لحضارة المسلمين، واشتغالهم بها – ولا زالت – إلا أنها وبعد أن عرف النصارى كيف يدخلون على المسلمين بطريقة ماكرة تحولت هذه الحروب من المواجهات المسلحة والجيوش النظامية إلى حرب لا تقل شراسة عن المعارك النظامية، إلا أنها لا تثير ضجيجا ولا تكلف أموالا ولا تهدر سلاحا، بل تسري في النفوس سريان النوم، فكم لها من ضحايا رزءتهم في دينهم وحولتهم عنه، بل وأصبحوا أعداء له، فما هذه المعارك؟ إنها معارك فكرية وغزوا فكريا أجادوا التخطيط له، وعرفوا أنه أشد تأثيرا من المواجهة الحربية الفعلية، فاكتفوا به، فإذا بكثير من شباب المسلمين وكبارهم بل وصغارهم ينضمون إلى صفوفهم بكل سهولة عن طريق تأثرهم بالدعايات ونشر الأفكار المضللة عن طريق وسائل الإعلام التي أجادوا الاستفادة منها في التلفزيون وفي الإذاعة وفي المجلة وفي الكتاب وفي المعاملات وفي الفن – كما يسمونه – وفي الرياضة وفي السياحة وفي كل مرفق من مرافق الحياة، فأغرقوا أذهان المسلمين في خضم تيارات جارفة لا عهد لأسلافهم بها، فافتتن الكثير من المسلمين بهم وبحضارتهم وبكل ما عندهم من زخرف الحياة الدنيا وزينتها، وابتلي العالم الإسلامي كله ربما ابتلاء قد لا يقل عن ابتلائهم بالدجال. ولا أعتقد أن القارئ يخفى عليه مدى تغلغل الأفكار النصرانية حتى في وسط الأطفال، وقد لا يخفى عليك الكثير من المعلومات عن التنصير وخطره ووسائله وانتشاره في ديار المسلمين. أما الحرب مع التتار فحديثها ذو شجون، وأهوالها قد تفوق الخيال، كانت نكبة بمعنى الكلمة على العالم الإسلامي، وارجع إذا أردت الوقوف على الفظائع التي جلبتها تلك الحروب المشئومة على المسلمين إلى كتب التاريخ وسترى ما لا يخطر لك على بال، كيف فرقت تلك الحرب المسلمين وجعلتهم أشتاتا لا يلوي بعضهم على بعض، إلى أن رفعها الله تعالى بعد تمحيص يهد الجبال لو أحست به. وإذا كانت تلك الحرب تذكر في أخبار تفرق المسلمين وتشتتهم فإنها كانت أيضا درسا من الله للمسلمين ليعودوا إلى الوحدة التي أمرهم الله بها، وحينما فطن زعماء الإسلام في ذلك الوقت لحالهم المخزية اجتمعت كلمتهم وتوجهوا إلى الله مخلصين له الدين متضرعين إليه لإنزال نصره عليهم وهزيمة أعدائهم، فاستجاب الله لهم وأنزل عليهم نصره ابتداء بمعركة عين جالوت وما بعدها، وتنفس من بقي حيا من المسلمين الصعداء بعد أن أيقنوا بأنه لا بقاء للإسلام ولا للمسلمين في هذه الأرض إلا بنصر الله والرجوع إليه، والله عز وجل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وأما مؤامرات اليهود فهي معروفة وواضحة منذ أن بزغ نور الإسلام وهم غاصون بريقهم منه يتحينون كل فرصة للقضاء عليه، ولكن الله يخيب آمالهم ويرد كيدهم إلى نحورهم. لقد اشتهر اليهود بالجبن وحب الحياة والمؤامرات الخفية التي يجيدون حبكها والاستفادة من وقوع الأحداث وجني ثمرة نتيجتها. والذي يبدو من تاريخهم أنهم لم يخوضوا المعارك مع المخالفين لهم وجها لوجه مثلما فعل النصارى في حروبهم الشهيرة، وذلك للخوف والجبن المضروب عليهم، حيث لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، كما أخبر الله عنهم، ولما جبلوا عليه من الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة، ولما جبلوا عليه من جعل بأسهم بينهم شديدا وقلوبهم شتى. لقد بدأت مؤامراتهم على النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فكم ألبوا عليه المخالفين له، وكم جمعوا له من جموع باءت كلها بالفشل الذريع، واستمرت إلى يومنا الحاضر، ونسأل الله أن يرد كيدهم إلى نحورهم ويكفي المسلمين شرورهم.

ولا يرد على ما وصفهم الله به من الخوف والجبن وحب الحياة ما هو واقعهم اليوم، وقد علوا علوا كبيرا، وصاروا يتحدون الشرق والغرب، ولا يرون العرب إلا كالحشرات الطائرة، فلربما هذا العتو منهم على العرب والمسلمين جزاءا من الله تعالى للمسلمين لتركهم العمل بشرعه ولميلهم إلى الكفار، وللعداوة والتشتت الحاصل في صفوفهم، وسبب آخر وهو الوهن الذي أصاب المسلمين ولا يدري إلا الله تعالى متى يفيق العرب والمسلمون من سباتهم العميق فيرجعون إلى الله تعالى ويحكمون شرعه ويستنصرونه على أعداء دينهم بدلا من قتل بعضهم بعضا وبغي بعضهم على بعض حتى أصبح الكثير يقولون: إذا كان اليهود جبناء فإن المسلمين – وفي أولهم العرب – هم أجبن من اليهود وأشد حبا للحياة منهم. وهؤلاء نسوا أن أسلافنا المسلمين إنما كانوا ينتصرون بحبهم لربهم وتحكيمهم لدينه والعمل بأوامر الإسلام والانتهاء عن نواهيه، وأنهم كانوا على قلب رجل واحد، هدفهم واحد وتفكيرهم واحد، فنصرهم الله تعالى جزاءا لإخلاصهم وتوجههم إليه عز وجل. وأما اليوم فقد توزعت أهواء المسلمين وجعلتهم عالة على أعداء الدين، فهذا شيوعي، وهذا بعثي، وهذا اشتراكي وذلك ديمقراطي وهذا تقدمي وذلك رجعي .. إلى آخر هذه الترهات الحمقاء التي ذل المسلمون وتأخروا بسبب تمسكهم بها واعتزازهم بغير دينهم وشرع نبيهم. والحاصل أنه لابد أن يحصل التفكك الاجتماعي في أوضاع المسلمين وذلك: في غياب الوعي الإسلامي لابد وأن يحصل التفكك الممقوت بين المسلمين شاءوا أم أبوا. حين صار بأسهم بينهم فكل طائفة تحارب الأخرى وتبالغ في شراء الأسلحة التي تذهب أثمانها لأيدي الكفار تجار السلاح، وصار حال المسلمين اليوم أقبح من حال الجاهليين في الزمن القديم، فإن الجاهليين كانوا لا يحاربوا إلا الأعداء، ولا يحاربون إخوانهم إلا إذا لم يجدوا العدو الذي يحاربونه على حد قول شاعرهم: وأحيانا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا بخلاف اليوم فإنهم تركوا العدو واتجهوا لحرب بعضهم بعضا والكيد لبعضهم بعضا، وصاروا محل تجارب أعداء الإسلام لأسلحتهم، وصاروا عكس ما أخبر الله به عن أسلافهم الذين قال الله فيهم: أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]. إذ يحترم الكافر عند كثير من المسلمين أكثر من احترام المسلم أخاه المسلم، فصار بعضهم أشداء على المسلمين رحماء ضعفاء جبناء أمام الكفار لانبهارهم بما عند الكفار من زخرف الحياة الدنيا، ولجهلهم بدينهم الذي أعز الله به أسلافهم ورفع شأنهم في الدنيا والآخرة. حين نشأت الأحزاب المتعارضة – كل حزب بما لديهم فرحون – وكثر الكذب في الانتخابات المزعومة، وكثرت الحيل، وارتفعت الثقة عنهم، وصارت لأعداء الإسلام اليد الطولى في توجيه كل تلك الأحزاب التي يضربون بعضها ببعض إن أرادوا، أو يغلبون الحزب الذي يعرفون أنه عميلهم وعدو لدينه ولوطنه فيغلبون جانبه. بعد أن تفرق المسلمون في الولاء السياسي فيممت كل طائفة وجوهها لدولة من دول الكفر، وفقدوا الولاء والبراء الحقيقيين الذين جعلهما الله علامة بين المؤمنين في ولايتهم لله ولرسوله والمؤمنين. حين نشأت العصبيات البغيضة التي أماتها الإسلام وأحيتها الجاهلية حيث دان المسلمون بالقومية والوطنية والعنصرية وغيرها من الجاهليات المنتشرة التي غزتهم عن طريق أوربا. حينما فصلت السياسة عن الدين فأصبح الحاكم بذلك يجب أن لا يكون دينيا لكي يعم عدله جميع الشعب وإلا كان متعصبا لجهة بزعمهم، ونسوا أنه سيكون متعصبا ضد الدين إذا لم يتعصب له كما هو الواقع.

حين ظهرت الحركات البدعية وقوي زعماؤها وفرضوا بدعهم بكل سبيل. حين انعدمت الثقة والأخوة الإسلامية بين الشعوب ولم يعودوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولم يحققوا قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)) (¬1)، أو قوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) (¬2). حين تدهورت الأخلاق والفضائل وارتفع شأن الرذائل من الغش والكذب والدعارة وشرب المسكرات. حين عم التكالب على الدنيا وطلب الشهرة والعلوفي الأرض بأي ثمن كان. حين أصبح بعض المائعين ممن جرفتهم الحضارة الغربية – يستحي أن ينتسب إلى الإسلام لئلا يقال له رجعي متخلف. وإذا كان الحال كما ذكر سابقا وأشد أيضا، فما هي طريق العودة التي تعيد للمسلمين عزتهم؟ طريق العودة لن تعود للمسلمين عزتهم ومنعتهم إلا إذا عادوا إلى دينهم وتمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. اعتزاز المسلمين بدينهم وترك السير في المؤخرة وراء العالم الغربي المتدهور وترك الاعتزاز بالقوميات والوطنيات بعيدا عن الدين الحنيف. أن يكونوا قدوة العالم في جميع المعاملات والسلوك وسائر الأخلاق الحميدة. أن يتم تحاكمهم إلى الإسلام في جميع شؤونهم، وأن يرفضوا التحاكم إلى غيره من الأنظمة أو الجمعيات أو الدساتير الجاهلية. الاهتمام التام بتربية النشء على الأسس الإسلامية الصحيحة وعلى أيدي مدربين ومدرسين أكفاء على العقيدة ليصبح هذا النشء هم رجال الغد في حركة مستقلة في التعليم عن التعليم الغربي في جميع مرافق التعليم دينيا ودنيويا. الجد في القضاء على كل أنواع الجاهليات عن طريق تعميق العقيدة وليس عن طريق قرارات أو عقوبات، بل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الإسلام. رفع راية الجهاد بكل أنواعه في الوقت الذي يسمح بذلك من نصرة المسلمين المجاهدين ودعمهم بالسلاح والرجال وترك الخوف من إطلاق كلمة الجهاد التي أعز الله بها المسلمين في عصورهم الأولى حين تدع الضرورة لذلك. بذل الاجتهاد في نشر التوعية الإسلامية العامة من قبل كافة المسلمين لما فيه رفعة الإسلام وعزة المسلمين، العلماء في مجالهم، والتجار في مجالهم .. الخ. أن يسند حكم المسلمين إلى رجال أكفاء لهم معرفة بالعقيدة الصحيحة في كل بلد – واليوم نجد أكثر الشعب مسلمين والحاكم نصراني أو شيوعي أو بعثي أو اشتراكي .. الخ. لابد أن يستقل العالم الإسلامي في كل شؤونه عن العالم الغربي في الصناعة، وفي التجارة، وفي وسائل التعليم كلها، وفي كل الجوانب. وما على الشخص منهم إلا أن يخلص نيته ثم يبدأ العمل ويستعين بالله تعالى ويستشعر عظمته وقدرته، والله تعالى لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى ما دام ذلك العمل يقصد به وجه الله ومصلحة المسلمين عامة، وما دام على وفق ما شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 134 ¬

(¬1) ([37]) رواه مسلم (46). (¬2) ([38]) رواه البخاري (10) ومسلم (41).

الفصل الرابع: المذاهب الفكرية المعاصرة

المطلب الأول: التنصير التنصير حركة دينية سياسية استعمارية بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسلمين بخاصة بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي (انظر تفصيل ذلك في موسوعة الأديان الخاصة بموقعنا)

المطلب الثاني: الاستشراق

المطلب الثاني: الاستشراق هو دراسات أكاديمية يقوم بها غربيون كافرون من أهل الكتاب بوجه خاص للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب عقيدة وشريعة وثقافة وحضارة وتاريخاً ونظماً وثروات وإمكانيات؛ بهدف تشويه الإسلام ومحاولة تشكيك المسلمين فيه وتضليلهم عنه, وفرض التبعية للغرب عليهم , ومحاولة تسويغ هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي (¬1). ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 171 (انظر تفصيل ذلك في موسوعة الأديان الخاصة بموقعنا) ¬

(¬1) انظر ((رؤية إسلامية للاستشراق)) أحمد عبد الحميد غراب (ص 7)

المطلب الثالث: التغريب

أولا: التعريف التغريب هو تيار فكري كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، يرمي إلى صبْغ حياة الأمم بعامة، والمسلمين بخاصة، بالأسلوب الغربي، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: أسباب قيام حركة التغريب في البلدان الإسلامية

ثانيا: أسباب قيام حركة التغريب في البلدان الإسلامية لقيام التغريب في البلاد الإسلامية أسباب كثيرة من أهمها: 1ـ انخداع بعض المسلمين وتأثرهم بالمنصرين والمستشرقين. 2ـ استعانة بعض المسؤولين والمؤسسات من المسلمين بعلماء غربيين في شتى المجالات وبعضهم في مجال التوجيه والمسؤولية وهذا بخلاف هدي المسلمين فقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أحد عماله حين طلب إليه أن يستعين بنصراني ماهر فكتب إليه "هبه مات". 3ـ عدم مراقبة تحركات النصارى في بعض البلدان الإسلامية وإطلاق الحبل على الغارب لهم يقيمون احتفالاتهم وأعيادهم ودعاياتهم ودعواتهم بل ويحضرها بعض المسؤولين المسلمين لمباركتها بحجة التلاحم الشعبي والتسامح الديني. 4ـ ابتعاث بعض الدارسين إلى الغرب ليتعلموا شتى العلوم ومن الغريب – حسب ما يقال – أن بعضهم يذهب لدراسة بعض العلوم الإسلامية واللغوية والتاريخية. 5ـ قيام بعض المسؤولين من المسلمين بإلزام جيوشهم وخدمهم بلباس الغرب افتخارا به خصوصا في المجالات الرسمية. 6ـ إنشاء مكاتب ومدارس وجمعيات تدعو إلى التغريب. 7ـ ترجمة الكثير من الكتب الغربية إعجابا بأشخاصها وتوزيعها في كل بلد للكبار والصغار. 8ـ وقوف النصارى في كل بلد إلى جانب الغرب وإظهار إعجابهم بهم وتحبيبهم إلى نفوس الناس وهم بمثابة العيون للغرب. 9ـ قيام بعض عملاء الغرب بإصدار مجلات ودعايات وتمثيليات وأشرطة تسجيل وقصص للكبار والصغار تدعو إلى الإعجاب بالحضارة الغربية وتحقير الحضارة الإسلامية والتقليل من أهميتها. 10ـ إثارة بعض القضايا ومهاجمة الإسلام من خلالها كقضية جواز الزواج بأكثر من واحدة وحق الطلاق للرجل والحجاب ومنع الاختلاط وحقوق المرأة .... وغير ذلك وتضخيمها والرد على الإسلام من خلالها بتلفيق الأكاذيب والشبهات الباطلة حولها. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 458

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات بدأ المشرقيون في العالم الإسلامي مع نهاية القرن الثامن عشر ومطلع التاسع عشر بتحديث جيوشهم وتعزيزها عن طريق إرسال بعثات إلى البلاد الأوربية أو باستقدام الخبراء الغربيين للتدريس والتخطيط للنهضة الحديثة، وذلك لمواجهة تطلع الغربيين إلى بسط نفوذهم الاستعماري إثر بدء عهد النهضة الأوربية. لما قضى السلطان محمود الثاني على الانكشارية العثمانية سنة 1826م أمر باتخاذ الزي الأوربي الذي فرضه على العسكريين والمدنيين على حد سواء. استقدم السلطان سليم الثالث المهندسين من السويد وفرنسا والمجر وانجلترا وذلك لإنشاء المدارس الحربية والبحرية. قام محمد علي والي مصر، والذي تولى سنة 1805م، ببناء جيش على النظام الأوربي، كما عمد إلى ابتعاث خريجي الأزهر من أجل التخصص في أوربا. أنشأ أحمد باشا باي الأول في تونس جيشا نظاميا، وافتتح مدرسة للعلوم الحربية فيها ضباط وأساتذة فرنسيون وإيطاليون وإنجليز. افتتحت أسرة الفاجار التي حكمت إيران كلية للعلوم والفنون على أساس غربي سنة 1852م. منذ عام 1860م بدأت حركة التغريب عملها في لبنان عن طريق الإرساليات، ومنها امتدت إلى مصر في ظل الخديوي إسماعيل الذي كان هدفه أن يجعل مصر قطعة من أوربا. التقى الخديوي إسماعيل في باريس مع السلطان العثماني عبد العزيز 1284 هـ/1867م حينما لبيا دعوة الإمبراطور نابليون الثالث لحضور المعرض الفرنسي العام، وقد كانا يسيران في تيار الحضارة الغربية. ابتعث كل من رفاعة الطهطاوي إلى باريس وأقام فيها خمس سنوات 1826/ 1831م وكذلك ابتعث خير الدين التونسي إليها وأقام فيها أربع سنوات 1852 – 1856م وقد عاد كل منهما محملا بأفكار تدعو إلى تنظيم المجتمع على أساس علماني عقلاني. منذ 1830م بدأ المبتعثون العائدون من أوروبا بترجمة كتب فولتير وروسو ومونتسكيوفي محاولة منهم لنشر الفكر الأوربي الذي ثار ضد الدين الذي ظهر في القرن الثامن. أنشأ كرومر كلية فيكتوريا بالإسكندرية لتربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي ليكونوا أداة المستقبل في نقل ونشر الحضارة الغربية. قال اللورد لويد (المندوب السامي البريطاني في مصر) حينما افتتح هذه الكلية سنة 1936م: كل هؤلاء لن يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين والتلاميذ. كان نصارى الشام من أول من اتصل بالبعثات التبشيرية وبالإرساليات ومن المسارعين بتلقي الثقافة الفرنسية والإنجليزية، كما كانوا يشجعون العلمانية التحررية وذلك لعدم إحساسهم بالولاء تجاه الدولة العثمانية فبالغوا في إظهار إعجابهم بالغرب ودعوا إلى الاقتداء به وتتبع طريقه، وقد ظهر ذلك جليا في الصحف التي أسسوها وعملوا فيها. كان ناصيف اليازجي 1800 – 1871 م وابنه إبراهيم اليازجي 1847 – 1906 م على صلة وثيقة بالإرساليات الأمريكية الإنجيلية. أسس بطرس البستاني 1819 – 1883 م في عام 1863م مدرسة لتدريس اللغة العربية والعلوم الحديثة فكان بذلك أول نصراني يدعو إلى العروبة والوطنية إذ كان شعاره: "حب الوطن من الإيمان". كما أصدر صحيفة الجنان سنة 1870م التي استمرت ست عشرة سنة وقد تولى منصب الترجمة في قنصلية أمريكا ببيروت مشاركا في الترجمة البروتستانتية للتوراة مع الأمريكيين سميث وفانديك. أنشأ جورجي زيدان 1861 – 1914م مجلة الهلال في مصر سنة 1892م، وقد كان على صلة بالمبعوثين الأمريكان، كما كانت له سلسلة من القصص التاريخية التي حشاها بالافتراءات على الإسلام والمسلمين.

أسس سليم تقلا صحيفة الأهرام في مصر وقد سبق له أن تلقى علومه في مدرسة عبية بلبنان والتي أنشأها المبشر الأمريكي فانديك. أصدر سليم النقاش صحيفة المقتطف التي عاشت ثمانية أعوام في لبنان انتقلت بعدها إلى مصر سنة 1884م. تجول جمال الدين الأفغاني 1838 - 1897م كثيرا في العالم الإسلامي شرقا وغربا وقد أدخل نظام الجمعيات السرية في العصر الحديث إلى مصر، كما يقال بأنه انضم إلى المحافل الماسونية، وكان على صلة بالمستر بلنت البريطاني. كان الشيخ محمد عبده 1849 – 1905م من أبرز تلاميذ الأفغاني، وشريكه في إنشاء مجلة العروة الوثقى، وكانت له صداقة مع اللورد كرومر والمستر بلنت، ولقد كانت مدرسته ومنها رشيد رضا تدعو إلى مهاجمة التقاليد، كما ظهرت لهم فتاوى تعتمد على أقصى ما تسمح به النصوص من تأويل بغية إظهار الإسلام بمظهر المتقبل لحضارة الغرب كما دعا الشيخ محمد عبده إلى إدخال العلوم العصرية إلى الأزهر لتطويره وتحديثه. كان المستشرق مستربلنت: يطوف هو وزوجته مرتديا الزي العربي، داعيا إلى القومية العربية وإلى إنشاء خلافة عربية بغية تحطيم الرابطة الإسلامية. قاد قاسم أمين 1865 – 1908م وهو تلميذ محمد عبده، الدعوة إلى تحرير المرأة وتمكينها من العمل في الوظائف والأعمال العامة. وقد كتب تحرير المرأة 1899م والمرأة الجديدة 1900م. كان سعد زغلول: الذي صار وزيرا للمعارف سنة 1906م شديد التأثر بآراء محمد عبده وقد نفذ فكرة كرومر القديمة والداعية إلى إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي بقصد تطوير الفكر الإسلامي من خلال مؤسسة غير أزهرية منافسة له. كان أحمد لطفي السيد 1872 – 1963م من أكبر مؤسسي حزب الأحرار الدستوريين الذين انشقوا عن سعد زغلول سياسيا، وكان يدعو إلى الإقليمية الضيقة وهو صاحب العبارة المشهورة التي أطلقها عام 1907م وهي: "مصر للمصريين" وقد تولى شؤون الجامعة المصرية منذ تسلمتها الحكومة المصرية عام 1916م وحتى 1941م تقريبا. وكان طه حسين 1889 – 1973م من أبرز دعاة التغريب في العالم الإسلامي حيث تلقى علومه على يد المستشرق كايم دور وقد نشر أخطر آرائه في كتابيه الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة في مصر. يقول في كتابه الشعر الجاهلي ص26: للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي. ويقول بعد ذلك: وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح. كما أنه ينفي فيه نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أشراف قريش. لقد بدأ طه حسين محاضرة له في اللغة والأدب بحمد الله والصلاة على نبيه ثم قال: سيضحك مني بعض الحاضرين إذا سمعني أبدأ هذه المحاضرة بحمد الله والصلاة على نبيه لأن ذلك يخالف عادة العصر. ازدهرت حركة التغريب بعد سيطرة الاتحاديين عام 1908م على الحكم في الدولة العثمانية وسقوط السلطان عبدالحميد. وفي سنة 1924م ألغت حكومة مصطفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية مما مهد لانضمام تركيا إلى الركب العلماني الحديث، وفرض عليها التغريب بأقصى صوره وأعنفها.

علي عبدالرزاق: نشر سنة 1925م كتابه الإسلام وأصول الحكم الذي ترجم إلى الإنجليزية والأردية، يحاول فيه المؤلف أن يقنع القارئ بأن الإسلام دين فقط وليس دينا ودولة، وقد ضرب سميث مثلا به عندما أشار إلى أن التحررية العلمانية والعالمية لا تروج في العالم الإسلامي إلا إذا فسرت تفسيرا إسلاميا مقبولا، وقد حوكم الكتاب والمؤلف من قبل هيئة العلماء بالأزهر في 12/ 08/1925م وصدرت ضده إدانة أخرجته من زمرة العلماء، وكان يشرف على مجلة الرابطة الشرقية كما أقام حفل تكريم لأرنست رينان في الجامعة المصرية بمناسبة مرور مائة سنة على وفاة هذا المستشرق الذي لم يدخر وسعا في مهاجمة العرب والمسلمين. وكان محمود عزمي من أكبر دعاة الفرعونية في مصر، درس على أستاذه دور كايم الذي كان يقول له: إذا ذكرت الاقتصاد فلا تذكر الشريعة، وإذا ذكرت الشريعة فلا تذكر الاقتصاد. وسبق أن قدم منصور فهمي 1886 – 1959م: أول أطروحة للدكتوراه على أستاذه ليفي بريل مهاجما نظام الزواج في الإسلام التي موضوعها حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطوراتها، وفي هذه الرسالة يقول: محمد يشرع لجميع الناس ويستثني نفسه، ويقول: إلا أنه أعفى نفسه من المهر والشهود، لكنه انتقد بعد ذلك حركة التغريب في سنة 1915م وجاهر بآرائه في الأخطاء التي حملها طه حسين ومدرسته. ويعتبر إسماعيل مظهر من أئمة مدرسة التغريب لكنه لم يلبث أن تحول عنها إبان عصر النهضة الحديثة. وكان زكي مبارك في مقدمة تلاميذ طه حسين، درس على أيدي المستشرقين وسبق له أن قدم أطروحة للدكتوراه في الغزالي والمأمون مهاجما الغزالي هجوما عنيفا لكنه رجع عن ذلك فيما بعد وكتب مقاله المعروف إليك أعتذر أيها الغزالي. ويعتبر محمد حسين هيكل 1888 – 1956م رئيس تحرير جريدة السياسة في الفترة الأولى من حياته من أبرز المستغربين وقد أنكر الإسراء بالروح والجسد معا انطلاقا من نظرة عقلانية في كتابه حياة محمد، لكنه عدل عن ذلك وكتب معبرا عن توجهه الجديد في مقدمة كتابه في منزل الوحي. وكان الشيخ أمي الخولي وهو من مدرسي مادتي التفسير والبلاغة بالجامعة المصرية، يروج لأفكار طه حسين في الدعوة إلى دراسة القرآن دراسة فنية بغض النظر عن مكانته الدينية، وقد استمر في ذلك حتى كشفه الشيخ محمود شلتوت سنة 1947م. وقاد شبلي شميل 1860 – 1917م الدعوة إلى العلمانية ومهاجمة قيم الأديان والأخلاق. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: تيارات التغريب

رابعا: تيارات التغريب وقد ذكر الشيخ محمد حامد الناصر أن مجمل تيارات التغريب تكمن في ثلاثة: 1ـ تيارات مدرسة الاستعمار وهو من أدوات المستعمر لتنفيذ سياسته في إدارة شؤون البلاد ومن هؤلاء "سعد زغلول" و" أحمد لطفي السيد" 2ـ التيار الثاني تطوير الإسلام وأهل هذا التيار ينصب اهتمامهم في زعمهم تطوير الدين وإعادة تفسيره وفق الحضارة الغربية ومن هؤلاء "رفاعة الطهطاوي" و"خير الدين التونسي" ثم أصبحت على يد "محمد عبده" ومدرسته. 3ـ التيار الثالث: ويمثله نصارى العرب وجهوا جل اهتمامهم إلى تأسيس الصحف اليومية كصحيفة الأهرام والمقطم وتحملان الأنباء العالمية والمذاهب السياسية وبعضها كان يحمل طابعا أدبيا علميا مثل صحيفة المقتطف، وصحيفة الهلال. وقد ذكرت شخصيات كثيرة تنادي بهذا التغريب مثل " أديب إسحاق" و "سليم نقاش" و"بطرس البستاني" وهم من أنشط العرب في نقل الحضارة الغربية" (¬1) ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 464 ¬

(¬1) انظر ((العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب)) (ص 129).

خامسا: أهداف دعاة التغريب وأساليبهم

خامسا: أهداف دعاة التغريب وأساليبهم أهدافهم تتمثل في رغبتهم الشديدة في أن يحولوا العالم الإسلامي إلى مقلدين للغرب في كل شيء وأن يكونوا تبعا لهم , وأما أساليبهم فهي كثيرة ومتنوعة ومن أهمها: 1ـ إحياء ما يسمونه بالحضارات القديمة في العالم الإسلامي ومنها النفاذ إلى قيام الحضارات الغربية المتمثلة في الاستخفاف بالقديم في النهاية ونبذه وقد استعد "روكفلر" اليهودي المتعصب بمبلغ عشرة ملايين دولار تبرعا لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر وملحق به معهد أيضا وقد فعل الكثير منهم ذلك والغرض من هذا هو النفاذ إلى تفريق كلمة المسلمين وبتبديدهم من خلال إرجاع كل قطر إلى جاهليته القديمة قبل الإسلام والالتفاف حولها. 2ـ التركيز على المناداة بالقضاء على التفرقة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي حتى تبقى للمسلم شخصية متميزة ويسمون ذلك تطورا في الفكر والثقافة على غرار عصر التنوير عند الأوربيين. 3ـ إحياء الدعوة إلى تقديس الوطنية والقومية وغيرها من النعرات الجاهلية والاعتزاز بها لتكون بديلا عن الاعتزاز بالدين وقيمه والإشادة بما حققته الوطنية الغربية وإظهار الإعجاب بها وذلك لضمان عدم عودة المسلمين إلى الألفة العامة بينهم وعدم اتحادهم في كتلة واحدة ليسهل على الغرب وأتباعهم التأثير على كل قطر بمفرده. 4ـ الدعوة إلى الالتفاف حول ما يسمونه الإنسانية لكي يجتمع الجميع تحتها فتزول الفوارق والخلافات الدينية فيحل السلام وتصبح الأرض وطنا للجميع – بزعمهم – وهي دعوة يهودية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، لأنها في حقيقتها سراب. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 465

سادسا: أهم آراء دعاة التغريب

سادسا: أهم آراء دعاة التغريب موقفهم من القرآن الكريم ردد بعض دعاة التغريب ما قرره أعداء الإسلام من المنصرين والمستشرقين من شبهات باطلة حول كلام الله عز وجل – القرآن الكريم – وما كان أجدر بهم أن ينأوا بأنفسهم عن ضلالات الحاقدين على الإسلام والمسلمين ما داموا يشهدون الشهادتين ولكن تلمذتهم على أولئك هي التي أنتجت هذا الخلط الشنيع في مفاهيمهم من أن القرآن الكريم صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه سجع على طريقة السجع الذي كان معروفا في الجاهلية – بزعمهم – وغير ذلك من أقوالهم ولا ريب أن من اعتقد هذا يكون قد خلع ربقة الإسلام من عنقه وارتد عن الشريعة السمحاء واختار طريق الضلال. ولعل القارئ لا ينسى من لقّبه الغرب بعميد الأدب العربي "طه حسين" مكافأة له على تهجمه على القرآن الكريم والسنة النبوية ومحاباته لليهود الذي كان يقول "تفكيري فرنسي وكتابتي بالعربية". وقد كان طه حسين عميلا وفيا للغرب محاربا لله ولرسوله ولدين الإسلام مفضلا الغرب وحضارته على الإسلام ونوره فهو مرة يهاجم اللغة العربية ويفضل عليها اللاتينية واليونانية ومرة يدعو إلى التجديد وهو السير سير الأوربيين في كل شيء ومرة يهاجم الفتح الإسلامي ويعتبره غزوا واحتلالا لمصر التي لم تسترد حريتها إلا حين رجعت إلى حضارتها الفرعونية – بزعمه – وقد سماه الرافعي " المبشر طه حسين" و " المستر طه حسين" بدلا عن لقبه الأوربي "عميد الأدب العربي" ومما يذكر أن طه حسين لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة في كتابه " في الشعر الجاهلي" وكرر في كتبه أن القرآن الكريم من الأساطير. وأما كتابه" في الشعر الجاهلي" فقد كان حاداً جاداً في السخرية بالقرآن الكريم والإشادة بالإلحاد الغربي والزندقة وقد حاكمه مجلس البرلمان في مصر وصدر الحكم بتكفيره وإتلاف كتابه وفصله من الجامعة ولكن القوى التي كانت تدفعه إلى هذا تدخلت لحمايته فأُعيد إلى عمله ورُفع ليكون مديراً للجامعة ثم وزيرا للمعارف ليكمل مهمته من مظلة السلطة. وكانت لطه حسين صلات حميمة بكثير من مشاهير أعداء الإسلام مثل " كازانوفا" و"مرجليوث" و"ماسينون" و"بلاشير" وغيرهم من أصدقائه الذين يفتخر بصداقتهم وقد استورد كثيرا من المستشرقين والمنصرين الحاقدين استوردهم للتدريس بالجامعة – بحكم وظيفته – وقرب اليهود والنصارى واتخذهم بطانة له. موقفهم من السنة النبوية وإذا كان دعاة التغريب قد جرؤا على محاربة كتاب الله عز وجل وانتقدوه وشككوا فيه إتباعا لمشايخهم من المنصرين والمستشرقين، فما الظن بهم بالنسبة للسنة الشريفة على صاحبها أزكى الصلاة والسلام تلك السنة الغراء التي أقلقت أعداء الإسلام وضاقوا بها ذرعا وخططوا الخطط المتلاحقة والمؤتمرات المتتابعة للتشاور في أمرها وكيفية القضاء عليها ومع تلك المحاولات المستميتة إلا أن السنة النبوية ظلت على صفائها ونقائها ولمعان نورها الذي يكاد يخطف أبصار الذين كفروا. وقد ذكر الشيخ " محمد حامد الناصر" في كتابه (العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب) من (ص133: 137).بعض دعاة التغريب وذكر منهم من اشتهر أمره بالانحياز للغرب والحضارة الغربية مثل " أحمد أمين" و"محمود أبو رية" و "محمد توفيق صدقي" وإسماعيل أدهم" والشاعر" أحمد زكي أبو شادي" و" صالح أبو بكر" لعل القارئ الكريم قد أدرك مما سبق إيراده أن المستشرقين لم يكونوا أمناء ولا أصحاب بحوث علمية مجردة عن التعصب – كما زعموا – بل إنهم غزاة العقول ومعاول الهدم قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:18]

وقد عرف المسلمون كثيرا من حيلهم وأساليبهم الماكرة وعرفوا منهجهم في كتابتهم عن الإسلام والمسلمين وأنها كانت تنفث حقدا وعصبية وأنهم جواسيس لشعوبهم الغربية ولدياناتهم المحرفة وأن ما تظاهروا به من ود وموضوعية ونزاهة فيما يكتبون إنما هو تغرير يقصد به ذر الرماد في العيون ولا أدل على هذا من أنهم لا يستدلون على ما يوردونه عن الإسلام والمسلمين إلا ما يوافق أهواءهم ولا من الأحاديث إلا الساقط منها المفترى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعارضون بها جادين الأحاديث الصحيحة بل والآيات الكريمة من كتاب الله تعالى ويجعلون ذلك من التناقض الموجود في الشريعة المحمدية – بزعمهم – مع أنهم يعرفون تماما أن ما يستدلون به لتشويه الإسلام هو واه كبيت العنكبوت ولكن لا حيلة لهم إلا ذلك. فإذا وجدوا أدنى شبهة تشبثوا بها وضخموها وصدق بعضهم بعضا في إيرادها على التفسير الذي يرتضونه ولا ينظرون فيها نظرة الفاحص الطالب للحقيقة ولهذا تجد – أخي القارئ – تفسيرات باطلة ومحرفة لنصوص كثيرة سواء كانت في تفسير كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أوفي التاريخ الإسلامي أو الفقه أو غير ذلك ثم يقدمونه للناس على أنه بيان للإسلام وتعاليمه. ولم يقف الأمر عند تفسير النصوص ولكن جاءوا بما هو أدهى من ذلك إذ أنهم يضعون القضية التي يريدون إلقاءها يصنعونها من تلقاء أنفسهم على أنها محسوبة على الإسلام والمسلمين ثم بعد ذلك يتصيدون لها الأدلة والشبهات والأقوال ويصولون ويجولون حولها حتى يقتنع من لا خبرة له بمكرهم أنهم على شيء وأنهم فطاحل بحث وتحقيق ونزاهة وأن ما قالوه عن الإسلام صحيح لا مرية فيه. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 486

سابعا: الأفكار والمعتقدات

سابعا: الأفكار والمعتقدات أفكار تغريبية: المستشرق الإنجليزي (جب) ألف كتاب (إلى أين يتجه الإسلام) الذي يقول فيه: من أهم مظاهر سياسة التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة وقد أعلن في بحثه هذا صراحة أن الهدف معرفة إلى أي مدى وصلت حركة تغريب الشرق وما هي العوامل التي تحول دون تحقيق هذا التغريب عندما دخل اللورد اللنبي القدس عام 1918م أعلن قائلا: "الآن انتهت الحروب الصليبية". يقول لورنس بروان: إن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي. ولهذا فلابد من الدعوة إلى أن يطبع العالم الإسلامي بطابع الغرب الحضاري. تشجيع فكرة إيجاد فكر إسلامي متطور يبرر الأنماط الغربية ومحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية بغية إيجاد علائق مستقرة بين الغرب وبين العالم الإسلامي خدمة لمصالحه. الدعوة إلى الوطنية ودراسة التاريخ القديم والدعوة إلى الحرية باعتبارها أساس نهضة الأمة مع عرض النظم الاقتصادية الغربية عرضا مصحوبا بالإعجاب، وتكرار الكلام حول تعدد الزوجات في الإسلام وتحديد الطلاق واختلاط الجنسين. نشر فكرة العالمية والإنسانية التي يزعم أصحابها بأن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد تزول معه الخلافات الدينية والعنصرية لإحلال السلام في العالم، ولتصبح الأرض وطنا واحدا يدين بدين واحد ويتكلم بلغة واحدة وثقافة مشتركة بغية تذويب الفكر الإسلامي واحتوائه في بوتقة الأقوياء المسيطرين أصحاب النفوذ العالمي. إن نشر الفكر القومي خطوة على طريق التغريب في القرن التاسع عشر وقد انتقل من أوربا إلى العرب والإيرانيين والترك والإندونيسيين والهنود، إلى كيانات جزئية تقوم على رابط جغرافي يجمع أناسا ينتمون إلى أصول عرقية مشتركة. تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة، يقول المستشرق (جب): وقد كان من أهم مظاهر سياسة التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن .... وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوربا ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دورا مهما في تقوية القوميات المحلية وتدعيم مقوماتها. عرض روكفلر الصهيوني المتعصب تبرعه بعشرة ملايين دولار لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر وملحق به معهد لتخريج المتخصصين في هذا الفن. أن كلا من الاستعمار والاستشراق والشيوعية والماسونية وفروعها والصهيونية ودعاة التوفيق بين الأديان "وحدة الأديان" قد تآزروا جميعا في دعم حركة التغريب وتأييدها بهدف تطويق العالم الإسلامي وتطويعه ليكون أداة لينة بأيديهم. نشر المذاهب الهدامة كالفرويدية والداروينية والماركسية والقول بتطور الأخلاق (ليفي برويل) وبتطور المجتمع (دور كايم) والتركيز على الفكر الوجودي والعلماني والتحرري والدراسات عن التصوف الإسلامي والدعوة إلى القومية والإقليمية والوطنية والفصل بين الدين والمجتمع وحملة الانتقاص من الدين ومهاجمة القرآن والنبوة والوحي والتاريخ الإسلامي والتشكيك في القيم الإسلامية عن فكرة الجهاد وإشاعة فكرة أن سبب تأخر العرب والمسلمين إنما هو الإسلام. اعتبار القرآن فيضا من العقل الباطن مع الإشادة بعبقرية محمد صلى الله عليه وسلم وألمعيته وصفاء ذهنه ووصف ذلك بالإشراق الروحي تمهيدا لإزالة صفة النبوة عنه. مؤتمرات تغريبية - عقد مؤتمر في بلتيمور عام 1942م وهو يدعو إلى دراسة وابتعاث الحركات السرية في الإسلام.

في عام 1947م عقد في جامعة برنستون بأمريكا مؤتمر لدراسة (الشؤون الثقافية والاجتماعية في الشرق الأدنى) وقد ترجمت بحوث هذا المؤتمر إلى العربية تحت رقم 116 من مشروع الألف كتاب في مصر، شارك فيه كويلر يونغ وحبيب كوراني وعبدالحق إديوار ولويس توماس. عقد مؤتمر (الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة) في صيف عام 1953م في جامعة برنستون وشارك فيه كبار المفكرين من مثل ميل بروز، وهارولد سميث، وروفائيل باتاي، وهارولد ألن، وجون كرسويل، والشيخ مصطفى الزرقا، وكنت كراج، واشتياق حسين، وفضل الرحمن الهندي. وفي عام 1955م عقد في لاهور بالباكستان مؤتمر ثالث لكنه فشل وظهرت خطتهم بمحاولتهم إشراك باحثين من المسلمين والمستشرقين في توجيه الدراسات الإسلامية. انعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والمسيحية في بيروت 1953م، ثم في الإسكندرية 1954م وتتالت بعد ذلك اللقاءات والمؤتمرات في روما وغيرها من البلدان لنفس الغرض. في سبتمبر 1944م عقد بالقاهرة مؤتمر السكان والتنمية بهدف نشر أفكار التحلل الجنسي الغربية بين المسلمين من إتاحة للاتصالات غير المشروعة بين المراهقين والإجهاض والزواج الحر والسفاح والتدريب على موانع الحمل .. وقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية فتوى بضرورة مقاطعته والحذر من توصياته وأهدافه. كتب تغريبية خطرة - (الإسلام في العصر الحديث) لمؤلفه ولفرد كانتول سميث، مدير معهد الدراسات الإسلامية وأستاذ الدين المقارن في جامعة ماكجيل بكندا، حصل على الدكتوراه من جامعة برنستون سنة 1978م تحت إشراف المستشرق هـ. أ. ر - جب الذي تتلمذ عليه في جامعة كمبريدج وهذا الكتاب يدعو إلى التحررية والعلمانية وإلى فصل الدين عن الدولة. نشر هـ. أ. ر – جب كتابه (إلى أين يتجه الإسلام)، الذي نشر بلبنان سنة 1932م كان قد ألفه مع جماعة من المستشرقين وهو يبحث في أسباب تعثر عملية التغريب في العالم الإسلامي ووسائل تقدمها وتطورها. إن بروتوكلات حكماء صهيون التي ظهرت في العالم كله عام 1902م ظلت ممنوعة من الدخول إلى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي حتى عام 1952م أي تقريبا إلى ما بعد قيام إسرائيل في قلب الأمة العربية والإسلامية ولاشك بأن منعها كان خدمة لحركة التغريب عموما. تصوير بعض الشخصيات الإسلامية في صور من الابتذال والعهر والمزاجية كما في كتب جورجي زيدان، وكذلك تلك الكتب التي تضيف الأساطير القديمة إلى التاريخ الإسلامي على هامش السيرة لطه حسين والكتب التي تعتمد على المصادر غير الموثوقة مثل (محمد رسول الحرية) للشرقاوي وكتبه عن الخلفاء الراشدين والأئمة التسعة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثامنا: الجذور الفكرية والعقائدية

ثامنا: الجذور الفكرية والعقائدية لقد ارتدت الحملة الصليبية مهزومة بعد حطين، وفتح العثمانيون عاصمة الدولة البيزنطية ومقر كنيستهم عام 1453م واتخذوها عاصمة لهم وغيروا اسمها إلى اسلامبول أي دار الإسلام، كما أن جيوش العثمانيين قد وصلت أوربا وهددت فيينا سنة 1529م وقد ظل هذا التهديد قائما حتى سنة 1683م، وسبق ذلك كله سقوط الأندلس وجعلها مقرا للخلافة الأموية، كل ذلك كان مدعاة للتفكير بالتغريب، والتبشير فرع منه، ليكون السلاح الذي يحطم العالم الإسلامي من داخله. أن التغريب هجمة نصرانية صهيونية استعمارية في آن واحد التفت على هدف مشترك بينها وهو طبع العالم الإسلامي بالطابع الغربي تمهيدا لمحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

تاسعا: الانتشار ومواقع النفوذ

تاسعا: الانتشار ومواقع النفوذ لقد استطاعت حركة التغريب أن تتغلغل في كل بلاد العالم الإسلامي، وإلى كل البلاد المشرقية على أمل بسط بصمات الحضارة الغربية المادية الحديثة على هذه البلاد وربطها بالغرب فكرا وسلوكا. - لقد تعالت تأثير حركة التغريب إذ أنه قد ظهر بوضوح في مصر، وبلاد الشام وتركيا وإندونيسيا والمغرب العربي وتتدرج بعد ذلك في البلاد الإسلامية الأقل فالأقل ولم يخل بلد إسلامي أو مشرقي من آثار وبصمات هذه الحركة.

الخلاصة:

الخلاصة: أن التغريب تيار مشبوه يهدف إلى نقض عرى الإسلام والتحلل من التزاماته وقيمه واستقلاليته والدعوة إلى التبعية للغرب في كل توجهاته وممارساته ومن واجب قادة الفكر الإسلامي كشف مخططاته والوقوف بصلابة أمام سمومه ومفترياته التي تبثها الآن شخصيات مسلمة وصحافة ذات باع طويل في محاولات التغريب، وأجهزة وثيقة الصلة بالصهيونية العالمية والماسونية الدولية، وقد استطاع هذا التيار استقطاب كثير من المفكرين العرب، فمسخوا هويتهم وحاولوا قطع صلتهم بدينهم والذهاب بولائهم وانتمائهم لأمتهم الإسلامية من خلال موالاة الغرب والزهو بكل ما هو غربي وهي أمور ذات خطر عظيم على الشباب المسلم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - (حصوننا مهددة من داخلها)، د. محمد محمد حسين – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط 7 – 1402هـ/ 1982م. - (العالم الإسلامي والمكائد الدولية خلال القرن الرابع عشر الهجري)، فتحي يكن- مؤسسة الرسالة – بيروت – ط2 - 1403هـ/1983م. - (الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر)، د. محمد محمد حسين – دار الإرشاد – بيروت – طبعة عام 1389هـ/1970م. - (الإسلام والحضارة الغربية)، د. محمد محمد حسين – مؤسسة الرسالة – بيروت 54 – 1402هـ/ 1982م. - (شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي)، أنور الجندي- المكتب الإسلامي – بيروت – طبعة عام 1398هـ/ 1978م. - (يقظة الفكر العربي)، أنور الجندي – مطبعة زهران – القاهرة – 1972م. - (تحرير المرأة)، قاسم أمين – ط2 – مطبعة روز اليوسف – 1941م. - (زعماء الإصلاح في العصر الحديث)، أحمد أمين – ط1 – نشر مكتبة النهضة المصرية – 1948م. - (تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر)، الدكتورة نفوسة زكريا – دار الثقافة بالإسكندرية – 1393هـ/ 1964م. - (حاضر العالم الإسلامي)، لوثروب ستودارد – ترجمة عجاج نويهض وتعليق شكيب أرسلان – مصر 1343هـ/ 1925م. - (الغارة على العالم الإسلامي)، أ. ل. شاتليه – ترجمة مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب – مصر 1350هـ. - (مستقبل الثقافة في مصر)، طه حسين – مصر – 1944م. - (اليوم والغد)، سلامة موسى – مصر – 1927م. - (إلى أين يتجه الإسلام)، هـ. أ. ر. جب – ط لبنان – 1932م. المراجع الأجنبية: - Islam in Modern History W.C.Smith, Princeton University Press New Jersy 1957. - Whither Islam? : H.A.r. Gibb. London 1932. - Arabic Thought in the Liberal Age: A. Hourani, Oxford 1962. - Egypt Since Cromer: Lord Loyd, London 1933. - Modern Egypt The Earl of Cromer: London 1911. - Great Britain Egypt (F.W. Polson Newmen 1928). - reports by His Majesty’s Agent and Consul General on the Finances. - Administration and Condition of Egypt and the Sudan ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الرابع: الماسونية

أولا: تعريف الماسونية الماسونية لغة: لفظ مشتق من كلمة ( Mason)، ومعناها البنَّاء، ويضاف إليها كلمة ( free) ومعناها حر، فتكون ( freemason) أي البناؤون الأحرار. وهم يرمزون بها إلى البنَّاء الذي سيبني هيكل سليمان، والذي يمثل بزعمهم رمز سيطرة اليهود على العالم. الماسونية اصطلاحاً: لها تعريفات منها: 1_ أنها منظمة سرية يهودية إرهابية غامضة محكمة التنظيم، ترتدي قناعاً إنسانياً إصلاحياً، وتهدف من وراء ذلك إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم، وتدعو إلى الإلحاد والإباحية والفساد، وجلُّ أعضائها من الشخصيات المرموقة في العالم يوثِّقهم عهد بحفظ الأسرار، ويقومون بما يسمى بالمحافل؛ للتجمع، والتخطيط، والتكليف بالمهام. 2_ وعرفها بعضهم بأنها: أخطر تنظيم سري إرهابي يهودي متطرف، يحتوي على حُثالات البشر؛ من أجل السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية في كل أنحاء المعمورة. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 110 والماسونية مذهب فكري هدام، وحركة من أخطر الحركات التي أفرزتها عقلية اليهود الحاقدة لإحكام قبضتها على العالم وحكمه وفق إرادة اليهود ووفق مخططاتهم الرهيبة للقضاء على أديان وأخلاق الجوييم – كما يسمونهم – سواء أكانوا من المسلمين أو من النصارى أو من غيرهم – مع التركيز الخاص على المسلمين بالذات بعد أن سيطروا على النصارى – ومما لا يجوز الجهل به أن الماسونيين الآن هم المسيطرون على كثير من بقاع الأرض بعضهم ظاهرين وأكثرهم مستترين غزوا عدة جوانب وخصوصا الجوانب الثقافية ذات الأثر الفعال في توجيه الشعوب فكم لها من ضحايا خدعوا بها وبعضهم دخلها ليسبر عوارها لكنه لم يستطع الخروج منها ولا يخفى على القارئ الكريم أن الماسونية قد هتك سترها كثير من العلماء وبينوا زيفها وضلالها بعد ذلك الخفاء الطويل ومع ذلك فهي لا زالت في حكم المجهول لدقة سريتها وتنظيماتها المحكمة الغائصة في الكتمان والسرية. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 494 اجتمعت كلمة كل من كتب عن الماسونية أنها حركة سرية قام بها بعض زعماء اليهود بعد الأسر البابلي ظهرت في بعض الدول الغربية تحارب جميع الأديان وبالأخص النصرانية والإسلام والهدف منها استعباد العالم والانتقام من كل الجوييم وهي تهدف في النهاية إلى تأسيس نظام عالمي يحكمون العالم من خلاله وراء أستار كثيفة كان آخرها الديمقراطية والإنسانية وغيرها من الشعارات الكثيرة التي جعلوها ستارا خادعا لتنفيذ مخططاتهم ولعل ما تنادي به الزعامات الأمريكية في عصرنا الحاضر من إقامة نظام عالمي هو الغاية التي كانت تدعو إليها الماسونية خلال عشرات السنين منذ إنشائها إلى اليوم وفي هذا العصر الذي بلغ فيه اليهود أوج قوتهم وعلوا فيه علوا كبيرا وأصبحت الأرض كلها الآن لا يقال فيها إلا الدولة العظمى أمريكا والتي يخاف منها العالم كله ويتوددون إلى إرضائها بالحق وبالباطل، وبدؤوا يصرحون للعالم الإسلامي بوجوب تغيير مناهجهم الدراسية فيما يتعلق بالدين وإلا سوف تعتبرهم إرهابيين حسب كبرائهم وإذا حكمت عليهم بأنهم إرهابيين " فما يوم حليمة بسر" وهذا هو الاسم الذي كانت الكنيسة تسميه هرطقة وتقتل بموجبه دون حساب أو عقاب استبدل الآن بالتسمية الجديدة " إرهاب" كان الله في عون ضعفاء هذا العالم من سطوة طغاتهم ويا ويل الإنسان الضعيف من الإنسان القوي. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 500

ثانيا: أسماء الماسونية ومعانيها

ثانيا: أسماء الماسونية ومعانيها أطلقت على الماسونية الأسماء الآتية: 1ـ ماسونية، أو مسونية، أو مصونية. 2ـ القوة الخفية. 3ـ الفرمسون. 4ـ المورين. 5ـ الفحامين. معاني تلك الأسماء: الماسونية أو المسونية: هي نسبة إلى جمعية تألفت بعد مجيء اليهود من بابل في أسرهم المشهور وهذه الجمعية تنتسب إلى اليهود الذين بنوا هيكل سليمان الذين لقبتهم هذه الجمعية بـ" البنّائين الأحرار". وأما المصونية: فهو إطلاق لبعض الكتاب، قيل إنه أخذ من صيانتهم للأسرار. وأما القوة الخفية: فهو الاسم القديم للماسونية عند نشأتها. وأما الفرمسون: فهي كلمة مكونة من كلمتي " فري" و" مسون" أي العامل أو البناء، وفري أي الحر الجيد الصادق وأما المورين: فهي تسمية الماسونيين في ألمانيا. وأما الفحامين: فهي تسمية الماسونيين في إيطاليا (¬1) ويلاحظ أن هذه التسمية الجديدة " البناؤن الأحرار" هي البديل الجديد للتسمية القديمة " القوة الخفية" التي اخترعها "أحيرام " و"مؤاب لافي"والملك" "هيرودس" عند بداية نشأة الماسونية بمشورة مستشار الملك " أحيرام" وقد ظهر الاسم الجديد " البناؤن الأحرار" أو " الرفاق البناؤن" في عام 1717م على يد "جوزيف لافي" وولده " إبراهام" و" أبراهام أبيود" و " ديجون كوزالييه" ورفيقه " جورج" عندما عقدوا مؤتمرهم في لندن وسبب إطلاقهم هذه الاسم " البناؤن الأحرار " على حركتهم بدلا عن الاسم القديم " القوة الخفية" هو أنه كانت في إنجلترا في القرن الثامن عشر الميلادي جمعيات كثيرة يطلق عليها " البناؤن الأحرار" أو " الرفاق البناؤن" لا غاية لها إلا الاستفادة من كل جديد يطرأ على فن البناء، فاستغل دعاة الماسونية هذا الاسم، فيحصل العضو على فضل البناء المادي والبناء الأدبي والثقافي وسيق الكثير من الدهماء الذين لا يعرفون ما أريد لهم إلى التصديق به فإذا بهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون لا يخدمون في النهاية إلا القوة اليهودية الحاقدة لا غيرها" القوة الخفية" التي أنشأها " أحيرام" اليهودي والباقون معه الذين أقاموا فكرة الماسونية في اجتماع كان خاصا بهم – كما سيأتي. ومما يجدر التنبيه إليه: أن الماسونيين وهم في غاية اليقظة - في الحفاظ عليها تجدهم يتلونون في أسمائهم وفي أشكال شعاراتهم وفي أسماء الماسونية حسب الجو الذي يعيشونه فمن السهل عندهم تغيير أسماء الماسونية كلما رأوا ضرورة لذلك وقد انبثق عنها جمعيات تحمل الأسماء الآتية: " بناي برث" " شهود يهوه" " الروتاري" " الليونز" كما سيأتي" وهي كلها في خدمة الماسونية ولإعادة الهيكل المزعوم وإقامة مملكة إسرائيل حين يتم تطويق العالم وتخريب أديانهم وسلوكهم على أيدي اليهود ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 496 ¬

(¬1) انظر ((الماسونية تحت الأضواء)) (ص 10).

ثالثا: متى ظهرت الماسونية؟ وكيف نشأت؟

ثالثا: متى ظهرت الماسونية؟ وكيف نشأت؟ اختلف الباحثون عن الحركة الماسونية في بدء ظهورها كغيرها من الفرق الخفية وقد أطلق بعض الباحثين في تحديدها وبعضهم قيده بزمن محدد وربما كان الماسون هم وراء هذا الاضطراب في تحديد نشأتهم وحاصل الخلاف يرجع إلى ما يأتي: 1ـ ظهرت بعد القرن الثامن عشر الميلادي وحجة أهل هذا القول أنه لم يكن في بريطانيا في القرن الثامن عشر أية جمعية تحمل اسم البنائين الأحرار. 2ـ أنها ظهرت حيث كان موسى عليه السلام مع قومه في التيه وأعتقد أن هذا القول بعيد وكاذب لوجود موسى عليه السلام وللحال التي هم فيها. 3ـ أنها تأسست عام 1616م حيث انبثقت عن جمعية تسمى جمعية الصليب الوردي. 4ـ أنها نشأت في القرن الرابع عشر الميلادي. 5ـ أنها ظهرت إثر الحروب الصليبية. 6ـ ظهرت في أيام حكم اليونان القدماء في القرن الثامن بعد الميلاد. 7ـ ظهرت بعد بناء هيكل سليمان. 8ـ أنها ترجع في نشأتها إلى الكهانة المصرية والهندية وغيرهما. 9ـ وقول آخر هو أبعد الأقوال وأحطها وهو أن الماسونية نشأت في الجنة على يد أبينا آدم عليه السلام، وأن الجنة كانت هي أول المحافل الماسونية وكان ميكائيل هو الأستاذ الأعظم فيها. ويرى بعض العلماء أن الراجح من تلك الأقوال أن الماسونية ظهرت في بداية القرن الأول الميلادي عندما كان اليهود يبشرون بظهور نبي جديد يعيد لهم الملك والمنعة (¬1) وبالتالي كانوا يخططون للقضاء على النصرانية التي أخذت تنتشر بقوة عالية. والذي يظهر أنه القول الراجح هو أن الماسونية قد ظهرت في عهد الملك اليهودي "هيرودس الثاني" حيث بدأ التفكير في إقامة الماسونية في عهد هذا الملك (37 - 44 م) الحاقد على العالم بأسره وعلى الله أيضا لعدم إنهائه النصرانية وحكم غير اليهود وكان من أشد أعداء النصرانية على الإطلاق. لقد رأى "هيرودس" أن المسيحية التي جاء بها المسيح عليه السلام هي المعول الهدام ضد إقامة مملكة اليهود العالمية ولهذا كانت تعلوه الكآبة والحزن كلما سمع عن الداخلين من الوثنيين في المسيحية كان للملك "هيرودس" مستشارين هما: " أحيرام أبيود" و" مؤاب لافي" ملكهم " هيرودس" وقد علاه الحزن والغم من انتشار المسيحية وعدم القضاء عليها سريعا فأشار عليه " أحيرام " بتأسيس جمعية خفية تسمى " القوة الخفية " مهمتها قتل المسيحيين والحد من انتشارهم بكل الوسائل وتحقق "هيرودس" من فائدة هذا الاقتراح فعلت وجهه البشاشة والفرح وعرف أن هذا الاقتراح له ما وراءه فشكر " أحيرام" فعرضا الأمر على "مؤاب " المستشار الثاني – فوجداه أشد غيرة وحنقا على المسيحيين وتداولوا الأسماء التي يمكن أن تشاطرهم تنفيذ هذه المهمة الخطيرة فتم الاتفاق على ستة أشخاص (¬2) وتمت دعوتهم للجلسة وحضروا كلهم وفي نهاية الجلسة وقع المؤسسون محضر هذه الجلسة والجلسة التي قبلها – الثلاثية – واحتفظ كل عضو بصورة من الجلستين. ¬

(¬1) انظر: ((الماسونية تحت الأضواء)) (ص 14). (¬2) وقد أصبح مجموعهم تسعة، وهم الملك هيرودس، وأحيرام أبيود، ومؤاب لافي، وأدونيرام، وجوهان، وأبدون، وأنتبيبا، وأبرون، وآبيا، فكانوا" تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون".

اجتمع المؤسسون في أحد أقبية قصر الملك وسموا مكان اجتماعهم هيكلا تخليدا لهيكل سليمان الذي يزعمه اليهود وكانت مهمتهم في هذه الجلسة هو تدارس اليمين التي يجب أن يؤديها كل عضو يدخل في جمعيتهم والطريقة التي يتم بها إدخال الشخص معهم وبعض الرموز كالبيكار والميزان والصور الفلكية كرسم الشمس والقمر والنجوم لإيهام الداخل بأن جمعيتهم قديمة كقدم هذه الأفلاك ثم وزعت المهام على الأعضاء وانتشروا لاستجلاب الناس إلى الدخول في هذه القوة الخفية وتأسيس الهياكل الماسونية ودعوة الأثرياء للبذل والمساعدة في بناء هذه القوة الخفية فسجلوا في ظرف ودعوة أشهر خمسة وأربعين هيكلا تضم نحوا من ألفي عضو خفي. وحينما أحس الملك هيرودس بدنو أجله في عام 44 م أودع سر هذه الجمعية لابنه "أغريبا" وشدد عليه في كتمان سرها والعمل الحثيث لإنهاء المسيحيين. وحينما آلت رئاسة الجمعية إلى " أحيرام أبيود" المخترع الأول للجمعية سمى هيكل القدس المركزي " كوكب الشرق الأعظم" تحديا وتكذيبا للكوكب الذي هدى المجوس لمكان ولادة المسيح – كما جاء في أنجيل متى – ثم أصدروا أمرا مشددا يقضي بالإجهاز على كل أتباع المسيح ثم غادر القدس ليشهد بنفسه مجازر المسيحيين وقتلهم فانقطعت أخباره أياما ثم شوهد إلى جانب شجرة أكاسيا جيفة تتنازعها الكواسر والجوارح وما دل على شخصه إلا المطرقة المنقوشة على خاتمه إذ على كل عضو خفي أن يصطحب من رموز جمعية " القوة الخفية" ما يدل عليه. وقبل موته كان قد أفضى بالسر إلى ابن أخيه "طوبا لقيان" فأصبح رئيسا بعده فاقترح أمورا وافقوا عليها قائلا: " إن أحيرام (¬1) مؤسس الجمعية الخفية وشهيد الجهد والإخلاص فلنطلق عليه لقب " معلم" (¬2) تحديا للقب المسيح ولنطلق على الجمعية الخفية اسم " الأرملة" تخليدا لـ " أحيرام" إذ هو ابن أرملة ولنضع حول جثمانه ثلاثة مصابيح احتقارا لمسامير المسيح الثلاثة ولنقم حفلات تذكارية تمثل بها موت " أحيرام" لكما نال طالب خفي الدرجة الثالثة إذ هي من الدرجة التي تخلد اسمه وحيث قتلته اليد الخفية المسيحية (¬3) يجب على كل خفي مناجزتها ومناجزة مطلق أية جمعية يتزعمها العميان ولنضع للخفيين الفرعيين رموزا يتعارفون بها ليدون لنا استخدامهم. وقد قويت الماسونية واستشرى خطرها خصوصا في عام 1717م فانتشرت الهياكل الخفية في الغرب وفي فارس بعضها كان مرتبطا بكوكب الشرق الأعظم بفلسطين وبعضها بهيكل رومية وحينما جاء الإسلام كان دور الخفيين في محاولة الحد من انتشاره مخيفا ووقعت الحرب اليهودية النفعية التي سميت صليبية وتأسست فرقة البروتستانت بيد اليهود وخططهم ولا يزالون يواصلون جهودهم لتنفيذ آخر رغباتهم ونسأل الله أن لا يمكنهم وأن يحول بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل. أما بالنسبة للقول بأنها تأسست بعد القرن الثامن عشر الميلادي فهو قول بالتخمين. وأما بالنسبة للقول بأنها تأسست في عهد موسى عليه السلام في التيه فأعتقد أن هذا القول باطل لوجود نبي الله موسى عليه السلام ولأن بقاءهم في التيه لا يسمح لهم بطرق مثل هذه المؤامرات والآراء الخطيرة. وأما انبثاقها عن جمعية الصليب الوردي فمتى كان اليهود يرضون عن الصليب؟!! والقول بأنها تأسست إثر الحروب الصليبية يرده أنها كانت موجودة قبل قيام تلك الحروب بزمن قديم جدا. وأما القول بأنها ظهرت بعد بناء الهيكل فهو قول كذلك عن طريق التخمين وإذا كان المقصود به أن نبي الله سليمان عليه السلام هو الذي أقامها فلا شك في كذب هذا القول. وأكذب منه القول برجوع نشأتها إلى الكهانة المصرية والهندية القديمة. وأما القول بأنها نشأت في الجنة .. إلخ، فهو قول سخيف وباطل في عهد الملك "هيرودس" في القرن الأول (37 - 44م) فهما أقوى الأقوال فيما يظهر ولا يبعد عن الصحة. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 508 ¬

(¬1) لقد أصبح " أحيرام " من المقدسين في الحركة الماسونية ولئلا ينكشف تقديسهم لـ "أحيرام" اليهودي اخترع اليهود دهاة الماسونية قصة موهوا بها على الأعضاء الجدد الداخلين في الماسونية اسم " أحيرام " بأنه كان رجلا مهندسا قتله العمال بسبب عدم إفشاء سر الهندسة في عهد سليمان وقد بحث عنه سليمان فوجده مقتولا مدفونا في مكان سري ففرح سليمان باكتشافه على أيدي الذين قتلوه ومن هنا جاء تقديس اسم" أحيرام " ولكن هذه المغالطة أصبحت مكشوفة وأن التقديس المطلوب إنما هو لـ " أحيرام" المهندس اليهودي مستشار الملك " هيرودس" الذي أشار بإنشاء تلك الحركة وليس هو لـ " أحيرام" مهندس سليمان فإذا بلغ الداخل مرتبة في الماسونية صرحوا له باسم "أحيرام " اليهودي. (¬2) في الأناجيل يطلقون عليه لقب " معلم". (¬3) لا يوجد دليل على اغتيال المسيحيين لـ" أحيرام " كما ذكره الباحثون.

رابعا: حقيقة الماسونية وصلتها باليهود

رابعا: حقيقة الماسونية وصلتها باليهود لم يعد خافيا على أحد تتبع أهداف الماسونية أو عرف شيئا عنها مدى عمق نشأتها اليهودية وأنها إحدى معاول الهدم التي يستعملها اليهود لإعادة تأسيس مملكة إسرائيل من ناحية ولإفساد الجوييم وجعلهم حميرا طائعة لهم من ناحية أخرى وهناك نصوص كثيرة تثبت هذه النشأة اليهودية للماسونية وردت في كتيب "الماسونية أو كنيس الشيطان أداة خطرة لتهويد العالم" (¬1) منقولة عن مصادر اليهود والماسون في كتبهم وصحافتهم ونشراتهم بما يوضح العلاقة بين اليهودية العالمية وبين الماسونية التي تسمي الله عز وجل " المندس الأعظم" وسأكتفي بإيراد بعض النصوص للتدليل على نشأة الماسونية اليهودية كما وردت في الكتيب المذكور جاء في صحيفة " لا مارينا إسرائيليت " (¬2) " إن روح الحركة الماسونية هي الروح اليهودية في أعمق معتقداتها الأساسية إنها أفكارها ولغتها وتسير في الغالب على نفس تنظيماتها وأن الآمال التي تنير طريق الماسونية وتسند حركتها هي نفسها الآمال التي تساعد وتنير طريق إسرائيل وتتويج نضالها سيكون عند الظفر بذلك المصلى الرائع الذي ستكون أورشليم رمزه وقلبه النابض" وجاء في صحيفة " لاتوميا" الألمانية الماسونية 7/ 7/ 1928م من أقوال "رودلف كلين": " إن طقوسنا يهودية من بدايتها إلى نهايتها ولا بد أن يستنتج الجمهور من هذا أن لنا صلات فعلية باليهودية". ويقول الحاخام الدكتور " إسحاق وايز" في كتابه (إسرائيليوا أمريكا) 3/ 8/1866م: " إن الماسونية مؤسسة يهودية فتاريخها ودرجاتها وأهدافها ورموزها السرية ومصطلحاتها يهودية من أولها إلى آخرها" وفي كتاب (التطورات التاريخية للمجتمع اليهودي) المجلد الثاني، ص 156: "إن شعار المحفل الماسوني البريطاني الأعظم مكون كله من الرموز اليهودية" وجاء في " موسوعة الحركة الماسونية " طبعة فيلادلفيا سنة 1906م: "إن كل محفل هو في الحقيقة والواجب رمز للهيكل اليهودي وكل رئيس يعتلي على كرسيه يمثل ملكا من ملوك اليهود وفي كل ماسوني تتمثل شخصية العامل اليهودي". ومن مجلة " ذي جويسش تريبيون نيويورك في 28 أكتوبر 1927م " إن الماسونية قائمة على اليهودية فإذا أستأصلت اليهودية من شعائر الماسونية ومصطلحاتها فما الذي يبقى بعد ذلك" وورد في مجلة " لا توميا" الألمانية الماسونية مجلد 12 تموز 1849م في بيان صلة الماسونية باليهودية العالمية وبالماركسية أيضا " لا يسعنا إلا أن نحيي الاشتراكية الماركسية كزميلة ممتازة للماسونية في سبيل رفع قدر الإنسانية .. إن الاشتراكية والماسونية ومعهما الشيوعية تنبع كلها من مصدر واحد" وعن نفوذ المجلس اليهودي " السنهدرين " يقول" أ. ب غورد" في كتابه (يد يهوذا الخفية) 1936م "إن نفوذ السنهدرين اليوم أقوى منه في أي وقت مضى بفعل الماسونية" وعن نشاط الماسونية في استجلاب الأتباع إليها يقول "بيكو لو تيجر " اليهودي وزعيم إحدى الجمعيات السرية المتصلة بالماسونية: " إن الجمعية ترغب أن تقدم بوسيلة أو بأخرى ما يمكن تقديمه من الأمراء الأغنياء إلى المحافل الماسونية .. وسيخدم هؤلاء الأمراء المساكين قضيتنا وهم يحسبون أنهم يخدمون مصالحهم" ¬

(¬1) ترجمة السيد " جمعة حماد " وتقديم وتعليق " محمد إبراهيم الشيباني " والتسمية ((كنيس الشيطان)) جاءت من البابوات وتعني كلمة "كنيس " معبد اليهود ويظهر أن هذه التسمية جاءت من قبل أن تسقط الكنيسة والبابوات تحت أقدام اليهود. (¬2) (74) عدد 5 سنة 1861م.

وعن دور جمعية " بناي بريث" اقتبست مجلة " بناي بريث" عن الحاخام الماسوني " ماغنين" "ليست البناي ريق إلا بديلا مؤقتا وحيثما تستطيع الحركة الماسونية أن تعترف بأنها يهودية في طبعتها وأهدافها تكون المحافل العادية كافية للقيام بالواجب." و"بناي بريث" جمعية لها محفل ماسوني لا يباح لغير اليهودي الدخول فيه. وجاء في "الموسوعة اليهودية" " إن المصطلحات والرموز والطقوس التي ستعملها الماسونية زاخرة بالأفكار والتعبيرات اليهودية" (¬1) وذكر "عوض الخوري" عن رئيس أول جلسة لمؤسسي هذه الجمعية المخربة أنه قال: "إن الغاية من جمعيتنا هي إرجاع العالم إلى اليهودية وسحق تعاليم يسوع" وقد ظهر لك الأمر أخي القارئ من خلال تلك النصوص ونصوص أخرى كثيرة لم يتسع المقام لإيرادها ظهر لك حقيقة منشأ هذا المبدأ الهدام أحد معاول اليهودية الحاقدة التي تتحفز للانقضاض على كل ديانات وأخلاق الجوييم كي يصبحوا خدما وحميرا لليهود الذين يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه وأنهم شعبه المختار وأولياؤه المقربون وهم أخبث البشر وأحطهم أخلاقا وأجشعهم في حب المال وأحرصهم على الاستيلاء عليه بكل وسيلة مهما كانت منحطة ومهما كانت منافية للإنسانية أو الرحمة أو الضمير الحي وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] إنه من المدهش حقا أنه بعد هذه النصوص كلها وبعد ما ظهر للعيان طغيان اليهود ومؤامراتهم لزرع الفتنة والبغضاء وإشاعة الخوف والتحريش بين الناس من المدهش أنه بعد وضوح هذه الأمور وغيرها مما لا يحصى أن الناس لم ينتبهوا لهم ولم يضعوا لاستهتارهم حدا بل إنه يسارع الكثير إلى محاباتهم واسترضائهم في غفلة مخيفة ولا يعلم إلا الله متى يفيق هؤلاء الذين يطلق عليهم اليهود اسم الجوييم احتقارا لهم، متى يفيقون؟!! ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 516 ¬

(¬1) انظر لتلك النصوص ((الماسونية أو كنيس الشيطان أداة خطرة لتهويد العالم)) ترجمة " السيد جمعة حماد" مكتبة ابن تيمية، الكويت. وانظر ((بروتوكولات حكماء صهيون)) وانظر كتاب ((تبديد الظلام)) لـ " عوفي الخوري".

خامسا: الرموز الماسونية وأسرارها

خامسا: الرموز الماسونية وأسرارها للماسونية رموز كثيرة، تكرس اليهودية بطرق مختلفة كما اعترف بذلك كثير من أكابر اليهود من تلك الرموز: ـ المحفل الماسوني: ويشيرون به إلى خيمة موسى عليه السلام في البرية التي ذكرت في التوراة – ضمن الكتاب المقدس. النور: يقصدون به النور الذي تجلى لموسى عليه السلام فوق الجبل أو النور الذي كان يمشي أمامهم في مسير موسى عليه السلام وقومه إلى فلسطين. وهذا النور ينقسم إلى ثلاثة أقسام؛ الكتاب، والزاوية، والبرجل. فالكتاب رمز لأحكام إماننا والزاوية لتنظيم أعمالنا والبرجل لتحديد ارتباطنا مع الناس. ـ صورة الهيكل: ويشيرون بها إلى هيكل سليمان عليه السلام بالقدس سواء سموه هيكل سليمان أو هيكل الحكمة أو هيكل الإنسانية أو الكنيسة الكبرى فإنهم لا يقصدون إلا هيكل القوة الخفية أي المكان الذي عقد المؤسسون الأول جلساتهم في إحدى أقبيته (¬1). ـ العشيرة: أي الجمعيات الماسونية، ويشيرون بها إلى عشائر بني إسرائيل المفصلة أسماؤهم في التوراة. العقد الملوكي: أو القوس الملكي وتمثله قلادة نقش عليها أسماء أسباط بني إسرائيل وهو في حقيقته تذكار للمكان الذي كان المؤسسون الأوائل يعقدون فيه جلساتهم. ـ ووردت أيضا رموز تمثل أسماء بعض شخصيات بني إسرائيل مثل: ـ بوعز: أي الأخ. ـ وجاكي: أي الأستاذ. وقد ذكر د. الزغبي أن بوعز فلاح مثالي وجاكي اسم يطلق على كاهن زعموا أن سليمان نقش اسميهما على عمودين في هيكله وهو ما تفعله المحافل الماسونية من نقش هذين الاسمين في عمودين في كل محفل وقيل إن بوعز أحد أجداد سليمان وجاكي أو جيكين هو حفيد يعقوب من ولد شمعون. ـ يهوذا أو جاهوفا: أي الأستاذ الأعظم. كما أن نفس درجات الماسونية الملوكية تقابل أسماء أبطال السبي البابلي؛ مثل زور بابل، نحميا، عمذا، يشوع (¬2) ـ الزاوية والفرجار: يمثلان شعاران من شعارات الماسونية قال الأب يوسف شيخوا اليسوعي: إن للبرجل معنى يا فتى تصبح الأفكار فيه حائرة سوف ينشئ للورى دائرة ويصير الكل ضمن الدائرة ـ النجمة السداسية: شعار رئيسي من شعارات الماسونية، وهي تمثل نجمة داود التي تتكون من تقابل الزاوية والفرجار ووضع أحدهما على الأخرى. ـ السيوف المسلولة: يفهمون الداخل أنها مسلولة للدفاع عن الداخل ما دام ماسونيا حقيقيا وهي للعقاب إذا خانهم. ـ الملعقة، والميزان، والشاقوف، والنجوم، والشمس، القمر: والقصد من الرموز الفلكية هو الإيحاء بأن الماسونية قديمة بقدم هذه الأفلاك بزعمهم. ـ فارس السيف: ويسمى فارس السيف، فارس القلم، فارس الشرق، والصليب الوردي. وفي هذه الدرجة يلقن فيها الداخل مقدمات السر الخفي ويصبح متخما بالعداوة للنظام الملكي (¬3) ـ فارس الهيكل: فارس الهيكل أو فارس المعبد لا تعنيان إلا اليهود الذين حاولوا تجديد الهيكل بعد عودتهم من السبي. ـ اللون الأزرق: في أي مكان يريدون به تخليد راية إسرائيل الزرقاء التي تحمل نجمة داود. ـ الطرقات ـ سواء كانت ثلاثة أو خمسة أو سبعة، يراد بها تذكار احتقار آلام المسيح. ـ قطع رأس من العظم أو الكاوتشوك: ويرمزون بذلك إلى شجاعة داود حين خان عهد الفلسطينيين وغدر بهم وإلى شجاعة شمشون بطل إسرائيل الخرافي الذي قتل خمسة آلاف فلسطيني بعصاه التي يسوق بها البقر حسب زعمهم. ـ الحية النحاسية المثلثة الرأس: يرمزون بها إلى هدم الرئاسة الدينية والمدنية والعسكرية لسائر الجوييم. ومن أكاذيب التوراة أن هارون هو الذي صنعها ليعبدها بنو إسرائيل وتسمى في التوراة " نحشتان" ¬

(¬1) انظر ((الماسونية منشئة ملك إسرائيل)) (ص 49). (¬2) انظر ((الماسونية تحت الأضواء)) (ص 22). (¬3) انظر ((الماسونية منشئة ملك إسرائيل)) (ص 45).

ـ الشمعدان: هو تذكار لشمعدان فقد من الهيكل يوم كارثة تيطس وهو شعار إسرائيل اليوم. ـ السلسلة: هي سلسلة يرى في أحد جانبيها مفتاحا تمثل رمز سخرية بطرس تلميذ المسيح وتشير إلى أن المفتاح الحقيقي ليس بيده بل بيد مؤسسي الماسونية وورثتهم. ـ السلم: تذكار للمنام (¬1) الذي رآه إسرائيل حين شاهد نفسه يصارع الذي خلق العالم ويرغمه على انتزاع أرض كنعان وتسليمها لعبده يعقوب الذي أصبح اسمه من حينذاك " إسرائيل " أي آسر الله (¬2) ـ المطرقة والشاكوش والقدوم: إشارة للذي شارف نهاية الدرجات أن يتخذها رمزا لتهديم الإنسانية وبناء هيكل سليمان. صور بعض الحيوانات: كالثيران الذهبية، والبجعة التي تشاهد في درجة الصليب الوردي كأنها تسقي أفراخها من دمها وتعليق الذهب في أعناق رؤساء الشروق العظام تذكارا لعجل الذهب الذي سبكه هارون (¬3) من أموال المصريين وحليهم المسروقة وتقديس أيضا للذهب لأنه رب أول. ـ المآزر: زعم الوضاعون أن سليمان سار في جنازة أحيرام يرتدي هو وجنوده القفاقيز وأن المآرز تذكار لتلك القفاقيز (¬4) وهي مصنوعة من جلد الغنم ثم من جلد الخنزير لأن الخنزير مجده الورثة تحديا للمسيح الذي وصف اليهود بأنهم خنازير أو لعله تذكار ببني إسرائيل حينما خرجوا من مصر هاربين من فرعون وقومه حيث شدوا مآزرهم على أحقائهم وأخذوا عصيهم في أيديهم وخرجوا هاربين كما في التوراة. والرموز الماسونية لها تفسيرات غاية في الاختلاف والتناقض يتصرف فيها دهاة الماسونية ويوحون بها إلى الابتدائيين والمتوسطين من الداخلين في الماسونية في الوقت الذي يظن كبار العميان أن هذه الحال هي لصالحهم وصالح العشيرة الماسونية. وقد اخترع الماسونيون لغة خاصة بهم يتفاهمون بها فيما بينهم وحروفا مختلفة عن الحروف التي يعرفها الناس ورموزا مختلفة وعبارات خاصة بهم مملوءة بالغموض التام واخترعوا أرقاما كثيرة يضاعفونها كما يشاءون وجعلوا لكل حرف رقما يدل عليه وقد يستغنون عن كتابة الكلمة التي يريدونها بكتابة أرقام تدل عليها وأحيانا يستعملون بعض الأدوات يرمزون بها إلى مرادهم كالبيكار والمنجل والمطرقة ... إلخ ومهما تنوعت أفعالهم فإن المقصود بها كلها أن تصب في المورد اليهودي الآسن لتحقيق حلم قيام مملكة إسرائيل الكبرى. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 532 ¬

(¬1) الذي يظهر من الكتاب المقدس – التوراة – أنه كان صراعا حقيقيا وليس مناما كما ذكر د / الزغبي. (¬2) وردت تسمية إسرائيل على أنها بمعنى " عبدالله " وهنا فسرها الزغبي بأنها " آسر الله ". (¬3) لم يسبك هارون عليه السلام شيئا ولعل الدكتور الزغبي ذكر هذا حسبما يعتقده اليهود. (¬4) أو لعله حسبما تشير إليه التوراة من لبس إسرائيليين مآزرهم على أحقائهم في سرعة خروجهم مع موسى عليه السلام ليلة خروجهم من مصر.

سادسا: طريقة دخول الماسونية

سادسا: طريقة دخول الماسونية إذا أراد أحد المخدوعين دخول الماسونية فإن ذلك يتم في جوٍّ مرعب مخيف وغريب، حيث يقاد إلى الرئيس معصوب العينين ثم يؤدي القسمَ، والقسمُ صيغٌ منها: أقسم بمهندس الكون الأعظم في حضرة هذا المحفل الموقر، وأتعهد أمام الحاضرين أن أصون وأكتم الأسرار الماسونية التي تباح لي، ولا أطبعها، ولا أدل عليها، وأن أمنع بكل قدراتي من يريد أن يفعل ذلك؛ كي لا تنكشف أسرارنا لغير أبناء عشيرتنا .. أو يقول: أقسم بشرفي بلا مواربة أن أحافظ على قسمي هذا، وأتودد إلى إخوتي، وأعضاء محفلي، وأساعدهم، وأعاونهم على احتياجاتهم، وأواظب على الحضور في جلسات المحفل بقدر استطاعتي، وأن أحافظ على طاعة قانون المحفل الأكبر، وإن حنثت في يميني أكن مستحقاً قطع عنقي، واستئصال لساني، وإلقاء جثتي لطيور السماء، ولحيتان البحر. وإني لأرضى بأن تعلق جثتي في محفل ماسوني؛ لأضَحى عبرة للداخلين من بعدي، ثم تحرق، ويذر رمادها في الهواء .. وبعد أداء القسم، وما إن يفتح عينيه حتى يفاجئ بسيوف مسلولة حول عنقه، وبين يديه كتاب العهد القديم، ومن حوله غرفة شبه مظلمة فيها جماجم بشرية، وأدوات هندسية مصنوعة من الخشب، ويحصل له أشياء مفزعة في تلك الأثناء، ويحصل له أنواع من الإذلال، وربما التقطت له صور وهو في أوضاع مزرية حتى تكون ورقة بأيديهم يهددونه بها. وكل ما يجرى في تلك الأثناء إنما هو من باب بث المهابة في نفس العضو الجديد. وعلى المنضمين للمحافل أن يستلهموا الأفكار والتعليمات الماسونية وإلا فهم مهددون بالاغتيال والسحق. وللماسونية أساليب إجرامية في القضاء على من يحاول كشف أسرارها، أو التمرد على تعاليمها مهما كانت منزلته. ولكن الذي ينبغي الإشارة إليه أن كيدهم يخيب في كثير من الأحيان، إذ إن كثيراً من الذين انتسبوا إليها تركوها بعد ما تبينت لهم الحقيقة، ومن ثم قاموا بكشف زيفها وعوارها، ولم يضرهم شيء وإِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ [آل عمران:175]، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2]. أما من خافهم، وأسلم قياده لهم، ورضي بولاية الشيطان بدلاً من ولاية الرحمن فلا يلومن إلا نفسه، وليعلم أنه سيكون عبداً ذليلاً لهذه الشرذمة وبِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً [الكهف:50]. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 113

سابعا: شعار الماسونية

سابعا: شعار الماسونية وإمعاناً من الماسونية في إخفاء أهدافها اليهودية فإنها تُظهر شعاراً براقاً خداعاً وهو (الحرية، والإخاء، والمساواة). وتحت شعار الحرية: تحارب الأديان _ غير اليهودية _ وتنشر الفساد والفوضى. وتحت شعار الإخاء: تحاول التخفيف من كراهية الشعوب الأخرى لليهود. وتحت شعار المساواة: تنشر الفوضى الاقتصادية، والسياسية، وتحرض على اغتصاب حقوق الناس، وأموالهم، وأعراضهم، وتروج للشيوعية والاشتراكية. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 115

ثامنا: فرق الماسونية

ثامنا: فرق الماسونية انقسمت الماسونية إلى فرق ودرجات منظمة بإتقان يتدرج العضو فيها إلى أن يصل إلى أعلى درجاتها المقيتة يضمنون من خلالها استعباد العضو الداخل في مسالكها المظلمة استعبادا تاما، وزيادة في إيغالها في السرية والانتشار انقسم الماسون إلى فرق: الفرقة الأولى: الماسونية الرمزية يقال لها العامة ودرجاتها 33 درجة والذي يحوز على الدرجة 33 يسمى " الأستاذ الأعظم" والذي يبدأ بالدخول فيها يسمى" الأخ" وهي الدرجة الأولى درجة التلميذ أو "بوعز" بالعبرية، ثم يستمر في الدرجات وألقابها التي سيأتي ذكرها إلى نهاية الدرجة33. وسبب تسميتها بالرمزية، لاستخدام الرموز في جميع طقوسها وسبب تسميتها بالعامة لأنه يقبل الشخص فيها على اختلاف وطنه ودينه فهي عامة لجميع من أراد الدخول فيها سواء أكان يهوديا أو من الذي يسمونهم العميون – غير اليهود. الفرقة الثانية: الماسونية الملوكية، أو العهد الملوكي وهذه الرتبة مخصصة للحاصلين على درجة 33 الرمزية ويقال أنها خاصة باليهود وتكون لمن أدى خدمات واضحة لليهود ويلقب العضو فيها بـ " الرفيق" وهو نفس الشعار الشيوعي لزعمائهم وهذه الدرجة يمنحها ثلاثة رؤساء يرمز لهم بـ " ز، ي، ح" أي " زوربابل"، "يشوع"، " حجي"، ويدعى أوهلم " الحليم الأعظم" ولا يصل إليها من غير اليهود إلا من قد باع دينه وقومه ووطنه لليهود بحيث ينصب هدفه كله على إعادة هيكل سليمان وإقامة المملكة اليهودية العالمية. الفرقة الثالثة: الماسونية الكونية، وأصحاب هذه الماسونية هم رؤساء المحافل الماسونية الملوكية وهذه الماسونية غاية في السرية حتى إنهم لا يعرف لهم مكان ولا مقر ولا يعرف نظام طقوسهم وهم الذين يتولون أمر كل المحافل الماسونية في العالم وأعضاؤها كلهم من اليهود الخُلّص وهم العقل المدبر للمحافل الماسونية الأخرى ولكل ما يجري من التدابير الماسونية. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 541

تاسعا: أهداف الماسونية قديما وحديثا

تاسعا: أهداف الماسونية قديماً وحديثاً 1_ القضاء على جميع الأديان _ غير اليهودية _ ولعل سبب نشأتها في القرن الأول الميلادي هو القضاء على الدين النصراني، وقد عملوا الشيء الكثير في سبيل ذلك، وكذلك ما فعلوا في محاربة الإسلام، وليس أدل على ذلك مما قام به ابن سبأ اليهودي. 2_ تكوين جمهوريات عالمية لا دينية تحت تَحَكُّم اليهود؛ ليسهل تقويضها عندما يحين موعد قيام (إسرائيل الكبرى). 3_ جعل الماسونية سيدة الأحزاب. 4_ العمل على إسقاط الحكومات الشرعية. 5_ القضاء على الأخلاق والمثل العليا. 6_ نشر الإباحية، والفساد، والانحلال، واستعمال المرأة كوسيلة للسيطرة. 7_ هدم البشرية. 8_ العمل على تقسيم البشرية إلى أمم متنابذة تتصارع بشكل دائم. 9_ العمل على السيطرة على رؤساء الدول؛ لضمان تنفيذ أهدافهم. 10_ السيطرة على الإعلام. 11_ نشر الإشاعات، والأراجيف الكاذبة؛ حتى تصبح وكأنها حقائق؛ للتلاعب بعقول الجماهير، وطمس الحقائق. 12_ دعوة الشباب والشابات للانغماس في الرذيلة. 13_ الدعوة إلى العقم وتحديد النسل لدى المسلمين. 14_ السيطرة على المنظمات الدولية بترؤسها من قبل أحد الماسونيين كمنظمة الأمم المتحدة، وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن الدوسري أسماء أربعة وسبعين من أسماء موظفي الأمم المتحدة على اختلاف مناصبهم كلهم من الماسونية. 15_ إقامة دولة إسرائيل (مملكة إسرائيل العظمى) وتتويج ملك اليهود في القدس يكون من نسل داود، ثم التحكم في العالم، وتسخيره لما يسمونه (شعب الله المختار) اليهود؛ فهذا هو الهدف الرئيس والنهائي. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص 117

عاشرا: مراحل ظهور الماسونية

عاشرا: مراحل ظهور الماسونية قسم الدكتور محمد علي الزغبي فروع الماسونية حسب استقرائه لحوادث التاريخ اليهودي إلى ثلاث مراحل: ـ قبل المسيح. ـ بعد المسيح وقبل الإسلام. ـ بعد الإسلام. أما قبل المسيح فإن الجمعيات الهدامة تمثلت في جمعية تسمى " جمعية نوح" وهي جمعية زعم وضاعوا اليهود فيها أن الله أعطى نبيه نوحا عليه السلام الاسم الأعظم وجعلوا لحامله من الصلاحيات والخوارق ما لا يمكن تصور حصوله لأي بشر، وهو كذب صراح وافتراء يهودي ثم زعموا أن هذا الاسم تسلسل بالوراثة إلى سليمان ومنه ورثه أعضاء جمعية نوح. وأما بعد المسيح وقبل الإسلام فإن أشهر الجمعيات الهدامة هي " القوة الخفية" الماسونية التي استمرت منذ ذلك الزمن إلى وقتنا الحاضر تحت الأسماء التي عرفتها فيما سبق. وأما بعد الإسلام فقد اتخذت الماسونية أشكالا عديدة من الأسماء والشعارات والاتجاهات المختلفة والآراء المتشعبة كان أبرز فرقها " القرامطة" و" الدياصانية " أتباع جمعية " ميمون بن ديصان " اليهودي وهؤلاء هم طوائف الشرق بل إن الباطنية بجميع فروعها نبتة ماسونية إلا أن الرمز الباطني هو أن النصوص كلها لها ظاهر غير مراد وباطن هو المراد وهم يتفقون في هذا المعتقد مع المعتقد العام لليهود في التوراة حين زعموا بأن لها ظاهر معروف وباطن لا يعرفه إلا كبار الكهنة. أما في الغرب فقد نشطت الحركات الماسونية نشاطا كبيرا وأقيمت المحافل المختلفة وتعددت أسماؤها كذلك. وقد ركز الزغبي في أكثر من مكان من كتابه (الماسونية منشئة ملك إسرائيل) على أن الطائفة البروتستانتية ومن جاء بعدها من الفرق؛ مثل " شهود يهوه" و" قديسي الأيام الأخيرة" هم يهود الاتجاه والمعتقد وأن تأسيسهم إنما كان بأيد يهودية للكيد للنصرانية وقد أصبح ولاءهم للماسونية مكشوفا. ويجزم مؤلفا كتاب (الماسونية) أن حركة " مارتن لوثر" الذي انشق عن الكنيسة الكاثوليكية وأسس المذهب البروتستانتي كان بسبب دخول مارتن في الماسونية بدليل أن الكنيسة كانت تحرم على أتباعها قراءة التوراة وما ألحق بها من أسفار عبر القرون فلما جاء لوثر أعاد للعهد القديم اعتباره عن المسيحيين وأصبح لا يذكر ولا يطبع إلا مقرونا بالعهد الجديد – أي الإنجيل – مما أدى إلى انتشاره ودخوله كل بيت وكنيسه وكان لهذا العمل آثاره الضارة على النصارى واستخذائهم أمام اليهود فيما بعد فقد انتصرت الماسونية في النهاية على الكنيسة ومزقتها وهاجمتها علنا دون أن ترد الكنيسة بشيء يذكر. ولقد تغلغلت الماسونية داخل أوساط الكنيسة وتآمرت على كل شيء يقف ضد اليهود وتوالت الصفعات والصيحات على البابوات من المسيحيين وأسكتوهم نهائيا. بل وصل الأمر إلى ما هو أخطر وقعا وأشد أثرا ألا وهو وصول بعض اليهود إلى اعتلاء العرش البابوي المسيحي في غفلة تامة من المسيحيين مثل البابا" بيوس الحادي عشر" اليهودي الأصل الذي أصبح الحبر الأعظم لسبعمائة مليون مسيحي كاثوليكي وكان يحب اليهود ويدافع عنهم ويبطل كل قرار حكومي يصدر ضدهم في روما. وقد أوصى بعرض البابوية إلى الكاردينال " باسلي" لأنه من أنصار اليهود وقد تم ذلك وصار يسمى " قداسة البابا بيوس الثاني عشر" وكذا البابا " بولس السادس " الذي خطى خطوات خطيرة جدا فقد تم إعلان تبرئة اليهود من دم المسيح كما تم إعطاء قرار للكهنة بشمول صلاحيتهم لإلغاء كل قرار كنسي سابق له يتضمن حرمان المسيحي الماسوني. وهذا يعطي ردا فعليا أن البابوات كلهم على امتداد تاريخهم وكذا الأناجيل كانوا كاذبين في أن اليهود هم الذين قتلوا المسيح ولم يكن أمام المسيحيين إلا التسليم والرضى بشرعية دخول أي مسيحي في الحركة الماسونية (¬1) ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 543 ¬

(¬1) بتصرف عن ((الماسونية)) (ص 114 - 119).

حادي عشر: وسائل انتشار الماسونية

حادي عشر: وسائل انتشار الماسونية للماسونية الهدامة وسائل كثيرة خداعة لها بريق في ظاهرها يستجلب أصحاب الأهواء والمطامع الدنيوية بما تحمله من شعارات الإخاء والحرية والمساواة وإقامة العدل والتعايش بسلام والالتفاف التام حول توفير الغذاء وبقية حاجات البشر بعيدين عن النزاعات والحروب المدمرة ... ومغريات أخرى كثيرة تستهوي الداخل مثل إطلاق الألقاب الفخمة على العضو، والإغراء بالمال وبالوظائف وبالنساء وبالحصول على الآمال العراض التي يمنون بها الداخل في حركتهم الشيطانية. ومن أهم وسائل انتشارها: 1ـ ضعف الوازع الديني عند بعض من ينتسب إلى الإسلام فكثير من المسلمين يجهلون دينهم وأما غير المسلمين فحدث ولا حرج إذ كلهم لا دين لهم فوجدت الماسونية الجو صالحا لانتشارها. 2ـ كذلك من الوسائل أيضا جهل كثير ممن دخلوها بحقيقة ما تبيته الماسونية للبشرية من خراب ودمار وإقامة الحكومة اليهودية العالمية على أنقاض خراب البشرية تحت تأثير دعايات جذابة مثل الإخاء والحرية والمساواة والتكافل وترك الحروب ... الخ. 3ـ ما كانت تنادي به إسقاط الحكومات القائمة كلها تحت مبررات ودعايات كاذبة من أن الحكام جائرين وغير صالحين للحكم وتهم كثيرة لفقوها ضدهم حتى تم لهم ذلك بإسقاط الخلافة العثمانية عن طريق يهود صلانيك الماسونيين وعلى رأسهم "جمال باشا" و" أنور باشا" و" مصطفى أتاتورك" حيث انتقم اليهود الماسون من السلطان " عبد الحميد" رحمه الله تعالى لرفضه إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وكذلك إسقاطهم الحكومة الإنجليزية عام 1915م. 4ـ محاربة الأخلاق عن طريق إشاعة الفواحش الجنسية عن طريق النساء والخمور والحفلات الماجنة ونشر الإلحاد في كافة مستويات التعليم والثقافة. 5ـ كان للمرأة دور واضح في الدعايات الماجنة للانحلال من الدين والفضيلة. قال " بوكاسا " الماسوني: " تأكدوا تماما أننا لسنا منتصرين على الدين إلا يوم تشاركنا المرأة فتمشي في صفوفنا. وقال أصحاب مؤتمر بولونيا: " يجب علينا أن نكسب المرأة فأي يوم تمد إلينا يدها نفوز بالمرام ونبدد جيوش المنتصرين للدين". وقال " دور فويل" أحد شيوخ الماسون: " ليس الزنا بإثم في الشريعة الطبيعية ولو بقي البشر على سذاجة طبيعتهم لكانت النساء مشتركات" وقال "براغون" في كتابه رسوم النساء في الماسونية: " الفضيلة المطلة مرذولة عند الماسونيين والماسونيات لأنها ضد إتجاه الطبيعة" وجاء في نشرة سرية ماسونية: " ليس من بأس بأن نضحي بالفتيات في سبيل الوطن القومي وماذا عسى أن نفعل مع قوم يؤثرون البنات ويتهافتون عليهن وينقادون لهن". 6ـ ومن وسائل انتشار الماسونية أن القائمين عليها من دهاة اليهود قد أوصلوا أتباعهم وكبار دعاتهم أن ينسبوا قيام الماسونية إلى ما تميل إليه قلوب المدعوين فمثلا إذا كان الشخص مصريا زعم له أن الماسونية من تأسيس قدماء المصريين الفراعنة وعنهم أخذها موسى ثم هارون تسلسلات في اللاويين إلى داود ثم إلى سليمان. وإذا كان المدعو مجوسيا زعم أنها من وضع أقطاب المجوسية وعلى رأسهم " زرادشت" وإن كان روميا زعم أنها من تأسيس بناة الحضارة الرومية وأن " غورفروابوبون" هو الذي أسسها بفلسطين ليضمن بها التعارف بين المسيحيين. وإن كان المدعو من أتباع الحركة اللوثرية زعم أنها من نتائج عقل "كوزالييه"

وإن كان من المسلمين زعم أنها مأخوذة من القرآن الكريم أو من المسيحيين زعم أنها مأخوذة عن الإنجيل أو البوذيين أو البارهمة زعم أنها مأخوذة عن والفيندا والزندافستا والأمايانا. وإن كان الداعية أمام مجلس مختلط زعم أنها دين عالمي وهكذا يتسلل الدعاة الماسون إلى قلوب الناس وأفكارهم (¬1) وهم فيما بينهم يرون أن هذا السلوك من الأسرار التي امتازت بها الماسونية 7ـ ومن الوسائل التي تسلكها الماسونية استخدام العروش وذلك حسبما يذكر د. الزغبي أن الماسونيين يحاولون الوصول إلى الملوك وإدخالهم في حبائلهم بحيث يستهويهم وسائل استخدامها والتوكؤ على عميانها - من غير اليهود –لتنفيذ مصالحهم وبالتالي يحيطون الداخل منهم بهالة من التعظيم حتى يخرج عن صوابه فتغريه بمساوئ الأخلاق والخيانة العظمى في الوقت الذي يبذلون فيه كل المحاولات لتسجيل ما يقع فيه من أخطاء وفضائح لتكون بمثابة تهديد له بفضحه ونشر مساوئه إن لم يسر في تنفيذ كل مخططاتهم فإذا كان صاحب العرش ذكيا حذرا لم يقع في حبائلهم فإنهم يسلكون تجاهه طرقا عديدة من المؤامرات لتقويض سلطته بواسطة جواسيسهم وعميانهم الكبار والصغار أما صاحب العرش الذي يمشي معهم كيفما أرادوا فإنهم يحيطونه بهالة من الدعايات الرنانة بواسطة عميانهم ويمكن تصور بغض اليهود الشديد لكل صاحب عرش غير يهودي أو من غير دينهم في تعبيرهم عن ذلك بهذه الوصية " اشنقوا آخر ملك بمصران آخر كاهن" 8ـ ومن الوسائل أيضا إقامة الأنظمة الجمهورية وتعدد الأحزاب القائمة على الانتخابات التي يحتاج كل مرشح فيها إلى الأصوات المؤيدة وهنا يتسنى للماسونية اليهودية مساعدة من تريد وقد تساعد الأحزاب المتعارضة المتطاحنة على حد سواء لستصفي الناجح ولا يمكن ذلك إلا بعد بيع الشخص دينه وضميره ومروءته لأقطاب الحكومة الخفية للماسونية. ومن هنا نجد ذلك النشاط المحموم للمناداة بفصل الدين عن الدولة ليسهل عليهم تقطيع أوصال الدول كيفما يريدون. عقد مؤتمر ماسوني كبير عام 1889م في ذكرى الثورة الفرنسية جاء فيه " إن هدف الماسونية هو تكوين حكومات لا تؤمن بالله" (¬2) وقرر مؤتمر باريس سنة 1900م: "إن هدف الماسونية هو تكوين جمهورية لا دينية عالمية" (¬3) وقد كانوا في البداية يتظاهرون بالعبارة "الدين لله والوطن للجميع" وقد وجدوا أن العلمانية هي خير من يمكن الاستعانة بها على ذلك. 9ـ ومن الوسائل الأخرى لانتشارها دقة التنظيم وتكاتفهم مع بعضهم بعضا وهو ما يتمثل في الأخوة التي ارتبطوا بها والوصايا الأخرى في نفع بعضهم بعضا ولو أدى ذلك إلى الكذب وشهادة الزور وظلم الآخرين فكل شيء جائز في شرع الماسونية وبينهم علامات يتعارفون بها وكل واحد يعضد الآخر ويقف إلى جانبه بكل استطاعته وقد سمع كل عضو عند دخوله هذا الكلام " هذه السيوف الموجهة إلى صدرك ووجهك هي للدفاع عنك عند الحاجة" ومن هنا يشعرون بنوع من القوة والتآزر والتعالي أيضا مع مختلف المديح الذي يكيله لهم رؤساء المحافل من أنهم عظماء وعباقرة وأناس متميزون ... إلى آخر أكاذيبهم وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام:112] ¬

(¬1) وهذا هو سلوك الفرق الباطنية كلها. (¬2) انظر ((الماسونية)) (ص 76). (¬3) انظر ((الماسونية)) (ص 76).

10ـ ومن وسائل الماسونية التي قد لا يتصورها الشخص استخدام الأمم المتحدة في تنفيذ مآرب اليهودية الماسونية وقد تم ذلك حينما أقرت الأمم المتحدة انتداب بريطانيا لحكم فلسطين ولعبة اليهود ثم إدالة كفة اليهود في الصراع لتبقى فلسطين لإسرائيل كاملة ولعل معرفة هذه الدسائس الماكرة تلقى بكثير من ظلال الشكوك على ما يتم بين القوة الفلسطينية والزعامات اليهودية حول التسوية التي طال الكلام عنها حتى أصبح سماعها من الأمور التي تبعث الغثيان والاشمئزاز لدى كل قلب لتفاهتها وإن الأمم المتحدة لا زالت تحت سيطرة الماسونية هي ورؤساء الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. 11ـ ومن وسائل انتشار الماسونية حيلهم لإدراج بعض أسماء المشاهير ضمن جمعياتهم بحيث يتوددون إليه لأن يسمح لهم فقط بتسجيل اسمه ضمن قائمة أسماء رجال المحافل فإذا قبل مجاملة لهم فرحوا وأشاعوا وادعوا بأن البطل أو البحاثة فلان هو من أبناء المحافل الماسونية فيتخذوا ذلك ذريعة لإغواء من لم يعرف الحقيقة والخدع الماسونية. 12ـ ومن وسائل انتشارها مناداتهم بالشعارات البراقة التي تجذب السامع إليها مثل دعوة تحقيق الحرية والإخاء والمساواة بحيث يتصور الجاهل أنهم يريدون من ورائها تحقيق مصالح الناس وإنقاذهم من العبودية وإشاعة الأخوة والمحبة بين أفراد كل المجتمعات وإشاعة المساواة العادلة بين الجميع ليعيش الكل في أمن وسعادة هكذا ظاهر تلك الشعارات. لكن حقيقتها خلاف ذلك تماما فهي أشبه ما تكون بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. أما الحرية: فحقيقتها عند الماسونيين طاعة وتنفيذ أوامر المحافل بدقة والعبودية لهم وتصور أن كل ما يخالف ذلك عبودية ممقوتة يجب التحرر منها وقد استفاد منها اليهود في حربهم للأديان غير اليهودية كذلك حرية الانفلات من كل قيود الدين والحياء والحشمة والأخلاق. وأما المساواة: فهي كذبة بشهادة قوانين الماسونية ودرجاتها ورموزها وملابسها المختلفة حسب الدرجات بل والأقسام التي تختلف أيضا حسب خلقها الله لهم مختلفة حكمة منه تعالى، فقد جاء في دائرة المعارف البريطانية طبعة 1974 م تحت كلمة ماسونية: " إن المحافل الأمريكية تأبى قبول شرعية عضوية السود في الماسونية" (¬1) وأما الإخاء: فليس له مكان إلا بين الماسونيين أنفسهم يتعارفون به أما الأخوة بمعناها المعروف عند البشر فلا مكان لها في الماسونية بل يقابلها العداء الشديد للجوييم قاتلي أحيرام ومغتصبي ملك إسرائيل التليد؟!! وكيف يتم الإخاء بين الماسوني وبين غيره وقد أقسم الماسوني أنه قطع صلته بكل المجتمعات من قريب أو بعيد كما في قسمهم المعروف وقد استفاد اليهود من المناداة بهذا الشعار للحد من كراهية الناس لهم والتغلغل إلى أي مكان يريدونه ومخاطبة كل مجتمع يطرقونه. 13ـ ومن وسائل انتشارها: القوة والنفوذ ودخول رجالها إلى مراكز الحكم وصنع القرارات التي مكنتهم من الانتشار والعلو في الأرض دون منازع أو رادع فعال ومن أشهر هؤلاء " شاؤل" الذي حول النصرانية إلى وثنية ممسوخة فكثرت المحافل الماسونية وانتشرت في شتى بقاع العالم. 14ـ ومن وسائلهم الاهتمام بالشباب واستدراجهم إلى صفوفهم بمختلف المغريات مما كان له الأثر البارز في انتشارها بينهم عن طريق المال والوظائف والجنس والفن – كما يسمونه – والرياضات وغيرها من وسائل الترفية ثم حشر من يتمكن منهم في الدخول إلى الأحزاب السياسية والانغماس فيها. وعلى كل حال فقد انتشرت الماسونية وعم شرها وأخذت في طريقها ضحايا كثيرين. ¬

(¬1) انظر ((الماسونية)) (ص 78).

وقد اتضح مما سبق أن ضحايا الماسونية لم يكونوا على درجة واحدة في الثقافة أو التدين فدخل بعضهم وخرج منه فور علمه بكفرها وأهدافها الشريرة ودخل بعضهم ولم يتمكن من الخروج منها ومن العلماء الذين دخلوها بحجة الاطلاع على ما فيها عن كثب " الشيخ محمد أبي زهرة" رحمه الله – ولكنه تركها فور علمه بكفرها، ومن الذين بقوا فيها " الشيخ جمال الدين الأفغاني" (¬1) فيما يذكره من كتب عنه. وتحت عنوان " الجنود المجهولون" يذكر د / محمد علي الزغبي في كتابه (الماسونية منشئة ملك إسرائيل) وهو من الذين من الله عليهم بالخروج من الماسونية: " إن هناك رجالا دخلوا الماسونية وسبروا غورها وعرفوا خبثها ودهاء زعمائها فعاملوهم بنفس الأسلوب من الدهاء والمكر فعرفوها وعرفوها إخوانهم المسلمين خدمة للدين ونصحا للأمة " ثم ذكر أن تقسيم الماسونيين للداخل فيها إلى عميان صغار وعميان كبار إن هي إلا خدعة ما كرة. (¬2) وبعد أن قويت الماسونية بانضمام أفراد كان لهم ذكاء خارق وقوة حادة على التخطيط في أمريكا وأوربا قرر أولئك الماسون أن تكون الماسونية مؤسسة عالمية تقبل كل الأفكار وخصوصا الإلحاد ومحاربة الأديان والدعوة إلى أن يعيش العالم بسلام وأن يكون الاهتمام كله وشعارهم التعايش السلمي ورفاهية الشعوب ونبذ الحروب بكل أشكالها .. إلى آخر خدعهم. وهذه النداءات كانوا يوجهونها في الوقت الذي خططوا فيه لإشعال فتن الحروب في كل مكان وخصوصا بين الدول الكبيرة إلى أن استطاعوا أن يقيموا الحرب الضروس العالمية الأولى. وبتكليف منهم أمروا "كارل ماركس" بوضع خطته الشيوعية للقضاء على كل الديانات والأخلاق الأممية، وساعده في ذلك صديقه " إنجلز" وفي نفس الوقت فكر أولئك الأشرار بوضع خطة معاكسة لنظرية ماركس مفادها أن العرق الآري هو أفضل الأعراق وباستطاعته أن يكون سيد العالم كله ومنه ظهرت فلسفة الحزب النازي وهي خطة مدبرة لضرب العالم بعضه بالبعض الآخر لإضعاف الكل ومما يجدر بالذكر أن اليهود لم يكونوا هم العقل المدبر لكل أحداث العالم فهم أقل من ذلك ولكنهم يستطيعون استغلال الأحداث وتوجيهها الوجهة التي يريدونها، بل إنهم يقطفون ثمار كل فتنة تقوم في العالم. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 546 ¬

(¬1) انظر: ((الماسونية تحت الأضواء)) (ص 18). (¬2) انظر: ((الماسونية منشئة ملك إسرائيل)) (ص 29).

ثاني عشر: أماكن انتشار الماسونية

ثاني عشر: أماكن انتشار الماسونية لقد انتشرت الحركة الماسونية سرا وجهرا في عقول كثير من الناس يهودا وعميانا كما انتشرت في بلدان كثيرة بعضها عرف وبعضها لم يعرف بل لقد أصبح الماسون هم أباطرة العالم ولكن من وراء ستار قد يكون رقيقا عند البعض – وهم قلة – وقد يكون كثيفا عند البعض الآخر – وهم كثر. ولقد تحدث المطلعون على أوكار الماسونية ومحافلها الشريرة وحذروا منها تبرءة لذممهم ووفاء بما عاهدوا الله عليه من بيان الحق والحث عليه وبيان الباطل والتحذير منه. أما أماكن انتشار الماسونية في بلدان العالم فهو كما يلي: ـ فلسطين: وقد تضافرت جهود الذين وضعوا التوراة والماسون الذين جاءوا بعد ذلك على التركيز على أن فلسطين هي أرض الميعاد وأن على كل يهودي أن يكون نصب عينيه إعادة بناء هيكل سليمان بالقدس. ولا يزال اليهود إلى اليوم يتمسكون بالقدس وأنها عاصمتهم الأبدية وأنه لا تفريط فيها مهما كان الأمر بل ولا يجوز أن تشملها المفاوضات الهزيلة المضحكة المبكية لا مع ياسر عرفات ولا مع غيره من العرب. وفي التوراة وفي التلمود عشرات النصوص التي تؤكد أن القدس يهودية بزعمهم - كما سبق في دراستنا لذلك في مادة الأديان ومن النصوص الماسونية - وهي كثيرة: قال "دوزي " في تعريفه للماسونية: "إنها جمهور كبير من مذاهب مختلفة يعملون لغاية واحدة هي بناء الهيكل إذ هو رمز دولة إسرائيل" وعند افتتاح جلسات المحافل الشرقية يقرأون ما يلي: "نؤمن بإله واحد، رب موسى وهارون، منزل التوراة، خالق الشعب المفضل المختار، خالق الشعوب الأخرى لخدمة المفضل الجليل، وطننا فلسطين، الدم الذي يجري في عروقنا دم إسرائيل عقيدتنا خلافة الله على الأرض بارك جلستنا هذه يا رب إسرائيل يا رب موسى وهارون" (¬1) وقد أدخل دعاة ماكري الماسونية التصميم على امتلاك فلسطين والقسم على إعادة بناء هيكل سليمان في كل مناسباتهم وفي أقسام الدرجات المختلفة مما يطول إيراده هنا. وقد اكتشفت عدة محافل للماسونية في مصر وفي الأردن على مستويات الجماعة والأفراد وتبينوا ما فيها من الدعوات الحثيثة لامتلاك فلسطين وبيت المقدس وإقامة الهيكل وتدمير العالم كاملا وصدرت تقارير وتحذيرات كثيرة من الوقوع في هذه الأخطار المحدقة. ـ فرنسا: كانت الماسونية تشتعل حماسا وحنقا على فرنسا المسيحية فبدؤا يخططون لضربها بفتن داخلية عارمة تتوجت أخيرا بقيام فتنة الثورة الفرنسية الشهيرة التي أنتجت كل الشرور والثورات المتلاحقة على الدين المسيحي وعلى الأخلاق وعلى كل المجتمعات وقيم العلمانية والآراء الفكرية المتصارعة. ولهذا كانت فرنسا سباقة إلى كل الحركات الفكرية الضالة التي نشأت في أوربا. ـ بريطانيا: لقد نشطت الماسونية في بريطانيا نشاطا قويا جدا، وكانت المرتع الخصب لتكاثر الماسونيين في لندن فقد وصل أحد أعضاء الماسونية إلى عضوية العموم عام 1376هـ وأُنشئ أول محفل علني فيها كذلك عام 1717م وكان الملك " جورج الأول" زعيم الماسونية فيها ولا يزال أمرها المباشر في بريطانيا قويا إلى الوقت الحاضر وتمكن اليهود من الحكم المباشر في بريطانيا تحت عدة أقنعة ولم يأت وعد " بلفور" إلا لتشبعه بالماسونية" وإصراره على إظهار خدمته لليهودية العالمية حسب ما عاهدهم عليه عند دخوله فيها. ـ روسيا: ¬

(¬1) انظر ((الماسونية)) (ص 127 – 128).

اتجهت الماسونية إلى افتراس روسيا وإلقائها تحت مخالب اليهود فاصطنعوا " كارل ماركس" اليهودي الماسوني لاختراع مذهبه الإلحادي الشيوعي بتكليف من دهاة الماسونية لإسقاط الحكم القيصري ومعه كل الديانات في روسيا وبدأ تآمر الماسونية على الحكم القيصري وتوالت الدعوات إلى الثورة والتمرد والاحتجاجات العلنية وحبك المؤامرات تلو المؤامرات فقامت الثورات حسب المخطط الماسوني الحاقد وسفكت من الدماء ما لا يعلم قدره إلا الله على يدي " لينين" و" تروتسكي" وغيرهما وقامت بعد ذلك الصداقات القوية بين إسرائيل وزعماء الماسونية الجدد في روسيا ولا تزال على ذلك رغم ما يتظاهر به حكامهم الشيوعيون من صداقة للعرب حينما وجدوا لهم آذنا صاغية من المغفلين منهم أمثال " جمال عبد الناصر " في وقته وغيره ممن وقع في حبائلهم. ـ أمريكا: لقد كان المجتمع قابلا لكل أدواء العالم وكان التسابق إلى اقتناصه على أشده وكان للماسونية نصيب الأسد من عقول الأمريكيين مثقفين حكاما ومحكومين وكان للماسوني الأمريكي " وايزهاوبت" نشاطه العارم في تقوية الماسونية فعقد المؤتمرات وأعد الخطط والتعليمات لتحطيم كل ما ليس بيهودي. وقد أسس محفلا ماسونيا باسم " محل الشرق الأكبر" وسمى الداخلين فيه بـ "النورانيين" أي حملة النور، وأصبح له الحكم والصدارة على جميع المحافل العالمية ثم خلفه " مازيني" الإيطالي و" جيفرسون" و" بايك" وغيرهم من أقطاب الماسونية الكبار الذين كان عليهم وزر تقوية الماسونية في أمريكا وفي العالم كله. (¬1) وقد تضافرت المصادر أن كثيرا من رؤساء أمريكا وكثيرا من زعماء العرب واقعون تحت تأثير الماسونية وأنهم يقومون برعايتها والاحتفاء بها ومباركة أنديتها وأن بعض زعماء العرب هم في الدرجة 33 في الماسونية. وقد قويت الماسونية ونواديها في عهد رئيس أمريكا السابق " ريجان" وفي عهد" جورج بوش" (¬2) ما لم تقواه في أي وقت مضى واليوم خلفه ابنه بوش الابن ويظهر أنه على نفس الخط وقد أظهر عداءه للإسلام والمسلمين في أكثر من مناسبة وقد توج غزوه للعالم الإسلامي باحتلال العراق يوم الأربعاء 4/ 2 1424هـ ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى. ـ مصر: لقد كانت عيون الماسونية شديدة التركيز على مصر لعوامل كثيرة من أهمها وقوعها تحت يد الاستعمار الغربي ثم لكثرة سكانها ثم لوجود طوائف دينية كثيرة بها، ولأمور أخرى الله يعلمها. أنشأ نابليون في القاهرة سنة 1800م محفلا ماسونيا اسمه محفل " إيزيس" كان بمثابة عين على أي نشاط إسلامي في المنطقة ثم انتشرت المحافل الماسونية بعد ذلك فأنشأ الإنجليز محفل " يوحنا" سنة 1882م. ولعل خير ما أقدمه للقارئ إذا أراد تفاصيل وجود الماسونية في مصر ممثلة في منظمة الروتاري أن أدله على الكتب الآتية التي تخصصت في دراستها: ـ (الماسونية في المنطقة245) ـ (الروتاري في قفص الاتهام) ـ (شرخ في جدار الروتاري) ومؤلف هذه الكتب هو: أبو إسلام أحمد عبدالله، وهو على دراية عجيبة بكل تفاصيل هذه المنظمات الخبيثة عاش أحداثها واطلع عليها عن كثب. ـ الشام: حينما وقعت يد المستعمرين الصليبيين على الشام أنشأوا في دمشق محفلا كبيرا للماسونية على يد القائد الفرنسي المحتل الجنرال " غورو" ثم انتشرت الماسونية بقوة الاستعمار الصليبي للبلدان الإسلامية وقامت محافلها في: " الجزائر" نيجيريا" " ماليزيا" " تايلاند" " إندونيسيا" ... وغيرها من البلدان التي غزتها الماسونية وانتشرت فيها كانتشار الأوبئة جنبا إلى جنب مع المستعمرين الصليبيين الماسونيين الحاقدين على الإسلام والمسلمين. وحدث عن يهود الدونمة (¬3) ولا حرج ومؤامراتهم على الخلافة العثمانية وإدخال تركيا المسلمة تحت حكم طغاة الماسون وعلى رأسهم " مصطفى كمال أتاتورك" الذي كان أشد الحاقدين على الإسلام والمسلمين، ولا يزال الحكام في تركيا إلى وقتنا الحاضر من عبيد الماسونية وخدامها الأوفياء وأصبح الشعب التركي تحت حكم هؤلاء الطغاة العسكريين الماسونيين الملاحدة يحاربون الإسلام وتشريعاته بكل ما يستطيعون نسأل الله أن ينقذ المسلمين من شرورهم. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 557 ¬

(¬1) انظر ((الماسونية)) (16 – 23) أميني وأبو حبيب. (¬2) انظر: ((الماسونية في المنطقة 245)) (ص 142). (¬3) الدونمة: جماعة من يهود الأندلس هاجروا إلى تركيا بعد زوال حكم المسلمين اعتنق بعضهم الإسلام ظاهرا للكيد للمسلمين والإسلام. ومعنى الدونمة باللغة التركية أي المرتد، الملحد الزنديق الكافر الكاذب فيما يزعم اعتقاده بتصرف عن: ((الماسونية)) (ص 157).

ثالث عشر: عقائد الماسونية

ثالث عشر: عقائد الماسونية أول ما يلاحظه المتتبع لعقائد الماسونية قيامها على النفاق والكذب والخداع وقد تمدح بوجود هذه الصفات فيهم كثير من كتابهم تحديا وتبجحا وهو دستور قيام الماسونية إذ لا يمكن أن تنطلق بدون قيامها على هذه الصفات وغيرها من صفات الرذائل. وتحت عنوان: " أركان الدين الماسوني" قال د. الزغبي: الركن الأول: إنكار وجود الله. 1ـ لا إله إلا الإنسان، ولا سيد ولا خالق ولا معبود إلا الإنسان إذ هو سيد الوجود المتصرف بنواميسه. 2ـ ليس علينا أن نذل أعناقنا لنير ديانات مختلفة بل علينا أن نترفع فوق كل إيمان بأي إله كان. 3ـ علينا أن نسحق القبيح الفظيع، وهو ما يدعونه الله. 4ـ إن الاعتقاد بوجود إله والسجود له حماقة. الركن الثاني: مناهضة الأديان 1ـ علينا أن نخرب الآلة التي يتذرع بها رجال الدين وأعني بهذه الآلة الأديان نفسها. 2ـ إن تدريس الدين المسيحي أعظم حاجز لصد الأحداث عن النمو والترقي. 3ـ أما غايتنا القصوى فملاشاة الكثلكة بل كل روح مسيحي. 4ـ لنشتغل بأيد خفية نشيطة ولننسج الأكفان التي سوف تدفن جميع الأديان فيها. الركن الثالث: محاربة رجال الدين لنكسر نفوذ الفقهاء والكهنة ونوجد الانتقادات ونستعين بفشنو وأذرعه المئة ونجعل كل ذراع برأي وهنا ظهرت التعاليم المجوسية في الماسونية. الركن الرابع: الإباحية والفساد 1ـ لننشر الرذيلة بين الشعوب. 2ـ إن الفساد أمنيتنا. الركن الخامس: كره الوطن أما الوطن فإنا نرذله – اليهود يرذلون أوطان العالم كلها – ولعل ذلك يعود إلى شعورهم بأنهم بلا وطن وأنهم أمة منبوذة بين الشعوب. الركن السادس: هدم البشرية 1ـ كل شيء يجوز لنا لاستئصال شأفة من ينكر مبادئنا.2ـ كل أمة تختلف على نفسها تقع في حوزتنا. (¬1) ولعل ما ذكره الزغبي يشير إلى النتيجة التي يصل إليه الداخل في الماسونية بعد تعمقه فيها وإلا فإن الداخل في البداية يجد الحث الشديد على التمسك بالأديان والأخلاق الفاضلة وعدم التدخل في الشؤون السياسية والتعمق في الإيمان بالله تعالى والدعوة إلى البر والإحسان إلى المحتاجين. وهذه المبادئ هي الواجبات الأولى التي يسمعها الداخل في الماسونية ولهم وصايا على ذلك كثيرة تردد على مسامعه (¬2) ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 566 ¬

(¬1) ((الماسونية منشئة إسرائيل)) (ص 114، 115). (¬2) انظر تفاصيلها في كتاب ((الماسونية)) للسقا وأبو حبيب، (ص 62 – 68).

رابع عشر: عبادة الشيطان في الماسونية

رابع عشر: عبادة الشيطان في الماسونية ولكن الداخل سيصل إلى الواجبات الأخرى فإذا بها تحثه على الكفر بالله وعبادة الشيطان الذي سموه " لوسيفر" وفي كلمة فخر للأستاذ الأكبر لمحفل "لسينج" الماسوني" جاءت العبارة التالية: "نحن الماسونيون ننتسب إلى أسرة كبير الأبالسة " لوسيفر" فصليبنا هو المثلث وهيكلنا هو المحفل" وفي رسالة الجنرال " ألبرت بايك" إلى رؤساء المجالس العليا التي نظمها قال: " يجب أن نقول للجماهير أننا نؤمن بالله ونعبده ولكن الإله الذي نعبده لا تفصلنا عنه الأوهام والخرافات ونحن الذين وصلنا إلى مراتب الاطلاع العليا يجب أن نحتفظ بنقاء العقيدة الشيطانية. وقد سموا الله تعالى " أدوناي" وسموا الشيطان " لوسيفر" وفي ذلك يقولون أيضا: أما الديانة الحقيقية والفلسفة الصافية فهي الإيمان بالشيطان كإله مساوٍ لـ "أدوناي" ولكن الشيطان وهو إله النور وإله الخير يكافح ضد " أدوناي" إله الظلام والشر. ويقول الماسوني "عبد الحليم إلياس الخوري": " لم يبق أحد يؤمن بالله وخلود النفس إلا البلهاء الحمقى .. إلخ. جاء في " الشرق الأعظم" في فرنسا نشرة فيها " نحن الماسون لا يمكننا التوقف عن الحرب بيننا وبين الأديان ولا مناص من ظفرنا أو ظفرنا ولن نرتاح إلا بعد أن نغلق المعابد جميعها"وجاء في المؤتمر الماسوني العالمي المنعقد في بلجراد سنة 1900م قولهم: " إننا لا نكتفي بالانتصار على المتدينين ومعابدهم إنما غايتنا الأساسية إبادتهم من الوجود (¬1) ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 568 ¬

(¬1) انظر لتلك النصوص ((الماسونية)) للسقا وأبو حبيب (ص 69 - 75).

خامس عشر: أعمال الماسونية قديما وحديثا

خامس عشر: أعمال الماسونية قديماً وحديثاً مر معنا شيء من أهداف الماسونية، ووسائلها، ومخططاتها في تنفيذ تلك الأهداف. والماسونية لا تستطيع أن تحقق كل ما تصبو إليه، والتهويل من شأنها مغالاة في تضخيم شرذمة حقيرة. كما أن التهوين من أمرها يؤدي إلى تجاهلها، وعدم إعطائها شيئاً من الاهتمام، وبالتالي تنفذ ما تريد دون شعور بها من أحد. ومهما يكن من شيء فالماسونية نجحت في تحقيق كثير من الأهداف. وفيما يلي من أسطر بيان لبعض ما حققته الماسونية في القديم والحديث: 1_ تحريف الكتب المقدسة، والعبث بتفريق الأديان والجماعات، والعمل على إضرام نار الحروب والعداوة بين الأمم. 2_ عمل مؤامرة لقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. 3_ اختلاق الأكاذيب على الخليفة الثالث عثمان وعمَّاله. 4_ تشويه التاريخ الإسلامي عن طريق كثير من مؤرخيهم وكتَّابهم كجورجي زيدان وغيره. 5_ نشر وتأسيس الفرق الضالة، إما ابتداءاً أو تدخلاً ومساعدة، ومن تلك الفرق في القديم الجهمية، والمعتزلة، والقدرية، وغيرهم إلى القرامطة، والرافضة، وسائر فرق الباطنية. 6_ أكاذيبهم على الأمويين، والتعاون مع الأعاجم على الإطاحة بهم؛ حتى يتسنى لهم ترويج المذاهب الهدامة. 7_ قيامهم بالثورة الفرنسية. 8_ نشر الإباحية الجنسية، وذلك عن طريق دور السينما، والصحف، والمجلات، ومختلف وسائل الإعلام. 9_ نشر الأدب المتهتك السافر المستهتر بكل القيم والثوابت كأدب الحداثة وغيره. 10_ إنشاء الأندية التابعة لها كأندية الروتاري، وبناي برث، والليونز. 11_ إشغال الأمم بالرياضة والفن حتى ماتت همم كثير من الشعوب، وتبلدت أحاسيسهم، ولم تعد تعرف ما يضرها مما ينفعها. 12_ إثارة الدعاوى الباطلة الهدامة كدعوى تحرير المرأة والسفور وغير ذلك من الدعاوى، التي روجت لها الماسونية وآثارها لا تخفى على ذي بصيرة. 13_ بلبلة الأفكار، وتشكيك الناس في عقائدهم. 14_ تعطيل الحكم بما أنزل الله، وإحلال القوانين الوضعية في كثير من بلاد العالم الإسلامي. 15_ الإطاحة بالخليفة العثماني السلطان عبدالحميد، وإسقاط الخلافة الإسلامية على أيدي يهود الدونمة. 16_ نشر الربا. 17_ نشر الجريمة، وتفشي الأمراض المستعصية كالإيدز وغيره وكل ذلك بسبب الإباحية والفوضى التي ورائها أصابع الماسونية. وفي الجملة فالماسونية وراء عدد من الويلات التي أصابت الأمة الإسلامية كما كانت وراء الثورة الفرنسية _ كما مر _ والثورة البلشفية الروسية، وهي كما قال أحد المؤرخين: آلة صيد بيد اليهود ويصرعون بها الساسة، ويخدعون عن طريقها الشعوب والأمم الجاهلة. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 120

سادس عشر: المنظمات الماسونية ونواديها

سادس عشر: المنظمات الماسونية ونواديها أنشأت الماسونية منظمات عديدة بعضها ظاهرة وبعضها خفي وتحت أسماء حقيقية وغير حقيقية وكلها تجتمع على هدف واحد هو خدمة اليهودية العالمية تحت أقنعة مختلفة. ومن هذه المنظمات والنوادي. ـ نادي الروتاري. ـ نادي الليونز ـ أي الأسود. ـ نادي بناي برث أو أبناء العهد. ـ منظمة شهود يهوه. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 570

سابع عشر: حكم الإسلام في الماسونية

سابع عشر: حكم الإسلام في الماسونية صدرت العديد من الفتاوى تبين حكم الإسلام في الماسونية ومن تلك الفتاوى فتوى المجمع الفقهي الذي عقد في مكة المكرمة في العاشر عام 1398 هـ برئاسة سماحة الشيخ عبدالله بن حميد وعضوية عدد من العلماء وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز. وبعد أن استعرض أعضاء المجمع ما كتب وما نشر عن الماسونية من قديم وحديث ودونوا ما تبين لهم قرروا أن الماسونية أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين، وأن من ينتسب إليها وهو على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله. وإليك نصَّ الفتوى: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: نظر المجمع الفقهي بدورته الأولى المنعقدة في مكة المكرمة في العاشر من شعبان 1398هـ الموافق 15/ 7/1978م في قضية الماسونية، والمنتسبين إليها، وحكم الشريعة الإسلامية في ذلك. وقد قام أعضاء المجمع بدراسة وافية عن هذه المنظمة الخطيرة، وطالع ما كتب عنها من قديم وجديد، وما نشر من وثائقها نفسها فيما كتبه أو نشره أعضاؤها، وبعض أقطابها، من مؤلفات، ومقالات، في المجالات التي تنطق باسمها. وقد تبين للمجمع بصورة لا تقبل الريب من مجموع ما اطلع عليه من كتابات ونصوص ما يلي: 1_ أن الماسونية منظمة سرية تخفي تنظيمها تارة، وتعلنه تارة بحسب ظروف الزمان والمكان. ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها هي سرية في جميع الأحوال، محجوب علمها حتى على أعضائها الخواص الذين يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب فيها. 2_ أنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض على أساس ظاهري؛ للتمويه على المغفلين، وهو الإخاء الإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل والمذاهب. 3_ أنها تجذب الأشخاص إليها ممن يَهُمُّها ضمهم إلى تنظيمها بطريق الإغراء بالمنفعة الشخصية على أساس أن كل أخ ماسوني مُجَّندٌ في عون كل أخ ماسوني آخر في كل بقعة من بقاع الأرض، يعينه في حاجاته، وأهدافه، ومشكلاته، ويؤيده في الأهداف إذا كان من ذوي الطموح السياسي، ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أياً كان على أساس معاونته في الحق والباطل ظالماً أو مظلوماً، وإن كانت تستر ذلك ظاهرياً بأنها تعينه على الحق لا الباطل. وهذا أعظم إغراء تصطاد به الناس من مختلف المراكز الاجتماعية، وتأخذ منهم اشتراكات مالية ذات بال. 4_ أن الدخول فيها يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد تحت مراسم وأشكال رمزية إرهابية؛ لإرهاب العضو إذا خالف تعليماتها، والأوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل بالرتبة. 5_ أن الأعضاء المغفلين يُتركون أحراراً في ممارسة عباداتهم الدينية، وتستفيد من توجيههم، وتكليفهم في الحدود التي يصلحون لها، ويبقون في مراتب دنيا، أما الملاحدة، أو المستعدون للإلحاد فترتقي مراتبهم تدريجياً في ضوء التجارب والامتحانات المتكررة للعضو على حسب استعدادهم لخدمة مخططاتها، ومبادئها الخطيرة. 6_ أنها ذات أهداف سياسية، ولها في معظم الانقلابات السياسية والعسكرية والتغيرات الخطيرة ضلع، وأصابع ظاهرة أو خفية. 7_ أنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور، ويهودية الإدارة العليا العالمية السرية، وصهيونية النشاط. 8_ أنها في أهدافها الحقيقية السرية ضد الأديان جميعاً؛ لتهديمها بصورة عامة، وتهديم الإسلام في نفوس أبنائه بصورة خاصة.

9_ أنها تحرص على اختيار المنتسبين إليها من ذوي المكانة المالية، أو السياسية، أو الاجتماعية، أو العلمية، أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذاً لأصحابها في مجتمعاتهم، ولا يهمها انتساب من ليس لهم مكانة يمكن استغلالها؛ ولذلك تحرص كل الحرص على ضم الملوك والرؤساء والوزراء وكبار موظفي الدولة ونحوهم. 10_ أنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهاً وتحويلاً للأنظار؛ لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف الأسماء إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما, وتلك الفروع المستوردة بأسماء مختلفة من أبرزها منظمة الأسُود، والروتاري، والليونز إلى غير ذلك من المبادئ والنشاطات الخبيثة التي تتنافى كلياً مع قواعد الإسلام، وتناقضه مناقضة كلية. وقد تبين للمجمع بصورة واضحة العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية الصهيونية العالمية، وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير من المسؤولين في البلاد العربية وغيرها في موضوع قضية فلسطين، وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية المصيرية العظمى لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية. لذلك، ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية، وخطورتها العظمى، وتلبيساتها الخبيثة، وأهدافها الماكرة _ يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله، والله ولي التوفيق. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 122

مراجع عن الماسونية

مراجع عن الماسونية - (الأجوبة المفيدة في مهمات العقيدة): الشيخ عبدالرحمن الدوسري. _ (الماسونية ذلك المحفل الشيطاني): أحمد الحصين. _ (الماسونية في الميزان): د. سعود الصقري. _ (المخططات التلمودية): أنور الجندي. _ (الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة): د. ناصر العقل، د. ناصر القفاري. _ (نهاية اليهود): أبو الفداء محمد عزت عارف ـ (الأسرار الخفية في الجمعية الماسونية) تأليف " شاهين مكاريوس" ـ (أسرار الماسونية) تأليف " الجنرال / جواد رفعت أتلخان. ـ (أصل الماسونية) تأليف " لويس شيخو اليسوعي" ـ (البناية الحرة وروح الماسونية) " أحمد زكي أبو شادي" ـ (تاريخ الماسونية العام) تأليف " جورجي زيدان". ـ (حقيقة الماسونية) تأليف" محمد علي الزغبي" ـ (الخلاصة الماسونية) تأليف " إيليا الحاج" ـ (دائرة المعارف الماسونية المصورة) تأليف " حنا أبي راشد. ـ (السر المصون في شيعة الفرمسون) تأليف " لويس شيخو اليسوعي" ـ (شيعة الماسونية) " تأليف " الآباء اليسوعيين" ـ (فضائل الماسونية) تأليف " شاهين مكاريوس" ـ (كشف الظنون عن حال الفرمسون) تأليف " الحاج محمد علي الشامي" ـ (الماسونية) تأليف " أحمد عبد الغفور عطار" ـ (الماسونية بلا قناع) تأليف " لويس شيخو اليسوعي" ـ (الماسونية ذلك العالم المجهول) تأليف " صابر طعيمة" ـ (الماسونية في العراء) تأليف " محمد علي الزغبي" ـ (ماسون لوك في ماسون) (بالتركية) " تأليف " عزت نوري قلقلر"ـ (هذه هي الماسونية) تأليف " فورسينيه" ترجمة " بهيج شعبان" (¬1) ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 613 ¬

(¬1) انظر ((الماسونية تحت الأضواء)) تأليف عبد الجبار الزيدي (ص 43).

المطلب الخامس: أبناء العهد (بناي برث)

أولا: التعريف بناي برث جمعية من أقدم الجمعيات والمحافل الماسونية المعاصرة وذراع من أذرعتها الهدَّامة، ولا تختلف عنها كثيراً من حيث المبادئ والغايات إلا أن عضويتها مقصورة على أبناء اليهود، وخدمتها موجهة أساساً لدعم الصهيونية في العالم، والتقاط الأخبار واحتلال مراكز حساسة في الدول، ولهذه الجمعية فروع منتشرة في جميع أنحاء العالم، وهي مكلفة بدراسة نفسية كل قائد أو سياسي أو زعيم أو أي شخصية عامة للاستفادة من جوانب الضعف فيها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات تأسست هذه الجمعية في الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة نيويورك في 13/ 10/1843م بصفة رسمية بعد أن حصل اثنا عشر يهوديًّا هاجروا من ألمانيا برئاسة هنري جونيس (جونز) على رخصة رسمية بذلك. وقد اتخذت الجمعية من مدينة نيويورك مقراً لها ومنها انتشرت وتأسست فروع لها في جميع أنحاء الكرة الأرضية. وشعارها الشمعدان وهو شعار يهودي ديني قديم. • منذ سنة 1865م والجمعية تسعى لأن تكون لها وجود في فلسطين، وفي سنة 1888م تأسس أول محفل لها، ولغة العمل الرسمية فيه هي اللغة العبرية، ومن أبرز شخصياته: ناحوم سوكولوف، دزنكوف، حاييم نخمان، دافيد يلين، مائير برلين، حاييم وايزمن وجادفرامكين. • لقد عملوا على تأسيس مستعمرات يهودية صغيرة في فلسطين، وكانت موتسا أول قرية يؤسسونها عام 1894م بالقرب من القدس مشكلين بذلك نواة الكيان الإسرائيلي الحالي. • اليهودي سيجموند فرويد عالم النفس الشهير (1856 - 1939م): انضم عام 1895م إلى هذه الجمعية وكان مواظباً على حضور اجتماعاتها. • في عام 1913م أسسوا جمعية لمكافحة التشهير والإهانة وتشويه السمعة التي يتعرض لها اليهود في العالم. • فيليب كلوزنيك Philip Kluznick كان رئيساً لهذه الجمعية عندما عُيِّن في عهد الرئيس أيزنهاور رئيساً للوفد الأمريكي لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة. • جون فوستر دالاس: وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية عام 1958م وهو نصراني بروتستانتي شارك في الحفل الذي أقامته الجمعية في 8/ 5/1956م حيث قال في هذه المناسبة: "إن مدنية الغرب قامت في أساسها على العقيدة اليهودية في الطبيعة الروحية للإنسانية، ولذلك يجب أن تدرك الدول الغربية أنه يتحتم عليها أن تعمل بعزم أكيد من أجل الدفاع عن هذه المدنية التي معقلها إسرائيل". • إن رؤساء الولايات المتحدة يثنون دائماً على الأعمال التي تقوم بها هذه الجمعية. • قامت المنظمة بعد إعلان قيام إسرائيل بتقديم إمدادات طبية وملابس ومعدات وساهمت في إنشاء المكتبات وتشجير الغابات وتقوم بتصريف سندات إسرائيل وتجنيد العمال الفنيين في الولايات المتحدة وكندا لإسرائيل. • يتقلد زمام المنظمة رئيس ينتخب كل 3 سنوات من قبل المحفل الأعلى الذي يتألف من ممثلي المحافل المحلية. وهناك لجنة إدارية ومدراء يشاركون في إدارة المنظمة أيضاً. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات الشعارات الظاهرية المعلنة: حب الخير للإنسانية والعمل على تحقيق الرفاهية لها. مساعدة الضعفاء والعجزة وذوي العاهات وتقديم الدعم للمستشفيات الخيرية. افتتاح بيوت الشباب في جميع أنحاء العالم. الدفاع عن حقوق الإنسان. منع إهانة الجنس اليهودي. ـ العطف على المضطهدين من اليهود. ـ تطوير التبادل الثقافي بالاحتياجات الثقافية والدينية للطلاب اليهود وذلك عن طريق مؤسسة The Hillel Foundation. ـ التوجيه في مجال التدريب المهني. ـ مساعدة ضحايا الكوارث الطبيعية. ـ فتح حوار مع مسؤولي الحكومات حول موضوعات الحقوق المدنية والهجرة والاضطهاد. • الأهداف الحقيقية: ـ ضم شباب الإسرائيليين بعضهم إلى بعض للنظر في مصالحهم العمومية والمحافظة عليها وإعدادها لأخذ فلسطين وطناً لهم وبث الحماسة في نفوسهم لتحقيق ذلك. ـ التصدي لمن يتعرض لليهود أو يحاول عرقلة جهودهم الرامية إلى تحقيق أطماعهم واتخاذ كافة السبيل لمواجهته. ـ تمويل عمليات الهجرة إلى إسرائيل وبيع سنداتها وتجميع الأموال اللازمة والمساعدات التي تساعد على إدخال المهاجرين وزيادة طاقة إسرائيل العدوانية، وإنشاء الشركات ـ لا سيما الأمريكية ـ في إسرائيل في شتى المجالات وتسويق منتجاتها في مختلف بلدان العالم. ـ الدعم العسكري لإسرائيل بصفة مستمرة وبصورة تدعو للدهشة والاستغراب في معرفة ما يلزم اليهود من المعدات العسكرية كماً وكيفاً ولتلك الجمعية دور بارز في إنشاء المستوطنات العسكرية قبل قيام إسرائيل. ـ تبرئة اليهود من دم المسيح حتى يتيسر لليهود تحقيق أهدافهم بعيداً عن مناوأة المسيحية لهم. ـ التغلل في الأجهزة الحكومية والتحكم في سياسات الحكومات وخصوصاً في أمريكا وبريطانيا حيث تغلغلت في صميم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية .. الخ. ـ أن يكون الولاء أولاً وأخيراً لإسرائيل بحيث يتجاوز الوطن الذي يعيش فيه اليهودي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: أفكار ومعتقدات أخرى

رابعا: أفكار ومعتقدات أخرى ـ إنهم يهود ولا يهمهم إلا إعلاء هذا العنصر ليسود العالم. ـ دعم الماسونية العالمية في خططها وبرامجها الهدامة. ـ دعم الوجود الإسرائيلي في فلسطين وتشجيع اليهود ليهاجروا إليها. ـ العمل على تدمير الأخلاق والحكومات الوطنية والأديان عدا اليهودية. ـ التعاون مع الماسونية والصهيونية لإشعال الحروب والفتن وقد كان لهم دور بارز في الحرب العالمية الأولى. ـ قاموا بشن هجوم على هتلر وحكمه حينما جاء إلى الحكم سنة 1933م. ـ كان لهم دور خطير في التمهيد للحرب العالمية الثانية. ـ التقاط الأخبار واحتلال المراكز الحساسة في الدول المختلفة، كما أن لهم أنظمة داخلية سرية وشبكة من العملاء السريين. ـ تغلغلت هذه الجمعية في صميم الحياة الأمريكية والإنجليزية وتحكمت في شؤون الاجتماع والسياسة والاقتصاد لهذين البلدين بخاصة. ـ إنهم يستخدمون المال والجنس والدعاية المركزة من أجل تحقيق الأهداف اليهودية المدمرة. ـ لقد عملوا على خطف أدولف إيخمان النازي الشهير في عام 1960م من الأرجنتين إلى إسرائيل حيث أعدم هناك في 31/ 5/1962م. ـ التصدي لكل من يحاول النَّيل من اليهود واغتيال الأقلام التي تتعرض لهم حتى يخضع الجميع لهيبتهم. ـ إنها جمعية لا تقدم خدماتها إلا لأبناء الجالية اليهودية ولا تعمل إلا من أجل دعم تفوقهم وسيطرتهم. ـ في الاجتماع الذي عقد في مدينة بال بسويسرا 1897م قال رئيس الوفد الأمريكي لجمعية بناي برث: "ولسوف يأتي الوقت الذي يسارع فيه المسيحيون أنفسهم طالبين من اليهود أن يتسلموا زمام السلطة". ـ حظيت (بناي برث) بتمثيل في الأمم المتحدة وذلك من خلال عضويتها في المجلس التنسيقي للمنظمات اليهودية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية ـ أنها منظّمة يهودية وبالتالي فإن التلمود هو محور عقيدتها وتفكيرها. ـ بروتوكولات حكماء صهيون ركن أساسي في خططها وأهدافها. ـ طموحات الماسونية الهدّامة أمر مهم تعمل على تحقيقه وإنجازه. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: الانتشار ومواقع النفوذ

سادسا: الانتشار ومواقع النفوذ تأسست بناي برث في نيويورك وانتشرت محافلها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وصارت لها في هذه الدول مواقع نفوذ قوية. • امتدت فروعها إلى استراليا وأفريقيا وبعض دول آسيا، كما أن لها نوادي في بعض البلدان الإسلامية: الأردن، سوريا، لبنان، البحرين، المغرب، تونس، العراق، مصر، السودان. ـ في مصر تأسس لها محفلان أحدهما محفل ماغين دافيد رقم 436 وقانونه مطبوع باللغة العربية، والآخر محفل ميمونت رقم 365 وقانونه مطبوع بالألمانية، وقد تم حظر نشاطهما في الستينات، ولكن حدث أن التقى الرئيس المصري أنور السادات بوفد من المنظمة يضم 24 عضواً باستراحة الرئيس بالمعمورة كما استقبل الوفد د. مصطفى خليل رئيس وزراء مصر آنذاك (مايو عام 1979م) وهكذا تلقى وفودها ترحيباً في بعض الدول الإسلامية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أنه بعد انكشاف أهداف الصهيونية ونشر بروتوكولاتهم وإغلاق الكثير من محافل الماسونية، لجأ اليهود إلى تغيير الأسماء ووضعوا لافتات جديدة لنشاطاتهم مثل الروتاري والليونز وبناي برث، وهي جميعها حرب على الأديان وتخريب للمبادئ الإنسانية السامية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ (الماسونية ما هي حقيقتها، أسرارها، أهدافها)، رابطة العالم الإسلامي ـ الأمانة العامة للمجلس الأعلى للمساجد ـ الدورة الثالثة 1398هـ/1978م. ـ (خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية): عبد الله التل ـ المكتب الإسلامي ـ بيروت ودمشق ـ ط 3 ـ 1399هـ/1979م. ـ (حقيقة نوادي الروتاري)، من رسائل جمعية الإصلاح الاجتماعي ـ الكويت ـ ط 2 ـ 1394هـ/1974م. ـ (الإسلام والحركات الهدامة)، معالي عبد الحميد حمودة ـ سلسلة دعوة الحق ـ العدد 25 ـ صادر عن رابطة العالم الإسلامي 1404هـ/1984م. ـ (جذور البلاء)، عبد الله التل ـ المكتب الإسلامي ـ بيروت ودمشق ـ ط 2 ـ 1398هـ/1978م. ـ (الصهيونية ودورها في السياسة العالمية)، هايمان لوفر ـ دار الثقافة الجديدة ـ القاهرة. ـ (شهادات ماسونية)، حسين عمر حمادة ـ دار قتيبة ـ دمشق ـ ط 1 ـ 1400هـ/1980م. ـ (التراث اليهودي الصهيوني في الفكر الفرويدي)، د. صبري جرجس ـ عالم الكتب ـ طبعة 1970م. ـ (الموسوعة البريطانية Encyclopedia Britannica, Vol II(1976 (Bnai Brith) ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السادس: الروتاري

المطلب السادس: الروتاري • أولا: التعريف. • ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات. • ثالثا: الأفكار والمعتقدات. • رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية. • خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ. • الخلاصة. • مراجع للتوسع.

أولا: التعريف

أولا: التعريف الروتاري جمعية ماسونية يهودية تضم رجال الأعمال والمهن الحرة تتظاهر بالعمل الإنساني من أجل تحسين العلاقات بين البشر، وتشجيع المستويات الأخلاقية السامية في الحياة المهنية، وتعزيز النية الصادقة والسلام في العالم. وكلمة روتاري كلمة إنجليزية معناها دوران أو مناوبة. وقد جاء هذا الاسم لأن الاجتماعات كانت تعقد في منازل أو مكاتب الأعضاء بالتناوب، ولا زالت تدور الرئاسة بين الأعضاء بالتناوب. وقد اختارت النوادي شارة مميزة لها هي "العجلة المسننة" على شكل ترس ذات أربعة وعشرين سناً باللونين الذهبي والأزرق وداخل محيط العجلة المسننة تتحدد ست نقاط ذهبية، كل نقطتين متقابلتين تشكلان قطراً داخل دائرة الترس بما يساوي ثلاثة أقطار متقاطعة في المركز وبتوصيل نقطة البدء لكل قطر من الأقطار الثلاثة بنهاية القطرين الآخرين تتشكل النجمة السداسية تحتضنها كلمتي "روتاري" و "عالمي" باللغة الإنجليزية. أما اللونان الذهبي والأزرق فهما من ألوان اليهود المقدسة التي يزينون بها أسقف أديرتهم وهياكلهم ومحافلهم الماسونية وهما اليوم لونا علم "دول السوق الأوروبية المشتركة". ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات في 23 من فبراير عام 1905م أسس المحامي بول هاريس أول ناد للروتاري في مدينة شيكاغو بولاية ألينوي وذلك بعد ثلاث سنوات من نشر بول هاريس لفكرته التي اقتنع بها البعض، ويعتبر سليفر شيلر (تاجر الفحم) وغوستاف ايه لوهر (مهندس المعادن) وسيرام إي شورى (التاجر الخياط) بالإضافة إلى بول هاريس (المحامي) مؤسسي الحركة الروتارية وواضعي أسسها الفكرية بعد اجتماعات متكررة دورية. وقد عقد اجتماعهم الأول في نفس المكان الذي بني عليه فيما بعد مقر النادي الروتاري الذي يحمل اسم شيكاغو 177 اليوم. لم يقبل بول هاريس أن يرأس النادي في أول عهده بل ترك رئاسته لأحد زملائه وهو سليفر ولم يقبل بول رئاسة النادي إلا في عام 1908م. ـ بعد ثلاث سنوات انضم إليه رجل يدعى شيرلي د. بري الذي وسع الحركة بسرعة هائلة، وظل سكرتيراً للمنظمة إلى أن استقال منها في سنة 1942م. ـ توفي بول هاريس (المؤسس) سنة 1947م بعد أن امتدت الحركة إلى 80 دولة، وأصبح لها 6800 ناد تضم 327000 عضو. • انتقلت الحركة إلى دبلن بأيرلندا سنة 1911م ثم انتشرت في بريطانيا بفضل نشاط شخص اسمه مستر مورو الذي كان يتقاضى عمولة عن كل عضو جديد. • تأسس نادي الروتاري في مدريد سنة 1921م ثم أغلق ولم يسمح له بمعاودة النشاط في كل أسبانيا والسويد. • لا يُدون الروتاري الدولي اسم فلسطين في سجلاته بل يذكر صراحة اسم إسرائيل ومن المعلوم أن مصر وفلسطين الدولتان الأوليان في العالم العربي والإسلامي اللتان تأسس فيهما أول نادي للروتاري وذلك في عام 1929م (نادي روتاري القاهرة 2/ 1/1929م) نادي أورشليم (القدس) 1929م أيضاً، كما أنهما أكثر عدداً (مصر أكثر من عشرين نادياً، فلسطين أكثر من أربعين نادياً). وقد ارتبط تاريخ الروتاري في الوطن العربي بثلاث ظواهر: ـ بالاستعمار الغربي في نشأته وغالبية أعضائه. ـ بالطبقات الارستقراطية وذوي النفوذ والمال. ـ بنشاط شامل عام لجميع العالم العربي بصورة مباشرة أو غير مباشرة. • في الثلاثينات تم تأسيس فروع للروتاري في الجزائر ومراكش برعاية الاستعمار الفرنسي. • يوجد في طرابلس الغرب فرع للروتاري ومن أعضاء مجلس الإدارة فيه المستر جون روبنسون والمستر فونت كريج. • يعقوب بارزيف رئيس نادي الروتاري في إسرائيل عام 1974م غادر إسرائيل في 14/ 3/1974م إلى مدينة تاور مينا بصقلية لحضور المؤتمر الذي ينظمه النادي الروتاري الإيطالي، وادعى أنه سيكون مؤتمراً عربيًا إسرائيلياً لاشتراك وفود عدد من الدول العربية مع وفد إسرائيلي. ـ كان أول المتحدثين مختار عزيز ممثل النادي الروتاري التونسي ثم تكلم بعده يعقوب بارزيف اليهودي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات • عدم اعتبار "الدين مسألة ذات قيمة لا في اختيار العضو، ولا في العلاقة بين الأعضاء، ولا يوجد أي اعتبار لمسألة الوطن: يزعم الروتاري أنه لا يشتغل بالمسائل الدينية أو السياسية وليس له أن يبدي رأياًًً في أي مسألة عامة قائمة يدور حولها جدال. • تلقَّن نوادي الروتاري أفرادها قائمة بالأديان المعترف بها لديها على قدم المساواة مرتبة حسب الترتيب الأبجدي: البوذية، النصرانية، الكونفشيوسية، الهندوكية، اليهودية، المحمَّدية ... وفي أخر القائمة التأويزم "الطاوية". • إسقاط اعتبار الدين يوفر الحماية لليهود ويسهل تغلغلهم في الأنشطة الحياتية كافة، وهذا يتضح من ضرورة وجود يهودي واحد أو اثنين على الأقل في كل ناد. • عمل الخير لديهم يجب أن يتم دون انتظار أي جزاء مادي أو معنوي، وهذا مصادم للتصور الديني الذي يربط العمل التطوعي بالجزاء المضاعف عند الله. • لهم اجتماع أسبوعي، وعلى العضو أن يحرر 60% من نسبة الحضور سنويًّا على الأقل. • باب العضوية غير مفتوح لكل الناس، ولكن على الشخص أن ينتظر دعوة النادي للانضمام إليه على حسب مبدأ الاختيار. • التصنيف يقوم على أساس المهنة الرئيسية، وتصنيفهم يضم 77 مهنة. • العمال محرومون من عضوية النادي، ولا يختار إلا من يكون ذا مكانة عالية. • يحافظون على مستوى أعمار الأعضاء ويعملون على تغذية المنظمة بدم جديد وذلك باجتلاب رجال في مقتبل العمر. • يشترط أن يكون هناك ممثل واحد عن كل مهنة وقد تخرق هذه القاعدة بغية ضمّ عضو مرغوب فيه، أو إقصاء عضو غير مرغوب فيه، وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون الأساسي للروتاري الدولي على ما يلي: ـ لا يجوز قبول أكثر من عضو عامل واحد في تصنيف من تصنيفات الأعمال والمهن باستثناء تصنيفات الأديان ووسائل الإعلام والسلك الدبلوماسي ومع مراعاة أحكام اللائحة الداخلية الخاصة بالأعضاء العاملين الإضافيين. • يشترط أن يكون في المجلس الإداري لكل ناد شخص أو شخصان من رؤساء النادي السابقين أي من ورثة السر الروتاري المنحدر من (بول هاريس). • تشارلز ماردن الذي كان عضوًا لمدة ثلاث سنوات في أحد نوادي الروتاري قام بدراسة عن الروتاري وخرج بعدد من الحقائق. • بين كل 421 عضواً في نوادي الروتاري ينتمي 159 عضواً منهم للماسونية مع الاستنتاجات جعل الولاء للماسونية قبل النادي. • في بعض الحالات اقتصرت عضوية الروتاري على الماسون فقط كما حدث في أدنبرة ـ بريطانيا سنة 1921م. • ورد في محافل نانس بفرنسا سنة 1881م ما يلي: "إذا كون الماسونية جمعية بالاشتراك مع غيرهم فعليهم ألا يدعوا أمرها بيد غيرهم، ويجب أن يكون رجال الإدارة في مراكزها بأيد ماسونية وأن تسير بوحي من مبادئها". • نوادي الروتاري تحصل على شعبية كبيرة ويقوى نشاطها حينما تضعف الحركة الماسونية أو تخمد، ذلك لأن الماسون ينقلون نشاطهم إليها حتى تزول تلك الضغوط فتعود إلى حالتها الأولى. • تأسست الروتاري عام 1905م وذلك إبان فترة نشاط الماسونية في أمريكا. • هناك عدد من الأندية تماثل الروتاري فكراً وطريقة وهي: الليونز، الكيواني، الاكستشانج، المائدة المستديرة، القلم، بناي برث (أبناء العهد) فهي تعمل بنفس الصورة ولنفس الغرض مع تعديل بسيط وذلك لإكثار الأساليب التي يتم بواسطتها بثُّ الأفكار واجتلاب المؤيدين والأنصار. بين هذه النوادي زيارات متبادلة، وفي بعض المدن يوجد مجلس لرؤساء النوادي من أجل التنسيق فيما بينها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية • يوجد توافق كامل كبير بين الماسونية والروتاري في مسألة (الدين والوطن والسياسة)، وفي اعتمادهم على مبدأ (الاختيار) فالعضو لا يمكنه أن يتقدم بنفسه للانتساب ولكن ينتظر حتى ترسل إليه بطاقة دعوة للعضوية. • القيم والروح التي يُصْبغُ بها الفرد واحدةٌ في الماسونية والروتاري مثل فكرة المساواة والإخاء والروح الإنسانية والتعاون العالمي. وهذه روح خطيرة تهدف إلى إذابة الفوارق بين الأمم، وتفتيت جميع أنواع الولاءات، حتى يصبح الناس أفرادًا ضائعين تائهين، ولا تبقى قوة متماسكة إلا اليهود الذين يريدون السيطرة على العالم. • الروتاري وما يماثله من النوادي تعمل في نطاق المخططات اليهودية من خلال سيطرة الماسون عليها الذين هم بدورهم مرتبطون باليهودية العالمية نظريًّا وعمليًّا، ورصيد هذه المنظمات ونشاطاتها يعود على اليهود أولاً وأخرًا. • تختلف الماسونية عن الروتاري في أن قيادة الماسونية ورأسها مجهولان على عكس الروتاري الذي يمكن معرفة أصوله ومؤسسيه، ولكن لا يجوز تأسيس أي فروع للروتاري إلا بتوثيق من رئاسة المنظمة الدولية وتحت إشراف مكتب سابق. • تتظاهر بالعمل الإنساني من أجل تحسين الصلات بين مختلف الطوائف، وتتظاهر بأنها تحصر نشاطها في المسائل الاجتماعية والثقافية، وتحقق أهدافها عن طريق الحفلات الدورية والمحاضرات والندوات التي تدعو إلى التقارب بين الأديان وإلغاء الخلافات الدينية. • أما الغرض الحقيقي فهو أن يمتزج اليهود بالشعوب الأخرى باسم الود والإخاء وعن طريق ذلك يصلون إلى جمع معلومات تساعدهم في تحقيق أغراضهم الاقتصادية والسياسية وتساعدهم على نشر عادات معينة تعين على التفسخ الاجتماعي، ويتأكد هذا إذا علمنا بأن العضوية لا تمنح إلا للشخصيات البارزة والمهمة في المجتمع. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ • بدأت أندية الروتاري في أمريكا سنة 1905م وانتقلت بعدها إلى بريطانيا وإلى عدد من الدول الأوروبية، وفروعها الرئيسية في لندن وزيورخ وباريس وترتبط رئاسة كل منطقة روتارية على مستوى العالم ارتباطًا مباشرًا بالمركز العام في إيفانستون عن طريق ممثلها العالمي في الأفرع الرئيسية وقد غطت أندية الروتاري 157 دولة في العالم. • المنطقة 245 تضم مصر، السودان، لبنان، الأردن، البحرين، قبرص، كما أن لهذه المنظمة أكثر من أربعين فرعاً في إسرائيل، ولها نواد في عدد من الدول العربية كمصر أكثر من 23 نادياً والأردن ناديان وتونس والجزائر وليبيا والمغرب 13 نادي ولبنان 5 أندية، وتعدّ بيروت مركز جمعيات الشرق الأوسط. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الروتاريين يستهدفون القضاء على المعالم الثقافية والدينية المتميزة لإيجاد بيئة واحدة تعمها الأفكار والمبادئ الروتارية التي تستمد مفاهيمها من الحركة الماسونية العالمية، وتتخذ الناقوس والمطرقة شعارًا لها وتتخذ هذه المنظمة أسماء أخرى تعمل في ظلها مثل: لجنة الإنرهويل التي تختص بالسيدات وتضم مصر والأردن منطقة إنرهويل واحدة تحمل رقم 95، ولجنة الروتاراكت ولجنة الانتراكت. وتعتبر هذه النوادي خطرًا داهمًا على الإسلام والمسلمين لتظاهرها بالعمل الإنساني في حين أنها معاول هدم للروح الإسلامية وتعمل في نطاق المخططات اليهودية العالمية. وقد أصدر المؤتمر الإسلامي العالمي للمنظمات الإسلامية الذي انعقد بمكة المكرمة عام 1394هـ/1974م قراره الحادي عشر والخاص بالماسونية وأندية الروتاري وأندية الليونز وحركات التسلح الخلقي وإخوان الحرية بأن: ـ على كل مسلم أن يخرج منها فورًا وعلى الدول الإسلامية أن تمنع نشاطها داخل بلادها وأن تغلق محافلها وأوكارها. ـ عدم توظيف أي شخص ينتسب إليها ومقاطعته كلية. ـ يحرم انتخاب أي مسلم ينتسب إليها لأي عمل إسلامي. ـ فضحها بكتيبات ونشرات تباع بسعر التكلفة. ـ كما أعلن بالمجمع الفقهي في دورته الأولى أن الماسونية وما يتفرع عنها من منظمات أخرى كالليونز والروتاري تتنافى كلية مع قواعد الإسلام وتناقضه مناقضة كلية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ (الماسونية في العراء)، الدكتور الشيخ محمد علي الزغبي. ـ (أسرار الماسونية)، جواد رفعت أتلخان. ـ (الماسونية)، دراسة نقدية باللغة الإنجليزية، مصباح الإسلام فاروقي. ـ (خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية)، عبد الله التل. ـ (جذور البلاء)، عبد الله التل. ـ مقال في (مجلة أنوار الأحد)، عدد 4627 في 23 أيلول / سبتمبر 1973م. ـ مقال في (مجلة الفكر الإسلامي)، (بيروت) العدد الأول ذي الحجة 1393هـ/كانون الثاني 1974م. ـ (جريدة القيس الكويتية)، في 14/ 3/1974م. ـ (ملحق جريدة العلم الليبية)، أغسطس 1969م. ـ (مجلة فلسطين)، أكتوبر 1969م. ـ (حقيقة أندية الروتاري)، من رسائل جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت. ـ (دراسة عن أندية الروتاري الماسونية)، بقلم أبي إسلام أحمد عبد الله. ـ (الطابور الخامس)، بقلم أبي إسلام أحمد عبد الله. ـ (الماسونية في المنطقة (245)) بقلم أبي إسلام أحمد عبد الله. ـ (شرخ في جدار الروتاري) ـ أبو إسلام أحمد عبد الله. ـ (لا يا شيخ الأزهر) ـ (الفتاوى الشرعية في أندية روتاري وليونز الماسونية) ـ أبو إسلام أحمد عبد الله. ـ (الماسونية العالمية في ميزان الإسلام)، د. عبد الله سمك. ـ (مجلات الروتاري (المنطقة 245)) و (نشرات الأندية في مصر والسودان) وغيرهما. ـ (اليهود). د. أحمد شلبي. ـ (صحيفة الأهرام) 6/ 2/1980م، 27/ 4/1980م. ـ (مجلة الجيل) 10/ 6/1963م. ـ (قوانين الروتاري الدولية ولوائحه الداخلية والإقليمية والمحلية). ـ (القانون الأساسي للماسونية). ـ (الدستور الماسوني). ـ (الروتاري في قفص الاتهام)، أبو إسلام أحمد عبد الله. ـ (الموسوعة البريطانية) المجلد 19. ـ (قاموس الأندية الروتارية). ـ (موسوعة المورد)، منير البعلبكي. ـ (حقيقة الروتاري في مصر)، أبو إسلام أحمد عبد الله. ـ (شهادات روتارية)، حسين عمر حماده. ـ (روزاليوسف) عدد 1921م. Rotary and Its Brothers, Charles F. Marden (Princeton University press – 1963). Towards my Neighbour. G.R.H. Nitt. My Road To rotoary, Ranl. P. Harris. Rotary Service. Service in life and work. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السابع: الليونز

أولا: التعريف الليونز مجموعة نواد ذات طابع خيري اجتماعي في الظاهر، لكنها لا تعدو أن تكون واحدة من المنظمات العالمية التابعة للماسونية التي تديرها أصابع يهودية بغية إفساد العالم وإحكام السيطرة عليه. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات • في صيف 1915م دعا مؤسس هذه النوادي ملفن جونس إلى فكرة إنشاء نواد تضم رجال الأعمال من مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وكان أول نادٍ تأسس من هذا النوع في مدينة سانت أنطونيو ـ تكساس. • في مايو 1917م ظهرت المنظمة العالمية لنوادي الليونز إلى الوجود وقد عقدت اجتماعها الأول في شيكاغو حيث أقدم نوادي الروتاري هناك. • يعتقد بعض الدارسين أن هذا النادي تابع لنوادي بناي برث أي (أبناء العهد) الذي تأسس في 13/ 10/1834م في مدينة نيويورك. • بصورة عامة فإن هذه النوادي جميعًا تتبع بشكل أو بآخر منظمة البنائين الأحرار (الماسون). • لقد أنشئ نادي الليونز ليكون بديلاً عن النوادي السابقة في حالات انكشافها أو اضطهادها لما يتمتع به من مظهر اجتماعي إصلاحي خيري. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات • إن اسمهم (الليونز) أي (الأسود) إنما يرمز إلى القوة والجرأة وحروف الكلمة بالإنجليزية ( Lions) كل منها يرمز لمعنى عندهم. • تنهى كسائر النوادي الماسونية عن المجادلة في الأمور السياسية والعقائدية الدينية. • تتظاهر بالعمل في الميادين التالية: ـ الدعوة إلى الإخاء والحرية والمساواة. ـ الخدمات العلمية والثقافية. ـ تشجيع تبادل الزيارات والرحلات واللقاءات. ـ نشر معاني الخير والتعاون بين الشعوب. ـ تنمية روح الصداقة بين الأفراد بعيدًا عن الروابط العقدية. ـ الاهتمام بالرفاهية الاجتماعية. ـ العمل على نشر المعرفة بكل الوسائل الممكنة. ـ مساعدة المكفوفين والخدمات الاجتماعية الأخرى. ـ تخفيف متاعب الحياة اليومية عن المواطنين. ـ تقديم الخدمات إلى البيئة المحلية. ـ إقامة المسابقات الترفيهية وتشجيع اللقاءات وتبادل الزيارات والرحلات. ـ دعم المشروعات الخيرية. ـ دعم مشروعات الأمم المتحدة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: العضوية

رابعا: العضوية ـ شروط العضوية في هذه النوادي لا تختلف كثيرًا عن شروط العضوية في نوادي الماسونية والروتاري. ـ لكنها تمتاز عن النوادي الماسونية بأنه يجوز لديهم بأن يمثل المهنة الواحدة أكثر من عضوين. ـ لا يستطيع أي شخص أن يقدم طلب انتساب إليها، إنما هم الذين يرشحونه ويعرضون عليه ذلك إذا رأوا مصلحة لهم فيه. ـ يشترط أن يكون العضو من رجال الأعمال الناجحين. ـ يشترط أن يكون مكان عمل العضو في ذات المنطقة التي فيها النادي. ـ يفرض على كل عضو أن يحقق نسبة حضور في الاجتماعات الأسبوعية لا تقل عن 60% سنوياً. ـ يمنعون منعاً باتاً دخول العقائديين وذوي الغيرة الوطنية الشديدة. ـ يجتذبون الشباب والشابات بغية المحافظة على أدنى مستوى ممكن من الأعمار الشابة للمحافظة على حيوية النادي الدائمة فضلاً عن سهولة التأثير. ـ يجتذبون السيدات من زوجات كبار المسؤولين كما يسند إليهن مهمة الاتصال بالشخصيات الكبيرة، ولهن نوادٍ بهنَّ تسمى نوادي سيدات الليونز. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الهيكل التنظيمي

خامسا: الهيكل التنظيمي • تتشابه أندية الليونز مع أندية الروتاري في وضع نظام شبه جغرافي يقسم العالم إلى عدد من التكتلات حسب كثافة انتشار الأندية ولكل تكتل رقم خاص ويتكون التكتل الواحد من دولة أو عدد من الدول ويسمى بالمنطقة أو المحافظة رقم ـ وترتبط رئاسة كل منطقة من المناطق على مستوى العالم مباشرة بالمركز العام وتقع مجموعة الدول العربية في المنطقة 352. • يتكون كل نادٍ من: ـ رئيس. ـ نائب رئيس أو أكثر. ـ سكرتير ـ وأمين صندوق. ـ مجلس إدارة مؤلف من (12) عضواً على أن يكون بينهم شخص أو اثنان من رؤساء النادي السابقين بهدف إحكام القبضة على المجلس كي لا ينحرف في أي مسار لا يريدونه لناديهم. ـ لجان متنوعة تشكل من قبل المجلس لتشمل الأنظمة المختلفة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: خطورة هذه النوادي

سادسا: خطورة هذه النوادي · نشاطاتها الخيرية الظاهرية مصيدة تخفي وراءها أهدافها الحقيقية. · يتسمون بالتخطيط الدقيق، ويعملون على أساس من السرية في جمع المعلومات. · يتعرفون على أسرار المهن من خلال لقاءاتهم مما يعطيهم قدرة على التحكم في السوق المحلية كما يعينهم على التدخل في الشؤون الاقتصادية للبلد. · يجمعون المعلومات المتعلقة بالشؤون السياسية والدينية للبلد الذي يعملون فوق أرضه ويرسلونها إلى مركز المنظمة العالمي التي تقوم بتحليلها ووضع الخطط اللازمة والمناسبة حيالها. · إنهم يُقَسِّمون المنطقة التي يعملون فيها، ومن ثم يجب أن يغطى كل قسم بنشاطه القطاع المتعلق به. · هناك غموض شديد يكتنف أسرارهم ومواردهم ووسائلهم. · تضرب مجالس إدارات مناطق الليونز إجراءات أمن مشددة حولها. · يرددون دائماً شعار (الدين لله والوطن للجميع). · الإسلام لديهم يقف على قدم المساواة مع الديانات الأخرى سماوية كانت أم بشرية هذا من حيث الظاهر، أما الحقيقة فإنهم يكيدون له أكثر مما يكيدون لسواه. · يركزون في دعواتهم ومحاضراتهم على إبراز مكانة معينة لإسرائيل وشعبها، كما يقومون بزراعة أفكار صهيونية في عقول أعضائها. · لقد عقدوا دورة في نوادي ليونز مصر الجديدة بالقاهرة للحديث عن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. · إنهم يقيمون حفلات مختلطة ماجنة راقصة تحت شعار (الحفلات الخيرية). · لقد أصدر المجمع الفقهي في دورته الأولى المنعقدة في مكة المكرمة بتاريخ 10 رمضان 1398هـ قراراً بَيَّنَ فيه أن مبادئ حركات الماسونية والليونز والروتاري تتناقض كليًّا مع مبادئ وقواعد الإسلام. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

سابعا: الجذور الفكرية والعقائدية إن نوادي الليونز لا تخرج عن الدائرة الماسونية التي تتبع لها، فالجذور إذن واحدة. • إنها تدعو إلى فكرة الرابطة الإنسانية وإزالة العوائق بين البشر. • إنها تستمد جوهرها الحقيقي من الفكر الصهيوني. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثامنا: الانتشار ومواقع النفوذ

ثامنا: الانتشار ومواقع النفوذ • لهذه المنظمة نوادٍ في أمريكا وأوروبا وفي كثير من بلدان العالم. • ادعت نوادي الليونز في أوائل عام 1970م بأن عدد أعضائها يزيد عن (934.000) عضو موزعين في (146) بلداً. • مركزها الرئيسي الحالي هو في أوك بروك بولاية الينوي في الولايات المتحدة الأمريكية. • نوادي الليونز والروتاري نشطت في مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. • إنها تتخذ من الفنادق الضخمة مراكز لها كفندق السلام بمصر الجديدة وفندق هيلتون وشبرد وشيراتون. • إنها ترصد مبالغ ضخمة كجوائز تقدم خلال حفلات تنمية الصداقة وحفلات الاهتمام ببعض المشروعات مما يضع إشارة استفهام حول طبيعة الموارد المالية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الليونز لافتة جديدة للماسونية لجأ اليهود إليها عندما أغلقت المحافل الماسونية. والحقيقة أن ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ومع الأسف فإنها تباشر نشاطها في كثير من البلاد الإسلامية مثل: مصر والأردن وسوريا ولبنان والبحرين والمغرب وتونس والعراق، وهم يعرضون أحياناً بعض ما يسمونه نشاطاً اجتماعيًّا ويدَّعون أنهم يريدون به للمجتمع أن ينمو وفق نظام هندسي دقيق تذوب فيه النعرات القومية والعصبيات الجنسية والاختلافات الدينية، والحقيقة التي يجب ألا تخفى على مسلم هي أنهم جماعة مشبوهة، ويكتنفها الريب والشكوك، ويكفي أنها مدعومة من جهات خارجية غير معلومة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ (شهادات ماسونية)، حسين عمر حماده ـ دار قتيبة بدمشق ـ ط 1 ـ 1400هـ/1980م. ـ (حقيقة نوادي الروتاري)، جمعية الإصلاح الاجتماعي ـ ط 2 ـ 1394هـ/1974م. ـ (الماسونية في العراء)، الشيخ محمد علي الزغبي. ـ (أسرار الماسونية)، جواد رفعت أتلخان. ـ (خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية)، عبد الله التل. ـ (جذور البلاء)، عبد الله التل. (الماسونية)، محمد صفوت السقا وسعدي أوجيب ـ إصدار رابطة العالم الإسلامي ـ مكة المكرمة ـ طـ 2 ـ 1402هـ. ـ (الماسونية والصهيونية والشيوعية)، د. صابر عبد الرحمن طعيمه ـ دار الفكر العربي بالقاهرة ـ طـ 1 ـ 1978م. ـ (المثلث 352) ـ (أندية ليونز الماسونية في مصر) ـ أبو إسلام أحمد عبد الله ـ بيت الحكمة ـ القاهرة. ـ (مجلة الجندي المسلم)، السنة الحادية عشر ـ العدد 34 ـ ذو الحجة 1404هـ/1984م. ـ (جريدة الأخبار القاهرية)، بتاريخ 27/ 1/1984م. ـ (لائحة النظام الأساسي للجمعية العالمية لأندية الليونز). ـ انظر (الموسوعة البريطانية)، طبعة 1974م، مجلد 4 ـ صفحة 302 ـ في الحديث عن الماسونية (البناؤون الأحرار). المراجع الأجنبية: Encyclopaedia Britannica, Nol, V.p. 385, 1974. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثامن: حيروت (الحرية)

أولا: التعريف حيروت حزب سياسي صهيوني أسسه مناحم بيجين في فلسطين المحتلة بعد قيام الدولة اليهودية المسماة إسرائيل عام 1948م، ويعد حزب حيروت وريث منظمة الأراجوان الإرهابية قبل عام 1948م. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات • بعد عام 1948م: انصهرت منظمة الأراجون زفائي لؤمي في جيش الدفاع الإسرائيلي (تسهال)، وأما من رفضوا الارتباط بالجيش الإسرائيلي فقد شكلوا حزبا سياسياً سموه حزب حيروت أو الحرية الذي يحمل لواء الإرهاب، وكان على رأس الحزب مناحم بيجين .. • وفي سنة 1965م تحالف حزب حيروت مع حزب الأحرار وكونوا معاً تشكيلاً حزبيًّا تحت اسم جحل وهو الاختصار العبري لأسماء أحزاب (جوش حيروت ليبراليم) أو (كتلة حيروت والأحرار). واتبعت خطاً فكريًّا وعقديًّا لا يخرج في قليل أو كثير عن خط حيروت العقدي. • وفي نهاية سنة 1973م كووت جحل وعدة أحزاب يمينية هي: المركز الحر (ورئيسه شامير رئيس الوزراء السابق) والقائمة الرسمية وحركة أرض إسرائيل الكاملة، تكتلاً عرف باسم الليكود لمواجهة حزب العمل الحاكم، وظهرت في هذه التكتلات شخصيات إرهابية منها أرييل شارون وعزرا وايزمان والدكتور بنيامين هيلفي. ـ أعلنت (الليكود) برنامجها أمام الكنيست، وهو يبرز نفس السياسة الإرهابية، ويغضُّ بمفاهيم العنف والتأكيد على حقوق الاستيطان حتى في الأراضي المحتلة. وأهم الشخصيات في هذا التكتل: • مناحم بيجين: ولد سنة 1913م في بولندة، والتقى بالزعيم الصهيوني جابوتنسكي سنة 1938م الذي عينه ممثلاً للحركة الصهيونية ودخل بيجين فلسطين سنة 1942م والتحق بالمنظمة الإرهابية الأراجون حيث تولى قيادتها في نفس العام. وأسس حزب حيروت سنة 1948م بعد حل منظمة الأراجون. وفي سنة 1973م قاد تكتل الليكود، وتولى رئاسة الحكومة اليهودية في فلسطين المحتلة سنة 1977م. وفي سنة 1977م، وقع اتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس المصري أنور السادات. ـ يعد مناحم بيجين من أشد الإرهابيين المتبعين سياسة جابوتنسكي ويلخص سياسته بقوله: "أنا أحارب فأنا موجود". "القوة هي لغة التفاهم مع العرب". • عزرا وايزمان ولد في تل أبيب سنة 1924م، عمل في سلاح الجو البريطاني .. واشترك في حرب فلسطين سنة 1948م، وعين قائداً لسلاح الطيران الإسرائيلي من سنة 1958م إلى 1966م واشترك في حرب سنة 1967م ثم عين وزيراً للمواصلات، ثم وزيراً للدفاع سنة 1975م. • يوحنا بيدر: من منظمة الأرجوان الإرهابية وهو محرك الحزب وواضع نظرياته الفلسفية الإرهابية، ورئيس تحرير جريدة حيروت. • يعقوب ميريدور مدير عمليات الأرجوان السابق. • يوحنا بارو ـ ناحوم يثعن .. والجميع تجمعهم صفة الإرهاب والتطرف. • أرييل شارون: ولد في فلسطين سنة 1928م وانضم إلى المنظمة الإرهابية الهاجاناه في سنة 1944م واشترك في حرب 1948م واشترك في حرب 1956م بين إنكلترا وفرنسا وإسرائيل من جهة، ومصر من جهة أخرى .. واشترك في حرب 1967م وأحيل إلى التقاعد بعد الحرب مباشرة واستعد للحرب في سنة 1973م وقام بعملية الثغرة (الدفرسوار) في الضفة الغربية لقناة السويس. والتحق بتكتل الليكود الذي يعد حزب حيروت أكبر حزب فيه .. وأصبح من أبرز الزعماء اليهود .. فضلاً عن أنه قائد القوات اليهودية التي اجتاحت لبنان، وهو المخطط لمذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات • أهم المبادئ الرئيسية ـ في التعريف بالحزب ـ منذ تأسيسه كحزب مستقل، وحتى انضمامه إلى تكتل (الليكود) الذي ضم عدة أحزاب، كلها ذات مبادئ واحدة، أبرزها: ـ المطالبة بحدود إسرائيل الكبرى، وعدم التخلي عن أي أرض احتلت عام 1967م وأن للشعب اليهودي حق تاريخي وغير قابل للتنازل عنه في أرض إسرائيل .. أرض الأجداد. ـ مباركة الأعمال العدوانية ضد الدول العربية .. والحرب هي الوسيلة الوحيدة التي يفهمها العرب. ـ العمل على تشجيع الاستيطان الديني والريفي في فلسطين، واعتبار أن تشجيع الهجرة يقع على رأس مهام الدولة، بما يستلزمه ذلك من ضرورة تخصيص الأموال اللازمة للاستيطان. ـ إدراك وحدة المصير والنضال المشترك من أجل وجود الشعب اليهودي في أرض فلسطين والدياسبورا (أرض الشتات). ـ التجنيد الإجباري واجب على كل مواطن، ولذا يلزم إعداد الجنود إعداداً فنيًّا حديثاً مع الاهتمام بالقوات الاحتياطية. ـ التعاون مع المعسكر الغربي والدخول في أحلاف عسكرية معه وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. ـ يعد الحزب فرعاً لاتحاد الصهيونيين وأفرعها المنتشرة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا. ـ التضييق على الأقلية العربية في الدولة والعمل على تصفية معسكرات اللاجئين. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية • إن ادعاء الصهيونية بالحق التاريخي لليهود في فلسطين، وأنها أرض الميعاد وأن اليهودي فوق الجميع، وأن اليهود شعب الله المختار. وكذلك أسلوب الإرهاب والعنف والقتل الجماعي الذي اتبعه اليهود في فلسطين المحتلة قبل عام 1948م وبعده .. إن ذلك كله يرجع أولاً وقبل كل شيء إلى التعاليم التلمودية اليهودية التي يعدونها مقدمة على التوراة نفسها. ـ فالعنصرية اليهودية الغالبة نجدها في قول التلمود: "إن اليهود أحب إلى الله من الملائكة" و "إن اليهود وحدهم هم البشر أما الشعوب الأخرى فليست سوى أنواع مختلفة من الحيوانات". ـ وسياسة العنف والقتل لدى الصهاينة الجدد .. نجد سندها في قول التلمود: "ليس من العدل استعمال الرحمة مع الأعداء" و" ممنوع العطف على الإنسان الأبله" و "من الواجب على اليهودي أن يبذل كنانة جهده في استئصال شأفة النصارى والمسلمين عن وجه الأرض .. ". ـ وقد وعى مفكرو اليهود دروس التلمود، ونظَّروه في مبادئ وأفكار، حتى أصبحت هذه المبادئ فلسفة خاصة بهم، ومن هذا المنطلق نجد أن جذور الفكر الإرهابي لحزب حيروت ولأحزاب إسرائيل الأخرى تمتد إلى المفكر اليهودي زئيف جابوتنسكي 1880 ـ 1940م الذي ولد في روسيا وزار فلسطين سنة 1908م وأسس منظمة الهاجاناه الإرهابية ووضع للمنظمات اليهودية المبادئ التي يجب السير عليها لتحقيق حلمهم في أرض فلسطين ومن هذه المبادئ: 1 ـ العنف هو الطريق الوحيد لإقامة دولة إسرائيل واستمرارها. 2 ـ إن عصر الحريات والإنسانيات الذي يعترف بحقوق الآخرين قد ولَّى وحل مكانه عالم جديد يرفض النزعة الإنسانية ولا يلتفت إطلاقاً لحقوق الآخرين، ويستند على الأنانية القومية لتأكيد وجوده الذي لا ينتعش في ظل العقل والأخلاق بل في ظل الحيوية الجسدية. 3 ـ عدم التقرُّب إلى العرب أو الثقافة العربية (عارض جابوتنسكي أي محاولة من قبل اليهود للتقرب إلى الثقافة العربية سنة 1924م، وعندما قالوا له إن العرب أبناء عم لنا فهم من نسل إسماعيل، رد قائلاً: إن إسماعيل ليس بعمنا، فنحن ـ وهذا بفضل الله!! ـ ننتمي إلى أوروبا، وعلى مدى ألفي عام ساعدنا في خلق ثقافة الغرب). 4 ـ الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، وثقافته فوق كل الثقافات. هذه هي المبادئ التي وضعها الإرهابي الأول جابوتنسكي. وأخذت هذه المبادئ سبيلها إلى التطبيق العملي على مستوى منظمات الدفاع اليهودية الرسمية قبل وبعد إنشاء إسرائيل، ويعدُّ مناحم بيجين التلميذ الأول الذي استوعب أفكار وآراء أستاذه جابوتنسكي وترسخت في مفهومه ومفهوم كل المنظمات الإرهابية، الأراجون والهاجاناه وغيرها. ـ إن الاتجاهات الصهيونية بمختلف انتماءاتها تسير على نهج جابوتنسكي وتشعر بشعوره المفعم بالكراهية للعرب والمسلمين، مهما حاولت الصهيونية الحالية أن تصفه بأنه لا يمثل إلا نفسه ولكن الواقع يثبت غير ذلك. ـ وهناك من مفكري الحركة الصهيونية من تأثر بفلسفة نيتشه الفيلسوف الألماني عن الإنسان الأعلى (السوبر مان)، وأن القوة هي الأساس في الكون، ومنهم جوزيف بيرويشفكي (1865 ـ 1921م) الذي يرى أن التوتر، والثورة العنيفة هي الطريق الوحيد لقيام إسرائيل. ـ ومن هذا الفكر أصَّل بن جوريون ـ أول رئيس لدويلة اليهود ـ السياسة اليهودية تجاه المسلمين والعرب في كتابه إسرائيل: سنوات التحدي إذ يقول: "إن هذه الدولة المسماة بإسرائيل لا يمكنها أن تعيش إلا بالقوة والسلاح" "القوة هي لغة التفاهم مع العرب". ـ وكذلك مناحيم بيجين في كتابه التمرد فقد أعطى الأبعاد الكاملة لفلسفة التمرد والإرهاب قائلاً: "أنا أحارب فأنا موجود". "إذا لم نحارب فإننا سوف نفنى، والحرب هي الطريق الوحيد للخلاص". ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن حيروت حزب سياسي صهيوني أسسه مناحم بيجين في فلسطين المحتلة بعد قيام إسرائيل عام 1948م، وهو يطالب بحدود إسرائيل الكبرى، مع عدم التخلي عن أي أرض احتلت عام 1967م، ويبارك الأعمال العدوانية ضد الدولة العربية ويعتبر الحرب هو الوسيلة الوحيدة التي يفهمها العرب ويشجع الاستيطان الديني والريفي في فلسطين، والتضييق على الأقلية العربية، وجعل إسرائيل تدور دائمًا في فلك المعسكر الغربي، حتى تتحقق الأهداف الإسرائيلية من حيث تكريس العنف ووأد حقوق الإنسان العربي والحيلولة دون شيوع الثقافة العربية في إسرائيل. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ الصهيونية وسياسة العنف، محمود سعيد عبد الظاهر، الهيئة العامة المصرية للكتاب ـ القاهرة 1979م. ـ العنف والسلام، دراسة في الاستراتيجية الصهيونية ـ إبراهيم العابد ـ منظمة التحرير ـ مركز الأبحاث ـ بيروت 1967م. ـ نظرة في أحزاب إسرائيل، أسعد رزوق منظمة التحرير ـ مركز الأبحاث ـ بيروت 1966م. ـ إسرائيل الكبرى، دراسة في الفكر الصهيوني التوسعي. ـ الجذور الإرهابية لحزب حيروت الإسرائيلي، بسام أبو غزالة منظمة التحرير ـ مركز الأبحاث ـ بيروت 1966م. ـ المطامع الصهيونية التوسعية، عبد الوهاب كيالي ـ منظمة التحرير مركز الأبحاث ـ بيروت 1966م. ـ التمرد، قصة الأراجوان، مناحم بيجين ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب 1978م القاهرة. ـ إني أتهم، روجيه ديلورم ـ دار الجرمق للطباعة والنشر ـ بيروت 1980م. ـ همجية التعاليم الصهيونية، بولس حنا مسعد، المكتب الإسلامي ـ بيروت. ـ حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، د. محمد شتا أبو سعد، بحث مقدم لمؤتمر حقوق الشعوب العالمي، الذي نظمته جامعة الزقازيق 1984م بالقاهرة ص 1 ـ 6. Lenczowski, G: The middle East in the World Affairs. New York 1956. Glubb, J.B.: Soldier with the Arabs, London 1948. Herzle, Theodor: the Jewish State. New York 1972. Menuhin Mashe: the Decadance of Judaism in our Time. Begin, Menachem: the Revolt. Story of the Irgunn, New York 1951. Herzle, Theodor: the Complete Diaries Vol.4. 1616. Ben Gurion, David: Rebith and Destiny of Israel. New York 1964. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب التاسع: الأنتراكت

أولا: التعريف هي نوادي اجتماعية وثقافية مرتبطة بمنظمة الروتاري الدولية، التي تسيطر عليها اليهودية العالمية والمنظمات الماسونية، وتضم هذه النوادي طلبة المدارس الإعدادية والثانوية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات • بتوجيه من مؤتمر الروتاري الدولي عام 1961م/ 1962م، أنشئت أندية الأنتراكت من طلبة المدارس الإعدادية والثانوية، وتسمى: بأندية الطلائع .. وتتراوح أعمار الأطفال بين 14 و 18 سنة. وقد دلت إحصائية خاصة عن أندية الأنتراكت عن العام 1983م/ 1984م بأنه تم إنشاء 121 ناديًّا للأنتراكت بلغ عدد أعضائها من تلاميذ المدارس 95150 عضواً. ويشرف على هذا العدد من أندية الأنتراكت: 3459 ناديًّا للروتاري في 79 دولة من مجموع الدول الروتارية. • وفي سنة 1986م صدرت عن المركز الرئيسي للروتاري بالولايات المتحدة الأمريكية نشرة خاصة بعنوان: هذا الروتاري جاء فيها عن الأنتراكت والروتراكت أنه أصبح لها أكثر من عشرة آلاف ناديًّا في مائة دولة. • وقد أنشئت نوادي الأنتراكت في بعض البلاد العربية منها: مصر .. ولقد نشرت مجلة: أكتوبر .. في تاريخ 16/ 11/1980م الحفل السنوي لنادي الأنتراكت، الذي أقيم في نادي سبورتنج بالإسكندرية، وأحيت الحفلة فرقة البتي شاه الغنائية الراقصة. ولا توجد تحت أيدينا إحصائيات عن نوادي الأنتراكت في البلاد العربية والإسلامية الأخرى. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات • إن تخصيص هذه النوادي لرعاية الأطفال من 14 ـ 18 سنة يكشف المخطط الخطير الذي تسعى إليه منظمة الروتاري العالمية، للتأثير على الأطفال وصياغة تفكيرهم وسلوكهم وفق أهدافها الخبيثة، بعد أن تمت السيطرة على الكبار من الرجال والنساء. • ترفع هذه النوادي شعارات خادعة تلبس ثوباً براقاً مثل التربية الحديثة، والرياضة، والثقافة. وقضاء أوقات الفراغ .. وإعداد الطفل للمجتمع .. الخ. وتخفي الهدف الحقيقي وهو إخضاع وتلقين الصغار مفاهيم روتارية لاستخدامهم في المستقبل في تنفيذ المآرب الصهيونية الخبيثة. • تنشأ هذه النوادي في حدود منطقة الروتاري، حيث توجد نوادي الكبار، كي يسهل السيطرة عليها ضمن خطط الروتاري للرجال، والأنرهويل للنساء. • تنشأ هذه النوادي ـ على الأرجح ـ في المعاهد الخاصة التي تديرها الأقليات النصرانية واليهودية في البلاد العربية والإسلامية. • تقيم هذه النوادي حفلات غنائية ومسرحية خاصة بالصغار لما لهذه الوسائل من تأثير قوي فعال في الصغار. • من أنشطة هذه النوادي إقامة الرحلات والمخيمات الخلوية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية • باعتبار أن الأنتراكت تأسست من قبل نادي الروتاري، فإن غرضها هو غرض نادي الروتاري العالمي. ذي الخلفية اليهودية الماسونية. وإن جميع الأنشطة التي تقوم بها هذه الأندية تخدم في النهاية اليهودية العالمية، باسم الإنسانية، والثقافة، والإخاء بين الشعوب. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ • تأسست هذه النوادي في الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه من مؤتمر الروتاري الدولي سنة 1961م وانتشرت في أوروبا، وصار لها فروع في معظم أنحاء العالم، ولها فرع في إسرائيل وفي بعض الدول العربية مثل مصر والأردن ولبنان ودول المغرب العربي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الأنتراكت كأندية مشبوهة مرتبطة بمنظمة الروتاري الدولية التي تسيطر عليها اليهودية العالمية والمنظمات الماسونية، لها غايات وأهداف خفية وتعمد إلى تثبيت انتماءات الشباب الغض للأفكار الماسونية عن طريق المنح الدراسية وتبادل الشبيبة، وقد أفتى المجمع الفقهي في دورته الأولى بمكة المكرمة في 10 شعبان سنة 1398هـ بتحريم الانتساب إلى هذه الأندية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ الروتاري في قفص الاتهام، أبو إسلام أحمد عبد الله ـ دار الاعتصام ـ القاهرة ط 1987م. ـ شرخ في جدار الروتاري، أبو إسلام أحمد عبد الله ـ دار الاعتصام ـ القاهرة 1408هـ/1988م. ـ شهادات روتارية، حسين عمر حمادة ـ دار قتيبة 1402هـ/1982م. ـ مجلة أكتوبر، القاهرة ـ 16/ 12/1980م. ـ مجلة الجندي المسلم، الرياض ـ العدد 55 ربيع الأول 1410هـ / أكتوبر 1989م. ـ حقيقة أندية الروتاري، من رسائل جمعية الإصلاح الاجتماعي ـ الكويت. - Rotary and its Brothers, Charles. F. Marden. 1963 1. - My Road Rotary, RarI.p. Harris. - Rotary Service ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب العاشر: الروتراكت (شباب الروتاري)

أولا: التعريف هي أندية اجتماعية ثقافية ترويحية، مرتبطة بمنظمة الروتاري الدولية التي تسيطر عليه اليهودية العالمية والمنظمات الماسونية. وتضم هذه النوادي طلبة الجامعات وخريجيها ممن لا يقل عمرهم عن 18 سنة، ولا يزيد عن 28 سنة من الذكور أو الإناث أو من الجنسين حسب ما يقرره النادي الراعي. ونادي شباب الروتاري منظمة يرعاها نادي الروتاري وتهدف ـ كما يزعمون ـ إلى تشجيع التمسك بالمستويات الخلقية العليا في جميع الأعمال وتنمية القيادة والشعور بالمسؤولية عن طريق خدمة المجتمع وتعزيز التفاهم الدولي والسلام. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس

ثانيا: التأسيس • في عام 1917م بدأ الروتاري يعني بشؤون الشباب فأنشأ صندوقاً خاصاً لذلك الغرض، وأصبح هذا الصندوق فيما بعد نواة لهذه المؤسسة. • أوصى مؤتمر الروتاري الدولي عام 1967م/ 1968م بإنشاء أندية للشباب من طلبة الجامعات وخريجيها، ويسمح لأندية الروتاري بإنشاء أندية الروتراكت في حدود منطقتها لإتاحة الفرصة أمام الشباب للدراسة في بلد غير بلده. • وقد دلت إحصائية خاصة عن أندية الروتراكت عن العام الروتاري 1983م/ 1984م على أنه تم إنشاء 134 نادياً في شتى أنحاء العالم هذا العام وحده، وقد وصل عدد الأندية في العالم 4305 نادياً تتبع 4011 نادياً من أندية الروتاري المنتشرة في 90 دولة من دول الروتاري، ووصل عدد أعضاء الروتراكت إلى 86000 ستة وثمانين ألف عضوٍ. • أنشئت نوادي الروتراكت في بعض البلاد العربية والإسلامية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات • من الأهداف المعلنة لنوادي الروتراكت إتاحة الفرصة للشباب للدراسة في بلد غير بلده، أي إعطاء منح دراسية على هيئة بعثات من المنطقة الروتارية 245 التي تضم جمهورية مصر العربية والسودان ولبنان ودولة البحرين والأردن وقبرص. وهذه المنح خاصة بأبناء أعضاء الروتاري، وتخضع لتنظيم الروتاري العالمي .. وللخداع .. يشترط في الشباب المتقدم للحصول على المنحة أن يكون متمسكاً بدينه الإسلامي! وأن يكون متسامحاً! • ومن نشاط هذه النوادي مشروع تبادل الشباب المريب، الذي يتم فيه اختلاط الشباب من الجنسين .. ومن شروط المشروع: ـ تفضيل من كان عضواً في أحد أندية شباب الروتاريين أو أن يكون والده روتارياً. ـ السفر في الإجازة الصيفية، ومدة الإقامة ثلاثة أسابيع ويتكفل الطالب بمصاريف سفره في الذهاب والعودة، ومصاريف الإقامة يتحملها النادي المضيف. ـ أن يتراوح سن الطالب أو الطالبة بين 18 سنة و22 سنة. ـ أن يكون حاصلاً على الشهادة الثانوية على الأقل وأن يكون ملماً بلغة البلد المسافر إليه. ـ يشترط أن يكون ولي الأمر مستعداً لاستضافة طالب أو طالبة في منزله لمدة مماثلة للمدة التي يقضيها ابنه أو ابنته في الخارج. • ومن تطبيقات هذا المشروع: سفر وفد صهيوني من الكيان اليهودي في فلسطين المحتلة يوم 24/ 1/1981م برئاسة دافيد روزلين مدير العلاقات التربوية والعلمية في وزارة خارجية الكيان الصهيوني إلى مصر العربية المسلمة لبلورة تفاصيل تبادل الشباب، وتألفت المجموعة الأولى من 50 طالباً إسرائيلياً لقضاء العطلة الصيفية بين الأسر العربية المسلمة في مصر، واستضاف الكيان الصهيوني مجموعة مماثلة من الشباب المسلم لقضاء الإجازة الصيفية بين الأسر اليهودية وقد تم الاتفاق على ذلك سابقاً أثناء محادثات إسحاق نافون في أواخر عام 1980م بهدف تطبيع العلاقات! • ومن الأهداف المعلنة أيضاً: خلق روح القيادة الاجتماعية في الشباب والشعور بالمسؤولية لدى المواطنين وغرس المثل العليا للأخلاقيات، وبحث مشاكل المجتمع الصحية والتعليمية .. ويظهر أن هذه الأهداف المخادعة تعلن للسذَّج من أفراد المجتمع .. أو للحصول على الترخيص من الدولة. • أما الهدف الحقيقي لهذه النوادي فهو إفساد الجيل المسلم أخلاقياً، وإبعاده عن قيم دينه وتعاليمه .. وتستخدم في ذلك الحفلات الموسيقية الراقصة (التي تسميها الخيرية) والسهر إلى ما بعد منتصف الليل مع الاختلاط بكل أشكاله، وشرب الخمر المسموح به في هذه الحفلات وقضاء الإجازات مع عائلات لا تتقيد بالأخلاق الإسلامية .. والاتصالات الفاجرة بين الجنسين أثناء الرحلات والأسفار الترويحية أو الدراسية. ومن هذه الحفلات الفاسدة، ما أقامه شباب نادي روتراكت بالإسكندرية في نادي سبورتنج وحضره مجموعة من الضيوف البريطانيين من أصدقاء وشباب الروتراكت وعدد كبير من سيدات ورجال المجتمع المسلم! وأحيا الحفل الفنان عمر خورشيد وفرقة الجاز، ورقص على أنغامها الشباب والزهرات واستمر الحفل إلى ما بعد منتصف الليل .. وقد نشرت إحدى المجلات صوراً خليعة لعضوات النادي بأوضاع غير أخلاقية وشبه عارية .. ! ـ إلهاء الشباب في أنشطة سياحية وترفيهية منحرفة تشغلهم عن القضايا المصيرية التي تهم أمتهم، وأهمها قضية فلسطين واحتلال اليهود لها .. ـ إنشاء جيل روتاري يصل إلى درجة المسؤولية في بلده، لتنفيذ المخططات الروتارية الصهيونية الصليبية الخطيرة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية ـ نوادي الروتراكت تتبع نادي الروتاري الدولي .. ذي الخلفية الماسونية اليهودية. ـ وبالتالي فإن جميع أنشطة النادي مخططة من قبل الماسونية العالمية وتخدم اليهودية العالمية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار وأماكن النفوذ

خامسا: الانتشار وأماكن النفوذ تأسست نوادي الروتراكت في الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه من الروتاري الدولي سنة 1961م. وانتشرت بعد ذلك في أوروبا وصار لها فروع في نواح كثيرة من العالم، ولها فرع في فلسطين المحتلة وبعض البلاد العربية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن أندية الروتراكت ترتبط بمنظمة الروتاري الدولية التي تسيطر عليها اليهودية العالمية، كما أن هذه الأندية تعتبر وكراً للماسونية ويسيطر عليها اليهود وهدفهم من ذلك السيطرة على العالم عن طريق القضاء على الأديان وإشاعة الفوضى الأخلاقية وتسخير أبناء البلاد للتجسس على أوطانهم باسم الإنسانية. ولذلك يحرم على المسلمين أن ينتسبوا لأندية هذا شأنها كما نصت عليه الفتوى التي أصدرها الأزهر في 25 شعبان 1405هـ. وتعتبر أندية الانتراكت والروتراكت وجهان لعملة واحدة فعلى الشباب المسلم الحذر من ألاعيب التضليل الصهيوني والانخداع بالشعارات البراقة التي تضع السم في الدسم وتنشر الفساد وخراب الذمم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ الروتاري في قفص الاتهام، أحمد عبد الله ـ دار الاعتصام ـ القاهرة ط 1987م. ـ شرخ في جدار الروتاري، أحمد عبد الله ـ دار الاعتصام ـ القاهرة 1408هـ/ 1988م. ـ شهادات روتارية، حسين عمر حمادة ـ دمشق ـ دار قتيبة 1402هـ/1982م. ـ مجلة أكتوبر، القاهرة ـ في 16/ 12/1980م. ـ مجلة الجندي المسلم، الرياض ـ العدد 55 ربيع الأول 1410هـ أكتوبر 1989م. ـ حقيقة أندية الروتاري، من رسائل جمعية الإصلاح الاجتماعي ـ الكويت. مراجع أجنبية: - Rotary and its Brothers, Charles. F. Marden. 1963 1. - My Road to Rotary, Ranl. P. Harris. - Rotary Service. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الحادي عشر: العلمانية

أولا: حقيقة التسمية يجب البدء أولاً ببيان حقيقة التسمية، وبيان صحة نسبتها إلى العلم، فهل هي كذلك؟ لقد انخدع الناس بتسمية العلمانية بهذا الاسم، ولا يزال أنصارها يتبجحَّون بها ويتطاولون بتعاليمها مغترين بها حيث وجدت لها سوقا رائجة لدى فئات ممَّن قلَّت معرفتهم أو كانت لهم أهدافاً شريرة ضد الدين لعزله عن قيادة البشر أو التحاكم إليه لإحلال تعاليم عَبدَة الأوثان وأصحاب الأحقاد محله. وحين انطلقت هذه التسمية في أوربا كان يُقصَد بها عندهم حسب ترجمتها الصحيحة فصل الدين عن السياسة، أو الفصل الكامل بينه وبين الحياة الاجتماعية، على أساس أنه لا يجتمع العلم مع الدين بزعمهم، وقد كذبوا في ذلك وقلبوا الحقيقة، فإن الدين والعلم حميمان يكمل أحدهما الآخر ويقويه، أما نسبتهم مذهبهم إلى العلم فإن الحقيقة تدل على أنه لا علاقة بين العلم وبين هذه الفكرة الضالة، بل إن تسميتها علمانية إنما هو بسبب سوء الترجمة من معناها الغربي الذي هو الابتعاد عن الدين، أو من باب الخداع والتضليل إذ كان الأولى أن تكون ترجمتها وتسميتها أيضاً هي "اللادينية" لأن مفهومها الأصلي هو هذا وليس نسبة إلى العلم. وما أقوى التشابه بين تسميتهم العلمانية بهذا الاسم نسبة إلى العلم، وبين تسميتهم الاشتراكية العلمية بهذا الاسم كذلك، كلاهما تمسح بالعلم وهو بريء منهما، وكلاهما خداع للناس وتضليل. وبعض الباحثين ذهب إلى أن "علمانية" بكسر العين وسكون اللام معناها العلم الذي هو ضد الجهل، وأما "علمانية" بفتح العين وسكون اللام فمعناها العالم أو الدنيا في مقابل الآخرة، وتأتي علمانية أيضاً بمعنى دهري وهو تفسير لكلمة "لائيك" الفرنسية وهو تعبير نشره اليهود في فرنسا فيما بين القرنين الثالث عشر والتاسع عشر الميلاديين (¬1). ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 681 ¬

(¬1) (1) انظر ((نشأة العلمانية ودخولها المجتمع الإسلامي))، (ص 23).

ثانيا: التعريف الصريح للعلمانية

ثانيا: التعريف الصريح للعلمانية الواقع أن دارس العلمانية سيلاحظ تعريفات كثيرة، إلا أن أصدق تلك التعريفات وأقربها إلى حقيقة العلمانية هو: أن العلمانية مذهب هدَّام يُراد به فصل الدين عن الحياة كلها وإبعاده عنها. أو هي إقامة الحياة على غير دين إما بإبعاده قهراً ومحاربته علناً كالشيوعية، وإما بالسماح به وبضده من الإلحاد كما هو الحال في الدول الغربية التي تسمي هذا الصنيع حرية وديمقراطية أو تدين شخصي. بينما هو حرب للتدين، ذلك أن حصر الدين في نطاق فردي بعيداً عن حكم المجتمع وإصلاح شؤونه هو مجتمع لا ديني لأنه أقام حياته الاجتماعية والثقافية وسائر معاملاته على إقصاء الدين (¬1)، وهو حال الحضارة الغربية الجديدة ونظامها، وهذا هو الواقع الصحيح، ولا عبرة بمراوغتهم في زعمهم أنهم يرعون التدين، فإنها مجرد خداع للمتدينين، فإن تسميتهم لهذا الإلحاد علماً هو من باب فرحهم بمعرفتهم ظاهراً من الحياة الدنيا، وأين هو من العلم الحقيقي الذي يوصل صاحبه إلى معرفة ربه ودينه وإلى السعادة في الدنيا والآخرة. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 683 ¬

(¬1) انظر ((العلمانية)) – محمد قطب – (ص 5)، وانظر ((العلمانية)) – سفر الحوالي (ص 21).

ثالثا: نشأة العلمانية وموقف دعاتها من الدين وبيان الأدوار التي مرت بها

ثالثا: نشأة العلمانية وموقف دُعاتها من الدين وبيان الأدوار التي مرت بها لقد قامت العلمانية اللادينية على الإلحاد وإنكار وجود الله تعالى وإنكار الأديان، وهي ردة في حق من يعتنقها من المسلمين مهما كان تعليله لها، وكانت العلمانية عند قيامها في مرحلتها الأولى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، تنظر إلى الدين على أنه ينبغي أن يكون أمراً شخصياً لا شأن للدولة به إلا ما يتعلق بجباية الضرائب للكنيسة، ولعل هذا كان خداعا لأهل الدين، ثم اشتدت المواجهة للدين على النحو الذي تطورت إليه بعد ذلك، وكان الخلاف محتدماً ما بين رجال الدين ورجال العلمانية على السلطة، مما جعلهم ينادون بفصل الدين عن الدولة ليستقل كل فريق بسلطته. حتى إذا جاء القرن التاسع عشر، وهي المرحلة الثالثة، إذ بالعلمانيين يتجهون اتجاها منافياً لكل مظاهر الدين والتدين، وأحلوا الجانب المادي محل الدين، وبدأ الصراع يشتد بين العلمانيين اليساريين الناشئين وبين رجال الدين الكنسي المتقهقر، إلى أن أُقصِيَ الدين تماماً، ولم يعد للإيمان بالغيب أي مكانة في النفوس، إذ حل محله الإيمان بالمادي المجرد المحسوس (¬1). ورغم وضوح الإلحاد في المذهب العلماني فقد ظهر من يزعم زوراً وكذباً أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين، وأخذ بعض الجاهلين والمتجاهلين يرددون هذا الفكر المغالط كالاشتراكيين تماماً، على أنه لا ينبغي أن يغيب عن ذهن القارئ أن حرب الغرب للدين وأهله إنما جاءهم من دين مُحرَّف معادٍ لكل مفهوم للحياة الجديدة، لأن النصرانية التي جاء بها المسيح عليه السلام قد اندثرت وحُرفِّت وضاع إنجيله بعد رفعه بفترة قصيرة، فتزعم الديانة بولس اليهودي الحاقد، فجاءت خرافية مصادمة للعقل والمنطق والواقع، ومن هنا وجد أقطاب العلمانية أن الدين – وهو تعميم خاطئ – لا يمكن أن يساير حضارتهم الناشئة، وأن رجال دينهم طغاة الكنيسة لا يمكن أن يتركوهم وشأنهم – وهو ما حدث بالفعل – وعلى إثر ذلك قامت المعركة بين الدين وأقطاب العلمانية، ونشط العلمانيون في بسط نفوذهم، وساعدتهم على ذلك عامة الشعوب الأوربية التي أذاقتها الكنيسة الذل والهوان والالتزام بدين لا يقبله عقل أو منطق، فوجدوا في الالتجاء إلى رجال الفكر العلمانيين خير وسيلة للخروج عن أوضاعهم. وإذا كان القارئ يرى أن للغرب حجتهم في رفض ذلك الدين البولسي الجاهلي، فإنه سيرى حتماً أن انتشار العلمانية في بلاد المسلمين أمر لا مبرر له بأي حال، ولا سبب له إلا قوة الدعاية العلمانية وجهل كثير من المسلمين بدينهم وجهلهم كذلك بما تبيته العلمانية للدين وأهله واتباعا للدعايات البرَّاقة. الأدوار التي مرت بها العلمانية في نشأتها وقد ذكر الدكتور العرماني أن العلمانية قد مرت في تطورها بأدوار هي كما يلي: الدور الأول وقد كان دور الصراع الدموي مع الكنيسة، وسُمي هذا الدور بعصر التنوير أو بداية عصر النهضة الأوربية، ويعود سببه إلى تأثر الأوربيين بالمسلمين أثر اختلاطهم بهم عن طريق طلب العلم في الجامعات الإسلامية، وقد ذاق علماء الغرب في هذا الدور ألوانا من العذاب على أيدي رجال الكنيسة إثر ظهور الاكتشافات العلمية هناك ووقوف رجال الكنيسة ضد تلك الاكتشافات وجهاً لوجه. الدور الثاني ظهور العلمانية الهادئة وتغلب رجالها على المخالفين من رجال الكنيسة، وفيه تم عزل الدين عن الدولة وانحصرت مفاهيم الكنيسة في الطقوس الدينية فقط بعيدة عن الحياة الاجتماعية كلها. الدور الثالث وفيه اكتملت قوة العلمانية ورجالها، وحلَّ الإلحاد المادي محل الدين تماماً (¬2). ثم برزت الرأسمالية وغيرها من الروافد المقوية للإلحاد العلماني، فاكتمل تطويق الدين ورجاله واعتبر الدين عدواً للحضارة، وصار محل سخرية الجميع في رد فعل عارم يريد أن يكتسح كل شيء أمامه مما كان موجودا ليفسح الطريق أمام الوضع الجديد المتمرد على كل الأوضاع التي قبله. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 684 ¬

(¬1) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (92، 93). (¬2) بتصرف عن ((نشأة العلمانية ودخولها المجتمع الإسلامي)) (ص 42).

رابعا: أسباب قيام العلمانية ([76]) انظر ((العلمانية))، للشيخ سفر الحوالي (123 - 143).

رابعا: أسباب قيام العلمانية (¬1) قامت العلمانية أول ما قامت في أوروبا وذلك لأسباب عديدة منها: أولاً: الطغيان الكنسي: فالكنيسة طغت، وتجبرت، وأصبحت تفرض على الناس العقائد الباطلة التي لا تتفق مع نقل ولا عقل، كعقيدة العشاء الرباني، وعقيدة التثليث، وعقيدة الخطيئة الموروثة، والصلب والفداء. كما أنها أصبحت تحرم، وتحلل، حسب ما يتفق وأهواء رجال الدين. وعززت الكنيسة سلطتها الدينية الطاغية بادعاء حقوق لا يملكها إلا الله مثل حق الغفران، وحق الحرمان، وحق التحلة. ولم تتردد الكنيسة في استعمال هذه الحقوق واستغلالها، فحق الغفران أدى إلى المهزلة التاريخية صكوك الغفران السالفة الذكر، وحق الحرمان عقوبة معنوية بالغة كانت شبحاً مخيفاً للأفراد والشعوب في آن واحد؛ فأما الذين تعرضوا له من الأفراد فلا حصر لهم، منهم الملوك أمثال: فردريك، وهنري الرابع الألماني، وهنري الثاني الإنجليزي، ورجال الدين المخالفين مثل: أريوس حتى لوثر، والعلماء والباحثون المخالفون لآراء الكنيسة من برونو إلى آرنست رينان وأضرابه. أما الحرمان الجماعي فقد تعرض له البريطانيون عندما حصل خلاف بين الملك يوحنا ملك الإنجليز، وبين البابا، فحرمه البابا وحرم أمته، فعطلت الكنائس من الصلاة، ومنعت عقود الزواج، وحملت الجثث إلى القبور بلا صلاة، وعاش الناس حالة من الهيجان، والاضطراب، حتى عاد يوحنا صاغراً يقر بخطيئته، ويطلب الغفران من البابا. ولما رأى البابا ذُلَّه، وصدق توبته رفع الحرمان عنه وعن أمته. أما التَّحلَّة؛ فهو حق خاص يبيح للكنيسة أن تخرج عن تعاليم الدين، وتتخلى عن الالتزام بها متى اقتضت المصلحة _ مصلحتها _ ذلك. ولم يقف الأمر عند هذا الحد لاسيما بعد أن اتضح للكنيسة الأثر الإسلامي الظاهر في الآراء المخالفة، فأنشأت ذلك الغول البشع، والشبح المرعب، الذي أطلق عليه اسم (محاكم التفتيش) تلك المحاكم التي عملت على إبادة المسلمين، أو المخالفين لآراء الكنيسة. ولا يكاد المؤرخون الغربيون يتعرضون للحديث عنها إلا ويصيبهم الاضطراب، وتتفجر كلماتهم رعباً، فما بالك بالضحايا الذين أزهقت أرواحهم، والسجناء الذين أذاقتهم ألوان المر والنكال. وكانت المحكمة عبارة عن سجون مظلمة تحت الأرض بها غرف خاصة للتعذيب، وآلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، وكان الزبانية يبدأون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجياً حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم. وكان لدى المحكمة آلات تعذيبية أخرى منها آلة على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة، يلقون الضحية في التابوت، ثم يطبقونه عليه، فيتمزق جسمه إرباً إرباً، وآلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب، ثم تشد، فتقصه قطعة قطعة، وتغرز في أثداء النساء حتى تنقطع كذلك، وصور أخرى تتقزز منها النفوس، وتشمئز لذكرها. كل ما سبق جعل الناس يؤمنون بالمسيحية قسراً دون أن يتجرأ أحد على مناوءتها أو مخالفتها. أضف إلى ما سبق ما حصل من طغيان الكنيسة السياسي، حيث فرضت وصايتها على الملوك، وجعلت معيار صلاحهم معلقاً بما يقدمون للكنيسة من طاعة وانقياد. أضف إلى ذلك الطغيان المالي، ويمكن تلخيص مظاهر الطغيان الكنيسي في هذا المجال بما يلي: 1_ الأملاك الإقطاعية: حيث أصبحت الكنيسة أكبر مُلاَّك الأراضي، وأكبر الإقطاعيين في أوروبا. ¬

(¬1) ([76]) انظر ((العلمانية))، للشيخ سفر الحوالي (123 - 143).

2_ الأوقاف: فلقد كانت الكنيسة تملك المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية باعتبارها أوقافاً للكنيسة، بدعوى أنها تصرف عائداتها على سكان الأديرة، وبناء الكنائس، وتجهيز الحروب الصليبية. إلا أنها أسرفت في تملك الأوقاف حتى وصلت نسبة أراضي الكنيسة في بعض الدول إلى درجة لا تكاد تصدق. 3_ العشور: حيث فرضت الكنيسة على كل أتباعها ضريبة العشور، وبفضلها كانت الكنيسة تضمن حصولها على عشر ما تغله الأراضي الزراعية، والإقطاعيات، وعشر ما يحصل عليه المهنيون وأرباب الحرف غير الفلاحين. 4_ ضريبة السنة الأولى: فالكنيسة لم تقنع بالأوقاف، والعشور، بل فرضت الرسوم، والضرائب الأخرى، لاسيما في الحالات الاستثنائية؛ كالحروب الصليبية، والمواسم المقدسة، وظلت ترهق كاهل رعاياها. فلما تولى البابا حنا الثاني والعشرون جاء ببدعة جديدة هي (ضريبة السنة الأولى). وهي مجموع الدخل السنوي الأول لوظيفة من الوظائف الدينية، والإقطاعية تدفع للكنيسة بصفة إجبارية، وبذلك ضمنت الكنيسة مورداً مالياً جديداً. 5_ الهبات والعطايا: وذلك أن الكنيسة كانت تحظى بالكثير من العطايا والهبات، يقدمها الأثرياء الإقطاعيون؛ تملقاً ورياءاً، أو بدافع من الصدقة والإحسان. 6_ العمل المجاني _السخرة_: وذلك بقيام بعض الناس بالعمل لخدمة الكنيسة بالمجان مدة محددة، هي في الغالب يوم واحد في الأسبوع دون مقابل. ثانياً: الصراع بين الكنيسة والعلم: فلقد قام الصراع بين الكنيسة والحقائق العلمية على أشده، فلقد كانت الكنيسة هي المصدر الوحيد للمعرفة، فلما ظهرت بعض الحقائق العلمية التي تخالف ما تقرره الكنيسة كنظرية كوبرنيق (1543م) الفلكية، ومن بعده (جردانو برونو) وغيرها من النظريات _ حصل الصراع بين الكنيسة وبين العلم، ومن هنا اصطدمت حقائق العلم بزيوف الكنيسة؛ فقامت الكنيسة بالقبض عليهم، وتكذيبهم، ومحاربة أفكارهم. ومن ثم نشأت الفكرة القائلة: إن العلم لا صلة له بالدين، وإن الدين يحارب العلم. ثالثاً: الاضطرابات والثورات التي قامت في أوروبا: كالثورة الفرنسية، وغيرها، تعد من أسباب قيام العلمانية. رابعاً: شيوع المذاهب والأنظمة الاجتماعية والنظريات الهدامة كنظرية التطور وغيرها. خامساً: الخواء الروحي عند الأوروبيين؛ ذلك؛ لأن النصرانية المحرفة لا تزكي الروح، ولا تخلص أتباعها من الأسئلة القاتلة داخل النفوس حول الكون، والإله، والمصير، وما إلى ذلك. سادساً: غياب المنهج الصحيح عن الساحة الأوروبية، وهو الإسلام. سابعاً: تقصير أمة الإسلام في أداء رسالتها تجاه البشرية. ثامناً: خلو الأناجيل المحرفة من أي تصوُّر محدد لنظام سياسي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، أو علمي. تاسعاً: المكر اليهودي الذي يحرص على إنشاء المذاهب الهدامة، أو احتوائها؛ رغبة من اليهود في إفساد البشرية وجعلها حمراً يمتطونها. كل هذه العوامل جعلت من الدين رمزاً للتسلط، والتجبر، والطغيان، والجهل والخرافة، ومحاربة العلم؛ فما الحل إذاً؟ الحل الذي ارتأوه أن الدين حجر عثرة أمام التطور، والمطلوب نبذه وإقصاؤه عن الحياة، ومن هنا قامت العلمانية. وكان جديراً بهؤلاء الذين قاوموا هذه الكنيسة أن يبحثوا عن المنهج الحق الذي يشجع العلم ولا يقف ضده، بل هو دين العلم ألا وهو الإسلام. ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، ولله في ذلك حكمة. فهذه أسباب قيام العلمانية، وتلك مسوغاتها. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 478

خامسا: صور العلمانية

خامسا: صور العلمانية للعلمانية صورتان، كل صورة منهما أقبح من الأخرى: الصورة الأولى: العلمانية الملحدة: وهي التي تنكر الدين كلية: وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور، ولا تعترف بشيء من ذلك، بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين، فلا ينطلي - بحمد الله - أمرها على المسلمين، ولا يُقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفارق دينه، (وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف)، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب، أو السجن أو القتل. الصورة الثانية: العلمانية غير الملحدة (¬1) وهي علمانية لا تنكر وجود الله، وتؤمن به إيمانًا نظريًا: لكنها تنكر تدخل الدين في شؤون الدنيا، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا، (وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة) من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين، فعدم إنكارها لوجود الله، وعدم ظهور محاربتها للتدين (¬2) يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك. ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم، تحارب الدين حقيقة، وتحارب الدعاة إلى الله، وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين؛ لأنها لم تظهر بالصورة الأولى، وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وسائر المسلمين، وأن يفقه الأمة في دينها حتى تعرف حقيقة هذه الأنظمة المعادية للدين. ولهذا فليس من المستبعد أو الغريب عند المسلم الفاهم لدينه أن يجد في كلمات أو كتابات كثير من العلمانيين المعروفين بعلمانيتهم ذكر الله سبحانه وتعالى، أو ذكر رسوله – صلى الله عليه وسلم - أو ذكر الإسلام، وإنما تظهر الغرابة وتبدو الدهشة عند أولئك الذين لا يفهمون حقائق الأمور. ¬

(¬1) العلمانية في جميع صورها وأشكالها هي في الحقيقة ملحدة، سواء منها ما ينكر وجود الله، وما لا ينكر؛ لأن أصل الإلحاد في لغة العرب معناه: العدول عن القصد، والميل إلى الجور والانحراف. وإنما قلنا علمانية ملحدة، وغير ملحدة، جريًا على ما اشتهر عند الناس اليوم: أن الإلحاد يطلق على إنكار وجود الله فقط. (¬2) كثير من الناس لا يظهر لهم محاربة العلمانية (غير الملحدة) للدين؛ لأن الدين انحصر عندهم في نطاق بعض العبادات، فإذا لم تمنع العلمانية مثلاً الصلاة في المساجد، أو لم تمنع الحج إلى بيت الله الحرام، ظنوا أن العلمانية لا تحارب الدين، أما من فهم الدين بالفهم الصحيح، فإنه يعلم علم اليقين محاربة العلمانية للدين، فهل هناك محاربة أشد وأوضح من إقصاء شريعة الله عن الحكم في شتى المجالات، لو كانوا يفقهون.

والخلاصة: أن العلمانية بصورتيها السابقتين كفر بواح لاشك فيها ولا ارتياب، وأن من آمن بأي صورة منها وقبلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله، وذلك أن الإسلام دين شامل كامل، له في كل جانب من جوانب الإنسان الروحية، والسياسية، والاقتصادية، والأخلاقية، والاجتماعية، منهج واضح وكامل، ولا يقبل ولا يُجيز أن يشاركه فيه منهج آخر، قال الله تعالى مبينًا وجوب الدخول في كل مناهج الإسلام وتشريعاته: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً [البقرة: 208]. وقال تعالى مبينًا كفر من أخذ بعضًا من مناهج الإسلام، ورفض البعض الآخر، أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85]. والأدلة الشرعية كثيرة جدًا في بيان كفر وضلال من رفض شيئًا محققًا معلومًا أنه من دين الإسلام، ولو كان هذا الشيء يسيرًا جدًا، فكيف بمن رفض الأخذ بكل الأحكام الشرعية المتعلقة بسياسة الدنيا - مثل العلمانيين - من فعل ذلك فلاشك في كفره. والعلمانييون قد ارتكبوا ناقضًا من نواقض الإسلام، يوم أن اعتقدوا أن هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه، وأن حكم غيره أفضل من حكمه (¬1). قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: " ويدخل في القسم الرابع - أي من نواقض الإسلام - من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سببًا في تخلف المسلمين، أو أنه يُحصر في علاقة المرء بربه، دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى " ¤العلمانية وثمارها الخبيثة – محمد شاكر الشريف ¬

(¬1) انظر ((الناقض الرابع من نواقض الإسلام)) للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكتاب ((العقيدة الصحيحة)) للشيخ عبدالعزيز بن باز، (ص28). وإنما قلنا علمانية ملحدة، وغير ملحدة، جريًا على ما اشتهر عند الناس اليوم: أن الإلحاد يطلق على إنكار وجود الله فقط.

سادسا: آثار العلمانية في الغرب

سادسا: آثار العلمانية في الغرب على الرغم من أن الحضارة العلمانية الغربية قد قدمت للإنسان كل وسائل الراحة وكل أسباب التقدم المادي، إلا أنها فشلت في أن تقدم له شيئاً واحداً وهو السعادة والطمأنينة والسكينة، بل العكس قدمت للإنسان هناك مزيداً من التعاسة والقلق والبؤس والتمزق والاكتئاب، وذلك لأن السعادة والسكينة أمور تتعلق بالروح، والروح لا يشبعها إلا الإيمان بخالقها، والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه؛ قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4] أي جعل الطمأنينة والوقار في قلوب المؤمنين الذين استجابوا لله ولرسوله، وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما أطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت، زادهم إيماناً مع إيمانهم وكيف تنزل السكينة في قلوب أناس أقاموا حضارتهم على غير أساس من الإيمان بالله تعالى وشرعه؟ بل الذي يحصل لهم هو مزيد من القلق والتعاسة والضيق والخوف يقول الله تبارك وتعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 125]. وبهذا يتبين لنا حالة القلق الرهيب التي تعيشها المجتمعات التي تسير على غير هدى الله وشرعه، على الرغم من تقدمها المادي، ووصولها إلى أرقى أساليب التقنية الحديثة. وهذا ما أيده الواقع الملموس في البلاد التي ابتعدت عن شرع الله، فالإنسان إنما يكون في حالة طيبة نفسياً وبدنياً عندما تقوى صلته بالله تعالى، ويلتزم بأوامره ويجتنب نواهيه. ولذلك يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "في القلب شعث - أي تمزق وتفرق - لا يلمهُ إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يُطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً" (¬1). إن إبعاد الدين عن مجالات الحياة في المجتمعات الغربية كان - ولا يزال - من أهم الأسباب التي أدت إلى الإفلاس والحيرة والضياع. وإن مما نتج عن ذلك مما هو مشاهد وملموس ما يلي: الولوغ والانغماس في المشروبات الروحية والإدمان على المخدرات. 2 - الأمراض العصبية والنفسية. 3 - الجرائم البشعة بمختلف أنواعها كالسرقات، والاغتصاب، والشذوذ الجنسي، والقتل وغيرها. 4 - تأجيج الغرائز الجنسية بين الجنسين. 5 - انتشار الأمراض المخيفة كالزهري، والسيلان، وأخيراً يبتلي الله تلك المجتمعات بالطاعون الجديد وهو مرض "الإيدز". 6 - الانتحار. إن الغرب يعيش حياة الضنك والقلق، فلا طمأنينة له ولا راحة، ولا انشراح لصدور أهله، بل صدورهم في ضيق وقلق وحيرة، وما ذلك إلا لضلالهم وبعدهم عن الله، وإن تنعموا ظاهراً في الحياة الدنيا. قال تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7]. ¤العلمانية لبندر بن محمد الرباح ¬

(¬1) ((مدارج السالكين)) (3/ 164)

سابعا: الرد على من زعم أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين

سابعا: الرد على من زعم أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين ما أكثر المغالطات التي توجه إلى خلط المفاهيم إما عن جهل بالحقائق وإما عن معرفة وطوية مبيتة شريرة. ومن العجيب حقاً أن يتبجح مُنشئوا العلمانية بأنها حرب على الأديان وتذويب للمجتمعات في بوتقة اللادينية، ثم يأتي بعد ذلك من يحاول تغطية هذا المفهوم الواضح فيدَّعي التوافق بينها بحجة أن العلمانية والدين يجتمعان في الحث على نبذ التأخر – حسب مفهومهم – وعلى الحث على العلم والاكتشافات والتجارب، والدعوة إلى الحرية، أو أن العلمانية تخدم جوانب إنسانية بينما الدين يخدم جوانب إلهية .. إلخ تُرهاتهم، ولنا أن نقول للمغالطين أن العلمانية لم تظهر في الأساس إلا بسبب الخلافات الشديدة بين دينهم وبين علمانيتهم، وإلا فما الذي أذكى الخصومة بين الدين والعلمانية عندهم؟ نعم إن الدين الصحيح يدعو إلى نبذ التأخر والأخذ بالعلم ومعرفة الاكتشافات والبحث والتجارب ويدعو إلى الحرية، لكنه لا يجعل تلك الأمور بديلاً عن الخضوع للتعاليم الربانية أو الاستغناء عنها وإحلال المخترعات محل الإله عز وجل، بل يحكم على كل من يعتقد ذلك بالإلحاد ومحاربة الدين علناً، وهو ما سلكته العلمانية بالنسبة لنبذها للدين. والدين الصحيح لا يفصل بين السياسة والحكم بما أنزل الله تعالى، ولا يجعل قضية التدين قضية شخصية مزاجية، ولا يبيح الاختلاط ولا السفور وإعلان الحرب على القيم والأخلاق، بينما العلمانية لم تقم في الأساس إلا على تكريس البعد عن الدين – النصراني – وإباحة الشهوات بكل أشكالها. فأي وفاق بينهما؟!! كذلك فإن الدين لا يبيح لأي شخص أن يُشرَِّع للناس من دون الله تعالى، ولا أن يتحاكموا إلى غير شرع الله تعالى، وهذا بخلاف العلمانية، كما أن التوافق بين شيئين في بعض الجوانب لا يجعلهما متماثلين حتماً. أما هل يوجد وفاق بين الإسلام بخصوصياته وبين العلمانية؟ فإنها إذا كانت العلمانية لا تتوافق مع بعض المذاهب الوضعية الجاهلية وتقف ضد نفوذها، أفيمكن أن تتوافق مع الإسلام بخصوصه، إن الذين يتصورون ذلك لا يحترمون عقولهم ولا مشاعر الآخرين، أليس الإسلام هو العدو اللدود لجميع الجاهليات مهما اختلفت أسماؤها في حزم وصرامة دون أي تحفظ لا يختلف في ذلك مسلمان؟ وكيف تتفق العلمانية على الشرك بالله عز وجل، وبين الإسلام القائم على عبادة الله وحده لا شريك له ذلاً وخضوعاً وحكماً في كل شيء. لقد قامت العلمانية من أول يوم على محاربة الدين وعدم التحاكم إليه، وعلى الخضوع لغير الله تعالى إما الطبيعة وإما في عبادة بعضهم بعضاً بعد أن ابتعدوا عن الدين وعن الخضوع لرب العالمين وأشركوا معه سبحانه فئة من البشر يسمونهم بالمشرعين أو القانونيين، ويقدمون كل ما يقرره هؤلاء وينفرون عن ذكر الشريعة الإلهية والرسل والرسالات لأنها بزعمهم لا تقدم الحلول الناجحة كالتي اخترعوها، متناسين هذه الفوضى الفكرية والأخلاقية والاقتصادية .. الخ، الفوضى التي تعيشها المجتمعات العلمانية ونقضها اليوم ما أثبتته بالأمس وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء:82]. ولعل الذي حمل بعض القائلين بأن العلمانية لا تحارب الدين ما يرونه من عدم تعرض العلمانيين لسائر أهل العبادات بخلاف النظام الشيوعي، ولكن يجب أن تعرف أن أساس العلمانية لا ديني، ولعل تركهم لأهل العبادات إنما هي خطة أو فترة مؤقتة. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 687

ثامنا: بداية ظهور العلمانية في بلاد الإسلام

ثامنا: بداية ظهور العلمانية في بلاد الإسلام لا تكاد تعثر في الأزمنة الماضية على مسلم يشن الحرب على الإسلام، ويتنكر له خصوصاً في مجال النظام السياسي. بل إن زمن هذه الحرب حديث جداً لا يزيد على قرنين من الزمان؛ فقد بدأ مع بداية انتشار الفكر العلماني الذي دعت إليه الثورة الفرنسية عام 1789م. ومن ذلك الحين، وبفعل مجموعة من الأسباب التي مر الحديث عنها _ بدأ ذلك الفكر يسري إلى بلاد المسلمين، وبدأ التوجه العلماني اللاديني في بعض الدوائر يؤتي ثماره، وينتج نتائجه في العديد من مجالات الحياة، ويمهد لقيام العلمانية. ولقد كانت تظهر بعض المقولات، أو الفقرات في كتابات بعض الناس لتعلن عن الفكرة العلمانية غير أنها كانت فقرات قصيرة متداخلة مع كلام كثير قد لا يفطن لها الكثيرون بحيث يمرون عليها دون أن يلقوا لها بالاً. بل ربما عدوها من سقطات الكتاب، دون أن يتبين لهم ما وراءها. وظل الحال على هذا المنوال حيناً من الدهر حتى أفصحت العلمانية _ في المجال السياسي _ عن نفسها إفصاحاً كاملاً، وذلك على المستويين العملي، والنظري. أما المستوى العملي فيتمثل فيما قام به مصطفى كمال أتاتورك من إلغاء الخلافة الإسلامية، وإقامة النظام السياسي العلماني على أنقاضها. أما على المستوى النظري فيتمثل فيما أقدمت عليه العلمانية من تقديم فكرتها أو نظريتها السياسية في عزل الدين عن الدولة، وذلك في أول كتابة من نوعها في ديار المسلمين على يد شيخ أزهري، وقاضٍ شرعي وهو علي عبدالرازق. وهذا الصنيع كان إيذاناً لإلغاء الخلافة على المستوى الفكري النظري. (¬1) صنيع أتاتورك في قيام العلمانية، وإلغاء الخلافة (¬2) مر في الفقرة الماضية _ بإيجاز _ حديث عن أتاتورك، وأنه كان أول من طبق العلمانية على المستوى العملي؛ فالعلمانية في تركيا قامت على أنقاض الخلافة الإسلامية، على يد اليهودي مصطفى كمال أتاتورك الذي كان يتظاهر بالتدين، ويصلي في مقدمة الجنود، ويتملق العلماء، وعندما تمكن نفذ خطته اللئيمة على النحو التالي: 1_ إلغاء الخلافة الإسلامية. 2_ فصل تركيا عن باقي أجزاء الدولة العثمانية، فحطم بذلك الدولة الإسلامية العظيمة. 3_ أعلن العلمانية الإلحادية، وأشاع أن الدين علاقة قلبية بين العبد وبين الله. 4_ اضطهد العلماء أبشع اضطهاد، وقتل منهم العشرات، وعلقهم بأعواد الشجر. 5_ أغلق كثيراً من المساجد، وحرم الآذان، والصلاة باللغة العربية. 6_ أجبر الشعب على تغيير الزي الإسلامي، ولُبْس الأوروبي. 7_ ألغى الأوقاف، ومنع الصلاة في جامع أيا صوفيا، وحوَّله إلى متحف. 8_ ألغى المحاكم الشرعية، وفرض القوانين الوضعية المدنية السويسرية. 9_ فرض العطلة الأسبوعية يوم الأحد بدلاً من يوم الجمعة. 10_ ألغى استعمال التاريخ الهجري، واستبدل به التاريخ الميلادي. 11_ حرم تعدد الزوجات، والطلاق، وساوى بين الذكر والأنثى بالميراث. 12_ شجع الشباب والفتيات على الدعارة، والفجور وأباح المنكرات، وقد كان قدوة في انحطاط الخلق، وإدمان الخمر، وممارسة البغاء والشذوذ. 13_ قضى على التعليم الإسلامي، ومنع تدريس القرآن الكريم واستبدل بالحروف العربية الحروف اللاتينية. 14_ فتح باب تركيا لعلماء اليهود. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 486 ¬

(¬1) انظر ((تحطيم الصنم العلماني)) للشيخ محمد بن شاكر الشريف (11 - 12). (¬2) انظر ((الرجل الصنم)) كمال أتاتورك _ أول كتاب عن حياة كمال أتاتورك بالتفصيل _ لعبدالله عبدالرحمن (506_507) و ((الموجز في المذاهب والأديان المعاصرة)) للعقل والقفاري (108_110)، و ((حقيقة اليهود)) سيد بن عبد الرحمن الرفاعي.

تاسعا: العلمانية في البلاد الإسلامية

تاسعا: العلمانية في البلاد الإسلامية العلمانية في مصر (¬1) اتجهت العلمانية في مصر اتجاهاً فكرياً في الثلاثينات من هذا القرن الميلادي، وقد كان لها مقدمات وإرهاصات أدت إلى ظهورها كحملة نابليون، وكصنيع محمد علي وأبنائه. وبدأ هذا الاتجاه العلماني يأخذ مكانه بوجه خاص أيام الاحتلال البريطاني، وقد خطت مصر خطواتٍ في العلمانية، وبرز دعاة إليها في كثير من جوانب الحياة أمثال: 1_ قاسم أمين في الجانب الأخلاقي، والاجتماعي. 2_ طه حسين في الجانب الفكري، والثقافي، والأدبي. 3_ الشيخ علي عبد الرازق في الجانب السياسي والتشريعي وسيأتي الحديث عنه. وغيرهم كثير كسلامة موسى، وسعد زغلول، ولطفي السيد. وبالرغم من هذه الاتجاهات القوية إلا أنها لم تكن ذات أثر في واقع الشعب المصري والدولة المصرية إلا بعد الثورة التي قام بها عبد الناصر عام1952م والتي بثت ما يسمى بالعلمانية، وأقامت الدولة نظامها عليها، ثم جاء من بعده السادات، وأصَّلها ودعم وجودها. ثم سرت العدوى إلى أكثر أقطار العالم العربي والإسلامي. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 488 في الهند: حتى سنة 1791م كانت الأحكام وفق الشريعة الإسلامية ثم بدأ التدرج من هذا التاريخ لإلغاء الشريعة الإسلامية بتدبير الإنجليز وانتهت تماما في أواسط القرن التاسع عشر. في الجزائر: ألغيت الشريعة الإسلامية عقب الاحتلال الفرنسي سنة 1830 م في تونس: أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1906م. في المغرب: أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1913م. في العراق والشام: ألغيت الشريعة أيام إلغاء الخلافة العثمانية وتم تثبيت أقدام الإنجليز والفرنسيين فيها ¤العلمانية لبندر بن محمد الرباح ¬

(¬1) [83])) انظر ((الموجز في المذاهب والأديان المعاصرة)) (ص108).

عاشرا: هل العالم الإسلامي اليوم في حاجة إلى العلمانية؟

عاشرا: هل العالم الإسلامي اليوم في حاجة إلى العلمانية؟ مما لا يصح أن يختلف فيه اثنان أن العالم الإسلامي ليس بحاجة إلى العلمانية بجميع صورها وأشكالها، وذلك لأمور كثيرة، من أهمها: 1 - كمال الدين الإسلامي: وقد شهد بذلك أصدق القائلين ورب العالمين، عالم الغيب والشهادة، فقد قال في كتابه الكريم الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)) (¬1).فالإسلام دين كامل ونعمة تامة رضيه الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اتضح بما لا شك فيه حتى عند أعداء الإسلام أن هذا الدين هو الدين الصحيح والمنهج السليم لسعادة البشرية وتحقيق آمالهم في الحياة السعيدة والأمن والأمان، قال الفيلسوف "برناردشو": إني أعتقد أن رجلاً كمحمد لو تسلَّم زمام الحكم المطلق في العالم أجمع لتم له النجاح في حكمه ولقاده إلى الخير ولحلَّ مشاكله على وجه يكفل للعالم السلام والسعادة المنشودة" (¬2). وقد جربه المسلمون حينما كانوا يطبقونه قولاً وعملاً، فكانوا سادة العالم والمنقذين للبشرية من الجهل والخرافات والظلم والتوجه الحق لعبادة فاطر السماوات والأرض ونبذ عبادة من عداه، ولهذا ولغيره فإنه لا يوجد أدنى مبرر لأي مسلم أن يُعرض عنه ويتخذ العلمانية اللادينية الجاهلية عقيدة ومنهجاً له إلا مَن سفه نفسه، ومن المؤسف أن يتكاثر السفهاء ممّن ينتمون إلى الإسلام للتهافت على موائد العلمانية القذرة وأن يزجوا بأنفسهم في الظلمات بعد أن وصلوا إلى النور وأن ينحدروا إلى الهاوية بعد أن وصلوا إلى قمة الأمان، وكأنهم لم يسمعوا بأنين أصحاب الحضارات الجاهلية والظلم الفادح الذي يتجرعون غصصه والخوف الشديد الذي يعيشونه، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً، وكأنهم لم ينتفعوا بما جرَّبه غيرهم من طلب العز بغير الإسلام وما وصلوا إليه من الذل والحقارة. ومن كمال الإسلام أنه لم يدع أي أمر يحتاج الناس إليه إلا وبينَّه أتم بيان وأوضح حكم سواء أكان ذلك في الاعتقادات أو في المعاملات، ويطول الكلام لو أردنا أن نستقصي أمثلة ذلك، بل يحتاج إلى دراسة خاصة، كما يلاحظ القارئ الكريم من خلال جهود علماء المسلمين قديما وحديثاً في بيانهم لكل ذلك على هدى من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تجد ذلك الشمول في الإسلام لجميع جوانب الحياة عقيدة وسلوكاً في كل ما يتعلق بحياة الناس الدينية والدنيوية، وعلى سبيل المثال انظر بيانه للشرك وأقسامه، والتوحيد وأقسامه، وتثبيت المراقبة الذاتية في قلب كل مسلم، والحث على الإخلاص في كل شأن وحسن المعاملة وتثبيت الفضائل والتنفير عن الرذائل والأحكام الصالحة لكل زمان ومكان، والتكافل الاجتماعي الحقيقي والمساواة بين الناس. فلم يخلُ أي جانب من جوانب الأعمال القلبية والحسية من وقوف الإسلام عنده وبيانه بصورة واضحة ترغيباً وترهيباً. ¬

(¬1) رواه ابن ماجه (43) وأحمد (4/ 126) (17182) والحاكم (331) والطبراني (15352) كلهم بدون لفظة المحجة، وصححه الألباني. (¬2) انظر: ((الإسلام والرسول في نظر منصفي الشرق والغرب)) (ص 131).

تجد فيه التنفير عن الرياء والغلظة والحسد والنفاق والكبر وسوء الظن والكذب والبهتان والغيبة والنميمة وشهادة الزور والغش وقذف المحصنات الغافلات وظلم النفس وظلم الآخرين وعدم الرفق بالإنسان أو الحيوان وتحريم غمط الناس وإخلاف الوعد .. إلى آخر الصفات فتنشأ في النفس المراقبة الذاتية لله تعالى التي ينتج عنها الإخلاص الذي هو مصدر كل خير وينتج عنها الخوف من الله تعالى، بينما هذه الصفات مفقودة في العلمانية، وفاقد الشيء لا يعطيه. ولهذا نجد أن الجرائم في العالم العلماني منتشرة بشكل مخيف دون أن تجد لها الأحكام الرادعة في غياب الخوف من الله تعالى وعدم مراقبته، فلا تجد فيها الدعوة إلى التواصل والتراحم والعطف على الضعفاء والمساكين وصلة الرحم وحسن الجوار والمعاملة بالتي هي أحسن، كما يظهر فيها النقص الواضح في قضايا المعاملات سواء كانت في البيوع أو النواحي الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية وسائر المعاملات، فلا يوجد ذلك الإحساس الطيب بين الفرد ونفسه وبينه وبين قرابته، وبينه وبين سائر المجتمع، وعلى هذا فإننا نقول وبكل تأكيد واطمئنان أنه لا توجد أي حاجة أو مبرر للالتفات إلى الجاهلية العلمانية وقوانينها البشرية القائمة على التناقض والاضطراب، بل ليس فيها ما يغري بها عند أصحاب العقول والهمم الرفيعة طلاب الحق والمعرفة. 2 - لأنها لا تتفق مع الإسلام، وقد سبق الرد على من زعم وجود التوافق بينهما. 3 - ولأنها لا تصل إلى بلد إلا وأنتجت من الشقاء والفوضى في الحكم والأخلاق والقيم وسائر السلوك ما لا يعلمه إلا الله تعالى. 4 - ولقد ثبت فشلها في إسعاد المجتمعات التي ابتُليت بها، فلماذا يجربها من ليس في حاجة إلى شيء من تعاليمها، ولماذا يدخل نفسه في شقاء لا مبرر له، والعاقل من اتعظ بغيره. 5 - ولأن المسلم لا يجوز له الشك في صحة تعاليم الإسلام الحنيف، ولا أن يفضل القوانين الوضعية على الشريعة الإسلامية. 6 - ولأن وجودها في أوربا وفي سائر المجتمعات الجاهلية كان له ما يبرره لفساد الحال فيها كما تقدم، بخلاف الأوطان الإسلامية التي أشرقت تعاليم الإسلام بها. 7 – ولأن عقيدة الإسلام واضحة تمام الوضوح في بيان أمر الألوهية والنبوات وكل ما يتعلق بأمر البشر والتشريع، فالله تعالى واحد لا شريك له لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3 - 4] والأنبياء بشر أرسلهم الله ليسوا بأبناء الله تعالى ولا شركاء له، والبشر كلهم عبيد لله تعالى لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا [النساء:172] والتشريع كله لله تعالى الذي لا محاباة فيه ولا مجاملة لأحد على حساب أحد كما هو حال القوانين الوضعية. 8 - ليس في الإسلام حجر على أي شخص أن يتصل بربه مباشرة وبلا واسطة، إذ الكل عبيد له سبحانه، أقربهم إليه أتقاهم له، بخلاف ما كانت عليه الكنيسة إذ لا وصول فيها إلى الله تعالى إلا من خلال رجال الدين الرهبان والقسس الذين هم نواب عن المسيح الرب ويمثلونه – بزعمهم – مما أثار ثائرة المفكرين الغيورين على مستقبل حياتهم وحياة أبنائهم. 9 - ليس في الإسلام رجال دين ورجال دنيا، أو رجال تشريع وقانون، أو رجال طبقات مسخرة، وغير ذلك من أوضاع الجاهلية، فالناس في الإسلام كلهم في درجة واحدة في الأصل والتكليف لا يتفاضلون إلا بعلمهم وعملهم الصالح، فلا مزية بينهم إلا في هذا الميدان، وبالتالي فلا يوجد فيه ما يبرر وجود تلك العداوات والعنصريات التي توجد في النظم الجاهلية العنصرية.

10 - الإسلام يحترم العلم ويحث على طلبه بكل الوسائل كما يحترم العلماء ويثني عليهم إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر:28] قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:9]، وميدان العلم في الإسلام فسيح يشمل كل جوانب المعرفة، سواء ما يتعلق منها بالدين ومعرفته أو بالأمور الدنيوية ومعرفتها من طب وزراعة وتجارة وصناعة وغير ذلك، بينما في الديانة النصرانية لا علم إلا ما أشار إليه الكتاب المقدس، ولا حق إلا ما تفوَّه به رجال الدين مهما كان الأمر، ومن هنا كان العلم عند المسلمين يدعو إلى الإيمان، بخلاف ما عند النصارى ورجال العلمانية المحاربين للدين باسم العلم. ومن الغريب أن تجد في العالم الغربي اللاديني أن الذين ينادون بالعلمانية اللادينية هم أنفسهم الذين يساعدون الاتجاه الديني عند النصارى في دعم التنصير والاستشراق، وهم الذين يمدون الكنائس بالأموال السخية في سبيل نشر الفكر الغربي، بينما العلمانية في البلاد الإسلامية أُريد لها أن تقوم على قطع كل صلة للمسلم بدينه، إذ كانت القسمة هكذا إما أن تكون شخصاً علمانياً مثقفاً متطوراً، وإما أن تكون دينياً جامداً متخلفاً، ومن هنا نشأ بُغضُ الدين الإسلامي في قلوب الحمقى ممن ركن إلى هذه الخدع الإجرامية الغربية النصرانية، فلماذا لم يظهر هذا التمايز اليوم بصراحة في الغرب النصراني الذي تسلل إلى زعامته كبار المنصرين، والذي اتخذ من التنصير والاستشراق ستارا كثيفاً بسط نفوذه في العالم الإسلامي. لماذا أصبح المندهشون من الحضارة الغربية وهم ينتسبون إلى الإسلام يستحي أحدهم أن يقول أنا متطور ومثقف ومسلم في آن واحد، وديني هو الدين الذي دعا إلى العلم وعزَّز القائمين عليه وأكرمهم غاية الإكرام. وفي كل ما تقدم وغيره عظة لكل عاقل، إذ يزداد المؤمن إيماناً بدينه وبنبيه صلى الله عليه وسلم، ويعرف أهداف العلمانية وما تسعى إليه من حرب الإسلام والمسلمين وسائر السلوك الحسن. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 698

حادي عشر: انتشار العلمانية في ديار المسلمين وبيان أسباب ذلك

حادي عشر: انتشار العلمانية في ديار المسلمين وبيان أسباب ذلك عرفت مما سبق أن المسلمين ليس بهم حاجة إلى العلمانية، ومع ذلك فقد انتشرت العلمانية في ديار المسلمين انتشاراً قوياً، وأوجد لها أعداء الإسلام عملاء من أهل كل بلد ينوبون عنهم في نشرها بالحيل أحياناً وبالقوة أحياناً أخرى، وكان هؤلاء النواب أشد من ملاحدة الغرب شراسة وإلحاداً، وأشد جرأة وتعسفا لأبناء جنسهم في إرغامهم على قبول اللادينية وربوا عليها أجيالهم، وأصبحت في كثير من البلدان أمراً مسلماً به، وحلت محل الإسلام في كل ناحية مع التظاهر عند البعض بالتزام الإسلام. والأمثلة لا تخفى على القارئ، فقد أصبحت تركيا دولة علمانية لا دينية على يد المجرم "أتاتورك"، الذي قطع كل صلة لتركيا بالإسلام والمسلمين، والذي كان على يديه إسقاط آخر خليفة مسلم في الدولة العثمانية، وإسقاط الدستور الإسلامي واستبداله بالقانون المدني السويسري، وقانون الجزاء الإيطالي، والقانون التجاري الألماني، وغيرها من القوانين الوضعية الجاهلية، وتعهد بإخماد كل حرمة إسلامية، وربط تركيا مباشرة بالدول الغربية، وكان من نتائج ذلك أن تمزق المسلمون ولم تعد لهم جامعة تجمعهم ولا رابطة تربطهم، وهو ما تحقق لأعداء المسلمين من المستعمرين، ولا يزال حكام تركيا يتزلفون إلى الغرب، ولم تكن تركيا وحدها هي الضحية، بل كانت كل الدول الإسلامية التي كانت خاضعة للاستعمار الإنجليزي أو الفرنسي، أو غيرهما، دخلتها العلمانية من أوسع الأبواب، وأدخلت تلك الدول كلها في ظلمات العلمانية، وأقصي عنها التشريع الإسلامي بالقوة مثل ما حصل في الهند على يد البريطانيين، وفي تونس على يد الفرنسيين، وقويت العلمانية كذلك في مصر وأصبح لها كتاب يدافعون عنها، بعضهم كان ينتسب إلى الأزهر مثل "علي عبد الرزاق"، و"خالد محمد خالد" الذي يُقال إنه رجع عن ذلك. ولا تزال الدول الإسلامية في مد وجزر في تقبل العلمانية أو ردها، وإن كانت الأكثرية قد انخدعت ببريق العلمانية ومنجزاتها الحضارية المزعومة، بل لقد أصبح الكثير من الزعماء يراهن على بقائه في الزعامة في تزلفه لأقطاب العلمانية اللادينية في الشرق أو في الغرب، وبما يقدمه من خدمات في استيراد العلمانية ومحاربة الشريعة الإسلامية وممثليها، ولا يكتفون بهذا الإجرام، بل يضيفون إليه أن الشعوب هي التي تطلب ذلك، والساسة يذبحون الشعوب بأيدي الشعوب، ويتم كل ذلك دون أن تعلم الشعوب شيئا عما يجري في الخفاء وراء الكواليس في الشرق أو في الغرب، مع أن كل عمل إنما ينفذ باسم الشعب، وأين الشعب وأين ما يجري وراء الكواليس. الأسباب التي أدت إلى انتشار العلمانية في بعض ديار المسلمين مما لا شك فيه أن انتشار العلمانية اللادينية أو غيرها من المذاهب الباطلة إنما تنتشر في غفلة العقل وخواء النفس عن التمسك بالمعتقد الصحيح، وفي الوقت الذي يرى فيه الإنسان حسنا ما ليس بالحسن من جراء الدعايات البراقة أو الضغوط الشديدة. وفيما يلي نبين بعض تلك الأسباب التي أدت إلى انتشار العلمانية في ديار المسلمين، ويمكن أن يكون من أول الأسباب كلها:

جهل المسلمين بدينهم: فلقد مرت بالمسلمين فترات ساد فيها الجهل وتغلبت الخرافات وقل فيها الإقبال على العلم والتعلم حتى وصل الحال إلى إمكان عَدِّ الذي يقرأون ويكتبون في البلد الواحد، وحتى الكثير من هؤلاء القرَّاء والكتاب قد لا يقرأ أحدهم إلا القرآن الكريم من المصحف دون فهم ولا تدبر، وأقفل باب الاجتهاد حين غلب الجهل وقلَّ العلماء المجددون وجمدوا على التعصب للآراء وتشعبوا إلى مذاهب فكرية وطوائف متعارضة يحتدم بينها التنافس المنحرف لا لشيء إلا لأجل بسط النفوذ واكتساب الأتباع، وهذا الانحراف مثلته الصوفية بأجلى مظاهره حيث نام الناس على ترديد أوراد جوفاء في معظمها للتبرك وزهد كاذب عن الدنيا وملذاتها. والناس في نظر أقطاب الصوفية أصبحوا مذنبين مقصرين في جنب الله، وحصل عند بعض المتصوفة المسلمين ما حصل للنصارى في نشوء طغيان رجال الكنيسة في تجريمهم للناس وتحطيم معنوياتهم والضغط عليهم للتمسك برجال الدين أصحاب الجاه العريض عند الله، فبهم وحدهم أزمَّة الأمور وبرضاهم يرضى الله وبسخطهم يسخط. واخترع الصوفية في مقابل هذا الغلو النصراني مقالتهم المشهورة "من لم يكن له شيخ، فشيخه الشيطان"، واخترعوا أشد من صكوك الغفران عند النصارى، وهو ضمان القطب الصوفي الجنة لمن يريد، ووصل الهوس بأتباع التصوف إلى الكسل التام والخمول المخزي بحجة التوكل على الله وترك حطام الدنيا إلى غير ذلك من مسالك الصوفية. وعلى كل حال فإن تلك الأوضاع الشائنة التي كان فيها المسلمون مضافا إليها سرعة انتشار الجهل، مضافا إليها النهضة العلمية التجريبية التي شهدتها أوربا، كل ذلك وغيره قد أثر تأثيرا قويا في لي أعناق كثير من المسلمين إلى التأثر بالحضارة الغربية، فذهبوا يحاولون جاهدين تقريب تلك الحضارة الغربية إلى الحضارة الإسلامية على حساب الحضارة الإسلامية بحجة الانفتاح والاستفادة مما وصل إليه الغرب الذي تطور إلى أن وصل إلى الحال الذي يُنظر إليه بعين الإكبار عند المغترين بزخرف الحياة الدنيا، وقد اقتبس الكثير من المسلمين كثيرا من المفاهيم الأوربية وقدموها للمسلمين على أنها حلولا لمشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية، وأنها تتماشى مع الإسلام، وانخدع بذلك الكثير من المثقفين ومن غير المثقفين، وكأننا نسير إلى تحقيق ما أخبر عنه النبي من اتباع المسلمين سنن من كان قبلهم من اليهود والنصارى في كل شيء، حتى لو دخل أحدهم جحر ضب لدخله المسلم محاكاة وتقليدا دون وعي وتبصُّر. ولقد زاد انبهار المسلمين بما عند الغرب، فقد أصبح التغريب من الأدلة القوية على التمدن والتحضر، وأن تلك العلمانية الملحدة هي التي أوصلت أوربا إلى صنع الطائرة والصاروخ، وغير ذلك من الدعايات التي أجاد حبكها العلمانيون وأفراخهم في البلدان الإسلامية الذين يصورون العالم الإسلامي وكأن السبل قد انسدت عليهم والطرق قد انقطعت بهم ولم يبق لهم إلا منفذ واحد يتنفسون منه وهو منخر الحضارة الغربية العلمانية العاتية.

ومن المعروف أن الحقد الصليبي، وخصوصا نصارى العرب جمرة مشتعلة لا تنطفئ إلا أن يشاء الله تعالى، ولقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه الكريم أن اليهود والنصارى لا يمكن أن يرضوا عن المسلم حتى يتبع ملتهم ويتخلى عن دينه الإسلامي، فقال عز وجل عن ذلك ومؤكدا عليه: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، ولقد وقف النصارى ضد الإسلام منذ بزوغ فجره إلى اليوم وكان بين النصارى وبين أتباع الإسلام من الحروب وسفك الدماء ما لا يعلمه إلا الله، ولا يقف عدو للإسلام إلا وقف النصارى إلى جانبه مؤيدين له، ولا يجهل طلاب العلم شراسة الحروب الصليبية التي خاض غمارها جحافل الصليب يؤجج نارها طغاة الكنيسة الذي كانوا يضمنون الجنة لكل من حمل صليبه وسيفه لحرب المسلمين التي كانوا يسمونها جهادا في سبيل الله وحربا مقدسة. وقد استمرت عداوة العالم الغربي النصراني للإسلام والمسلمين راسخة في قلوب النصارى حتى بعد أن أدار العالم الغربي ظهره للنصرانية إذ لم تمنعهم عداوتهم للدين النصراني من شدة تعصبهم لما وقع في أسلافهم تحت السيوف المسلمة، فقد أصبحت عداوتهم للإسلام أمراً موروثاً بالفطرة، واستحكمت العداوة إلى الحد الذي أصبح من المستحيل أن يبقى أدنى عطف في قلوب النصارى على أي مسلم، ولكنهم ينافقون المسلمين بأنواع النفاق كلها تحت مسمَّيات عديدة، واشتد العداء للإسلام بسبب وقوفه ضد مطامعهم وضد طغيانهم الجديد الذي أعقب طغيان رجال الكنيسة، وبسبب دعوة الإسلام إلى التحرر من كل الخرافات والأوهام وإلى تحريمه الذل للكفار والاستكانة لهم، وغير ذلك من الأسباب الكثيرة الظاهرة والخفية. ولقد اتخذت عداوة النصارى للإسلام ومحاربتهم له أشكالا مختلفة ومظاهر عدة، ابتداء بحمل السلاح وتجييش الجيوش النظامية إلى الالتجاء للخداع والمكر المتمثل في غزوهم الفكري للعالم الإسلامي تحت عدة أقنعة من التنصير إلى الاستشراق إلى استجلاب أبناء المسلمين وتنصيرهم بطرقهم المختلفة من بناء المدارس لهم والمستشفيات وإنشاء شتى المرافق التي قدمنا ذكرها، ونشطوا في ذلك نشاطا عاليا أثمر فيما بعد استيلاءهم على العالم الإسلامي حسيِّا ومعنويا، وعلت حضارتهم المادية التي يفاخرون بها على حضارة الإسلام، علت في قلوب مريضة أصيبت بالانبهار بما عند الغرب من صناعة وفكر ونظام، سهل بعد ذلك تسرب العلمانية إلى عقول وجهاء وأصحاب نفوذ صاروا ربائب لأكابر وجهاء العلمانية.

وقد توالت الهزائم على العالم الإسلامي فلا يخرجون من هزيمة إلا إلى أخرى، وأصاب المسلمين الوهن والاستخزاء أمام العبقرية الأوربية، ونجح الجزء الأكبر من المخططات اللادينية، وتضافرت الجهود وأشغلوا المسلمين بأحداث هامشية فيما بينهم لا تخدم أي شكل من أشكال المصالح العامة. وكانت أكبر الخطط الناجحة هي تلك التي اتفق عليها زعماء الغرب من ضرب المسلمين بعضهم ببعض والاتجاه بالحرب وجهة أخرى ليس فيها جيوش ولا آلات حربية، وإنما هي حرب الإسلام ذاته عن طريق الغزو الفكري بدون إثارة المسلمين والتفنن في إطلاق الشعارات البراقة على أعمال العلمانيين والمنصرين في البلاد الإسلامية في أشكال مساعدات إنسانية وثقافية واجتماعية واقتصادية، وما إلى ذلك من الأسماء التي ظاهرها الرحمة وباطنها دمار الإسلام والمسلمين (¬1). أما الاحتلال الشيوعي الماركسي: ففي الشرق الإسلامي قامت الشيوعية الماركسية باحتلال أراضي المسلمين هناك وقتلت أهلها قتلا ذريعا، وقامت الصين بنفس العمل أيضا حينما احتلت أجزاء من الأراضي الإسلامية، وكان الجميع يتباهون بقتل وتشريد المسلمين ونشر الرعب والفساد، فتوالت على المسلمين النكبات من كل جانب، ولولا لطف الله تعالى وتكفله بحفظ دينه وكتابه لكان العالم الإسلامي في مهب الريح، فلقد فعل الشيوعيون بالمسلمين وبممتلكاتهم أفعالا يندى لها الجبين، فكانوا يهدمون المساجد والبيوت على من فيها في حقد لا نظير له، والحمد لله الذي أقر أعين المسلمين بموت الشيوعية واندحارها في عقر دارها، سنة الله في الباطل الذي يكون له صولة ثم يضمحل – كما سيأتي الحديث عن هذا المذهب الهدَّام وأتباعه الأبالسة. أما بالنسبة للاحتلال اليهودي لأراضي فلسطين: فلقد كان له تأثير واضح نجح رويدا رويدا من وراء ستار كما هو شأن اليهود الذين يجيدون المؤامرات السرية ضد كل المخالفين لهم، وهم وإن لم يكن لهم مستعمرات كثيرة واضحة، فإن لهم مستعمرات هي أشد خطراً من المستعمرات الظاهرة، فلم يكن السبب في انتشار العلمانية في البلاد الإسلامية هو ما تقدم من الأسباب فقط، وإنما انضاف إليها هذا التيار الخطير الهدام والمتمثل في دور اليهود الحاقدين الذي أخبر الله في كتابه الكريم عن شدة عداوتهم للإسلام والمسلمين، وأنهم لا يزالون على عداوتهم إلى الأبد، قال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ [المائدة:82]، وجاءت السنة النبوية لتؤكد ذلك، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن خبث اليهود ومكرهم بالمسلمين في عدة أحاديث، منها ((ما خلى يهودي بمسلم إلا وهم بقتله)) (¬2). ¬

(¬1) كتبت هذا الكلام قبل الأحداث الأخيرة في أمريكا، وأما اليوم فإننا كما نسمعهم في الإذاعات تهدد أمريكا علنا باحتلال العراق وأن يتولى حكمه جنرال أمريكي، ولا أحد يدري عن مصير المسلمين إلا الله تعالى، وبعد هذا الكلام والترقب وقع المكروه، والآن أمريكا تحتل العراق وتذيق أهله ألوانا من الذل والتنكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى. (¬2) رواه عبدالرزاق (10/ 362) وأعله ابن حبان في ((الضعفاء)) بيحيى بن عبيدالله، وقال ابن كثير (3/ 166) غريب جدا، وضعفه الألباني في ال ((الضعيفة)) (4439).

وجاءت أفعال اليهود تجاه المسلمين – قديما وحديثا – لتؤكد مصداق كل ما ورد من أوصافهم العدائية في الكتاب والسنة وأقوال الناس عنهم، وجاءت كذلك أقوال عقلاء الناس من مسلمين وغير مسلمين لتؤكد على خطر اليهود على البشرية كلها، واطلع الناس على ما جاء في "التلمود" من تعاليم ضد الجوييم أو الأمميين، واطلعوا على "بروتوكولات حكماء صهيون" الجهنمية فهالهم الأمر، واتضح لكل ذي بصيرة أن اليهود من أشد الناس عداوة للبشرية، ومن أشدهم مكرا، ولقد استعمر اليهود كثيرا من البشر عن طريق منظماتهم ونواديهم، ومنها الماسونية، والشيوعية، وسائر تلك الأفكار، ويكفي في تصور شدة مكر اليهود استحواذهم على النصارى وإدخالهم في حظيرتهم إلى الحد الذي جعل النصارى يتنكرون لما هو من صميم عقائدهم الأساسية وهو قتل اليهود للمسيح عليه السلام – كما تزعمه مصادرهم – فقد أصدر زعماء النصارى بيانا بتبرئة اليهود من هذا القتل، وما ذاك إلا للضغط اليهودي، كما أنهم أصمُّوهم وأعموهم عما دونه أحبار اليهود ضد النصارى من عداء شديد إلى حد استحلال دمائهم وأكلها في عيد فصحهم كما فعلوا بالأب "توما" وخادمه "عمَّار" في القضية المشهورة التي حدثت ببلاد الشام القرن الماضي. والذي يهمنا من هذا إنما هو الإشارة إلى تأثير اليهود في نشر العلمانية اللادينية في البلاد الإسلامية، وسيتضح للقارئ مدى هذا التأثير بمجرد قراءته لـ "بروتوكولات حكماء صهيون" وما جاء في "التلمود" وفي تعاليمهم السرية التي يتواصون فيها بالقضاء على كل الأديان – ما عدا دينهم – وأن ذلك سيتم بتشجيعهم لكل حركة معادية للدين ولكل فكرة تحارب الفضيلة، فنشروا الفساد الأخلاقي بكل أشكاله تحت مسمى الحرية، وحاربوا الأديان تحت مسميات مختلفة. وما إن ظهرت اللادينية إلا وتلقفها اليهود ونشروها بكل وسائلهم الكثيرة ودعاياتهم المؤثرة، حتى ركن كثير ممن ينتسب إلى الإسلام إلى تلك الدعايات وتحولوا إلى جنود لخدمة اليهود من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وقد حذرنا الله تعالى من الركون إلى أعداء ديننا بقوله عز وجل: وَلاَ تَرْكَنُواْ إلى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ [هود:113]، وقد وضحت هذه النار في الشعوب الإسلامية الذين تنكروا لدينهم وتقبلوا العلمانية، وضحت في معيشتهم وفي أمنهم وفي تكاتفهم، بل وفي كل شؤون حياتهم، فكانت أمرا مخزيا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا [الأحزاب:62] ولا يزال اليهود أداة تخذيل وإغواء لكل الأمم – وخصوصا الأمة الإسلامية – التي تمثل عدوهم اللدود الأبدي، ذلك العدو الذي تآمروا عليه منذ بزوغ فجره إلى اليوم، ولكن كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة: 64]، وما تمجيدهم للعلمانية ولأقطابها وذمهم للإسلام ولتعاليمه إلا جزءا من عداوتهم له، وجزءا من مخططاتهم للقضاء عليه. ولن يتم الله لهم ذلك إن شاء الله إلى الأبد وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8].

ومن الأسباب لانتشار العلمانية أيضا هذه البعثات لأبناء المسلمين التي تُرسل إلى الغرب للدراسة – إلا من رحم الله منهم – ذلك أن الطالب يذهب باعتباره تلميذا مستفيدا لا مناظرا مدافعا، فيشبع من هناك بما قد أعد له وفق مخطط محكم، وحينما يتم دراسته ويرجع إلى بلده الإسلامي لاشك أنه يرجع بغير الفكر الذي ذهب به، إذ لابد وأن يتأثر ولو باتجاه واحد على الأقل أو شبهة لا يستطيع دفعها عن نفسه مهما حاول التماسك والتوفيق بيد الله تعالى. بل إن كثيرا من الذين ذهبوا للدراسة في الدول الكافرة العلمانية يرجعون بقلوب غير التي ذهبوا بها معهم فيتمنون لو أن مجتمعهم الإسلامي يتحول في لحظة إلى صورة طبق الأصل عن تلك المجتمعات الكافرة التي ألفوها وأُشربوا حبها، وقد صرَّح كثير منهم بإعجابه بالحضارة الأوربية، واعتقدوا أن لا مخرج للمسلمين إلى السعادة وامتلاك القوة إلا بتقليد الغرب في كل صغيرة وكبيرة، كالطهطاوي وأحمد خان، وعلي عبد الرزاق، وطه حسين. فرجع كثير من طلاب العلم من المسلمين الذي ذهبوا إلى الدول الأوربية للدراسة وهم متضلعون من تعاليم العلمانية ومقتنعون بها، وإذا رجع الفكر إلى تاريخ المسلمين الأوائل فإن صاحبه يشعر بالحزن والأسى، لأن ماضي المسلمين كان هو النور المشرق، وكان العلم وأهله وكتبه كلها عند المسلمين وفي جامعاتهم، في الوقت الذي كانت فيه أوربا في حمئة الجهل، فانقلب الحال رأسا على عقب حينما زهد كثير من المسلمين عن تعاليم دينهم ورغبوا في الحضارة الغربية وزخرفها، فأصبح بعض المسلمين ينظر إلى العلوم الغربية بنفس الإكبار الذي كان ينظر به الغرب إلى العلوم الإسلامية. ومن الأسباب أيضا استغلال العلمانيون قيام النعرات الجاهلية من قومية ووطنية ودعوى نبذ التخلف، وما إلى ذلك، وقد استجاب لهم الكثير، البعض بحسن نية، والأكثرون بخبث نية وتخطيط بارع للكيد للإسلام والمسلمين. وما إن سرت نخوة الجاهلية في عروق القوميين والوطنيين والتقدميين إلا وسرى معها التعالي والرجوع إلى الأمجاد الجاهلية المزعومة التي كانت العلمانية تصفق لها وتصف أهلها بشتى نعوت المدائح والعبقريات الفذة. كما أن أولئك الثائرون قد أتوا على الأخضر واليابس ورأوا أن بناء مجدهم يتطلب إقصاء تعاليم الدين والسير خلف ركب الحضارة الأوربية الذي تولد من قيام العلمانية الجديدة والسير في طرقاتها حذو القذة بالقذة. ومنها الترابط بين العلمانيين في الغرب وأتباعهم في ديار المسلمين، ومساندة بعضهم بعضا وإمدادهم بأسباب القوة التي تمكنهم من اعتلاء المناصب في بلدانهم بعد أن باعوا ضمائرهم وأصبحوا عملاء لهم، فضلا عن الضغط الذي تتعرض له الحكومات الإسلامية لإفساح المجال واسعا أمام طلائع العلمانيين، بل وتشغيلهم بحكم ما يحملون من شهادات أوربية – يجب أن تكون محل الاهتمام والتقدير لأنها صادرة عن موطن التقدم والرقي كما يصورونها في أذهان عامة المسلمين المنهزمين في أنفسهم. وقد ظهر ذلك واضحا في معاملة هؤلاء المستغربون، فإن لهم الأولوية في الوظائف وزيادة الرواتب، كما نسمع من أخبارهم. وإذا أبى إلا التحدث بالإنجليزية فهو نور على نور ودلالة على تقدمه ومعرفته، ولقد نشر هؤلاء مبادئ العلمانية الشريرة بكل وسيلة وكان لهم أكبر الأثر في الدعاية للعلمانية ومبادئها بين عامة المسلمين، وقد ظهر ذلك التأثير في سلوك العالم الإسلامي في المظاهر الآتية في الصفحة التالية ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 705

ثاني عشر: مظاهر العلمانية في بلاد المسلمين

ثاني عشر: مظاهر العلمانية في بلاد المسلمين تمهيد: كانت العلمانية في بداية ظهورها تهدف إلى تحقيق غرض وهو من أهم الأغراض التي أشغلت أذهان القائمين عليها، ألا وهو فصل الدين عن السياسة والحكم على طريقة ما ينسبه الكتاب المقدس إلى نبي الله عيسى عليه السلام "أعط ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"، وبغض النظر عن صحة هذه المقولة عن عيسى عليه السلام فإن العلمانيين وهم في محاولتهم الأولى لتصديع الدين المسيحي وجدوا أن هذا النص من الأمور المساعدة لهم، وقد جدوا وناضلوا حتى تم لهم ما يهدفون إليه من فصل الدين عن الدولة، وبالأحرى عزل رجال الكنيسة عن الدولة، ولم يعد دينهم صالحا للحكم بين الناس في شؤون حياتهم، بل تولاه التشريع الجديد المسمى العلمانية في قوانينها الوضعية. ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى طور آخر وهو عدم السماح بالدين في كل مظاهر الحياة، ولم تعد مقولة "أعط ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"قائمة في أذهان زعماء العلمانية الجامحة، فحورب الدين حربا شعواء تحت الكراهية الشديدة لطغاة الكنيسة الذين يمثلونه – حسب مفهوم أقطاب العلمانية – هذا ما حصل في العالم النصراني ومبرراته، وهو ما يمثله دعاة العلمانية في البلدان الإسلامية التي تم لهم الحكم فيها. وما دام الأمر قد وصل إلى محاربة الدين وإقصائه نهائيا، فلا بد أن يوجد البديل له في كل مظاهر الحياة، وهو ما وقع بالفعل، فطورت العلمانية لتشمل بعد ذلك الحكم، والاقتصاد، والعلم، والتاريخ، والحياة الاجتماعية، ومظاهر السلوك والأخلاق، وصور الآداب والفنون .. أي أنها أصبحت دينا قائما بذاته ملأ الفراغ الذي خلفه إقصاء الدين النصراني عن المجتمعات. ولم يعد الناس بحاجة إلى الدين في أي قضية من القضايا التي تصادفهم، لأن المارد الجديد قد سد كل الحاجات ولبَّى كل المطالب التي تواجه الفرد في حياته اليومية كلها، في الحكم وفي سائر متطلبات الحياة الاجتماعية الجديدة، وأصبح دعاة العلمانية كلهم على خط واحد وهدف واحد مع اختلافهم في الوسائل من بلد إلى آخر، وفيما يلي بيان ذلك في المسائل الآتية: الأولى: العلمانية في الحكم أما العلمانية في الحكم فمن الطبيعي أن لا يجد الحاكم العلماني أدنى ضرورة إلى الاستعانة بحكم الدين في أية قضية، وذلك أولا لجهله بالدين وعدم معرفته به، وثانيا للعداء الشديد المستحكم الحلقات بين الدين وبين آراء المفكرين العلمانيين الذين يتصورون أنه لا تتم السعادة الحقيقية للشعوب إلا إذا أُقصي الدين تماما عنهم وحكموا أنفسهم بأنفسهم بعيدين عن التأثر بأحكام الدين التي لا ترحم الفقير ولا تجبر الكسير، بل تحابي وتمالئ الظالمين من أصحاب المناصب والجاه، كما ظهر ذلك جليا مما رأوه من ترابط المصالح بين رجال الدين وأصحاب الجاه والحكم، لتآمر الجميع على إخضاع الناس واستنزاف خيراتهم – وهو ما حصل بالفعل حين اشتد طغيان رجال الكنيسة – وساعدهم – خوفا منهم – أباطرة الحكم الذين استفادوا هم بدورهم من رجال الكنيسة في إقناع العامة بأن الحكام هم من اختيار الله وأنهم يمثلون الله في الأرض، وطاعتهم هي عينها طاعة الله تعالى، وعصيانهم عصيان له، وأن السعادة كلها في يد البابا الممثل المباشر للرب المسيح!!!

وكانت النتيجة أن الثائرين نظروا إلى رجال الدين على أنهم مخادعين متآمرين هم والحكام على استعباد الناس وإذلالهم – وهو صحيح – فتم وضع القوانين والتشريعات الجاهلية بدلاً عن كل الشرائع الإلهية التي تمثلها الكنيسة الظالمة والبابا المتغطرس، فجاءت الأحكام العلمانية خليطا مشوها من شتى الأفكار والحضارات الجاهلية وظنوا أنهم وجدوا الحل المناسب لحياتهم الاجتماعية، وأنهم وجدوا السعادة التي ينشدونها والأحكام العادلة التي يتمنونها في ظل العلمانية الوضعية التي تنقض اليوم ما أبرمته بالأمس. وقصر بهم العزم أن يبحثوا عن مصدر العدل الحقيقي والأحكام المتناسقة التي يسبق العقل إلى تصديقها قبل الواقع، وقد قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء:82]، ولقد وجدوا في علمانيتهم اختلافا كثيرا وتناقضا فاحشا في الأحكام، ولكن طبع على قلوبهم وصار حالهم كما عبر عنه الشاعر: لفح الهجير نعيم إن رضيت به ... وناعم الظل إن أنكرت رمضاء وفيما يلي نشير إلى الحكم في الإسلام لكي يقارن العاقل بين حكم الجاهلية وقوانينها وبين عدل هذا النور لأنه كما قيل "وبضدها تتميز الأشياء" وليرى القارئ الكريم أكذوبة من زعم أن الإسلام يفرق بين الدين والسياسة في الحكم، سواء كان هؤلاء يتظاهرون بالإسلام أم لا. الثانية: هل يوجد فرق في الإسلام بين الدين والسياسة لا يمكن لأي شخص عرف الإسلام – مهما قلت معرفته به أن يقول أن الإسلام يفرق بين الدين والحكم، بحيث يكون الدين لله والحكم للشعب أو القانون أو مجلس التشريع أو الحزب أو غير ذلك من الإطلاقات العلمانية الباطلة، لأن الإسلام يعتبر جميع البشر عبيدا لخالقهم، ولا مزية لأحد على آخر إلا بالتقوى، ويحرم أن يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله، وأن من رضي بالتحاكم إلى غير الله فهو طاغوت خارج عن الفطرة محارب لله ظالم لنفسه، متعد لما ليس له، وسيحاسبه الله تعالى عن ذلك. وفي الإسلام البيان التام الشامل لكل جوانب الحياة سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية .. الخ، بينها الله تعالى في قواعد شاملة وأحكاما جامعة وأمر الناس بفهمها واستخراج كل ما يصادفهم من أحكام وتشريع على ضوئها من كتاب الله تعالى أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالمشرع في الإسلام هو الله وحده، وما نطق به رسوله والمنفذ للأحكام الشرعية هم الحكام الذين تختارهم الأمة ويرضون بحكمهم لتنفيذ الشرع الشريف، وهؤلاء الحكام ليسوا طبقة فوق البشر، أو لهم صفات إلهية – كما كان يتصور الجاهلون قديما – وإنما هم منفذون فقط، وأن كل مسلم مطالب بأن يعرف الأحكام الشرعية وأمور العبادات والاقتصاد وغير ذلك من أمور الحياة، وبعض آخر يطلب الإسلام من كل أتباعه أن يكونوا صالحين لتنفيذ أحكام الله في كل قضية تعرض للشخص، ومعنى هذا أنه لا يوجد في الإسلام تلك الدعوى النصرانية التي بنى عليها اللادينيون فكرهم، وهي "أعط ما لله لله، وما لقيصر لقيصر" فهذه الإزدواجية لا مكان لها في الإسلام، وإنما الذي فيه هو تساوي الناس في التكليف أمام الله ومطالبتهم جميعا بتنفيذ أحكام الشريعة وطاعة ولاة أمورهم في غير معصية الله ورد ما يختلفون فيه إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبهذا تصلح الحياة وتستقيم الأمور ويحصل التنافس في فعل الخير، قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].

وقال تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]. وقال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65]. ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت مهمته هي بيان الدين، ومع ذلك أمره الله أن يحكم بين الناس بالعدل، لأن معرفة الدين هي الطريق الصحيح إلى الحكم بالعدل، ولم يقتصر الأمر على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل شمل غيره من أمته، فقد أمرهم الله أن يحكموا بالعدل حينما يرتضيهم الناس للتحاكم إليهم، وعلى هذا فلا فرق بين الدين والحكم أو السياسة، ومن فرَّق بينهما فلجهله أو لميله إلى العلمانية اللادينية. ولقد كان خلفاء المسلمين هم العُبَّاد، والزهاد، والقواد، والخطباء، والقضاة بين الناس، بل نجد الإسلام يجعل الحكم أوسع مما يتصوره العلمانيون إذ يوجب على جماعة المسلمين مهما كانت قلتهم أن يختاروا لهم أميرا منهم يرجعون إليه عند الاختلاف. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)) (¬1). ومعلوم أن هذا الأمير متدين ملتزم للحكم بما أنزل الله، وعلى طريقة العلمانية لابد أن يكون هذا الأمير غير متدين مستهتر بأحكام الشرع يتم انتخابه بأي طريقة كانت، ولا تسأل بعد ذلك عن الفضل الذي يتميز به عليهم ليكون أميرا لهم إذا لم يكن ملتزما لمنهج الله في حكمه، مراقبا لربه، مخلصا في أداء عمله بالعدل الإلهي. إنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية نص واحد يثبت التفرقة بين الدين والحكم، لا في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية، ولا في أقوال علماء الإسلام، بل نجد أنه لا شرعية لحاكم لا يتخذ الدين منهجا له. ولا يوجد كذلك نص واحد يثبت أن أحدا من خلفاء المسلمين من الصحابة أصدر حكما على طريقة الفصل بين الدين والحكم، أو اعتذر عن أي حكم أصدره بأن سياسة الحكم اقتضته، حتى وإن كان مخالفا للدين، بل كانت طريقتهم أن كل حكم يخالف الدين يعتبر حكما جاهليا باطلا، وذلك للتلازم التام بين الدين والحكم، واستمر الأمر على ذلك حتى نبغت فتنة دعاة العلمانية الغربية وإذا بضعفاء الإيمان والمخدوعين من المسلمين يتأثرون بتلك الدعايات ويطالبون مجتمعاتهم بالسير في أثر أولئك في الوقت الذي جهلوا فيه – أو تجاهلوا – أن للغرب أسبابه الظاهرة في مناداتهم بالعلمانية وإقصاء الدين الذي مثله طغاة الكنيسة ردحا من الزمن، وكان على الشعوب الغربية كالكابوس الثقيل، وتغافل هؤلاء عن أن الإسلام ليس فيه شيء من ذلك، بل فيه العدل والنور، وإنه صلح عليه حال من قبلنا، وسيصلح به حالنا لو حكمناه واكتفينا به عن الأنظمة الجاهلية البشرية التي هي محل النقص دائما. ¬

(¬1) رواه أبو داود (2608)، والحاكم (1623) والبيهقي (5/ 257) والطبراني في الأوسط (8093) وقال الألباني في ((الصحيحة)) (1322) إسناده حسن.

الثالثة: العلمانية والاقتصادأما العلمانية والاقتصاد والدين، فلقد كان الاقتصاد هو العصى السحرية (¬1) التي أسهمت في قيام المذهب العلماني، فقد كانت الحالة الاقتصادية في أوربا في أتعس وضع وأبأس حال بسبب الوضع الاجتماعي المتخلف الذي أنتجته الديانة النصرانية وحكامها ممثلة في البابوات وأصحاب الجاه والسلطان الذين كانوا لا يهمهم إلا ضمان استرقاق الشعوب النصرانية وإذلالها لطواغيت رجال الدين وأباطرة الدولة، ولتكن حالتهم بعد ذلك إلى النار، فالدولة ليست مسؤولة عن الفقراء والبائسين. فنشط النظام الإقطاعي واستبداد الطبقة العليا بمن دونها حسب النظام الجاهلي، وكان النظام الاقتصادي مكبلا بتعاليم الكنيسة تحليلا وتحريما، وكان قائما على ظلم الكادحين وشره رجال الكنيسة الذين احتووا جل مصادر الاقتصاد مضافا إلى ذلك صنوف الضرائب المفروضة على الفلاحين وغيرهم الذين كانوا يسخرون كلهم كما يسخر العبيد. وعاش المجتمع النصراني اقتصادا ظالما متناقضا غاية التناقض منهم نخبة – الحاكم والرهبان - في الثريا، ومنهم قسم – بقية الشعوب – في الثرى لا يملكون إلا ما يسد رمقهم في أحسن الظروف، وفشا النظام الإقطاعي بأجلى صوره وأصبح فيه الأرقاء لا يزيد أحدهم عن كونه إحدى القطع أو إحدى البهائم التي يملكها صاحب الإقطاعية من طبقة النبلاء، وأوضاع أخرى بشعة وظلم واستبداد لا نظير له، ولا ينكر شيء منها، وبطالة وكسادا في كل نواحي الحياة، والملاحظ أن شياطين العلمانية قد فسروا كل تلك الأوضاع على أنها إحدى نتائج التدين، وأن الدين هو وراء هذه الأوضاع السيئة كلها بمباركته لرجال الكنيسة هذا التسلط والجبروت، فإذا بالنظريات الإلحادية تقوم على محاربة وجود الله تعالى ومحاربة رجال الدين وأن الاقتصاد ينبغي أن يتحرر عن كل أغلال الكنيسة وأن يتجه صوب الأفكار التحررية التي يجود بها زعماء التحررية بعيدا عن الدين، وفي الوقت نفسه لم يكن لدى رجال الدين الكنسي ما يسعفهم بالدفاع عن دينهم إزاء هذه المسامير التي تدق في نعشه. وتكاثرت السكاكين على هذا الثور الميت وارتفعت الأصوات من كل مكان تندد بالدين وبطرقه الاقتصادية الجائرة، وتدعو إلى سرعة الانفلات عن تعاليمه التي أصبحت بالية ولم تعد صالحة في عصر التطور وظهور النور، وبالتالي فلا سلطة لله تعالى ولا لرجال الكنيسة على المارد الجديد الذي هب ليدفع الظلم الذي رضيه الله – حسب زعم أقطاب العلمانية – لرجال الكنيسة، وبخبث حول هؤلاء الأقطاب العداء لرجال الدين وللأوضاع السيئة إلى العداء للدين نفسه، وتحميله كل تلك المآسي دون أن يكلفوا أنفسهم البحث عن حقيقة هذا الدين الذي اتسع لقبول تلك المآسي كلها، وهل هو دين صحيح أم هو باطل وضلال وتلفيق من كبار المخادعين النصارى، فلم يهتموا بالالتفات لذلك لحاجة في أنفسهم لكي يحملوا الدين تلك الأوضاع الاقتصادية المتردية. والواقع أنه حينما أقصى العلمانيون الدين عن أي مجال من مجالات الحياة الاقتصادية على أساس أنه لا يحقق الخير لأتباعه ولا يرفع الظلم عنهم، لم يأتوا هم أيضا ببديل يرفع ذلك الكابوس، بل تخبطوا في حلقات مفرغة وعاشوا أوضاعا غاية في الفساد لم يكن الرابح فيها غير المرابين والمحتكرين وتجار الرقيق وأصحاب الشره المادي الذين لا يبالون بأحد ولا توجد فيهم أدنى عاطفة على الفقراء والضعفاء الذين لم يصلوا إلى معرفة حذق المرابين وعباد المال أو لم يكن لهم من المال ما يوصلهم إلى تلك المسالك الثعلبية. ¬

(¬1) هذا الأسلوب يستعمله بعض الكتاب، ويرى البعض المنع من ذلك بحجة أن عصا موسى لم تكن سحرية، ولا شك في صواب المنع إذا أريد هذا المفهوم.

وعاش عامة الناس في تعاسة رغم تزاحم النظريات الاقتصادية – سنة الله في الخارجين عن شرعه – ولم تنقذهم من تلك الحال لا الرأسمالية بنظامها الشره الذي أطلق للناس الحبل على الغارب على طريقة "من عز بز ومن غلب استلب" ولا الشيوعية الماركسية التي كبلت الناس وجعلتهم عبيدا يكدحون للدولة في مقابل ما تعطيهم لسد حاجة الجوع، ولا العلمانية التي لا يلوي فيها أحد على أحد. مع أنهم ملؤوا الدنيا صراخا وعويلا على العمل لإخراج الفقراء من فقرهم وإيجاد اقتصاد حر مزدهر يوازي الجنة التي وعد بها الرسل أتباعهم بزعمهم، ورغبوا الناس في عبادة الإله الجديد في الإلحاد، وهو المادة ورؤوس الأموال، ولكن اتضح لكل ذي عينين أن المناداة شيء والواقع شيء آخر. وإذا بتلك الأنظمة المعادية للدين لم تقدم حقيقة للناس إلا آمالا خيالية وإلا الإلحاد والإفلاس والغبن الفاحش وانتزاع احترام الدين والتدين من قلوب أتباعه وإحلال ضلالاتهم بدلا عن ضلالات الدين النصراني البولسي، وصح عليهم المثل القائل: "إنك لا تجني من الشوك العنب"، وظهر سوء الاقتصاد وسوء التوزيع للثروات وسوء التكافل الاجتماعي جلياً في العلمانية، ولكنهم لا يعرفون بديلا منقذا في حال استكبارهم عن طريقة الإسلام في نظامه الاقتصادي. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 718 الرابعة: العلمانية في التربية والثقافة قبل أن يصطدم الغرب المتحضر بالشرق المتخلف كانت التربية في الأخيرة متأخرة أسلوباً وموضوعاً، وكانت الثقافة جامدة ومحدودة. كان نصيب الأمة الإسلامية من المعرفة ينحصر في بقايا التراث الفكري الذي دونه علماء الكلام والفقه واللغة في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية تلك البقايا التي تسمى "الكتب الصفراء " أو الثقافة التقليدية، وفي أحسن الأحوال "الثقافة الأصلية " - كما في بلاد المغرب -. ...... ولنأخذ شاهداً قريباً لذلك من الأزهر الذي صبت عليه اللعنات لجموده وتخلفه. كان الأزهر منذ تأسيسه يدرس في حلقاته المكتظة الفلك والجبر والهندسة والطب كما يدرس الفقه والنحو والحديث سواء بسواء بلا حرج ولا غضاضة. وظل كذلك إلى عصر ليس ببعيد، فها هو ذا الجبرتي يورد في تاريخه أسماء كثيرين ممن نبغوا في هذه العلوم بالنسبة لعصرهم - منهم والده - وإن كان مستواهم متخلفاً بالنسبة لما هو عليه حال معاصريهم في الغرب، ذلك أن هؤلاء يمثلون الدفعات الأخيرة لحضارة منهارة، في حين يمثل أولئك - الغربيون - طلائع متقدمة لحضارة فتية. ومع ذبول الحضارة الإسلامية التدريجي تقلص ميدان العلم ليقتصر على العلوم الضرورية التي لا يمكن للمجتمع الإسلامي أن يحيا بغيرها، وأهملت العلوم الأخرى لا تحريماً لها ولكن عجزاً وتهاوناً يميلها الواقع المنهار من كل ناحية. وفي فترة الركود العلمي تلك ولدت أجيال بررت ذلك العجز والتهاون بصنوف المعاذير ثم استساغت الانغلاق وفسرت الدين نفسه تفسيراً ضيقاً وحددت علومه تحديداً نابعاً من واقعها المظلم لا من حقيقة الدين وجوهره. ...... وحدثت نفرة شديدة بين علم الأزهر الذي كان يعتقد أنه يمثل الثقافة الإسلامية أصدق تمثيل وبين علم الغرب الذي بدا لأعين الأزهريين غريباً خاصاً بالكفار.

من هذا الخطأ التاريخي تقريباً نشأت الازدواجية الخطرة في العالم الإسلامي: تعليم ديني ضيق محدود، وتعليم لا ديني يشمل نشاطات الفكر كلها. وقد حاول محمد علي في أول الأمر أن يدخل العلوم الحديثة ضمن مناهج الأزهر، إلا أنه خشي معارضة الأزهريين، فقام على الفور بإنشاء نظامه التعليمي الحديث، وهكذا انقسم التعليم في مصر إلى نظام ديني ونظام مدني حديث (¬1) "ولما كان اللقاء بين شيخ الأزهر "وجومار" (¬2) مستحيلاً فقد كان لا بد من الصراع بين أتباع وثقافة كل منهما، ورأى أبناء جومار أن القضاء على الأزهر يكون ببقائه جامداً معزولاً عن الحياة ومتغيراتها. استصدروا من الخديوى إسماعيل سنة 1872 "القانون الخاص بتنظيم الأزهر وإصلاحه ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍"وتنص فقرة ب منه على:"تحديد الدراسات التي تعطى بالأزهر بإحدى عشرة مادة هي: الفقه وأصول الدين والتوحيد والحديث والتفسير والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق (3) (¬3) " ووافق ذلك في نفوس علماء الأزهر، وبذلك قطع الطريق أمام وعي ذاتي لإصلاح الأزهر حقيقة. أما المدارس الحديثة التي أنشأها محمد علي وأولاده فقد كانت مجالاتها أرحب وفرصها أوسع، وكانت البعثات إلى الخارج قائمة على قدم وساق. والناحية الأشد خطورة هي الوسائل التي ينتهجها كلا النظامين التعليميين: النظام الديني "كما سمي " يقوم في الكتاتيب المتفرقة في القرى والأمصار للمرحلة الابتدائية، والجامع الأزهر للمرحلة العليا. والكتاتيب يدرس فيها "فقهاء" (4) يجتمع حولهم الطلبة في مظاهر ريفية يحملون الألواح القديمة والمصاحف، والفقيه يتوسطهم بعمامته وفي يده عصا طويلة، ويقوم بتلقينهم بطريقة تغاير روح التربية الإسلامية المأثورة التي كانت في عصرها أرقى أساليب التربية العالية. يتحدث "جب "عن شيء من ذلك قائلاً:"وكانت المصادر الأولى التي أخذ الفكر الأوروبي يشع منها هي المدارس المهنية التي أنشأها محمد علي والبعثات العلمية التي أرسلها إلى أوروبا". ويذكر أن منها "مدرسة الألسن التي كان يشرف عليها العالم الفذ رفاعة الطهطاوي (1801 - 1873م) وهو تلميذ جومار البار. فالاستعمار -كما قال أحد شعراء المسلمين في الهند - أذكى من فرعون الذي استخدم سياسة قتل الأولاد، ولم يفتح لهم مدارس وكليات تقتلهم من حيث لا يشعرون كما فعل المستعمرون. (8) فقد افتتحوا مدارس غربية قلباً وقالباً في المراكز الثقافية الكبرى للعالم الإسلامي ورسموا المخططات لاستئصال التعليم الأصلي. من هذه المدارس الكليات التبشيرية التي أنشئت في لاهور وبيروت واستنبول والقاهرة وغيرها، عدا المدارس الأقل شأناً التي انتشرت في الهند وبلاد الشام ومصر وبصفة أظهر في بلاد المغرب. ومما لا شك فيه أن هذه المدارس كان لها أعظم الأثر في توجيه النهضة الفكرية وجهة لا دينية وتوسيع الهوة بين التعليم الديني واللاديني كما شجع الاستعمار واحتضن الحركات الفكرية والأدبية التي قام بها النصارى - لا سيما الشاميون - حيث كانت جمعياتهم وصحفهم في الشام ومصر من أشد أجنحة التغريب تأثيراً. أما احتواء التعليم الأصلي والسيطرة عليه فأقوى الشواهد عليه المخطط البطيء الماكر، الذي وضعه كرومر ووزيره القسيس دنلوب في مصر، والذي استخدم أحدث ما وصلت إليه التربية وعلم النفس في عصره لإخراج جيل ممسوخ قابل للاستعباد. ¬

(¬1) ((تاريخ ونظام التعليم في مصر)): منير عطا وزملاءه: (79). (¬2) ((تاريخ ونظام التعليم في مصر)): منير عطا وزملاءه: (79). (¬3) (3) ((تاريخ ونظام التعليم في مصر)): 105.

"فتح دنلوب مدارس حكومية ابتدائية تدرس العلوم "المدنية" وتعلم اللغة الإنجليزية - لغة الاستعمار - وتخرج موظفين كتبه في الدواوين التي يحتلها ويديرها الإنجليز، يقبضون رواتب تعد بالجنيهات لا بالقروش. "ولم يكن الأمر في حاجة إلى مزيد من الإغراء. فمن ذا الذي يبعث بابنه بعد اليوم إلى الأزهر إلا الفقراء العاجزون عن دفع المصروفات، وهو له المستقبل المضمون في وظيفة الحكومة حيث "يرطن " بلغة السادة المستعمرين؟ "وانصرف الناس القادرون – من ذوات أنفسهم – عن الأزهر، واتجهوا إلى مدارس الحكومة بعد الثورة الأولى التي أثارها الحس الباطني المسلم على هذه المدارس "الكافرة" التي لا تعلم القرآن ولا تعد الدين، وأصبح هؤلاء المتعلمون "طبقة "جديدة تستمد طبقيتها من أنها من أبناء الأسر أولاً، ومن مركزها الاجتماعي في وظيفة الحكومة ثانياً، ومن التشجيع الظاهر والخفي الذي تلقاه من سلطات الاستعمار بعد هذا وذاك " (9). وبالإضافة إلى أسلوب التربية السيئ المتعمد لم يشأ دنلوب أن تخلو المدارس تماماً من الدين - ولو فعل ذلك لكان أفضل - بل قرر مادة "دين" لكنه جعلها مادة ثانوية في قيمتها الدراسية ثم أن حصصها كانت "توضع في نهاية اليوم المدرسي وقد كل التلاميذ وملوا وحنوا إلى الانفلات من سجن المدرسة البغيض إلى فسحة الشارع أو رحب البيت، وكانت هذه الحصص توكل إي أسن مدرس في المدرسة، يسعل ويتفل، ويمثل أمام التلاميذ ضعف الحياة الفانية المنهارة ... فيرتبط الدين في وجدانهم بالعجز والفناء والشيخوخة، كما يرتبط بالملل والضجر والنفور" (10). وقرر كذلك - لغاية خبيثة - مادة "لغة عربية" وفي الوقت الذي كان فيه مدرس اللغة الإنجليزية يتقاضى مرتباً شهرياً اثني عشر جنيهاً كاملة كان زميله مدرس اللغة العربية لا يقبض سوى أربعة جنيهات، مما جعل الفرق بينهما في المكانة الاجتماعية شاسعاً، وجعل اللغة العربية في ذاتها موضع الاحتقار والازدراء (11). وليس أنكى من ذلك إلا المناهج التي كانت تدرس في مدار الحكومة والتي كانت مملوءة بالطعن والسموم فيما يتعلق بالإسلام وتاريخه وحضارته، ومفعمة بالتقدير والإكبار الذي يصل درجة التقديس فيما يتعلق بأوروبا وتاريخها وحضارتها. ومن بين طلاب هذه المدارس تنتقى نخبة معينة للابتعاث إلى أوروبا وهناك يتم المسخ الكامل لها، لكي تعود إلى بلادها فتقبض على مقاليد الفكر والثقافة وتوجهها حسب إرادة السادة المستعمرين. ....... لم يمض على سيطرة الاستعمار فترة من الزمن حتى كان العالم الإسلامي خاضعاً لتأثير التربية والفكر خضوعاً يتفاوت حسب الأقاليم المختلفة. ففي تركيا - التي لم تحتل احتلالاً مباشراً - بلغ التأثير ذروته في الردة العقائدية والفكرية العنيفة التي انتهجها أتاتورك لطمس الإسلام بيد من حديد. وفي الهند فقدت الثقافة الإسلامية ريادتها وتقوقعت في المؤسسات الأهلية الصغيرة، وضاع كثير من نشاطها في زحمة الصراع الداخلي والخارجي. أما في العالم العربي فلعل أصدق وصفة لحاله هو ما قاله "توينبي " من أن الصراع الفكري فيه بين الأفكار الغربية والإسلام لم ينتج عملاً غربياً ناجحاً مثل ذلك الذي في تركية وإنما كان نتاجه هجيناً لا هو غربي ولا هو إسلامي (13) "

وقد قال أحد المستشرقين "إن في القاهرة مائتي مطبعة وسبع عشرة، تصدر ما معدله كتاب أو نشرة واحدة في اليوم " ثم يستدرك موضحاً أن "أكثرية ما يصدر هو ترجمات للقصص الغربية " (14) وهذا يعطينا الدليل على مدى ما وصلت إليه الهجنة، فإن أمة تتجه إلى القصص الغرامية في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى ترجمة العلوم التطبيقية والأخذ بأسباب النهضة لجديرة بهذا الوصف. وقد أخرج هذا الهجين الممسوخ دعوات ونتائج سيئة نذكر منها على سبيل التمثيل ما يلي: 1 - الدعوة إلى الارتماء في أحضان الغرب وأخذ حضارته دون وعي ولا تمييز: وقد تزعم هذا الاتجاه كثير من هجناء الفكر ..... , 2 - احتقار الماضي الإسلامي وتربية الأجيال تربية لا دينية حديثة: ولنأخذ مثالاً على هذا ما قاله مؤلف كتاب (مصر ورسالتها): "عندما فتح العرب مصر عام 640م كانت ولاية بيزنطية تحكم من القسطنطينية وعندما غزا الفرنسيون مصر عام 1798م وجدوها ولاية عثمانية تحكم من نفس القسطنطينية التي حملت اسماً جديداً وهو استنبول أو الأستانة، ولم يكن حالها عام 1798م بأحسن من حالها عام 640م، كان الناس في بؤس وذل وكان البلد في خراب ". فكأن عشر قرناً من تاريخ هذا البلد ضاعت سدى، كأن هذه السنوات الكثيرة قد انقضت ونحن نيام بعيدين (كذا) عن الوجود!. "شيء لم يحدث في تاريخ بلد مثل مصر أبداً، تصور اثني عشر قرناً ونصف تذهب سدى! قد يقال قد قامت خلالها دول وأمجاد ... ولكنها تلاشت كأن لم تغن بالأمس وعاد المصري - وهو مدار هذا التاريخ ومقياسه - بالضبط كما كان في أواخر عصر الرومان .. " "ما الذي حدث؟ “. "الذي حدث أننا تخلينا عن رسالتنا (!) واتجهنا بكليتنا نحو الشرق فاختل ميزان تاريخنا وكان ذلك الانكسار العظيم (18) ". وبناء على هذه الأفكار طولب بتربية الأجيال الجديدة تربية لا صلة لها بذلك الماضي، وها هي ذي بعض نصوص من نشرة مؤتمر التربية العربي المسمى "الحلقة الدراسية العربية الأولى للتربية وعلم النفس": "يجب أن تعمل التربية العربية على خلق خصائص جديدة في الشخصية العربية الناشئة بحيث تستأصل منها رواسب العصر التركي والاستغلال الاستعماري وتصنع بدلاً منها خصائص مضادة تتحقق بها القومية العربية الشاملة في المستقبل القريب. فالمواطن العربي يجب أن يكون شخصاً تقدمياً يؤمن بفلسفة التغير والتطور يجب أن يعتبر نفسه مسؤولاً عن المستقبل لا عن الماضي ومسؤولاً أمام الأجيال القادمة لا أمام رفات الموتى ... (19) "!!. 3 - تطوير الأزهر (تطويعه): كان الأزهر - رغم تخلفه ورغم تقصيره في إبراز الثقافة الإسلامية المتكاملة - قلعة إسلامية يحسب لها أعداء الإسلام كل حساب، وكان فيه رجال يلتهبون غيرة على الإسلام ويجابهون الطاغوت - داخلياً كان أم خارجياً - بكل جرأة. فهو الذي قاوم الحملة الفرنسية وقتل أحد منسوبيه قائدها، وهو الذي تزعم الثورة الشعبية سنة 1991، وفوق هذا كان رابطة إسلامية عامة تهتز لما يحدث على الرقعة الإسلامية الكبيرة .. ولذلك ظل الأزهر سنين طويلة محط المقت ومصب اللعنات من قبل دعاة التغريب واللادينية، حتى جعلوه رأس المشاكل الثقافية في مصر والعقبة الؤود في سبيل النهضة!. وأعظم من تجرأ على الأزهر في القرن الماضي - عن حسن نية وربما عن شعور بالنقص - هو خريجه الشهير الشيخ محمد عبده.

4 - الدعوة إلى العامية: ليست اللغة العربية أداة الثقافة الإسلامية فحسب، بل هي مقوم من مقومات الشخصية الإسلامية للفرد والمجتمع، وليس غريباً أن يشن المستشرقون والمبشرون عليها هجمات شرسة تتعلق بألفاظها وتراكيبها ومقدرتها على مسايرة العصر، فقد كانوا يرمون هدم القرآن بهدم لغته ليصبح كالإنجيل اللاتيني لا يقرؤه إلا رجال الدين غير أن المؤسف حقاً هو أن يتصدى لمقاومة العربية أناس يحملون أسماء إسلامية كانت الفصحى سبب بروزهم الفكري، ويكتبون بها سمومهم الرامية إلى إلغائها، وأن يعد ذلك جزء من التفكير الاصطلاحي وهدفاً من أهداف المصلحين .......... لقد كان كل دعاة العامية أناساً مشبوهين وصلتهم بالدوائر الاستعمارية واضحة وذلك ما يؤكد أنها كانت جزء من المخطط اليهودي الصليبي للقضاء على الإسلام، بل إنه من المؤكد أن الدعوة العامية إنما ظهرت أصلاً من أفكار المستعمرين وفي أحضان المبشرين يتضح ذلك من أسماء دعاتها الأوائل أمثال "بوريان وماسبيرو (35) " وجدير بالذكر أن الذي خلف عبد العزيز فهمي في المجمع اللغوي هو توفيق الحكيم الذي دعا إلى قاعدة "سكن تسلم " (36) وليس مثل هذه الدعوى أسى إلا أن تفتح كليات اللغة العربية والآداب في البلاد العربية الباب لما أسموه "التراث أو الأدب الشعبي " وأن تحضر فيه رسائل جامعية عليا. على أن الفكرة لم تقتصر على مصر فقد كان لها أذيال في الشام منهم المتطرف كسعيد عقل ومنهم المتدرج كبعض المهجرين. 5 - اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية من الغرب: لم يقتصر الأمر على مناهج كرومر ودنلوب، فقد كان أذيال الفكر الغربي لا يقلون عنهما رغبة في صبغ مصر والعالم الإسلامي بالصبغة اللادينية الغربية. وقد كان من أهداف أعداء الإسلام ما أوصى به مؤتمر القاهرة التبشيري المنعقد سنة 1960 من وجوب إنشاء جامعة علمانية على نمط الجامعة الفرنسية لمناهضة الأزهر والذي قالوا أنه "يتهدد كنيسة المسيح بالخطر ". وقد قام الأذيال بتنفيذ المهمة إذ أنه بعد انتهاء المؤتمر بسنتين تقريباً أسس سعد زغلول وأحمد لطفي السيد وزملاؤهم الجامعة المصرية، وكان النص الأول من شروط إنشائها هو: ألا تختص بجنس أو دين بل تكون لجميع سكان مصر على اختلاف جنسياتهم وأديانهم فتكون واسطة للألفة بينهم (37) " 6 - استيراد المذاهب اللادينية في الفكر والأدب: كانت فلسفة كومت الوضعية في فرنسا ونظرية داروين غفي إنجلترا من أعظم النظريات التي تأثر بها الفكر الغربي - كما سبق - وقد عاصرت اليقظة المنبهرة في العالم الإسلامية هاتين النظريتين وهما في أوج عظمتهما فتأثرت بهما أبلغ التأثر، ومن ثم سارت النهضة الفكرية والأدبية الحديثة مساراً غربياً حتى آل الأمر إلى الواقع الفكري والأدبي المعاصر، على أن الأدب خاصة تأثر -بالرومانسية التي اكتهلت في تلك الفترة، وفي هذا القرن استوردت الواقعية واللامعقول بمدارسه المتعددة. ¤العلمانية لسفر الحوالي ص588 - 612 وقد لخص المستشار علي جريشة علمنة التعليم فيما يلي: أولا: القضاء على التعليم الديني: (أ) التطويق من الخارج: 1 - الإزدراء بالتعليم الديني. 2 - إزدراء معلمه وطلابه. 3 - قفل الوظائف اللامعة في وجوه خريجيه. 4 - خفض رواتبهم. (ب) التطويق من الداخل: 1 - تقليص التعليم الديني. 2 - ازدياد التعليم العلماني. ثانيا: نشر التعليم العلماني: اهتمام الدولة به. الابتعاث. المدارس الأجنبية. الاختلاط (¬1). العلمانية في الاجتماع والأخلاق: ¬

(¬1) ((تاريخ ونظام التعليم في مصر)): منير عطا وزملاءه: (79).

كانت الحياة الاجتماعية في العالم الإسلامي قد انحرفت منذ بضعة قرون، لكن صورة الانحراف لم تبلغ أوجها إلا في مطلع العصر الحديث حيث أصبح المجتمع في أخلاقه وتقاليده وعاداته ينطلق من منطلقات غير إسلامية إذ غلبت الأعراف الجاهلية والعواطف المتهورة والعادات المستحدثة على الأخلاق الإسلامية الأصيلة، غير أن الناس بحكم العاطفة الدينية الموروثة وبما جبلوا عليه من الغيرة على فضائل الخلق كانوا ينسبون كل قيم وموازين وأعراف مجتمعهم للدين، أو على الأقل -يلتمسون لها فيه أصولاً، ورسخ ذلك الانحراف المتمسح للدين حتى أصبح هو الواقع الذي كان لدى الناس استعداداً للوقوف في وجه من يحاول تغييره سواء أكان مجدداً إسلامياً أم مفسداً أجنبياً، وهم - على أي حال - يبررون موقفهم بالاستناد إلى الدين. وفي القرن الماضي احتك المجتمع الإسلامي المنحرف بالمجتمع الغربي الشارد عن الدين، ومنذ اللحظة الأولى أحس الغرب - المغرور بتقدمه المادي - بتفوقه الاجتماعي على الشرق الذي لا شك أنه كان فيه من الفضائل ما يفتقده الغرب، لكن نظرة الغالب إلى المغلوب لا تسمح بالرؤية الصحيحة عادة، لا سيما والروح الصليبية من ورائها. وبالمقابل أحس المجتمع الشرقي بالانبهار القاتل واستشعر النقص المرير، ولم يتردد الغربيون الكفرة في القول بأن سبب تخلف الشرقيين هو الإسلام فقد استمدوا ذلك من الوهم الذي كان يسيطر على أولئك بأنهم مسلمون حقاً! وهكذا كان الطريق مفتوحاً لمهاجمة الأخلاق وتدمير مقومات المجتمع من خلال مهاجمة ذلك الواقع المتخلق الذي لا يمثل الإسلام، وكان النموذج الغربي المشاهد - الذي فصل الأخلاق عن الدين -يزيد الأمر قوة ووضوحاً. وإذا علمت قوى الصليبية الحاقدة - من مستعمرين ومبشرين ومستشرقين - أن البؤرة التي تتجمع فيها أصول أخلاق ومقومات المجتمع وغيره - فقد وضعت المخططات الماكرة لسلب هذه الميزة من المسلمين بإفساد المرأة المسلمة وإشاعة الدياثة بينهم. ولما كانت الأمة الإسلامية هي المسؤولة - أولاً وآخراً - عن كل هذا، ولما كان الجانب الذاتي من المشكلة هو الأخطر والأهم، فسوف نوليه جل اهتمامنا. ........ ومنذ أيام محمد علي ابتدأت حركة الابتعاث إلى الدول الأوروبية، وكان من أشهر المبتعثين الأوائل الشيخ رفاعة الطهطاوي الذي يعد كذلك من رواد الإصلاح. هذا الشيخ المبتعث كتب عن مدينة باريس "باريز "كتاباً يصف فيه لأبناء أمته الحياة الاجتماعية في فرنسا آنذاك، تعرض فيه لوصف النوادي والمراقص فقال: "والغالب أن الجلوس للنساء ولا يجلس أحد من الرجال إلا إذا اكتفت النساء، وإذا دخلت امرأة على أهل المجلس ولم يكن ثم كرسي خال قام لها رجل وأجلسها ولا تقوم امرأة لتجلسها، فالأنثى دائما في المجالس معظمة أكثر من الرجل، ثم أن الإنسان إذا دخل بيت صاحبه فإنه يجب عليه أن يحيي صاحبة البيت قبل صاحبه ولو كبر مقامه ما أمكن، فدرجته بعد زوجته أو نساء البيت " (3). هذا الكلام يوحي لقارئه بدلالات نذكر منها اثنتين: 1 - إن الأخلاق ليست مرتبطة بالدين، وهي فكرة انقدحت في ذهن الشيخ لكنه لم يستطع أن يعبر عنها بجلاء، فها هو المجتمع يمارس ألوان الدياثة التي لا يرضاها الدين طبعاً ولكنها مع ذلك ليست خارجة عن قوانين الحياء ولا يشم منها رائحة العهر بل هي معدودة في باب الأدب. وقد نمت هذه الفكرة وترعرعت حتى قيل صراحة: إن الحجاب وسيلة لستر الفواحش وأن التبرج دليل على الشرف والبراءة، ومن ثم فلا علاقة بين الدين والأخلاق.

2 - إن هذا المجتمع الديوث يكرم المرأة ويحترمها، وفي المقابل نرى المجتمع الإسلامي يحافظ على العرض لكنه يحتقر المرأة - حسب الواقع آنذاك - وبذلك نصل إلى المفهوم الذي وجد في أوربا نفسه وهو أن حقوق المرأة مرتبطة بتحررها من الدين فما لم ينبذ الدين فلن تحصل على هذه الحقوق ‍ وقريب من قصد رفاعة ما قصده أحمد فارس الشدياق إذ وصف بأسلوبه المقامي الخاص الحياة الغربية ووضع المرأة فيها في كتابه (الساق على الساق) (5) ". على أن الحركة التي تقوم على الوعي لا على السذاجة لم تكن منطلقة من آراء هذين - رفاعة والشدياق - وأمثالهما، بل من أفكار شخصية أخرى هي شخصية جمال الدين الأسد أبادي المعروف بالأفغاني. كان جمال الدين متأثراً بشعارات الماسونية - التي رفعتها الثورة الفرنسية - لا سيما شعار المساواة، واعتقد أن من أعظم علل الشرق أن المرأة فيه ليست متساوية مع الرجل في الحقوق والواجبات، وكان من تلاميذه الذين سرت فيهم هذه الفكرة محمد عبده، وقاسم أمين الذي كان مترجماً لجمعية العروة الوثقى (6) وقد سبق الحديث عن الأول أما الأخير فهو مبتعث إلى فرنسا للدراسة يقول عنه مؤرخ حياته: "ويعود قاسم إلى قاعة المحاضرات بجامعة مونبليه وهو أشد رغبة في تعريف المزيد عن الحياة في أوروبا، وهناك يجد زميلته "سلافاً" ... فلا يتردد في سؤالها أن تصحبه إلى المجتمعات الفرنسية وتقبل هي في سرور باد، وصحبته فتاته إلى كثير من الحفلات وتعرف إلى كثير من الأسر فوجد حياة اجتماعية تختلف عن الحياة في مصر، وجد السفور بدل الحجاب والاختلاط بدل العزلة والثقافة بدل الجهالة" (7). وعاد قاسم إلى مصر يحمل إلى أمته فكرة خطرة عرضها أصدقائه فتردد بعضهم وأيده أكثرهم وخاصة الزعماء مثل: سعد زغلول ومصطفى كامل وأحمد لطفي السيد (8) وكذلك علي شعراوي زوج هدى شعراوي - الملقبة بزعيمة الحركة النسائية وغيرهم ممن قال عنهم كرومر "أسميهم حباً في الاختصار أتباع المرحوم المفتي السابق الشيخ محمد عبده" (9). وأظهر قاسم فكرته تلك في كتابيه (تحرير المرأة) و (المرأة الجديدة) وعند صدور الأول شك كثيرون في كونه كاتبه لما حواه الكتاب من عرض ومناقشة الأقوال الفقهية والأدلة الشرعية التي كان مثل قاسم قليل البضاعة منها، ولكنهم لم يشكوا في أن الذي دفعه إلى الفكرة أحد رجلين إما كرومر وإما محمد عبده (10) ويحل لطفي السيد الأشكال في كتابه قصة حياتي إذ يقول: "إن قاسم أمين قرأ عليه وعلى الشيخ محمد عبده فصول كتاب (تحرير المرأة) في جنيف عام 1897م قبل أن ينشره على الناس " (11). وجاء مثل هذا في كتاب (قاسم أمين) أيضا (12). وعلى أية حال فقد ظهر كتابه (تحرير المرأة) الذي يمكن تلخيص أفكاره فيما يلي: 1 - إن المرأة مساوية للرجل في كل شيء و"إن تفوقه البدني سببه استعمال الأعضاء" (13) - ويتضح من هذا تعريضه بالقرآن الكريم وتأثره بالدرواينية -. 2 - "إن الانتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات الإسلامية لا للتعبد ولا للأدب بل هما من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده "وهي عادة عرضت على المسلمين " من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين منها براء"لكن طوعاً لمقتضيات الاجتماع وجرياً على سنة التقدم والترقي " (14). 3 - إن الحجاب ليس عائقاً عن التقدم فحسب بل هو مدعاة للرذيلة وغطاء للفاحشة في حين أن الاختلاط يهذب النفس ويميت دوافع الشهوة ‍‍‍!.

وقد حرص قاسم على تبرئه نفسه من تهمة الدعوة إلى تقليد الغرب في مناداته بهذه الفكرة (15) مدعياً أن الدافع الوحيد هو الحرص على الأمة والغيرة على الدين والوطن، فهو يزعم أن أصل فكرته هو الرد على "داركور" المستشرق الذي هاجم الحجاب، ولست أدري ماذا ترك قاسم لداركور ‍‍‍! لكن كتابه الثاني "المرأة الجديدة "يكذب ادعاءاته تلك فهو يقول فيه: "هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه وليس له دواء إلا أصولها وفروعها وآثارها، وإذا أتى ذلك الحين - ونرجو ألا يكون بعيداً -انجلت الحقيقة أمام أعيننا ساطعة سطوع الشمس وعرفنا قيمة التمدن الغربي وتيقناً أن من المستحيل أن يتم إصلاح ما في أحوالنا إذا لم يكن مؤسساً على العلوم العصرية " (16). وقد طبق ذلك في بيته فأحضر لابنتيه مربيتين - إحداهما فرنسية والأخرى إنجليزية (17) وظل قاسم حريصاً على دعوته داعياً إلى فكرته "إلى آخر نسمة من حياته القصيرة ففي ليلة وفاته بالسكتة القلبية في 23 أبريل 1908م كان يقدم طالبات رومانيات في نادي المدار العليا " (18). وقد ناصر قاسماً وأيده كثير من الزعماء والأدباء والصحفيين، منهم غير من ذكرنا سلفاً الشاعر ولي الدين يكن الذي يقول من قصيدة له: أزيلي الحجاب عن الحسن يوماً ... وقولي مللتك يا حاجبه فلا أنا منك ولا أنت مني ... فرح ذاهباً ها أنا ذاهبة (19) والشاعر العراقي الزهاوي، ومن ذلك قوله: هزأوا بالبنات والأمهات ... وأهانوا الزوجات والأخوات هكذا المسلمون في كل صقع ... حجبوا للجهالة المسلمات سجنوهن في البيوت فشلوا ... نصف شعب يهم بالحركات منعوهن أن يرين ضياء ... فتعودن عيشة الظلمات إن هذا الحجاب في كل أرض ... ضرر للفتيان والفتيات وكانت الصحافة أعظم المؤيدين للفكرة التي انتشرت في بلاد الشام والمغرب على أثر نجاحها في مصر. أما بلاد الشام فمن الواضح أن الدعوة فيها تعرقلت بالنسبة لمصر حتى إن أول كتاب يتحدث عنها لم يصدر إلا سنة 1928م أي بعد وفاة قاسم بعشرين سنة، وهو الكتاب الذي ألفته - أو ألف باسم - نظيرة زين الدين بعنوان "السفور والحجاب " ولعل مما يثير الانتباه أن الذي قرظه هو علي عبد الرازق صاحب (الإسلام وأصول الحكم) وكان مما قال: "إني لأحسب مصر قد اجتازت بحمد الله طور البحث النظري في مسألة السفور والحجاب إلى طور العمل والتنفيذ، فلست تجد بين المصريين إلا المخلفين منهم من يتساءل اليوم عن السفور هو من الدين أم لا ومن العقل أم لا ومن ضروريات الحياة الحديثة أم لا بل نجدهم حتى الكثير من الرجعيين المحجبين منهم يؤمنون بأن السفور دين وعقل وضرورة لا مناص لحياة المدينة عنها". هذا من الوجهة النظرية أما التطبيق الواقعي للفكرة فقد حمل العبء الأكبر منه الحركة التي أسميت "حركة النهضة النسائية " وأشهر رائداتها: هدى شعراوي وسيزا نبراوي سكرتيرتها، وباحثة البادية ومنيرة ثابت، وقد التف حولهن عصبة ممن خلعن رداء الحياء وسخرن أنفسهن لخدمة الدوائر الصليبية. في ذلك الجو العاصف انبرت هدى ورفيقاتها للدفاع عن حقوق الوطن وطرد المحتلين ولكن بماذا؟ لقد خرجن في مظاهرة ومزقن الحجاب وأحرقنه في ميدان عام، وكان هذا أعظم إسهام منهن في الثورة، وإذ حدث أن الجنود البريطانيين - لحاجة في نفس يعقوب - طوقوا الشوارع ساعة المظاهرة واعتدوا على بعض المتظاهرات – فقد بدا ذلك في أعين الشعب محاولة من بريطانيا لمنع المرأة المصرية من التحرر، وبذلك اكتسبت الحركة صفة البطولة الوطنية!! (23). وتظهر الحقيقة أجلى وأوضح إذ علمنا أنه في تلك الفترة نفسها كان أتاتورك يهدم الإسلام تحت زيف البطولة الوطنية أيضاً.

لقد اعتبرت هذه البطولة مبرراً كافياً للانقضاض على الأخلاق بل لمهاجمة أحكام الإسلام علانية، إذ ردد دعاة الإباحية قولهم: أليس الجنس اللطيف الذي أدى دوره في الثورة الوطنية بإخلاص جديراً بأن يتساوى في كل شيء مع الجنس الخشن؟ أتريدون أن تقدم المرأة للوطن كل شيء ولا يقدم الوطن لها شيئاً؟. ولكن الحق لم يلبث أن انكشف وإذا بالحركة النسائية في حقيقتها حركة عملية مريبة ترتبط خارجياً بالدوائر الاستعمارية وداخلياً بالزعماء المصطنعين. ....... وكان من ثمرة الحركة النسائية ولادة الصحافة النسائية، فقد صدرت مجلة "فتاة الشرق " قبل الحرب العظمى الأولى، ومما تجدر الإشارة إليه أن كل عدد من أعدادها يحوي نماذج وصوراً لأزياء الشهر (30). التي ظهرت في أوروبا، الأمر الذي مهد لوقوع المرأة المسلمة في شباك مصيدة الأزياء اليهودية كما وقعت المرأة النصرانية في الغرب. وأسهمت المجلات غير النسائية بنصيبها في الحركة فكانت "الهلال " ومثلها المقتطف والعصور تنشر إلى جانب المناقشات الفكرية للموضوع صور المتبرجات من شرقيات وغربيات وتحيطها بهالة من التعظيم تغري القارئات بمحاكاتهن. وفي المجال التعليمي حرص لطفي السيد وطه حسين وأتباعهما على أن يكون التعليم مختلطاً فيه الذكور والإناث واشتد الصراع في الجامعة من أجل ذلك، وكتب الرافعي "شيطان وشيطانه" رداً على طه حسين وسهير القلماوي، كما كتب مقالاً يحيي فيه طلبة الجامعة الذين رفضوا الاختلاط (31) ولكن الانتصار كتب لدعاة الاختلاط، فقد كان في صفهم الزعماء السياسيون – ومعظم الصحف، وكل القوى الدخيلة من مبشرين ومستشرقين في الجامعة وغيرها، إذ أن هذه القوى مجتمعة فزعت لظهور الحركة الإسلامية الطلابية وحاربتها أشد الحرب. ولم يقنع الكتاب النسائيون بما حققته الدعوة من مكاسب ونجاح ولعل مرد ذلك إلى أن الأسياد ينتظرون المزيد، بل ظلت الحرب النفسية مستمرة فبعضهم يغرق في المبالغة والوهم حتى يجعل وضع المرأة هو المسئول عن مشكلات مصر من أولها إلى آخرها، كما قال سلامة موسى: "تعدد مشكلاتنا يوهم اختلافها في الأصل وإنها لا يتصل بعضها ببعض، ولكن المتأمل المفكر يستطيع أن يجد النقطة البؤرية لجميع هذه المشكلات والنقطة البؤرية الوحيدة هنا هي أن نظامنا الإقطاعي في نظرته للعائلة ومركز المرأة والأخلاق الأبوية والنظرة الاجتماعية، كل هذا يعود إلى مشكلة واحدة هي أن آراءنا الإقطاعية القديمة التي ورثنا معظمها عن الدولة الرومانية الملعونة (لا يريد أن يعترف بالإسلام) لم تعد تصلح للحياة العصرية وأن متاعبنا وأرزاءنا واصطداماتنا تنبع من هذا الكفاح الذي نكافحه نحو ديمقراطية جديدة نتخلص بها من الحياة الإقطاعية ") 32). أما إسماعيل مظهر فقد جمع شبهاته القديمة وآراء غيره ونسقها في كتاب أسماه (المرأة في عصر الديمقراطية) جاء فيه: .......... "لقد اتخذ الرجعيون الذين يرهبون التطور فرقا من أوهام سلطت عليهم أو رغبة في بسط سلطانهم على النساء من بضعة نصوص أشير بها إلى حالات قامت في عصور غابرة سبيلاً إلى استعباد النساء استعباداً أبدياً، لقد حضت المرأة في ذلك العصر أن تقر في بيتها وان لا تتبرج تبرج الجاهلية الأولى " (34) ثم أخذ يناقش كلا الدليلين: "إن المعنى الذي يستخلصه أصحاب الرجعية من حض المرأة على أن تقر في البيت معنى غامض كل الغموض الذي يكتنفه فإنهم لا يريدون أن يفسروه حتى تتحدد المعاني القائمة في نفوسهم منه.

أما إذا أرادوا أن تكون المرأة سجينة البيت فكيف يوفقون بين هذا المعنى وبين حاجات الحياة الضرورية؟ وإذا أرادوا أن يكون تفسيره أن تقر المرأة في البيت إذا لم يكن لها ما يشغلها خارجه، فلذلك هو الواقع في حياتنا الحديثة " (35). " ... ولكن المصيبة التي أصابنا بها أولئك المستغرقين (كذا) في النظر في الحياة بمنظار القبلية البدائية، أنهم يعتقدون أن كل تجمل تبدو به المرأة هو تبرج وأنه تبرج الجاهلية الأولى، ذلك في حين أن كلمة "التبرج"ليس لها حدود التمرينات الرياضية، وفي حين أنه لم يصلنا عنهم وصف شامل لتبرج الجاهلية الأولى!!! ". " ... فغالب الظن بل الأرجح تغليباً أن المقصود به (أي التبرج عادة ألفت في الأزمان الأولى كانت في نشأتها شعيرة من شعائر الوثنية، أي شعيرة دينية، فإن البغاء على ما يعرف الآن من تاريخه وتطوره قد نشأ في أوله نشأة دينية، فكان شعيرة من شعائر التقرب من الآلهة ". ثم يقول: "فلما جاء الإسلام .. عطف إلى ناحية المرأة فاعتبرها نصف إنسان وأضفى عليها من الكرامة والاحترام ذلك القدر الذي لا يزال حتى الآن موضع انبهار كل المشترعين " غير أن خمسة عشر قرناً من الزمان كافية في الواقع لأن تهيئ العقلية الإنسانية إلى خطوات أخرى في التشريع للمرأة ... ". "ومن هذه الناحية لا أرى ما يمنع مطلقاً من أن ترفع المرأة إلى منزلة المساواة بالرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية: في الميراث وفي قبول الشهادة وفي العمل وفي الاستقلال الفكري والاقتصادي، وبالجملة في جميع الأشياء التي تكمل بها إنسانيتها، ذلك بأنها إنسان" (36). ثم تلاه خالد محمد وكتابه (الديمقراطية أبداً) وكان نصيب المرأة من الديمقراطية شيئين: 1 - حق المرأة في وقف تعدد الزوجات، وعلى ذمته ينسب إلى محمد عبده أنه قال "يجب تحريم التعدد الآن عملاً بحيث لا ضرر ولا ضرار" (37). 2 - تأميم الطلاق-على حد تعبيره - (38). ........ وهكذا ظل الناعقون يصيحون من كل مكان ويسلكون كل اتجاه -فكرياً أم عملياً - حتى آل الأمر إلى الواقع المؤلم الذي عبر عنه أوفى تعبير "جان بول رو "بقوله: "إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات ويقلب رأساً على عقب المجتمع الإسلامي لا يبدو في جلاء أفضل مما يبدو في تحرير المرأة " (40) لقد عمت الفوضى الأخلاقية العالم الإسلامي من أقصاه إلى أدناه على تفاوت في ذلك، وتولى الجيل الذي رباه المستعمرون تربية جيل جديد أكثر مسخاً وانحلالاً، وحوربت أحكام الله على يد أبطال الاستقلال أكثر مما حوربت بأيدي المستعمرين، ولنستمع إلى "رو"وهو يقرر ذلك قائلاً: "في تركية سنة 1929م صدر قانون مدني على غرار قانون "نوشاتيل" المدني السويسري فحرم تعدد الزوجات وقضى على الحجاب والحريم ونظرة الطلاق، وفي برهة وجيزة جعل من المرأة التركية شقيقة المرأة السويسرية وصنوها " (41). "وفي الجزائر أوحت الثورة للنساء بالكفاح فخرجت العذارى المحاربات من بيوتهن ونزعن الحجاب لأول مرة منذ أن اعتنقت بلادهن الإسلام، وهنا تكون المعركة النضالية قد فعلت ما عجز السلام عن فعله " أي كما فعلت الثورة الشعبية المصرية ". وفي تونس "أعلن السيد بورقيبة عدة قرارات هي بمثابة ثورة تعدد الزوجات وجعل السن الدنيا لزواج الفتاة الخامسة عشرة ثم تحرير المواطنين والمواطنات الذين تخطوا العشرينات من عمرهم من موافقة الوالدين إذا ما أرادوا عقد الزواج، وفي نفس الوقت أعلن السيد بورقيبة ... بأن الطلاق لا بد من أن يخضع للمحاكم (43) ... " هذا وقد نشرت مجلة العربي في استطلاع لها عن تونس صورة للوحات الدعاية المنصورية في الشوارع ففي كل ميدان لوحتان إحداهما تمثل أسرة ترتدي الزي المحتشم مشطوبة بإشارة (×) والأخرى تمثل أسرة متفرنجة ومكتوب تحتها "كوني مثل هؤلاء "! إلى جانب ذلك يأتي التعليم المختلط والنوادي المختلطة والشواطئ (البلاجات) المختلطة، وتأتي الأزياء الخليعة المستوردة من بيوت اليهود في الغرب، وتأتي موانع الحمل ووسائل الإجهاض. إلى جانب ذلك يكون الاختلاط الفاضح في دوائر الحكومة والمؤسسات وفي وسائل المواصلات وفي الشقق والمساكن وفي كل مكان في معظم أقطار العالم الإسلامي. إن التربية غير السليمة لا يمكن أن تنتج إلا جيلاً غير سليم، وها هو ذا الجيل المعاصر المنكود تتجاذبه الشهوات والشبهات وتمزقه التناقضات والغوايات، وتغتاله النزوات المتهورة القاتلة، فلا يستطيع إلا أن يسلم نفسه ذليلاً لشياطين الجن والإنس ينهشون فكره وجسمه ويلهبون ظهره بسياطهم حتى يسقط شلوا ممزقاً على مذبح الفسق والإباحية. والعجيب حقاً أنه مع هذه النذر كلها لا تزال الدعوات المحمومة على أشدها ولا تزال الموجه في عنفوانها ولا تزال الصيحات تتعالى من كل مطالبة بنبذ التقاليد وفصل الأخلاق عن الدين. ¤العلمانية لسفر الحوالي ص621 - 644

ثالث عشر: وسائل تحقيق العلمانية (4) الفقيه في عرف ذلك الزمن هو معلم الكتاب.

ثالث عشر: وسائل تحقيق العلمانية (¬1) سلك العلمانيون في سبيل تحقيق مآربهم أهدافاً عديدة ملائمة لكل زمان ومكان منها ما يلي: 1_ إغراء بعض ذوي النفوس الضعيفة، والإيمان المزعزع بمغريات الدنيا من المال والمناصب. 2_ السيطرة على وسائل الإعلام؛ ليبثوا سمومهم من خلالها. 3_ رفع قيمة الأقزام والمنحرفين وذلك من خلال الدعاية المكثفة لهم، وتسليط الضوء عليهم، وإظهارهم بمظهر العلماء المفكرين، وأصحاب الخبرات الواسعة والقرائح المتفتقة، ويهدفون من وراء ذلك إلى أن يكون كلام هؤلاء مقبولاً عند الناس. 4_ لبس الحق بالباطل وذلك من خلال طَرْقِ العديد من الموضوعات باسم الإسلام، كالاختلاط وغيره. 5_ القيام بتربية بعض الناس على أعينهم في محاضن العلمانية في البلاد الغربية، وإعطائهم ألقاباً علمية مثل: درجة الدكتوراه، أو درجة الأستاذية؛ فيحصل على هذه الشهادة بعد أن يفقد شهادة _ لا إله إلا الله _ وبعد رجوعهم يصبحون أساتذة للجامعات، ويتولون العديد من المنابر؛ ليمارسوا تحريف الدين، وتزييفه، والتلبيس على الناس، وتوجيههم الوجهة التي يريدونها. 6_ اتباع سياسة النفس الطويل والتدرج في طرح الأفكار. 7_ الإكثار من الأحاديث عن موضوعات معينة بهدف إقناع الناس بها انطلاقاً من قاعدة (ما تكرر تقرر). 8_ إشغال الناس بتوافه الأمور حتى لا يدركوا حقيقة العلمانيين. 9_ تشويه التاريخ الإسلامي، وإبراز الجوانب السلبية، مع كتمان الجوانب المشرقة المضيئة بهدف قطع حاضر الأمة عن ماضيها. 10_ الهجوم على الأئمة الأعلام، بل الطعن في الصحابة والتابعين باسم الموضوعية. 11_ إحياء النعرات الجاهلية، والتغني بالوثنيات القديمة. 12_ الطعن في اللغة العربية ووصفها بالجمود، حتى يكرهها المسلمون ويستصعبوها وبالتالي ينقطعون عن فهم تراث أسلافهم، وفهم نصوص الشرع، وكلام الأئمة. 13_ تفسير القرآن ونصوص الشرع تفسيراً عصرياً بحسب ما يروق لهم، ويناسب أهواءهم. 14_ إنشاء المدارس والجامعات، والمراكز الثقافية الأجنبية، والتي تكون في حقيقة الأمر خاضعة لإشراف الدول العلمانية. 15_ الحديث بكثرة عن المسائل الخلافية واختلاف العلماء وتضخيم ذلك الأمر؛ حتى يخيل للناس أن الدين كله اختلافات، وأنه لا اتفاق بين العلماء في شيء مما يوقع في النفس أن الدين لا شيء فيه يقيني مجزوم به، وإلا لما وقع الخلاف، وهم بذلك يريدون صرف الناس عن الدين. 16_ تصوير أهل العلم في كثير من وسائل الإعلام على أنهم طبقة منحرفة خلقياً، وأنهم طلاب دنيا ومناصب ونساء، وذلك بهدف الحط من قيمتهم، وتزهيد الناس بهم. 17_ الهجوم المستمر على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وتصويرهم بأبشع الصور، ودعوى أن ذلك تدخل في شؤون الخاصة. 18_ استغلال الأخطاء الفردية أو الجماعية من قبل بعض الأفراد من المسلمين أو الجماعات الإسلامية وتضخيمها واتخاذها غرضاً ينفذون من خلاله إلى رمي الإسلام والطعن فيه. 19_ تمجيد الغرب، وتعظيم دوره، بهدف إزالة الفوارق، وتحطيم حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين. 20_ الاتكاء على بعض القواعد الشرعية _ المنضبطة بقواعد وضوابط الشريعة _ بقوة، ووضعها في غير محلها كقاعدة: (تغير الفتوى باختلاف المكان والزمان) وغيرها. 21_ اقتباس وجلب المناهج اللادينية من الغرب، وبثها في الصفوف الدراسية، وحذف النصوص التي تخالف أهوائهم. 22_ الهجوم على السنة النبوية وحملتها. 23_ الاحتفاء بالفتاوى الشاذة، ونشرها، وترويجها كالفتاوى التي تبيح الربا، والسفور أو غير ذلك. هذه وسائل تحقيق العلمانية إجمالاً، مع أنه لا يلزم من قال بشيء من ذلك، أو دعا إليه أن يُصنَّف، أو يوصم بالعلمانية؛ فقد يكون مجتهداً، أو جاهلاً، أو متأولاً. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 502 ¬

(¬1) (4) الفقيه في عرف ذلك الزمن هو معلم الكتاب.

رابع عشر: فشل الأحزاب العلمانية العربية

رابع عشر: فشل الأحزاب العلمانية العربية تكونت العديد من الأحزاب والتجمعات العلمانية أو المتأثرة بها في الوطن العربي خلال القرن العشرين، وانتهت إلى الفشل الذريع في تحقيق الديمقراطية وحرية الرأي والتقدم التكنولوجي والغنى وحقوق الإنسان وهذا لا يمنع تحقيقها لبعض الإنجازات وتحقيق بعض الإنجازات لا يعني أنها ناجحة فلا يوجد شيء شر كله إلا نار جهنم واستخدمت كلمة متأثرين بالعلمانية لأن أغلب هذه الأحزاب لم تعلن تبنيها للعلمانية ولكنها عاشت بطريقة علمانية بعيدة عن الإسلام وأهدافه وعلمائه. وتعاملت مع الواقع من خلال منهج يتعامل مع الشعارات الوطنية وأهداف الحرية والمساواة والعدل والتحرير والخطابات الحماسية وترك الأمور للقيادة السياسية للحزب أو حتى للفرد الأول في الحزب سواء كان حاكما أو معارضا وجاءت نهاية هذه الأحزاب في الغالب بأيدي أصحابها نتيجة تبنيهم للعلمانية، أو تأثرهم بها، فهم مختلفون حتى ولو اتفقوا على بعض الأهداف العامة والتي عادة لا يختلف معها أي مخلص كاستقلال الأوطان وإنصاف الفقراء أو غير ذلك وهذا أدى من أول الطريق إلى ظهور الاختلافات الكثيرة الفكرية والسياسية بين العلمانيين في التعامل مع الواقع والأحداث مما أوجد الصراع والانشقاقات والتصفيات بين أعضاء الحزب الواحد لأن الأحزاب العلمانية لا تتبنى عقيدة أن القتل حرام، أو السجن بلا ذنب حرام حتى في التعامل مع المنتمين لها، وليس لها مبادئ أخلاقية هي ملتزمة بها بل كل صفحات الأخلاق غير موجودة في أدبيات هذه الأحزاب أو توجهاتها فقد أصبح أصحابها إما قاتلا أو مقتولا أو هاربا أو معزولا وانتهى الأمر فيها إلى تحكم فردي أو عائلي أو عشائري أو عسكري أو تحالف مع أجانب أو منافقين وأصبح هدفها الوحيد البقاء في المناصب وفتنة المناصب والمال فتنة عظيمة واقرءوا إن شئتم اعترافات كثيرة لأفرادها في مقالات ومقابلات وكتب لتقتنعوا بأن الرابطة العلمانية ضعيفة وأن العلمانية هي منبع الضعف والاختلاف والجهل والضياع، ولتقتنعوا أن الشعوب لم تتجاوب مع هذه الأحزاب إلا في حالات محدودة وهو تجاوب مع مصلحة الأوطان أكثر من أي شئ آخر ولتقتنعوا بأن هذه الأحزاب أصبحت فعليا نموذجا مثاليا للاستبداد والضعف والنفاق والغموض وانتهاك حقوق الإنسان وفشلوا أيضا اقتصاديا، وأصبحت دولهم من أكثر الدول فقرا وتخلفا، وانتشرت فيها الرشاوى والسرقات ولم يقتصر فشل الأحزاب العلمانية داخل أوطانها بل أيضا اختلفت وتصارعت مع جيرانها أحيانا كثيرة، وساهمت في تطوير الإنتاج العالمي بمصطلحات جديدة للشتم والسخرية والانهزامية، وهذا وغيره جعل المواطن العربي العادي يترحم على أيام الاستعمار، وعلى أنظمة قديمة اتهمت بالرجعية والعمالة قال الدكتور فؤاد زكريا عما حدث في الثمانينات من القرن العشرين (فإن التقدميين، والديمقراطيين، والعلمانيين، لم يكن لهم دور في هذا التحريك المفاجئ للأحداث بل كان يبدأ في الوقت الذي حدثت فيه المفاجأة أنهم وصلوا إلى طريق مسدود لا مخرج منه) وما أكثر ما ينتقد العلمانيون العرب دولنا العربية والإسلامية وتاريخنا وشريعتنا، ونقول لهم بأن البديل الذي تسعون إليه تم تطبيقه في الغرب والشرق وأثبت فشله واضحا في حروب عالمية، وشهوات ومخدرات وشقاء شخصي وتعاسة أسرية، وما تدعون إليه تم تطبيقه في العديد من الدول العربية خلال القرن العشرين وفشل فشلا ذريعا، وليس هدفنا إحراج أحد بذكر أمثلة تفصيلية فالمتأمل في واقع بعض الدول العربية يقتنع بذلك، وهذه تجارب واقعية، وكان كثير من قياداتها مخلصون وصادقون ولكن حققوا الفشل الكبير!!.

لماذا أيها العلمانيون الجدد تريدون تكرار نفس الخطأ؟ لماذا لا تسألون العلمانيين القدماء أو من تأثر بالعلمانية لماذا فشلتم؟ لماذا لم تطبقوا الديمقراطية؟ لماذا لم تفتحوا الأبواب للحرية؟ لماذا لم تحققوا التقدم الاقتصادي؟ ولماذا لم تسألوهم لماذا تصارعتم واختلفتم ولجأتم للقتل والتعذيب والسجن فيما بينكم وفي تعاملكم مع الشعوب؟ ومشكلة العلمانيين الجدد أنهم لا يعتبرون أي نظام عربي قديم أو حديث يمثلهم سواء كان رأسماليا، أو اشتراكيا، أو شيوعيا، أو عرقيا، أو غير ذلك، هم فعلا يتكلمون عن سراب وأحلام وأوهام وظنون وتوقعات لأن ما يريدون لم ينجح أحد في تطبيقه ومع هذا يصرون عليه. وهم يفعلون ذلك لأن الله أعمى بصائرهم، وهم يفعلون ذلك لأن من طبيعتهم الاختلاف حتى مع أنفسهم وأساتذتهم، فكلما جاءت أمة لعنت أختها. أتمنى أن يستمعوا لما نقول لهم ولا يضعوا أصابعهم في آذانهم!! ... قولوا لنا: لماذا انتهيتم إلى جزر معزولة وأفراد يائسين ومتذمرين وقلقين؟ وقولوا لنا كم من فتنة سياسية وفكرية كنتم أنتم وراءها؟ وكم من الاختلاف والتنافر والغضب زرعتموه في الشعوب؟ ويا ليتكم تؤمنون بالديمقراطية وتحتكموا للشعوب، وإذا فعلتم ذلك فلن تجدوا تأييد لكم فاقتنعوا بحكم الشعوب ووفروا جهودكم. ونحن أمة ذات عقيدة إسلامية، وذات فكر صحيح وواقعي ومعتدل، أخرج الله سبحانه وتعالى البشر به من الظلام إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، وهو الفكر الذي جاء به الأنبياء جميعا وسار عليه الصالحون في كل زمان ومكان، ودخلت علينا في القرن العشرين عقائد علمانية تريد أن تغير عقائدنا، ومبادئنا، فتتهمنا بالتخلف والرجعية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتأثر بعض شبابنا بالأفكار العلمانية خاصة منهم من درس في أمريكا وأوربا فعادوا ليشعلوا الفتنة في الأمة، وكان شيئا طبيعيا أن يغضب كل مسلم واع من هؤلاء، ويدخل في صراع معهم لأن مكانة الإسلام عندنا مقدسة، ولأننا أمة نكره الكفر والشرك، ونريد أن نحاربه أينما وجد فكيف نرضى به في أرضنا؟! وسيكون الفكر الإسلامي هو المنتصر إن شاء الله سواء كان الحسم سلميا أو عنيفا ليس فقط لأن المسلمين أصبحوا يزدادون كل يوم في وعيهم وثقافتهم وخبرتهم السياسية والإدارية بل أيضا لأن العلمانيين بحكم طبيعة الفكر العلماني متفرقون ومتناقضون وانعزاليون ويتصارعون فيما بينهم، واتفاقاتهم سطحية وكثير منهم تركوا " النضال " وقضايا الإصلاح واكتفوا بالتنظير والكلام والجدل وتوزيع الاتهامات، فليست لديهم قواعد شعبية، ولا بناء فكري واضح، ولم يعودوا يمثلون للشعوب القدوة في الشجاعة والتضحية والوعي والعلم!!. ¤العلمانية في ميزان العقل لعيد الدويهس

خامس عشر: العلمانيون هم أهل الفتنة واليأس

خامس عشر: العلمانيون هم أهل الفتنة واليأس قد يدري العلمانيون أو من تأثر بالعلمانية والأغلب أنهم لا يدرون أنهم أحد أكبر أعداء شعوبنا وأمتنا لأنهم أشعلوا كثيرا من الفتن العقائدية والسياسية والاجتماعية مما أدى إلى تفرق أمتنا وشعوبنا إلى أفراد وجماعات وحكومات وتجمعات متناقضة ومتنافرة والتفرق هو العمود الفقري للضعف والهزيمة والتخلف. قال تعالى: وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين [الأنفال:46] وإليكم الأدلة:- 1 - مطالبات العلمانيين بحرية التهجم على الدين، وفصل الدين عن الدولة، ورفض تطبيق الشريعة، وحماية الروايات الجنسية (بحجة الإبداع الأدبي)، وتقليد الغرب في بعض عقائده وعاداته واحتفالاته .. إلخ أدت إلى فتن عقائدية واجتماعية والى إشغال الشعوب بقضايا محسومة، ومن المعروف أن الاختلاف العقائدي هو أكثر الأنواع تدميراً للوحدة الشعبية، وأكثرها زرعاً للكراهية والتنافر، وتم استغلال هذه الاختلافات من بعض من فسدت ضمائرهم وأخلاقهم، فزادوا في انحرافاتهم واعتداءاتهم على مصالح الوطن والأمة، وأحب أن أذكر أن العلمانيين العرب الحقيقيين قلة قليلة وضعيفة جداً، ولكنهم نجحوا في الهدم وإثارة الشبهات والتشويش على أبصار وعقول فئات أخرى نتيجة جهل الشعوب، وضعف وعيهم واتصالاتهم، فإذا كنا كمسلمين عرفنا بفضل الله سبحانه وتعالى الحق من الباطل، والهداية من الضلال في القضايا العقائدية والتشريعية، فإن العلمانيين يريدون أن نقف ونفكر ونتساءل أين الحق وأين الباطل؟ وما هي الحرية؟ وما هو العدل؟ وهذا بحد ذاته فتنة ناهيك عن إضاعة الجهد والوقت. 2 - لازال وسيبقى العلمانيون ضعيفين فكرياً وسياسياً، فهم أولاً قليلو العدد، وثانياً متناقضون فكرياً وسياسياً، وفيهم الرأسمالي والاشتراكي والشيوعي وغير ذلك، وأحياناً يسمون القوى المتحالفة غير الدينية، وهذا الضعف انعكس في قدراتهم على تحقيق إنجازات طيبة سواء على مستوى الحكومات، أو الأحزاب، أو حتى النقابات والاتحادات الطلابية. ومن وصل منهم إلى الحكم فشل في تحقيق الإنجازات الطيبة مع ضخامة الموارد التي كانت تحت سيطرتهم سواء كانت بشرية أو مادية. ولا شك أن الضعف الفكري والسياسي سيحد كثيراً من القدرة على وضع رؤية للإصلاح، ووضع الخطط الاستراتيجية والشاملة للتنمية. ومعرفتهم بضعفهم جعلتهم يبحثون عن أي "قوة" ليستفيدوا منها في إعطاء وزن لهم، ولهذا وجدناهم يتحالفون مع حكومات اشتراكية ويسارية، ثم مع حكومات يمينية، وكانوا ضد أمريكا، واليوم أغلبيتهم معها فكرياً وسياسياً، ولم يمانعوا أن تستند قوتهم على أعراق معينة، أو تكتلات سياسية، أو حتى شعارات فكرية، فالمهم أن يبقوا ويعيشوا حتى ولو تنكروا لبديهيات مبادئهم المحدودة، وهذا التقلب أفقد الناس الثقة بهم، كما أدى إلى فتن وضبابية إلى درجة أننا لم نعد نعرف من يحارب من؟! وماذا يريد هذا أو ذاك؟! ومن هو عدو الأمة ومن هو صديقها؟!

3 - قدرة العلمانيين الكبيرة لأنهم أبناء الفلاسفة في توجيه الاتهامات، وإثارة الشكوك مما جعلهم يتهمون الحكومات والجماعات والأحزاب والأفراد بتهم متنوعة، فهذا متطرف، وهذا عميل، وهذا ضعيف، وهذا حرامي، وهذا كذاب، وهذا أحمق، وهذا إرهابي، وهكذا .. فحتى الأعمال الخيرية لم تسلم من تشويه أهدافها مع أن أعمالها ظاهرة جداً في كفالة الأيتام، ومساعدة الفقراء، وبناء المدارس والمستوصفات والمساجد، ولم يقتصر التشكيك على الواقع ومن فيه بل امتد حتى تاريخنا، وأخذوا يكذبون كل ما فيه من إيجابيات، ويصدقون كل ما كتب عنه من سلبيات، بل يضيفون لها سلبيات جديدة، ولو صدقنا هذه الاتهامات لفقدنا ثقتنا في كثير مما في واقعنا من حكومات وتجمعات وأفراد ومؤسسات، ولتركنا العمل، وتقاعسنا عن المشاركة في البناء، ومن جهل العلمانيين ظنهم أن هذه الاتهامات لن يكون لها نتائج مريرة تفسد الود والوحدة والاحترام والتفاؤل، ومن طبيعة البشر أن يكرهوا من يتهمهم حتى ولو كان صادقاً، فكيف لو كان كاذباً أو جاهلاً يتبع الظنون؟ وكثيرا ما يكون الكلام أشد فتكاً في النفوس والشعوب من الرصاص، ويشعل من الكراهية والعنف الشيء الكثير، ويؤدي إلى التفرق والضعف، ونحن لسنا ضد الحوار العلمي الهادئ الباحث عن الحق والموضوعية والاعتدال ولكننا ضد اتهامات كاذبة وباطلة لعقائدنا وقيمنا وتاريخنا. 4 - قال الدكتور فؤاد زكريا "أما التجارب التاريخية، فلم تكن إلا سلسلة طويلة من الفشل إذ كان الاستبداد هو القاعدة والظلم هو أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم والعدل والإحسان والشورى وغيرها من مبادئ الشريعة لا تعدو أن تكون كلاماً يقال لتبرير أفعال حاكم يتجاهل كل ماله صلة بهذه المبادئ السامية" أي قارئ لهذا الكلام سيصاب باليأس والتشاؤم إذا صدقه، ولكن الحقيقة غير ذلك فقد حققنا سلاسل من النجاح فأنشأنا دولا عظمى، وحققنا الوحدة السياسية لعالمنا العربي عدة مرات، وحققنا كثيرا من العدل والرحمة والشورى .. الخ وحققنا انتصارات عسكرية وتطوراً اقتصاديا وعلميا وثقافيا، فالخلافة العثمانية كانت دولة عظمى لعدة قرون، وغير ذلك كثير، فهل حققنا هذا من خلال الاستبداد والظلم!! ولا شك أن الشورى طبقت مرات كثيرة، وكذلك العدل، وأغلب دولنا كانت العلاقة فيها طيبة بين الحكومات والشعوب وكان هناك مبادئ وأعراف تفرض العدل والاحتكام إلى الشريعة، وكلنا يعرف أن التكافل الاجتماعي قوي في المجتمع المسلم، ومن المعروف أن الإنجازات الطيبة التي تم تحقيقها كثيرة في عصرنا الحالي، ولكن العلمانيين يشككون فيها، أو في أصحابها، فهم يحطمون الأمة باليأس، ولاشك أن الهزيمة النفسية هي من أخطر أعداء الأوطان والأمم، فهي أخطر من الهزائم العسكرية والتخلف التكنولوجي والفقر، ويريد منا أعداؤنا أن نيأس وأن يشك بعضنا في بعض وهذا ما يفعله العلمانيون، بل وما يصرون عليه حتى لا تكاد تجدهم يمدحون أحدا في الأمة، وأمة لا تثق في حكوماتها وعلماء الإسلام وقيادتها لا شك أنها أمة ستبقى ضعيفة، فلابد أن نحذر من البيئة الملوثة التي صنعها العلمانيون فقتلت الحماس والبناء، والعلمانيون هم طابور خامس من حيث يدرون أو لا يدرون.!! ¤العلمانية في ميزان العقل لعيد الدويهس

سادس عشر: نتائج العلمانية في العالم العربي والإسلامي

سادس عشر: نتائج العلمانية في العالم العربي والإسلامي قد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم. وهاهي بعض الثمار الخبيثة للعلمانية: 1 - رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة، والاستعاضة عن الوحي الإلهي المُنزَّل على سيد البشر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، بالقوانين الوضعية التي اقتبسوها عن الكفار المحاربين لله ورسوله، واعتبار الدعوة إلى العودة إلى الحكم بما أنزل الله وهجر القوانين الوضعية، اعتبار ذلك تخلفًا ورجعية وردة عن التقدم والحضارة، وسببًا في السخرية من أصحاب هذه الدعوة واحتقارهم، وإبعادهم عن تولي الوظائف التي تستلزم الاحتكاك بالشعب والشباب، حتى لا يؤثروا فيهم. 2 - تحريف التاريخ الإسلامي وتزييفه، وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية، على أنها عصور همجية تسودها الفوضى، والمطامع الشخصية. 3 - إفساد التعليم وجعله خادمًا لنشر الفكر العلماني وذلك عن طريق: أ - بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ، والطلاب في مختلف مراحل التعليم. ب - تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن. جـ - منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم. د - تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني، أو على الأقل أنها لا تعارضه. هـ - إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس، ومنعهم من الاختلاط بالطلاب، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش. وجعل مادة الدين مادة هامشية، حيث يكون موضعها في آخر اليوم الدراسي، وهي في الوقت نفسه لا تؤثر في تقديرات الطلاب. 4 - إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة، وهم المسلمون، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد، وصهر الجميع في إطار واحد، وجعلهم جميعًا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر، وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان. فالمسلم والنصراني واليهودي والشيوعي والمجوسي والبرهمي كل هؤلاء وغيرهم، في ظل هذا الفكر بمنزلة واحدة يتساوون أمام القانون، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني. وفي ظل هذا الفكر يكون زواج النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الشيوعي بالمسلمة أمرًا لا غبار عليه، ولا حرج فيه، كذلك لا حرج عندهم أن يكون اليهودي أو النصراني أو غير ذلك من النحل الكافرة حاكمًا على بلاد المسلمين. وهم يحاولون ترويج ذلك في بلاد المسلمين تحت ما سموه بـ (الوحدة الوطنية). بل جعلوا (الوحدة الوطنية) هي الأصل والعصام، وكل ما خالفوها من كتاب الله أو سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - طرحوه ورفضوه، وقالوا: (هذا يعرض الوحدة الوطنية للخطر!!). 5 - نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية، وتشجيع ذلك والحض عليه: وذلك عن طريق: أ - القوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها، وتعتبر ممارسة الزنا والشذوذ من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة. ب - وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة، ونشر الرذيلة بالتلميح مرة، وبالتصريح مرة أخرى ليلاً ونهارًا. جـ - محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات. 6 - محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق:

أ - تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية، والشريعة الإسلامية. ب - إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف، ولتحريف معاني النصوص الشرعية، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يُبصِّرون الناس بحقيقة الدين. 7 - مطاردة الدعاة إلى الله، ومحاربتهم، وإلصاق التهم الباطلة بهم، ونعتهم بالأوصاف الذميمة، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكريًا، ومتحجرة عقليًا، وأنهم رجعيون، يُحاربون كل مخترعات العلم الحديث النافع، وأنهم متطرفون متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور، بل يتمسكون بالقشور ويَدعون الأصول. 8 - التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية، وذلك عن طريق النفي أو السجن أو القتل. 9 - إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله، ومهاجمتها واعتبارها نوعًا من أنواع الهمجية وقطع الطريق. وذلك أن الجهاد في سبيل الله معناه القتال لتكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا يكون في الأرض سلطان له القوة والغلبة والحكم إلا سلطان الإسلام، والقوم - أي العلمانيين - قد عزلوا الدين عن التدخل في شؤون الدنيا، وجعلوا الدين - في أحسن أقوالهم - علاقة خاصة بين الإنسان وما يعبد، بحيث لا يكون لهذه العبادة تأثير في أقواله وأفعاله وسلوكه خارج مكان العبادة. فكيف يكون عندهم إذن جهاد في سبيل إعلاء كلمة الدين؟!! والقتال المشروع عند العلمانيين وأذنابهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض، أما الدفاع عن الدين والعمل على نشره والقتال في سبيله، فهذا عندهم عمل من أعمال العدوان والهمجية التي تأباها الإنسانية المتمدنة!! 10 - الدعوة إلى القومية أو الوطنية، وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس أو اللغة أو المكان أو المصالح، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع، بل الدين من منظار هذه الدعوة يُعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق، حتى قال قائل منهم: (والتجربة الإنسانية عبر القرون الدامية، دلَّت على أن الدين - وهو سبيل الناس لتأمين ما بعد الحياة - ذهب بأمن الحياة ذاتها). هذه هي بعض الثمار الخبيثة التي أنتجتها العلمانية في بلاد المسلمين، وإلا فثمارها الخبيثة أكثر من ذلك بكثير. والمسلم يستطيع أن يلمس أو يدرك كل هذه الثمار أو جُلها في غالب بلاد المسلمين، وهو في الوقت ذاته يستطيع أن يُدرك إلى أي مدى تغلغلت العلمانية في بلدٍ ما اعتمادًا على ما يجده من هذه الثمار الخبيثة فيها. ¤ العلمانية وثمارها الخبيثة لمحمد شاكر الشريف

سابع عشر: لماذا نرفض العلمانية؟

سابع عشر: لماذا نرفض العلمانية؟ - أن الشرع لله ابتداء، وأن شريعة الله هي العليا .. وأن مقتضى ذلك ألا يكون معها شريعة أخرى، وإلا فمعنى ذلك هو الشرك، واتخاذ الآلهة مع الله، والعبادة للأرباب المتفرقين. - إن العلمانية تحل ما حرم الله، وتحرم ما أحل الله، وقبول التحليل والتحريم من غير الله كفر وشرك مخرج من الملة، فلا بد لنا من رفض العلمانية لنحقق لأنفسنا صفة الإسلام. - إن العلمانية ليست معصية ولكنها كفر بواح، وقبول الكفر والرضا به كفر .. ولذلك فلا بد لنا من رفض العلمانية وعدم الرضا بها لنبقى في دين الله، ونحقق لأنفسنا صفة الإسلام. - إن الأنظمة العلمانية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة والتحاكم إلى إرادة الأمة بدلاً من الكتاب والسنة ـ هذه الأنظمة ـ تفتقد الشرعية وموقف المسلم منها يتحدد في عبارة واحدة .. إنه يرفض هذه الأنظمة، ويرفض الاعتراف لها بأيّ شرعية. - إن العلمانية هي أقصى درجات التخلف العقيدي، والذي تنشأ منه كل ألوان التخلف الأخرى .. وهذا التخلف يولّد احتياجاً، والاحتياج يولد تبعية .. ولذلك فنحن نرفض العلمانية لأنها سبب التخلف والتبعية. - إن العلمانية يحكم في ظلها الأراذل والعملاء، وينتج عنها ظواهر اغتراب، وفقدان انتماء، فيؤدي ذلك إلى استنزاف الطاقات، وضياع الجهود، وفساد عريض .. ولذلك فلا بد أن نرفض العلمانية ليسقط حكم الأراذل والعملاء، ويتولى أولوا الألباب قيادة الأمة، فيكون ميلاداً جديداً للأمة الإسلامية، التي تستطيع أن تثب الوثبة القوية، وتنطلق الانطلاقة الواسعة، وتحطم الأغلال التي وضعها الأعداء على المارد الإسلامي. ¤لماذا نرفض العلمانية لمحمد محمد بدري ص85 - 86 بتصرف

ثامن عشر: نظرة في كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ علي عبدالرازق

ثامن عشر: نظرة في كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ علي عبدالرازق برغم ما في هجمة أتاتورك وجنايته على الإسلام من الضراوة والقسوة والشراسة - فإن جناية علي عبدالرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) أشد وأخطر؛ ذلك أن صنيع أتاتورك ردة صريحة، وخروج على الإسلام بقوة السلطان؛ فلا يكون لها أثر إلا بقدر بقاء القوة. أما صنيع علي عبدالرازق فقد كان محاولة للتغيير في أصول الإسلام، ومسلماته. وهذا - بلا ريب - يفعل فعله، ويمتد أثره؛ ليصبح هو التفسير الصحيح لعلاقة الإسلام بالسياسة والحكم. وحينئذ توصد الأبواب - لو قُدِّر لهذه المحاولة أن تنجح - في وجه الإسلام، ويُحال بينه وبين القيادة والتوجيه لحياة الأمة المسلمة. لقد كان كتاب علي عبدالرازق أول كتاب يقدمه رجل ينتمي إلى الإسلام، بل إلى العلم والقضاء معلناً عن نفسه بلا مواربة، مقدماً فيه الفكر العلماني في جرأة لا تعرف الحياء ولا الخجل. ولم تكن كتابته مجرد فقرة قصيرة أو طويلة، بل ولم تكن مجرد مقال طويل يُنشر في إحدى الصحف. وإنما كان كتاباً كاملاً يعرض منهجاً كلياً في معرفة الإسلام، وعلاقته بالحكم. ومما يحسن التنبيه عليه أن الحكومة الكمالية حين ألغت الخلافة العثمانية سنة 1924م - أصدر المجلس الوطني التركي رسالة شرح فيها وجهة نظره في إلغاء الخلافة. إلا أن الرأي العام في العالم الإسلامي لم يقابل هذا العمل بالارتياح، بل أخذ بعض مفكري وعلماء الإسلام يتطارحون الرأي في إقامة الخلافة الإسلامية. أما الرسالة التي أصدرها المجلس التركي فقد كانت بعنوان (الإسلام وسلطة الأمة) أو (الخلافة وسلطة الأمة). وقد تُرجمت إلى العربية، وطُبعت بمطبعة المقتطف بمصر سنة 1924م. وبعد صدور هذا الكتاب سنة 1925م أصدر علي عبدالرازق كتابه المذكور، وكان حينئذ قاضياً بمحكمة المنصورة الشرعية الابتدائية. ويُلاحظ أن بين اسمي الكتاب ومضمونهما تشابهاً، إلا أن الكتاب الأول لم يبلغ ما بلغه كتاب علي عبدالرازق من القدح في علاقة الإسلام بالسياسة. ومما يوضح الشبه بين الكتابين أنه قد جاء في كتاب (الإسلام وسلطة الأمة) ص5 ما نصه: إن هذه المسألة - الخلافة - دنيوية وسياسية أكثر من كونها مسألة دينية، وإنها من مصلحة الأمة نفسها مباشرة، ولم يرد بيان صريح في القرآن الكريم ولا في الأحاديث النبوية في كيفية نصب الخليفة وتعيينه، وشروط الخلافة ما هي ..... وقال علي عبدالرازق في ص16 ما نصه: "إنه لعجب عجيب أن تأخذ بيدك كتاب الله الكريم، وتراجع النظر فيما بين فاتحته وسورة الناس، فترى فيه تصريف كل مثل، وتفصيل كل شيء من أمر هذا الدين مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ [الأنعام: 38] ثم لا تجد فيه ذكراً لتلك الإمامة العامة، أو الخلافة. إن في ذلك لمجالاً للمقال! ليس القرآن وحده الذي أهمل تلك الخلافة، ولم يتصد لها، بل السنة كالقرآن - أيضاً - وقد تركتها ولم تتعرض لها .. وفي رسالة المجلس الوطني التركي ص4 ما نصه: إن الفرقة المسماة بالخارجية تنكر وجوب الخلافة، وتقول إن أمر نصب الخليفة وتعيينه، ليس واجباً على الأمة الإسلامية، بل هو جائز، ووجوده وعدم وجوده سيان .. ويقول علي عبدالرازق في ص33 ما نصه: فكيف وقد قالت الخوارج: لا يجب نصب الإمام أصلاً، وكذلك قال الأصم من المعتزلة، وقال غيرهم - أيضاً - كما سبقت الإشارة إليه. وحسبنا في هذا المقام نقضاً لدعوى الإجماع أن يثبت عندنا خلاف الأصم والخوارج وغيرهم، وإن قال ابن خلدون: إنهم شواذ. وهكذا ردد علي عبدالرزاق في كتابه ما جاء في رسالة المجلس الوطني التركي، وزاد عليها شيئاً من فساد الفهم، وسوء الأدب في حق النبي " وحق كبار الصحابة.

وقد قابلت الدوائر الاستعمارية والمراكز التبشيرية المسيحية كتاب علي عبدالرازق بالترحيب والتصفيق، وذلك لخشيتها من كل فكرة ترمي إلى تكتل العالم الإسلامي، وارتياحها إلى نشر مثل هذه الآراء الخبيثة التي ضمنها علي عبدالرازق كتابه، تلك الآراء التي تخدم أهداف الاستعمار وتحقق آماله في السيطرة على الشعوب الإسلامية، وإذلالها إلى الأبد. وقد كشف المؤلف عن نفسه الخبيثة في حديثه مع مراسل صحيفة (البورص إجبسيان) حينما سأله هذا المراسل: - هل يمكن أن نعتبرك زعيماً للمدرسة؟ فأجاب: "لست أعرف ماذا تعني بالمدرسة؟ فإن كنت تريد بهذا أن لي أنصاراً؛ يسرني أن أصرح لك أن الكثيرين يرون رأيي، لا في مصر وحدها، بل في العالم الإسلامي بأسره". وقد وصلتني رسائل التأييد من جميع أقطار العالم التي نفذ إليها الإسلام. ولا ريب أني رغم الحكم، لا أزال مستمراً في آرائي وفي نشرها، لأن الحكم لا يعدل طريقة تفكيري. وسأسعى إلى ذلك بكل الوسائل الممكنة كتأليف كتب جديدة، ومقالات في الصحف، ومحاضرات، وأحاديث. والآراء التي أراد علي عبدالرازق أن ينشرها بين المسلمين، ويُؤلف فيها الكتب تتلخص في الطعن في حكومة النبي "، واتهام كبار الصحابة بأشنع التهم. ولم يكن من بين هذه الآراء الحض على مكافحة الاستعمار، والجهاد في سبيل الاستقلال والحرية، ولا عجب في ذلك؛ فبيت عبدالرازق كان في ذلك الوقت من البيوت العريقة في خدمة الاستعمار؛ فقد أنشأ حسن عبدالرازق حزب الأمة سنة 1908 لمحاربة الحركة الوطنية، وبعد سنة 1919م انضم آل عبدالرازق إلى حزب الأحرار الدستوريين الذي كان يعمل مع الإنجليز .. وسواء كان الكتاب المنسوب لعلي عبدالرازق من تأليفه هو - كما هو مدون على غلاف الكتاب - أو كان من تأليف بعض المستشرقين كما يذهب إلى ذلك آخرون (¬1) فإن الذي يعنينا هنا أن يُقال: إن العلمانية أعلنت الحرب بغير مواربة على النظام السياسي الإسلامي، وبدأت جولتها معه، التي ربما خُيِّل لأتباعها أنها الجولة الأولى والأخيرة، ولكن وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا [الأحزاب: 25] لقد كان صدور ذلك الكتاب المنبوذ - والذي يعني عند مؤلفه ومن يشايعه إسقاط الخلافة والقضاء عليها من الناحية الشرعية - عام 1925م، أي بعد عام واحد من إسقاط الخلافة والقضاء عليها واقعياً من قِبَلِ أتاتورك وأتباعه. وبصدور ذلك الكتاب بدأت وقائع الجولة الأولى - الظافرة بإذن الله - من أهل الحق في الرد على أهل الباطل وضلالاتهم، وحمي الوطيس، وانتصب للحق أهله ودعاته، وظهرت الردود تلو الردود؛ لترد على الكائدين كيدهم في نحورهم، ولِتفضحَهم أمام أجيال الأمة المعاصرة واللاحقة، وتبين خيانتهم لله ولرسوله وللمؤمنين، ومتابعتهم لأولياء الشيطان من اليهود والنصارى الحاقدين. فقام بالرد عليه السيد محمد رشيد رضا صاحب (مجلة المنار)، وكذلك الشيخ محمد شاكر (¬2) وكيل الأزهر سابقاً، وكذلك الأستاذ أمين الرافعي، وقد أفتى بعض كبار العلماء من أمثال الشيخ محمد شاكر، والشيخ يوسف الدجوي، والشيخ محمد بخيت، والسيد محمد رشيد رضا بِرِدَّةِ علي عبدالرازق مؤلف الكتاب المذكور. رد الشيخ محمد الخضر حسين في كتابه (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم) ¬

(¬1) (8) انظر ((روائع إقبال)). (¬2) (9) ((هل نحن مسلمون)) (136 –137).

كما ألف كبار العلماء كتباً في الرد عليه: فألَّف الشيخ محمد الخضر حسين (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم) وألَّف الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية في وقته (حقيقة الإسلام وأصول الحكم) كما ألَّف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور كتاب (نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم). ومن قبل ذلك فقد عقدت له محاكمة في الأزهر من قبل هيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي شيخ الجامع الأزهر وعضوية أربعة وعشرين عالماً من كبار العلماء، وبحضور علي عبدالرازق نفسه، وقد تمت مواجهته بما هو منسوب إليه في كتابه، واستمعت المحكمة لدفاعه عن نفسه، ثم خلصت الهيئة إلى القرار التالي: "حكمنا؛ نحن شيخ الجامع الأزهر بإجماع أربعة وعشرين عالماً معنا من هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ علي عبدالرازق أحد علماء الجامع الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية ومؤلف كتاب (الإسلام وأصول الحكم) من زمرة العلماء. كما حكم مجلس تأديب القضاة الشرعيين بوزارة الحقانية – العدل- بالإجماع بفصله من القضاء الشرعي. (¬1). وإليك فيما يلي شيئاً من التفصيل عن تلك المحاكمة التي جرت؛ فقد انعقدت هيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ محمد أبي الفضل الجيزاوي، شيخ الجامع الأزهر في ذلك الوقت، صباح الأربعاء 22 المحرم سنة 1344هـ -أغسطس سنة 1925م- وكان عدد أعضائها أربعة وعشرين عالماً، ولما مَثُلَ علي عبدالرازق أمام الهيئة حياها بقوله (السلام عليكم) فلم يرد عليه أحد، وبعد مناقشة طويلة أصدرت الهيئة حكمها بإدانة المتهم، وإخراجه من زمرة العلماء. ويترتب على الحكم المذكور: محو اسم المحكوم عليه من سجلات الجامع الأزهر والمعاهد الأخرى، وطرده من كل وظيفة، وقطع مرتباته في أي جهة كانت، وعدم أهليته للقيام بأية وظيفة عمومية، دينية كانت أو غير دينية. أما حيثيات الحكم، فيمكن إيجازها فيما يلي: 1 - أن الشيخ علياً جعل الشريعة الإسلامية, شريعة روحية محضة, لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا. وقد ردت الهيئة على هذا الزعم الباطل بأن الدين الإسلامي هو إجماع المسلمين على ما جاء به النبي ",من عقائد, وعبادات, ومعاملات لإصلاح أمور الدنيا والآخرة, وأن كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله ", كلاهما مشتمل على أحكام كثيرة في أمور الدنيا, وأحكام كثيرة في أمور الآخرة. وقالت الهيئة: وواضح من كلامه - المؤلف - أن الشريعة الإسلامية عنده شريعة روحية محضة, جاءت لتنظيم العلاقة بين الإنسان وربه فقط, وأن ما بين الناس من المعاملات الدنيوية وتدبير الشؤون العامة فلا شأن للشريعة به, وليس من مقاصدها. وهل في استطاعة الشيخ أن يشطر الدين الإسلامي شطرين, ويلغي منه شطر الأحكام المتعلقة بأمور الدنيا, ويضرب بآيات الكتاب العزيز, وسنة رسول الله" عرض الحائط؟! 2 - ومن حيث إنه زعم أن الدين لا يمنع من أن جهاد النبي " كان في سبيل الملك, لا في سبيل الدين, ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين. فقد قال: " ... وظاهر أول وهلة أن الجهاد لا يكون لمجرد الدعوة إلى الدين, ولا يحمل الناس على الإيمان بالله ورسوله". ثم قال:" ... وإذا كان " قد لجأ إلى القوة والرهبة, فذلك لا يكون في سبيل الدعوة إلى الدين وإبلاغ رسالته إلى العالمين, وما يكون لنا أن نفهم إلا أنه كان في سبيل الملك". على أنه لا يقف عند هذا الحد, بل كما جوز أن يكون الجهاد في سبيل الملك, ومن الشؤون الملكية - جوز أن تكون الزكاة والجزية والغنائم, ونحو ذلك في سبيل الملك - أيضاً -. وجعل كل ذلك على هذا خارجاً عن حدود رسالة النبي " فلم ينزل به وحي, ولم يأمر به الله – تعالى -. ¬

(¬1) (10) ((هل نحن مسلمون)) (139).

والشيخ علي لا يمنع أن يصادم صريح آيات الكتاب العزيز, فضلاً عن صريح الأحاديث المعروفة, ولا يمنع أنه ينكر معلوماً من الدين بالضرورة. وذكرت الهيئة الآيات الواردة في الجهاد في سبيل الله, والآيات الخاصة بالزكاة, وتنظيم الصدقات, وتقسيم الغنائم, وهي كثيرة. 3 - ومن حيث إنه زعم أن نظام الحكم في عهد النبي " كان موضع غموض, أو إبهام, أو اضطراب, أو نقص, وموجباً للحيرة. وقد رضي لنفسه بعد ذلك مذهباً, هو قوله: "إنما كانت ولاية محمد " على المؤمنين ولاية رسالة غير مشوبة بشيء من الحكم". وهذه هي الطريقة الخطيرة التي خرج إليها, وهي أنه جرد النبي " من الحكم. وما زعمه الشيخ علي مصادم لصريح القرآن الكريم, فقد قال الله - تعالى-: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105] ثم أوردت الهيئة آيات كثيرة تتضمن معنى الآية السابقة, وتنحو نحوها. 4 - ومن حيث إنه زعم أن مهمة النبي ", كانت بلاغاً للشريعة مجرداً عن الحكم والتنفيذ. ولو صح هذا لكان رفضاً لجميع آيات الأحكام الكثيرة الواردة في القرآن الكريم، ومخالفاً - أيضاً - صريح السنة. ثم أوردت الهيئة كثيراً من الأحاديث التي تهدم مزاعم المؤلف, وختمت ذلك بقولها: "فهل يجوز أن يقال بعد ذلك في محمد ", إن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان، وإنه لم يكلف أن يأخذ الناس بما جاءهم به, ولا أن يحملهم عليه؟! ". 5 - ومن حيث إنه أنكر إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام, وعلى أنه لا بد للأمة ممن يقوم بأمرها في الدين والدنيا. وقال إنه يقف في ذلك في صف جماعة غير قليلة من أهل القبلة, يعني بعض الخوارج والأصم؛ وهو دفاع لا يبرئه من أنه خرج على الإجماع المتواتر عند المسلمين، وحسبه في بدعته أنه في صف الخوارج, لا في صف جماهير المسلمين. 6 - ومن حيث إنه أنكر أن القضاء وظيفة شرعية, وقال إن الذين ذهبوا إلى أن القضاء وظيفة شرعية جعلوه متفرعاً عن الخلافة, فمن أنكر الخلافة أنكر القضاء. وكلامه غير صحيح, فالقضاء ثابت بالدين على كل تقدير, تمسكاً بالأدلة الشرعية التي لا يستطاع نقضها. 7 - ومن حيث إنه زعم أن حكومة أبي بكر, والخلفاء الراشدين من بعده, رضي الله عنهم, كانت لا دينية, ودفاع الشيخ علي بأن الذي يقصده من أن زعامة أبي بكر لا دينية أنها لا تستند على وحي, ولا إلى رسالة - مضحك موقع في الأسف, فإن أحداً لا يتوهم أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان نبياً يوحى إليه حتى يُعني الشيخ علي بدفع هذا التوهم. لقد بايع أبا بكر, جماهير الصحابة من أنصار ومهاجرين, على أنه القائم بأمر الدين في هذه الأمة بعد نبيها محمد ". وإن ما وصم به الشيخ علي أبا بكر من أن حكومته لا دينية, لم يُقْدِمْ على مثله أحد من المسلمين؛ فالله حسبه, ولكن الذي يطعن في مقام النبوة, يسهل عليه كثيراً أن يطعن في مقام أبي بكر وإخوانه الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم أجمعين- هذه خلاصة الحيثيات التي بنت عليها هيئة كبار العلماء حكمها السالف الذكر. ومنذ ذلك الحين لم تنقطع الكتابات في الرد على كتاب علي عبدالرازق سواء كان ذلك على هيئة كتاب، أو مقال.

وقد حاول بعضهم مساندة علي عبدالرازق، وإعادة وجاهته وقدره عند الناس؛ فبعد اثنين وعشرين عاماً غيرت هيئة كبار العلماء رأيها في الشيخ علي عبدالرزاق؛ فبعد أن كان سنة 1925 كافراً خارجاً على الإسلام, منكراً لكثير مما ورد في القرآن والسنة, إذا هو في سنة 1947 مؤمن يستحق العطف، ويستوجب العفو انظر إلى ما نشرته صحيفة الأهرام في 26/ 2/1947 تحت عنوان (العلماء يلوذون بالعرش في مسألة علي عبد الرزاق بك) وهو ما يلي: "عندما أصابت الأزهر تلك الصدمة التي نزلت فجأة في شيخه الأكبر المغفور له الشيخ مصطفى عبدالرازق اتجهت نية كبار العلماء إلى تكريم ذكراه في شخص شقيقه الأستاذ علي عبد الرزاق بك, وذلك بأن يلوذوا بالسدة الملكية ملتمسين عفواً ملكياً عن أثر القرار الذي اتخذته هيئة كبار العلماء من قبل؛ فما اختمرت هذه الفكرة حتى أخذت سبيلها إلى التنفيذ, وأُعِدَّت صيغة الالتماس الذي يرفع في هذا الشأن, وحمله إلى القصر العامر جماعة كبار العلماء وأعضاء المجلس الأعلى للأزهر". ومما هو جدير بالذكر؛ أنه روعي في رفع هذا الالتماس أن تتقدم به الهيئتان العلمية والتنفيذية في الأزهر: تمثل الأولى جماعة كبار العلماء, وتمثل الثانية المجلس الأعلى للأزهر, وأن يكون الملاذ في ذلك؛ هو جلالة صاحب العرش, بعد أن تبين أن جماعة كبار العلماء لا تملك بوضعها الحالي أن تتخذ قراراً جديداً بإلغاء قرارها الأول في مسألة الأستاذ علي عبد الرازق بك؛ إذ إن مثل هذا القرار يجب أن يصدر بأغلبية ثلثي أعضائها, على أن يكون من بينهم شيخ الأزهر، وذلك يقضي قراراً من عشرين عضواً, على حين أن الأحياء من أعضاء الجماعة لا يبلغون هذا العدد. هذا ما نشرته الصحف 26/ 2/1947, ومنه نرى أن علماء الأزهر, بما فيهم هيئة كبار العلماء كانوا مدفوعين من تلقاء أنفسهم إلى طلب العفو عن علي عبدالرازق, وأن هيئة كبار العلماء لم يتوافر فيها العدد القانوني الذي يمكنها من إلغاء قرارها الصادر في12 أغسطس سنة 1925؛ فلذلك لجأت إلى الملك. والحق أن هذا كله محض كذب وافتراء؛ فقد أراد الملك فاروق أن يعين علي عبد الرازق وزيراً للأوقاف؛ فأمر شيوخ الأزهر بأن يقوموا بهذه الحركة؛ فأطاعوا وتبرعوا بالكذب. وفي يوم 3 مارس سنة 1947 نشرت الصحف مرسوماً بتعيين علي عبدالرازق وزيراً للأوقاف. والعجب أن يكون تكريم ذكرى مصطفى على حساب الدين؛ هذا إذا نظرنا بعين الاعتبار إلى القرار الصادر سنة 1925، وإلى الضجة الهائلة التي أحدثها علماء الأزهر حول الكتاب ومؤلفه. وعلى كل حال فإن الكتاب لقي وما زال يلقى الهوان، والرد عند كل مسلم أومضت في قلبه بارقة إيمان، وإخلاص. بل إن بعض من تحمسوا للكتاب أول أمره، عادوا إلى مناوأته، وتخطئته. بل إن علي عبد الرازق نفسه عندما عرض عليه قبل وفاته عام 1966م إعادة طبع الكتاب مرة أخرى رفض ذلك، كما أنه لم يحاول من قبلُ الردَّ على منتقديه وخصومه (¬1). ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 489 ¬

(¬1) (11) انظر بالتفصيل)) هل نحن مسلمون)) (142 - 143).

تاسع عشر: ماذا بقي للدين؟

تاسع عشر: ماذا بقي للدين؟ هذا هو السؤال الذي يراودنا الآن بعد تلك الرحلة الطويلة! لقد رأينا كيف استؤصلت جذور الدين من كل مجال من مجالات الحياة: في السياسة والاقتصاد، وفي الاجتماع والأخلاق، وفي العلم والفن، فماذا بقي للدين بعد ذلك؟ هل بقي له شيء يذكر سواء على الصعيد النظري أو في واقع الحياة؟ أما على المستوى العلمي والفكري فإن أوروبا - شرقها وغربها- قد استبعدت بصفة مطلقة أن تكلف نفسها البحث في أية قضية من القضايا منطلقة من الدين أو متأثرة به، وأن تستفتي الدين في أي شأن من الشئون. فالعداوة التقليدية المريرة بين الكنيسة والعلم قضت على كل احتمال من ذلك، والمبدأ الأساسي الذي قامت عليه الحياة الأوروبية المعاصرة هو عبادة الهوى وتحكيمه من دون الله، فالإنسان المعاصر الذي شب عن الطوق واستغنى عن الإله لم يعد بحاجة إلى الرجوع إليه .. ليكتب أي باحث ما شاء: نظرية، نقداً، خرافة، لغواً ساقطاً، مجوناً، وفحشاً ... إلخ أي شيء، وليبد رأيه بكل حرية ما دام لا ينبع من المنطقة المحرمة: منطقة الدين، منطقة الحلال والحرام. ومن هنا جاءت كلمة: جورج سانتياتا وهو يلخص المزاج الثقافي للعصر: "إن حياتنا بكاملها وعقلنا قد تشبعا بالتسرب البطيء الصاعد لروح جديدة هي روح ديمقراطية دولية متحررة وغير مؤمنة بالله". وهكذا نجد الباحثين العلميين -حتى من كان منهم يذهب إلى الكنيسة يوم الأحد- يكتبون في كل التخصصات من منطلق العداوة العمياء للدين: فالذي يتحدث في علم النفس يقول: إن الدين كبت ينبغي أن يحطم لكي لا يؤذي الكيان النفسي للفرد! والذي يتحدث في الاقتصاد يقول: إن الاقتصاد الصناعي يحتاج إلى مجتمع متحرر من القيود الموروثة من المجتمع الزراعي ومن بينها كذلك احتجاز المرأة لمهمة الأمومة (إذ ينبغي - في المجتمع الصناعي- أن تخرج المرأة لتعمل! والذي يتحدث في الاجتماع ينظر بعين السخرية إلى تلك السذاجة التي كانت تخيل للناس أن الدين فطري وأنه شيء منزل من السماء، ألا يعلم الناس أن البشر هم الذين ابتدعوا الدين أيام جهالتهم وسذاجتهم؟! انظروا إلى المجتمعات المتأخرة التي ما تزال تعيش في الأحراش في أفريقيا وأستراليا ... وستجدون بذرة الدين هناك في الجهل والسذاجة والخرافة والأسطورة ... ثم انظروا إلى التقدم الحضاري في القرن العشرين! أما تستحون من أن يكون في ضمائركم ووجداناتكم بقية مما ورثتموه عن سكان الغابات والأحراش؟! والذي يتحدث عن العلوم ... العلوم البحتة، لا ينسى الدين كذلك! إنه يذكر الناس بيوم كان الناس متدينين، فكانوا لجهالتهم الشديدة ينسبون ما يحدث في الكون كله إلى الله! يا لجهالتهم! لم يكونوا يعرفون القوانين الطبيعية التي تحكم الكون ... أما نحن العلماء في القرن العشرين. والذي يتحدث في الفن ... يزري بتلك الأيام التي كان التحدث عن الجنس فيها يعتبر عيباً تأباه الأخلاق! تباً لكم أيها المتأخرون! كم كنتم تحجبون من ألوان الجمال الممتع البهيج الأخاذ! انظروا إلينا نحن المتحررين! اليوم نحن نجعل الجنس فناً قائماً بذاته .. لحظة الجنس كون كامل ... تعالوا نتتبعه من جميع أقطاره ... تعالوا نصفه داخل النفوس وفي واقع الحياة ... تعالوا نكشف متعه ومباهجه ... تعالوا نُعري الناس ذكوراً وإناثاً، ونطلقهم ينشطون نشاط الجنس ... ونمسك الكاميرا للتسجيل. والذي يتحدث في السياسة يرثى لحال الإنسان أيام القرون الأولى حين كان يحتكم ويخضع لقوانين غيبية لا يد له في وضعها، وكان محروماً باسم الطاعة الإلهية من كل حقوقه وحرياته!! إلى آخر من يكتبون ويبحثون. هذا على صعيد الفكر والبحث، فماذا على صعيد الحياة العملية؟

إن الشرق الشيوعي يعترف صراحة بأنه قد قضى أو في سبيل القضاء على كل شكل من أشكال العبادة والمظاهر الدينية حتى الشخصي منها، ولذا فلا حاجة للحديث حوله، أما الغرب الرأسمالي الذي يقول: "إن علمانيته من الطراز اللاديني ( Non-Religious) وليست من الطراز المضاد للدين ( Anti -Religious) فإن الأمر في ظاهره يبدو مختلفاً بعض الشيء" إن دعاة اللادينية من المخادعين والمخدوعين هناك يقولون: إنه لا ضرر على الدين من قيام الحياة على اللادين!! فالكنائس ستظل مفتوحة، بل إن عددها ليزداد، وهناك يوم الأحد حيث تقفل الدوائر الرسمية وغير الرسمية أبوابها في حين يكون وعاظ الكنائس ومنشدوها في ذروة نشاطهم، وهناك الحرية الشخصية التي لا تضع على حرية العقيدة أي قيد، وتتيح لأي متحمس للدين أن ينضم إلى سلك الرهبانية أو يشترك في جمعية خيرية أو يسافر ضمن بعثة تبشيرية إلى الخارج، وله الحق أن يوصي عند احتضاره بكل تركته وقفاً على الكنيسة. كما أن من حق الكنيسة أن تقيم طقوسها ومراسمها وحفلاتها بلا اعتراض من الدولة، بل إن رجال الحكومة أحياناً يتشرفون بحضورها. أما الزواج فلا تزال غالبية الجماهير ترى ولو نظرياً أن إقامة طقسه في الكنيسة أفضل من العقود المدنية أو الزواج بلا عقد. وكل هذه الأمور - في نظرهم- تجعل الدين يحتفظ بمكانته ونفوذه -ضمن دائرته الخاصة بطبيعة الحال- وتتيح له أن يوجه أتباعه -في نطاق هذه الدائرة- كما يشاء، ومعنى ذلك أن المخاوف التي يبديها بعض الناس على الدين من جراء تعميم الإجراءات التطبيقية اللادينية على مستويات الحياة عامة لا مبرر لها إطلاقاً! ومن نافلة القول أن نقول: إن الدين كما أنزله الله لا يصح بحال أن ينعزل في زاوية من زوايا الحياة أياً كانت، لكننا نقول بالنسبة لأوروبا: إنه حتى هذه الزاوية التي يوهم دعاة اللادينية الناس بأنهم تركوها للدين لم تظل دينية خالصة، بل طغت عليها موجة التحلل من الدين حتى أفقدتها معناها، وتركتها مظاهر صورية جوفاء لا أثر لها في مشاعر الناس ولا في سلوكهم. ¤العلمانية لسفر الحوالي ص 493 - 497

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - تهافت العلمانية، عماد الدين خليل. - الإسلام والحضارة الغربية، محمد محمد حسين. - العلمانية، سفر بن عبد الرحمن الحوالي. - تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة، محمد عبدالله عنان. - الإسلام ومشكلات الحضارة، سيد قطب. - الغارة على العالم الإسلامي، ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي. - الفكر الإسلامي في مواجهة الأفكار الغربية، محمد المبارك. - الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، محمد البهي. - الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه، د. يوسف القرضاوي. - العلمانية: النشأة والأثر في الشرق والغرب، زكريا فايد. - وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية للخروج من دائرة الكفر الاعتقادي، د. محمد شتا أبو سعد، القاهرة، 1413هـ. - جذور العلمانية، د. السيد أحمد فرج دار الوفاء المنصورة 1990م. - علماني وعلمانية، د. السيد أحمد فرج – بحث ضمن المعجمية الدولية بتونس 1986م. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثاني عشر: الليبرالية

أولا: مفهوم مصطلح الليبرالية الليبرالية مصطلح أجنبي معرب مأخوذ من ( Liberalism) في الإنجليزية، و ( Liberalisme) في الفرنسية، وهي تعني " التحررية "، ويعود اشتقاقها إلى ( Liberaty) في الإنجليزية أو ( Liberate) في الفرنسية، ومعناها الحرية (¬1). وهي مذهب فكري يركز على الحرية الفردية، ويرى وجوب احترام استقلال الأفراد، ويعتقد أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين مثل حرية التفكير، والتعبير، والملكية الخاصة، والحرية الشخصية وغيرها. ولهذا يسعى هذا المذهب إلى وضع القيود على السلطة، وتقليل دورها، وإبعاد الحكومة عن السوق، وتوسيع الحريات المدنية. ويقوم هذا المذهب على أساس علماني يعظم الإنسان، ويرى أنه مستقل بذاته في إدراك احتياجاته، تقول الموسوعة الأمريكية الأكاديمية: ((إن النظام الليبرالي الجديد (الذي ارتسم في فكر عصر التنوير) بدأ يضع الإنسان بدلا من الإله في وسط الأشياء، فالناس بعقولهم المفكرة يمكنهم أن يفهموا كل شيء، ويمكنهم أن يطوروا أنفسهم ومجتمعاتهم عبر فعل نظامي وعقلاني) (¬2).وقول جميل صليبا: " ومذهب الحرية ( Liberalism) أيضا مذهب سياسي فلسفي يقرر أن وحدة الدين ليست ضرورية للتنظيم الاجتماعي الصالح، وأن القانون يجب أن يكفل حرية الرأي والاعتقاد " (¬3). وقد أطلق مصطلح "الليبرالية" على عدة أمور، من أهمها: حركة فكرية ضمن البروتستانتية المعاصرة، وقد أطلق على هذه الحركة اسم "الليبرالية" لأنها تعتمد على حرية التفكير، وانتهاج الفكر العقلاني في التعامل مع النصوص الدينية. يقول " براتراند رسل ": بدأ يظهر في أعقاب عصر الإصلاح الديني موقف جديد إزاء السياسة والفلسفة في شمال أوروبا، وقد ظهر هذا الموقف بوصفه رد فعل على فترة الحروب الدينية والخضوع لروما مركزا في إنجلترا وهولندا .. ويطلق على هذا الموقف الجديد تجاه مشكلات الميدان الثقافي والاجتماعي اسم الليبرالية، وهي تسمية أقرب إلى الغموض، يستطيع المرء أن يدرك في ثناياها عددا من السمات المميزة، فقد كانت الليبرالية أولا بروتستانتية في المحل الأول، ولكن ليس على الطريقة الكالفينية الضيقة، والواقع أنها أقرب بكثير إلى أن تكون تطورا للفكرة البروتستانتية القائلة: إن على كل فرد أن يسوي أموره مع الله بطريقته الخاصة، هذا فضلا عن أن التعصب والتزمت يضر بالأعمال الاقتصادية" (¬4). والبروتستانتية في حد ذاتها اختصرت الطريق أمام الليبرالية العقلانية المحضة، وهذه الحركة الفكرية داخلها أطلق عليها اسم الليبرالية مع أنها لازالت حركة دينية لأنها فسرت الدين بطريقة معينة جعلته متوافقا مع الليبرالية العلمانية. يقول منير البعلبكي: " كما يطلق لفظ " الليبرالية " كذلك على حركة في البروتستانتية المعاصرة تؤكد على الحرية العقلية، وعلى مضمون النصرانية الروحي والأخلاقي، وقد كان من آثار هذه الحركة انتهاج الطريقة التاريخية في تفسير الأناجيل" (¬5). ¬

(¬1) (13) ((مختصر دراسة التاريخ)) (3/ 113). (¬2) (14) ((دراسات في حضارة الإسلام)) (318). (¬3) (18) حسين مؤنس (81 - 82). (¬4) (19) من كلمة "أبو الفتوح رضوان " في المؤتمر:77 من النشرة. (¬5) (35) انظر ((حصوننا مهددة من داخلها))، د. محمد محمد حسين: (ص251).

فقد نشأت الليبرالية كردة فعل غير واعية بذاتها ضد مظالم الكنيسة والإقطاع، ثم تشكلت في كل بلد بصورة خاصة، وكانت وراء الثورات الكبرى في العالم الغربي (الثورة الإنجليزية، والأمريكية، والفرنسية)، ولكن نقاط الالتقاء لم تكن واضحة بدرجة كافية، وهذا يتبين من تعدد اتجاهاتها وتياراتها. يقول "دونالد سترومبرج": "والحق أن كلمة الليبرالية مصطلح عريض وغامض، شأنه في ذلك شأن مصطلح الرومانسية، ولا يزال حتى يومنا هذا على حالة من الغموض والإبهام" (¬1).وفي الموسوعة الشاملة: "تعتبر الليبرالية مصطلحا غامضا لأن معناها وتأكيداتها تبدلت بصورة ملحوظة بمرور السنين" (¬2).وتقول الموسوعة البريطانية: "ونادرا ما توجد حركة ليبرالية لم يصبها الغموض، بل إن بعضها تنهار بسببه" (¬3).وإذا ذكر اسم " الليبرالية " فإنه – كما يقول رسل -: تسمية أقرب إلى الغموض، يستطيع المرء أن يدرك في ثناياها عددا من السمات المتميزة" (¬4). ومن أهم أسباب غموض مصطلح الليبرالية: غموض مبدأ الحرية: حيث يعتمد مفهوم الليبرالية على الحرية اعتمادا تاما، ولا يمكن إخراج "الحرية" من المفهوم الليبرالي عند أي اتجاه يعتبر نفسه ليبراليا. ولكن مفهوم، وكثرة كلام الناس فيه، لا يمكن تحديده وضبطه، لأن أصحاب الأفكار المختلفة في الحرية الليبرالية يعتمد كل واحد منهم على " الحرية " في الوصول لفكرته ....... وقد خرجت أفكار مضادة لليبرالية من رحم الحرية التي تعتبر المكون الأساسي لليبرالية مثل الفاشية، والنازية، والشيوعية، فكل واحدة من هذه المذاهب تنادي بالحرية، وتعتبر نفسها الممثل الشرعي لعصر التنوير، وتتهم غيرها بأنه ضد الحرية. وقد حصل التنازع بين اتجاهات الليبرالية في تكييف " الحرية"، والبرامج المحققة لها، ومن هذا المنطلق جاء المفهوم السلبي، والمفهوم الإيجابي للحرية. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص12 - 18 ¬

(¬1) (36) انظر ((زعماء وفنانون وأدباء))، كامل الشناوي (ص181). (¬2) (37) ((الغارة على العالم الإسلامي)) (ص7). (¬3) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) – (ص 111). (¬4) (3) ((تخليص الإبريز في تلخيص باريز)) (ص168).

ثانيا: الأسس الفكرية لليبرالية

ثانيا: الأسس الفكرية لليبرالية تقوم الليبرالية على أسس فكرية هي القدر المشترك بين سائر اتجاهاتها وتياراتها المختلفة، ولا يمكن اعتبار أي فرد ليبراليا وهو لا يقر بهذه الأسس ولا يعترف بها، لأنها هي الأجزاء المكونة لهذا المذهب والمميزة له عن غيره. وتنقسم هذه الأسس المكونة لليبرالية إلى قسمين: ذاتية مميزة لليبرالية عن غيرها من المذاهب الفكرية الغربية التي ظهرت في عصر النهضة والتنوير، وهي أساسان هما: " الحرية " و " الفردية ". مشتركة بين الليبرالية وغيرها من المذاهب الفكرية الغربية، وهي أساس واحد هو: "العقلانية"، فكل المذاهب التي ظهرت في أوروبا في العصر الحديث خرجت من الفكر العقلاني الذي يعتقد باستقلال العقل في إدراك المصالح الإنسانية في كل أمر دون الحاجة إلى الدين. فالليبرالية حقيقة مركبة تركيبا تاما من " الحرية الفردية العقلانية "، ولكن هذه الأسس المكونة لحقيقتها مجملة، تعددت تصورات الليبراليين في تفصيلاتها الفكرية، فضلا عن آثارها العملية، والطريقة التطبيقية أثناء العمل السياسي أو الاقتصادي ...... , الأساس الأول: الحرية: التي تعني أن الفرد حر في أفعاله، ومستقل في تصرفاته دون أي تدخل من الدولة أو غيرها، فوظيفة الدولة حماية هذه الحرية، وتوسيعها، وتعزيز الحقوق، واستقلال السلطات، وأن يعطى الأفراد أكبر قدر من الضمانات في مواجهة التعسف والظلم الاجتماعي ........ ، الأساس الثاني: الفردية: "الفردية هي السمة الأساسية الأولى لعصر النهضة، فها هو عصر النهضة يأتي كرد فعل لفكر القرون الوسطى، ويتحرر الفرد من الانضباط الكاثوليكي الطويل " (¬1). وقد ارتبطت الحرية بالفردية ارتباطا وثيقا، فأصبحت الفردية تعني استقلال الفرد وحريته. وقد جاءت هذه الفردية بمفهومين مختلفين: أحدهما: الفردية بمعنى الأنانية وحب الذات، وهذا المعنى هو الذي غلب على الفكر الغربي منذ عصر النهضة وإلى القرن العشرين، وهذا هو الاتجاه التقليدي في الأدبيات الليبرالية. والثاني: الفردية بمعنى استقلال الفرد من خلال العمل المتواصل والاعتماد على النفس، وهذا هو الاتجاه البراجماتي، وهو مفهوم حديث للفردية. الأساس الثالث: العقلانية: تعني العقلانية استقلال العقل البشري بإدراك المصالح والمنافع دون الحاجة إلى قوى خارجية، وقد تم استقلاله نتيجة تحريره من الاعتماد على السلطة اللاهوتية الطاغية. ونلاحظ أن الاعتماد على العقل وتحييد الدين جاء بصورة متدرجة، ولكنه استحكم في عصر التنوير، وزاد ترسيخه كمصدر وحيد للمعرفة في القرن التاسع عشر الذي هو قمة الهرب الليبرالي. وقد أصبح الاعتماد على العقل المجرد وإقصاء الدين والقيم والأخلاق سمة من أبرز سمات الفكر الأوروبي المعاصر ...... , ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص19 - 23 ¬

(¬1) (5) انظر مثلاً: ((فصل في وصف باريس)) (:623).

ثالثا: عوامل نشأة الليبرالية في الغرب

ثالثا: عوامل نشأة الليبرالية في الغرب أوروبا بين الانحراف الديني والاستبداد السياسي: أولا: الانحراف الديني: ظهرت دعوة المسيح – عليه السلام - في المستعمرات الشرقية للإمبراطورية الرومانية، وهي إمبراطورية وثنية لا تؤمن إلا بالأمور الحسية، وشديدة الاعتداد بالشهوات الجسدية. وتعتبر الإنساني سيد المخلوقات (¬1). وقد قابل الرومان أتباع الدين الجديد بالاضطهاد والتعذيب وساندهم في ذلك اليهود الحاقدون على المسيح – عليه السلام – والحواريين، مما اضطرهم إلى الهروب والاختفاء بدينهم. في هذه الأجواء القاسية عاشت النصرانية، وفي مناخ الاضطهاد والمطاردة والقتل والتعذيب تربى أتباع المسيح – عليه السلام – وقد ظن الرومان أنهم قضوا على هذا الدين بصلب نبيهم وقتله. وقد قام اليهود بدور خطير في القضاء على النصرانية، وهو التحريف والتبديل من الداخل .......... وعند التأمل في عقائد النصارى بعد التحريف نجد التشابه الكبير مع عقائد فلسفية كانت موجودة في حوض البحر المتوسط كالعقيدة المترائية، والأفلاطونية الحديثة، والفلسفة الرواقية وغيرها (¬2) .... , ثانيا: الاستبداد السياسي: النظام السياسي الذي كان يحكم المجتمع الأوروبي في العصر الوسيط هو " نظام الإقطاع " وهو نظام جاهلي مستبد، وصل إلى ذروة الطغيان والعدوان على حرية الإنسان. وقد تكون هذا النظام بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، ودخول البرابرة إلى روما، وانهيار الإمبراطورية الغربية وتفكك الدول المرتبطة بها وانقسامها (¬3) .... , ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص26 - 29 ¬

(¬1) (6) انظر ((قاسم أمين)) (20و34). (¬2) (7) (قاسم أمين) (40). (¬3) (8) سبق الكلام عن لطفي السيد وسيأتي الحديث عن سعد زغلول، أما مصطفى كامل فيذكر مؤرخ حياته أنه كان له أم روحية فرنسية تدعى جولييت آدم .. الخ، انظر مصطفى كامل حياته وكفاحه، أحمد رشاد:71 مع أن بينه وبين قاسم خلافات كثيرة.

رابعا: التحولات الفكرية في أوروبا نحو الليبرالية

رابعا: التحولات الفكرية في أوروبا نحو الليبرالية بدأت التحولات الفكرية في أوروبا في عصر النهضة، وهو العصر الممتد من القرن الرابع عشر الميلادي إلى القرن السابع عشر الميلادي، وقد كانت هذه التحولات متدرجة وكانت البداية الفعلية في إيطاليا من خلال الحركة الأدبية التي قامت بإحياء الآداب الإغريقية دون أي تعرض للأوضاع الدينية والاجتماعية، ثم جاءت حركة الإصلاح الديني التي هزت المجتمع الغربي بقوة، وكان دورها في الاتجاه نحو الليبرالية أقوى من الحركة الأدبية ... , وأبرز المعالم التي كان لها دور بارز في الاتجاه نحو الليبرالية: أولا: الحركة الأدبية ذات النزعة الإنسانية (إحياء الآداب الإغريقية). ثانيا: حركة الإصلاح الديني. ثالثا: الفكر التجريبي المادي. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص31 - 35

خامسا: دور الطبقية الوسطى في ظهور الليبرالية

خامسا: دور الطبقية الوسطى في ظهور الليبرالية يعتبر " النظام الإقطاعي " الذي سيطر على أوروبا في العصور الوسطى من أقسى الأنظمة وأكثرها عنصرية وطبقية. وهو مكون من طبقتين إحداهما: السادة، (النبلاء والملوك)، وهم الطبقة السياسية، ورجال الدين (الاكليروس)، وهم الطبقة الدينية، والثانية: الفلاحون (الرقيق) وهم عامة الشعب .... , .... ومن عامة الشعب نشأت طبقة ثالثة ليست من النبلاء، ولا الرقيق، يعتمدون على التجارة والكسب من غير أن يكونوا رقيقا في الأرض. ويدخل في هذه الطبقة التجار، والمدرسون، والأطباء، والمهندسون، وأصحاب المهن الحرة. وقد عرفت هذه الطبقة بالطبقة الوسطى (البرجوازية). وقد ضاق التجار وأصحاب رؤوس الأموال من القيود والانغلاق الذي يقف حائلا دون تنمية رؤوس أموالهم، وتوسيع طموحاتهم المادية، وقد كانت لهذه الطبقة الجديدة دور بالغ الأهمية في تأسيس مجتمع السوق القائم على المنافسة، كما كان لها أثر بالغ في التحولات الاجتماعية في أوروبا، والوقوف في وجه الإقطاع والكنيسة. وقد كان يعوز هذه الطبقة: " النظرية الفلسفية " التي تساعدهم في الخروج من قبضة الإقطاع والكنيسة، وقد وجدوا بغيتهم في " الليبرالية " التي تقوم على " الحرية الاقتصادية " ورفع العوائق عن آليات السوق، وترك حركته مرسلة دون تدخل أو رقابة ..... وبهذا نستطيع أن نقول إن الليبرالية هي فكر ومنهج الطبقة الوسطى، باعتبارها تقوم على أساس الفردية، وخاصة من خلال آراء " جون لوك " في الملكية الخاصة. وقد انتقلت الليبرالية من الفكر المجرد إلى الواقع العملي من خلال: الملكية الدستورية في إنجلترا (1688م)، والثورة الأمريكية (1775م)، والثورة الفرنسية (1798م). ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص35 - 38

سادسا: اتجاهات الليبرالية

سادسا: اتجاهات الليبرالية أولا: الليبرالية الكلاسيكية: هذا الاتجاه هو النموذج المعتمد لليبرالية فهو الأقدم من حيث النشأة حيث ظهرت في القرن الثامن عشر، وكذلك تعود إليه الأفكار الليبرالية القديمة، ويعتمد هذا الاتجاه على الحرية الفردية، ومنع تدخل الدولة وغيرها سواء في الاقتصاد أو غيره، ويعتقد الكلاسيكيون أن ترك الفرد يحقق مصلحته الذاتية الخاصة كفيل بتحقيق السعادة للمجتمع بشكل طبيعي دون تدخل بشري. ثانيا: الراديكالية الفلسفية (مذهب المنفعة القانونية): يعتبر هذا الاتجاه في جوهره برنامج من إصلاحات قانونية واقتصادية وسياسية، تعتمد على مبدأ " تحقق أعظم السعادة لأكبر عدد " .... , ثالثا: الليبرالية الفكرية: ارتبطت الليبرالية في المجال الفكري بجهود " جون ستيورات مل "، وقد جاءت جهوده في فترة مهمة من تاريخ الليبرالية، وقد اقتضت هذه الفترة وجود آراء تجديدية، لأن الشعارات الليبرالية تبين زيفها مما دعا لإعادة التقويم لليبرالية .... , رابعا: التحليل الحديث (المدرسة الكلاسيكية الحديثة): ظهر هذا الاتجاه في ظروف اجتماعية متناقضة، وناقمة على أسلوب الإنتاج الرأسمالي، فهو اتجاه فكري اقتصادي ليبرالي، وأسلوب جديد مبتكر للتحليل الاقتصادي وقد قام هذا الاتجاه على فكر ثلاثة من أبرز الاقتصاديين الليبراليين وهم: ستانلي جيفونز "، " وليون فالراس "، و " كارل منجر " .... , خامسا: الليبرالية الاجتماعية: يعد هذا الاتجاه من أقوى وأشهر الاتجاهات الليبرالية في مقابل الليبرالية الكلاسيكية وهو صورة من صور تنازل الليبرالية عن تطبيق منهجها الصارم المتمثل في الكلاسيكية والمبرر لظهور هذا الاتجاه هو المساوئ الاجتماعية العنيفة، والأزمات المتعددة لليبرالية، ومن أبرز هذه الأزمات أزمة الكساد العظيم في 1929م وما بعدها، وانتشار البطالة ووصول طبقات من المجتمع إلى قريب من الموت وعدم وجود ضمانات صحية وتعليمية، وغيرها .... , سادسا: الليبرالية البراجماتية: هذا الاتجاه هو اتجاه " الليبرالية الأمريكية "، فقد بدأت الليبرالية الأمريكية متأثرة بجون لوك، ولكن ما لبثت أن تطورت بعد الثورة الصناعية الهائلة لتصبح أكثر عملية ومادية، ومن ثم اعتنقت فلسفة جديدة تعتمد على النتائج العملية في النظرة للحياة وهي (البراجماتية) وقد أصبحت النظرة الأمريكية الجديدة للحياة (البراجماتية) بمثابة إصلاح وتعديل للفكر الليبرالي ليكون موافقا لروح العصر وظروفه المتغيرة، وليكون دعما لتقدمه ونموه في ظل المتغيرات التقنية. والبراجماتية فلسفة أمريكية خالصة تركز على فردية الإنسان ونفعيته بصورة عملية مستقبلية ... , سابعا: الليبرالية الجديدة: هذا الاتجاه هو آخر أطوار الليبرالية، وهو الليبرالية التي تبنته الدول الصناعية الكبرى والمنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة العالمية وبدأت آثاره ومعالمه تتضح أكثر فأكثر. وقد أصبح صوت هذا الاتجاه هو المرتفع لتبني التجارة العالمية وبدأت آثاره ومعالمه تتضح أكثر فأكثر. وقد أصبح صوت هذا الاتجاه هو المرتفع لتبني الإمبراطورية الأمريكية له، لاسيما في ظل نظام القطب الواحد وقد شعرت بقية الدول المعتقدة لأفكار اقتصادية غيره تشعر أنه لا مجال في قبوله ولا مندوحة عنه، ولهذا أخذت في تعديل ما تعتقده من أفكار ليتوافق معه، ويسير مقارنا له، كما حدث في الاتجاه الأوروبي الذي يعتقد أكثر أعضائه الليبرالية الاجتماعية. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص39 - 46

سابعا: الليبرالية بين الصعود والهبوط

سابعا: الليبرالية بين الصعود والهبوط بدأت الليبرالية في عصر النهضة الأوروبية ثم تطورت في عصر التنوير، وكان أعلى فترة صعدت فيه هو القرن التاسع عشر الميلادي، وهو القمة التي وصلت إليها الليبرالية ولم تعد إلى مستواها بعده، وقد هبطت الليبرالية في القرن العشرين هبوطا كبيرا بعد ظهور نتائج الليبرالية الكارثية، ولكنها بدأت مرحلة جديدة بعد سقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص46

ثامنا: مجالات الليبرالية

ثامنا: مجالات الليبرالية 1 - الليبرالية السياسية: تعتمد الليبرالية على " الحرية الفردية " كمفهوم أساسي لها، ولكنها تواجه وضعا طبيعيا في الحياة الإنسانية وهو أن الإنسان اجتماعي بطبعه، ومن صور حياة الإنسانية الاجتماعية "الحياة السياسية"، وقد وجد لليبرالية أفكار سياسية تحاول الجمع بين ضرورة المحافظة على حريات الأفراد، وتنظيم شؤونهم السياسية ...... وقد اتجه بعض الليبراليين إلى تغليب جانب الحرية – وهذا هو الأصل في الفكر الليبرالي – فمنع تدخل الدولة حتى على مستوى إعانة الفقراء والمحتاجين، وحماية البيئة، وغلب آخرون جانب المساواة فطالبوا بالحد من الحريات لمصلحة المساواة الاجتماعية. وكذلك يحصل الاختلاف في أشكال الحكومات وصورها، وأنواع التدخل المشروع وغير المشروع في المجال الخاص للفرد. وأشير هنا إلى: أبرز المعالم السياسية لليبرالية: وهي نظرية العقد الاجتماعي باعتبارها النظرية الأساسية في تكون الدولة، وعلاقتها بالأفراد. والحقوق الأساسية للأفراد. وفصل السلطات باعتباره أهم ضمانات الحرية الفردية. وحدود سلطة المجتمع على الأفراد، وحرية التعبير. أولا: نظرية العقد الاجتماعي: تعود فكرة وجود عقد بين الحاكم والمحكوم، أو بين الدولة والأفراد في الفكر الأوروبي إلى الفلسفة اليونانية والرومانية، فكثير من السوفسطائيين بنوا تصورهم للدولة على أساس تعاقدي، وفي الفكر اليوناني " ذهب كارتيادس " إلى أن الناس كانوا يعيشون قديما بلا قانون وكان كل منهم يعتدي على الآخر مما أدى إلى انتشار القلق والخوف ولذلك أبرموا عقدا فيما بينهم يخضعون وفقه لنظام يختارونه (¬1) ... , ثانيا: الحقوق الأساسية للفرد: يعد القانون الطبيعي القاعدة والمرجعية للحقوق الأساسية للإنسان في الفكر الليبرالي، وهو المصدر الأساسي في التقنين الوضعي لها على شكل مواد محددة. وأي حكم قانوني أو قضائي يخالف هذه الحقوق فهو لاغ لا قيمة له، لأن هذه الحقوق هي أساس التشريع ... , ثالثا: فصل السلطات: نشأت الحاجة إلى فصل السلطات في النظام السياسي الليبرالي باعتباره أكبر ضمان للحرية السياسية، وهو يعني انقسام السلطات إلى: تشريعية، وتنفيذية، وقضائية، بحيث تستقل كل منها بالتشريع، وتنفيذ القوانين، والقضاء، ولا تتدخل أي واحدة في شؤون الأخرى (¬2). والسلطة عندما تكون بيد واحدة فإنها تكون سببا في الاستبداد والطغيان. رابعا: حدود سلطة المجتمع على الفرد: فسلوك الفرد الذي يجب عليه مراعاته مع بقية أفراد المجتمع هو: أولا: عدم الإضرار بمصالح الآخرين، وعلى أقل تقدير الحقوق الأساسية، سواء ذكرت هذه الحقوق بنص القانون الصريح، أو بالفهم الضمني. ثانيا: تحمل الفرد لنصيبه من الأعباء التي يفرضها الدفاع عن المجتمع، وحماية أعضائه من الأذى ... , خامسا: حرية الفكر والرأي: المنطلق الأساسي لليبرالية هو " الحرية " كقيمة إنسانية ضرورية، ولهذا فإن من واجبات الدولة حفظ الحريات، وحرية الفكر والرأي من أهم الحريات، فهي الضمان اللازم لحماية الفرد من استبداد الحكومات ومفاسدها (¬3). ويعتقد الليبراليون أن توسيع الخلاف، والتعددية في الآراء والأفكار ظاهرة إيجابية تنمي الفكر وتقوي الرأي، وتظهر الإبداع. ومن لوازم حرية الفكر عندهم: اعتقاد عدم امتلاك "الحقيقة المطلقة" لأن دعوى امتلاك هذه الحقائق يمنع من التفكير الحر, فالإيمان المطلق الذي لا يعتريه أدنى شك لا يتوافق مع الفكر الليبرالي الذي لا يبني عقيدة محددة يقينية, لأن ذلك يناقض حرية الفكر والمناقشة حسب وجهة نظرهم. ولهذا فالمعتقدات الدينية – عندهم – تعصب لاعتقاد المؤمن بها والجزم بعقيدته، واعتقاد المتدين بطلان الدين الآخر! – وهذا مما يناقض الإسلام كما سيأتي -. ومن لوازم حرية الفكر عندهم – أيضا -: " التسامح الديني "، وهو موقف ليبرالي ظهر أول الأمر أعقاب عصر الإصلاح الديني كرد فعل على الحروب الدينية، فأصبح التسامح محور "الموقف الليبرالي". وهذا الموقف (التسامح) يعني عدم اعتقاد يقينية الإنسان لرأيه أو فكره أو مذهبه أو دينه، لأن هذا الاعتقاد ينافي التسامح في الفكر الليبرالي. فالتسامح يقتضي الاعتراف بالآخر، وعدم الجزم في الأفكار، واحتمال صواب المخالف (¬4). 2 - الليبرالية الاقتصادية: سبق أن بينا أن "الليبرالية" ارتبطت في صعودها وأفكارها بالطبقة الوسطى (البرجوازية)، وهذا يدل على أن الجانب الاقتصادي أكثر أصالة في المذهب الليبرالي من الجانب السياسي. وقد اعتبر "جون لوك" الملكية الخاصة من أهم الحقوق الأساسية للفرد، ولهذا أعطى الملاك حق الانتخاب، ومنع غيرهم من هذا الحق. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص47 - 58 ¬

(¬1) (9) أحمد لطفي السيد (137). (¬2) (10) أحمد لطفي السيد: (215). (¬3) (11) أحمد لطفي السيد: (133). (¬4) (12) (158 - 159).

تاسعا: الليبرالية في العالم الإسلامي

تاسعا: الليبرالية في العالم الإسلامي كانت أغلب البلاد الإسلامية تحت حكم الدولة العثمانية في عصر النهضة الأوروبية، وهي دولة قائمة على تحكيم الشريعة الإسلامية في الجملة، وكانت الدولة العثمانية هي الحامية لبيضة الإسلام والقائمة على نشر العلم واحترام العلماء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحاملة لراية الجهاد في سبيل الله، وقد فتحت أقطارا واسعة في القارة الأوروبية، وأخضعتها للإسلام. وقد تسللت الليبرالية إلى البلاد الإسلامية من خلال "الجمعيات السرية" التي كونها أفراد تأثروا بالفكر الغربي وانبهروا بحضارته المادية. وقد كانت بقية الأمة الإسلامية ثابتة على دينها لا تحتاج إلى الأفكار والنظم الغربية، وهي معتزة بدينها واثقة بصحته، وصلاحيته للحكم والعمل في كل زمان ومكان (¬1). ولكن وجدت عوامل أضعفت ثقة الأمة بدينها، وهيئت المجتمع الإسلامي لتقبل الليبرالية وعدم مقاومتها، وهذه العوامل هي: الانحراف العقدي، والاستبداد السياسي، والجمود والتقليد، وهي ليست أسبابا مباشرة في وجود الليبرالية، ولكن هذه العوامل أوجدت أرضية متقبلة، ومناخا مناسبا للرضى بالليبرالية، والسكوت عليها. ولا شك أن السبب المباشر لدخول الليبرالية في العالم الإسلامي هو " الاستعمار وأذنابه " من دعاة التغريب، والمنبهرين بالحضارة الغربية، ولكن دخولها لم يكن له أن يتم لولا وجود عوامل معينة ساعدت على عدم الوقوف الجاد في وجه هذه الأفكار الإلحادية. ويجمع هذه العوامل " الانحراف "، وقد تم هذا الانحراف على يد الفرق الضالة كالمرجئة والصوفية ودعاة المذهبية، فهذه الانحرافات ساعدت على وجود الفكر الليبرالي عندما قدم مع الاستعمار وقد استغل المستعمرون هذه الانحرافات أبشع استغلال، ووظفوها في خدمة أهدافهم. ولما احتلت بلاد المسلمين فرضت الليبرالية عليها في النظام السياسي والاقتصادي، ولما رأى الاحتلال عدم تقبل المسلمين لأي أمر غير مرتبط بالإسلام جاء بفكرة " تطوير الإسلام وتحديثه "، ومن هذه الفكرة خرج " مشروع الإسلام الليبرالي ". ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص59 - 61 ¬

(¬1) (13) ((تحرير المرأة)) (19).

عاشرا: عوامل ظهور الليبرالية في العالم الإسلامي

عاشرا: عوامل ظهور الليبرالية في العالم الإسلامي أولا: الانحراف العقدي: الانحراف العقدي هو السبب المباشر في ضعف الأمة الإسلامية وتخلفها وانحطاطها، وتراجعها في القرون المتأخرة، وتأثير الذنب (الانحراف العقدي) في الإنسان والمجتمع حقيقة شرعية، وسنة ربانية قدرها الله تبارك وتعالى في هذه الأمة، وهي من باب العقوبة على الذنب بالمصيبة. ويدل على ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، وقوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53]، فالضعف والهوان، والقابلية للمبادئ المنحرفة حصلت في الأمة الإسلامية بعد التغيير والتبديل في العقائد والتصورات. .... ولبيان حقيقة الانحراف العقدي في الحياة الإسلامية العامة، وآثاره العميقة، فإنه يجدر بنا توضيحه من خلال النقاط التالية: أ- الفرق الباطنية المنحرفة وآثارها: الباطنية: اسم عامل يدخل تحته عدد كبير من الفرق الكافرة في الحقيقة مع بقاء انتسابها للإسلام في الظاهر، ومنها: الإسماعيلية، والنصيرية، والدروز، والقاديانية، والبهائية، والرافضة لاسيما في العصور الأخيرة. وليس المقصود هنا بيان عقائدهم على التفصيل، ولكن المقصود بيان آثار هذه الفرق على المجتمع الإسلامي، فمن هذه الآثار: 1 - إشاعة العقائد الكفرية بين المسلمين، وإلصاق هذه العقائد بالإسلام، فهذه الفرق لا تدعي أنها أديان مستقلة عن دين الإسلام، بل يدعي أصحابها أنهم مسلمون مع المناقضة التامة بين عقائدهم وبين الإسلام. 2 - تفريق صفوف المسلمين وإشاعة الفوضى والاضطراب فيها، وقد كان لهم دول وحكومات وحركات وجماعات، وقد قاموا بحروب طاحنة داخل المجتمع الإسلامي، وأشغلوا الدول الإسلامية بمقاومتهم ورد كيدهم. 3 - التعاون مع اليهود والنصارى للكيد بالمسلمين؛ وقد كان لهم دور خبيث في إعانة الاستعمار ومساعدته في الاستيلاء على بلاد المسلمين ... , ب- الإرجاء وآثاره: يعتبر الإرجاء من أخطر الانحرافات العقدية المؤثرة في حياة المسلمين، فمسألة الإيمان أهم مسألة عقدية لأنها أصل الدين وأساسه، وهي المعيار في معرفة المؤمن من الكافر، والموحد من المشرك، فالانحراف فيها لابد أن يكون له آثار عظيمة في المجتمع الإسلامي ... , ج- التصوف وآثاره: ظهر التصوف في فترة مبكرة من تاريخ المسلمين (¬1)، وتعود مصادره إلى نساك الهنود والفلسفة اليونانية الإشراقية، والزهد المسيحي وغيرها (¬2)، وقد أطلق عليهم كتاب الفرق الأوائل اسم " الزنادقة " (¬3)، ولا شك أن التصوف بصورته الراهنة ليس له علاقة بالزهاد والعباد الأوائل، بل هو بعيد كل البعد عن عقيدة الإسلام وسلوكه ... , ثانيا: الاستبداد السياسي: وقد وجدت أسباب ساعدت في نموه، وبررت لوجوده، ودافعت عنه، ودعمته حتى وصل إلى هذا الحد المزري في الأمة. ومن هذه الأسباب: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انتشار عقيدة الإرجاء والجبر – كما سبق – من خلال الصوفية والأشاعرة والماتريدية، وهاتان العقيدتان لهما تأثير كبير في ظهور روح الاستسلام للظلم، وتهوين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالإرجاء يبرر الطغيان ويعتذر له. دعم القوى الاستعمارية الأجنبية، والتي من مصلحتها بقاء الأمة الإسلامية تحت سلطة الأنظمة الاستبدادية، وهذا الدعم لا تكاد تخطؤه العين, ولا يزوغ عنه الفكر. ثالثا: الجمود والتقليد: ¬

(¬1) (14) ((تحرير المرأة)) (:79،68،67). (¬2) (15) ((انظر تحرير المرأة)) (ص:83). (¬3) (16) ((قاسم أمين)) (:192 –193).

ولهذا وقفت الدولة العثمانية موقفا سلبيا من دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، والعلامة الشوكاني، والشيخ الآلوسي وغيرهم، لأن علماء الدولة يعتمدون اعتمادا كاملا على المذهب الحنفي، وهو من أقوى المذاهب منعا للاجتهاد وأكثرها تعصبا، وأبعدها عن الواقعية لكثرة الافتراضات فيه، وقد زاد الأمر سوءا اعتمادهم على المذهب الماتريدي الكلامي في العقيدة، وعلى التصوف الغالي في السلوك. وهذه الأمور الثلاثة (التقليد، والكلام، والتصوف) أحكمت غلق الباب في إمكانية عمل تجديدي من داخل المشيخة العلمية والسلطة السياسية في الدولة العثمانية ... , رابعا: القوى الاستعمارية: تعود العداوة العميقة بين أوربا النصرانية والبلاد الإسلامية إلى الاختلاف الديني، وهذه حقيقة قررها القرآن الكريم ويشهد بها التاريخ والواقع، يقول تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، ويقول تعالى: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة:217]، ولهذا وقعت الحروب الصليبية القديمة والحديثة. وعندما تخلت أوروبا عن النصرانية كدين لاهوتي، واعتنقت الفكر الليبرالي المادي العلماني بقيت معها " روح التعصب الصليبية "، وهذا ما يفسر التعامل الصليبي لأوروبا مع البلاد الإسلامية مع أنها دول علمانية مادية ملحدة. وقد كانت البدايات الأولى للاستعمار في حركة الكشوف الجغرافية التي لبست ثوب العلم والاكتشاف، ورافق ذلك الحملة العسكرية التي تهدف إلى تصفية الوجود الإسلامي في الأندلس. وقد انطلقت طلائع الاستعمار من روح صليبية حاقدة على الإسلام. ..... ويمكن الإشارة إلى: جهود الاستعمار في فرض الليبرالية في العالم الإسلامي من خلال ما يلي: إلغاء الحكم بالشريعة الإسلامية، واستبدال القوانين الوضعية بها، وذلك من خلال حكومة نيابية دستورية على النمط الغربي. القضاء على التعليم الإسلامي، وتغيير مناهجه، وبناء المدارس الأجنبية، والمدارس التنصيرية في بلاد المسلمين بغرض التأثير على أبناء المسلمين ليسهل تقبل الأفكار الليبرالية، وتكسر الحواجز والعوائق دونها. القيام بإبراز الطوائف والمذاهب غير الإسلامية، باسم "حقوق الأقليات "، وهذا العمل وغيره يبدو غطاؤه الظاهر حماية الحريات ونبذ الطائفية والتعصب، ولكنه يبطن أمرا آخر وهو إبراز هذه الطوائف، وتوليتهم على المسلمين، وإضعاف الروح الدينية في المجتمع الإسلامي. تكوين جيل يحمل الفكر الليبرالي من أبناء المسلمين، وقد تم ذلك من خلال البعثات التعليمية، وبناء الجامعات المؤسسة على هذا الفكر، وجلب المستشرقين لها، ليكونوا أساتذة ومعلمين للجيل الجديد. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص61 - 77

حادي عشر: دعوى الإسلام الليبرالي

حادي عشر: دعوى الإسلام الليبرالي تعود جذور التقريب بين الإسلام والليبرالية إلى القرن التاسع عشر حيث تفككت الدولة العثمانية، واحتلت أكثر البلاد الإسلامية، وظهرت فيه قوة الغرب المادية، وضعف البلاد الإسلامية، وبرز فيه السؤال الفكري الشهير " لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ ". وقد تمت عملية التقريب بين الإسلام والليبرالية في أجواء من الهزيمة النفسية أمام الغرب المنتصر، والذي أسر عقول الكثير من أبناء المسلمين في تلك الفترة، وجعل المقارنة بالغرب محمدة ومنقبة، وخاصة أنه صدم تلك الأجيال بأنواع جديدة من المعارف والعلوم في زمن ضعف العلم وانتشار الجهل وجمود التفكير وظهور التقليد من جراء آراء الفرق الضالة، والتعصب المذهبي، والاستبداد السياسي الذي سبق الكلام عنه. وقد حصل التقريب بين الإسلام والليبرالية من طرفين: أحدهما: "الحركة التلفيقية " التي حصلت على يد محمد عبده وتلاميذه في التقريب بين الإسلام والحضارة الغربية وهي المعروفة " بالحركة الإصلاحية "، وقد انتهت بتحول تلاميذ محمد عبده إلى الليبرالية الصرفة. والثاني: " الاستعمار " وخاصة بعد دخول الولايات المتحدة للهيمنة على المنطقة بعد خروج الاستعمار البريطاني والفرنسي منها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وظهور الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفيتي كتحدي جديد لليبرالية الغربية. وقد استفاد الاحتلال والقوى الاستعمارية مما يسمى الحركة الإصلاحية وقام بتوجيهها لتحقيق أهدافه في إضعاف المفاهيم الإسلامية الصحيحة في النفوس والقضاء على الوحدة الإسلامية. أولا: المشروع الأمريكي لقضية الإسلام الليبرالي: اهتمت الولايات المتحدة بتفسير الإسلام تفسيرا ليبراليا منذ وقت مبكر، لأن ذلك يحقق كثيرا من المصالح الحيوية لهيمنتها، فهي تعلم أن إقصاء الإسلام تماما من البلاد الإسلامية أمر مستحيل لقوة تأثيره وتعلق المسلمين به فوجدت في التبديل والتحريف له أنجح السبل للقضاء على فاعليته وتأثيره. ومن جهة أخرى فإن تفسير الإسلام وتأويله تأويلا ليبراليا يقوي علاقة هذه البلاد وشعوبها بالحضارة الغربية وقيمها مما يضمن عملية استمرار الخضوع لها. ونشير هنا إلى بعض الوثائق والأعمال الأمريكية في هذا المجال: مؤتمر الشرق الأدنى مجتمعة وثقافته، مارس 1947م. مؤتمر الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة 1953م. دراسة " الإسلام في العصر الحديث " (ولفرد كانتول سميث). دراسة " الليبرالية الإسلامية: نقد للآيديولوجيات التنموية " ليوناردبايندر. تقرير مؤسسة راندا الأمريكية عن الإسلام الديمقراطي. والأهداف الحقيقية لهذا المشروع يمكن بيانها من خلال ما يلي: أولا: إعادة ترتيب أوضاع المنطقة لتتقبل النموذج الليبرالي في الشأن السياسي (الديمقراطي)، والشأن الاقتصادي (الرأسمالية) لظنهم أن تطبيق الليبرالية في هذه البلاد الشرق أوسطية سيخفف الاحتفال الشعبي وبالتالي يفقد الإرهابيين (المجاهدين) التأثير على الشعوب الإسلامية في المنطقة. ثانيا: تهيئة المنطقة للعولمة ودخول الشركات الغربية في أسواقها لزيادة الكسب، وحل مشكلة الفائض في الاقتصاديات الغربية، والبحث عن اليد العاملة الرخيصة. ثالثا: العمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة من خلال الاقتصاد والشراكة في حلف جديد غير مرتبط بهوية دينية أو قومية.

ثانيا: الليبرالية في المال والاقتصاددخلت الليبرالية في اقتصاد الدول الإسلامية من خلال سيطرة سيطرة الدول الراسمالية الكبرى على الاقتصاد العالمي، على ذلك ما كتبه "حسن حنفي" حيث يقول: " إن (الله) لفظة نعبر بها عن صرخات الألم وصيحات الفرج، أي أنه تعبير أدبى أكثر منه وصفا لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفا خبريا .. إنه لا يعبر عن معنى معين، إنه صرخة وجودية أكثر منه معنى يمكن التعبير عنه بلفظ من اللغة، أو بتصور من العقل، هو ردة فعل على حالة نفسية أو تعبير عن إحساس أكثر منه تعبيرا عن فقد، يكون في الحس الشعبي هو الله، وكل ما تصبو إليه ولا نستطيع تحقيقه فهو أيضا في الشهود الجماهيري هو الله (¬1)، ويقول أيضا " فالصفات السبع هي في حقيقة الأمر صفات إنسانية خالصة، فالإنسانية هو العالم، والقادر، والحي، والسميع، والبصير، والمريد، والمتكلم ... هذه الصفات في الإنسان ومنه على الحقيقة، وفي الله واليه على المجاز" (¬2).ومع أن هذه الإلحاد والإنكار لوجود الله تعالى منافيا للإسلام من أصله إلا أن حسن حنفي يلصقه بالإسلام، ويحتج لذلك بكتابات ابن عربي وابن سبعين والحلاج وغيرهم من زنادقة وحدة الوجود، وكتابات الفلاسفة كابن سينا وغيره، ويعتبر ذلك قراءة إسلامية للإسلام مختلفة عن القراءات السلفية غير العقلانية (¬3). وهو بهذا يؤسس للإلحاد الشيوعي إسلاميا (¬4). وبهذه الطريقة يناقش " أبو زيد " قضية النبوة ويجعلها إنسانية محضة، ولا تعدو أن تكون اتصالا بين الفكر والواقع، وهي مجرد درجة قوية من درجات الخيال الناشئ عن " فاعلية المخيلة الإنسانية" (¬5)، وأساس هذا الفكر الإلحادي هو أن تأويل النص لا توجد له حقيقة موضوعية وليس له معيار لمعرفة الحق من الباطل، لأنه مرآة صامتة " فالنص أخرس، صامت، مؤلفه قد مات، والمؤول هو الذي يجعله يتكلم "، والنتيجة أنه مع تعدد القراءات يكون كل قراءة ظنية ممكنة الصدق أو الكذب، ولا يمكن إقامة البرهان عليها (¬6).ومن النماذج التطبيقية لهذا الفكر " فصل الدين عن الدولة "، و" تنحية الشريعة وتطبيق القوانين الوضعية " ولهذا ظهر ما يسمى " الإسلام العلماني " (¬7).يقول حسن حنفي: " نشأت العلمانية استردادا للإنسان، ولحريته في السلوك والتعبير، وحريته في الفهم والإدراك، ورفض لكل أشكال الوصاية عليه، ولأي سلطة فوقية إلا سلطة العقل والضمير! العلمانية إذن هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ " (¬8). والفصل بين الدين والدولة، واعتبار الدين شأنا شخصيا بينما الدولة أمرا مدنيا يبني على العقل والمصلحة من النقاط التي اتفق عليها كتاب المدرسة العصرانية الحديثة منذ أيام علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم وإلى زماننا المعاصر (¬9). ولاشك أن العصرانية وسيلة موصلة إلى العلمانية فيما مضى، أما الآن فقد اتفق العصرانيون والعلمانيون في تأويل عقائد الإسلام وأحكامه وأخلاقه ليتوافق مع التحديث الغربي، وهذا ما أصبح يعرف بالإسلام الليبرالي. ¬

(¬1) (17) ((قاسم أمين)): (77). (¬2) (18) أحمد لطفي السيد: (215). (¬3) (19) ولي الدين يكن، ((مناهل الأدب العربي)) (45). (¬4) (23) انظر كتاب ((سعد زغلول)) بقلم سكرتيره: محمد إبراهيم الجزيري (203) فما بعد. (¬5) (30) انظر المجلد الأول من المجلة المذكورة سنة 1913، مركز البحث العلمي. (¬6) (31) ((وحي القلم)) (3/ 163). (¬7)) 32) ((الأدب للشعب)) (66 - 67). (¬8) (34) (ص:118). (¬9) (35) (ص:120).

وقضية الموقف من الآخر والاعتراف به من أهم القضايا التي يناقض فيها دعاة الإسلام الليبرالي أصول الدين وحقيقة الإسلام والولاء والبراء. فالأديان السماوية متساوية في الصحة والقبول – عندهم -، وهذا يقتضي عدم تكفير الآخر المنافي في أساس الدين، يقول عبد العزيز كامل: "ونحن في منطقة الشرق الأوسط نؤمن بالتوحيد بطريقة أو بأخرى. وأقولها واضحة يستوي في هذا الإسلام والمسيحية واليهودية، حتى الإيمان بالأقانيم الثلاثة في الفكر المسيحي يختم بإله واحد، هذه منطقة توحيد والصور تختلف، حتى في مصر القديمة مع التعدد الظاهري كان للآلهة كبير هو أوزير (¬1). وتقف فكرة الاعتراف بالآخر واعتقاد صحة إيمانه، وفي أقل تقدير عدم الجزم ببطلان عقيدة الآخر على أساس التعددية والتنوع والاختلاف. ويتسع تعدد الحق عندهم إلى أن يصل إلى تصحيح الأديان الأخرى غير دين الإسلام، أو على الأقل عدم الجزم والتأكيد على أن عقائدهم باطلة، لأن هذا الجزم فكرة وثوقية مستعلية غير معترفة بالآخر. ومدرسة الإسلام الليبرالي ذات تنوع عجيب في أشخاصها وأفكارها وأهدافهم ومقاصدهم وارتباطاتهم ومستوى آرائهم من حيث الغلو، فهي مكونة من نسيج متعدد يشكل تأويل الإسلام لموافقة العصر (العصرانية) قاعدته المشتركة. فقمة هذه المدرسة مجموعة من الزنادقة والملاحدة يناقضون جذور الإسلام وأصوله الأساسية (¬2) ومنهم بعض المخلطين في الفكر والعقيدة، ومنهم منهزمون من الكتاب الإسلاميين وبعض الفقهاء والدعاة. وتتنوع أفكارهم: فمنهم من يوافق الفلاسفة والحلولية والباطنية والملاحدة في نفي حقيقة الألوهية، والنبوة، والوحي، والغيبيات، ويرفض تحكيم الشريعة، ومنهم من يفصل بين الدين والدولة، ويرى ضرورة القانون الوضعي المدني، وضرورة الربا للاقتصاد المعاصر، وينفي الحجاب عن المرأة ويراه احتقارا لها، ويرى البعض عدم الاستدلال إلا بالقرآن، وينفي السنة والإجماع، ويطالب بتجديد أصول الفقه وغيرها من العلوم المعيارية، ولهم آراء ترفض الولاء والبراء، وتكفير المشركين، وتنكر الجهاد، وتؤمن بالديمقراطية، والتعددية، والحريات بما في ذلك التصريح بنشر الإلحاد وغيرها من الأفكار الشاذة. وتختلف ارتباطاتهم: فمنهم عملاء للصليبية العالمية يتلقون الدعم المادي من العدو، ويتعاونون معه، ويشاطرونه الأفكار وأسلوب العمل، ويدافعون عن سياسيته، ومنهم مستلب حضاريا، منهزم فكريا غير قادر على الرفض مع ظهور علامات العدوان ودلائله ولكنه لا يتقاضى شيئا ماديا لآرائه، فهي ناشئة من الهزيمة الفكرية والنفسية مع قصور في العلم الشرعي، وتخليط في تكوينه الثقافي، ومنهم من يقف ضد المشروع الأمريكي ويناهضه، وهذا مع وجود آراء تقربه من مشروعه إلا أنه في تحسن مستمر، ووعي دائم، وتتكشف له الحقيقة، وهو مظنة العودة للحق إذا نوقش وتمت معه عملية حوار علمي مفيد. وتختلف مستوى آرائهم: فمنهم من يناقض أصل الدين في العقائد والأحكام والأخلاق والأمور الاجتماعية، وهو الذي تمت الإشارة إليه في تقرير مؤسسة راند الأمريكية مثل من ينكر الألوهية والنبوة والغيبيات ويرى " تاريخية النص "، ويرفض تحكيم الشريعة، والحجاب، ويبيح الربا وغيره. ومنهم من يناقض أصول الدين بدرجة أقل غلوا مثل من لا يكفر المشركين، ويرفض الولاء والبراء، ويرى ضرورة القوانين الوضعية والربا وغيرها، ومنهم روافد لا يصلون لهذه الدرجة ولكن آراءهم ترفدهم عن غير قصد مثل من ينفي وجوب كراهة الكفار، ويجوز الحكم بالديمقراطية وغيرها. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي 105 - 115 ¬

(¬1) (36) (ص:137 - 138). (¬2) (37) (ص:164).

ثاني عشر: مظاهر الليبرالية في العالم الإسلامي

1: الليبرالية في الحكم والسياسة دخلت الليبرالية إلى البلاد الإسلامية بشكل تدريجي وقد بدأ ذلك في أواخر عهد الدولة العثمانية التي كان لها دور كبير في المحافظة على ديار الإسلام، والحكم فيها بالشريعة الإسلامية في الجملة. ولكن الدولة العثمانية رسخت الانحراف العقدي من خلال تبني الإرجاء والتصوف، وأهملت الشورى والمشاركة السياسية، وهذا ما جعل الدولة والمجتمع بحاجة ماسة للإصلاح، وقد كان هذا أثناء صعود الدول الأوروبية وقيام حركات التحرر بعدد من الثورات ضد العهد القديم مما نتج عنه تغير كبير في الأنظمة السياسية، والتركيبة الفكرية والاجتماعية في أوروبا. في هذه الأثناء بدأت المطالبة بالإصلاح في الدولة العثمانية، ولكن عملية الإصلاح لم تتم بالأسلوب الصحيح، حيث تم ذلك على الطريقة الأوروبية. وقد كانت البداية غير مقصودة لتطبيق الليبرالية كنظام سياسي في الدولة، ويمكن تتبع عملية تسلل الليبرالية من خلال رصد بدايات التأثر بالنظام الليبرالي ومراحله متدرجا منذ التقليد الشكلي للأنظمة الغربية في أواخر الدولة العثمانية وإلى مشروع الشرق الأوسط الكبير ومنتدى المستقبل في واقعنا المعاصر، وذلك من خلال ما يلي: عهد التنظيمات: بدأ عهد التنظيمات عندما شعرت الدولة العثمانية بالوهن والضعف الشديد في حين أن أوروبا قد أثبتت تفوقا قويا في الميدان العسكري والسياسي والعلمي، وهذا ما جعل الدولة العثمانية تفكر في إيجاد طريقة تتمكن بها من اللحاق بالدول الأوروبية في التقدم الصناعي والإداري. وقد كان الخلل في هذه التنظيمات هو بناؤها على النموذج الغربي، وكان الواجب تحريك العقلية الإسلامية للاختراع والإبداع حسب الحاجة، وما يناسب الدولة، وتوسيع الإصلاح ليشمل تجديد الدين وتنقيته من شوائب الإرجاء والتصوف، وفتح باب الاجتهاد وغيره ... , المنهج التوفيقي بين الإسلام والحضارة الغربية الليبرالية: نشأ في عهد التنظيمات السابق، وما صاحبه من دعوة للإصلاح على النمط الأوروبي نخبة من الأساتذة والضباط وموظفي الدولة العثمانية تبنوا الإصلاح، واقتنعوا أن هذا الإصلاح لن يتم إلا بتبني بعض صيغ المجتمع الأوروبي. ..... ولكن هذه الحركة لم تبدأ منفصمة عن الإسلام، وهذا ما استدعى النظر في الإصلاحات الجديدة المأخوذة من أوروبا ومحاولة ربطها بأحكام الإسلام وعقائده. فقد مثل هذه الحركة من الجانب الفكري "ضياء باشا "، و " نامق كمال "، وهما ممن اطلع على الآداب الأوروبية وأعجبوا بها وشكلوا حزبا سياسيا وهو " حزب الشباب العثماني " (¬1) وحاولوا الربط بين الفكر الليبرالي والإسلام. ...... وفي مصر كان الطهطاوي ممن تشرب الأفكار الليبرالية وأعجب بها إعجابا كبيرا، وقد اطلع في رحلته إلى باريس على الفكر الليبرالي، وقرأ كتب التاريخ والفلسفة والفكر السياسي باللغة الفرنسية، وقد تعرف على فكر فولتير وروسو ومونتسكيو وغيرهم أثناء إقامته هناك. .... وممن تأثر بهذه المنهجية التوفيقية – أيضا – "خير الدين التونسي" الذي يقول عن الدول الأوروبية: " وإنما بلغوا تلك الغايات والتقدم في العلوم والصناعات بالتنظيمات المؤسسة على العدل السياسي وتسهيل طرق الثورية " (¬2). ..... وممن ينبغي الوقوف عنده في هذا المجال " محمد عبده " فقد كان صاحب مدرسة مستقلة تخرج منها عدد من الليبرالية في البلاد الإسلامية. ولهذا وقف الحاكم الإنجليزي لمصر كرومر مع محمد عبده وسانده في كثير من مشاريعه, ومن ذلك أنه احتضنه عندما اصطدم بالخديوي عباس حتى أصبح هو سنده في كل ما استهدفه من مشاريع تطوير الأزهر ومدرسة تخريج القضاة. ¬

(¬1) (38) الكتاب المذكور انظر (164 - 165). (¬2) (40) ((الإسلام في الغرب)) (178).

وقد ذكر كرومر في كتابه (مصر الحديثة) أنه منح محمد عبده خلال إقامته بمصر كل ما يملك من عون وتأييد, وأنه "محمد عبده" لم يكن يستطيع أن يحتفظ بمنصبه في الإفتاء لولا هذا التأييد. الجمعيات والأحزاب السياسية الليبرالية: ظهر في أواخر الدولة العثمانية جمعيات وأحزاب سياسية سرية تتلقى الدعم والمساعدة من الدول الاستعمارية التي كانت تتربص بالدولة، وتستعمل هذه الأحزاب للضغط عليها بما يوافق مصالحها. وقد أنشأ كثيرا من هذه الجمعيات نصارى العرب في بلاد الشام، كما وجدت أحزاب تجمع بين بعض المسلمين والنصارى، وقد وجد بعض هذه الأحزاب لأفكار سياسية وقتية ثم انتهى. ومن أبرز هذه الجمعيات التي كان لها أثرا: جمعية الاتحاد والترقي: وهي أول جمعية منظمة تعتمد على الفكر الليبرالي بمفهومه العام، وترجع بداية ظهور هذه الجمعية إلى جماعة (الأحرار) التي تكونت في عهد السلطان عبد العزيز، وأنشأت في عام 1864م مجلة في لندن باسم "حريت" (¬1). ومن خلال هذه الحركة تم التحول من الحكم بالشريعة الإسلامية – مع وجود التفريط والمخالفة- إلى الحكم بالطاغوت والتشريع بغير ما أنزل الله تعالى. وقد كان وراء هذه الحركة يهود الدونمة في سلانيك, فمن خلال محافل الماسونية تكونت هذه الحركة الليبرالية, وأصبح كثير من أعضائها من اليهود الماسون. حزب الوفد (¬2):حزب الوفد هو امتداد لأول حزب ليبرالي تكون في مصر أثناء الاحتلال البريطاني، وهو حزب الأمة، وقد التأم حزب الأمة بين جماعة من كبار الملاك (¬3) وآخرين من المثقفين وعلى رأسهم " أحمد لطفي السيد، وقد كان المثقفون أصحاب مذهب سياسي واجتماعي وهو (الليبرالية)، وحاولوا التوفيق بينه وبين رغبات هؤلاء الأعيان ... , التحول الديمقراطي ومشروع الشرق الأوسط الكبير: لم تعرف البلاد الإسلامية الليبرالية إلا من خلال دعاة التغريب، ولم يكن لمفاهيمها السياسية تطبيق في الواقع إلا عن طريق الاستعمار الغربي، وقد كانت فترة الاستعمار هي " العصر الذهبي لليبرالية " في كل البلاد الإسلامية التي دخلها الاستعمار. و" مشروع الشرق الأوسط الكبير " مشروع أمريكي، ولكن الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا وفرنسا كان له مشاركة فعالة لاسيما وأن الولايات المتحدة عرضت المشروع على قمة الدول الثمانية الكبار، وقد بدأ العمل بهذا المشروع من خلال "منتدى المستقبل". أما أبرز مبادئ مشروع الشرق الأوسط الكبير (¬4)، فهي: أولا: تشجيع الديمقراطية (بمفهومهم!). ثانيا: بناء مجتمع معرفي. ثالثا: توسيع الفرص الاقتصادية. أما الأهداف الحقيقة لمشروع الشرق الأوسط الكبير: مشروع الشرق الأوسط الكبير مشروع له أبعاد سياسية واقتصادية، وينطلق من المنفعة الغربية بالدرجة الأولى، فالغاية تبرر الوسيلة حسب الرؤية الميكافيللية الغربية، ولكنه يتذرع بالخوف على المصالح الغربية، ويتجمل بالحرص على الإصلاح وإشاعة الديمقراطية والحرية في العالم. والمتابع للسياسة الغربية يجزم أن مصلحة المنطقة غير واردة في هذا المشروع، فالاستعمار البريطاني والفرنسي نهب ثروات الشعوب، واستعبد الناس وفق مصالحه الذاتية: والأهداف الحقيقية لهذا المشروع يمكن بيانها من خلال ما يلي: أولا: إعادة ترتيب أوضاع المنطقة لتتقبل النموذج الليبرالي في الشأن السياسي (الديمقراطية)، والشأن الاقتصادي (الرأسمالية) لظنهم أن تطبيق الليبرالية في هذه البلاد الشرق أوسطية سيخفف الاحتفال الشعبي وبالتالي يفقد الإرهابيين (المجاهدين) التأثير على الشعوب الإسلامية في المنطقة. ثانيا: تهيئة المنطقة للعولمة ودخول الشركات الغربية في أسواقها لزيادة الكسب، وحل مشكلة الفائض في الاقتصاديات الغربية، والبحث عند اليد العاملة الرخيصة. ثالثا: العمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة من خلال الاقتصاد والشراكة في حلف جديد غير مرتبط بهوية دينية أو قومية. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص78 - 102 ¬

(¬1) (41) ((الإسلام في الغرب)) (181). (¬2) (43) ((الإسلام في الغرب)) (188 - 189). (¬3) ([94]) انظر ((العلمانية وثمارها الخبيثة)) لمحمد شاكر الشريف (29 - 34). (¬4) (([95] قد ذهب إلى ذلك الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق؛ حيث قال: علمنا من كثيرين ممن يترددون على المؤلف أن الكتاب ليس له فيه إلا وضع اسمه عليه فقط. وقد نقل ذلك د. محمد ضياء الدين الريّس في كتابه ((الإسلام والخلافة في العصر الحديث)) (ص211)، واستظهر له بالعديد من القرائن.

2 - الليبرالية في المال والاقتصاد:

2 - الليبرالية في المال والاقتصاد: دخلت الليبرالية في اقتصاد الدول الإسلامية من خلال سيطرة الدول الرأسمالية الكبرى على الاقتصاد العالمي، ودمج بقية الدول فيه، والسعي لجعل الدول الصناعية مركز حركة المال في العالم، والدول النامية أطراف وحقول تجارب لهذه الدول، وهذا ما جعل الدول النامية في حالة خضوع كامل لتصرفات الدول العظمى الاقتصادية. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص102، 103

ثالث عشر: المصطلحات التي أطلقوها على أنفسهم أو أطلقت عليهم من غيرهم

ثالث عشر: المصطلحات التي أطلقوها على أنفسهم أو أطلقت عليهم من غيرهم 1 - الليبرالية: تدعو إلى الحرية المطلقة وعبادة الفرد نفسه وهواه وشهوته وقد عبر عنها منظروها في الحضارة الغربية سواء في فرنسا أو في بريطانيا بأنها التفلت المطلق وهي أيضا تدعو إلى الحرية المطلقة التي لا تعترف بدين ولا نص مقدس ولا عادات ولا تقاليد ولا أي أمر يعيق الحرية الفردية.2 - العصرانية: إشارة لتطويعهم نصوص الشريعة وأحكامها لتتوافق مع مستجدات العصر دون اعتبار لقداسة النص والمرجعية الشرعية وهي الكتاب والسنة (¬1).3ـ العقلانية: إشارة إلى تقديمهم وتقديسهم للعقل أو أنهم أهل عقل وحكمة ومن عداهم ليس لديه اهتمام بالعقل ويقصدون بذلك أصحاب الاتجاه السلفي تحديدا وتعاملوا مع العقل بالطريقة المنحرفة التي تعامل بها أهل البدعة عموما والمعتزلة على وجه الخصوص (¬2).4ـ التنوير: ظهر مصطلح التنوير ( ENLIGHTENMENT) في القرنين السادس عشر والسابع عشر في أوروبا تعبيرا عن الفكر الليبرالي البورجوازي ذي النزعة الإنسانية العقلية والعلمية والتجريبية ويتضمن هذا الفكر نزعة مادية واضحة بعد إقصاء اللاهوت وذلك بإحلال الطبيعة والعقل بدلا من الفكر الغيبي الثيولوجي والخرافي في تفسير ظواهر العالم ووضع قوانينه (¬3). ¬

(¬1) (([96] وهو والد العلامة الشيخ أحمد شاكر. (¬2) (([97] تحطيم الصنم العلماني لمحمد بن شاكر (ص14 - 15). (¬3) [98]_ ومع ذلك فإن هذا الكتاب يلقى رواجاً عند من يقولون بآرائه، ويبعث ما بين الفينة والفينة. ولكنه ما إن يبعث إلا ويقيض الله من يدفع زيفه، أو يعيد طبع ما رُد به باطله. ومن أحسن الردود التي كشفت عوار ذلك الكتاب ما خطته يراعة العلامة الشيخ محمد الخضر حسين في كتابه ((نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم)) الذي أُعيدت طباعته مؤخراً بتحقيق ابن أخيه الأستاذ علي الرضا الحسيني. فلقد تناول هذا الكتاب نقض ما جاء في كتاب الإسلام وأصول الحكم مما يخالف المبادئ الإسلامية، ويحود عنها بطريقة تدل على رسوخ قدم الأستاذ السيد محمد الخضر في العلوم الإسلامية والعربية، وتضلعه منها تضلعاً يجعله في صفوف كبار العلماء الباحثين الذين يعرفون كيف يصلون بالقارئ إلى الحق الناصع في رفق وسهولة، دون أن يرهقوا ذهنه، أو يحرجوا صدره. فأدلة ناصعة، ولغة بينة، وقصد في التعبير من غير غموض أو إبهام، وأدب صريح، وخلق متين يدل على أن صاحبه ممن تأدبوا بالأدب الإسلامي، وتشبعوا به، وفهموا معنى قوله - تعالى -: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن، ثم حسن ترتيب وتنسيق في المناقشة وسوق الأدلة. لا يدع في نفس القارئ مجالاً للشك، ولا يترك شبهة تتردد في صدره دون أن يقضي عليها قضاءاً نهائياً. كل ذلك في تواضع العالم الصادق النظر، النزيه الغرض، الذي لا يقصد من بحثه وجدله إلا إحقاق الحق وإزهاق الباطل .. انظر مجلة (المكتبة) شهرية أدبية تبحث عن المؤلفات وقيمتها العلمية الجزء الثاني من السنة الثانية الصادر في رمضان 1344هـ. وخير تقديم، وتقريظ للكتاب أن يقدم ويقرظ نفسه بنفسه. وكتابة الشيخ محمد الخضر حسين مرآة لقلم بليغ، ونفس طاهرة، وعقل حصيف، وكتاباته جوامع الكلم، وحكم بالغات صيغت باللفظ العذب، والسبك الجيد، إذا تُليت على الأسماع ركنت إليها النفوس لطهارتها وصدقها، وإذا قرأها القارئ عاش في روضة علمية ساحرة. إن الشيخ محمد الخضر حسين عالم جليل يغرف العلم من بحر لا ساحل له. ويُعَدُّ كتاب (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم) أهم المراجع للرد على كتاب علي عبدالرازق .. وإذا فرح الضالون المضلون بكتاب (الشيخ القاضي الشرعي) فقد فرح المؤمنون الصادقون بكتاب الإمام الصالح، وشتان بين الضلال والهدى، وبين الشر والخير. وإليك مقدمة ذلك الكتاب، تلك المقدمة التي تُبين عن شيء من مكنونات الكتاب ونفائسه. قال الشيخ محمد الخضر حسين - رحمه الله -: أحمد الله على الهداية، وأسأله التوفيق في البداية والنهاية، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد المبعوث بأكمل دين وأحكم سياسة، وعلى آله وصحبه، وكل من حرس شريعته بالحجة أو الحسام، وأحسن الحراسة. وقع في يدي كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ علي عبدالرازق، فأخذت أقرؤه قراءة من يتغاضى عن صغائر الهفوات، ويدرأ تزييف الأقوال بالشبهات. وكنت أمر في صحائفه الأولى على كلمات ترمز إلى غير هدى، فأقول: إن في اللغة كنايةً ومجازاً، ومعميات وألغازاً، ولعلها شغفته حباً حتى تخطَّى بها المقامات الأدبية إلى المباحث العلمية. وما نشبت أن جعلت المعاني الجامحة عن سواء السبيل تبرح عن خفاء، وتناديها قوانين المنطق فلا تعبأ بالنداء. وكنت - بالرغم من كثرة بوارحها - أُصبِّر نفسي على حسن الظن بمصنِّفها، وأرجو أن يكون الغرض الذي جاهد في سبيله عشر سنين حكمة بالغة، وإن خانه النظر فأخطأ مقدماتها الصادقة. وما برحت أنتقل من حقيقة وضاءة ينكرها، وهي أشبه بمقدماته من الماء بالماء، أو الغراب بالغراب. فوَّق المؤلف سهامه في هذا الكتاب إلى أغراض شتى، والتوى به البحث من غرض إلى آخر، حتى جحد الخلافة وأنكر حقيقتها، وتخطى هذا الحد إلى الخوض في صلة الحكومة بالإسلام. وبعد أن ألقى حبالاً وعصياً من التشكيك والمغالطات _ زعم أن النبي - عليه السلام - ما كان يدعو إلى دولة سياسية، وأن القضاء وغيره من وظائف الحكم ومراكز الدولة ليست من الدين في شيء، وإنما هي خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها، ومسَّ في غضون البحث أصولاً لو صدق عليها ظنه لأصبحت النفوس المطمئنة بحكمة الإسلام وآدابه مزلزلة العقيدة مضطربة العنان. كنا نسمع بعض مزاعم الكتاب من طائفة لم يتفقهوا في الدين، ولم يحكموا مذاهب السياسة خبرة، فلا نقيم لها وزناً، ولا نحرك لمناقشتها قلماً، إذ يكفي في ردها على عقبها صدورها من نفر يرون الحطَّ في الأهواء حرية، والركض وراء كل جديد كياسة. كنا نسمع هذه المزاعم فلا نزيد أن نعرض عمَّن يلغطون بها حتى يخوضوا في حديث غيره. أما اليوم وقد سرت عدواها إلى قلم رجل ينتمي للأزهر الشريف، ويتبوَّأ في المحاكم الشرعية مقعداً _ فلا جرم أن نسوقها إلى مشهد الأنظار المستقلة، ونضعها بين يدي الحجة، وللحجة قضاء لا يستأخر، وسلطان لا يحابي، ولا يستكين. لا أقصد في هذه الصحف إلى أن أعجم الكتاب جملة، وأغمز كل ما ألاقيه فيه من عوج، فإن كثيراً من آرائه تحدثك عن نفسِها اليقينَ، ثم تضع عنقها في يدك دون أن تعتصم بسند، أو تستتر بشبهة. وإنما أقصد إلى مناقشته في بعض آراء يتبرأ منها الدين الحنيف، وأخرى يتذمر عليه من أجلها التاريخ الصحيح. ومتى أميط اللثام عن وجه الصواب في هذه المباحث الدينية التاريخية - بقي الكتاب ألفاظاً لا تعبر عن معنى، ومقدمات لا تتصل بنتيجة. والكتاب مرتب على ثلاثة كتب، وكل كتاب يحتوي على ثلاثة أبواب، وموضوع الكتاب الأول: الخلافة والإسلام، وموضوع الكتاب الثاني: الحكومة والإسلام، وموضوع الكتاب الثالث: الخلافة والحكومة في التاريخ. وطريقتنا في النقد أن نضع في صدر كل باب ملخص ما تناوله المؤلف من أمهات المباحث، ثم نعود إلى ما نراه مستحقاً للمناقشة من دعوى أو شبهة، فنحكي ألفاظه بعينها، ونتبعها بما يزيح لبسها، أو يحل لغزها، أو يجتثها من منبتها. وتخيَّرنا هذا الأسلوب لتكون هذه الصحف قائمة بنفسها، ويسهل على القارئ تحقيق البحث، وفهم ما تدور عليه المناقشة، ولو لم تكن بين يديه نسخة من هذا الكتاب المطروح على بساط النقد والمناظرة.

. فالتنوير إذن، كمصطلح شائع في الحياة الفكرية هو مصطلح أوروبي النشأة والمضمون والإيحاءات بل إنه عنوان على نسق فكري ساد في مرحلة تاريخية من مراحل الفكر الأوروبي الحديث حتى ليقال كثيرا في تقسيم مراحل هذا الفكر: "عصر التنوير".الفكر التجديدي: ويعنون به تغيير أصول الإسلام لا المقصود المتبادر من اصطلاح التجديد وهو إحياء ما اندرس من معالم الإسلام وأصوله فالمتمعن في كتب هذا التوجه يرى أنهم يدخلون في التجديد الابتداع في تغيير الإسلام وتغيير أصوله بما يتوافق مع الأهواء ويساير الواقع وتوجهات الأعداء ليقبلوا بهم (¬1). ¤التطرف المسكوت عنه أصول الفكر العصراني لناصر الحنيني- ص 9 ¬

(¬1) انظر: ((المعجم الفلسفي)) (1/ 461).

رابع عشر: أسباب انتشار هذا الفكر والافتتان به

رابع عشر: أسباب انتشار هذا الفكر والافتتان به أولا: اتباع الهوى: فإن الهوى يعمي ويصم وعند غلبة الهوى لا ينفع العلم ولا المعرفة بل إن صاحب الهوى يستخدم العلم والمعرفة لتأييد ما يهواه ويسوع انحرافه وهذا ظاهر في كتابات هؤلاء حيث يفرقون بين المتماثلات وتظهر في كتاباتهم الخيانات العلمية والتناقضات حتى في أفكارهم وأطروحاتهم ومصادمة العقل والفطرة وكلها نتاج لاتباع الهوى ولهذا ماذا يمكن أن نسمي: بتر النصوص وإخراجها عن سياقها ومن ثم الطعن في صاحب المقال أو القدح في الفكرة؟ وماذا نسمي الهجوم على رموز الإسلام ومناراته الشامخة والإشادة برموز البدعة والانحراف بل رموز الكفر والإلحاد؟. وصدق الله العظيم إذ يقول: وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ [الأنعام:119] ثانيا: الانبهار بالحضارة الغربية: وما يعبر عنه بالصدمة الحضارية وهي نتيجة لواقع المسلمين المؤلم من التخلف التقني والعملي التجريبي وهيمنة الحضارة الغربية في جانبها المادي وهؤلاء لم يرفعوا رأسا بالجانب الحضاري في تشريعات الإسلام التي لم يصل إليها الغرب ولن يصلوا إليها في تشريعاته وحفظه لحقوق الإنسان وحفظ كرامته وتوازنه بين حقوق الفرد والجماعة، وعظمة تشريعاته المعجزة التي تصلح لكل زمان ومكان وحتى لا نغرق في الواقع المؤلم فإن المؤشرات الحالية واستشراف المستقبل تبين أن المسلمين في طريق النهوض الحضاري وأنهم بدأوا في امتلاك كثير من أدوات التقنية والعلم. ثالثا: الهزيمة النفسية: والضعف والانكسار أمام الهجمات المتتالية، من قبل المستشرقين وتلاميذهم الذين كتبوا وألفوا في الطعن في الإسلام وتشريعاته وقدموا صورة مزيفة عن الإسلام الحقيقي الذي أنزله رب العالمين، وقد ظهر ذلك جليا في موقفهم من قضية الحدود والجهاد والولاء والبراء والموقف من القوانين الوضعية. وصدق الله إذ يقول: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:139]. رابعا: الضعف العلمي: وحين يقل العلم، ويتلقف هذه الشبهات قليلو البضاعة في العلم؛ فإنه بالتأكيد ستمرر عليهم الشبهات والتلبيس الحاصل الآن بدعاوى مختلفة كحرية النقد، أو الموضوعية، أو اختزال في النص، أو التقليد دون إعمال العقل، وهي في الحقيقة ـ لمن رزقه الله العلم النافع ـ دعاوى ساقطة مرذولة لأنها: أولا: تخالف أصول الشريعة وضروراتها كحفظ الدين، فعلى سبيل المثال يطلب منا اليوم السماح بترويج الإلحاد ونشر باطلهم بحجة الرأي والرأي الآخر وتلغي هذه الضرورة المهمة التي هي محل إجماع. وثانيا: أن ما يطرحه علماء الإسلام ودعاته يتوافق مع النصوص ولا يعارض ما يدعون إليه من الموضوعية والشمولية وعدم إقصاء الآخر ونحوها من العبارات المطاطة التي تحتمل معاني متعددة منها الحق ومنها الباطل. خامسا: العوامل الشخصية: لا شك أن شخصية الكاتب والملقي والمفكر لها تأثير على ما يطرحه من نتاج ثقافي، وهذا في الحدود الطبيعية لا يؤثر في الطرح كثيرا، أما إذا أصبحت هناك مشكلة في نفسية وشخصية الكاتب فهنا يحدث الانحراف والتطرف والغلو أو التفريط والتساهل في تقرير القضية العلمية وكثير ممن ينظرون لهذا الفكر تجد أن لديهم مشاكل شخصية ونفسية فعدد لا يستهان به من رواد هذا الفكر ومنظريه كانوا في ماضيهم أصحاب أفكار غالية ومتطرفة وحدثت لهم ردة فعل فأصبحوا أقرب إلى دعاة العلمنة والتحلل وجميع هذه الأفكار ـ وللأسف ـ تصاغ باسم الإسلام. ساسا: الدعم الغربي لهذا التيار:

وهذا أمر حقيقي قطعي، فليس هو من قبيل الظن أو التوقع أو التخمين، وإنك واجد هذه الحقيقة فيما سجلته التقارير الغربية التي صدرت مؤخرا عن بعض المراكز البحثية التخصصية في الولايات المتحدة الأمريكية من الحث على دعم هذا التيار الذي يسمى بـ (الإسلام الليبرالي) زورا وبهتانا ومنها: 1ـ تقرير جون بي آلترمان ( jon. Alnterman) مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية الأمريكي ( studies centrer strategic and lnternational) حيث كتب جون بي آلترمان مقالا تحت هذا العنوان تحدث فيه عن تنامي الدعم الغربي لليبراليين العرب (¬1). 2 ـ تقرير مؤسسة (راند) الأمريكية حيث نشرت مؤسسة (راند) الأمريكية تقريرا استراتيجيا بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات) للباحثة في قسم الأمن القومي (شيرلي بينارد) وقد نشر هذا التقرير بعد أحداث سبتمبر 2001م وتحديدا في عام 2003م وفي ربيع عام 2004م قامت الباحثة نفسها بنشر ملخص عنه. وقد جاء في الفصل الثالث من هذا التقرير وعنوانه: " استراتيجية مقترحة" توصيات عملية موجهة لصانع القرار الأمريكي لاستبعاد التيارات العلمانية والحداثية ولأنها أقرب ما تكون إلى قبول القيم الأمريكية الديمقراطية. وتقرر (بينارد) من خلال هذا التقرير أن الغرب يراقب بدقة الصراعات الإيديولوجية العنيفة داخل الفكر الإسلامي المعاصر وتقول بالنص: " من الواضح أن الولايات المتحدة والعالم الصناعي الحديث والمجتمع الدولي ككل تفضل عالما إسلاميا يتفق في توجهاته مع النظام العالمي بأن يكون ديمقراطيا وفاعلا اقتصاديا ومستقرا سياسيا تقدميا اجتماعيا ويراعي ويطبق قواعد السلوك الدولي وهم أيضا يسعون إلى تلافي (صراع الحضارات) بكل تنويعاته الممكنة والتحرر من عوامل عدم الاستقرار الداخلية التي تدور في جنبات المجتمعات الغربية ذاتها بين الأقليات الإسلامية والسكان الأصليين في الغرب وذلك تلافيا لتزايد نمو التيارات المتشددة عبر العالم الإسلامي وما تؤدي إليه من عدم استقرار وأفعال إرهابية" (¬2). 3ـ تقرير صادر عن مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي ـ واشنطن، كتبه الخبير والمحلل السياسي بالمؤسسة المهتمة بشؤون الشرق الأوسط في الأيام القليلة الماضية نشاطا لافتا للنظر فقد نظم معهد " المؤسسة الأمريكية" مؤتمرا حول الديمقراطية في العالم العربي عنوانه " إلى المعارضين العرب: ارفعوا أصواتكم" ودعا إليه مجموعة من ممثلي التيارات الليبرالية لمناقشة دورهم في تحولات أوطانهم السياسية والاستراتيجية الأنجع للدعم الغربي لهم وتلاه " معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" بعقد ورشة عمل حول مستقبل الليبرالية العربية في ضوء نجاحات القوى الدينية في مجمل ما أجري من انتخابات في عام 2005م برلمانية في العراق ومصر وبلدية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. 4ـ تقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية بتاريخ 9 يونيو: ركز هذا التقرير على ضرورة أن يكون هدف أمريكا في الشرق الأوسط تشجيع التطور الديمقراطي وليس الثورة كما يجدر بصانعي السياسات أن يأخذوا بعين الاعتبار التنوع السياسي والاقتصادي في المنطقة وذكر التقرير أن عملية التطور الديمقراطي بطيئة ومتدرجة ويجب أن تتم من خلال النظم السياسية الموجودة في الدول العربية. وأشار التقرير إلى أن سياسة نشر الديمقراطية تؤدي إلى بعض المخاطر ولكن حرمان الشعوب من الحرية ينطوي على مخاطر أكثر، ونبه التقرير على أخذ الظروف الخاصة بكل دولة على حدة مع التأكيد على مبادئ أساسية مثل حقوق الإنسان وتقبل الآخر وسيادة القانون وحقوق النساء والأقليات وعدم ربط الإصلاح بالصراع العربي إلاسرائيلي" (¬3). سابعا: الانكباب على تراث المنحرفين الزائغين من أمثال الصوفية الزنادقة والفلاسفة الملاحدة: المتأمل في تاريخ هؤلاء الليبراليين يلحظ بجلاء أن انكبابهم على تراث المنحرفين الزائغين من أمثال الصوفية الزنادقة والفلاسفة الملاحدة ـ مع ضعف العلم والبصيرة ـ كان هو نقطة التحول الرهيبة في حياتهم الفكرية مثلما كان هو الشرارة النارية الأولى في تغير نسيجهم الثقافي حيث يفعل ذلك التراث فعله الفظيع في النفس الإنسانية إذ يغرز فيها حب التفلت والتحرر من أي قيود أو ضوابط شرعية كما أنه يعمق فيها منهج الشك في كل شيء حتى في قطعيات الدين وثوابته الراسخة. ¤التطرف المسكوت عنه أصول الفكر العصراني لناصر الحنيني - ص 20 ¬

(¬1) Academic American Encyclopedia (Liberalism). (¬2) (( المعجم الفلسفي)) (1/ 465). (¬3) ((حكمة الغرب)) (2/ 103).

خامس عشر: تيارات الليبرالية

خامس عشر: تيارات الليبرالية جاءت الليبرالية إلى البلاد الإسلامية من خلال الاستعمار المباشر وإعادة تركيب البلاد المستعمرة على أسس ليبرالية تتوافق مع مصالح المحتل، وقد كان للمستغربين تأثير كبير في توسيع نطاق الليبرالية والمطالبة بها. ولم تكن هناك حاجة ذاتية للفكر الليبرالي في البلاد الإسلامية، وما يوجد من خلل في الأمة الإسلامية في مجال الحريات يمكن علاجه بالالتزام الحقيقي بالإسلام، وهو الكفيل بتحقيق الحرية والعدل في حياتها وهذا يؤكد أن الدعوة لليبرالية ذات مصدر خارجي أجنبي دعمته مجموعة معجبة بالغرب منهزمة أمام حضارته المادية. وقد كانت البداية في الدعوة إلى الليبرالية تعتمد على الدعوة العامة للحرية واتباع الغرب في نهضته الجديدة للوصول إلى مستواه الحضاري المادي. وهذه البداية تمت على يد تيارين هما: - تيار عصراني: يربط بين دعوته للحرية والإسلام، مع انبهار بالحضارة الغربية، ومحاولة نسبة بعض منجزاتها المحددة للإسلام مثل الحرية الديمقراطية، والتعددية، والاعتراف بالآخر وغيرها. - تيار علماني: يطالب " بالحرية " على الطريقة الليبرالية الغربية دون الحاجة إلى الربط بالدين، يقول أحمد لطفي السيد " خلقت نفوسنا حرة، طبعها الله على الحرية. فحريتنا هي نحن .. هي ذاتنا، ومفهوم ذاتنا هي أن الإنسان إنسان، وما حريتنا إلا وجودنا وما وجودنا إلا الحرية ". وقد وضع " طه حسين " منهج النهضة في قوله: " هي أن نسير سير الأوروبيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم أندادا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة: خيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يحب منها وما يعاب " (¬1).ويؤكد ذلك بقوله: " نريد أن نتصل بأوروبا اتصالا يزداد قوة من يوم إلى يوم، حتى نصبح جزءا منها، لفظا ومعنى، حقيقة وشكلا " (¬2). وبهذا يتبين أن هذا التيار طالب بالحرية الغربية دون تهذيب أو تغيير, وقد كان لنصارى العرب دور كبير في ترسيخ هذا الفكر من خلال صحفهم ومؤلفاتهم. وقد كانت هذه التيارات تهتم بالدعاية للفكر الليبرالي بصورة عامة, ولم تناقشه بطريقة علمية عميقة, ومما يؤكد ذلك أن صعود الليبرالية في البلاد الإسلامية لم يعرف مناهج الليبرالية واتجاهاتها الفكرية, وصراعها العقدي ولهذا لم تتأثر بموجبات المد والجزر لليبرالية الغربية. وإذا نظرنا إلى واقعنا المعاصر فإننا نجد الوضع قد تغير، حيث تعرف العالم الإسلامي على الليبرالية بشكل أكبر، ولهذا نشأت تيارات متعددة لليبرالية نذكر في هذا المقام أبرز هذه التيارات على النحو التالي: تيار الليبرالية الإسلامية (¬3): وهذا التيار يسعى للتوفيق بين الليبرالية والإسلام ونفي التعارض بينهما، وقد نشأ هذا التيار أول الأمر في " الحركة الإصلاحية " على يد محمد عبده وتلاميذه، ثم بعد ذلك في " مدرسة التجديد " التي بدأت منذ الستينات الميلادية، وبعد أحداث 11 أيلول أصبح هذا الفكر أكثر بروزا من ذي قبل، وقد اعتنت الدول الغربية به للاستفادة منه في تسويق مشاريعها في البلاد الإسلامية. ¬

(¬1) ((المورد)) (6/ 114). (¬2) ((تاريخ الفكر الأوروبي الحديث)) (ص 337). (¬3) The World Book Encyclopedia (Liberalism).

وليست رؤية هذا التيار واحدة، ولكن إطارها العام هو التوفيق بين الإسلام والحداثة الغربية، والإصلاح الديني بما يتناسب مع هذه الحداثة، ولهذا اختلفت رؤيتهم بناء على معرفتهم بالحداثة الغربية وتطورها المستمر. يقول عبد الرحمن الحاج: " الوعي بالتاريخ هنا ليس في الشعور بالتغير الثوري الذي حدث في العالم، فجميع أشكال الخطاب الإسلامي " الإصلاحي " و "التجديدي" مؤمن من غير تردد بذلك، لكن تحليل هذا التغير وتفسيره أمر بدا مختلفا جدا في كل مرحلة من مراحله، وهي تتصل بمدى وعيه للحداثة وتطوراتها المتسارعة قربا وبعدا، ففيما " الخطاب النهضوي " لخط التقدم الغربي في شقه التنظيمي والمادي (الطهطاوي والتونسي) لم ير ضرورة في تطوير الخطاب الإسلامي، فمسألة " الإصلاح الديني " لم تستبعد وحسب، بل استهجنت ورفض التفكير فيها، وسرعان ما أدرك " الاصلاحيون " (عبده وتلاميذه) في إطار الحقبة الكولونيالية (الاستعمارية) أن المسألة أبعد من مجرد نقل للحضارة الغربية، وأن الفجوة الواسعة والمطردة بيننا وبين الغرب ليست مجرد تطورات تقنية وإدارية تنظيمية، إنها أيضا مسألة تطور في المعرفة الإنسانية، وليس في العلوم المادية فحسب، إلا أن تفسير التقدم الغربي بوصفه تطورا عن الصراع مع الكنيسة، وضع " الإصلاحيين " و " الخطاب الإسلامي " – بمنطق المقايسة بجامع علة متمثلة في النهضة الحديثة – أمام خيار إعادة إنتاج للنهضة على الإيقاع الغربي نفسه، وهكذا قرر زعماء الإصلاحية (عبده وتلاميذه) أنهم لابد أن يمارسوا دورا لوثريا، بل لقد صرحوا بأن الإصلاح الديني هو مثيل الإصلاح البروتستانتي تماما، هنا يبدو أن الزمن بدأ يصبح في الوعي الإصلاحي زمن الغرب وحضارته، وليس زمننا الخاص .. " (¬1) ولم يكن حظ " مدرسة التجديد " أقل من ربط خطابها بتغيرات الحداثة الغربية، حيث سارت على خطا مدرسة محمد عبده مع غلو أكثر في تأويل النص الديني، ووضع أدوات جديدة في تأويله وصرفه عن حقيقته. وبهذا أصبح من الأمور العادية لدى هذا الخطاب التجديدي (¬2) اعتبار قيم الليبرالية، وثقافة الديمقراطية أمورا ضرورية متوافقة مع حقيقة الإسلام، ولا ينكر ذلك إلا متشدد متطرف. ومن ذلك النظر إلى الآخر (الكافر) دون تكفير أو إقصاء فضلا عن الجهاد والقتال، واعتبار الديمقراطية وما تقتضيه من تشريعات مدنية متوافقة مع الفكر السياسي الإسلامي. وينظر هؤلاء إلى التركيبة العالمية، وسيطرة الكفار، ونظم الحداثة الغربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أنها لا تعارض الإسلام، ويجب أن لا يسعى المسلمون إلى إنكارها بحجة وجوب تحكيم الشريعة، لأن الإسلام علاقة روحية وليس نظاما سياسيا شموليا يحكم حياة الناس بصورة كاملة، فالأمور المدنية تشريعية أو إدارية متروكة للناس يرون فيها ما يصلحهم (¬3). تيار الليبرالية القومية: ¬

(¬1) Encyclopedia Britannicac (Liberalism) (¬2) (( حكمة الغرب)) (2/ 103). (¬3) ((تاريخ الفكر السياسي)) (1/ 358).

وقد نشأ هذا التيار في وقت مبكر، وقد كان من رواده نصارى العرب، وقد استمرت القومية منذ نشأتها ليبرالية إلى الخمسينات ثم بدأت مرحلة جديدة، وكانت البداية عن طريق الانقلابات العسكرية في الوطن العربي، وقد كانت هذه الفترة وما بعدها تشهد مدا يساريا قويا، فتبنت الحكومات العسكرية النظرية الاشتراكية بحجة الاستقلال عن الإمبريالية الغربية، فأممت الكثير من وسائل الإنتاج، وفي هذه المرحلة قطعت الحكومات العسكرية الصلة بالليبرالية قطعا باتا. ففي المجال السياسي اعتمدت فكرة الحزب الواحد مع التضييق على الحريات ومنع الأحزاب وتأميم الصحافة، وفي المجال الاقتصادي قامت بتوسيع دور الدولة في تنظيم الاقتصاد، وتأميم بعض وسائل الإنتاج ولكن هذه التجربة فشلت وبدأت رياح التحول والعودة للديمقراطية، وكان ذلك على وجه التحديد في منتصف السبعينات (¬1). وإذا تركنا جانب التطبيق العملي في أنظمة الحكم وسياسة الاقتصاد لأنها تتعرض لتغيرات متكررة فإن الجانب الفكري يعد منضبطا إلى حد ما. ويتميز هذا التيار بقبوله لليبرالية في مجالها السياسي من خلال دعوته لتطبيق الديمقراطية، ورفضه لليبرالية في مجالها الاقتصادي المتمثل في اقتصاد السوق الحرة، والنظام الرأسمالي، ولعل أقرب اتجاه ليبرالي في أوروبا يشابه فكر هذا التيار ما يسمى " بالديمقراطية الاجتماعية " أو " الديمقراطية الاشتراكية ". ولقد كان لهذا التيار دور إيجابي في بيان خطورة الليبرالية الاقتصادية ودورها المدمر للاقتصاد الوطني، وضرر تبني برامج التكيف الليبرالية على الأمة العربية وهو يدل على روح وطنية صادقة بعيدة عن التسويق لمشاريع المستعمر التي تريد الهيمنة على الأمة في ثرواتها وقيمها وثقافتها وحضارتها. إن الباحث ليقف معجبا من الإنجاز المعرفي الذي قدمه هذا التيار في نقد الرأسمالية الليبرالية، والدور الرائد في كشف ألاعيبها وخداعها. ولكن – مع الأسف الشديد – أن المنطق في ذلك منطلقا علمانيا صرفا، فهو لا يعرف الحق إلا من خلال الفكر الغربي ونتائجه، فعندما نقد وحشية الليبرالية وظلمها وعدوانها على الفقراء وتدميرها لمستقبل التنمية المستقلة، لم يبحث عن الحق في الشريعة الإسلامية الثرية، ولكنه اتجه للاشتراكية الغربية من خلال تبني أفكار طرف ليبرالي آخر (الديمقراطية الاشتراكية)، وهذا يدل على أنه لا يعرف الحق إلا من خلال الفكر الغربي، وهو – كذلك – يدل على الجهل العظيم بحقيقة الإسلام وشريعته الربانية .... ,فليس هناك فكر جديد سوى اجترار ما لدى الغربيين من أفكار، ربما يبدو هذا الاتجاه أبعد عن العمالة وأقرب للوطنية من " الليبراليين الجدد " على الأقل على المستوى النظري، ولكن المهم أن المرجعية الفكرية لديهم واحدة وهي العلمانية (¬2). تيار الليبراليين الجدد: ¬

(¬1) انظر: ((التاريخ اليوناني)) (ص 196)، و ((ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)) (ص157). (¬2) انظر في بيان ذلك: ((العلمانية)) (ص29) وما بعدها.

هذا التيار حديث النشأة، فقد نشأ بعد سقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي، وزاد حضوره في بداية القرن الحادي والعشرين، وبالذات بعد أحداث 11 أيلول 2001م. ويعتمد هذا التيار على تراث الفكر الليبرالي العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وخاصة فكر حزب الأمة (¬1).وتتلخص أفكارهم فيما يلي: "حرية الفكر المطلقة، وحرية التدين المطلق، وحرية المرأة ومساواتها بالحقوق والواجبات مع الرجل، والتعددية السياسية، والمطالبة بالإصلاح الديني والتعليمي والسياسي، وفصل الدين عن الدولة، وإخضاع المقدس والتراث للنقد العلمي، وتطبيق الاستحقاقات الديمقراطية " (¬2).كما يعتمد على الأفكار الجديدة التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين وهي: "محاربة المجتمعات الديكتاتورية العسكرية والقبلية والحزبية المتسلطة، والمناداة بإقامة المجتمع المدني، وإحياء دعوة الإصلاح الديني من جديد، والتأكيد على العلمانية وفصل الدين عن الدولة" (¬3).تميز هذا التيار (تيار الليبراليون الجدد) عن التيارات الليبرالية الأخرى بعدة أمور ومنها (¬4): أولا: الوقوف في صف المشروع الأمريكي في المنطقة، والمطالبة بما يريده ويسعى له مثل: تغيير مناهج التعليم، واستعمال القوة العسكرية لتغيير الأنظمة العربية، وفرض الديمقراطية عن طريق الاحتلال المباشر لهذه الدول، ولهذا فرحوا فرحا كبيرا باحتلال أمريكا للعراق، وقد صرح بعضهم بأنه يتلذذ بسماع صوت القنابل، ودوي الإنفجارات في بغداد، وكأنها " موسيقى بتهوفن".يقول شاكر النابلسي: " عدم الحرج من الاستعانة بالقوى الخارجية لدحر الدكتاتورية العاتية، واستئصال جرثومة الاستبداد، وتطبيق الديمقراطية العربية، في ظل عجز النخب الداخلية والأحزاب الهشة عن دحر تلك الدكتاتورية وتطبيق الديمقراطية" (¬5). وأنه لا حرج من الإتيان بالإصلاح على ظهر دبابة بريطانية أو بارجة أمريكية. ثانيا: تطبيق مقاييس النقد الغربي على نصوص الوحي، وإخضاع الوحي المقدس للمنطق العقلاني، وهذا عندهم هو الأساس العلمي في معرفة الحقيقة، وصحتها. ثالثا: رفض العداء لغير المسلمين، واعتبار الموقف العدائي عند المسلمين ناتج عن ظروف سياسية واجتماعية معينة، وهي لم تعد قائمة الآن، ولهذا لا يصح أخذ هذه المواقف العدائية الموجودة في النصوص المقدسة، ومهاجمتهم وسفك دمائهم بناء على ذلك، لأن المصالح متغيرة، والمواقف متغيرة، فيجب تغير هذه العقائد. رابعا: " اعتبار الأحكام الشرعية أحكاما وضعت لزمانها ومكانها، وليست أحكاما عابرة للتاريخ كما يدعي رجال الدين، ومثالها الأكبر حجاب المرأة، وميراث المرأة .. إلخ " (¬6). خامسا: رفض الارتباط بالإسلام لأنه ماض، واعتبار الموجود عبارة عن فكر علماء الدين كما يعبرون وليس الدين الرسولي، وهو يقف عثرة ضد الفكر الحر، وميلاد الفكر العلمي. سادسا: "الشعوبية" وكره العرب واتهامهم بكل النقائص، وذكر مثالبهم ونقائصهم، واعتبار الدعوة للاستقلال مجرد شعارات غوغائية لا تمت للعقلانية بصلة. وقد تتبعت آراء (¬7) هذا التيار فوجدت أنه تيار عميل للدول الاستعمارية، وخاصة الولايات المتحدة، ولا يخرج عن آرائها، فالمقاومة الفلسطينية والعراقية – عندهم – إرهاب وتطرف، ولا يمكن حل الصراع العربي الصهيوني إلا بالمفاوضات على الطريقة الأمريكية، وضرورة التطبيع الكامل مع إسرائيل، والدخول في العولمة واقتصاد السوق الحرة من أوسع أبوابها، وغير ذلك من الآراء، ولا تكاد تجد قضية سياسية إلا وتجد هذا التيار يتطابق في رؤيته مع الولايات المتحدة حتى على مستوى خلاف أمريكا مع الصين أو الهند، أو زيادة إنتاج النفط والموقف من شافير (الرئيس الفينزولي). وهذا يؤكد أن هذا التيار عبارة عن احتياط إعلامي يستعمله الأمريكيون لتسويق أفكارهم وسياساتهم، وجناح فكر ورافد ثقافي لمشاريعهم في المنطقة الإسلامية. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص116 - 133 ¬

(¬1) انظر: ((مدخل لدراسة التاريخ الأوروبي)) (ص 13). (¬2) ((تراث الإنسانية)) ((العقد الاجتماعي)) (1/ 574). (¬3) انظر: ((تراث الإنسانية)) ((روح القانون)) (1/ 709). (¬4) انظر: ((الحرية)) (ص37). (¬5) وهذا الموقف يشمل عندهم العقائد الدينية الأساسية مثل الإيمان بالله، واليوم الآخر، والرسل، والملائكة وغيرها، والموقف الليبرالي يقتضي عدم الجزم واليقين بصحة هذه العقائد وغيرها. (¬6) لبيان كيفية تسلل الليبرالية إلى العالم الإسلامي، ورموزها الذين روجوا لها؛ ينظر بحث " كيف تسللت الليبرالية إلى العالم الإسلامي؟ "، منشور بموقع صيد الفوائد على شبكة الانترنت ( WWW.saaid.net). (¬7) قيل: قبل المائتين ((مقدمة ابن خلدون)) (467) وقيل في أوائل القرن الثاني ولم يشتهر إلا بعد القرن الثالث ((مجموع الفتاوى)) (11/ 5).

سادس عشر: الليبراليون الجدد .. عمالة تحت الطلب

سادس عشر: الليبراليون الجدد .. عمالة تحت الطلب كتب جون بي آلترمان ( Jon B. Alterman) مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية الأمريكي ( Center for Strategic and International Studies) مقالاً تحت هذا العنوان تحدث فيه عن تنامي الدعم الغربي لليبراليين العرب محذراً من أن تعاظم هذا الدعم سيضر الليبراليين العرب ولن يفيدهم، ومحذراً الغربيين من الرهان عليهم. ويعد هذا المقال اختصاراً لمقال آخر كان قد كتبه أصبحت الحاجة ماسة إلى الليبراليين العرب أكثر من أي وقت مضى؛ حيث يرى فيهم بعض الغربيين الأمل والقوى القادرة على مواجهة خطر «القاعدة» لذلك يدعوهم كبار مسؤولي الحكومات في واشنطن ولندن وباريس وغيرها من العواصم الغربية إلى موائد الأكل وشرب الخمر. لقد ازداد الدعم الغربي لليبراليين العرب، لكن يبدو أن تنامي هذا الدعم قد يحدث تأثيراً معاكساً؛ فبدلاً من أن يؤدي إلى تقويتهم فإنه سيؤدي إلى تهميشهم ووصمهم بالعمالة، بل جعل الكثيرين يتشككون في الإصلاح السياسي الذي يسعى الغرب إلى تحقيقه في المنطقة. يعتبر اتخاذ السياسة الغربية لليبراليين العرب قاعدة انطلاق لتنفيذ سياساتها في المنطقة أمراً منطقياً؛ بالنظر إلى التجانس الموجود بين الطرفين؛ فالليبراليون العرب على مستوى تعليمي جيد، ويتحدثون الإنجليزية بطلاقة، وفي بعض الأحيان يتحدثون الفرنسية أيضاً. فالساسة الغربيون يجدون الراحة في التعامل معهم وهم كذاك يحبون التعامل مع الغرب. لكن إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا، فيجب أن نعترف أن الليبراليين العرب القدامى قد كبر سنهم وازدادت عزلتهم وتضاءل عددهم، ولم يعد لهم إلا تأثير محدود في مجتمعاتهم والقليل من الشرعية؛ فهم بالنسبة لمواطني بلدانهم وبخاصة الشباب منهم لا يمثلون أمل المستقبل، بل يمثلون الأفكار الغابرة التي لم تنجح في الماضي، ولم يعد لديهم القدرة على استمالة قلوب وعقول أبناء بلدانهم. إن اهتمام الغرب المتزايد بالليبراليين العرب يُنذر بتأزم موقفهم، ويجعلهم يوصَمون بالعمالة، ليس العمالة الهادفة إلى تحقيق الحرية والتقدم، ولكن العمالة للغرب ومساعدته في مساعيه لإضعاف وإخضاع العالم العربي. بل الأسوأ من ذلك جعلهم يتحولون إلى الغرب؛ حيث يجدون حفاوة الاستقبال تاركين بذلك مجتمعاتهم؛ لأنهم لا يجدون فيها تلك الحفاوة التي يجدونها في الغرب. إن الناظر إلى حال الليبراليين العرب يجد أن السواد الأعظم منهم ينتظر أن تأتي الولايات المتحدة لتسلمهم مفاتيح البلاد التي يعيشون فيها؛ في الوقت الذي تقوم فيه الجماعات المحافظة بعمل برامج نشطة إبداعية مبهرة يقدمون من خلالها مجموعة من الخدمات التي تمس الحياة اليومية للمواطنين. مع هذا؛ فإن كثيراً من الليبراليين يعتقدون حتى الآن أن دورهم ينتهي بمجرد كتابة مقالة. وإن من غير المحتمل أن يؤدي هذا الدعم المتنامي إلى انغماس هؤلاء الأشخاص في مجتمعاتهم، بل على العكس؛ فإن ذلك الدعم سيشكل حافزاً لهم لتعلم كيفية الحصول على المساعدات من الهيئات الغربية التي تقدم المعونة. وقد ذكر لي أحد أصدقائي بالإدارة الأمريكية أن نموذج المتلقين للمعونة التي تقدمها الإدارة الأمريكية هو ابن لأحد السفراء من أم ألمانية وتصادف أنه يدير منظمة أهلية. إن تقديم المساعدات إلى تلك المنظمات لا يجعلها تبدو نبتاً للوطن بل على العكس يقلل من ذلك التصور. إن السياسة الحكيمة تقتضي تنفيذ النقاط الثلاث الأساسية التالية بدلاً من الرهان على الليبراليين العرب:

أولاً: أن نستثمر الحرية؛ وذلك بأن ندعم الحرية للجميع ليس فقط لمن يدعمون أفكارنا، بل ولمن يعارضونها. وقد يرى بعضنا أن الضغط على الحكومات العربية لإتاحة المجال أمام حرية التعبير وحرية إنشاء الجمعيات الأهلية والانضمام لها يشكل خطراً كبيراً، خاصة في ظل الحرب العالمية على الإرهاب. لكن ذلك أمر غاية في الأهمية؛ لأن تلك الحرية ستوجد سوقاً حرة تُعرض فيها كل الأفكار، وهو الأمر الذي سيمكِّن الليبراليين من كسب الدعم الشعبي بدلاً من أن يُنظَر إليهم على أنهم قد اختيروا من الغرب ليكونوا بديلاً عن القوميين والمحافظين والراديكاليين. نحن دائماً ندعي أننا نرغب في أن تقوم دولة عظمى بإدارة الشرق الأوسط كي تتيح المجال للمنافسة. إذاً لماذا لا نرحب بتلك المنافسة بين الأفكار المبنية على مبدأ تكافؤ الفرص للجميع؟ ثانياً: يجب أن نقلل من الشروط والصفات المطلوبة في المنظمات التي نقدم لها الدعم. فعدم تقديم الدعم لمنظمات تقوم بأعمال إرهابية يعد أمراً طبيعياً. لكن سياسة منع الدعم عن المنظمات التي لا تقدم الدعم لسياستنا تعتبر هزيمة لأنفسنا، وستؤدي بنا إلى العزلة، كما ستضعف من مصداقية كل من نرغب في العمل معه. ثالثاً وأخيراً: يجب استحداث أنشطة جديدة لا تحمل ختم الإدارة الأمريكية؛ هذه الأنشطة الجديدة يمكن أن تنفذ بمشاركة من الحلفاء الأوروبيين الذين يشعر الكثير منهم بالقلق من تأزم الوضع السياسي والاجتماعي في العالم العربي. بعض الأنشطة الأخرى يمكن أن تقوم بها المنظمات الأهلية والجامعات ومؤسسات أخرى. الهدف من ذلك ليس إخفاء الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في هذه الأنشطة، بل الهدف هو جذب قطاع كبير من المجتمعات الشرق أوسطية إلى قطاع كبير من المجتمعات الغربية. كما يجب أن لا نتخلى عن الليبراليين العرب؛ فكثير منهم يقاتل بشجاعة في سبيل تحقيق أفكار ندعمها، والتخلي عنهم سيبعث برسائل خاطئة. لكن في الوقت نفسه يجب أن لا نعلق أملنا على نجاحهم؛ فالأفضل لنا أن نحقق نجاحات جزئية مع قطاع كبير من العامة بدلاُ من أن نحقق نجاحاً كبيراً مع مجموعة من النخبة المنعزلة والتي لا تتمتع بأي تفويض شعبي. إننا نريد أن نروِّج للفكر التحرري بين جماهير العالم العربي الموجودة في القاهرة وبغداد وبيروت، وليس في واشنطن ولندن وباريس؛ لذلك يجب أن يأتي الدعم المقدم إليهم من حكومات تلك الدول وليس من الحكومات الغربية. وإذا نسينا ذلك فعندئذ لن نكون قد أسأنا لأنفسنا فقط، بل سنكون قد أسأنا في حقهم أيضاُ. ¤موقع صيد الفوائد - الليبراليون الجدد .. عمالة تحت الطلب ترجمة: إبراهيم عرفة أحمد

سابع عشر: معالم الفكر الليبرالي

المعلم الأول: الموقف من النص الشرعي من المسلمات الشرعية أن النص الشرعي هو المرجع وهو الحاكم في حياة المسلمين والعقل مصدر تابع له. وقد تباينت مواقف هذه المدرسة المنحرفة التي تخالف أصول الإسلام من هذه القضية الكبرى وهي مرجعية الشريعة وتعظيم النصوص الشرعية فحصل منهم تعد وتهوين من شأن النصوص الشرعية لأنها هي العائق الكبير أمام ما يطرحونه من أمور تخالف الشرع صراحة فعمدوا إلى موقف سيئ من النصوص الشرعية يتجلى في القضايا الآتية: 1ـ تقديس العقل في مقابل التهوين من شأن النصوص: وقبل الحديث عن موقفهم من النص الشرعي وتقديمهم العقل عليه لا بد من تجلية موقف الإسلام من العقل وأهل السنة تحديدًا وأنهم هم أهل العقل والحكمة وليس كما يصمهم خصومهم بأنهم حرفيون ونصيّون وعبدة نصوص وجامدون وغيرها من الألقاب التي ـ إن شاء الله ـ لن تغير من الواقع والحقيقة شيئا فنقول: أولا: صور تكريم الإسلام للعقل: 1ـ إشادة القرآن الكريم وثناؤه على من استعمل عقله وذمه لمن عطله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " .. مدح الله العلم والعقل والفقه ونحو ذلك في غير موضع وذم ذلك في مواضع (¬1).، وفي كتاب الله آيات كثيرة تثني على من أعمل عقله واستعمله فيما خلق له كما في مثل قوله تعالى وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ [العنكبوت: 43] وفي مثل قوله تعالى يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [البقرة:269] 2ـ جعل الإسلام للعقل حدودا لا يتعداها: من المسَّلم به لدى العقلاء أن العقل البشري هو كغيره من أعضاء الإنسان له طاقة محدودة واختصاص معين ومن الخطأ والعبث أن يطالب بما فوق طاقته وأن يطالب كذلك بما هو خارج عن اختصاصه فإذا حمل فوق طاقته كان نصيبه العجز والهلاك وإذا استعمل خارج نطاق اختصاصه حاد عن الصواب وكان نصيبه التخبط والانحراف. يقول السفاريني ـ رحمه الله ـ: " فإن تسليط الفكر على ما هو خارج عن حده تعب بلا فائدة ونصب من غير عائدة وطمع في غير مطمع وكد في غير منجع" (¬2) .... 3ـ العقل أحد الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها: جاءت الشريعة بحفظ العقل؛ لأنه أحد الضروريات الخمس التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدينا وقد حفظت الشريعة جانب العقل من ناحيتين: الناحية الأولى: من جانب الوجود؛ وذلك بفعل ما به قيام العقل وثباته ولما كان العلم النافع يزيد من قوة إدراك العقل ويزيد من عمق تفكيره جعل منه الإسلام ما يجب تعليمه على كل مكلف سواء كان ذكرا أو أنثى وهذا العلم منه ما هو فرض عين لا يعذر أحد بجهله ومنه ما يكون فرض كفاية (¬3). ¬

(¬1) انظر توضيح ذلك بالأمثلة: ((المصادر العامة للتلقي عند الصوفية)) (ص62) وما بعدها. (¬2) انظر: ((التنبيه والرد)) (ص 73). (¬3) ((من العقيدة إلى الثورة)) (2/ 639).

الناحية الثانية: من جانب العدم وذلك بحفظ العقل من كل ما يؤثر فيه بشكل سلبي وهذا يتضح فيما يلي: أـ حرم الإسلام الجناية على العقل بالضرب والترويع، وجعل الدية كاملة على من تسبب في إزالته يقول ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: " وفي ذهاب العقل الدية، لا نعلم في هذا خلافا .. " (¬1).ب ـ النهي عن كل ما يؤثر على وظائفه ومن ذلك: تحريم شرب الخمر وكل مسكر ومفتر قال القرطبي ـ رحمه الله ـ: " إن السكر حرام في كل شريعة لأن الشرائع مصالح العباد لا مفاسدها وأصل المصالح العقل كما أن أصل المفاسد ذهابه فيجب المنع من كل ما يذهبه أو يشوشه" (¬2).ج ـ ومن صور محافظة الإسلام على العقل، تحريم ما تنكره العقول وله تأثير عليها كالسحر الذي يذهب العقل كليا أو جزيئا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ((اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله وما هن قال: الشرك بالله، والسحر .. )) (¬3). 4ـ العقل مناط التكليف: من القواعد المعلومة في هذا الدين أن العقل مناط التكليف في الإنسان وإذا زال العقل زال التكليف فالتكليف يدور مع العقل وجودا وعدما ومن هنا يتبين أهمية العقل ومكانته في الإسلام إذ بالعقل الذي هو عمدة التكاليف يكون التفضيل لهذا الإنسان كما بين ذلك القرطبي ـ رحمه الله ـ بقوله: "والصحيح الذي يعول عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف وبه يعرف الله ويفهم كلامه ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل وأنزلت الكتب فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس وأدركت تفاصيل الأشياء" (¬4).ويقول الشاطبي ـ رحمه الله ـ " إن مورد التكليف هو العقل وذلك ثابت قطعا بالاستقراء التام حتى إذا فقد ارتفع التكليف رأسا وعد فاقده كالبهيمة المهملة" (¬5). 5ـ العقل له دور فعال في قضية الاجتهاد: من المعلوم أن استنباط الأحكام فيما لا يوجد نص من كتاب أو سنة أو إجماع يرجع إلى الاجتهاد الذي يقوم مداره على العقل حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ حاضا عليه ـ عند فقد النص: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) (¬6).فجعل من اجتهاد العقل أساسا للحكم ـ لمن هو أهله ـ عند فقدان النص مع تثبيت الأجر عند الخطأ. (¬7). ثانيا: مكانة العقل في الإسلام: العقل نعمة عظيمة امتن الله بها على بني آدم وميزهم بها على سائر المخلوقات غير أن هذا التكريم لا يتحقق إلا إذا كان العقل مهتديا بوحي الله محكوما بشرع الله وبذلك ينجو صاحبه من الضلال ويهتدي إلى الحق كما قال تعالى وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] أما إذا كان العقل مقدما على وحي الله حاكما على شرع الله فقد ضل صاحبه سواء السبيل كما قال تعالى فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص:50] ¬

(¬1) ((من العقيدة إلى الثورة)) (2/ 602). (¬2) انظر ((التراث والتجديد)) " الكتاب كله "، ((دراسات إسلامية)) " الكتاب كله". (¬3) انظر: حول الموضوع كتاب ((التفسير الماركسي للإسلام)) محمد عمارة. (¬4) انظر: مفهوم النص: ((دراسة في علوم القرآن)) (38 – 65). (¬5) انظر ((مجلة قضايا إسلامية معاصرة)) – (عدد 19 ص 90 - 100). (¬6) انظر كثيرا من النصوص في هذا المجال في كتاب: ((العصرانيون)) (ص274). (¬7) ((التراث والتجديد)) (ص69).

ومن هنا وقف الإسلام موقفا وسطا تجاه العقل فلم يتخذ مسلك الفلاسفة والمعتزلة الذين غالبوا في تقديس العقل وجعلوه الأصل لعلومهم ومعارفهم وسبيل الوصول إلى الحقائق والحكم المقدم على النقل والشرائع. .......... كما أن الإسلام لم يتخذ مسلك الصوفية والرافضة الذين ذموا العقل وعطلوه واعتقدوا ما لا يقبل ولا يعقل من الحماقات والخرافات. ...... إن الإسلام كمنهج رباني أنزله اللطيف الخبير ـ جلا وعلا ـ اتخذ مسلكا وسطا تجاه العقل حيث عرف للعقل قدره فوضعه في مكانه اللائق به بلا إفراط ولا تفريط وإليك كلاما نفيسا بحق ـ يكتب بمداد من ذهب على صفحات من نور ـ لشيخ الإسلام ابن تيمية يوضح فيه حقيقة تلك المسالك المنحرفة تجاه العقل مع بيان المنهج الوسطي (المنهج الحق) في هذه القضية يقول ـ رحمه الله ـ: " ولما أعرض كثير من أرباب الكلام والحروف وأرباب العمل والصوت عن القرآن والإيمان: تجدهم في العقل على طريق كثير من المتكلمة يجعلون العقل وحده أصل علمهم ويفردونه ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له. ...... هكذا وقف الإسلام متمثلا في منهج أهل السنة والجماعة موقفا متميزا تجاه العقل أما الليبراليون فقد اتخذوا مسلك الفلاسفة والمعتزلة تجاه العقل يظهر هذا بجلاء من خلال الجوانب الآتية: 1ـ تقديس العقل في مقابل التهوين والتهكم من شأن النصوص: أـ خالص جلبي يدعو إلى أن يتجاوز العقل نطاق الثوابت الدينية ويقفز عليها يقول " المواطن العربي اليوم محاصر في مثلث من المحرمات بين الدين والسياسة والجنس كل ضلع فيه مثل حاجزا شاهقا لا يستطيع أفضل حصان عربي رشيق أن يقفز إلا بالقفز إلى الإعدام فأمام حائط الدين يطل مفهوم الردة وأمام جدار السياسة يبرز مصطلح الخيانة، وعند حافة الجنس تشع كل ألوان الحرام والعيب فالعقل مصادر ومؤمم وملغى حتى إشعار آخر" ثم يدعو إلى ثورة عقلية: " لا بد من تدريب عقولنا على النقاش والجدل وذلك يفتح طرقا عصبية رائدة فالعقل النقدي والعقل النقلي ميت" (¬1). ب ـ وها هو يوسف أبا الخيل يرى أن النصوص في الشريعة الإسلامية جاءت محدودة بطبيعتها باعتبار توقف الوحي بعد وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن هنا اقتصرت الشريعة بناء على تلك النصوص على بيان الفروض والحدود أما ما سوى ذلك فهو ميدان العقل والتدبير الإنساني وقد استند أبا الخيل في رأيه هذا على كلام لابن المقفع الفارسي! وها هنا حقيق بك أن تعجب أخي القارئ غاية العجب أتدري لمََ؟ لأن هذا الرجل الذي جعله أبا الخيل عمدته فيما ذهب إليه من رأي هو رجل متهم بالزندقة (¬2). 2ـ تقديم المصلحة المتوهمة على النص: هذا الموقف المنحرف متفرع عما سبق من غلوهم في جانب العقل على حساب النقل ـ عياذا بالله ـ حيث اعتقدوا أن العقل له الصلاحية الكاملة والأهلية التامة في أن يستقل بإدراك المصالح والمفاسد بعيدا عن نور الوحي وهذا بلا ريب مصادم للحق والحقيقة إذ إن العقل ـ كما ذكرنا آنفا ـ تابع للشرع وخاضع تحت حكمه فلا يجوز له حينئذ أن يتخطى ما حده الشرع زاعما أنه إنما يتبع المصلحة ويرد الإحسان والتوفيق بل الحكم الأول والأخير للشريعة. ¬

(¬1) انظر: ((العصريون معتزلة اليوم)) (يوسف كمال)، و ((العصرانيون بين مزاعم التجديد)) و ((ميادين التغريب)) محمد حامد الناصر، و ((مفهوم تجديد الدين)) بسطامي محمد سعيد. (¬2) انظر: ((الإسلام والعصر)) (ص194)، وانظر نصوص كثيرة في ((العصريون معتزلة اليوم)) (30 - 40).

ومعلوم أن العلماء جعلوا المصالح على أنواع منها: مصالح معتبرة يؤخذ بها وهي ما دل الدليل على اعتبارها وجوازها وحليتها ودعا إليها ومصالح ملغاة لا اعتبار ولا ميزان لها وهي ما جاء النص صراحة بإلغائها كما حرم الخمر مع اشتماله على بعض المصالح وهي مصالح ملغاة بنص الشارع الحكيم وأصحاب هذه المدرسة يصرحون ـ كما سوف يأتي ـ باعتبار المصالح الملغاة ويضربون بالنصوص الشرعية التي جاءت مصادمة لهذه المصالح عرض الحائط فيصبح الدين تبعا لهوى وما تمليه الشهوات والأهواء لا عبودية لرب الأرض والسماء ... ثم نحن نتساءل أخيرا: إذا كان العقل له الصلاحية الكاملة والأهلية التامة ـ كما يعتقد الليبراليون ـ في أن يستقل بإدراك المصالح والمفاسد بعيدا عن نور الوحي فما الفائدة إذا من إنزال الكتب وإرسال الرسل؟! كما أن هذا الاعتقاد قد يقودهم إلى أمر خطير للغاية ألا وهو: اتهام الله ـ جل وعلا ـ بالعبث في أفعاله وتقديره ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ ذلك لأن من غايات إنزال الكتب وإرسال الرسل تعريف الناس بالشر والخير وبيان المصالح والمفاسد لهم (¬1). فإذا كان العقل البشري يستقل بمعرفة ذلك ـ كما يعتقد كثير من الليبراليين ـ كان إنزال الكتب وإرسال الرسل حينئذ ـ لا طائل من ورائه ولا جدوى فيه وهذا هو حقيقة العبث الذي يتعالى الله عنه علوا كبيرا. إن هذه المفاسد الخطيرة الناجمة عن اعتقادهم باستقلال في إدراك العقل وفي إدراك المصالح والمفاسد تكفي العاقل المنصف في بيان فساد هذا الاعتقاد وانحرافه عن جادة الصواب. أقوال الليبراليين في هذا الجانب: أما أقوال الليبراليين التي تبرهن على أنهم يقدمون المصلحة المزعومة على النص الشرعي فهي كما يلي: أـ يقول مشاري الذايدي: " نحن مطلوب منا أن نمارس السياسة وفق مصالحنا وحيث ما كانت المصلحة كان دين الله هكذا أفهم الأمور هكذا أفهم الأمور" (¬2).ب ـ يقول محمد المحمود: " ما نحتاجه الآن: قطيعة نوعية مع تراث بشري تراكم على مدى أربعة عشر قرنا يقابله اتصال خلاق بالنص الأول في مقاصده الكبرى وليس مجرد ظاهرية نصوصية لا تعي ما بين يديها ولا ما خلفها" (¬3). ـ دعوى تعدد قراءات النص الواحد: يعتقد الليبراليون أن النص الشرعي له قراءات متعددة وتفسيرات متنوعة وكلها صحيحة وهذه العقيدة من الفساد بمكان لأنها تفتح الباب على مصراعيه لكل مبطل أن يستدل على مذهبه الفاسد من النص الشرعي بدعوى (تعدد قراءات النص) ولا ريب أن هذا أصل خطير يسوغ زندقة كل متزندق وكفر كل كافر فالباطني مثلا الذي يفسر قول الله تعالى إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً [البقرة: 67] بأنها عائشة ـ رضي الله عنها ـ بناء على ذلك الأصل قوله حق والذي يقول: إنها البقرة المعروفة قوله حق. (¬4).ويطلق بعض الأئمة على هذا الأصل (دعوى عدم إفادة النص للعلم واليقين) (¬5). ¬

(¬1) مثل محمد أركون، وحسن حنفي، ونصر حامد أبو زيد وخليل عبد الكريم، والعفيف الأخضر، وسيد القمني ونوال السعداوي، وأحمد البغدادي ومحمد عشماوي، وطارق رمضان، وغيرهم. (¬2) نشأ الحزب أولا في اسطنبول ثم نقل مركزه إلى باريس، وأصدروا جريدة لكن الحزب انحل بعد 1871م عندما سمح لزعمائه بالعودة من المنفى. انظر: ((الفكر العربي في عصر النهضة)) (ص91). (¬3) ((أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك)) (ص 98). (¬4) انظر: ((تركيا الفتاة)) (ص39)، نقلا عن ((العلمانية وآثارها على الأوضاع الإسلامية في تركيا)) (ص190) (¬5) أبرز أعضاء الوفد: مصطفى فهمي، سعد زغلول، أحمد لطفي السيد، مصطفى النحاس، وغيرهم. وقد ذهب الوفد للتفاوض مع بريطانيا لنيل الاستقلال.

والعجيب أن زنادقة عصرنا من المتكلمين الذين يسمون (مثقفين!!) و (عصريين!!) اتكأووا على هذا الأصل لتسويغ باطلهم وتمرير انحرافهم ولهذا زعم من زعم منهم أن القرآن يمكن أن يدل على كل مذهب في الأرض. وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن أصل هذا المذهب الفاسد، يرجع إلى قول السوفسطائية من الفلاسفة، ثم أخذه عنهم طوائف من ملاحدة الصوفية (¬1). والفلسفة المعاصرة أخذت في بعض تقاريرها بهذا المذهب الفاسد، فصححوا كل الأديان والمذاهب الباطلة، ولم يجعلوا لنصوص القرآن والسنة منزلة ولا حرمة، فكل شخص يفهم النص بما يريد ويشتهي لا بما هو عليه الحقيقة. أقوال الليبراليين في هذا الجانب: يوسف أبا الخيل يزعم أن دعوى تعدد قراءات النص الواحد قد أصلها علي –رضي الله عنه- بينما القول بوجود قراءة واحدة للنص هو مذهب الخوارج!! ويقول أيضا:" إن أول خطوة في مكافحة العصاب الوسواسي للتعصب تكمن في تقديري في إصلاح مناهج المواد الدينية التي تقدم للناشئة في مراحل التعليم العام؛ بما يؤدي بها إلى أن تقدم مضمونا يعلم الطالب التفرقة بين النص الديني في ذاته المتعالية وبين قراءته البشرية، بحيث يتم (تعبئته) الذهنية الطرية الغضة بأن النص في ذاته كبنية متعالية هو واحد لا يتعدد ولا يتنسب (من النسبية)، أما قراءة البشر لهذا النص فهي تتعدد وفقا للدوافع الرغبوية للقارئ وللظروف الزمانية والمكانية والحاجات المعيشية والنوازل الجديدة التي تحيط به سواء أكان هذا القارئ فردا أو جماعة أو مذهبا أو طائفة". (¬2). 4 - رد السنة صراحة لأنها لا تتوافق مع العصر ومتطلباته ومستجداته: ¤التطرف المسكوت عنه أصول الفكر العصراني لناصر الحنيني - ص 31 ¬

(¬1) مثل محمود سليمان، وحسن عبد الرزاق، وحمد الباسل، وفخري عبد النور، وسليمان أباظة، وعبد الرحمي الدمرداش، وعلي شعراوي، وغيرهم. انظر: ((الاتجاهات الوطنية)) (1/ 94). (¬2) يشمل الشرق الأوسط الكبير: الدول العربية، وباكستان، وأفغانستان، وإيران، وتركيا، وإسرائيل.

المعلم الثاني موقفهم من قضايا العقيدة وأصول الدين الكبرى

المعلم الثاني موقفهم من قضايا العقيدة وأصول الدين الكبرى موقفهم من قضايا التوحيد والإيمان: موقف الليبراليين من قضايا التوحيد والإيمان موقف في غاية القبح والشناعة، حيث يلوح في مقالاتهم التهوين والتقليل من شأن قضايا التوحيد، بل وصل الأمر ببعضهم إلى درجة الاستخفاف والسخرية بهذا الأصل العظيم الذي قامت من أجله السماوات والأرض. كما أنهم حرفوا مفهوم الإيمان، وأخرجوه عن مدلوله الشرعي الذي جاء واضحا بينا في نصوص الوحيين، كذلك فإنك تلحظ في كتابات بعضهم النزعة الإلحادية المادية كقولهم: إن الطبيعة هي التي تعطي وهي التي تمنح!! أقوال الليبراليين في هذا الجانب: يرى محمد المحمود أن تطبيق التوحيد على أرض الواقع من المنظور السلفي يقارب الهوس الأيديولوجي؛ حيث يقول:"إن السلفية التقليدية المتغلغلة في أعماق وعينا الاجتماعي والثقافي، تزعم أن (التوحيد) هو مرتكز خطابها، وأنها – كخطاب أيديولوجي نشط – تسعى للقضاء على مظاهر التوثن، أيا كانت تمظهراتها في المجتمع، هذا الزعم يكاد – إبان محاولة موضعته في الواقع – يقارب درجة الهوس الأيديولوجي، أو يتم من خلاله ممارسة سلوك النفي (المفاصلة) للآخر الإسلامي في الداخل والخارج، تحت وعاء التمذهب والافتراق" (¬1).كما يقول:"ربما كان من قدر المرأة لدينا، أن تواجه أكثر من سور منيع، يحول بينها وبين الحصول على أقل القليل من حقوقها الفطرية، تلك الحقوق التي منحتها إياها الطبيعة ابتداء" (¬2). وهاهو المحمود يضع تفسيرا غريبا لمعنى الإيمان ومدلوله بعيدا عن المعنى الشرعي المنصوص عليه، حيث يجعل الإيمان مرتبطا بالإنسان والعلم المادي، قائما عليهما كما هو الشأن في عصر التنوير الأوروبي، يقول:"لم ينهض التنوير الأوروبي المجيد، الذي أخرج إلى الإنسانية من ظلمات الجهل والتخلف والانحطاط، إلى نور العلم والتقدم والمدنية الإنسانية، إلا على إيمان راسخ وعميق بهذا الإنسان، إيمان متفائل، يتكئ على فعاليات عقلية، ومعطيات تجريبية من عالم الوقائع المادية، ولكنه – قبل ذلك وبعده – يكاد يكون عقيدة كلية، تستولي على مشاعر أولئك الفلاسفة العظام، في عصر النهضة الأوروبي" موقفهم من قضايا الولاء والبراء والحكم بما أنزل الله: يتضح من خلال كتابات الليبراليين التحريف والتبديل والتشويه لهذه القضايا العقدية. ¬

(¬1) انظر: ((قاموس إنجليزي، عربي)) (ص ـ 586) لمنير البعلبكي و ((دائرة المعارف البريطانية، 1954م)) و ((مفهوم تجديد الدين)) (96، 97، 101، 102، 103، 105، 106) لبسطامي محمد سعيد، ((اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر في مصر)) (ص 552) لمحمد حامد الناصر. (¬2) انظر ((مصادر المعرفة في الفكر الديني والفلسفي، رؤية نقدية في ضوء الإسلام)) لعبد الرحمن بن زيد الزنيدي ((المدرسة العقلية الحديثة)) (ص ـ 9) لناصر العقل ..

أقوال الليبراليين في هذا الجانب: يوسف أبا الخيل يرى أن الأخوة ينبغي أن تبنى على أساس الإنسانية لا على أساس الدين والمعتقد، ولا ريب أن هذا هو دين الماسونية الخبيث، وليس دين الإسلام الذي أنزله الله جل وعلا على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم , يقول: "الإنسانية بآفاقها الرحبة الواسعة, والطائفية بأفقها الضيق المنعزل, ضدان لا يلتقيان ......... " (¬1).ويوسف أبا الخيل له فلسفة منحرفة للولاء والبراء، حيث يقول:" ... مفهوم الولاء والبراء من هذه الزاوية يشير إلى موالاة الموالي المسالم الجانح للسلم والبراءة من المعتدي أيا كانت نحلته وديانته، ومن غير المعقول لكل من استقرأ نصوص الشريعة ومقاصديتها أن يتصور مفهوما ينادي بالولاء للمعتدي لأنه فقط يتمظهر أو ينطق بالإسلام وبنفس الوقت البراءة وما سيترتب عليها من استحقاقات أخرى من غير المسلم ولو كان مسلما برا مؤديا لشروط العلاقة السلمية مع المسلمين، هذا مفهوم مغلوط ومشين تتنزه عنه الشرائع السماوية فضلا عن الإسلام وهو خاتم الديانات؛ لأنه تعد صريح على عدل الله تعالى بين خلقه، ولا يمكن أن تستقيم علاقة سلمية تعاونية مؤدية لخير الإنسانية ما دمنا نتصور أن علاقة الولاء والبراء مبنية على الولاء للمسلم ولو كان من جنس "الحجاج بن يوسف أو صدام حسين" والبراءة من غير المسلم ولو كان على شاكلة داعيي السلام والإنسانية "المهاتما غاندي ونلسون مانديلا" (¬2). ولم يقف يوسف أبا الخيل عند ذلك الانحراف الخطير في قضية الولاء والبراء، بل تعدى ذلك إلى القول بأن عقيدة الولاء والبراء التي طبقها النبي – صلى الله عليه وسلم – في المجتمع المدني قامت على أساس الوطن والبلد الواحد بغض النظر عن ملة الشخص وانتمائه الديني. ويدخل في دائرة انحرافهم في عقيدة الولاء والبراء: الثناء والمدح لأرباب الضلال والانحراف، سواء أكان ذلك على مستوى الأديان والمذاهب الأرضية المعاصرة كالشيوعيين والزنادقة والفلاسفة أو على مستوى الفرق الضالة المبتدعة كالمعتزلة والجهمية، والترويج لما يحملونه من أفكار ومعتقدات. ¬

(¬1) انظر ((موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية)) القاهرة، 2000م (1699)،محرر المادة. محمد أبو شامة. (¬2) انظر ((مفهوم تجديد الدين)) (ص120).

أقوال الليبراليين في هذا الجانب: يقول جودت سعيد:"والشعور بالأناقة – المدنية – قد يكون في صورة انتصار عسكري، أو عدالة اجتماعية، كما في الثورة البلشفية، أو في صورة حقوق إنسان، كما في الثورة البلشفية ... " (¬1).وها هو خالص جلبي (شيخ العصرانيين في القصيم) يشيد بالزنديق (محمود محمد طه) ويكيل له الثناء العاطر، ويتباكى على إعدامه من قبل الحكومة السودانية في عهد الرئيس محمد جعفر النميري، يقول:"وفي عام 1971م أعدم "محمود طه" في السودان بيد الطغمة العسكرية بتهمة الردة، وكان رجلا مجددا، ولم يكفر ولم يرتد، ولكنها السلطة التي لا تتحمل النقد والمعارضة" (¬2).ج- أما محمد بن علي المحمود، فقد أثنى على رموز التنوير من الفلاسفة، والتنويريين، حيث يقول:"بينما كان فيلسوف التنوير الأكبر (فلوتير) على فراش الموت حضر إليه رجل الدين الكهنوتي، يطالبه بالاعتراف؛ ليحقق له الغفران، وبما أن فيلسوف التنوير قضى عمره الطويل في العمل في فضح الدجل الكنسي، وتعرية الاستغلال الكهنوتي، فقد رفض هذا الإجراء الذي لو قبله لكان تضحية فضائحية، بمسيرة عمره التنويري المليء بالصراع مع عالم الخرافة" (¬3). ويقول:"رحلة البحث عن الإنسان، من خلال البحث عن العقل الممكن وإمكاناته، ومن خلال التمحور الحقوقي حول حريته المسلوبة، ومن خلال البحث عن سبل انعتاقه من أسر ماضيه، ووضعه على عتبات المستقبل، كانت ملحمة من أروع الملاحم في تاريخ البشرية. تلك الرحلة التي بدأت بوادرها الخافتة منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وظهرت جلية في المنجزات النظرية التي تعكس الوعي، كما عند لوثر، وسبينوزا، وديكارت .. إلخ، إلى راسل، وهيدجر، وفوكر، ودريدا .. إلخ، مرورا بكانت، وهيجل، وروسو، وفولتير" (¬4).ويقول:"لم ينهض التنوير الأوروبي المجيد، الذي أخرج الإنسانية من ظلمات الجهل والتخلف والانحطاط، إلى نور العلم والتقدم والمدنية الإنسانية إلا على إيمان راسخ وعميق بهذا الإنسان، إيمان متفائل، يتكئ على فعاليات عقلية، ومعطيات تجريبية من عالم الوقائع المادية ولكنه – قبل ذلك وبعده – يكاد يكون عقيدة كلية، تستولي على مشاعر أولئك الفلاسفة العظام، في عصر النهضة الأوروبي" (¬5).ويقول مشجعاً لنشر ثقافة رواد التنوير: "إن كثيرا من كتب رواد التنوير العربي منذ الطهطاوي وإلى آخر كتاب ثقافي صدر في دور النشر العربية لا وجود لها في ذاكرة أبنائنا" (¬6). ونقول لهذا الكاتب المفتون: ماذا تركت للأنبياء والمصلحين؟! ¤التطرف المسكوت عنه أصول الفكر العصراني لناصر الحنيني - ص 56 ¬

(¬1) انظر ((مجلة البيان)) العدد (219) ذو القعدة 1426هـ. (¬2) انظر ((الإسلام الليبرالي)) (93،109) لمحمد إبراهيم مبروك و ((مجلة البيان)) العدد (219) ذو العقدة 1426هـ. (¬3) انظر: الموقع الإلكتروني: www. mengos.net. (¬4) (( مستقبل الثقافة في مصر)) (ص43). (¬5) ((مستقبل الثقافة في مصر)) (ص 48)، ويمكن مراجعة نقد الأستاذ سيد قطب له، وكتاب: ((تحت راية القرآن)) لمصطفى الرافعي. (¬6) انظر حول هذا الموضوع: ((دعوى الإسلام الليبرالي)) (ص369).

المعلم الثالث موقفهم من التراث والتاريخ الإسلامي

المعلم الثالث موقفهم من التراث والتاريخ الإسلامي المتأمل في مقالات الليبراليين، الدارس لها بتفحص وتمعن يظهر له – بجلاء – أن موقفهم من التراث يتمثل في الجوانب الآتية: الجانب الأول: وصم هذا التراث بالرجعية والتحجر والجمود على الماضي وعدم استشراف المستقبل، وبالتالي عدم جدواه في ظل المستجدات الحديثة: يقول محمد المحمود:"لن نستفد من تراثنا ما لم نسلط عليه ترسانة العلوم المعاصرة، لن نصنع عالمنا ما لم يحرر تراثنا من أسر الفهوم التي تشل قدرة هذا التراث على الفعل الإيجابي في سياق العصر" (¬1).ويقول بكل استخفاف:"تصنيم التراث لم يقتصر على التراث، وإنما تعداه إلى سدنة التقليد، المتشدقين بصوت التراث وحمايته، لقد أصبح هؤلاء السدنة أعظم صنمية من مقولات التراث ذاتها" (¬2). وقد ترتب على هذا الموقف السلبي من تراث الأمة دعوة خطيرة إلى التحرر من هذا التراث والانعتاق منه, وضرورة نقده بدعوى التجديد والاجتهاد كما ظهر ذلك جليا من خلال النقولات السابقة. إن هذه الدعوة الخطيرة ترفع في ظاهرها شعارات خلابة كالتجديد والاجتهاد غير أنها تحمل في طياتها سما زعافا ورجسا قذرا فهي كما يقال: (كلمة حق أريد بها باطل)؛ ذلك أنها لم تؤسس في حقيقتها على تقوى من الله، ولا على هدى منه – جل وعلا -، ولك أن تبصر ذلك من خلال النقاط الآتية: أنهم ينطلقون في حركة تجديدهم واجتهادهم من نظرة استعلائية ملؤها الغطرسة والغرور؛ حيث ينظرون إلى هذا التراث وأصحابه نظرة احتقار وازدراء كما تقدم معنا. أنهم ينطلقون في حركة التصحيح والنقد من منهج تغريبي خارج عن تراث الأمة وقيمها الأصيلة. أنهم يرمون من وراء ذلك إلى تمييع الدين، وإفراغه من معانيه الأصيلة وحقائقه الشرعية، وتطويعه بحيث يكون ملائما لأسيادهم الغربيين. أنهم لا يملكون أدوات التجديد الاجتهاد الشرعية؛ إذ أنهم أجهل الناس بها، ومع ذلك تراهم عبر المجلات والجرائد والقنوات الفضائية ينعقون ويصيحون بضرورة هذا الأمر. فدعواهم إذا بالتجديد والاجتهاد في هذا التراث لا تعدوا – في حقيقة الأمر – أن تكون إلا تحريفا وتخريبا وتدميرا لهذا التراث – عياذا بالله -. الجانب الثاني: وصم هذا التراث بالتشدد والعنف والإقصاء واللا إنسانية، وأنه المنبع الأساسي للتفكير والتبديع والتضليل الظالم: يقول منصور النقيدان:"الجنون الذي نراه اليوم عرض من أعراض المرض، والعلة التي استشرت في جسد هذه الأمة وثقافتها، وهذه راجعة أساسا إلى تراث متعفن، وثقافة الصديد والضحالة التي يربى عليها أبناؤنا صباحا ومساء، في المساجد، وعبر خطب الجمعة، وفي دروس الدين، ومن إذاعة القرآن الكريم" (¬3). تعليق: ¬

(¬1) ((التجديد الإسلامي وخطاب ما بعد الهوية)) ((إسلام أون لاين)) ((الإسلام وقضايا العصر)) 23/ 2/2004م. (¬2) ينظر إنتاج هذا الخطاب في بعض مطبوعات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وموقع الملتقى الفكري للإبداع، ومجلة الاجتهاد والتجديد، وبعض المقالات في موقف إسلام أون لاين. (¬3) ينظر كتاب ((العصرانيون)) (175 - 341).

فانظر – يا رعاك الله – كيف تكون الجرأة والتطاول أن يوصف تراث الأمة بالمتعفن!! ويقول محمد بن علي المحمود:"ثقافة الإرهاب المعلنة التي تدعو صراحة إلى التكفير والقتل تُشَرعن لذلك بطرح شرعي سلفي يتكئ على مقولات السلف واستدلالاتهم، والإعلام الذي يصدر التفجير والقتل – بجز الرؤوس – كل ذلك خدم الإرهاب الخفي الكامن في خطاب التطرف المتعاطف مع الإرهاب" (¬1).ويقول:"الإرهاب جزء من مكونات السلفية التي كانت ولا تزال تتغنى بقتل المعارضين بوصفهم زنادقة ومارقين وربما بوصفهم عقلانيين ... " (¬2). الجانب الثالث: وصم هذا التراث بعدم الموضوعية والانزواء عن الواقع, وأنه قائم على الخرافة والتنكر للعقل: يقول محمد المحمود: "إن النقد الحقيقي لا بد أن يفك البنية العامة للمناهج تلك البنية التي تكونت بفعل الوعي الجماهيري المتلبس بالخرافي والعاطفي". (¬3) عبد الله بن بجاد يرى أن الكرامات هي من قبيل الخرافات التي تنافي العقل. (¬4) ويقول: "ومما لا شك فيه أن ضخ هذا الكم الهائل من الرؤى التنويرية في المجتمع ساعد إلى حد كبير في مواجهة كتب الخرافة التي تبحث في عالم الأرواح والشياطين وأحوال الجان وثعابين القبور" (¬5) الجانب الرابع: وصم هذا التراث متمثلا في كتاب الاعتقاد بأنها كتب تجسيم وتشبيه: يقول حسن المالكي: "وقد احتوت كتب العقائد ومن أبرزها كتب عقائد الحنابلة – على كثير من العيوب الكبيرة التي لا تزال تفتك بالأمة ولعل من أبرزها: التجسيم الصريح" (¬6) الجانب الخامس: وصم هذا التراث بأنه نشأ نتيجة لدوافع وصراعات سياسية: هكذا استبان لك أخي الكريم – بما لا يدع مجال للشك والريب – موقف الليبراليين السلبي المخزي من تراث الأمة ورموزها، ونحن هاهنا نعني بالأمة، وبخاصة في المجال العقدي والتشريعي، نعني (أهل السنة والجماعة) الذين هم على الامتداد الطبيعي للأمة الواحدة المجتمعة على عقيدة ومنهج واحد في زمن الرسالة، وذلك قبل نجوم الفرق والمسالك الضالة المنحرفة, فأهل السنة والجماعة هم المعبر الفعلي عن الأمة (الصحابة رضي الله عنهم) وتراثهم هو الممثل الحقيقي لتراث الأمة, ذلك لأنه قائم على الأصول العلمية التي كان عليها الصحابة, رضي الله عنهم. ¬

(¬1) انظر: ((الندوة المصري)) ((الفرنسية السادسة)) (الليبرالية الجديدة)) (ص259). (¬2) انظر حول هذا الاتجاه: ((موقع التجديد العربي))، و ((إنتاج مركز دراسات الوحدة العربية)) وبرنامج "مشروع دراسات الديمقراطية ". (¬3) وجد في تلك الفترة "حزب الأمة " وهو حزب ليبرالي متعاون مع الاحتلال، ويشابه الليبراليين الجدد هذه الأيام، و " الحزب الوطني " وهو حزب ليبرالي وطني يقف ضد الاحتلال، ويشابه موقف الليبرالية القومية، وكما وقع خلاف قديم بين الحزبين، فقد وقع خلاف بين هذين التيارين: انظر حول الحزبين: ((الاتجاهات الوطنية)) (1/ 94) وما بعدها، و (1/ 175) وما بعدها. (¬4) ((من هم الليبراليين العرب الجدد، وما هو خطابهم؟)) - شاكر النابلسي – جريدة إيلاف الإلكترونية. (¬5) انظر: ((من هم الليبراليين العرب الجدد، وما هو خطابهم؟))، وانظر: ((الفكر العربي في القرن العشرين)) (1950 – 2000) شاكر النابلسي -. (¬6) انظر ((من هم الليبراليين العرب الجدد، وما هو خطابهم؟)) - شاكر النابلسي – جريدة إيلاف الإلكترونية.

وهذا لا يعني بطبيعة الحال العصمة المطلقة والقداسة التامة لهذا التراث في الجانب الاجتهادي القابل للخطأ والصواب, فهذا غلو مذموم نرفضه بشدة ذلك بأن القائمين على هذا التراث مهما بلغوا من العلم والفضل فإنهم لا يزالون في دائرة البشرية ولم يخرجوا عن طوقها, وما دام الأمر كذلك, فإن هذا التراث لا يخلوا من وجود أخطاء وسقطات وهفوات تحتاج إلى حركة نقد وتصحيح, وهذا - ولله الحمد والمنة – موجود في علماء هذا التراث نفسه قديما وحديثا, فترى الواحد منهم يستدرك على الآخر, ويبين خطأه نصحا للأمة, وإبراءً للذمة, بل ترى العالم نفسه يستدرك على نفسه, ويصحح خطأها. كذلك فإن من السمات البارزة لأهل السنة أن العصمة المطلقة ليست لأحد سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما زال علماؤنا الأخيار يرددون أن كلا يؤخذ من قوله ويترك مهما كانت منزلته ومهما بلغ علمه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم. وما زال أهل السنة والأثر من قديم الزمان وإلى عصرنا الحاضر يقومون بعملية النقد والتصحيح لهذا التراث في إطار النقد العلمي الذي يبني ولا يهدم وهاهي المكتبة الإسلامية تزخر بالمؤلفات الضخمة التي تشهد لهذه الحقيقة. أما تراث أهل الانحراف والضلال كالفلاسفة والمعتزلة ومن دار في فلكهم فهو التراث الجدير حقا بالإبعاد والنفي عن تراث الأمة. موقفهم من التاريخ الإسلامي: دأب الليبراليون على تشويه التاريخ الإسلامي, وشن حملات التزوير والتخريب عليه ولم تقف هذه الحملات الضارية على عصر دون عصر بل امتدت لتشمل كافة العصور الإسلامية حتى إن الصفحات المشرقة في تاريخنا لم تسلم من ذلك (¬1). أقوالهم في هذا الجانب: خالص جلبي يعلنها حربا شعواء على العصر الإسلامي في زمن بني أمية يقول: "هناك حزمة أمراض ثقافية تبلغ العشرة منها: أن العالم العربي ما زال يحكم بسيف معاوية, بعد انطفاء الوهج الراشدي ... وأن الثقافة العربية تستحم بالعنف منذ المصادرة الأموية, وتوديع حياة الراشد, واعتناق حياة الغي, وتفش روح الغدر والقتل والانقلابات والتآمر, فليس بعد الرشد إلا الغي" (¬2). وانظر- يا رعاك الله – كيف يتهجم خالص جلبي على الفتوحات الإسلامية بكل شناعة وفظاعة, ويشبهها بالجرائم اليهودية يقول: "إن السلطان محمد الفاتح, وفتح المدينة (القسطنطينية) يذكر بشارون وهو يريد احتلال القدس, وطرد أهلها منها. وبغض النظر عن فظاعات الفتح, وحجم النهب والسلب, والاغتصاب على يد الانكشارية, فإن أول ما فعله (محمد الفاتح) أن وضع يده على أقدس مقدساتهم: أياصوفيا, تلك التحفة التاريخية, ليحولها إلى مسجد, لم يكن هذا الفتح انتشاراً على منهج النبوة, بل اجتياحا عسكريا .... ونسميه إسلامياً؟!! " (¬3). ¤التطرف المسكوت عنه أصول الفكر العصراني لناصر الحنيني - ص 76 ¬

(¬1) ((من هم الليبراليين العرب الجدد، وما هو خطابهم؟)) - شاكر النابلسي – جريدة إيلاف الإلكترونية. (¬2) انظر ((من هم الليبراليين العرب الجدد، وما هو خطابهم؟)) - شاكر النابلسي – جريدة إيلاف الإلكترونية. (¬3) إنتاج هذا التيار موجود في: ((جريدة إيلاف الإلكترونية وموقع الحوار المتمدن))، و ((صحيفة الشرق الأوسط))، و ((صحيفة الأحداث المغربية))، و ((صحيفة السياسة الكويتية))، و ((صحيفة الاتحاد الإماراتية))، وفي كتابات: شاكر النابلسي، و ((العفيف الأخضر))، وإحسان الطرابلسي، ومأمون فندي، وفؤاد عجمي، وكنعان مكية، وغيرهم.

المعلم الرابع الموقف من الغرب عموما

المعلم الرابع الموقف من الغرب عموما المتأمل في مقالات هؤلاء الليبراليين, يجد أنهم مفتونون غاية الافتتان بالقيم الغربية والحرية حسب المفهوم الغربي وحدث والألم يعتصر قلبك عن إعجابهم شبه المطلق بالغرب بشكل عام, ووضعه مقياسا للحضارة والتقدم وحقوق الإنسان, ولنا أن نبرز موقفهم من الغرب, كما يلي: تقديم حسن الظن بهم, وأنهم لا يكيدون للإسلام ولا أهله وأن المتدينين يعيشون عقدة المؤامرة. اتهام المسلمين بأنهم سبب العداء الذي يعيشه العالم الإسلامي مع الغرب: يقول البليهي: "المحيط الحقيقي هو أن نزكي أنفسنا ونحن بهذا الوضع السيئ, العرب والمسلمون الآن أضحوكة في العالم, يعني ونحن كنا أضحوكة, ولا يهتم لنا أحد, لكننا الآن أصبحنا نعلن لهم أننا نبدع في قطع الرءوس ونبدع في القتل, وفي التفجير يعني هذا أقصى ما نستطيع أن نبدع فيه, وهذه معضلة كبرى يعني أصبحنا لسنا فقط عبئا على أنفسنا, وإنما أصبحنا عبئاً على العالم ... أنا أعتقد أن العالم كله يتقهقر بسبب أفعالنا يعني مثلا البلدان الغربية البلدان الديمقراطية أمريكا وأوروبا وبريطانيا وغيرها يعني أصبحت تعدل أنظمتها بما يقيد الحريات" (¬1). الدعوة إلى عدم المواجهة والمقاومة واتخاذ السبل السياسية والنقد اللاذع لمن يدعوا لمقاومة المحتل. الانبهار بالحضارة الغربية والإشادة بأصحابها. يقول خالص جلبي: "يجب أن نحزن لحزن أمريكا لأن فشلها فشل لكل الجنس البشري, ولأنها تمثل طليعة الجنس البشري" (¬2). ويقول مشيداً بالعدوان السافر على المسلمين في أفغانستان من قبل أمريكا:"والطالبان كانت دولة إسلامية تحكم بالشريعة, فقطعت الرءوس والأطراف, ووأدت المرأة, ونفت العقل إلى المجهول, ودمرت آثاراً إنسانية بدعوى الأصنام, فانتقمت أمريكا لبوذا, فدمرت الطالبان تدميرًا" (¬3).ويقول محمد بن علي المحمود في معرض انبهاره بالعالم الغربي: "لقد كان العالم المتحضر يعاملنا باحترام, حتى ضربناه في عقر داره, قبل اليوم وفي المملكة المتحدة (بريطانيا) التي أشرق منها نور الحضارة المعاصرة, حيث شق الهدى (هدى الحضارة الإنسانية) أكمامه, وتهادى موكبا دون موكب .... " (¬4).ويمضي المغرور بزيف ذلك العالم في تصوره الأعمى قائلا: "لا جدال في أن الولايات المتحدة وبريطانيا, هما الدولتان الأكثر تعبيرًا عن قيم العالم المتحضر وعن حضارته وأنهما – والعالم الغربي (أوروبا الغربية وأمريكا) من ورائهما – التجلي الأكبر لاتجاهات الليبرالية العالمية التي صنعت هذا العالم المتحضر, وكان لها - أي الليبرالية – الفضل الكبير في مناعته ضد الانهيار" (¬5).ولك أن تتصور أخي القارئ كم هم القوم مفتنون بالحضارة الغربية, منبهرون بمكتشفاتها العلمية!! حينما تطالع هذا النص للكاتب نفسه (محمد المحمود): "لقد كانت الحضارة الغربية – إبان لحظة اللقاء – معجزة إنسانية لم يسبق لها مثيل في التاريخ البشري, بل لم يوجد ما يقاربها, ولو في أدنى مستوياتها البدائية التي أفرزتها فترات الإصلاح الديني" (¬6). ¤التطرف المسكوت عنه أصول الفكر العصراني لناصر الحنيني - ص 89 ¬

(¬1) ((الاستقامة)) (2/ 157) لابن تيمية. (¬2) ((لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضيئة في عقيدة الفرقة المرضية)) للسفاريني (1/ 105). (¬3) انظر ((الاتجاه العقلاني لدى المفكرين الإسلاميين المعاصرين)) لسعد بن عيضه الزهراني (1/ 44، 46) (¬4) ((المغني)) (12/ 497) لابن قدامة. (¬5) ((المغني)) (12/ 497) لابن قدامة. (¬6) رواه البخاري (2766) ومسلم (89).

معالم متفرقة القدح في أئمة السلف والزعم بأنهم سبب رئيس للغلو والتكفير

معالم متفرقة القدح في أئمة السلف والزعم بأنهم سبب رئيس للغلو والتكفير عبد الله بن بجاد في مقال له بعنوان: "الذاكرة التراثية العوراء" يطعن في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ويتهمه بالتناقض, حيث يقول: "ويقال لمن خرج عن موجب الإنسانية في الأخلاق ونحوها: هذا ليس بآدمي ولا إنسان, ما فيه إنسانية ..... (¬1). وانظر - يا رعاك الله – إلى منصور النقيدان كيف يتهجم بأسلوب ساخر مقذع على أئمة الإسلام من حيث اتهامهم بالتناقض والقلق وهو في الحقيقة أولى الناس بهذه الصفات؟!:قال: "إنه نشر مقالا عن محنة خلق القرآن, قال وذكرت فيه الموقف المتناقض لأحمد بن حنبل كيف كفر ابن أبي دؤاد, وتغاضى عن المأمون. اهـ. وقال في إحدى الإجابات: وما قرأت ما قاله أحمد بن حنبل لعبد الرحمن بن ميمون: إياك أن تقول بمسألة ليس لك فيها إمام", ما قرأته إلا قلت, يا حسرة على العقول. ا. هـ. (¬2).وقال عن ابن تيمية – رحمه الله – في إحدى الإجابات: "وابن تيمية نفسه من الشخصيات القلقة التي عرفها تراثنا الفكري والديني" (¬3).ثم قال: "وإن هناك آثارا ومظاهر أزمة روحية كانت تلم به" ا. هـ. (¬4). إنكار قضية سد الذرائع, والتشنيع على من يقررها من المتقدمين والمتأخرين من أهل العلم. الهجوم على مناهج التعليم الشرعية في السعودية: شن الكاتب الليبرالي (محمد بن علي المحمود) هجوما ضاريا على المقررات الشرعية في المنهج التعليمي في المملكة, وذلك في مقال طويل له بعنوان "مفهوم التسامح, 2 - 2" (¬5). دعوتهم للحرية بمفهومها المنحرف: يقول منصور النقيدان: "أعتقد أن الحل يمكن في أن يكون هناك حرية, وأن يطرح الجميع ما لديهم" (¬6). نقد الثوابت والتشكيك فيها: مارس أرباب هذا الفكر وأساطينه أساليب متنوعة, واتخذوا طرائق متعددة, لهدم الأصول, وهز الثوابت, والتشكيك بالمسلمات تحت مظلة (العلمية والموضوعية, والتجرد, والحيادية, والنقد الذاتي, والتصحيح والنصيحة, والإنصاف والعدل) , وبدعوى (نسبية الحقيقة) وعدم امتلاك أحد للحقيقة المطلقة. إذاً فما هي الثوابت, وماذا يراد بها؟ وما مجالها؟ وهل هي ميدان فسيح يصلح للتطوير أو الاجتهاد؟ الثوابت هي: القطعيات ومواضع الإجماع التي أقام الله بها الحجة في كتابه, أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم والتي لا يحل فيها الاختلاف, ويضاف إلى ذلك بعض الاختيارات العلمية الراجحة التي تمثل مخالفتها نوعا من الشذوذ أو الزلل" (¬7).قال الشافعي رحمه الله: "كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصاً بينا لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه" (¬8). ¬

(¬1) ((الجامع لأحكام القرآن)) (10/ 293). (¬2) ((الموافقات)) (3/ 27) للشاطبي. (¬3) رواه البخاري (7352) ومسلم (1716). (¬4) ((العقلانيون أفراخ المعتزلة العصريون)) (29،30) لعلي بن حسن عبد الحميد. (¬5) ((جريدة الرياض)) العدد (10349) بتاريخ: 24/ 10/ 1996م. (¬6) انظر ((سير أعلام النبلاء)) (6/ 209) ((البداية والنهاية)) (5/ 96) لابن كثير ((الوافي بالوفيات)) (6/ 11). (¬7) انظر: ((الرسل والرسالات)): (ص- 43,55) للدكتور عمر سليمان الأشقر. (¬8) انظر ((موقع قناة العربية)) , برنامج إضاءات, بتاريخ: 22/ 12/2004م.

وهي التي يسميها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الشرع المنزل وهو ما شرعه الله ورسوله من الأقوال والأعمال مما ليس للاجتهاد فيه مجال. وحقيقته: اتباع الرسول والدخول تحت طاعته, واتباع هذا الشرع واجب, وليس لأحد إلا التسليم والإذعان كما قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا [الأحزاب:36]. وقال جل وعلا: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65] ....... ومجال هذه الثوابت إنما يكون في كليات الشريعة ومسائل العقيدة وأصول الفرائض وأصول المحرمات وأصول الفضائل والأخلاق, وأبرز ميادينها: العقائد والعبادات والأخلاق وأصول المعاملات (¬1). وتأسيسا على هذه المعرفة الكلية الواضحة لمصطلح الثوابت, وانطلاقا من تحديد مجالات الثوابت وميادينها نأتي الآن لذكر الشواهد والأمثلة الكلية والجزئية من كتابات العصرانيين التي توضح للقارئ الكريم حجم التشكيك والنقد الذي طال الثوابت من جهتهم وهم يعبرون عنها تارة بالمسلمات, وتارة بالحتميات, وتارة بالمعرفة الأولى .. إلخ, وهي دعوة خطيرة تكشف عن حقيقة ما يطرحونه من فكر. ذكر الشواهد والأمثلة الكلية العامة: أ- خالص جلبي يدعو إلى أن يتجاوز العقل نطاق الثوابت الدينية ويقفز عليها, فيقول: "المواطن العربي اليوم محاصر في مثلث من المحرمات, بين الدين والسياسة والجنس, كل ضلع فيه يمثل حاجزا شاهقا لا يستطيع أفضل حصان عربي شيق, أن يقفز إلا بالقفز إلى الإعدام, فأما حائط الدين يطل مفهوم الردة, وأما جدار السياسة يبرز مصطلح الخيانة. وعند حافة الجنس تشع كل ألوان الحرام والعيب, فالعقل مصادر ومؤمم وملغى حتى إشعار آخر" ثم يدعو إلى ثورة عقلية: "لا بد من تدريب عقولنا على النقاش والجدل, وذلك بفتح طرقا عصبية رائدة, فالعقل النقدي حي والعقل النقلي ميت" (¬2). ب- المحمود يشن هجوما ضاريا على الثوابت تحت مسمى (الحتميات):يقول: "لا أريد أن أتحيز إلى تهميش الحتميات, بقدر ما أريد التأكيد على قدرة الإرادة الإنسانية على تجاوزها والتحرر منها مع الإقرار بنسبية هذا التحرر منها تحقيقا لتحرر الإرادة الإنسانية مما سوى الإنساني ... " (¬3). ج- يوسف أبا الخيل ينتقد الثوابت تحت مسمى (النظام المعرفي) ويدعو إلى فتح مجال الشك أمام العقل الناقد بدعوى (نسبية الحقيقة):هـ - يقول عبد الله بن بجاد العتيبي: "إذا فلا بد كمنطلق لعملية التنوير والإصلاح أن يدخل الشك في آلية العقل العربي الإسلامي الحالي أن يشك في قضية جوهرية وهي هل هو قادر على العمل الآن؟ هل آلياته ومناهجه ومنظومته المعرفية صالحة للتعامل مع الزمن الراهن" (¬4).و- يقول مشاري الزايدي في مقال له بعنوان: "وصية الغامدي: انج سعد .. فقد هلك سعيد: ولذلك فإن الحديث الذي لا معنى له عن حماية الثوابت, إن هو إلا فرضية ترفية لا تملك وجودًا حقيقيا في دنيا النقد التاريخي كثير من المفاهيم حورت, وشذبت, وتعرضت لإعادة تعبئة, طبقاً للمتغيرات الموضوعية, الإنسان هو من ينتج الفكر, وليس الفكر من يصنع الإنسان, حتى وإن توهم العقائديون الأشداء ذلك! " (¬5). ¤التطرف المسكوت عنه أصول الفكر العصراني لناصر الحنيني - ص 100 ¬

(¬1) ((جريدة الرياض)) الخميس25 ربيع الآخر 1426هـ, 2 يونيو 2005م, العدد: 13492. (¬2) انظر ((مجموع الفتاوى)) (5/ 551). (¬3) انظر ((الصواعق المرسلة)) (2/ 633، 793) لابن قيم الجوزية. (¬4) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (2/ 98). (¬5) ((جريدة الرياض)) , بتاريخ: السبت 18 ذي القعدة 1427هـ 9ديسمبر 2006م, العدد 14047.

ثامن عشر: آثار وأخطار الفكر الليبرالي على المسلمين

ثامن عشر: آثار وأخطار الفكر الليبرالي على المسلمين هل الليبراليون يملكون مشروعا جادا وحقيقيا للنهضة؟ وهل لديهم رؤية ناضجة للإصلاح؟ الواقع الذي لا مراء فيه: أن غاية ما عند هؤلاء الليبراليين هو مسخ هوية المجتمع والانقلاب على الذات وتلميع الفكر الغربي, واستنساخه بدون وعي أو صدق مع الذات أو مع المجتمع! وأحسب أن هذا التيار المنحرف ليس له جذور عميقة في المجتمع, وليس له امتداد أو قبول شعبي, لكن خطورته تكمن في أن بعض وسائل الإعلام المحلية والإقليمية صدرت رموزه, وجعلت منهم مفكرين إسلاميين, وخبراء في الحركات الإسلامية, وصناع للرأي العام! وفيما يلي بعض آثار ومخاطر الفكر الليبرالي على المسلمين: أولا: الآثار العقدية: التشكيك في العقيدة الصحيحة وزعزعة الثقة بها, بمختلف الأسباب والطرق الملتوية الخبيثة, مما يؤدي عياذا بالله إلى انصراف الناس وعزوفهم عنها. القطيعة التامة مع مصادر التلقي والاستدلال عند المسلمين والتزهيد, بل التشويه المتعمد للتراث الإسلامي عقيدة وشريعة. إحياء التراث الفلسفي والمعتزلي, وتقريبه للناس في قالب جميل مزخرف مما يؤدي عياذا بالله إلى تقبل هذا التراث المنحرف في ظل الجهل الذي يخيم على كثير من الناس. الهزيمة النفسية أمام الأعداء التي يريدون أن يغرسوها في أفراد الأمة شاءوا أم أبوا من خلال أمور عدة منها: بهدم حاجز الولاء والبراء. إلغاء الجهاد. الترويج بأن المسلمين متخلفون, ولا يمكن أن يتقدموا أبدا والانبهار بالغرب رغم تراجع الحضارة الغربية والتنبؤات من قبل منظريهم بزوالها. إفساح المجال أمام التيارات المنحرفة الزائغة, بدعوى حرية الرأي والانفتاح على الآخر. الارتماء في أحضان الأعداء وتقليدهم, وتقبل الغزو الفكري بحجة صحة هذه الأديان وأن ما عندهم لا يخالف صراحة ما عندنا. نشر ثقافة تقبل الآخر ولو كان ملحدا, وضياع ما أسماه العلماء بحفظ الضرورات الخمس وعلى رأسها (حفظ الدين). ثانياً: الآثار التربوية والأخلاقية والاجتماعية: إفساد المرأة المسلمة, وجعلها دمية يتلاعب بها المنحرفون سلوكيا وأخلاقيا. طمس معالم الأخلاق الإسلامية, وذلك عن طريق الانحلال والتفسخ الأخلاقي, فلقد فتح هذا الفكر الباب على مصراعيه لدعاة التغريب بحيث لو طبقت المجتمعات كل ما يرونه ويؤصلونه لأصبحت مجتمعات منحلة لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا. فها هو خالص جلبي يدعو إلى هذا التهتك والسفور بطريقة مثيرة للدهشة والاستغراب!! , يقول: "عند سكان أستراليا الأصليين, تتدلى أثداء النساء بدون أن تثير الفتنة. وفي كهوف الفلبين, يعيش الناس رجالا ونساءً مع أطفالهم في عري كامل, فلا يصيح واعظهم أن هذا مخل بالأخلاق!! وبالمقابل فإن كشف (يد) امرأة متلفعة بالسواد من مفرق رأسها حتى أخمص القدم في بعض المناطق من العالم العربي, يثير الشهوة عند رجال يعيشون في حالة هلوسة جنسية عن عالم المرأة" (¬1). إماتة وإضعاف جانب الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ¬

(¬1) كتاب ((الرياض الإلكتروني حروف وأفكار)): (ص17) لمحمد بن علي المحمود في مقال له بعنوان (التقليد والتوثين) , وقد نشر في جريدة الرياض بتاريخ: 1/ 9/2005م.

ثالثاً: الآثار السياسية: إقصاء الشريعة عن الحكم وعزلها عن الحياة, وحصرها في نطاق المسجد والعبادات الشخصية, وهو ما يعرف بـ (العلمانية) أو اللادينية فالدعوة الليبرالية في حقيقتها هي العلمانية, وإن وجد فاصل بينهم فهو رقيق جدا وكأنهما وجهان لعملة واحدة واسمان لمسمى واحد. (¬1).يقول عادل الطريفي: "إن حاجة كثير من البشر للإيمان بالدين هي في إعطائهم معنى روحيا لحياتهم, ولكن بعد ذلك تصبح الأديان غير قادرة على التدخل في تحديد النظم الحياتية للبشر, إنها تفيد في قيادة أخلاق الناس وتوجيههم الوجهة الروحية المطمئنة, ولكنها تخرج عن دورها المطلوب إذا فرضت شروطها على مواضعات البشر السياسية والاقتصادية والاجتماعية" (¬2).ويقول يوسف أبا الخيل: "الإسلام بصفائه الأول كما نزل على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يفرق تماما بين الناحية الروحية والناحية الاجتماعية بكافة ما تشتمل عليه من سياسة واقتصاد وتربية وتعليم وصناعة إلخ, الأولى تنظمها النصوص الصحيحة صحة قطعية ثبوتا ودلالة, أما الثانية فمتروك شأنها للعقل البشري ليرى فيها ما يشاء وفق مصالح الجماعة الراهنة المتأثرة بالمتغيرات الزمانية والمكانية, وهذه هي الحداثة بعينها بغض النظر تماما عما اصطحبته الممارسات التاريخية الاجتماعية منها والسياسية معها من تراث بشري خلط الروحي بالدنيوي والسياسي بالديني تبعاً لإملاءات أيديولوجية مختلفة" (¬3). الولاء للفكر الغربي, والاستقواء بالأجنبي. ¤التطرف المسكوت عنه أصول الفكر العصراني لناصر الحنيني - ص 135 ¬

(¬1) في مقال له بعنوان (المرأة ... من الأيدلوجيا إلى الإنسان) نشر في ((جريدة الرياض)) , بتاريخ: الخميس 24 المحرم 1427هـ فبراير 2006م, العدد 13758. (¬2) في مقال له بعنوان (الإنسانية والطائفية: صراع الأضداد) نشر في ((جريدة الرياض)) , بتاريخ: الأحد 20 المحرم 1427هـ فبراير 2006م, العدد 13754. (¬3) في مقال له بعنوان (فلسفة الولاء والبراء في الإسلام) نشر في جريدة الرياض, بتاريخ: الثلاثاء 20 جمادى الآخرة 1426هـ يوليو 2005م, العدد 13546.

تاسع عشر: الحكم الشرعي في الليبرالية

تاسع عشر: الحكم الشرعي في الليبرالية الليبرالية – كما سبق – فكرة غربية مستوردة، وليست من إنتاج المسلمين، وهي تنفي ارتباطها بالأديان كلها، وتعتبر كافة الأديان قيودا ثقيلة على الحريات لابد من التخلص منها. وقد تقدم الكلام حول حقيقتها، وتصورها لمفهوم الحرية، ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أن الليبرالية مناقضة للإسلام في أصوله ومنهجه وأخلاقه وقيمه. ومحاولة التوفيق بين " الليبرالية " و " الإسلام " هي تغيير لمفهوم كل واحد منهما، وتبديل لمعناه يخرجه عن حقيقته إلى مفهوم مشوه، وصورة غير صحيحة لكل منهما. ومن البديهي أن نقول: إن فلاسفة الليبرالية ومفكريها الذين وضعوا أصولها في فترات مختلفة قد شكلوها خارج إطار الأديان جميعا، ولم يدعي أحد منهم ارتباطها بدين من الأديان ولو كان دينا محرفا. ومع هذا الوضوح يبقى من يصر من المسلمين على أنه بالإمكان الجمع بين منهج مادي يرفض قيود الأديان، ومنهج الإسلام الرباني، ولهذا سنبين بما لا يدع مجالا للشك أن الليبرالية تعني في الإسلام ألوانا متعددة من الكفر والشرك المناقض لحقيقته، وأشكالا مختلفة تنافي أخلاقه وقيمه الكريمة. أولا: نواقض الإيمان في الليبرالية: إن دارس الليبرالية يجد أنها دعوة إلى الإلحاد ورفض الأديان حيث لا تعترف بهيمنة الدين على الحياة الإنسانية، فقد نمت هذه الفكرة في أجواء رافضة للدين، ومعترضة عليه، وهي تريد أن تعطي الإنسان حريته المطلقة بالتحلل من قيود الأديان والقيم والأخلاق، فأساس الفكرة قائم على تعظيم العقل الإنساني وماديته، ولهذا ارتبطت عبارة " الفكر الحر" في كتابات الغربيين بالإلحاد والرفض للدين والقيم وعليه فإن الليبرالية لا تتفق مع الإسلام. وفي هذه الفقرة سأذكر بعضا من أنواع الكفر والشرك الواقعة في الليبرالية، ليتبين من خلالها الحكم الشرعي في الليبرالية:

كفر الاستحلال: الاستحلال معناه: أن يعتقد في المحرمات أنها مباحة، ويجوز فعلها مع علمه بأن الله تعالى حرمها (¬1)، وقد أجمع العلماء على أن المستحل لما حرمه الله تعالى مما هو معلوم من الدين بالضرورة ومتواتر فهو كافر خارج عن دين الإسلام (¬2)، يقول القاضي " عياض ": " وكذلك أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر أو الزنا مما حرم الله بعد علمه بتحريمه، كأصحاب الإباحة من القرامطة، وبعض غلاة المتصوفة" (¬3) ........ وضابط الأمر المستحل هو أن يكون أمرا ظاهرا متواترا لا يوجد فيه خلاف ولا شبهة مثل تحريم الزنا والربا وأكل الخنزير وغيرها (¬4).وسبب كفر المستحل التكذيب أو العناد، فإن اعتقاد إباحة أمر محرم يدل على تكذيبه لمن حرمه أو عناده له، وكلاهما مناقض لحقيقة الإيمان (¬5).فلا يشترط لتكفير المستحل أن يصرح بالتكذيب أو يعتقده، لأن الجحود في حد ذاته كفر ينقل عن الملة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة: كالفواحش والظلم، والخمر والميسر، والزنا وغير ذلك، أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة: كالخبز واللحم والنكاح. فهو كافر مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل " (¬6). وهذا النوع من الكفر موجود في الليبرالية، لأن من مفاهيم الليبرالية المتعلقة بالحرية " منع التحريم "، أو " منع المنع "، فلا يمكن أن يجتمع الفكر الليبرالي مع التحريم الإلهي المقيد لحرية الفرد، كما يقول جون مل: " إن التحريم يمس حرية الفرد لأنه يفترض الفرد لا يعرف مصلحة نفسه " ومن بديهيات الليبرالية " إباحة الزنا "، وهي إباحة عقائدية، وليست مجرد ممارسات عملية، ولا يمكن أن يكون الرجل ليبراليا وهو يعتقد تحريم الربا، والبيوع المنهي عنها لأن هذا يتعارض مع حرية التجارة والاقتصاد، كما أنه لا يمكن أن يكون ليبراليا وهو يعتقد تحريم الزنا والتبرج والشذوذ الجنسي لأن هذا يناقض الحرية الشخصية. والليبرالية مذهب فكري يحدد للفرد الممنوع واللازم قبل أن يكون ممارسة عملية، فهو اعتقاد وتصور واع لسائر أنماط الحياة البشرية. كفر الشك: الشك هو عدم اليقين، والتردد بين شيئين، وعدم القطع بالصحة أو البطلان، أو الخطأ أو الصواب، ونحو ذلك، وعدم وجود القطع واليقين هو من الريب والشك. ¬

(¬1) ((فقدان التوازن الاجتماعي)): (ص- 27) لجودت سعيد. (¬2) ((مجلة الشرق الأوسط)) العدد (8324) في 12/ 9/2001م. (¬3) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص 17) لمحمد بن علي المحمود, في مقال له بعنوان (التقليد والتوثين) , وقد نشر في جريدة الرياض بتاريخ: 1/ 9/2005م. (¬4) في مقال له بعنوان: (المستقبل لهذا الإنسان) , نشر بتاريخ: الخميس 16 صفر 1427هـ 16 مارس 2006م, العدد 13779. (¬5) في مقال له بعنوان: (المستقبل لهذا الإنسان) , نشر بتاريخ: الخميس 16 صفر 1427هـ 16 مارس 2006م, العدد 13779. (¬6) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص- 26) لمحمد بن علي المحمود.

ومن أساسيات الإسلام وجود اليقين في التوحيد والإيمان، فالتوحيد والإيمان لا يغني فيه إلا اليقين الجازم، ولهذا عده العلماء شرطا أساسيا من شروط لا إله إلا الله. يقول تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات: 15]، فاشترط في صحة إيمانهم عدم الريبة، وهي الشك والظن (¬1)، ولهذا جاء الشك والريب وصفا للمنافقين فقال تعالى: إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [التوبة: 45]، ولقد جاء في الحديث: ((أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة)) (¬2). وجاء في حديث أبي هريرة مرفوعا: ((من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة)) (¬3). " فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط" (¬4). ....... والفكر الليبرالي لا يعتقد عقائد جازمة غير حق الفرد في الحرية الفردية مهما توصل له من أفكار وعقائد وآراء، فهو لا يملك عقيدة يقينية محددة، لأن كل عقيدة قابلة للتغيير، ومن حق الآخر أن يعتقد خلافها، وهذا الفكر لا يملك جوابا محددا على أوضح الأمور مثل وجود الله تعالى وربوبيته، لأن المنهج السيال الذي يعتمد عليه يجعل كل أمر قابل للصواب أو الخطأ، وربما أوصلت المنهجية الليبرالية إلى عقائد متناقضة. وبهذا يتبين أن الليبرالية تصحح العقائد المتناقضة، والأفكار المتعارضة، ولا تجزم بحقيقة عقدية، وتبني قاعدة " قولي صواب يحتمل الخطأ، وقولك خطأ يحتمل الصواب "، وتجعل ذلك قاعدة عامة في أصول العقائد وسائر الأديان. فالمنتسب للإسلام منهم يعتقد أن إسلامه صحيح يحتمل الخطأ، وعقيدة الآخر (الكافر) خطأ يحتمل الصواب، ويرفضون الجزم العقائدي في جانب الصحة أو البطلان (¬5). وهذا هو الشك بعينه. ¬

(¬1) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص- 14) لمحمد بن علي المحمود. (¬2) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص- 14) لمحمد بن علي المحمود. (¬3) انظر موقعه على الشبكة العنكبوتية. (¬4) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص- 29) لمحمد بن علي المحمود, في مقال له بعنوان (قنوات الدعاية للإرهاب) وقد نشر في جريدة الرياض بتاريخ: 6/ 10/2005م. (¬5) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص- 44) لمحمد بن علي المحمود, في مقال له بعنوان (مفهوم التسامح) (2/ 2).

كفر الإباء والامتناع: حقيقة الإباء والامتناع هي عدم الانقياد والاستسلام لأمر الله تعالى وشرعه، ومن المعلوم أن الإيمان يتضمن أخبار تقتضي التصديق، وأوامر تقتضي الانقياد والتسليم، ومناقضة التصديق يكون بالتكذيب، ومناقضة الانقياد والتسليم يكون بالإباء والامتناع (¬1).وقد ينضاف إلى الإباء والامتناع " الاستكبار " مثل كفر إبليس وفرعون واليهود (¬2)، وقد يكون الإباء والامتناع دون " استكبار" (¬3).وقد قرر أهل العلم أن الطائفة الممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب قتالها، وأجمعوا على ذلك، كما فعل الصحابة مع الممتنعين عن أداء الزكاة، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية أن الطائفة الممتنعة إذا قاتلهم الإمام على ذلك فقاتلوه فهم كفار وليسوا بغاة (¬4). ...... ولا ريب أن الفكر الليبرالي يؤسس للامتناع عن شرائع الإسلام في مجال السياسة والاقتصاد، ولهذا تكونت الدول الليبرالية بعيدة كل البعد عن شرائع الإسلام في نظمها السياسية والاقتصادية. ومن ذلك امتناع الدول الليبرالية من تطبيق الحدود والعقوبات الشرعية، وكذلك الامتناع عن تحريم الربا في البنوك والمؤسسات المالية، وهكذا. الحكم بغير ما أنزل الله: والمراد هنا: تشريع القوانين الوضعية المضادة لشريعة الله أو استحلال الحكم بغير ما أنزل الله (¬5) – وقد تقدم الكلام في الاستحلال -، وليس المعنى في هذه الفقرة: القاضي الملتزم بتحكيم الشرع ثم يحكم بهواه وشهوته دون تغيير أو تبديل للأحكام. والتشريع حق خاص لله تعالى، وهو الأمر الشرعي في قوله تعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف: 54]، ومن نصب نفسه مشرعا من دون الله تعالى فقد نازع الله في ربوبيته كما قال تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]، وحقيقة فعلهم أنهم أحلوا الحرام، وحرموا الحلال فاتبعوهم على ذلك. وقد أوجب الله تعالى الحكم بشريعته، وجعله من العبادة فقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [يوسف:40]، وقال: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [الأنعام: 57] وبين خطورة الإعراض عن الحكم بالشريعة فقال تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] ¬

(¬1) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص 32) لمحمد بن علي المحمود, في مقال له بعنوان (من حديث المناهج: المرأة والحجاب) (¬2) في مقال بعنوان: (هيمنة الخرافة) , جريدة الرياض: الاثنين: 10 رجب 1426هـ 15 أغسطس 2005م, العدد 13566. (¬3) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص 25) لمحمد بن علي المحمود, في مقال له بعنوان (من حديث المناهج: المرأة والحجاب) (¬4) ((قراءة في كتب العقائد)): (ص- 96) (¬5) انظر ((المدرسة العصرانية في نزعتها المادية)) (433 ,482)

وقال تعالى أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إلى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ [آل عمران:23] وقال تعالى أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً [النساء: 51]، والكفر الأكبر في الحكم بغير ما أنزل الله ثلاثة أنواع (¬1):الأول: استحلال الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا أمر متفق عليه، ويدخل فيه: جحد أحقية حكم الله ورسوله، أو اعتقاد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه، أو اعتقده مثله، أو اعتقد جواز الحكم بما يخالفه، أو اعتقد أن حكم الله ورسوله لا يصلح للتطبيق في زمن الحداثة، أو أنه سبب التخلف، أو أن الإسلام لا يتضمن منهجا للحكم، لأن الدين علاقة روحية بين العبد وربه، ونحو ذلك من العقائد المرتبطة بالاستحلال (¬2). الثاني: التشريع المخالف لشرع الله تعالى، ويكون ذلك بتبديل الأحكام وتغييرها، وهذا ما يحصل في الأنظمة الديمقراطية حيث يرون أن المشرع هو الشعب. يقول الشيخ " محمد بن إبراهيم آل الشيخ " عن هذا النوع: " وهو أعظمها وأشملها، وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية: إعدادا وإمدادا وإرصادا، وتأصيلا وتفريعا، وتشكيلا وتنويعا، وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني, وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك. فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا رسول الله بعد هذه المناقضة" (¬3). ويدخل في هذا من جعل لنفسه حق التشريع، أو وضع نظاما وضعيا يحكم به غير الشريعة الإسلامية. الثالث: طاعة المبدلين مع علمهم أنهم خالفوا شريعة الله وحكمه (¬4). والليبرالية هي عبارة عن اجتماع لهذه الأنواع المكفرة جميعا، لأنها تستحل الحكم بغير ما أنزل الله، وتعتبر أن من حق الفرد أن يشرع لنفسه ما يعتقد أنه الأصلح له، ولهذا فإن النظام السياسي المبني على الفكرة الليبرالية هو النظام الديمقراطي، وهو نظام يعتمد على أن الشعب هو مصدر التشريع الوحيد، وأن الدين لا دخل له في الحكم فهو مجرد علاقة روحية بين العبد وربه. وكل من تصور الليبرالية، وعرف حقيقتها فإنه يجزم أنها لا تعترف بحكم الله، ولا تقر بشريعته، وترى أن الحرية الإنسانية كافية في إصدار التشريعات دون الرجوع إلى جهة إلهية خارج نطاق العقل الإنساني. ¬

(¬1) جريدة الرياض, العدد (10692) , في الأول من جمادى الآخرة 1418هـ (¬2) جريدة الشرق الأوسط (العدد 8310) بعنوان: (لا إكراه في السياسة) , بتاريخ: 29/ 8/2001م, ومن هنا لا تعجب أخي القارئ أن تفتح الصحف العميلة المشبوهة الأبواب على مصراعيها لأمثال هذا المهزوم المخذول. (¬3) انظر موقعه على الشبكة العنكبوتية. (¬4) ((جريدة الاقتصادية)) , العدد (173) في: 4/ 2/2003م.

ولا ريب أن مقاييس علماء الإسلام في أحكام الكفر تنطبق عليها (الليبرالية) بمجرد معرفة حقيقة الفكرة وتصورها، ومن هذه الأحكام أنها حكم بغير ما أنزل الله استحلالا أو تشريعا. ولو قال قائل: إن الليبرالية تطبق شريعة الله وحكمه في الحدود والأموال والأسرة وغيرها لأضحك على نفسه كل باحث يعرف مفهوم الليبرالية وتاريخها ومرجعيتها. وقد تقدم معنا عرض تفصيلي عن الليبرالية اتضح لنا فيه أن الليبرالية عقيدة في الحرية الفردية تعتمد على العقلانية المنكرة للوحي، والمادية المضادة للقيم والأخلاق. شرك القصد والإرادة (¬1): عندما خلق الله تعالى الإنسان خلقه وله إرادة وقصد في كل وقت. فكل عمل يقوم به الإنسان من أعماله الاختيارية لابد أن يكون أراده وقصده قبل ذلك. وهذه طبيعة نفسية فطر الله تعالى عليها الإنسان. وهذه الإرادة قد تكون لله تعالى فتكون حينئذ توحيدا خالصا، وقد تكون لغير الله تعالى فتكون حينئذ شركا خالصا. وهي مهيأة لأن تكون على التوحيد أو الشرك. أما أن تكون النفس مريدة وليست على التوحيد ولا على الشرك فمحال. ......... وإذا كان عبدا لغير الله كان لابد مشركا، وكل مستكبر فهو مشرك، ولهذا كان فرعون من أعظم الخلق استكبارا عن عبادة الله، وكان مشركا ... بل الاستقراء يدل على أنه كلما كان الرجل أعظم استكبارا عن عبادة الله، كان أعظم إشراكا بالله، لأنه كلما استكبر عن عبادة الله ازداد فقرا وحاجة إلى مراده المحبوب الذي هو مقصود قلبه بالقصد الأول، فيكون مشركا لما استعبده من ذلك، ولن يستغني القلب عن جميع المخلوقات إلا بأن يكون الله مولاه، الذي لا يعبد إلا إياه " (¬2). وعلى هذا: فمن جعل الله تعالى همه وغاية مراده وقصده فهو محقق للتوحيد، لأن الإرادة الناشئة عن محبة الله تعالى والافتقار إليه وجعله غاية القصد هي أصل التأله والتعبد له تعالى، وإذا لم تكن إرادة الإنسان وهمه وقصده لله تعالى فلا بد أن تكون لغيره، وخلو القلب من هذا وذاك أمر مستحيل، وهذا الغير يكون حينئذ شريكا لله تعالى. ........ وعلى هذا: فمن اتبع هواه مطلقا، وانصرف إلى الدنيا وآثرها، فقد أصبح عبدا لها، مشركا في الألوهية، خالدا في النار، ويدل لذلك قوله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [هود:15 - 16]. وقوله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ [الشورى: 20]، وقوله تعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا [الإسراء: 18]. وقوله تعالى: فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37 - 41]. وهذا الشرك المخرج من الملة هو عندما يكون الباعث له على العمل وقصده منه إرادة الدنيا وقصدها. ¬

(¬1) ((الزلزال العراقي)) (ص 184) لخالص جلبي. (¬2) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص5) لمحمد بن علي المحمود, في مقال له بعنوان (المتهمون بالإرهاب) , وقد نشر في جريدة الرياض بتاريخ: 14/ 7/2005م.

وهذا الشرك ينطبق على الليبرالية لأنها اتباع تام للهوى والرغبة، وإيثار للدنيا وحطامها الفاني، وهو ما نجده في الكلام حول الحرية الشخصية، أو التطبيقات الرأسمالية الجشعة التي تدل على أن الباعث للعمل هو قصد الدنيا وإرادتها، فلا يمكن أن يقال إن الفكر الليبرالي يوصل لإرادة الله تعالى وقصد طاعته. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص134 - 156 فتوى للشيخ صالح الفوزان عن الليبرالية المكرم فضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما قول فضيلتكم في الدعوة إلى الفكر الليبرالي في البلاد الإسلامية؟ وهو الفكر الذي يدعو إلى الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي، فيساوي بين المسلم والكافر بدعوى التعددية، ويجعل لكل فرد حريته الشخصية التي لا تخضع لقيود الشريعة كما زعموا، ويحاد بعض الأحكام الشرعية التي تناقضه؛ كالأحكام المتعلقة بالمرأة، أو بالعلاقة مع الكفار، أو بإنكار المنكر، أو أحكام الجهاد .. إلخ الأحكام التي يرى فيها مناقضة لليبرالية. وهل يجوز للمسلم أن يقول: (أنا مسلم ليبرالي)؟ ومانصيحتكم له ولأمثاله؟ الجواب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد: فإن المسلم هو المستسلم لله بالتوحيد، المنقاد له بالطاعة، البريئ من الشرك وأهله. فالذي يريد الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي؛ هذا متمرد على شرع الله، يريد حكم الجاهلية، وحكم الطاغوت، فلا يكون مسلمًا، والذي يُنكر ما علم من الدين بالضرورة؛ من الفرق بين المسلم والكافر، ويريد الحرية التي لا تخضع لقيود الشريعة، ويُنكر الأحكام الشرعية؛ من الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومشروعية الجهاد في سبيل الله، هذا قد ارتكب عدة نواقض من نواقض الإسلام، نسأل الله العافية. والذي يقول إنه (مسلم ليبرالي) متناقض إذا أريد بالليبرالية ما ذُكر، فعليه أن يتوب إلى الله من هذه الأفكار؛ ليكون مسلمًا حقًا. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص185، 186

عشرون: قوادح الأخلاق في الليبرالية

عشرون: قوادح الأخلاق في الليبرالية لقد بنيت الليبرالية على أساس مادي لا يرتبط بالقيم والأخلاق، وقد تبين لنا فيما تقدم أثر الحرية الفردية على المجتمع الغربي، فالأنانية واتباع الهوى، وما يترتب عليهما من انعكاسات أمور محمودة عندهم لأنها تحقيق لذاتية الإنسان وفرديته، وهذا ما أوصل المجتمع إلى التعامل بطريقة غير أخلاقية في سياسته واقتصاده، فقد أصبح الحديث عن الأخلاق في مجال المال والاقتصاد مثار سخرية وتندر لدى الليبراليين لأنه لا مجال للحديث عن القيم الأخلاقية في الأمور الاجتماعية، فالأخلاق هي العمل أيا كان تقويمه من حيث الجودة أو الرداءة، فالإنسان الأخلاقي هو الإنسان المنتج، وهذا ما جعل الأخلاق لا قيمة لها في الحقيقة. فانتشرت بسببها: الأثرة، والظلم، واتباع الهوى. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص156

واحد وعشرون: شبهات وردود

واحد وعشرون: شبهات وردود يردد بعض المفتونين بالليبرالية عددا من الشبهات يعارضون بها الحكم السابق عليها، منها: الشبهة الأولى: شبهة التكفير: وهذه الشبهة تظهر في الحكم على كل مذهب إلحادي يفد على البلاد الإسلامية، حيث يقولون: إن بعض الليبراليين ينطقون الشهادتين، ويصلون، ويؤدون الشعائر التعبدية، والقول بأن الليبرالية عقيدة كفرية يكون بمثابة تكفير المسلمين، وهذه هي عقيدة الخوارج الضالين. ونجيب عن هذه الشبهة بأن ثبوت الإسلام للإنسان يشترط له بالإضافة إلى الإتيان بالواجبات المذكورة في الشبهة وغيرها: ترك النواقض والمبطلات لحقيقة الإيمان والإسلام، فمن يأتي بهذه الواجبات، وهو قائم على نواقض الإيمان، فإنها لا تنفعه حتى يترك النواقض. ولهذا حذرت الشريعة الإسلامية من " نواقض الإيمان "، وبينت خطورتها، فقد يكفر الإنسان ويخرج من الملة، وهو لا يزال يشهد أن لا إله إلا الله ويؤدي بعض الواجبات، وهذه حقيقة شرعية قطعية. وهذه الحقيقة موجودة في كل دين، لأنه ما من دين إلا ويوجد له نواقض إذا وجدت بطل أصل هذا الدين، وكذلك الأمر في العبادات كالصلاة والوضوء وغيرها لو أتى الفرد بواجباتها وارتكب مبطلاتها لم تنفعه هذه الواجبات. ومن المعلوم المجمع عليه عند أهل السنة والجماعة أن لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) شروطا عظيمة وليست مجرد كلمة تقال بالألسن، ومن هذه الشروط: الانقياد والقبول والتسليم والإخلاص وغيرها. ولهذا لم يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم إقرار الحبرين من اليهود بأنه "رسول الله " لأنهما لم يلتزما بالإسلام، وفي الحديث أنهما: ((قبلا يديه، وقالا: نشهد أنك نبي. قال: فما يمنعكما أن تتبعاني، قالا: إن داود عليه السلام دعا ألا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى إن أسلمنا تقتلنا يهود)) (¬1). وهكذا أقر أبو طالب بصدق دينه في قوله: ودعوتني وعلمت أنك ناصحي فلقد صدقت وكنت قدم أمينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه من خير أديان البرية دينالولا الملامة أو حذاري سبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا (¬2) ومثله إقرار هرقل بنبوته عليه الصلاة والسلام، لأنه إقرار باللفظ لا يتضمن التزام عملي (القبول والانقياد والتسليم). ¬

(¬1) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)): (ص6) لمحمد بن علي المحمود, في مقال له بعنوان (المتهمون بالإرهاب) , وقد نشر في جريدة الرياض بتاريخ: 14/ 7/2005م. (¬2) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص6) لمحمد بن علي المحمود, في مقال له بعنوان (المتهمون بالإرهاب) , وقد نشر في جريدة الرياض بتاريخ: 14/ 7/2005م.

وقد قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وعموم العرب عندما رفضوا معنى (لا إله إلا الله) وقالوا: " أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب "، ولم يفعل ذلك لمجرد اللفظ، وهذا ما فهمه المشركون في زمانه، ولهذا لم يقبلوا ولم ينقادوا. وهذه الشبهة تدل على عدم الفهم الصحيح للإسلام، وأنه التزام حقيقي، وجهاد للباطل وأهله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لمن خاف من القتال في سبيل الله " لا صدقة ولا جهاد بماذا تدخل الجنة " والسيرة العملية للقدوة عليه الصلاة والسلام تبين حقيقة الإسلام والإيمان (¬1)، فهي تفسير واقعي لحقيقة الإيمان في كافة المجالات: في النفس والمجتمع الإسلامي، والعلاقة بالآخر (الكافر/والمنافق)، وفي الحكم والاقتصاد وغيرها من المجالات. ومن جهة أخرى فإن التكفير الوارد حول هذا المذهب يقع على العقائد، والأفكار، والآراء التي يتضمنها، وهذا يسمى " كفر النوع "، وهو تحرير المسائل الكفرية دون النظر للمعينين، أما الفرد المعين فإن وجدت فيه هذه العقائد والأفكار، والآراء، فإنه لابد من توفر شروط التكفير فيه وانتفاء موانعه عنه (¬2). هذا في حال تلبسه بهذه المكفرات، أما مجرد الانتماء لهذا المذهب وحده، فهو غير كاف في اعتباره متلبسا بهذه المكفرات، لأن الواقع يشهد بأنه يوجد من ينتمي إلى مذهب فإذا سئل عنه، وصفه بغير حقيقته دون إقرار بالمكفرات التي هي مناط الكفر. وبناء على ذلك فإن المعينين تختلف أحوالهم، وأوضاعهم، ولكن العقائد والأفكار تبقى ثابتة يمكن أن يطلق عليها حكم محدد، ولا يعكر على ذلك اختلاف أحوال المعينين وأحكامهم. وكلامنا في هذا الفصل يكون حول العقائد والأفكار، وليس على المعينين فلهم شأن آخر. وهذا أمر معروف عند علماء السلف الصالح حيث يطلقون وصف الكفر على المقالة، ويبينون وجه مناقضتها لأصل الدين دون أن يقتضي هذا تكفير كل معين يقول بهذه المقالة، فضلا عن تكفير المنتمي لفرقة تقول بها لمجرد انتمائه (¬3). ¬

(¬1) انظر موقعه على الشبكة العنكبوتية. (¬2) انظر موقعه على الشبكة العنكبوتية. (¬3) انظر موقعه على الشبكة العنكبوتية.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فقد يكون الفعل أو المقالة كفرا، ويطلق القول بتكفير من قال تلك المقالة، أو فعل ذلك الفعل، ويقال: من قال كذا فهو كافر، أو من فعل كذا فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. وهذا الأمر مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بأنه من أهل النار، لجواز أن لا يلحقه، لفوات شرط أو لثبوت مانع " (¬1)، وقد حذر علماء السلف (¬2) من إطلاق تكفير المعين دون بينة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [النساء:94] (¬3).وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)) (¬4)، يقول الشاطبي: " والحاصل أن المقول له إذا كان كافرا كفرا شرعيا فقد صدق القائل وذهب به المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول وإثمه " (¬5). والتكفير حكم شرعي تترتب عليه لوازم في الدنيا والآخرة، فيجب الاحتياط فيه، والحذر من الاستعجال فيه، ولهذا قد تكون المقالة كفرا ناقلا عن الملة، ولا يكون القائل بها كافرا إذا لم تقم عليه الحجة أو كان متأولا. يقول ابن تيمية: "ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمر يقولون بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك، ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم، ويكفرون من لم يجبهم، حتى أنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق، وغير ذلك، ولا يولون متوليا، ولا يعطون من بيت المال إلا لمن يقول ذلك، ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله تعالى ترحم عليهم واستغفر لهم لعلمه بأنهم لم يتبين لهم أنهم مكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم ولا جاحدين لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطأوا، وقلدوا من قال لهم ذلك " (¬6)، ولكن هذا لا يعني أن المعين لا يكفر إذا وجدت فيه الشروط، وانتفت عنه الموانع، فإنه إذا تم التأكد من ذلك يكفر بعينه، فقد أفتى علماء الإسلام بردة عدد ممن أعلنوا الكفر وتحققت فيهم شروط الكفر، ويدخل في هذا الصدد قتال الصحابة للمرتدين، وفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في قتال التتار وتكفيرهم (¬7)، وغيرهم (¬8). أما تكفير المذاهب الإلحادية المعاصرة فهو أمر ضروري لتعلم الأمة الإسلامية خطورة هذه المذاهب وتحذر منها، ومن ذلك: ما قرره مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي (¬9) من تكفير " العلمانية "، وهي المنبع الذي خرجت منه سائر المذاهب المعاصرة بما فيها " الليبرالية " وينص القرار على ما يلي: ¬

(¬1) انظر موقعه على الشبكة العنكبوتية. (¬2) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (44 ,46) , وقد نشر مقاله المذكور في جريدة الرياض بتاريخ: 10/ 11/2005م. (¬3) انظر موقعه على الشبكة العنكبوتية. (¬4) انظر: ((لثوابت والمتغيرات)) (ص 38) للدكتور صلاح الصاوي, و ((الثابت والشمول)) (109 ,129) للدكتور عابد السفياني, ومقالا لفضيلة الشيخ العلامة: صالح بن فوزان الفوزان, جريدة الوطن الكويتية (الإثنين: 1 يناير 2007م). (¬5) ((لرسالة)) (ص 560). (¬6) ((الرسالة)) (ص560). (¬7) جريدة الرياض, العدد (10349) بتاريخ: 24/ 10/1996م. (¬8) جريدة الرياض: الأحد 21 شوال 1427هـ 12 نوفمبر 2006م, العدد 14020. (¬9) جريدة الوطن, العدد: 1727, بتاريخ: 22/ 6/2005م.

أولا: إن العلمانية (وهي الفصل بين الدين والحياة) نشأت بصفتها رد فعل للتصرفات التعسفية التي ارتكبتها الكنيسة. ثانيا: انتشرت العلمانية في ديار الإسلامية بقوة الاستعمار وأعوانه، وتأثير الاستشراق، فأدت إلى تفكك في الأمة الإسلامية، وتشكيك في العقيدة الصحيحة، وتشويه تاريخ أمتنا الناصع وإيهام الجيل بأن هناك تناقضا بين العقل والنصوص الشرعية، وعملت على إحلال النظم الوضعية محل الشريعة الغراء، والترويج للإباحية، والتحلل الخلقي، وانهيار القيم السامية. ثالثا: انبثقت عن العلمانية معظم الأفكار الهدامة التي غزت بلادنا تحت مسميات مختلفة كالعنصرية، والشيوعية والصهيونية والماسونية وغيرها، مما أدى إلى ضياع ثروات الأمة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وساعدت على احتلال بعض ديارنا مثل فلسطين والقدس، مما يدل على فشلها في تحقيق أي خير لهذه الأمة. رابعا: إن العلمانية نظام وضعي يقوم على أساس من الإلحاد يناقض الإسلام في جملته وتفصيله، وتلتقي مع الصهيونية العالمية والدعوات الإباحية والهدامة، ولهذا فهي مذهب إلحادي يأباه الله ورسوله والمؤمنون. خامسا: إن الإسلام هو دين ودولة ومنهج حياة متكامل، وهو الصالح لكل زمان ومكان، ولا يقر فصل الدين عن الحياة، وإنما يوجب أن تصدر جميع الأحكام منه، وصبغ الحياة العلمية الفعلية بصبغة الإسلام، سواء في السياسة أو الاقتصاد، أو الاجتماع، أو التربية، أو الإعلام وغيرها. التوصيات: يوصي المجمع بما يلي: على ولاة أمر المسلمين صد أساليب العلمانية عن المسلمين وعن بلاده، وأخذ التدابير اللازمة لوقايتهم منها. على العلماء نشر جهودهم الدعوية بكشف العلمانية، والتحذير منها. ج – وضع خطة تربوية إسلامية شاملة في المدارس والجامعات، ومراكز البحوث وشبكات المعلومات من أجل صياغة واحدة، وخطاب تربوي واحد، وضرورة الاهتمام بإحياء رسالة المسجد، والعناية بالخطابة والوعظ والإرشاد، وتأهيل القائمين عليها تأهيلا يستجيب لمقتضيات العصر، والرد على الشبهات، والحفاظ على مقاصد الشريعة الغراء." وفي السياق نفسه فقد أصدر مجلس علماء إندونيسيا فتوى بكفر الليبرالية (¬1)، ونصت الفتوى التي صدرت في ختام مؤتمر المجلس السابع على أن " التعاليم الدينية المتأثرة بالأفكار العلمانية والليبرالية هي تعاليم منافية لحقيقة الدين الإسلامي، وعلى المسلم أن يعتقد أن دين الإسلام هو الدين الحق، وأن ما سواه هو الباطل" (¬2). الشبهة الثانية: أن الليبرالية مجرد آلة وليست عقيدة: هذه الشبهة تقوم على أن الليبرالية ليست عقيدة يمكن أن توصف بالإيمان أو الكفر، وإنما هي مجرد آلة عصرية يمكن الاستفادة منها لتحديث المجتمع وتطويره. ويبدو على هذه الشبهة أسلوب المخادعة، والهروب من الحقيقة، فإن من يدرس الليبرالية يتبين له أنها عقيدة فكرية متكاملة، وفلسفة مادية إلحادية، فدعوى أنها مجرد آلة هي هروب مما تتضمنه الليبرالية من مناقضة لأحوال الإسلام، وهذه الدعوى لا يوافق عليها أحد من مفكري الليبرالية المعروفين. وإذا كان بعض الليبراليين يخادع نفسه بادعاء أن الليبرالية مجرد آلية فإن منهم من يصرح بأنها منهج للحياة كما فعل الدكتور محمد الرميحي في قوله: " ومع أن الليبرالية هي مفهوم فلسفي، وطريقة تفكير وموقف من الحياة أكثر منها آلية محددة للحكم، فإن الديمقراطية في معناها الشامل هي النتيجة الطبيعية للفكر الليبرالي " (¬3). ¬

(¬1) انظر موقعه على الشبكة العنكبوتية. (¬2) في مقال له نشر في جريدة الشرق الأوسط, في: 3/ 7/2002م. (¬3) انظر: ((العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب)) (409 ,417).

وقد تقدم الكلام على حقيقة الليبرالية وأسسها الفكرية، وبه يتبين أن الليبرالية منظومة فكرية متكاملة، وعقيدة سياسية واقتصادية محددة، وليست مجرد آلة كما يزعم البعض. الشبهة الثالثة: أن الليبرالية تشتمل على بعض الإيجابيات: وترى هذه الشبهة أن الليبرالية مشتملة على أمور إيجابية مثل إكرام الإنسان، وعدم إهدار حقوقه، وشحذ الدافع الذاتي (الفردية) للإنسان مما ولد المنافسة القوية بين الشركات الكبرى بحيث توصلت من خلال هذه المنافسة إلى تحريك الاقتصاد، واكتشاف المخترعات الحديثة المفيدة للإنسان، هذا بالإضافة إلى المشاركة السياسية، والحرية في مؤسسات المجتمع، والصحافة، وتكوين الأحزاب والمعارضة وغيرها، ولا يمكن أن يكون هذا معارض للإسلام. ويمكن الجواب عن هذه الشبهة من وجوه عدة: أولا: أن وجود بعض الإيجابيات لا يدل على صحة هذا المذهب أو ذاك، لأنه ما من فكر باطل أو بدعة مخترعة إلا ويوجد فيها شيء من الحق كما قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71]، فلا يكاد يوجد مذهب إلا وهو مشتمل على بعض الإيجابيات، ولكن ذلك لا يستلزم الصحة كما قال تعالى عن يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا [البقرة:219]. ثانيا: أن سلبيات الليبرالية ومساوئها أكثر، وأعظمها الكفر والشرك بالله تعالى، والأثرة، واتباع الهوى، والظلم للفقراء والطبقات المتدنية، والحروب، والاحتلال وغيرها. ثالثا: أن إيجابيات الليبرالية لا تخلو من جوانب سلبية، لأنها حريات مفتوحة غير منضبطة فحقوق الإنسان فتح مجال الإلحاد، والفساد الأخلاقي إلى درجة الشذوذ، والفردية أصبحت شحا مطاعا، وهوى متبعا، وأنانية مقيتة، والديمقراطية رفعت أصحاب رؤوس الأموال، وجعلتهم يتحكمون في المجتمع بأموالهم. رابعا: أن أي صفة إيجابية في مذهب باطل فإنها موجودة في دين الإسلام بأحسن وأكمل وأنقى من النقص من غيره، وهذا من كمال الدين وتمامه المنصوص عليه في قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3]، وفي قوله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، وقوله تعالى: هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 138]، وغيرها فلا نحتاج إلى أن ننقل من المناهج والمذاهب المنحرفة بحجة وجود إيجابيات فيها، فلا خير إلا وقد دلنا له الإسلام ولا شر إلا حذرنا منه، فكل خير موجود في الإسلام دون أي شائبة. الشبهة الرابعة: قول بعضهم: سنقيد الليبرالية بقيود الشرع! فلا نقبل منها أي أمر يخالف شريعة الإسلام، حيث نؤقلمها مع عقيدتنا وظروفنا. والجواب: قد قيل مثل هذا ممن أراد الترويج للديمقراطية؛ مدعيا أنه لن يقبل بالتصويت على أمر مخالف للإسلام، وأنه .. وأنه .. إلى آخر القيود، فقيل لها: إذا قيدتها بهذه الأمور فلا تسميها " ديمقراطية "؛ لأنها لن تكون كذلك! سمها إسلاما، ودع هذا التلاعب. ومثل هذا يقال لمن أراد أن يقيد الليبرالية بقيود الشرع؛ لأنها ستكون شيئا آخر غير الليبرالية. والله الهادي. ¤حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص157 - 172

المطلب الثالث عشر: الديمقراطية

تمهيد الديمقراطية مذهب من المذاهب الضالة الخداعة التي أنتجتها العقلية الأوربية في التفافها على الكنيسة وديانتها الزائفة والديمقراطية اسم جذاب – إذ يقصدون به العدالة والحرية في الظاهر مما جعل كثيرا من المسلمين ومن غيرهم يتأثرون بدعاية المذهب ظانين أنها تحمل تحت هذا الاسم ما يوحي بظاهره – ولم يعلموا أنها تسمية سراب – وأن المستفيدين منها هم الطبقات العليا طبقة الحكام والأثرياء الذين هم نسخة عن الإقطاعيين في الزمن القديم، أو من لهم غرض في محاربة الأديان وخصوصا الإسلام. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 755

أولا: معنى الديمقراطية ونشأتها

أولا: معنى الديمقراطية ونشأتها الديمقراطية كلمة يونانية (¬1) في أصلها ومعناها سلطة الشعب والمقصود بها بزعمهم حكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق اختيار الشعب لحكامه وهي الكذبة التي كان يرددها النظام الشيوعي. ويذكر الباحثون أن أول من مارس هذه النظرية هم الإغريق في مدينتي أثينا وأسبرطة ولكنها ارتبطت في الغرب بالنظام السياسي والاقتصادي بخلاف نشأتها عند الإغريق وكانت طريقتهم تتمثل في أنهم كانوا يشكلون حكومة من جميع رجال المدينة وأطلقوا عليها اسم (حكومة المدينة) حيث يجتمع رجال المدينة لبحث كل أمورهم ينتخبون لهم حاكما ويصدرون القوانين في كل قضية تعرض عليهم ويتخذون لها حلا يكون حاسما ويشرفون جميعهم على تنفيذه بكل دقة وحزم واستمروا على هذه الصورة الفريدة إلى أن انتهت حكومة المدينة في كل من أثينا وأسبرطة حينما غلبهم المد النصراني وبرز رجال الكنيسة وقد بقيت تلك الحكومة في ذاكرة الناس، ثم كان لطغيان رجال الكنيسة فيما بعد الأثر الحافز على الرغبة في العودة إلى تلك الحكومة الغابرة وظل أهل أوربا يتوقون إلى الخلاص من قبضة رجال الكنيسة تحت أي تيار يسوقهم علهم يجدون متنفسا من أوضاعهم المخزية تحت سلطة الإقطاع والنبلاء والأشراف من البابوات وكبار الملاك الظالمون لجميع طبقات الشعوب. ونجم عن كثرة الضغط الانفجار الذي تمثل في الثورة الفرنسية حيث أخذ زعماؤها في التفتيش عن مصدر يحل محل ذلك الحكم البغيض ولم يكن أيام حكم المدينة غائبا عن أذهانهم خصوصا وقد اتصل كثير من الأوربيين بالمسلمين وتفهموا كثيرا من تصورات المسلمين ونظامهم الإلهي العادل الذي منعهم من الانقياد له حقدهم الشديد على الدين والمتدينين ثم رغبتهم في الانفلات من كل قيد وغير ذلك فوقع اختيارهم على ذلك الماضي الجاهلي الإغريقي ونادوا بتجديده والسير على نهجه كي يبعدهم عن شبح البابوات والأباطرة والإقطاعيين ومن جاء بعدهم من الجشعين الرأسماليين فاتخذوه شعارا – بغض النظر عن تحقيقه – يحاربون تحته ومع طموح الشعوب إلى تحقيق هذا الحلك فقد وجد الدعاة له من المشقة والتنكيل والسجن على أيدي أصحاب السلطة المستأثرين بها وعلى أيدي البابوات والوجهاء الأثرياء في ذلك الوقت ما لا يوصف وهو أمر بديهي إلا أن دعاة تلك الديمقراطية لم يضعف عزمهم ولم تخنهم شجاعتهم فكانوا كما قيل: أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلج وتم لهم بعد الكفاح المرير الوصول إلى كراسي السلطة وإخضاع أمراء الإقطاع والمستأثرين بالسلطة إلى الرضوخ للأمر الواقع وزحزحت البساط من تحت أقدام البابوات أصحاب الحق الإلهي المقدس بزعمهم ومن تحت أمراء الإقطاع الذين كانوا لا يسألون عما فعلوا والناس يسألون، وصدق الله تعالى حينما قال: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]. وابتلى الله الظالمين بعضهم ببعض ولا يزال بأسهم بينهم شديدا وقلوبهم شتى. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 761 ¬

(¬1) في مقال له بعنوان (المشتركات الإنسانية سبيل للحضارة) نشر في موقع (إسلام أون لاين) بتاريخ: 18/ 4/2004م.

ثانيا: الحكم على الديمقراطية

ثانيا: الحكم على الديمقراطية أما منزلتها في الإسلام: فقد ظهر أن بعض المنخدعين بها قد تصور أنه لا فرق بين الديمقراطية وبين الإسلام بل ويزعم أن مبادئ الديمقراطية هي نفس المبادئ التي دعا إليها الإسلام ولا شك أن من قرأ ما كتبه علماء المسلمين عن الديمقراطية سيلمس الفرق واضحا لا خفاء فيه والقائل بعدم الفرق إما أن يكون جاهلا أو مخادعا أو ملحدا مغالطا ومن الفوارق الواضحة أن أهداف الديمقراطية وحلولها للمشكلات كلها سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك هي غير الأهداف وغير الحلول التي جاء بها الإسلام، ولابد أن يحصل الاختلاف بكل بساطة ووضوح حلول الإسلام دائمة وعامة وحلول الديمقراطية مؤقتة ولمصالح. كما أن تعاليم الإسلام جاءت من رب العالمين عالم الغيب والشهادة بينما تعاليم الديمقراطية لم تقم إلا بتجارب البشر وبالاحتجاجات ضد طغيان السلطات الرأسمالية وقبلها الإقطاع وبالمظاهرات الصاخبة والاضطرابات المتوالية إلى أن ترقوا بمفهوم الديمقراطية إلى ما وصلوا إليه في ظاهر الأمر بينما الأمر في الإسلام يختلف تماما ذلك أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى سلوك مثل تلك المهامة ولا يحتاجون إلا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ليجدوا أنفسهم في غاية السعادة وفي غاية التكافل الاجتماعي بمعناه الحقيقي وفي أتم ما يكون من الأحكام العادلة الرحيمة التي يطبقها المسلم على نفسه قبل أن يطالب بها غيره ومن تصور هذا الفرق هان عليه معرفة الفرق بين الإسلام وبين الديمقراطية كما أن تعاليم الإسلام تجعل المرء يشعر ويحسن بمسئوليته أمام الله تعالى وتوجد في داخل نفسه المراقبة الذاتية لله تعالى التي لا تصل إليها أي قوة غير قوة مراقبة الله تعالى التي يتغير بموجبها سلوك الإنسان نحو معاملته لربه ومعاملته لإخوانه المسلمين بل ومع غير المسلمين في تنظيم بديع لن يصل إليه بل ولن يقاربه أي تنظيم بشري هو عرضة للنقض والتغيير بين كل فترة وأخرى وفرق بين سلوك ينتج عن مراقبة الله وخوفه وسلوك ينتج عن غيره فما من شخص يزعم أن الديمقراطية هي التي تحقق السعادة للشعوب أو أنها أرحم من التعاليم الربانية ما من شخص يزعم ذلك إلا وتجده إما جاهلا جهلا مركبا وإما ملحدا لا يعرف عن حقيقة الإسلام شيئا أو مخدوعا بشعارات الديمقراطية البراقة لم يتعظ بما يشاهده من حال بلدان دعاة الديمقراطية، كما نجد كذلك أن تعاليم الإسلام لا تجيز الفصل بين الدين والدولة بل الدين الإسلامي هو الشامل والمهيمن على كل أمور الحياة وما لم تصدر عنه فإنها تعتبر من الضلال ومن اتخاذ البشر بعضهم بعضها أربابا من دون الله تعالى بينما تعاليم الديمقراطية قائمة على الفصل بينهما فرجال الدين مهمتهم تنحصر في أماكن العبادة والمواعظ الدينية ونحو ذلك ورجال الدنيا لا حد لمهماتهم فهم المشرعون والمنفذون ومعنى هذا أن الإسلام والديمقراطية الغربية ضدان هنا فأين التوافق الذي يدعيه المغالطون.

كما أن الديمقراطية لا تعتمد الحكم بما أنزل الله وتنفر منه لأنها في الغرب قامت من أول يوم على محاربة الأديان وكل شيء فيها يتصل بها وأن الحكم فيها يجب أن يتم على تشريع الشعوب والبرلمانات ورؤساء الدول وقوانينهم مقدمة على الحكم بما أنزل الله تعالى بينما الإسلام يعتبر هذا خروجا عن الدين وكفرا ومحادة لله وردا لشرعه خصوصا ممن يعلم بهذا الحق ولكنه يرفضه ويفضل حكم الجاهلية عليه كما أن في الديمقراطية الوصول للحكم مشاع لكل أحد ومن حق المرأة أن تصل إلى القضاء والتمثل الدبلوماسي والجندية والرئاسة وغير ذلك بينما الإسلام يجعل الشخص المناسب في المكان المناسب فجعل للرجال مجالات وجعل للنساء مجالات أخرى تتناسبها ولهذا فإننا نجده لم يجز للمرأة أن تتولى الإمامة العظمى لأمور كثيرة تذكر في كتب العلم ولا يجوز لها مزاحمة الرجال في حق الانتخابات. - في الديمقراطية لا حرج في أن يتولى الحكم أفسق الفاسقين وأكفر الناس لا حرج أن يتولى الحكم على المسلمين وغيرهم ما دام قد فاز – كما يصفون - في الانتخابات بينما الإسلام لا يبيح للكافر أن يحكم المسلم أو يشاركه في الحكم ولا يجيز كذلك للمسلمين أن يولوا ابتداءا شخصا معروفا بالفسق والفجور بل عليهم أن يختاروا أصلح الموجودين وأن يجتهدوا في ذلك ما أمكن. - في الديمقراطية الشورى تتم عن مشاورة عامة الشعب دون تخصيص أهل الرأي والعلم فتحصل فوضى وتدخلات الأهواء ويصبح الحق ما نادت به الأكثرين خيرا كان أم شرا، بينما الشورى في الإسلام تعتمد على مجموعة هم أفاضل الناس وفقهائهم – كما سيأتي تفصيل هذا. - في الديمقراطية لا حدود أخلاقية لحرية الفرد والجماعة ولا مكان للفضيلة ولا حاجز عن الفواحش وسوء المعاملات والكفر الصريح في الديمقراطية تحت مسميات عديدة حرية الكلمة الحرية الشخصية، حرية الفكر، حرية التملك، حرية التدين ... الخ. بينما الإسلام يجعل للحرية طريقا واضحا يحقق مصلحة الفرد والمجتمع في آن واحد بحيث لا تختلط الحريات الفوضوية الظالمة بالحرية الحقيقية التي تحقق مصلحة الجميع وتؤلف بين القلوب. في الديمقراطية الحث على تفرق الناس وقيام الأحزاب المختلفة ومعارضة بعضهم بعضا ونشوب المكائد بعد ذلك واحتقار وسب بعضهم بعضا وصار مثلهم كمثل اليهود والنصارى فيما أخبر الله عنهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ [البقرة:113]. فإن كل حزب يهون شأن الحزب الآخر ولا يهتم كل حزب إلا بكيف يكسب أصوات الناخبين ومن هنا تكثر الوعود الكاذبة والتنجيح بكثرة الإنجازات التي ستتم حينما يتولى الحكم فلان. بينما الإسلام لا يأمر بذلك بل ينهى عن التفرق والكذب والخداع ويأمر بالحب في الله والبغض فيه والعمل لمصلحة الإنسان لنفسه وبغيره واحتساب الأجر عند الله في تحمل المسئولية وفي أدائها ما تفتقده الديمقراطية الغربية. هل المسلمون في حاجة إلى الديمقراطية الغربية؟

إن الجواب عن هذا السؤال لا يحتاج إلى تفكير من قبل أي مسلم لم تدنس فطرته الشبهات. لقد قامت الحياة في الدول الغربية على المناداة بالديمقراطية سلوكا ومنهجا في كل شؤون حياتهم وصار كل سياسي يتباهى بتطبيقها والرغبة في تصديرها والواقع أنه قد يكون للغرب ما يبرر كل هذا السلوك لأنهم ليسوا على شيء فلم يعرفوا من النظم إلا هذا النظام الذي اكتشفوه وفرحوا به لعدم معرفتهم بما هو أفضل منه وهو الشرع الحنيف الذي أكمله الله ورضيه لنفسه ولعباده دينا وسلوكا، وإذا كان للغرب والنظم الجاهلية ما يبرر هذا السلوك فإنه لا مبرر لانسياق الكثير من النظم الإسلامية ومن بعض المفكرين من المسلمين إلى اتباع أولئك بعد أن من الله عليهم بأفضل دين وأكمله وأفضل نظام اجتماعي وأعد له أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، وإحكامه غاية العدل فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65]. يتركون هذا المعنى الفياض ثم ينساقون إلى نظام ثبت فشله ويتركون نظاما صالحا إلى يوم القيامة مضى عليه سلفهم فكانوا مصابيح الدجى ومشارق الأنوار.

إن الشرع الإسلامي يستهوي بعدله ورحمته وشموله حتى أعداء الإسلام فإذا بهم ينساقون إليه مذعنين بل ويصبحون من جنوده البواسل حينما قارنوا بين ما جاء في الإسلام وبين النظم الجاهلية التي تقود البشر من شقاء إلى شقاء لأنها من صنع البشر الذين قصرت أفهامهم والتبست عليهم الأمور وهؤلاء حجة على أولئك الهاربين إلى الديمقراطية دون أن يعلموا شيئا عن الإسلام وعن تعاليمه الشاملة لقد انبهر الكثير من المسلمين ببريق الحضارة الغربية وصناعاتها المادية فظنوا أن ذلك إنما هو بسبب ما عندهم من الأنظمة ولم يفطنوا إلى أن سبب ذلك إنما يعود إلى نشاط الغرب وشحذ هممهم وإصرارهم على اكتشاف خيرات الأرض والاستفادة منها وطرقهم لآلاف التجارب دون كلل أو ملل مهما واجهتهم من المصاعب كلما فشلوا في تجربة صناعية زادهم ذلك إصرارا على إعادة الكرة والله عز وجل لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى فأعطاهم الله من الدنيا على قدر عزمهم بينما المنتظرون من المسلمين للحضارة الغربية يغطون في سباتهم، فلما أفاقوا على هدير مصانع الغرب وإنتاجهم ألقوا باللائمة على الإسلام ظلما وزورا وظنوا أن هذا التبرير يبقى على ماء وجوههم فإذا بهم لا ظهرا أبقوا ولا أرضا قطعوا فلا هم بقوا على إسلامهم وتلافوا أخطاءهم، ولا هم لحقوا بالدول الغربية في إنتاجها المادي. وكان يجب عليهم أن يعرفوا أن الإسلام الذي عاش عليه ملايين البشر في القرون الغابرة على أحسن حال وأعدل نظام لا يزال كذلك على مر الدهور عاش عليه البشر قبل أن يظهر قرن الديمقراطية التي يريدون إحلالها محله والتي قامت من أول أمرها على محاربة الدين وخداع الجماهير للوصول إلى الحكم بأي ثمن يكون واعتبار ذلك فوزا أو مغنما بينما الإسلام لا يجيز الخداع ولا النفاق ولا يجيز الاحتيال على الناس وابتزازهم لا في دينهم ولا في دنياهم بل يعتبر الوصول إلى سدة الحكم أمانة عظيمة حملها ثقيل ومزالقها خطيرة ولا يعتبر الوصول إليه فوزا كما نسمعه في تطالب الديمقراطيين للوصول إلى الحكم فتذكر أخي القارئ ما قاله أبو بكر رضي الله عنه حينما ولي الخلافة: " لقد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن اعوججت فقوموني"، وكان عمر دائم التأوه من حمل ثقل الخلافة وكان أسلافنا من أعلام الإسلام يفر أحدهم من أخذ الحكم كما يفر أحدنا من الأسد أو أشد لا جهلا به ولا خوفا من مشقته إنما هو الخوف من الله عز وجل أن يقع فيما لا يوافق الحق فإذا تم انتخاب الخليفة أسدوا إليه النصيحة وآزروه راضين مطمئنين بحكمه لا يجوزون عصيانه ولا الخروج عليه ولا تشكيل حزب معارض له ما دام يشهد الشهادتين ويطبق أحكام الإسلام حتى وإن كانت له معاصي وكبائر فهو محل طاعتهم وأمره إلى الله مع محاولتهم بيان الحق وإسداء النصيحة له. حتى إذا جاءت الديمقراطية فإذا بأقطابها يتهارشون عليها ويخادعون الناس وينافقون ويعدون بما لا يفعلون – وإذا بالناس غير الناس والقلوب غير القلوب – وكأن حال الإسلام والمسلمين يقول: ذهب الذين إذا رأوني مقبلاً ... هشوا إليَّ ورحبوا بالمقبل وبقيت في خلف كأن حديثهم ... ولغ الكلاب تهارشت في المنزل

إن الحاكم في الإسلام مؤتمن على مصالح المسلمين وليس له أكثر من كونه منفذا لا مشرعا لأن التشريع إنما هو لله عز وجل وبذا يضمن الحاكم والمحكوم على حد سواء الخوف من الوقوف في الجور أو انتشار الفساد وتفكك المجتمع والفرقة التي تنشأ في الغالب من البعد عن هدي الله عز وجل وهدي نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه وهذا بخلال الديمقراطية التي يكون الحاكم فيها مشرعا من دون الله تعالى إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:40]. فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59]. فإذا طبق الشعب والحاكم هذه المفاهيم كانوا صخرة قوية تتحطم عليها كل آمال الحاقدين وأعداء الملة وعاشوا في سعادة ووئام كأنهم أسرة واحدة. (قال ابن القيم رحمه الله: (فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، أتم دلاله وأصدقها، وهي نوره الذي أبصر به المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، فهي بها الحياة، والغذاء، والدواء، والنور، والشفاء، والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود، فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم، رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة). إذا تبيّن هذا، فليُعلم أنّ ما يُسمى (الديمقراطية) بمعناها الذي أراده مخترعوها، والدعاة إليها ـ فقد يُراد بإطلاقها جهلا أنها ما يُضاد الإستبداد فحسب ـ هي أعظم مناقضٍ للشريعة، والداعون إليها، هم الدعاة إلى أبواب جهنم، لأنهم هم الداعون إلى رفض الحكم بما أنزل الله تعالى، المبتغون حكم الجاهلية، ذلك أن الديمقراطية تعني اتخاذ أحكام البشر بإعتبار أصوات غالب ممثليهم، شريعة بديلة عن شريعة الله تعالى، مهيمنة بأحكامها على الأقوال، والأفعال، والأفكار، وجميع السلوك الإنساني، والعلاقات الدولية الداخلية، والخارجية، لها أنْ تحلّ ما حرّم الله، وتحرّم ما أحلّ الله تعالى. فهي أمّ القوانين التي تخلقها إفكا، وهي منبع الطواغيت التي تحدثها باطلا، وهي مصنع الجاهلية المعاصرة التي تصدّ عن سبيل الله تعالى، وتحارب شريعته. ومعلوم أن سدنة هذا الدين الجديد، يقولون إنّه لا يُحكم على السلوك الإنساني منفردا أومجتمعا في صورة دولة، بأنه صواب أو خطأ، فيكون جريمة، أم سلوكا مباحا، إلاّ بقانون، ولابد للقانون من مشرِّع يشرّعه، ومصدر يُحدثه، ويُنشئه: فإمّا إن يكون مصدره من غير البشر، وهو الله تعالى، عند أتباع الرسل. وإما أن يكون من البشر، وهذا الأخير لا يخلو:

إمّا أن يكون من حاكم مستبد، يفصل في الأمور برأيه، ويقضي فيها بحكمه وهذه هي الدكتاتورية التي ثارت عليها الشعوب في القرن الماضي، حتى ساد المذهب الثالث. وهو أن يكون مصدر التشريع هو حكم الأغلبيّة بحسب العدّ المحض، الذي يعدّ الرؤوس ولا يزنها، فيجعل العاقل الحكيم المصلح، مساويا للجاهل الأحمق المفسد، والمؤمن الصالح الأمين، مكافئا للكافر الفاسق الخائن، وسيد القوم الشريف سديد الرأي، معادلا للمرأة التي ربما تكون عاهرة .. فكلهم سواء في ميزان هذا الدين الجديد، فتُعدّ أصواتهم عدّا فحسب، ثم يُعرف بأكثر العدّ، الشرعُ الذي يجب أن يسيروا عليه، والنهج الذي يهديهم سواء السبيل! ولئن قال قائل إن هذا الحمق، والجهل، والضلال المبين، لا يمكن أن يتواطأ عليه العقلاء، لأنه يعرف بالبداهة فساده، ويتبين بمنطق الأمور مناقضته للعقل الصريح. فالجواب أنهم علموا أنّه لا فرق ـ في الحقيقة ـ بين هذا الدين الجديد، وما قبله، لأنّ فئة قليلة قادرة على التأثير على الغالب بالترغيب والترهيب، ستسيطر على عدد الأصوات، فيصير التشريع بأيديهم، علموا ذلك، غير أنهم وجدوا أنّ إبقاء اللعبة التي تُسمّى الديمقراطية، في ظاهرها تخدع الشعوب، وتخدّرهم يوم التصويت، أنفع لهم من المجاهرة بأنهم مستبدون، يبتغون الاستيلاء والهيمنة بشعارات خداعة. وهذا يُشبه ـ من وجه ـ ما يسمى الشركات المساهمة، حيث يظنّ المساهمون أنهم تّجار بما يملكون من أسهم في الشركات، بينما يتحكم في الشركات الكبار الذين يخدرونهم بتلك الخدعة، حتى يملكوا أموالهم، كما ملكت تلك الخدعة المسماة الديمقراطية عقولهم وإرادتهم، ولهذا قال أحد المفكّرين الغربيين: إنّ أكبر كذبتين في التاريخ هما الديمقراطية، والشركات المساهمة! ولهذا كان ما فيهما من الفساد العام، ومحق البركة من المجتمعات ما فيهما. والمقصود أنّ سدنة هذا الصنم قالوا: إنّ التشريعات التي تنتج عن حكم الأغلبيّة، مقدمة على كلّ حكم آخر حتى شريعة الله تعالى، وأنها ملزمة للشعوب، فهي شريعة كاملة، وأحكام نافذة، والخارج عليها مجرم، والمتمرد عليها خائن، والساعي في تعطيلها مرتد يحكم عليه أحيانا بالإعدام، أو الحبس المؤبد، أوالنكال الشديد، ثم جعلوا لهذا الدين خبراء يطوّرونه، أطلقوا عليهم اسم (فقهاء القانون) كما أطلقوا على آراءهم (الفتوى)، إمعانا في المضادة لشريعة الله تعالى واستبدالها بغيرها. وبهذا يتبين أن هذه القوانين الوضعية، ترجع إلى أصل عقدي، هو دين الديمقراطية، تنبثق منها على أساس إعتقاد أنّ الحكم بين الناس، والتشريع لهم، لا يرجع فيه إلى الله تعالى خالق البشر بل إلى البشر أنفسهم. ¤دليل العقول الحائرة في كشف المذاهب المعاصرة لحامد بن عبد الله العلي

ثالثا: أثر الديمقراطية على الأوربيين والحكم عليها

ثالثا: أثر الديمقراطية على الأوربيين والحكم عليها يتبين الحكم عليها من خلال جانبين هما 1 - الجانب الإيجابي على الأوربيين فقد عرفت حال أهل أوربا حينما كان رجال الدين وزعماء الإقطاع هم المسيطرون، ومدى ما قاسته الشعوب على أيديهم من أنواع الظلم الفادح والغبن الفاحش. وأن أولئك الطغاة لم يستيقظوا إلا على هدير الجماهير الصاخبة المطالبة برفع تلك الأغلال والأثقال بعد أن أفاق أولئك البؤساء ورأوا أوضاعهم المتردية وأحوالهم المعيشية المخزية فثاروا على تلك الأوضاع – وهم على صواب في ذلك – غير ما أخذ عليهم من أنهم لم يتوجهوا الوجهة الصحيحة التي تضمن لهم الخروج النهائي عن حكم البشر بعضهم لبعض واتخاذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله تعالى كما تبين من خلال الدراسة السابقة وقد عرفت أنهم أخذوا ينبشون عن أمجادهم السابقة علهم يجدون الخلاص فكان ذلك الخلاص هو العودة إلى الديمقراطية التي أماتها رجال الدين النصراني حينما كانت الغلبة لهم فكان أن استبدلوا بجاهليتهم القديمة جاهليتهم الحاضرة وتحت هذه الدعوى الخيالية – حكم الشعب نفسه بنفسه – بدءوا يرتبون لترقيتها وتطويرها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم بل واجتذبت إلى صفوفها أعدادا غفيرة بعضهم ما كان في حاجة إلى السير في ركابها كما كان الأوربيون في حاجة إليها حقيقة. وأن الأوربيين بدءوا في تنظيم حياتهم من نقطة الصفر كلما حققوا مكسبا تطلعوا إلى غيره ولا يأخذونه إلا بعد جهاد مرير وتلك المكاسب استخرجوها بقوتهم لم تمنحهم إياها الديمقراطية ابتداء كما يتصور البعض أن الديمقراطية مذهب نشأ في صورته الحالية وأنه لا ينقصه إلا التطبيق ومهما كان الأمر فإن ما وصلت إليه الشعوب الأوربية رغم نقصه يعتبر نصرا مؤزرا لهم وفاتحة طيبة للخلاص من حكم الإقطاع والبابوات الظالمين وبعض الشر أهون من بعض كما تقدم ذكره وما تقدم يمكن أن يعتبر جانبا إيجابيا في الديمقراطية بالنسبة للغرب رغم ما فيه من سلبيات. 2 - الجانب السلبي على الأوربيين فقد تبين من خلال الدراسة السابقة أن الديمقراطية تحمل في ظاهرها بريقا خلابا ولكن في حقيقتها هي عكس ذلك. 1 - أما بالنسبة لموقف السلطة وأصحاب الجاه والثراء فقد أتضح أن هؤلاء عرفوا كيف يحتالون على الشعوب ويوجهونهم لمصالحهم الخاصة قبل مصالح الشعوب الحقيقية بحيث يوهمون الشعوب أنهم حصلوا على كل ما كانوا يطالبون به وكان الرابح الحقيقي هم السلطة. 2 - أما ما تحقق في ظل الديمقراطية من التشجيع على الفساد الأخلاقي تحت تسمية الحرية الشخصية وما تحقق لهم من الدعوة إلى الإلحاد تحت تسمية حرية الكلمة أو حرية الأديان فإنه لا يعتبر مكسبا حقيقيا بل الصحيح أنه خسارة فادحة وإن سموه مكسبا وهذا باعتراف عقلائهم. 3 - ما تحقق من الابتعاد التام عن الالتزام بالدين أو التحاكم إليه إنما هو رجوع إلى الجاهلية التي يزعمون أن الإنسان البدائي كان يعيشها في حقبة ما قبل التاريخ كما يسمونها، فأي مكسب للشعب في رجوعه إلى تلك الحال. 4 - ما تحقق كذلك من نسيان اليوم الآخر وما أخبر الله به من الثواب والعقاب وما حل محله من التكالب على المتع الرخيصة والسير بلهفة للوصول إلى الشهوات والزخارف الجذابة التي تنتجها مصانع الشرق والغرب إن هو إلا ضلال وعبادة للدنيا وإرجاع للإنسان إلى الحيوانية البهيمية.

5 - ما تنادي به الديمقراطية من المبادئ البراقة ينقضه أنها لم تحقق للناس الألفة والمحبة والتراحم الذي جاءت به الشريعة الإسلامية فلا يزال السلب والنهب والاغتصاب وكثرة الجرائم هي السمة الظاهرة في الأنظمة التي تحكم بالديمقراطية فأين المكاسب في مثل هذه الأعمال، وأي أمن سيحصل في نظام من أبرز أسسه التي قام عليها تشريع البشر للبشر المتمثل في مجلس النواب وغيرهم من المشرعين من دون الله بقوانينهم التي تقوم على الهوى ومحادة الله فإن الديمقراطية قد كفلت لهم هذا الحق الذي أخذوه بغير حق والذي يعتبر من اتخاذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله فأي مكسب للإنسان المكرم في ظل هذه الاتجاهات الباطلة وأي مكسب سيجنيه الشخص من قانون الحرية الشخصية التي أتاحت كل الفواحش وأنواع الإجرام تحت دعوى حرية الشعب، ومن الغريب أن تضمن الديمقراطية الحرية في كل شيء إلا حرية التمسك بالدين الإسلامي ولقد صدق المتظاهرون في بريطانيا حين خرجوا يصيحون في الشوارع " لا حرية عندنا إلا في الجنس " ذلك لأن السفور والزنا واللواط وشرب الخمور والتبجح بالكفر كلها أمور ضمنها قانون حرية الديمقراطية التي يتبجح بها الغرب والمعجبون بهم من الدول التي يسمونها (الدول النامية) أو على الأصح (النايمة) تظن أن تلك الجرائم مكاسب. 6 - لم يتحقق في الديمقراطية تكريم الإنسان التكريم اللائق به وإنما تكريمه يتم حسب الأمزجة ومن خلال اعتبارات كثيرة بينما الإسلام يكرمه في كل أحواله سواء أكان فقيرا أم غنيا قبيحا أم جميلا وهذا هو المكسب الحقيقي الذي يجب أن يعض الإنسان عليه بالنواجذ فإن الإسلام يكرم الإنسان حيا وميتا يكرمه في حياته فلا يجوز الاعتداء عليه لا في ماله ولا في نفسه ولا في عرضه إلا بشروط ولا يجوز تعييره بذنب تاب منه ويكرمه وهو ميت فلا يجوز أخذ شيء منه ولا الاستهانة بقبره بل ولا يجوز مجرد الجلوس على قبره ولا أن يذكر بشر إلا لمصلحة راجحة ولا يجوز إخضاعه واستعباده إلا لربه سبحانه ولا أن ينفذ تشريع أحد من البشر لم يرد به تشريع من عند خالق البشر، بينما الديمقراطية قائمة على تشريع الناس بعضهم لبعض متمثلة في مجموعة من الناس يسمون شرعيين أو مجلس النواب أو البرلمان ثم يسمون ذلك لجهلهم مكاسب ديمقراطية. 7 - ما تمدح به دعاة الديمقراطية من أنهم ضمنوا للشعوب حق التعبير عن الرأي مهما كان فإنه قد أتضح من التاريخ الأوربي أن هذا الاتجاه لم يتحقق بطريقة صحيحة إذ أنه لا يزال لأصحاب الجاه والحكم والثراء سيطرتهم المباشرة أو غير المباشرة على رأي تتخذه الجماهير، فلم يصفو المشرب لهذا المكسب كما يجب له أو كما يتصور البعض بدليل عدم جواز وصول المعارضة إلى المساس الحقيقي بمصالح السلطة الحاكمة كذلك فإن حق التعبير عن الرأي هل ينفذ للجماهير؟ ما أكثر ما يعبرون عن آراء ويتظاهرون من أجلها ويضربون عن العمل لتنفيذها ولكنها لا تنفذ لهم وهو ما نسمعه في كل يوم من إذاعاتهم وما نقرأه في صحفهم وهذا الأمر ليس بسر إضافة إلى أن حق التعبير إنما كان بتخطيط ماسوني لضرب عقائد من يسمونهم بالجوييم. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 791

رابعا: الديمقراطية والشورى

رابعا: الديمقراطية والشورى المقصود بهذا العنوان هو تفصيل الأمر في قضية العلاقة بين النظام الديمقراطي وبين نظام الشورى في الإسلام. هل هما بمنزلة واحدة أم أنهما يختلفان اختلافا بعيدا أو قريبا؟ سنرى ذلك من خلال ما يلي: أما الديمقراطية فقد تقدمت دراستها وتفصيل أمرها، وأما بالنسبة للشورى فإليك بيان أهم ما يتعلق بها ليتضح لك من خلاله معرفة الفرق بينهما. معنى الشورى: تتلخص معاني الشورى في أنها محاولة إجماع الآراء حول القضايا المهمة ومعرفة الصحيح منها من مجموع تلك الآراء وقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم في أكثر من موضع ولجوانب مختلفة فيها الثناء والامتنان والإرشاد. - ففي بعض الآيات الثناء من الله تعالى على المؤمنين حينما تتآلف القلوب وتتحد الأهداف ويمثل الجميع جسما واحدا. قال تعالى: وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [الشورى: 38]، أي لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه ليتساعدوا بآرائهم. وفي بعضها أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يشاور أصحابه وأن هذه المشاورة منهم له هي رحمة من الله تعالى واصطفائه بالأخلاق الفاضلة قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران:159]. - وفي بعضها أمر وإرشاد للمؤمنين في حال الخصومة بينهم أن يلجأوا إلى التشاور فيما بينهم للوصول إلى الأمر الذي يصلح به كلا الفريقين فقال تعالى في شأن النزاع بين الزوج وزوجته: فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:233]. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم دائما يشاور أصحابه امتثالا لأمر الله تعالى له وكان يأخذ بالرأي السديد من أي شخص كان إذ أن طالب المشورة إنما يبحث عن الرأي الذي يبدو أنه يحقق المصلحة فقد شاور الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، وفي غزوة بدر، وفي أسارى بدر، وفي غزوة أحد، وفي غيرها من المواقف الكثيرة. والسؤال الوارد هنا هو هل هذا المفهوم للشورى في القرآن الكريم وفي السنة النبوية هو نفسه المفهوم الذي تحمله الديمقراطية؟ وما هو الدافع لكثير من المسلمين القول بأن الشورى في الإسلام هي نفس مفهوم الديمقراطية؟ والواقع أنه انخدع كثير من المسلمين بنظام الديمقراطية خصوصا جانب الانتخابات منها حين زعموا أن ذلك النظام هو مما دعى إليه الإسلام بل وفرضه على المسلمين وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ، ولا تنس كذبة الاشتراكية الإسلامية حينما افتروا وادعوا أن لها صلة بالإسلام وكذا الديمقراطية وسبب وقوعهم في هذا الخطأ هو ظنهم أنه لا فرق بين ذلك الانتخاب الغربي وبين مسألة الشورى التي دعى إليها الإسلام في قول الله عز وجل: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ، وهذا يدل على: 1 - جهلهم بحقائق الإسلام. 2 - جهلهم بما تحمله الديمقراطية من أخطار على الدين وأهله. 3 - وما تحمله كذلك من مساوئ في طريقة الديمقراطية في الانتخابات.

فإن نظام الانتخاب الديمقراطي هو أقرب ما يكون إلى الفوضى إذ هو قائم على صياح الجماهير لمن يختارونه بينما الشورى في الإسلام قائمة على اختيار أهل الحل والعقد من المسلمين لأفضل وأكفأ الموجودين في وقت أخذ البيعة كما أن النظام الديمقراطي قائم على الدعاية والوعود الخلابة من قبل المرشح لنفسه وما إلى ذلك دون أن يكون لبعضهم سابقة خير أو شهرة بالعلم والتقوى في كثير منهم بل يتكل على العامة، والعامة – كما يقال – لهم عقل واحد يتتابعون لترشيح الشخص بفعل تأثر بعضهم ببعض وبما يقدمه من الرشاوي. أما نظام الشورى في الإسلام فهو خال من ذلك كله فلا صياح للجماهير ولا دعايات كاذبة ولا رشاوى لاختيار المرشح وإنما يكتفي فيه بموافقة أهل الرأي والصلاح لاختيار أفضل الموجودين للحكم والبقية يكونون سندا للحاكم ومستشارين أمناء وليس له ولا لهم هدف في تقوية حزب على حزب ولا آراء على آراء ولا انحياز لفئة دون أخرى وإنما همهم كله متوجه لجلب مصلحة الجميع ودفع الضرر عن الجميع في حدود الشرع الشريف، بل وقد ورد في السنة النبوية ما يفيد أن طالب الولاية لا يعطاها وأن من طلبها وكل إليها ومن لم يطلبها وأعطيت له أعين عليها، فكيف يقال بعد ذلك بأنه لا فرق بين الديمقراطية وبين نظام الشورى في الإسلام؟! ألا يوجد فرق بين نظام يعتبر الوصول إلى السلطة مغنما وفوزا وبين نظام يعتبر الوصول إلى السلطة هماً ومسئولية كبرى في الدنيا والآخرة وبين نظام يقوم على الرشوة والوعود الخلابة ونظام لا يجيز ذلك بحال؟ وهنا مسألة أحب أن أنبه إليها لضرورتها وهي هل ما يظهر من التشابه في بعض الأمور بين الديمقراطية وبين بعض المفاهيم في الإسلام يجعلها في درجة واحدة؟ والجواب أن ما يظهر من التشابه بين النظام الديمقراطي وبين ما جاء به الإسلام في بعض الجوانب، الواقع أن هذا لا يجيز القول بأنه تشابه حقيقي في كل ناحية ولا يعطي الديمقراطية سبيلا إلى الاختلاط بمبادئ الإسلام الناصعة بل هو تشابه ظاهري يصح أن نسمي ما جاءت به الديمقراطية قشور بالنسبة لتعاليم الإسلام أو صدى من بعيد له فلا يجوز القول باستواء المكاسب في الديمقراطية وفي الإسلام لبعد حقيقة كل منهما عن الآخر. ومن العجب أن تمدح التعاليم الديمقراطية لأنها اكتشفت تلك الجوانب ولا يمدح الإسلام ويعترف له بالفضل وهو السابق لها بسنين عددا أليس الفضل للمتقدم؟ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]. لقد قل الإنصاف للإسلام حتى عند الكثير ممن ينتسب إليه من العاقين له الذين يحاولون أن يقدموا تعاليم الديمقراطية على تعاليمه ملتمسين أنواع الخدع والاحتيال لتنفيذ ذلك في نفاق تام وأساليب مختلفة في ديار الإسلام وبين ظهراني المسلمين وقد أتضح بصورة جلية أن أكثر ما يجتذب الناس إلى الديمقراطية الغربية إما الهرب من أحكام الدين وتكاليفه الشرعية إلى الفوضى الجماهيرية التي يجدون فيها الحرية الفوضوية بكامل صورها وإما بسبب ما تنادي به الديمقراطية من الرجوع إلى الشعب في الأحكام وهؤلاء يحبون هذا الجانب بحجة الحد من سلطان الحاكم وجبروته وهم جادون في ذلك.

أما القسم الأول فهم الغافلون الفوضويون من الجهال، وأما القسم الثاني فلعلهم لا يعلمون أن الإسلام لا يجعل الحاكم هو السلطان المطلق دون الرجوع إلى أحد. لا يعلمون أن الله قد أخبر أنه يجب أن يكون أمر المؤمنين شورى بينهم وكما أسند الله تعالى الحكم في بعض القضايا إلى أهل الرأي والمعرفة كالإصلاح بين الزوجين وما يحكم به الحكمان وكتقدير صيد المحرم وغير ذلك مما سبق فيه الإسلام الديمقراطية الغربية على أنه إذا وجد حاكم مسلم يتصف بالجور والطغيان وعدم الخوف من الله تعالى وعدم استطاعة أحد من الناس مراجعته أو الحد من طغيانه فهذا لا يعني أنه لا حل أمامنا إلا التزام الديمقراطية الغربية، بل الحل هو القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمطالبة بتطبيق الحق جماعة وأفرادا والوقوف الجماعي ضد أي تسلط بالباطل ببيان الحق وبذل النصح بصدق وإخلاص وسؤال الله له الهداية إلى غير ذلك من الوسائل المتاحة حتى يصل التغيير إلى أحسن أما إذا لم يكن هناك تغيير وإصلاح فإن المناداة بالديمقراطية لا يعطي الحل لهذه المشكلة أو غيرها حتى ولو زعم القائمون على السلطة بالتزامها فإن ذلك لا يجدي شيئا مع الإصرار على عدم التطبيق سواء تطبيق الإسلام وهو الحل الحقيقي أو تطبيق الديمقراطية وهو الحل الظاهري وكلا الحلين لا يأتيان تلقائيا للناس ما لم يكن هناك قائمون عليه وجادون في تطبيقه كما قال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]. والله تعالى عادل يحب العدل ولا يرضى بالظلم ولا يحب الصبر عليه: إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44]، فأي لوم يمكن أن يوجهه الخاملون الكسالى إلى الإسلام مع تفريطهم وعدم يقظتهم للتمسك بدينهم الذي يعيشون في ظله آمنين مطمئنين أخوة متحابين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ثم يفضلون عليه الأنظمة الوضعية البشرية التي تفسد أكثر مما تصلح أو يزعمون أنهما في درجة واحدة مع الإسلام فإنه يجب على هؤلاء أن يوجهوا اللوم إلى أنفسهم لا إلى الإسلام. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 796

خامسا: وقفات مع النظام الديمقراطي

خامسا: وقفات مع النظام الديمقراطي الوقفة الأولى: العلاقة بين الديمقراطية والعلمانيةالعلاقة بين الديمقراطية والعلمانية هي علاقة الفرع بأصله، أو علاقة الثمرة الخبيثة بالشجرة التي أثمرتها، فالعلمانية هي " مذهب من المذاهب الكفرية التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا، فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأخلاقية، والقانونية وغيرها، بعيدا عن أوامر الدين ونواهيه " (¬1). والديمقراطية تقوم أساسا على إسناد السيادة أو السلطة العليا للأمة أو الشعب وهذا يعني أن الكلمة العليا في جميع النواحي السياسية إنما هي للأمة أو الشعب. وعلى ذلك يمكننا القول: إن الديمقراطية مذهب من المذاهب الفكرية التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في جميع النواحي السياسية، فالديمقراطية إذن هي التعبير السياسي أو الوجه السياسي للعلمانية، كما أن الاشتراكية والرأسمالية تعبير اقتصادي عن العلمانية، وهذه العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية نستطيع أن ندركها بكل سهولة ويسر إذا علمنا أن نظرية العقد الاجتماعي التي تمثل الأساسي الفلسفي لنظرية السيادة التي تقوم عليها الديمقراطية، كانت في نفس الوقت تمثل الركن الأساسي في فكر زعماء الثورة الفرنسية التي أقامت دولة علمانية لأول مرة في تاريخ أوروبا المسيحية. الوقفة الثانية: لا ديمقراطية في الإسلام: وإذا قد تبينت لنا حقيقة الديمقراطية، وحقيقة الأصول والأسس الإلحادية التي تنطلق منها الديمقراطية، وتبين لنا ما اشتملت عليه من الكفر الغليظ والشرك بالله العلي الكبير، إذ تبين لنا حقيقة ذلك بكل وضوح وجلاء، يصبح من الأمور المنكرة جدا أن تسمع من يقول: إن " الديمقراطية من الإسلام " أو إن " الإسلام نظام ديمقراطي" أو " الديمقراطية الإسلامية " أو أشباه ذلك من الأسماء الملفقة من كلمة الحق وهي الإسلام، ومن كلمة الباطل وهي الديمقراطية. الوقفة الثالثة: النظام الديمقراطي باطل شرعا: والنظام الديمقراطي – بقيامه على أسس إلحادية كفرية – يصبح باطلا شرعا، وتصبح الديار أو البلاد التي تعلوها أحكامه ديارا أو بلادا خالية من الحاكم أو الوالي المعترف به شرعا، والذي له على الناس حق الطاعة وحق النصرة، وهذا يترتب عليه: أنه لا ولاية شرعية للنظام الديمقراطي على المسلمين. أن علاقة المسلم بهذا النظام هي علاقة البراء وليس الولاء. أن على المسلمين الذين تعلو ديارهم أو بلادهم أحكام النظام الديمقراطي، عليهم العمل لإزالة هذه الأحكام حتى تعلوها أحكام النظام الإسلامي. وقد كتب إمام الحرمين الجويني في كتابه (غياث الأمم) فصلا عظيما في ما يجب على المسلمين فعله عندما تخلو بلادهم عن الحاكم الشرعي المعترف به، فانظره فإنه مهم (¬2). الوقفة الرابعة: ليس في الديمقراطية خير تحتاج إليه خير أمة أخرجت للناس: كثيرا ما يحدث أن يقول بعض الناس: إننا لا نشك بأنه لا توجد ديمقراطية في الإسلام بهذا المعنى المذكور، والموجود فعلا في الدول النصرانية وغيرها من ملل الكفر، ثم يضيفون إلى هذا القول قولهم: ولكننا وجدنا في الديمقراطية بعض العناصر الطيبة مثل: حق الشعوب في اختيار حكامهم، ومساءلتهم بما يمنع من استبدادهم، وحقهم في إبداء آرائهم، وأن يكون لهم نصيب في إدارة شئون بلادهم، وحق في خيراتها ومواردها، يقولون: إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يمنع من أن نأخذ من الديمقراطية ما فيها من خير وندع ما فيها من شر؟! ¬

(¬1) جريدة الرياض, الجمعة 20 جمادى الأولى 1427هـ 16 يونيو 2006م, العدد 13871. (¬2) انظر: ((الصارم المسلول)) (3/ 962).

والسؤال على هذا النحو يدل على تلك الأمية الشرعية المتفشية في الأمة، وخاصة فيما يتعلق بالفقه الشرعي السياسي. والجواب يتلخص فيما يلي: قد ذكرنا من قبل أن أصول الديمقراطية وجذورها إنما هي أصول وجذور إلحادية كفرية، فما معنى أن ندع ما فيها من الشر؟ معناه أن تترك هذه الأصول وبالتالي ما نتج عنها أو تفرع منها، وإذا كنا سوف نترك أصول الديمقراطية فهل يمكن أن نقول عن نظام ليس فيه أسس الديمقراطية أنه نظام ديمقراطي؟! وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن الإصرار على التمسك بلفظ لا حقيقة له؟! وقد ذكرنا أيضا من قبل أنه في ظل النظام الديمقراطي لا يمكن الفصل بين ما يظن أنه حسن وبين ما هو خبيث، لأن الجميع يصدر عن أساس واحد. ثم نقول: وهل في الديمقراطية - أو في غيرها من النظم – شيء من الخير ينقصنا حتى يقال: نأخذ ما فيها من خير وندع ما فيها من شر؟! هل الأمة التي قال فيها الله عز وجل كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]. تحتاج في شيء من نظامها السياسي الذي هو جزء من دينها إلى ما عند أمم الكفر والضلال؟ إن من عقيدة الإسلام التي يعتقدها كل مسلم: أن ديننا لم يترك بابا من أبواب الخير إلا ودلنا عليه، ولم يترك بابا من أبواب الشر إلا وحذرنا منه. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه وينذرهم شر ما يعلمه لهم)) (¬1) فهل يسوغ في عقيدة المسلم – بعد ذلك – أن يقال: إن في النظام الديمقراطي عناصر طيبة أو نوعا من الخير تنقص النظام الإسلامي، ومن ثم فنحن في حاجة إلى استعارتها منه وتطعيم النظام الإسلامي بها؟! لقد بلغ من عناية الدين بالمسلمين أن علمهم كل شيء حتى أدب قضاء الحاجة، فهل يمكن أن تكون الهداية في مجال النظام السياسي غير كاملة حتى نحتاج إلى غيرنا؟ إن من المقاصد الأساسية في شريعة الإسلام إقامة دولة على أساس الإيمان، وتنظيمها تنظيما دقيقا محكما وصحيحا، يكفل الخير كله والحق كله والعدل كله لكل من أظلتهم راية الدولة الإسلامية، فهل يمكن أن يقال: إن هناك عناصر من الخير لازمة لدولة الإيمان لم تأت في شريعة الإسلام، ونحن في حاجة إلى استيرادها من أمم الكفر والضلال؟! إن ما يمكن أن يقال فيه: نأخذ ما فيه من خير، وندع ما فيه من شر، هو ما كان من قبيل المخترعات التي بنيت على الاكتشافات والتجارب المعملية، أو ما كان من قبيل الأمور المباحة التي تركها الله لنا لنجتهد فيها وفق ظروف العصر ومصالح الأمة، أما ما جاءنا فيه من الله ورسوله أمر أو نهي أو هداية أو إرشاد فلا خير إلا فيه، وليس في غيره خير نحتاج إليه. الوقفة الخامسة: الديمقراطية قاطع طريق على النظام الإسلامي: قد يبدو من الأمور الغريبة لدى كثير من الناس، والتي قد لا يدركون لها تفسيرا مقنعا، ما تظهره كثير من الدول الغربية الكافرة من نقمة أو مهاجمة لبعض الأنظمة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، بدعوى ما تمارسه هذه النظم من الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي، وكبت الحريات، وقتل واعتقال الآلاف من الناس، وترتفع فيها أصوات مطالبة بقطع المعونات، أو تقليل المساعدات، حتى تقوم في تلك البلاد أنظمة ديمقراطية تتعامل مع رعاياها بطريقة إنسانية تحفظ عليهم حريتهم وأمنهم واستقرارهم. يسمع هذا الكلام سامع، أو يقرؤه قارئ، فيحتار: هل وصلت الرحمة والشفقة بدول الكفر على المسلمين إلى هذا الحد، لدرجة أنهم يناصرون الشعوب المسلمة على حكامها الجائرين؟! شيء عجيب حقا! ¬

(¬1) نقل الإجماع على ذلك كثيرون منهم البغوي في ((شرح السنة)) (1/ 103)، وابن سحمان في ((الضياء الشارق)) (ص 349).

ولكن العجب يزول إذا علمنا أن ذلك ليس من أجل الرحمة والشفقة، وإنما من أجل قطع الطريق على النظام الإسلامي حتى لا يعود إلى بلاد المسلمين. الوقفة السادسة: طبقات المتكلمين بلفظ الديمقراطية أو الدعاة إليها في بلاد المسلمين: لقد تكلم بلفظ الديمقراطية ودعا إليه كثير من الناس على اختلاف مشاربهم وأفكارهم. فمنهم بعض العلماء وبعض المنتسبين إلى العلم ومن غريب الأمر لدينا نحن الآن أن نجد في كتابات هؤلاء كلمات مثل: ديمقراطية الإسلام، السيادة للأمة، الأمة مصدر السلطات، واشتراكية الإسلام، وأشباه ذلك من المصطلحات الدخيلة ذات الجذور الإلحادية التي وفدت إلى بلادنا مع الكفار المتغلبين على ديار الإسلام. وقد يزول هذا الاستغراب – ولو جزئيا – إذ أدركنا أن كل ما قاله هؤلاء في هذا الصدد لا وزن له من الناحية الشرعية، ولا قيمة له من الناحية العلمية، ذلك أن كثيرا منهم وقد دهمتهم الحضارة الوافدة بكثير من نظمها واصطلاحاتها لم يأخذوا الوقت الكافي للتفكير المتأني المتزن لمعرفة حقيقة هذه الألفاظ، بل وجدوا أنفسهم مدفوعين للكلام في هذه الأمور، التي لم يتمكنوا – لحداثة عهدهم بها – أن يدركوا ما فيها من الكفر والضلال، فاقتربوا منها وقالوا بها، وتأولوا في سبيل ذلك النصوص والأحداث التاريخية لتوافق هذه المصطلحات ونحن لا نتهم أحدا بسوء نية، ولكن أردنا التنبيه على ذلك حتى لا يفتر أحد بما قد يجده في هذه الكتابات من استخدام لهذه المصطلحات ومحاولة إلباسها ثوبا إسلاميا. ومن هؤلاء العلماء والمنتسبين للعلم من قد تبين له ما في هذه الدعوات والمصطلحات، من الزيغ والضلال، لكنهم في نفس الوقت رأوا الكثيرين من المسلمين المثقفين ثقافة غير شرعية، وقد أخذ بلبهم البريق الزائف لهذه المصطلحات حيث كان المجتمع المسلم – بعد سيطرة الكافرين عليه – يمر بمرحلة من الانهزام على كافة المستويات، وكان هم هؤلاء العلماء أن يحفظوا على العامة دينهم واعتقادهم، فأرادوا التوفيق بين ما جاء به الدين ودل عليه وبين ما جاء به هؤلاء فقالوا: إن السيادة للأمة وإن الأمة هي مصدر السلطات، ولكن قيدوها بقيود أفرغتها من مضمونها، فهم لم يقولوا بسيادة مطلقة أو سلطة مطلقة – كما هو المعروف في هذا المصطلح – وإنما قالوا بسيادة وسلطة مقيدة بقيد الشرع، وفي إطاره، ومع ذلك فإن هذا الكلام أيضا غير صحيح لأنه كلام متناقض ينقض آخره أوله، لأن السيادة – كما سبق تعريفها – هي السلطة العليا المطلقة التي لا تعلوها أو تدانيها سلطة أخرى، فكيف يقال: إنها سلطة وسيادة مقيدة، وإذا أمكن تقييد هذه السيادة أو السلطة كان المقيد هو صاحب السيادة وليس المقيد، وهذا يبين بطلان قول كل من يقول: إن الأمة أو الشعب - في النظام الإسلامي – هي صاحبة السيادة أو مصدر السلطات بشرط تقييدها بالشريعة؛ لأن هذا كلام ينقض بعضه بعضها، والسيادة في النظام الإسلامي هي للشرع، والأمة أو الشعب في مقام العبودية لله الواحد القهار لا في مقام السيادة. ومن المتكلمين بالديمقراطية أو الداعين إليها، قوم جمعوا بين حسن النية وسطحية التفكير، وقد ظنوا – وهم مخطئون قطعا – أن النظام الديمقراطي يحقق الخير والعدل، فأرادوا أن يبينوا للناس – بدافع حسن النية أو الغيرة على الدين – أن الإسلام قد سبق الديمقراطية بأربعة عشر قرنا من الزمان، وأن الديمقراطية قد جاء بها الإسلام وطبقها الخلفاء الراشدون!

ومنهم من خدع في الشعارات البراقة المعلنة مثل حق الناس في اختيار حكامهم، وحقهم في مساءلتهم، وحريتهم في التعبير عن آرائهم، وغير ذلك، وانطلت عليهم الخدع القاتلة بأن معارضة الديمقراطية تعني الموافقة على تضييع الحقوق وإهدار كرامة الإنسان، وتأييد الجور والطغيان. ومنهم دعاة ظنوا أن الديمقراطية قد توفر لهم قدرا من الحرية يستطيعون من خلاله أن يقوموا بواجب الدعوة، فنادوا بالديمقراطية (¬1). ومنهم دعاة أيضا رأوا في العمل على إرجاع الأمة إلى النظام الإسلامي احتياجا إلى جهود كبيرة وتضحيات جسام، فآثروا السلامة ونادوا بالديمقراطية لعلهم من خلال الحرية المتاحة أن يتمكنوا من إقامة النظام الإسلامي، ولكن هيهات. والحقيقة أن هذا التصور الذي يبدو أن فئات كثيرة ومجتمعات كبيرة عاملة في حقل الدعوة الإسلامية باتت في ظل البحث عن طريق سلمي آمن. يجنبهم كثيرا من تكاليف الجهاد وتضحياته، باتت تركن إليه وترفع لواءه، إنما يدل على غفلة كبيرة، وسذاجة في الفهم، وسطحية في التفكير. فهل هؤلاء نسوا أو تناسوا أن ما يدعونا إليه من إقامة النظام الإسلامي هو مناقض مناقضة كاملة وشاملة للنظام الديمقراطي؟! إذا كان هؤلاء لا يدركون فإن الديمقراطيين يدركون ذلك إدراكا حقيقيا، ولذا فإنك تراهم يخوضون - في مواجهة النظام الإسلامي – معارك شرسة على كافة المستويات وبشتى الوسائل والأساليب. وإذا كان التناقض تاما بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي، أفلا يكون من الغفلة والسذاجة والسطحية بمكان أن يتصور متصور أن الديمقراطيين يسعهم أن يتركوا المسلمين يستخدمون وسائل النظام الديمقراطي لتقويض النظام الديمقراطي نفسه والقضاء عليه! وإقامة النظام الإسلامي بدلا منه؟! إن بعض الجماعات في حقل العمل الإسلامي لجأت فعلا إلى الخيار الديمقراطي، واستطاعت أن تثبت أقدامها في الشارع السياسي، لكن لكم أن تعلموا ماذا حدث لها. إنه في الوقت الذي ظهر فيه سيطرة الحركة الإسلامية على الشارع السياسي تم الانقضاض عليها والفتك بها، فحورب بها أتباعها وطردوا وسجنوا وعذبوا بل وقتلوا. وكل ذلك يتم باسم من؟! باسم الديمقراطية التي نادوا بها. فهل أغنى عنه الخيار الديمقراطي من ذالكم من شيء؟! والأمثلة على ذلك في الواقع العملي كثيرة يدركها كل متابع للأحداث. ومنهم طائفة كبيرة – وهي تمثل السواد الأعظم من المتكلمين بالديمقراطية – لا تدرك حقائق الأمور، بل هي طائفة مقلدة لا تملك غير ترديد ما تبثه وسائل الأعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. وكل هذه الفئات فئات غالطة مخطئة فيما ذهبت إليه، فإنه لا يوجد شيء يبرر الدعوة إلى الكفر أو الثناء عليه أو حتى مجرد قبوله، وهذه نصوص الكتاب والسنة وأقوال جميع علماء الأمة بين أيدينا لا نجد فيها بإزاء الكفر غير القدح فيه والدعوة إلى هجره وجهاده وجهاد متبعيه، ولسنا نجد في هذه النصوص والأقوال أن الكفر يمكن أن يكون طريقا مؤديا إلى الإسلام. ومنهم – وهم الأشد خطرا – من يدعو إلى الديمقراطية وهو على علم بها وبأصولها إيثارا لها على النظام السياسي في الإسلام، وهذه الطبقة فيها كثير من الكتاب والأدباء والصحفيين، ومن يسمونهم المفكرين، وفيه اأساتذة في الجامعات وخاصة ممن درسوا القوانين الوضعية والنظم الغربية وتأثروا بها، وهؤلاء يمثلون فريقا من العلمانيين. ¬

(¬1) ((الشفا)) (2/ 1073).

ومنهم طائفة من أهل الملل الأخرى كاليهود والنصارى الموجودين في بعض بلاد المسلمين، والذين يرون في الديمقراطية نجاة لهم من الخضوع للنظام الإسلامي، في نفس الوقت الذي يتمكنون فيه من احتلال مراكز قيادية في ديار المسلمين في ظل هذا النظام، ما كان لهم أن يحتلوها في ظل النظام الإسلامي. الوقفة السابعة: وسائل الديمقراطيين والعلمانيين وغيرهم في محاربة النظام الإسلامي: للديمقراطيين والعلمانيين وغيرهم من أعداء الإسلام وسائل متعددة في محاربة النظام السياسي الإسلامي نظام " الخلافة "، وهذه الوسائل " تختلف " من بلد إلى بلد ومن زمان إلى زمان آخر بحسب وعي الشعوب المسلمة وفهمها لدينها ولنظامه السياسي، وبحسب قوة أو ضعف الصحوة الإسلامية فيه، فعلى حين تكون الحرب سافرة في البلاد التي يقل فيها وعي شعوبها بدينهم، أو تكون الصحوة فيها صحوة ضعيفة أو جزئية غير شاملة، تكون الحرب خفية أو غير صريحة في البلاد ذات الوعي القوي أو التي فيها صحوة قوية شاملة غير جزئية، ونحن هنا نرصد بعض الوسائل – لا كلها – التي من خلالها يقومون بمحاربة النظام الإسلامي للحيلولة دون رجوعه مرة أخرى. 1) فمن هذه الوسائل زعمهم أن الإسلام ليس فيه نظام سياسي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من عمله إقامة دولة وإدارتها، وأن عمله لم يتجاوز حدود البلاغ والإنذار المجرد من كل معاني السلطان، وأن الخلافة ليس لها سند من الدين، وأن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت بيعة سياسية ملكية قامت على أساس القوة والسيف، وأن الإسلام بريء من تلك الخلافة التي يعرفها المسلمون، وأنه لا شيء في الدين يمنع المسلمين من أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا نظام الخلافة ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم. كانت تلك إحدى وسائلهم وهي إنكار النظام السياسي في الإسلام جملة، وكانت هذه الكلمات السابقة هي مجمل ما افتراه على النظام السياسي الإسلامي الشيخ علي عبد الرازق القاضي الشرعي في كتابه: (الإسلام وأصول الحكم)، وممن قفا قفوه في إنكار النظام السياسي الإسلامي الكاتب خالد محمد خالد في كتابه: (من هنا نبدأ). لكنه بفضل الله وحده وقف لهم العلماء بالمرصاد وبينوا كذبهم وافتراءهم ومخالفتهم للنصوص القاطعة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة (¬1)، ولهذا لم يكن عجبا أن تعقد جلسة محاكمة للشيخ علي عبد الرازق من قبل شيخ الأزهر وباجتماع هيئة كبار العلماء ويتم فيها إخراجه من زمرة العلماء، لكن في الحقيقة إن الذي أتاه علي عبد الرازق إنما يخرجه من زمرة المسلمين لا من زمرة العلماء فقط. وقد خفت بحمد الله هذا الصوت بل محق، فلم نعد نسمع به، ولم يعد أحد يجرؤ على ترديده بعدما تبين عواره وبعدما افتضح أمر الداعين إليه، وأنهم إنما كانوا يرددون كلاما نقلوه من كلام أعداء الإسلام (¬2). وإذا كانت هذه الصورة من إنكار النظام الإسلامي صورة فجة ومستقبحة، فإن هناك صورة أخرى لإنكار النظام الإسلامي ولكن بطريقة أكبر ذكاء وأشد خبثا من الطريقة الأولى، وهذه الطريقة تعتمد على الهجوم على مصادر التشريع في الإسلام، وإخراجها عن أن تكون مصدرا للأحكام السياسية، وتوضيح ذلك فيما يلي: ¬

(¬1) انظر: ((نواقض الإيمان الاعتقادية)) (2/ 66 - 68). (¬2) انظر: ((حول الكلام في الفرق بين التكذيب والاستحلال)): ((نواقض الإيمان الاعتقادية)).

2) تقوم هذه الوسيلة على التسليم بأن الإسلام له نظام سياسي وأن الإسلام دين ودولة، وهذا أمر لا غبار عليه، ثم ينطلقون من هذا إلى القول بأن مصادر الأحكام السياسية (الدستورية) إنما هي الكتاب والسنة فقط، ويرفضون بقية أدلة الأحكام الأخرى حتى الإجماع عندهم مرفوض في مجال الأحكام السياسية ولو كان إجماع الصحابة رضي الله عنهم. ثم يخطون خطوة ثانية في مجال تفريغ اعترافهم السابق – بأن الإسلام له نظام سياسي – من مضمونه فيقولون: إن ذكر القرآن الكريم للأحكام السياسية: إنما كان على سبيل القواعد العامة لا الأحكام التفصيلية؛ ومعنى ذلك أنه ليس هناك أحكام محددة يجب التقيد بها في مجال النظام السياسي، وإنما هناك قواعد عامة فقط هي التي يجب التقيد بها وما يترتب على ذلك من إدخال نظام أو طرق غربية إلى النظام الإسلامي بدعوى أنها لا تتعارض مع القواعد العامة. ثم يخطون خطوة ثالثة لإفراغ المصدر الثاني عندهم وهو السنة من أن يكون مصدرا للأحكام السياسية – الدستورية – فيقولون: إن الأحكام التي جاءت بها السنة منها ما هو تشريع دائم ومنها ما هو تشريع وقتي مرتبط بزمن النبوة، ويقولون – وهم في ذلك كاذبون – أن السنة المتعلقة بالأحكام السياسية – الدستورية – كقاعدة عامة هي من ذلك النوع الثاني الذي يعد تشريعا وقتيا أو زمنيا، ثم لا يكتفون بهذا القدر حتى يضيفوا إليه قولهم: ولا يوجد أحيانا حد فاصل دقيق بين ما يعد من السنة تشريعا دائما، وما لا يعد كذلك وبهذا الطريق يكون هؤلاء قد أفرغوا الكتاب والسنة من أي مضمون يتعلق بالاحتجاج بنصوصهما في مجال مسائل الفقه السياسي – الدستوري -. 3) ومن وسائلهم في محاربة النظام السياسي الإسلامي: استغلال خطأ بعض الخلفاء أو الأمراء أو الحكام المسلمين، وإلصاق هذه الأخطاء بالنظام الإسلامي نفسه، وتشويهه به. أو استغلال استكانة كثير من أفراد الأمة – انطلاقا من فهم قاصر لبعض النصوص الشرعية – للظلم الواقع عليها من قبل الحكام، ومحاولة إظهار أن طبيعة النظام الإسلامي هي التي تملي على الشعوب الاستكانة والمذلة لحاكمها، وأن النظام الإسلامي نظام يكرس الاستبداد ويدعو إليه تحت شعار طاعة الأمير. 4) ومن وسائلهم أيضا القول بأن النظام الإسلامي نظام مثالي – ومثل هذه المقولة قد يفرح بها الذين لا يفهمون اصطلاحاتهم – ومرادهم بهذه المقولة أنه نظام غير للتطبيق، وإذا طبق فهو غير صالح لقيادة الحياة، وذلك لأن النظام المثالي - في عرفهم – لا يصلح إلا لأناس مثاليين، ولما كان الناس غير مثاليين بل فيهم الطيب وفيهم الخبيث، وحتى الطيب فهو عرضة للزلل، يكون النظام الإسلامي - على قولهم – غير قابل للتطبيق، أو غير صالح لقيادة الحياة. ويكفي في الرد على هذا الزعم الباطل أن يقال: إن النظام السياسي الإسلامي ظل يحكم دولة الإسلام منذ قيامها في المدينة المنورة بقيادة الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ولعدة قرون بعده، وفتح المسلمون في ظله مشارق الأرض ومغاربها، ورفعوا على ربوعها رايات الإسلام، ونشروا الحق والعدل بين الناس، وغيروا وجه التاريخ الإنساني، كل ذلك حدث باسم الإسلام، وفي ظل دولة الإسلام، فهل حدث ذلك في ظل نظام غير قابل للتطبيق، أو غير صالح لقيادة الحياة؟! 5) ومن وسائلهم أيضا: استخدام الكتابات التاريخية في محاولة تزييف تاريخ الدولة الإسلامية عبر قرونها المتطاولة، ومن خلال هذه الكتابات يصورون تاريخ الدولة الإسلامية المشرق على أنه سلسلة من المؤامرات والخيانات التي يقوم بها حاكم لكي يستولي على السلطة من الحاكم الذي يسبقه، معتمدين في ذلك على:

أ) كثير من الروايات التاريخية الباطلة أو المكذوبة، أو التي لا ترقى إلى المرتبة التي يحتج بها في إثبات القضايا التاريخية. ب) تأويل بل تحريف كثير من الروايات الصحيحة لإبطال ما دلت عليه من الحق والصواب. ج) استغلال جهل أكثر المسلمين بتاريخ دولتهم العظيمة، ومن خلال هذا الجهل تروج عليهم الأكاذيب. الوقفة الثامنة: وسائل الديمقراطية في إقناع المسلمين بالنظام الديمقراطي: للديمقراطيين وسائل كثيرة لمحاولة التمكين للنظام الديمقراطي في الدول الإسلامية وذلك للحيلولة دون رجوع النظام الإسلامي مرة أخرى إلى بلاد المسلمين. من هذه الوسائل: 1) محاربة النظام الإسلامي: وقد مر ذكر الكثير من وسائلهم في ذلك – لأن النظام الإسلامي هو الأقرب إلى قلوب المسلمين من كل ما عداه من الأنظمة، فلا يمكن أن يتم التمكين إذن لأي نظام يخالفه إلا بالهجوم على النظام الإسلامي وتشويهه، حتى يفقد المسلمون ثقتهم فيه، وبالتالي يسهل إقناعهم بما يخالفه من الأنظمة ومن هنا كانت حربهم للنظام الإسلامي حربا شرسة، استخدموا فيها كل أساليب الغش والخداع والتمويه والكذب، ولكن الله غالب على أمره: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8]. 2) الدعاية المكثفة للنظام الديمقراطي وتصويره على أنه النظام الوحيد الذي يكفل للشعوب ممارسة حريتها بدون قيود، وهو النظام الذي يمكن الشعوب من اختيار حكامها الذين نثق فيهم، ويمكنها أيضا من تغييرهم متى أساءوا استخدام السلطة الممنوحة لهم وخرجوا على مقتضى الدستور الذي ينظم حياتهم، وهو النظام الذي يعلي من إرادة الشعوب ويوفر لهم الحياة الآمنة المطمئنة. ونحن في هذا الصدد لا نستطيع أن ننكر ما تتمتع به الشعوب الغربية الديمقراطية ولو ظاهريا – من حرية، وأمن ومشاركة في إدارة شؤون بلادهم، وأن حاكمهم – مثلا – لا يستطيع بقرار أن يعتقل الآلاف أو يشكل لهم المحاكم لتعلقهم على أعواد المشانق، نحن لا نستطيع أن ننكر هذا، ولا أن ننكر أنهم يتمتعون ببعض من كرامة الإنسان، ولكن!! أولا: هل هو فعلا النظام الوحيد الذي يوفر مثل هذا؟! نحن لا نريد أن نعقد موازنة أو مقارنة بين الديمقراطية نظام الباطل، وبين الخلافة نظام الحق، ولكن نقول فقط: إن كل ما يظهر أنه أمر حسن في هذه النظم، فالموجود في نظامنا أفضل منه وأطيب، غير أنه موجود على نحو خالص من الاختلاط أو الامتزاج بالمعايب والسيئات التي رأينا نماذج منها في النظام الديمقراطي. والذي يستطيع أن يجزم به كل منصف – وهو آمن أن يقع في الكذب – أن النظام الإسلامي هو النظام الوحيد الذي يوفر الخير كله في جميع نواحي الحياة، غير ممتزج بشيء من الشر أو المعايب. والنصوص في ذلك كثيرة جدا سواء من الكتاب أو السنة، لا يتسع المقام لذكرها، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقني إلى كتابة مفصلة وميسرة عن النظام السياسي الإسلامي لتوضيح كل هذه الأمور والقضايا، بحيث يتمكن معها القارئ – ولو كان ذا ثقافة محدودة – من إدراك هذا الموضوع على حقيقته إدراكا كاملا. ثانيا: إن الحرية في النظام الديمقراطي ليست حرية حقيقية، لأنها قائمة أساسا على اتخاذ طائفة من الناس – قلت أو كثرت – أربابا وآلهة، يشرعون لهم، فهي في حقيقتها عبودية طائفة من البشر لطائفة أخرى من البشر، وإن اتخذت في ظاهرها شكل الحرية.

ثالثا: هل هذه الحريات المطلقة من جميع القيود والتي توفرها الديمقراطية هل تحقق الكرامة الكاملة للإنسان؟! والجواب: قطعا لا، لأنه إذا كان من كرامة الإنسانية التعامل معه على أنه إنسان وليس حيوانا، فليس من الكرامة في شيء أن يجتمع - في ظل النظام الديمقراطي – مجلس النواب، وتدور المناقشات، وتؤخذ الاقتراحات والآراء، ثم ينقض المجلس، وقد أقر قانونا يبيح للرجل أن يعقد عقدة النكاح على رجل مثله! وقد تقدم ذكر ذلك والأمثلة على هذا الفساد العريض والإباحية الجنسية التي توفرها الديمقراطية تملأ الأسفار، فأين كرامة الإنسان في هذا؟! من أجل ذلك نقول: إن الكرامة التي توفرها الديمقراطية للإنسان هي كرامة ملوثة بقاذورات تفقدها كل قيمة لها، إذ ما قيمة النظر إلى الإنسان في جانب على أنه إنسان بينما يعامل في كثير من الجوانب الأخرى على أنه أدنى منزلة من الحيوان؟ والبديل ليس هو تلك النظم الجائرة المستبدة الموجودة في كثير من بلاد المسلمين، فما إلى هذا ندعو، ولكن البديل الذي ندعو إليه هو النظام الإسلامي الذي يوفر الحرية الحقيقية مبرأة من كل سوء ودنس، القائمة أساسا على ربوبية الله وإلاهيته لجميع الخلق. رابعا: الحرية المتاحة على أوسع أبوابها - في النظام الديمقراطي – هي حرية الفساد والرذيلة، وكل ما يناقض الأخلاق والدين، أما الحرية السياسية التي هي من الناحية النظرية لب الديمقراطية – كما يقولون – فإنها حرية ظاهرية أو صورية، وانظر إلى ما يشهد به أحد الباحثين حيث يقول: (إن الحرية في الديمقراطية الغربية، هي بحق حرية القادرين، ذلك أن حرية الرأي والصحافة والأحزاب، بل والرأي العام نفسه أصبحت صناعة يمكن أن تصنع وفق ما تضع لها الحكومة من مواصفات، وككل صناعة عمادها التخطيط والتمويل، وهذان العنصران متوفران لدى القلة المحتكرة من الرأسماليين، وهم بحق المسيطرون على أنظمة الحكم بغير جدال). 3) ومن وسائلهم أيضا محاولة إلباس الديمقراطية ثوبا إسلاميا: أو القول: إن الديمقراطية هي التطبيق العصري أو الحديث لنظام الشورى في الإسلام، ولا بأس – عندهم - في ترويج هذه الفرية من الاستعانة ببعض القواعد الشرعية المنضبطة بقواعد وضوابط الشريعة مثل المصالح المرسلة، وصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، واختلاف الفتوى باختلاف الأحوال أو الزمان، الاستعانة بهذه القواعد من غير مراعاة لضوابطها لترويج باطلهم المذكور بين الناس. وهذه الوسيلة يكثر استخدامها في الأماكن التي فيها صحوة إسلامية، فلكي يمرروا الديمقراطية فيها، فلا بد لهم من إلباسها زيا إسلاميا. ¤حقيقة الديمقراطية لمحمد شاكر الشريف

سادسا: مثالب الديمقراطية في الحقوق والحريات

سادسا: مثالب الديمقراطية في الحقوق والحريات للديمقراطية مثالب كثيرة، منها ما يلي: أولاً: لا تنظر الديمقراطية إلى حقوق الله على عباده، ولا تنظر بعدل إلى الحقوق العامة، وحقوق المجتمع على الأفراد فهي منحازة بإسراف لجانب الفرد وإطلاق حريته. ثانياً: تخضع الديمقراطية لدى وضع الدستور والقوانين والنظم لأهواء أعضاء المجالس النيابية، واللجان التي تفوض في وضعها، أو وضع مشروعاتها. وغالباً ما يحرك هذه المجالس أفراد معدودون، ويوجهونها حسب أهوائهم، وبوسائلهم وأحابيلهم الشيطانية. وتظفر بنصيب الأسد فيها غالباً بعض الطبقات الاجتماعية، التي تسخر التطبيقات والمؤسسات الديمقراطية لصالحها، أو يظفر بنصيب أسد فيها الأفراد المحركون لها، والموجهون لمسيرتها وآرائها ومناقشاتها. وتتدخل عناصر (الحيلة، والذكاء، والمال، والشهوات، ومطامع المناصب، وشراء الضمائر، وتزوير ارادات الجماهير بأساليب شتى، في استغلال المجالس وتجميع الأصوات وتحريك الجماهير الغوغائية والتغشية على الأفكار والبصائر وإبعاد كل رأي صحيح عن مجال رؤية الجماهير له، وصناعة الضجيج الإعلامي المشوه للحقائق والمزين للباطل) لإقرار المواد الدستورية أو القانونية أو التنظيمية التي تحقق مصالح أصحاب الأهواء الشياطين الماهرين بأساليب استغلال التنظيمات الديمقراطية ومؤسساتها وتطبيقاتها. ثم لأنواع المكر والكيد التي تمارسها الأحزاب السياسية الديمقراطية تأثير كبير في جعل الحق باطلاً، والباطل حقاً، وخداع الجماهير الذين يدلون بأصواتهم للموافقة على مشاريع الدساتير والقوانين والنظم، أو انتخاب الذين يتحملون الأعباء التشريعية أو الإدارية. هذا إذا لم يتم تزوير الانتخاب بتبديل الصناديق التي ألقى المقترعون فيها أوراق انتخابهم، بصناديق أخرى مشابهة لها في الظاهر، وما في باطنها مزور تزويراً كليا. وكم حدث هذا في مزاعم انتخابات ديمقراطية وكانت الحصيلة (مئة في المئة) لصالح المزور أو الآمر به، أو "99.9%" أو نحو ذلك. ثالثاً: إن الديمقراطية باعتبارها تنادي بأن الدين لله والوطن للجميع، وأن شأن الأقليات في الدولة كشأن الأكثرية في الحقوق والواجبات، تمكن الأقليات من التكاتف والتناصر، لاستغلال الوضع الديمقراطي، ضد الأكثرية ومبادئها وعقائدها ودينها. وتمكنها أيضاً من التسلل إلى مراكز القوة في البلاد، ثم إلى طرد عناصر الأكثرية رويداً رويداً من هذه المراكز، بوسائل الإغراء، وبالتساعد والتساند مع الدول الخارجية المرتبطة بالأقليات ارتباطاً عقدياً أو مذهبياً أو سياسياً أو قومياً، أو غير ذلك. وتصحو الأكثرية من سباتها بعد حين، لتجد نفسها تحت براثن الأقلية، محكومة حكماً ديكتاتورياً ثورياً من قبلها، مع أنها لم تصل إلى السلطة إلا عن طريق الديمقراطية. لقد كانت الديمقراطية بغلة ذلولاً أوصلت أعداء الأكثرية وحسادها والمتربصين الدوائر بها، إلى عربة ثيران ديكتاتورية الأقلية. رابعاً: الديمقراطية وفق مبادئها المعلنة حقل خصيب جداً، لتنمية أنواع الكذب والخداع والمكر والحيلة والدس الخبيث والغش والخيانة والغدر والغيبة والنميمة والوقيعة بين الناس وتفريق الصفوف ونشر المذاهب والآراء الضالة الفاسدة المفسدة، إلى سائر مجمع الرذائل الخلقية الفردية والجماعية. لتتخذ هذه الرذائل وسائل وأحابيل للشياطين، حتى يستأثروا بكل السلطات في البلاد، وكل خيراتها وثوراتها وحتى يتمكنوا من مطاردة الدين وأنصاره وحماته والمتمسكين به، وإماتة الحق والخير والفضيلة. خامساً: الحريات الشخصية في الديمقراطية حريات مسرفة، تفضي إلى شرور كثيرة وانتشار فواحش خطيرة في المجتمع ومآلها إلى الدمار الماحق.

سادساً: الحريات الاقتصادية في الديمقراطية حريات مسرفة، تفضي إلى عدوان المحتالين على حقوق الشرفاء ونشر الاستغلال والاحتكار، وحيل سلب الأموال وتمكين الغشاشين والمقامرين والمرابين والمحتكرين والرائين والمحتالين ومستغلي السلطة الإدارية أو العسكرية من تحقيق مكاسب مالية وفيرة بالظلم والعدوان وهضم الحقوق وأكل أموال الناس بالباطل والغلول في الأموال العامة. سابعاً: حق كل مواطن في المساواة السياسية في الحكم، دون شرط الإسلام والعدالة الشرعية والأهلية للمشاركة في الرأي أو المساهمة في الاقتراع أو الانتخاب والاختيار، يفضي إلى نسف دعائم الدولة الإسلامية، وجعلها علمانية غير دينية، أو تمكين الأرذال من اعتلاء سلطة الحكم، وتحويل الدولة إلى دولة فساد وإفساد، وفسق وفجور، وفحش في الأقوال والأعمال، وشر كبير. وقد يلعب أعداء الأمة بالجماهير غير الواعية، فيركبون ظهورها، ويصلون بذلك إلى حكم الشعب رغم إرادته، عن طريق تزوير إرادته نفسها. ثامناً: حق الفرد في ترشيح نفسه للحكم في الديمقراطية، يجعل طلاب مغانم الحكم يتنافسون عليه، ويتقاتلون من أجله، ويسلكون مسالك كثيرة غير شريفة للوصول إليه، ويبذلون أموالاً طائلة، أملاً بأن يعوضوها أضعافاً مضاعفة، متى ظفروا بالحكم. ¤كواشف زيوف لعبد الرحمن حسن حبنكة ص707 - 710

المطلب الرابع عشر: القومية

أولا: المقصود بالقومية القومية فكرة وضعية نشأت أول ما نشأت في البلاد الأوروبية شأن غيرها من الحركات والأفكار التي تبحث عن التفلت من رابطة الدين ويلاحظ أن دعاتها قد اختلفوا في المفهوم الصحيح لها هل هي بمعنى تجمع أمة من الناس وارتباط بعضهم ببعض هدفا وسلوكا وغاية. إما لانتمائهم إلى لغة واحدة – كما يرى القوميون الألمان – وإما لانضوائهم في عيشة مشتركة – كما يرى القوميون الفرنسيون – أم أنها لكليهما. أو أنها لغير ذلك من أمور سياسية واقتصادية كالاشتراك في المعيشة الاقتصادية كما يرى الماركسيون أو الاشتراك في التاريخ واللغة في البلد الواحد كما يرى كثير من دعاة القومية العربية ساطح الحصري ومن سلك سبيله بحيث يحسون أنهم جميعا كتلة واحدة وأن ما يجري على البعض من آلام وآمال هو ما يجري على الكل فتقوم قوميتهم على هذا المفهوم. إنه خلاف مرير بين القوميين على تعريف القومية ولكنهم جميعا متفقون على أن إبعاد الدين خصوصا الإسلامي أمر حتمي لانتعاشها. والقوميون العرب دائما يصرحون بأن الدعوة إلى القومية ليس معناها الدعوة إلى الدين لأن كل الناس عباد لله تعالى وكلهم يريدون الحياة السعيدة في الدنيا وما بعد الحياة الدنيا وهذا لا شأن للقومية به بل يعتبرونه الدعوى إلى الدين دعوى ناقصة عن تحقيق طموحات القوميين بل إنها رجعية في نظرهم ويجب فصله عن الدولة أيضا. انسياقا مع مفاهيم الحركات الأوروبية التي قامت في البداية على القومية وحرب الدين بل وصل طمع دعاة القومية أن تكون بديلا عن النبوات وأن نبوة القومية يجب أن يبذل لها كل غال ورخيص وأن يكون الإيمان بها أقوى من كل الروابط وجعلوها في الكفة الأخرى مع الإيمان بالله تعالى وأنها يجب أن تكون هي الديانة لكل عربي وأخذوا يتباكون على مصير العرب حينما لا يتم تحقيق هذا الدين الجديد الذي سيخلص العرب من كل سيطرة أجنبية ويرفعون رؤوسهم عالية أمام كل أجنبي – ليس بعربي (بزعمهم) ولا ريب أنها دعوات جاهلية ليس ورائها إلا الخراب سوءا أكانت الدعوة إلى القومية أو إلى الوطنية. فلا عزة للعرب ولا استرجاع لحقوقهم إلا بالتمسك بالدين الحنيف. إن القومية والوطنية كلتاهما نعرتان جاهليتان خرجتا من أوروبا الجاهلية وفي هذا يقول فرنارد لويس: " فالليبرالية والفاشية والوطنية والقومية والشعوبية والاشتراكية كلها أوروبية الأصل مهما أقلمها وعدلها أتباعها في الشرق الأوسط " (¬1) أحلها القوميون والوطنيون محل الدين ورؤوا أن الاجتماع عليها خير وأنفع من الاجتماع على الدين وذلك للاختلاف الواضح بين الناس في قضية التدين حسب زعمهم بخلاف القومية والوطنية التي تضم كل أفراد القوم وجماعاتهم ليكونوا مجتمعا واحدا لا خلاف فيه لاتحادهم التام في الانتساب إلى القومية أما الوطنية التي تقبل كل تناقضات المذاهب المختلفة وهي في الواقع لا تقبلها كما يدعون بل ترمي بها كلها وتؤخذ بدلا عنها شعار القومية – والوطنية ومن هنا قدسوها ورفعوها فوق كل اعتبار واجتمعوا على التفاخر والتباهي بها حتى صار كل قوم يدعون أنهم هم أفضل الجنس البشري وغيرهم في الدرجة الدنيا ولهذا تسمع وتعجب حين يفتخر كل قوم أو كل شعب بأنهم أرقى أمة وأفخرها فما دام قد انحل الوكاء فما الذي يمنع كل جنس أو قوم من الافتخار بل والتعالي على الآخرين راكبين كل صعب وذلول في تقرير ذلك فكثرت تبعا لذلك القداسات المزيفة لهذه الفئات من البشر كما كثرت الأماكن والأراضي المقدسة عندهم كما يقتضيه شرح القومية والوطنية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي ¬

(¬1) ((مجموع الفتاوى)) (11/ 405).

ثانيا: كيف ظهرت القومية؟

ثانيا: كيف ظهرت القومية؟ أساس ظهور القومية في شكل مذهب جماعي وله دعاته المتحمسون له كان من البلد المضياف لكثير من الآراء والمذاهب المختلفة – أوروبا – كما عرفت وكان سبب ظهورها هو نفس الأسباب التي أظهرت بقية المذاهب الفكرية فيها متوخية الرغبة الشديدة في هدم سلطة الكنيسة الطاغية التي سامتهم سوء العذاب – كما تقدم – إضافة إلى ما كان يعيشه الأوروبيون من شريعة الغاب والظلم والعدوان وسوء الأخلاق في معاملة بعضهم وعدم وجود الدين الصحيح الذي ينير لهم الحياة، فكان ظهور القومية هناك مظهرا مشاركا لبقية مظاهر الخروج والانفلات عن سلطة الكنيسة وقبضة رجالها وكانت القومية هي إحدى معاول الهدم التي تكاثرت على الكنيسة بعد أن بدأت الكنيسة تترنح للسقوط النهائي إثر إفاقة الشعوب الغربية الأوروبية على واقعهم الشنيع من الذل والخوف والتنكيل والقتل الجماعي والجهل المركب والأحكام الجائرة على أيدي فئة تزعم أنها تمثل الرغبة الإلهية في كل ما تأتي وتذر، فظهرت القومية كغيرها من الأفكار الأخرى ووقفت من الدين وأهله نفس المواقف للنظريات الإلحادية الأخرى ويظهر أنه لم يكن لديهم أي جامع أو رابط يقدمونه لشعوبهم غير هذا الرابط الجديد الذي داروا حوله بكل جد وقدسوه إلى أن أوصلوه قريب الألوهية علهم يجدون فيه عزاءً عن الالتجاء إلى الإله الذي كان هو السبب في إذلالهم على أيدي رجال الكنيسة الذين كانوا يمثلونه في الأرض كما قرره زعماء الكنيسة الرهبان لهم لتحقيق شهواتهم وافتراء على الله تعالى، وعلى هذا فإن ظهور القومية في أوروبا وعامة دول العالم المسيحي إنما كان لتلك الأسباب الظاهرة وغيرها وكان لهم ما يبرر ذلك الخروج فيما ظهر من أحوالهم – وإن لم يكن مبررا حقيقيا – وبعد خروجهم ذلك الهوا كل ما راق لهم ومنها القومية التي قدسوها وزينوا أمرها لكل الشعوب لتكون العزاء والبديل عن الدين النصراني ورجاله يقول الندوي: " ولا يزال القوميون في داخل البلاد وخارجها يزينون للشعوب الصغيرة القومية ويطرون أدبها ولسانها وثقافتها وتهذيبها ويمجدون لها تاريخها حتى تصبح نشوانه بالعواطف القومية والخيلاء والكبرياء وتدل بنفسها وتظن أنها مانعتها حصونها وما أعدت للحرب وتنقطع عن العالم وتتحرش أحيانا بالدول الكبيرة غرورا بنفسها أو تهجم عليها الدول فلا تلبث إلا عشية أو ضحاها وتذهب ضحية لقوميتها وانحصارها في دائرة ضيقة ولا يغني أولئك المسؤولون عنها شيئا كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [الحشر:16] (¬1). ومن الجدير بالذكر أن القومية كانت في نشأتها لا يرمي أهلها إلا إلى الخلاص من قبضة رجال الدين وتنفس الصعداء من الأغلال التي كانت عليهم. ولكن ما إن تم لهم ذلك الخلاص المنشود حتى انتقلوا نقلة أخرى فصاروا لا يقنعون بذلك الخلاص وإنما تطلعوا إلى ظلم الآخرين والبغي عليهم واستعمار الضعفاء من الناس واستعبادهم وحصل من وراء ذلك شر عظيم وفتن عريضة وحروب ثم انقلب السحر على الساحر فأصبحوا في دوامة القومية التي لا تعقل ولا ترحم ونبغت قرون الشر في رأس كل فريق من القوميين كل ينوح على ليلاه وكل فتاة بأبيها معجبة فانتعش بينهم فن المفاخرات لضرورة الحاجة إليه في ظل القومية التي لم يقم بناؤها في الأساس إلا على هذا المسلك البغيض في بداية تكوينها في أوروبا. ¬

(¬1) انظر: ((لسان العرب مادة)) " ش ك ك ".

وبعد أن سار ركب القومية في أوروبا يحطم بعضه بعضا وكثرت الحروب بينهم نتيجة التعصبات القومية الشعوبية الهوجاء عاد الأسد إلى عرينه فقام مفكروهم وقادتهم بالدعوة الجادة إلى نبذ القومية وأنها رجعية وليست تقدمية حضارية ويجب نبذها وأنها تمثل أفكار "هتلر" النازي حين قسم العالم على أساس عرقي أفضلهم ألمانيا. ولأن مسلك التقدم والحضارة لا يتماشى مع مسالك القومية الضعيفة فلفظتها أوربا لتقع في أيدي المخادعين والماكرين من النصارى العرب وغيرهم ليتموا حاجة في نفس يعقوب بعد أن بيتوا النية لحرب الإسلام كما سنذكر ذلك في موضعه. يقول د. صلاح الدين المنجد: " تنبه العرب إلى فكرة القومية في أوائل القرن بعد أن مضى على موتها في أوروبا فترة طويلة بتأثير الغرب " (¬1). ومما يذكره الباحثون عن القوميات الأوروبية وسبب ظهورها أن البدايات الأولى لظهور القوميات هناك. كان أثر النزاعات التي احتدمت بين رجال الدين الكنسي والملوك حول الأحقية بالسيطرة والأمر والنهي هل هم الملوك فقط أم رجال الدين فقط وكاد أن يتم الحل بينهم على أن تكون السلطة الأمنية للملوك والسلطة الروحية للبابوات. إلا أن الأمور انحدرت إلى هاوية سحيقة كانت هي ثالثة الأثافي وهو النزاع الشرس الذي نشب بين رجال الدين أنفسهم وما وقع بين الكنائس من عداوات خرجت تباعا عن الكنيسة الأم في روما وتعصبت كل كنيسة لآرائها – كاثوليك – بروتوستانت – إصلاحيات ... إلخ وانفلت الأمر وصار الحبل على الغارب فقام كل فريق بتكوين نفسه ومذهبه فانتشرت المذاهب والأفكار ومنها قيام القوميات (¬2) على ذلك النحو وأخذ النزاع طابعا قوميا. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي ¬

(¬1) رواه مسلم (27). (¬2) رواه مسلم (31).

المطلب الخامس عشر: القومية العربية

أولا: التعريف حركة سياسية فكرية متعصبة، تدعو إلى تمجيد العرب، وإقامة دولة موحدة لهم، على أساس من رابطة الدم واللغة والتاريخ، وإحلالها محل رابطة الدين. وهي صدى للفكر القومي الذي سبق أن ظهر في أوروبا. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: بداية ظهور القومية العربية

ثانيا: بداية ظهور القومية العربية لا يعرف على وجه الدقة تحديد نشأة الحركات والأفكار في الغالب أما بالنسبة للقومية فإن الباحثين يذكرون أن ظهورها في أوروبا كان في الفترة التي كان رجال الفكر والتحرر – كما يسمون أنفسهم – يبحثون عن بديل للعقيدة النصرانية الخرافية الجائرة والانفلات من قبضة رجال ذلك الدين الجامد المتخلف وكان ذلك في حدود القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين واشتد عودها في القرن التاسع عشر الميلادي، وقد أثنى دعاة القومية على الثورة الفرنسية التي كانت هي البداية الأولى لظهور القوميات حيث عرف بعدها أن الحكم يجب أن يكون للشعوب وليس لفئة من الناس هم الحكام وأن الحرية يجب أن تشمل جميع الأمة بالتساوي وشعار الجميع الإخاء وأصبح هذا المبدأ الثلاثي الحرية، المساواة، الإخاء هو مصدر إلهام الجماهير في زعم دعاة القومية وقد زعموا أن القومية العربية إنما أثارها التوجه الأوروبي للقومية حيث نشأ دعاة القومية العربية متأثرين بذلك التيار في أوروبا فأصبحوا يلهثون للحاق بركبهم، والواقع أن الذي أثار القومية العربية وكان لهم اليد الطولى في الدعوة إليها في بلاد المسلمين إنما هم النصارى العرب لإدراكهم فائدة التفاف العرب المسلمين على القومية بدلا عن الدين الذي لا يتوافق مع دمج المسلم وغير المسلم في حظيرة واحدة، فجاء القوميون العرب من النصارى وغيرهم وأخذوا يكيلون المديح لهذه القومية وأن العرب في حاجة شديدة إلى قيامها إن أرادوا العزة والمنعة واحترام سائر الأمم لهم بزخرف من القول وظلت تستعر نارها وتشتد تدريجيا من معين الحقد على الدولة العثمانية. ظهرت بدايات الفكر القومي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين متمثلة في حركة سرية تألفت من أجلها الجمعيات والخلايا في عاصمة الخلافة العثمانية، ثم في حركة علنية في جمعيات أدبية تتخذ من دمشق وبيروت مقرًّا لها، ثم في حركة سياسية واضحة المعالم في المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس سنة 1912م. وفيما يلي إشارة إلى أهم الجمعيات ذات التوجه القومي حسب التسلسل التاريخي: ـ الجمعية السورية: أسسها نصارى منهم: بطرس البستاني وناصيف اليازجي سنة 1847م في دمشق. ـ الجمعية السورية في بيروت: أسسها نصارى منهم: سليم البستاني ومنيف خوري سنة 1868م. ـ الجمعية العربية السرية: ظهرت سنة 1875م ولها فروع في دمشق وطرابلس وصيدا. ـ جمعية حقوق الملة العربية: ظهرت سنة 1881م ولها فروع كذلك، وهي تهدف إلى وحدة المسلمين والنصارى. ـ جمعية رابطة الوطن العربي: أسسها نجيب عازوري سنة 1904م بباريس وألف كتاب يقظة العرب. ـ جمعية الوطن العربي: أسسها خير الله خير الله سنة 1905م بباريس، وفي هذه السنة نشر أول كتاب قومي بعنوان الحركة الوطنية العربية. ـ الجمعية القحطانية: ظهرت سنة 1909م وهي جمعية سرية من مؤسسيها خليل حمادة المصري. ـ جمعية (العربية الفتاة): أسسها في باريس طلاب عرب منهم محمد البعلبكي سنة 1911م. ـ الكتلة النيابية العربية: ظهرت سنة 1911م. ـ حزب اللامركزية: سنة 1912م. ـ الجمعيات الإصلاحية: أواخر 1912م وقد قامت في بيروت ودمشق وحلب وبغداد والبصرة والموصل وتتكون من خليط من أعيان المسلمين والنصارى. ـ المؤتمر العربي في باريس: أسسه بعض الطلاب العرب سنة 1912م. ـ حزب العهد:1912م وهو سري، أنشأه ضباط عرب في الجيش العثماني. ـ جمعية العلم الأخضر: سنة 1913م، من مؤسسيها الدكتور فائق شاكر. ـ جمعية العلم: وقد ظهرت سنة 1914م، في الموصل.· هذا وقد ظلت الدعوة إلى القومية العربية محصورة في نطاق الأقليات الدينية غير المسلمة، وفي عدد محدود من أبناء المسلمين الذين تأثروا بفكرتها، ولم تصبح تياراً شعبيًّا عامًّا إلا حين تبنى الدعوة إليها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر حين سخر لها أجهزة إعلامه وإمكانات دولته. ويمكن أن يقال إنها الآن تعيش فترة انحسار أو جمود على الأقل. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي وكذلك أصبحت الدعوة في تركيا إلى القومية الطورانية التركية، والذين دعوا إلى القومية الطورانية التركية كانوا من اليهود، وهذا شيء ثابت؛ حتى إن أحد المؤرخين الأمريكان اسمه واتسون يقول: (إنه لا يوجد أحد في حركة الاتحاد والترقي - الحركة القومية التركية - من أصل تركي حقيقي، وإنما هم من اليهود وغيرهم! - أي: يدعون إلى القومية التركية وليس فيهم رجل واحد من أصل تركي - والذين يدعون إلى القومية العربية ليس فيهم مسلم، وأكثرهم - أيضاً - أصولهم أعجمية ونصارى). ¤القومية العربية لسفر الحوالي

ثالثا: أخطار الحركة القومية

ثالثا: أخطار الحركة القومية من هنا يجد الإنسان المفارقة، ويعلم أنها كانت كلها تهدف لتحقيق التمزق والفرقة بين المسلمين؛ لمعرفتهم بأخطار الحركة القومية في أوروبا التي قد عانت وذاقت الأمرَّين من الفكر القومي والتمزق القومي، فجاءت وصُدِّرت هذا الفكر إلى العالم الإسلامي، في حين بدأت هي تكون التحالفات والتكتلات الأممية والعالمية التي ظهرت في الحرب العالمية الأولى ثم في الثانية، وبعد الحرب العالمية الثانية انتهت القوميات في أوروبا واختفت. والآن يريدون إخفاء الوطنيات تماماً لتصبح أوروبا أمة واحدة لا وطنية فيها فضلاً عن القومية، ولأنهم ذاقوا مرارة القومية فأرادوا أن يُصدِّروها لتفتيت العالم الإسلامي؛ فظهرت الدعوة الطورانية أو التركية، وأرادت أن تفرض اللغة التركية على جميع العرب، وفي المقابل ظهر الدعاة القوميون العرب - وأكثرهم من النصارى - ثم تبعهم الشيعة والدروز وأمثالهم - ينادون بالعروبة واللغة العربية والأمة العربية. في الحرب العالمية الأولى كانت البداية عندما اتفق فيما يسمى اتفاقية سايكس بيكو على تقسيم الخلافة العثمانية بين دول الغرب، فجاءت الحركة القومية العربية وجيشت جيوشاً؛ وحاربت مع الإنجليز ضد الدولة العثمانية، فعندما أراد الصليبيون أن يدخلوا إلى القدس كانت رايتهم تضم جموعاً عديدة منها: الإنجليز، والعرب القوميون - الذين انضموا إلى الإنجليز في قتال إخوانهم في الإسلام "الترك" - ودخل الإنجليز القدس، وبانتهاء الحرب العالمية انتهت الخلافة العثمانية تماماً، وتمزق العالم الإسلامي، ونفذت اتفاقية "سايكس بيكو ". وظهرت الأفكار الوطنية والقومية، وكانت في مصر أكثر ما تكون وطنية، وأما في بلاد الشام فإنها كانت قومية. ثم تطورت الحركة القومية وجمعية العربية الفتاة - كما يسمونها - وحرصت على تأسيس رابطة قومية تجمع العرب، وبارك الغرب هذه الرابطة وشجعها؛ بل إن الذي اقترحها في الأصل كمنظمة هو "أنطونيا إيدن " الذي كان وزير خارجية بريطانيا، ثم أصبح رئيس وزراء بريطانيا، فاقترح فكرة إنشاء جامعة الدول العربية، فأنشئ بروتوكول الإسكندرية ثم جامعة الدول العربية. وكان الذين أسسوها واجتمعوا ووقعوا ميثاقها هم - قبل قيام هذه الجامعة - كانوا أعضاء في جمعية العربية الفتاة وأشباهها من الجمعيات التي كانت قائمة في ذلك الزمن، وأوضح الكتب على هذا كتاب (نشأة القومية العربية) لمحمد عزة دروزة لأنه كان واحداً منهم، وكذلك الشاعر "خير الدين الزركلي " صاحب الأعلام، واحداً من هؤلاء القوميين، وشعره وحياته يذكر فيها هذا الشيء كذلك. رئيس بلاد الشام "شكري القوتلي " كان من جمعية العربية الفتاة، ووقع ميثاق جامعة الدول العربية، فنشأ الفكر القومي بعد ذلك حتى قامت ثورة الحزب البعثي، واستطاع بقيادة "ميشيل عفلق " أن يؤسس فكرة عقدية قوية جداً تحكم الآن العراق وسوريا، وله وجود قوي في ليبيا وفي السودان وهم الآن - تقريباً - أقوى حزب في موريتانيا. وبعد الحرب العالمية الثانية نسيت القوميات تماماً في أوروبا، فأصبحت التكتلات عقائدية وعسكرية، وأصبحت أوروبا في الحقيقة معسكرين: حلف وارسو، وحلف الناتو شمال الأطلسي، فأما حلف شمال الأطلسي فيضم الولايات المتحدة الأمريكية ومعه دول غرب أوروبا كلها على اختلاف مللها ومذاهبها الدينية وقومياتها. وأما حلف وارسو فيضم الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية الشيوعية على اختلاف أجناسها وأعراقها التي أصبحت كتلة واحدة بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام (1945م).

وبعدها وقع ميثاق جامعة الدول العربية؛ ثم ظهرت هذه الأحزاب وأسس حزب البعث، فلما ظهر المعسكر الشرقي الاشتراكي اندمجت الفكرة الاشتراكية في الحركات القومية والوطنية - لأنها كلها مستوردة من الغرب - فقامت الثورة المصرية وحَوَّلَها جمال عبد الناصر من فكرة وطنية إلى فكرة قومية، وقبل جمال عبد الناصر لا تجد في مصر إلا إشارات إلى العرب أو العروبة ككل، وإنما كانت الفكرة الراسخة في مناهج التعليم وفي الصحافة والإعلام والشعر هي الشعارات الوطنية الفرعونية ... إلخ، وبعد أن جاء جمال عبد الناصر أنشأ إذاعة صوت العرب، والصحافة العربية، والفكر العربي، والأمة العربية من المحيط إلى الخليج، فأجج الفكر العربي القومي. وفي المقابل - أيضاً - جاء البعثيون بشعار: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" فكان هذا هو شعار حزب البعث، فبدءوا ينشرون هذا المبدأ، وكان الصراع على أشده بين هؤلاء وهؤلاء، مع أن جمال عبد الناصر دعا إلى الاشتراكية مع القومية العربية، وأولئك مع الوحدة العربية دعوا إلى الاشتراكية؛ إذاً: هؤلاء اشتراكيون وهؤلاء اشتراكيون، لكن الخلافات الحزبية بينهم، واختلاف الولاءات - هذا مع الغرب وهذا مع الشرق - كانت على أشدها، والذي يجمع الجميع أنهم لا يريدون الإسلام، فالغرب - سواء كان شرقاً أو غرباً - لا يريد أن يكون هناك أي تجمع باسم الإسلام، كما عبر لويس وغيره في أوضح ما يمكن، فقال: (إن الغرب أراد ألا يكون هناك أية رابطة أو جامعة إسلامية، وإنما يكون المبدأ القومي هو الذي يجمع هذه الشعوب جميعاً). ¤القومية العربية لسفر الحوالي

رابعا: الأفكار والمعتقدات

رابعا: الأفكار والمعتقدات يعلي الفكر القومي من شأن رابطة القربى والدم على حساب رابطة الدين، وإذا كان بعض كتاب القومية العربية يسكتون عن الدين، فإن بعضهم الآخر يصر على إبعاده إبعاداً تامًّا عن الروابط التي تقوم عليها الأمة، بحجة أن ذلك يمزق الأمة بسبب وجود غير المسلمين فيها ويرون أن رابطة اللغة والجنس أقدر على جمع كلمة العرب من رابطة الدين. حيث إن أساسها إبعاد الدين الإسلامي عن معترك حياة العرب السياسية والاجتماعية والتربوية والتشريعية فإنها تعد ردة إلى الجاهلية، وضرباً من ضروب الغزو الفكري الذي أصاب العالم الإسلامية، لأنها في حقيقتها صدى للدعوات القومية التي ظهرت في أوروبا. يصفها سماحة الشيخ ابن باز بأنها: "دعوة جاهلية إلحادية تهدف إلى محاربة الإسلام والتخلص من أحكامه وتعاليمه ". ويقول عنها: "وقد أحدثها الغربيين من النصارى لمحاربة الإسلام والقضاء عليه في داره بزخرف من القول .. فاعتنقها كثير من العرب من أعداء الإسلام واغتر بها كثير من الأغمار ومن قلدهم من الجهال وفرح بذلك أرباب الإلحاد وخصوم الإسلام في كل مكان ". ويقول أيضاً: "هي دعوة باطلة وخطأ عظيم ومكر ظاهر وجاهلية نكراء وكيد سافر للإسلام وأهله". يرى دعاة الفكر القومي ـ على اختلاف بينهم في ترتيب مقومات هذا الفكرـ أن أهم المقومات التي تقوم عليها القومية العربية هي: اللغة والدم والتاريخ والأرض والآلام والآمال المشتركة. ويرون أن العرب أمة واحدة لها مقومات الأمة وأنها تعيش على أرض واحدة هي الوطن العربي الواحد الذي يمتد من الخليج إلى المحيط. كما يرون أن الحدود بين أجزاء هذا الوطن هي حدود طارئة، ينبغي أن تزول وينبغي أن تكون للعرب دولة واحدة، وحكومة واحدة، تقوم على أساس من الفكر العلماني. يدعو الفكر القومي إلى تحرير الإنسان العربي من الخرافات والغيبيات والأديان كما يزعمون. ـ لذلك يتبنى شعار: (الدين لله والوطن للجميع). والهدف من هذا الشعار، إقصاء الإسلام عن أن يكون له أي وجود فعلي من ناحية، وجعل أخوة الوطن مقدمة على أخوة الدين من ناحية أخرى. ـ يرى الفكر القومي أن الأديان والأقليات والتقاليد المتوارثة عقبات ينبغي التخلص منها من أجل بناء مستقبل الأمة. ـ يقول عدد من قادة هذا الفكر: نحن عرب قبل عيسى وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام. ويقرر الفكر القومي أن الوحدة العربية حقيقة، أما الوحدة الإسلامية فهي حلم. ـ وأن فكرة القومية العربية من التيارات الطبيعية التي تنبع من أغوار الطبيعة الاجتماعية، لا من الآراء الاصطناعية التي يستطيع أن يبدعها الأفراد. ـ كثيراً ما يتمثل دعاة الفكر القومي بقول الشاعر القروي: هبوني عيداً يجعل العرب أمةً وسيروا بجثماني على دين بَرْهَمِ سلام على كفرٍ يوحِّد بيننا أهلاً وسهلاً بعده بجهنمِ ـ يقول بعض دعاة الفكر القومي: إن العبقرية العربية عبرت عن نفسها بأشكال شتى، فمثلاً عبرت ذات مرة عن نفسها بشريعة حمورابي، ومرة أخرى بالشعر الجاهلي، وثالثة بالإسلام. ـ وقال أحد مشاهيرهم: لقد كان محمد كل العرب، فليكن كل العرب محمداً. يرى دعاة الفكر القومي أن من الإجرام أن يتخلى العربي عن قوميته، ويتجاوزها إلى الإيمان بفكرة عالمية أو أممية، مع أن إبعاد الإسلام عن معترك حياة العرب ينهي وجودهم. يقول بعض مفكري القومية العربية: إذا كان لكل عصر نبوته المقدسة، فإن القومية العربية نبوة هذا العصر. ـ ويقول بعضهم الآخر: إن العروبة هي ديننا نحن العرب المؤمنين العريقين من مسلمين ومسيحيين، لأنها وجدت قبل الإسلام وقبل المسيحية، ويجب أن نغار عليها كما يغار المسلمون على قرآن النبي والمسيحيون على إنجيل المسيح. ويقرر بعضهم الآخر أن المرحلة القومية في حياة الأمة، مرحلة حتمية، وهي أخر مراحل التطور كما أنها أعلى درجات التفكير الإنساني. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية الدعوة القومية التي ظهرت في أوروبا وتأسست بتأثيرها دول مثل إيطاليا وألمانيا. يظهر الواقع أن الاستعمار هو الذي شجع الفكر القومي وعمل على نشره بين المسلمين حتى تصبح القومية بديلاً عن الدين، مما يؤدي إلى انهيار عقائدهم، ويعمل على تمزيقهم سياسيًّا حيث تثور العداوات المتوقعة بين الشعوب المختلفة. يلاحظ نشاط نصارى بلاد الشام وخاصة لبنان، في الدعوة إلى الفكر القومي أيام الدولة العثمانية، وذلك لأن هذا الفكر يعمق العداوة مع الدولة العثمانية المسلمة التي يكرهونها، وينبه في العرب جانباً من شخصيتهم غير الدينية، مما يبعد بهم عن العثمانيين. من بعض الجوانب يمكن أن يعد ظهور الفكر القومي العربي رد فعل للفكر القومي التركي الطوراني. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: الانتشار ومواقع النفوذ

سادسا: الانتشار ومواقع النفوذ يوجد كثير من الشباب العربي ومن المفكرين العرب الذين يحملون هذا الفكر، كما توجد عدة أحزاب قومية منتشرة في البلاد العربية مثل حركة الوحدة الشعبية في تونس، وحزب البعث بشقيه في العراق وسوريا، وبقايا الناصريين في مصر وبلاد الشام، وفي ليبيا. · كثير من الحكام يتبارون في ادعاء القومية وكل منهم يفتخر بأنه رائد القومية العربية ويدعي أنه الأجدر بزعامتها! يلاحظ أن الفكر القومي الآن هو في حالة تراجع وانحسار. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سابعا: كيف تسربت دعوى القومية إلى البلدان العربية والإسلامية؟

سابعا: كيف تسربت دعوى القومية إلى البلدان العربية والإسلامية؟ البلدان العربية والإسلامية أعزها الله بالإسلام الذي يجعل أتباعه كالجسد الواحد. وقد عاش المسلمون ردحا من الزمن ما كانوا يعيرون القومية الجاهلية أدنى اهتمام سواءً كانوا حكاما أو محكومين. إلى أن بدأ المسلمون في الضعف والتقهقر فنفذ أعداء الإسلام مخططاتهم بتفريقهم على أيدي القوميين وحينئذ مدوا أيديهم إلى فتات الغرب القذر. فإذا بهم أمام القوميات فدخلها الكثير من أوسع أبوابها مصدقين الدعايات الغربية أنها ثقافة وعلم مادي أوصلت الغرب إلى ما هو عليه من التقدم والرقي. بزعمهم ولم يفطن إلا القليل جدا إلى خطر القوميات وأبى الكثير بسبب ما كان عالقا بأذهانهم من وجوب استعادة الأمجاد السابقة للآباء والأجداد يساعدهم في هذا الاتجاه كل أعداء الإسلام من الصليبيين الذين تكبدوا في حروبهم مع المسلمين أفظع الهزائم التي لم يعرف في التاريخ لها أي مثيل ومستغلين كذلك الحملة ضد الحكم العثماني التركي على أيدي الصليبيين العرب في لبنان وسوريا. يقول محمد قطب: "وقد كانت دعاوى القومية والوطنية المصدرة عن عمد إلى العالم الإسلامي من بين وسائل الغزو الفكري الذي استخدمه الصليبيون المحدثون في غزو العالم الإسلامي " (¬1). وكان أوسع الأبواب لدخول القومية إلى بلدان المسلمين هو المناداة بإقامة الأمجاد والمفاخر – الزائفة – بالتراث الجاهلي الذي سلبه الأتراك ممثلا في الدولة العثمانية بزعمهم وكان الذي فتح هذا الباب الواسع هم اليهود الذين هم وراء كل جريمة فقد أشعلوا الخلاف الشديد بين الأتراك الذين ما كانوا يعيرون القومية التركية أدنى اهتمام وبين العرب الذين كان ولاؤهم للإسلام. فجاء دعاة القومية وحرضوا الأتراك على إقامة قوميتهم الطورانية كما حرضوهم على تتريك العرب أيضا ليتم التصادم بين الجميع وأنه لا يجب على الجميع احترام القومية الطورانية. ورمز الذئب الأغبر الذي تجتمع عليه قومية الأتراك وتم لجمعيات اليهود أن ينادوا بتمجيد القومية الطورانية بالنسبة للأتراك حيث جعلها عدو الله أتاتورك بديلا عن الدين الإسلامي وعرفوا كيف ينفخون في أذهان العرب بإيجاد أنفة شديدة في نفوسهم من خضوعهم للأتراك وقامت الدعايات والمؤامرات والكتاب وكل وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة قامت كل تلك الوسائل كالصاعقة لإحياء تلك النعرات الجاهلية القومية والوطنية عند العرب والأتراك جميعا وما تبع ذلك من الرغبة الشديدة في إشعال الثورات المتلاحقة للتخلص من الحكم العثماني بفعل دسائس أعداء الإسلام من اليهود والنصارى في رد فعل عارم على القومية الطورانية. وكان ذلك كله بمرأى ومسمع من دهاة البشر وخبثائهم الدول الغربية المؤيدة لليهودية العالمية إلى أن سقطت الخلافة العثمانية جسما هامدا وجاء الحكام الجدد الذين لا هم لهم إلا تثبيت كراسيهم في الحكم على مفهوم القومية والوثنية ثم البعثية وصاروا يرددون كالببغاوات كل ما يسمعونه من مختلف الشعارات البراقة وكان أول بلد نجم عنه قرن القومية لبنان وسوريا بزعامة نصارى هذين البلدين- عيون الغرب الصليبيي في بلاد المسلمين – ومنها انتشرت الدعوة إلى القومية والوطنية بتأثير الدعايات والدراسات في الغرب وشراء الضمائر .. وما إلى ذلك من الوسائل الكثيرة التي استخدمت لإيصال هذه الأفكار وإخراجها كأمر واقع لابد منه لإيجاد الأمجاد العربية؟!. ولقد كان لليهود نصيب الأسد في إحياء القومية الطورانية لحقدهم الشديد على الدولة العثمانية التي أبت أن تمنحهم موضع قدم يمتلكونه في فلسطين وغيرها من بلدان المسلمين فكان من الطبيعي أن يستغل اليهود تلك النعرة الجاهلية ليحققوا من ورائها أهدافهم في الإطاحة بالخلافة الإسلامية ممثلة في السلطان عبد الحميد – رحمه الله – الذي قال: " لن أبيع ولو قدما واحدا من البلاد وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا وليحتفظ اليهود ببلايينهم " (¬2). ومن ها هنا قرر اليهود إنشاء جمعية " الاتحاد والترقي " والحقيقة أنها عكس هذا الاسم تماما – وكل أعضائها فيما يذكر الباحثون أنهم غير أتراك وغير مسلمين حقيقة وكانت المساعدات المالية تأتيهم كلها من الدول الغربية النصرانية ومن يهود الدونمة. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 921 ¬

(¬1) ((معارج القبول)) (1/ 378). (¬2) انظر مثلا: مجلة قضايا إسلامية معاصرة، عدد (31، 32) (شتاء وربيع 2006م).

ثامنا: نتيجة ظهور القومية بين المسلمين

ثامنا: نتيجة ظهور القومية بين المسلمين تبين من الحوادث التاريخية أن دخول القومية إلى البلاد الإسلامية والعربية بخصوصها إنما كان بدافع الحقد الصليبي واليهودي والرغبة في تمزيق الوحدة الإسلامية والانتماء إلى الإسلام لأن الانتماء إلى العربية سيسهل عليهم مهمة استعمارهم لبلدان المسلمين بعد أن يفرقوا بين العرب وسائر إخوانهم المسلمين على طريقتهم " فرق تسد " وهو ما وقع بالفعل فما أن ضربت القومية بجرانها على بلاد العرب إلا وتفرقوا فرقا وأحزابا لا يلوي بعضهم على بعض في عنجهية جاهلية قومية فتمكن المستعمرون أعداء الإسلام منهم حين عرفوا من أين تؤكل الكتف فتخطفوهم وأخرجوهم من دينهم الإسلامي إلا من حفظه الله تعالى وأخذوا طرقا كثيرة من بلادهم – وفلسطين أقوى شاهد - على ما وقع فيه المسلمون العرب من ضياع وهزيمة والعراق الذي يعيش اليوم مرارة هزيمته على أيدي الصليبيين ومن قبل ذلك أسبانيا والبرتغال والهند وغيرها. ومن الجدير بالذكر أن ظهور القوميات لم يستفد منها أحد مثلما استفاد منها اليهود حين نادوا بالتعصب لقوميتهم اليهودية المتمثلة في الصهيونية وذلك لأن اليهود – وهو أمر مهم – قد مزقهم الله تعالى وشتتهم بسبب خبثهم ورعونة أخلاقهم وهذا الشتات يشكل خطرا عليهم أن يذوبوا في المجتمعات التي يعيشون فيها وأقوى ضمان لبقاء تماسكهم هو تعزيز القومية في نفوسهم لكي يتم ربطهم بها فكانت القومية مفيدة لهم بقدر ما هي ضارة بأمة تربطهم عقيدة واحدة مهما اختلفت قومياتهم وواقع الجميع أقوى شاهد على ذلك (¬1) على حد ما قاله أحد الشعراء: وتفرقوا شيعا فكل قبيلة ... فيها أمير المؤمنين ومنبر أما بالنسبة لاستفادة النصارى من وراء قيام القوميات فحدث ولا حرج فلقد غرسوها بين المسلمين وتعاهدوها بكل ما تحتاج إليه وما لا تحتاج إليها حتى أتت ثمارها الخبيثة التي كانوا يتوقعونها وقد ملؤوا الدنيا صياحا ونياحا على عودة العرب إلى القومية العربية وإلى التراث المجيد؟! الذي كان للعرب قبل مجيء الإسلام وإلى حضارات الفينيقيين والآشوريين والفراعنة .. الخ. فكم ألفوا من الكتب نثرا ونظما لملأ عقول الناس بتقبل القومية التي ستكون هي المنقذ الوحيد للعرب من الذل وسيطرة غيرهم عليهم والتي أيضا ستكون هي النبتة الجميلة لبدايات التطور والتقدم ونبذ الماضي البغيض – هو الإسلام – الذي أخر عجلة تطور الدول الإسلامية .. إلى آخر الدعايات التي أجادوا حبكها والتخطيط لها وتكاتفت جهود الأقليات النصرانية واليهودية المبثوثة بين المسلمين وجهود الدول الاستعمارية الصليبية التي كانت تتربص بالمسلمين الدوائر متمثلة في أمريكا وبريطانيا وأسبانيا والبرتغال وغيرها من دول النصارى صارت كل هذه القوى الهائلة تحت تنظيم دقيق وخطط أعدت في غاية من الدهاء والخبث لإدخال فكرة القومية إلى عقل كل مسلم وأن العرب بخصوصهم لا منقذ لهم غير هذه القومية المباركة التي ستجمعهم وتؤلف بين قلوبهم وتجعلهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؟! وكانت دعوة القومية كعملة ذات وجهين الوجه الأول منها هو تلك الصورة الوردية والحلم السعيد والوجه الآخر هو ذلك الباب الذي ظاهره من قبله العذاب والذي صمم لتفريق وتشتيت الداخلين فيه تلقائيا وقد تمثل نشاط النصارى في الإرساليات التبشيرية والاستشراقية وفي إقامة نقاط التواصل القوي والتخطيط المشترك بين النصارى المنبثين في المجتمعات الإسلامية وبين النصارى الخارجين عنهم مستخدمين تلك الأساليب والوسائل التي تقدمت دراستها والنصارى على يقين من أن القومية لو انتصرت فإن انتصارها سيكون نصرا لكل نصراني في بلاد العرب فهي قوة في حقيقتها لهم حيث يكون شأنهم مثل شأن كل المسلمين وكل أصحاب الأديان لأن الرابط الجديد القومية والوطنية تعطيهم هذا الحق الذي لا يمنعه إلا الدين إذ لا يجتمع الحق والباطل وقد تأكد لدى كل نصراني أن إحلال القومية محل الدين هو السبيل لاستحمار المسلمين واستعمارهم ومن هنا نجد أن نصارى العرب كانوا الجواسيس الناصحين للنصرانية الغربية ومن أوفى المؤازرين لها ومن أكثر الناس نشاطا وأكثرهم اجتماعات ومؤامرات ومؤتمرات لدراسة كل الوسائل التي يستفيدون منها لإبعاد الإسلام وإحلال القومية محله. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 924 ¬

(¬1) انظر: ((نواقض الإيمان الاعتقادية)) (2/ 180).

تاسعا: ماذا يراد من وراء دعوى القومية؟

تاسعا: ماذا يراد من وراء دعوى القومية؟ من البديهي أنه لا يراد من وراء هذه الدعوى وجه الله عز وجل ولا إقامة شرعه ليكون للناس نورا يعيشون به. ولا يراد بها كذلك إعلاء شأن المسلمين وإقامة مجدهم وعزهم لأن مسلك القومية ونهايتها لا تؤدي إلى هذه النتيجة وعلى الافتراض البعيد نقول لو كان الهدف من وراء نشر القومية هي تلك الأهداف النبيلة بزعمكم لكان في تعاليم الإسلام والتمسك بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يغني ويكفي عن تعاليم القومية المخالفة لهما بل المضادة لهما ولو كان الهدف من ورائها إعلاء شأن المسلمين لكان في السير على نهج سلفنا الصالح ما لا يحتاج معه الشخص إلى أي شعار جديد يدعو الناس إلى الالتفاف حوله والنضال في سبيله. وما زعمه القوميون – كذبا وزورا – من أن القومية العربية ستكون فجرا جديدا على العرب كافة إن هي إلا منكر من القول وزور بل كانت ظلمة وجهالة وتفريقا وتمزيقا لا يزال المسلمون يتجرعون غصصها إلى اليوم وكانت على – الحقيقة – فجرا جديدا وعهدا زاهرا فقط على اليهود والنصارى الذين برزت قرونهم عالية تحت مظلة القومية الجاهلية بحجة أن القومية العربية لا تفرق بين مسلم ويهودي ونصراني أو غيرهم وأن الجميع يشتركون في القومية والوطنية وكلهم من حقهم أن يصلوا إلى الحكم على حد سواء. وإذا كان الأوروبيون قد نادوا بفصل الدين عن الدولة. للأسباب التي اضطرتهم إلى ذلك فإن الإسلام ليس فيه أي نزاع أو صراع بين الحكام والمحكومين لأنه ليس فيه طبقات كل طبقة تمثل جانبا في الحياة العامة بل إنه يعتبر المسلمين كلهم على درجة متساوية في المعاملات والقيام بالتكاليف الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلهم يجب عليهم الخضوع لشرع الله تعالى دون أن تستبد فئة بأخرى والحكام في الإسلام ليسوا في طبقة خاصة بل هم مثل سائر أفراد المسلمين لم تكن له مزية إلا تحمل الأمانة وتنفيذ شرع الله تعالى وأوجب لهم الإسلام السمع والطاعة في مقابل هذا العمل فأين هذا السلوك الذي تتحقق به سعادة الناس من سلوك الجاهليات الأوروبية وشرائعها القومية وإذا كان بعض المسلمين حكاما ومحكومين قد خالفوا هذا النهج الواضح فإن تبعة هذا الخلاف عليهم لا على الإسلام إذ الإسلام قد تبرأ من كل الجاهليات الوضعية وأبان حكمه في كل أمر فلا يجوز أن يحمل تبعة أي أمر لم يكن من تعاليمه. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 927

عاشرا: هل المسلمون في حاجة إلى التجمع حول القومية؟

عاشرا: هل المسلمون في حاجة إلى التجمع حول القومية؟ من البديهي أن يأتي الجواب بالنفي مطلقا والأمر واضح تمام الوضوح فقد أغنى الله المسلمين عن التجمع حول أي فكر جديد أو شعار أو حزب بل إنه حارب كل تجمع يقوم على غير هديه القويم معتبرا المسلمين كلهم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] " ((المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا)) (¬1) ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)) (¬2).ونصوص أخرى كثيرة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه كلها تحث المسلمين على أن يكون تجمعهم وتفرقهم وحربهم وسلمهم ومعاداتهم وموالاتهم كلها قائمة على هدى الله عز وجل لا إلى العرب أو العروبة أو القومية أو الوطنية فهي وغيرها شعارات جاهلية يبغضها الإسلام ويحاربها وكل دعوى لا تلتزم هدى الله فهي دعوى جاهلية يجب الحذر منها ولقد أعلنها المصطفى صلى الله عليه وسلم صريحة حيث قال للأنصاري الذي قال يا للأنصار وللمهاجرين حين قال يا للمهاجرين قال صلى الله عليه وسلم: ((ما بال دعوى أهل الجاهلية)) (¬3) وفي رواية ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)) (¬4).وفي بعض الروايات قال لمن افتخر بعروبته ((دعوها فإنها خبيثة)) (¬5) وفي رواية ((فإنها منتنة)) (¬6) وفي بعضها ((دعوها فإنها ليست لكم بأب ولا أم)) (¬7). لأن الإسلام أراد أن تجتث شجرة التعصب الخبيثة من أساسها لأن ثمارها لا خير فيها لأحد بل فيها العداوة والبغضاء والكبرياء والأحقاد وكل المساوئ والرذائل وأنها لا تؤلف القلوب بل تنفرها وتثير فيها كوامن حب التعالي والبغي بغير الحق فلا تفيدهم لا في دينهم ولا في دنياهم. ولقد جربت هذه الفكرة قديما وحديثا فكانت فاشلة تافهة ما إن يحصل خلاف وخصام بين أصحابها إلا ورموا بها عرض الحائط وصار بعضهم لا يخاف في الآخر إلاً ولا ذمة فهو لا يخاف من اختراقها نارا حامية ولا يرجو من تطبيقها جنة عالية فتكون النتيجة كما قال أبو فراس " إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر " (¬8). وقد وضح لكل عاقل أن القومية لم تقدم أي نفع للناعقين بها بل إنها كانت معول هدم وتخريب وبغي فأي حاجة للمسلمين إلى النعرات الجاهلية بعد أن أعزهم الله بالإسلام الذي أكمله الله لهم ورضيه لهم إلى يوم القيامة. وجعل أحكامه شاملة كاملة وافية بجميع ما يحتاج إليه البشر لسعادتهم في الدارين أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]. ¬

(¬1) انظر: ((مدارج السالكين)) (1/ 366)، و ((معارج القبول)) (2/ 22). (¬2) انظر: ((نواقض الإيمان الاعتقادية)) (2/ 183). (¬3) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (28/ 548 – 551). (¬4) انظر: حول استحلال الحكم بغير ما أنزل الله ((مجموع الفتاوى)) (27/ 58)، ((الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه)) (ص 165). (¬5) انظر: ((الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه)) (ص 159 - 210). (¬6) انظر: ((تحكيم القوانين)) (ص 5) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (1/ 137، 4/ 416). (¬7) ((تحكيم القوانين)) (ص 6)، وقد نقل الدكتور المحمود نصوص خمسة عشر عالما يكفرون هذا النوع من الحكم بغير ما أنزل الله، انظر (ص 75 – 204). (¬8) انظر تفصيل ذلك في: ((الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه)) (ص 205 – 209).

إن الدعوة إلى القومية دعوى إلى الفرقة والفخر والتعالي حيث يدخل التعصب بجميع أشكاله من جميع الأبواب فما الذي يمنع في شرع القومية أن يفتخر العربي بأنه عربي ومن بلد كذا وكذا والعجمي بأنه عجمي ومن بلد كذا وكذا سيفتخر حتما في شرع القومية العربي بعربيته والفارسي بفارسيته والهندي بهنديته والصيني بصينيته. وهكذا كل قوم أو بلد سيجدون ما يفتخرون به بالحق وبالباطل فالقومية ستلهمهم جميعا صواب ما يريدون وستعطي كل حزب أدلته على أنه أفضل عناصر البشر وأن وطنه أفضل الأراضي وأن كل ذرة منه مقدسة ومعلوم أنه لم يحتج المسلمون في تاريخهم الطويل – قبل انحرافهم عن الجادة – إلى قومية تجمعهم ولا أي رابط يربطهم غير كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. يقول د. جمعة الخولي بعد أن ذكر أن دول أوربا تحولت إلى شتات من البشر لا رابطة بينهم بعد أن أبعدوا عنهم النصرانية ورجال دينها وأنهم لجؤوا إلى القوميات كوسيلة لربط الشعوب كالقومية الألمانية والقومية الفرنسية والنمساوية .. إلخ وأنهم لم ينتفعوا بها بل كانت فتنة لهم وسببا من أسباب الحروب بينهم. ثم جاء يوم تحاربت فيه على أساس هذه القوميات في الحربين العالميتين الأولى والثانية فلما أحست بلعنة القومية أخذت تتخلى عنها وعد كثير من مفكريها العودة للدعوة لها دليلا على الرجعية والتخلف وعنصرا هداما للإنسانية واعتبروها نوعا من التجارب التي لجأت إليها أوروبا في ظروف خاصة وفي وقت محدود، ثم نقل عن المؤرخ الشهير " أرنولد توينبي " قوله: " القومية لا تستطيع أبدا أن توحد الإنسانية بل إنها توزعها وتشتت شملها ومن أجل ذلك ليس لها مستقبل وأنها لا تستطيع إلا أن تدفن الإنسانية في ركامها وأننا إذا أردنا أن ننقذ أنفسنا من الهلاك والدمار فينبغي أن تحتضن الإنسانية كلها من غير استثناء ونتعلم كيف نعيش كأسرة واحدة ". ثم ألا يعلم القوميون العرب بخصوصهم أن العرب قبل الإسلام كانوا في غاية الأنفة والحمية والفصاحة العجيبة فما الذي أغنت عنهم وهل جنبتهم غضب الله أو جنبتهم الذل لغيرهم من سائر الأجناس أليس كان الفرس ينظرون إلى العرب كما ينظرون إلى الحشرات لا يقيمون لهم وزنا ولا قيمة فلماذا لم تدافع عنهم القومية وهل ستدافع عن المسلمين والعرب اليوم لولا ذوابها؟! وكم دعوا لها وكم لاذوا بها فكانت النتيجة ما نشاهده اليوم من تفرقهم وتشتتهم وذلهم الذي بلغ ذروته مع وصول القومية إلى ذروتها على أيدي ملاحدة البعث ونصارى العرب وغيرهم من مغفلي المسلمين وأصحاب المصالح الذين أذلتهم بطونهم ومطامعهم الذين هم أشبه ما يكونون بالقطط الذين يشبعون والنمور جياع، ثم أليست شريعة القوميين هي نفسها الشريعة التي كانت في الجاهلية من التعصب القبلي – انصر أخاك ظالما أو مظلوما – ومن الدعوة إلى الفجور والفواحش ومن التعالي والبغي على الناس بغير الحق ومن تقديس رؤوس الكفر واحترامهم وعدم وجود العزة والأنفة التي يتميز بها المسلم أمام أعداء الإسلام من اليهود والنصارى حتى أصبح راضيا مطمئنا بأن يتولى عليه من لا يساوي شراك نعله من ضلال اليهود والنصارى وغيرهم من كبار الفساق لأن شريعة القومية توجب ذلك لأن العروبة حين تجمع بين هؤلاء جميعا لا يبقى أي مزية للمسلم على الآخرين وهذا المفهوم منطقي مع استبدال الدين بالقومية.

ألم يعلم الأشرار دعاة القومية أن المسلمين كانت لهم بالإسلام عزة طأطأ الجبابرة لها جباههم ذلا وانكسارا وملكوا بها الشرق والغرب ودخل الناس في الإسلام أفواجا راهبين وراغبين فاغتبطوا به وفازوا في الدنيا والآخرة وأصبح المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وكانوا قلبا واحدا هدفهم واحد وتفكيرهم واحد وعبادتهم واحدة نشروا الإسلام رغبة في الأجر العظيم من الله لا حبا في التملك ولا رغبة في السيطرة حتى أدوا ما أوجبه الله عليهم من نشر دينه وقمع الفساد والمفسدين. وإذا كنا ننكر الدعوة إلى القوميات عموما والقومية العربية بخصوصها فما ذاك إلا من شدة الحرص على أن لا تفوت البقية الباقية من عز العرب المسلمين وليس تجاهلا لفضل العرب والعربية وليس ما نذكره هنا في فضل العرب بمبرر للافتخار به على طريقة القومية الجاهلية وإنما هو تبيان للحقيقة. فالعرب هم أول من أبلوا في سبيل الله وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأسدوا إلى البشرية عامة ما صلح به أمر دينهم ودنياهم ولا ننس كذلك أفذاذا من غير العرب كانوا إلى جانب الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار وقد اختار الله عز وجل نبيه من العرب وأرسله رحمة للعالمين وفضله على جميع البشر كما أن الأماكن التي كان ينزل وحي الله فيها لا شك أنها محط الأنظار ومهوى الأفئدة. وقد شرف الله اللغة العربية وكرمها بنزول القرآن بها وهو معجزة المسلمين الخالدة كما لا ننس ما امتاز به العرب من صفات حميدة سجلها لهم التاريخ من الوفاء والكرم وحفظ حقوق الجار والشجاعة والفصاحة وغير ذلك من الصفات ولكن يجب أن نتفطن لأمر مهم جدا وهو أن العربية والعرب ما كانوا شيئا يذكر لولا الإسلام فالعربية هي إحدى اللغات في هذه الأرض والعرب هم أحد الأجناس من هذه الأمم فلا مزية لهم إلا بالدين الإسلامي ولنا أن نسأل الذين يتشدقون بأمجاد العرب قبل الإسلام ما هي ألم يعترف فضلاء الصحابة بأنهم كانوا جهالا وفقراء وقاتلين قبل الإسلام وأن الله رفعهم بالإسلام وأعزهم به. والآن تريد القومية العربية إرجاع العرب إلى حالتهم تلك السابقة وإبعادهم عن دينهم ومصدر مجدهم الحقيقي فأي جريمة سيرتكبونها بحق العرب وسائر المسلمين لو تم لدعاة القومية ما يهدفون إليه وليت تلك الدعوات إلى القومية الجوفاء كانت دعوة موجهة إلى لم شمل المسلمين عموما والعرب خصوصا في ظل ما يحدق بهم من أخطار تتهددهم على طول تاريخهم وإلى أن يتكاملوا فيما بينهم في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية وإلى أن يكونوا منهم عالما قويا ثابت الأقدام كما كان أسلافهم ثم لتكن تسمية هذا المسلك أياً ما تكون ما دام الهدف واضح المعالم لأنه إذا كانت كلمة الإسلام تجمعهم سيصبحون قلبا واحدا وهدفا واحدا ويصبح العربي وغير العربي المسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وكم ضحى العربي بنفسه في سبيل نجاة أخيه المسلم غير العربي وكم ضحى غير العربي عن أخيه العربي المسلم بنفسه في ميادين القتال وكم سجلوا جميعا أروع الانتصارات وأروع الإيثار. وليتذكر العرب والمسلمون جميعا تلك المواقف التي سجلها المماليك في رد الصليبيين عن بلاد العرب والمسلمين وليتذكروا صلاح الدين الأيوبي وهو من الأكراد ماذا سجل للمسلمين في إرجاع القدس وبلاد الشام ودحره النصارى وكم كانت من المواقف العظيمة التي خاضها المسلمون من أجناس شتى في آسيا وفي إفريقيا وفي أوروبا دفاعا عن الإسلام والمسلمين فكم كان المسلمون سيخسرون لو كانت الدعوة قومية من أول يوم؟ ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 292

حادي عشر: هل تحققت السعادة المزعومة في ظل القومية؟

حادي عشر: هل تحققت السعادة المزعومة في ظل القومية؟ لقد نادى القوميون وملئوا الدنيا صياحا بأن الدعوة القومية ستحقق لمعتنقيها كل السعادة وأنهم سيعيشون في جنة عالية وعز لا يرام إذا طبقت الشعوب القومية سواء أكانت تلك الشعوب عربية أم غير عربية فالسعادة تنتظر الجميع وأنها تجمع ولا تفرق وتؤلف القلوب وتوحد الأحوال الاقتصادية وتحقق القوة على الأعداء أيا كانوا إلى غير ذلك من أنواع المديح والتزكية للقومية والقوميين. ولكن هل تحققت تلك المزاعم لأي قومية من القوميات عربا أو عجما؟ لقد قال بعضهم إن الناس بطبيعتهم فيهم غرائب لؤم فإن الشخص يبغض الآخرين لأنهم لا يتكلمون بلغته فإذا تكلموا بلغته فإنه يبغضهم لأنهم ليسوا من وطنه فإذا كانوا من وطنه بغضهم لأنهم ليسوا من قبيلته فإذا كانوا من قبيلته بغضهم حسدا على ما عندهم. والعرب بحد ذاتهم حينما مالوا إلى القومية ووالوا وعادوا من أجل العروبة ماذا كانت نتيجتهم لقد ازدادوا فرقة وفقرا وعداوة فيما بينهم وكاد بعضهم للبعض الآخر بل ودارت بينهم حروب شرسة حين بغى بعضهم على بعض ببركات حب القومية وافتخار كل بقومه فقامت الأحزاب والتكتلات الصغيرة والكبيرة على حمية القومية الجاهلية فازدادت المسافة بينهم وبين الوصول إلى السعادة المنشودة في ظل القومية وليت هؤلاء الهاربون عن طريق السعادة الحقيقية يرجعون بذاكرتهم إلى تاريخهم المشرق ويتذكرون حين قال رسول سعد بن أبي وقاص لرستم حينما سأله ما الذي أخرجكم علينا فقال له: أمرنا أن نخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. وفي نهاية اجتماعهم قال له " واعلم أن لكم عندنا ثلاث خصال. إما الإسلام أو الجزية عن يد وأنتم صاغرون أو القتال". وهو كلام ما كان يحلم به العرب في يوم من الأيام أن يواجهوا به سادة الفرس الذين كانوا يعتبرون العرب أذل البشر قبل أن يعزهم الله بالإسلام وقبل أن يصبحوا خير أمة أخرجت للناس حينما نبذوا جميع الخرافات الجاهلية وافتخروا بدينهم فوجدوا السعادة الحقيقية فيه، تراحموا بعد أن كانوا أشد الناس عداء فيما بينهم يقهر القوي الضعيف ويستعبد الأغنياء الفقراء تراحموا حتى أصبحوا كالجسد الواحد يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة يقول الشخص منهم للآخر تعال أقاسمك مالي وأهلي فيقول له صاحبه بارك الله في مالك وأهلك دلني على السوق، تراحموا حتى مدحهم رب العالمين بقوله تعالى: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح:29]. ولقد نجوا من الهلاك الذي كان ينتظرهم باستمرارهم على الشرك حيث امتن الله عليهم بذلك فقال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].

وصاروا ينظرون إلى الشرك وأهله بعين الاحتقار والازدراء والرحمة لحال المشركين أن يموتوا على شركهم فكانوا يذهبون إلى القباب وإلى الأصنام فيهدمونها ويكسرونها دون خوف أو وجل يا عزى لا عزى لك إني رأيت الله قد هانك، واتجهوا إلى عبادة خالقهم وحده فارتاحت نفوسهم من تشتت الفكر وعبادة الأرباب المتشاكسين والخوف من أصحاب القبور والجن والسحرة والمشعوذين وحققوا التوكل على الله فكفاهم الله كل ما يخيفهم أو يحزنهم لا تزيدهم الشدائد إلا صلابة: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174]. وصار فخرهم بالإسلام وحده بعد أن كان فخرهم بأمجادهم الجاهلية وبآبائهم وقبائلهم وغير ذلك من المفاخر الجاهلية وصار شعارهم: أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم وصارت مراقبة الله تعالى نصب أعينهم في بيعهم وشرائهم وجميع معاملاتهم لا ربا ولا غش ولا فجور ولا ظلم ولا سوء خلق. فهل توجد هذه الأخلاق في القوميات؟ هيهات هيهات وهل يتصور القوميون أن العودة إلى تلك الحال المظلمة للجاهلية هو الذي سيجمع شمل المسلمين – والعرب خصوصا – وأنه سيكون منهم أمة ذات حضارة وسيادة تحت مظلة القومية البالية؟! وأما غير العرب فإن الأتراك أقرب مثال لنكسة القومية لهم حينما فشت فيهم نخوة القومية الجاهلية ماذا كانت النتيجة لقد تفرقوا وفتر نشاطهم في حرب أعداء الإسلام بل وضعفوا واستكانوا وهانوا على الدول الغربية إلى يومنا الحاضر حيث يطلب حكامها الدخول في المنظمة الأوروبية ومع ذلك يتجاهل الغرب مطالبهم في احتقار لا يحتمله الأحرار دون أن يتذكروا ماضيهم في ظل الإسلام وكيف كانوا سادة كثير من بلدان العالم وقادتهم يحسب لهم أعداؤهم ألف حساب قبل التفكير في التنغيص عليهم ولو بأدنى اعتداء. ذهب بعض دعاة القومية إلى ابتكار حيل وتلفيق شبهات كاذبة مفادها أنه لا فرق بين الالتزام بالقومية والالتزام بالدين وأنه لا تعارض بينهما مادام الشخص متمسكا بدينه وبعروبته أيا كان دينه مسلم أو نصراني إذ اسم العروبة يجمعهم. ثم زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم وحد العرب تحت راية العروبة وأوجب على كل مسلم أن يستشعر القومية العربية قبل كل شيء وأن جهاده في نشر الإسلام هو نشر كذلك لسيادة القومية العربية. ومن أدلتهم الباطلة على هذا الزعم قول الله تعالى: مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ [التوبة:120]، لأن واجب العروبة يحتم عليهم الوفاء لهذا النبي العربي ومثلها الآيات الأخرى التي فيها التشهير بالمتخلفين من الأعراب عن الجهاد في سبيل الله الذي هو جهاد في سبيل رفع راية العروبة أيضا؟! ومما استدلوا به كذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]، وقوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا [الرعد:37]، وقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [الزخرف:3]. وكل هذه الآيات في خيالهم السقيم دعوة إلى تمجيد العربية والعروبة ويجعلون جهاد أولئك الميامين إنما كان لنصرة العروبة لإيمانهم بها ومعنى كلامهم أن انتصار الإسلام هو انتصار للعروبة بل هي هدف من الأهداف المهمة التي كانت في ذهن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه حسب زعم دعاة القومية العربية المفترين. واستدلالهم بما تقدم إنما هو من باب أن الغريق بكل حبل يمسك فالنصوص في واد وفهمهم لها في واد آخر وهل يليق وصفهم للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام بأنهم كانوا يهدفون إلى تقوية العرب؟ فلماذا حاربوهم إذا كان كلام دعاة القومية صحيحا. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 936

ثاني عشر: إبطال فكرة القومية

ثاني عشر: إبطال فكرة القومية إن أول ما يدل على بطلان فكرة القومية وأنها شر لا خير فيها أن وراء قيامها اليهود والنصارى وسائر الملاحدة فماذا ننتظر أن تأت به من الخير للبشرية أو للمسلمين بخصوصهم بعد هذه التيارات المنشئة لها. ألم يكن غرض القوميون هو تفتيت أي مجتمع متماسك والانفراد بكل تجمع لا يتفق وأهدافهم؟ ألم يتفرق المسلمون بعد دخول القوميات بينهم اعتزاز كل قطر بقوميته ومآثره الجاهلية؟ وأصبح المسلمون بصفة عامة لا يلوي بعضهم على بعض بعد أن تقطعت الدولة الإسلامية إلى أوصال ممزقة يقاتل بعضهم بعضا في حروب أهلية تأخذ الأخضر واليابس والقومية تمدهم بكل المبررات لهذا السلوك الذي حذر منه الإسلام؟ وبالرغم من تلك المناداة الجوفاء التي أطلقها دعاة الفكرة القومية من أن الناس سيعيشون في منتهى السعادة حينما يطبقون تعاليم القومية بحذافيرها وأن كل قطر يلتزم بها سيصبح محترما فكانت النتيجة أن حل بهم الشقاء والذل سواء أكانوا من العرب أو من غيرهم بل لقد شقى بها من كان مهد نشأتها من الدول الأوروبية ونداءات من ينتسبون إلى العرب بخصوصهم إنما هي دلالات على حمقهم ورعونتهم وإلا فأي مستند لهم أفي القرآن الكريم؟ أم في السنة النبوية؟ هل وجدوا نصا فيهما يمجد العروبة أو يدعو إليها؟ كلا. نعم ورد في القرآن الكريم ما يفيد نسبة الشخص إلى قومه وهذا معروف فإن لكل شخص قوما وفيه نسبه بحسب الواقع وهي أمر معروف وبدهي وليس في القرآن الكريم الافتخار بالقومية أو الدعوة إلى التجمع حولها أو جعلها بديلا عن الدين بل ما ورد في السنة يدل على عكس ذلك حيث وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها دعوى جاهلية وأنها خبيثة يجب الانتهاء منها. ودعاة القومية تجدهم في تلمسهم لأي أمر يمدحون به القوميات الجاهلية يذكرون بعض الصفات الحميدة من الصدق والكرم والشجاعة والإيثار ونحو ذلك ويجعلونها حضارة عريقة لهم ويهولون من أمرها ليحببوا الناس إلى الرجوع إليها. ويكرون كذلك بعض الآثار من العمران أو التحف ثم يقفون أمامها خاشعين ذليلين زاعمين أن أهل العصور المتأخرة لا يمكنهم بحال عمل ذلك أو ما يقاربه وذلك ليملأوا فراغ قلوب من يصغون لكلامهم ممن قصر فهمهم للإسلام. ومن غرائب الأمور أن ينادي القوميون سواء أكانوا من العرب أو من غيرهم بأن في التمسك بالقومية تحقيق للوحدة والتآلف فهل تمت الوحدة الشاملة التي ينادي بها زعماء القومية العربية أو غيرهم أم أن القومية كانت هي المعول الهدام للوحدة في كل بلد حلت به من بلدان العرب أو من غير العرب فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور [الحج:466]. لقد ظن دعاة القومية – إن أحسنا بهم الظن – أنها رابطة حقيقية لتوحيد من يتعصبون لهم أيا كانت تلك القومية إما وطنية أو اللغة بعينها أو تاريخا مشتركا ولكنها في الحقيقة سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. فقد ثبت بتجارب الأمم على مر التاريخ أن الذي يوحد الناس حقيقة ويؤلف بين قلوبهم ويجعلهم كالجسد الواحد أو كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا إنما هو الالتزام بمنهج الله تعالى ودينه القويم وما عدا ذلك فإنه خدع وتضليلات يراد من ورائها مصالح بشرية تزول بزوال تلك المصالح شأن التشريعات والاجتماعات الجاهلية التي أبت شرع الله تعالى ورضوا بالتحاكم إلى الطاغوت والاجتماع على ما يمليه عليهم. وعلى القوميين أن يتفهموا مقالة الناس"الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل"، أو قولهم "الاعتراف بالحق فضيلة".

ثالث عشر: نقض الأسس التي قامت عليها القومية

ثالث عشر: نقض الأسس التي قامت عليها القومية لم يكن لدعاة القومية أسس خاصة في الدعوة إليها وأنى يجدون ذلك وهم مختلفون فيما بينهم اختلافا كثيرا فلم يجدوا غير آراء تصوروها لبناء القومية ثم اختلفوا أيضا فيها – شأن الباطل دائما – وقد عرفت فيما سبق أن من القوميين من ذهب إلى أن أساس القومية هو الاتحاد في اللغة ومنهم من قال الاتفاق في التاريخ ومنهم من جعلها الأرض ومنهم من قال هي المصلحة المشتركة بين أفراد الأمة، ولعل سبب اختلافهم يعود إلى هذه الآراء التي لا تركن إليها النفس تماما ولا تصل إلى حد القناعة التامة فلهذا كل أدلى بدلوه أو رمى بحجره عله يصيب. (أ) أما اللغة فالقول بأنها رباط قومي كذب ينقضه واقع حياة الناس فقد وقع أن أمما كثيرة تتكلم لغة واحدة ولكن بينهم من التفاوت بل والعداوة ما لا يخفى وأقرب مثال على ذلك العرب أنفسهم فهم يتكلمون لغة واحدة ولكن كم الفرق بين العربي اليهودي والعربي النصراني والعربي المسلم والعربي المشرك؟ بل وأين المسلم من غير العرب من غيره أيضا ممن يتكلم بلغته؟ ولماذا لم تتحد أمريكا وبريطانيا في قومية واحدة ما دامت اللغة الإنجليزية تجمعهم؟ وبالتالي يقال لهم كيف تجمع أهل سويسرا واتحدوا مع أنهم يتكلمون ثلاث لغات دون تمييز بينها (¬1) وكثير من الأمم على هذا النحو لم يكن للغة أي تأثير في سير حياتهم وانتماءاتهم وإنما هي لإتمام مصالحهم الدنيوية. (ب) وأما التاريخ فإن التاريخ مراحل تمر بها البشرية تشتمل على صعود وانحدار على خير وشر وتقدم وتأخر في جميع نواحي الحياة ويحوي كذلك اختلافات كثيرة أما بالنسبة للمسلمين فإن تاريخهم الحقيقي المشرق إنما يبدأ بظهور الإسلام يحنون إليه خلفا عن سلف إلا من أفسدت الحضارة الأوروبية فطرته منهم حين يحن إلى الحضارات الجاهلية السابقة ويتباكى عليها ويفتخر بها ويود بجدع الأنف لو عاد عهدها وهي حضارات قديمة عاشها أهلها بخيرها وشرها ولم يعد لها في حياتنا الإسلامية أي أثر وبالتالي تكون المناداة بإقامة القومية على تلك الحضارات إما بسبب الجهل المطبق وإما لأغراض أخرى وفي أولها الانفلات من الشريعة الإسلامية وربط المسلمين بالغرب أو بالشرق بعيدا عن كتاب ربهم وسنة نبيهم. لأن هؤلاء الدعاة قد تشبعوا بثقافات وتاريخ تلك الأمم المعادية للإسلام فلا يعرفون بعد ذلك مسلكا إلا الانضواء تحت الرايات الجاهلية وكل إناء بما فيه ينضح. وأنى للتاريخ المشترك أن يوجد الألفة الحقيقية بين المختلفين فكريا وعقديا فليس وراءه لا ثواب ولا عقاب يرجى بعد الموت فأي مبرر يجعل الإنسان يؤثر غيره على نفسه ولو أدى إلى موته هو؟ (ج) أما الأرض ¬

(¬1) انظر: ((العبودية)) لابن تيمية، كاملا.

فقد صادف دعاة القومية في بناء قومياتهم على الأرض المشتركة متاعب وتناقضات جمة وذلك أن الذين يتكلمون لغة واحدة وفوق أرض واحدة ليس بالضرورة أن يكونوا كلهم من جنس واحد وعلى لغة واحدة من البداية إلى النهاية في أي أرض فقد تنشأ لغة جديدة في بلد وتنتهي عن بلد لأمور كثيرة اعتقادية أو سياسية إذ لا يمكن لأي أمة أن تدعي أنه لا يوجد لأي شخص بينهم انتماء إلى غيرهم ومن الأمثلة القريبة على ذلك الأمة العربية قبل الإسلام وبعده إذ أنه قبل الإسلام كانت الأرض العربية هي شبه الجزيرة ولكن بعد مجيء الإسلام دخلت أمم أخرى في الإسلام وحين أن الإسلام لا يشعر أحد بأنه غريب عنه وأن الأرض كلها مخلوقة لأجله فقد دخلت تلك الأمم في الإسلام وأحبوه وأحبوا لغته وصارت هي اللغة الأساسية بينهم كمصر والمغرب وغيرهما من البلدان التي أصبحت عربية تعتز بدينها ولغتها فهل يقال أن الأرض هي التي وحدت بينهم وبين سائر إخوانهم العرب المسلمين إن قالوا هذا فقد ظهر كذبهم وإن قالوا إنه الإسلام فقد قالوا بالحقيقة التي تناقض دعواهم صلاحية التجمع القومي على الأرض بدلا عن الإسلام. بل كان الجاهليون العرب أفقر منهم لأن هؤلاء ما كانوا ينادون لا بالقومية العربية ولا بالتحزب والتعصب لها وحينما جاء الإسلام لم يذمهم على عدم شعورهم بأنهم على أرض العروبة وإنما أخذ بأيديهم إلى ما فيه صلاحهم وعزهم وهو الشعور بالفخر بالإسلام وتعاليمه وأن العرب قد جاءهم ما يحفظ وحدتهم في اللغة والأرض والتاريخ وسائر الاتجاهات فكانوا في جهادهم يدعون الناس إلى الدخول في الإسلام لا إلى الإنضمام إلى العربية أو إلى شبه الجزيرة العربية. ولو أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت موجهة من أول يوم إلى التعصب للعروبة والقومية وما إلى ذلك لسارع كل العرب إلى الالتزام بذلك والترحيب بها بسبب ما كانوا يحسون به من ضعف عام وتشتت وتمزق في الآراء والأفكار والأنظمة. فكانوا في حاجة إلى أي شخص يتزعمهم على أي نعرة جاهلية ليحققوا به مبادئهم انصر أخاك ظالما أو مظلوما. وليحققوا به شيم النفوس حينما توغل في الظلم كما قال شاعرهم: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم فكانوا لا ينقصهم إلا الشخصية المؤهلة لتتزعمهم، لأن الشجاعة موجودة والإحساس بالفوضى في حياتهم موجود وكذا الإحساس بالظلم الفادح بل إن الإحساس ببعدهم عن ربهم كان موجودا وما عبادتهم للأصنام إلا لتقربهم إلى الله زلفى بشفاعتها لهم لشعورهم بالذنوب والتقصير في جنب الله تعالى وكثير منهم كان يعلم أن شريعة "من عز بز ومن غلب استلب" ليست هي الطريق الصحيح وأن ما هم فيه من الذل لغيرهم والفقر الشديد والحروب المستعرة. وأحيانا على بكر أخينا إذ ما لم نجد إلا أخانا كانوا يشعرون بأنها أوضاع فاسدة لا يمكن أن تصلحها لا القومية ولا الوطنية ولا سائر النعرات الجاهلية. وإنما يصلحها أمر لا يمكن أن يأتي من قبل الإنسان الظلوم الجهول وحينما عرفوا الإسلام وجدوا الحقيقة التي كانت تنقصهم ولا يعرفون الطريق إليها. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 942

رابع عشر: الإسلام والقومية العربية

رابع عشر: الإسلام والقومية العربية ذكرنا في البداية أن الإسلام لا يقف في طريق الشخص إذا انتسب لقومه أو لوطنه أو أهله بل إنه يشجع هذا المسلك ويحبذه إذا كان على أساس التواصل وصلة الرحم بل أخبر الله تعالى أن انقسام الناس إلى شعوب وقبائل هو أمر منه عز وجل أن الحكمة من وراء هذا بينها عز وجل بقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينتسب الشخص إلى غير أبيه أو ينتمي إلى غير مواليه (¬1) ولا يمنع كذلك أن ينتسب الإنسان إلى الوطن الذي يعيش فيه ولا لوم عليه إذا أحبه لا على أساس الفخر الجاهلي وإنما لأنه وطنه أواه فإن تلك الأمور كلها لا حرج فيها وواقع تعيشه البشرية كلها ولا يمنعها الإسلام إلا في حالة واحدة وهي الحالة التي يصبح ولاء الناس ومعاداتهم ومحبتهم واجتماعهم وافتراقهم كله قائم على دعوى القومية والتعصب لها وتقديمها على الأخوة الإسلامية لأن هذا الوضع منحرف لأنه يصبح تشريعا جديدا لا تستند فيه مشروعية إلا على الحكم الوضعي البشري لا إلى حكم الله تعالى وما أجمل أن يترك الإنسان كل علاقة خارجة عن الإسلام محاكيا في ذلك قول سلمان رضي الله عنه حينما سمع بعض الناس يفتخر بنسبه وبقومه فقال عن نفسه: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم وأما حينما يصل التعصب للقومية إلى أن يقدم الشخص ولاءه ومحبته للآخر لأنه من قومه بينما يبتعد عن الآخر من غير قومه حتى وإن كان صالحا تقيا فهذا لا يعترف به الإسلام بل تعترف به القومية الجاهلية وما أكثر ما ورد عن سير السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة ومن بينهم إحسان ما أكثر ما ورد عنهم تقديم أخوة الإيمان على أخوة النسب أو الدم ولنا في مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في أول الإسلام خير شاهد على ذلك فإن قصصهم العطرة وسيرتهم المرضية لا تزال تضيء نورا وهاجا وعبيرا فواحا إلى يومنا هذا تخليدا من الله تعالى لهم وإكراما لأوليائه. ¬

(¬1) ((العبودية)) (ص 38).

وأما القومية العربية التي دعى إليها ساطع الحصري فهي قومية جاهلية مغرضة لها نفس الأهداف التي كانت نصب أعين المتربصين بالإسلام كما أنه هو نفسه أحد أولئك وإن ظهر بمظهر الغيور على مجد العرب كما يزعم فإن العرب لا مجد لهم بغير الإسلام بل هم أمة كانوا في حمئة الجاهلية كسائر الأمم حتى أنقذهم الله بالإسلام ورفع شأنهم به ومن زعم غير هذا فقد جانب الحقيقة وكذب على التاريخ وتشبع بما ليس فيه ولا قيمة لأمجاده التي يزعمها قبل الإسلام فإن زعمه هذا هو من جنس مزاعم هذا العصر المعكوسة التي تسمي الأشياء بغير اسمها فتستحل الحرام وتحرم الحلال بذلك حيث أضحت الخمر مشروبات روحية والربا فائدة والزنا حرية شخصية وعداوة الآخرين من غير وطنه وطنية والآراء الفاجرة حرية الكلمة واحترام الماديات والعلامات وبعض الأماكن واجب وطني لا يجوز الخروج عليه والمساس به وكأنه جزء من الدين فما الذي يبقى لله تعالى في قلب اقتنع بترهات القوميين ونسي أن المجد الحقيقي إنما هو في اتباع النور الذي أنزله الله. أما الخدع التي يرددها القوميون بتوافق الإسلام والقومية على أساس التسامح في الإسلام فإنه كذب محض وكذا دعوى أن القومية تتسع لكل الخلافات الدينية واستمع لما يقوله مصطفى الشهابي (¬1) من أن المسلم والنصراني كل واحد يؤدي عبادته في المسجد أو في الكنيسة مادام يجمعها حب القومية العربية لأن الإسلام سمح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والنصرانية كذلك تأمر بالمحبة وكذلك سائر الملل والفرق لا لوم على أي واحد منهم مادام يتوجه إلى القومية ويتخذها رباطا جامعا لأن القومية قابلة لكل اختلافات الأديان وتذوب في القومية كل الاختلافات الدينية وهؤلاء الدعاة الذين لا يفرقون بين الإسلام وبين غيره من الملل والنحل هم أعداء الدين الإسلامي حقيقة وهم طلائع الاستعمار الشرقي والغربي وهم المفرقون بين الناس والمثيرون للعداوة والبغضاء بين الشعوب المتجاورة والمتعايشة على حسن المعاملة فيما بينهم مع اختلافهم أحيانا في المعتقدات. واستمع كذلك إلى مزيد من أكاذيب القوميين فيما يزعمه د. علي حسن الخربوطلي (¬2) من أن النبي حاول أن يتحرر عن القومية العربية ويعلن نفسه لجميع البشر ولكنه لم يستطع إذ غلبت عليه القومية العربية وصار يتعصب لها ويدافع عنها. وهذا من أشد الكذب والبهتان فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أشد أعداء الدعوات الجاهلية ومنها القومية والنصوص في هذا أشهر من أن تذكر. ومن الأمور البديهة أن الإسلام ودعوى القومية لا يتفقان لأن مصدر الإسلام هو الله جل وعلا ومصدر القوميات هي الجاهليات وعقول البشر القاصرة وكذلك فإن إعراض القومية عن الدين وعدم تحكيمه والرجوع إليه والاستغناء عنه بشعار تلك الجاهليات أمر لا يقره الإسلام ولا يسايره بحال. ¬

(¬1) رواه الترمذي (2733) والنسائي (4078) قال النسائي في ((السنن الكبرى)) (3527): منكر. وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (6/ 182): في رجاله من تكلم فيه. وقال الألباني ((ضعيف الترمذي)) (3144): ضعيف. (¬2) ((السيرة النبوية)) لابن كثير (1/ 464).

كما أن تقديم الأخوة القومية على الأخوة على الدين هو كذلك أمر يرفضه الإسلام. وكذا الموالاة يجب أن تكون بين المسلمين لا أن تكون على أساس قومي وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [التوبة:71]. كذلك فإن الإسلام يدعو إلى التآلف والتراحم والتساوي في الحقوق والواجبات وأن أكرم الناس هو أتقاهم لله تعالى بينما القومية لا تقوم على هذه المفاهيم المشرقة الجميلة بل تقوم على بغض الآخرين والتعالي عليهم والفخر بالأحساب والأنساب وغيرها من مخازي الجاهلية التي حاربها الإسلام. بل إن القومية إضافة إلى أنها رجوع إلى الجاهلية هي كذلك قدح في كمال الإسلام ورد لما تفضل الله تعالى به على هذه الأمة من إكمال الدين ورضاه به وإخراجهم بالإسلام من الظلمات إلى النور وإخراج العرب بخصوصهم من حياتهم الجاهلية وخمول ذكرهم بين الأمم بالرغم من كل ذلك وغيره نجد الكثير من الكتاب السفهاء والكاتبات السفيهات يقلدون أعداء الإسلام من اليهود والنصارى في ذم الإسلام والإلحاح في طلب العودة إلى الجاهلية التي كانت قبل الإسلام وإلى العودة إلى حضاراتها العظيمة وقوانينها التي هي في غاية العدالة وإلى تاريخها المجيد .. إلى آخر الأكاذيب التي تخيلوها وسجلوها في شكل كتب ونشرات وتمثيليات ومسرحيات وكلها توحي بصراحة إلى أن العرب وكل الأمم كانوا قبل الإسلام على خير عظيم وأنهم كانوا على جانب عظيم من الحضارة والقوة والمنعة ويمجدون ذلك مما يوحي إلى أن الإسلام هو الذي عطل مواصلة تلك الحضارات وأن في الرجوع عنه التقدم والرقي والألفة ضاربين بكل ما عرفه الناس من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومما عرفه العقل والمشافهة عن من سبق من أخبار العرب بخصوصهم قبل الإسلام ضاربين بذلك كله عرض الحائط فمتى يدرك المنخدعون والمخادعون أن الخير كله في هذا الدين الذي أخبر عنه رب العالمين وشهد له بالخير والحق والكمال. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 950

خامس عشر: مصادر دعم القومية

خامس عشر: مصادر دعم القومية • (أ) اليهود. • (ب) النصارى. • (ج) الحرب على الدين. • (د) الحركات والمذاهب الهدامة الأوربية. • (هـ) العلمانية والعلمانيون. • (و) الاشتراكية والشيوعية. • (ز) قيام حزب البعث.

(أ) اليهود

(أ) اليهود واليهود كما وصفهم وراء كل جريمة ومؤامرة فقلما تنشأ فكرة ضد البشرية إلا ووقفوا لتقويتها ولا طائفة تتربص بالدين إلا ووقفوا إلى جانبهم وهذا الإجراء منهم هو ما أوصتهم به كتبهم التي يقدسونها وحاخامتهم الذين اتخذوهم أربابا من دون الله تعالى. ولقد حافظ اليهود على تماسكهم وتضامنهم طوال تاريخهم في اعتزاز بجنسهم وقوميتهم وعقائدهم التي ورثها لهم أكابرهم قديما، فلم يذوبوا في أي مجتمع مهما امتدت بهم السنوات ومهما كانت أعدادهم ومهما كان تفرقهم وبالإضافة إلى تعصبهم لقوميتهم فهم يتعصبون أيضا للغتهم العبرية وكان من مكاسب اليهود في انتشار القومية اليهودية والتدين بها هو الحفاظ على أفرادهم من الذوبان في أي مجتمع يكونون فيه وبالتالي فإن في انتشار القومية بين مخالفيهم أيضا مكسب لهم من حيث تمزق هؤلاء وتشرذمهم وانطواء كل جماعة على قوميتهم وما يتبع ذلك من التنافس بينهم واستعلاء بعضهم على بعض بحكم شريعة القومية وحينئذ يكونون لقمة سائغة لليهود لينفردوا بمن يشاءون منهم حتى يكتمل الدور عليهم جميعا وقد ظهر هذا واضحا في مكائدهم الكثيرة بالشعوب حكاما ومحكومين وما فعلوه تجاه الدولة العثمانية بالخصوص حين عملوا على تشجيع قيام القوميات والنعرات الجاهلية أقوى مثال ووصل الأمر حتى إلى قصور الخلفاء أنفسهم في آخر دولتهم فنسي الكثير منهم أن عزتهم إنما هي بالإسلام والتعصب له فاستخذوا أمام الضغوط اليهودية والنصرانية في كثير من المواقف بسبب تأثرهم بمختلف التيارات من ناحية ومن ناحية أخرى لخذلان المسلمين لهم. وقد أقامت اليهودية العالمية روافد عدة لإحياء القوميات في النفوس من ماسونية وعلمانية وجمعيات أخرى وثورات عارمة للشعوب ضد حكامها ودعاوى الحرية والإخاء والمساواة وغيرها من الشعارات فكانت أكبر كارثة حلت بالمسلمين هي سقوط الدولة العثمانية بمؤامرات اليهود حينما ركن إليهم سلاطين هذه الدولة فكانوا كالذي يفقأ عينه بيده في سماحتهم وتساهلهم ضد أهداف اليهود ومطالبهم المتتابعة وما يتبع ذلك من استفحال العلمانية جنبا إلى جنب مع نعرات القومية التركية التي كان يذكي نارها جمعية الاتحاد والترقي التركية اليهودية الماسونية المعتقد أو كما يسمونها "تركيا الفتاة". وكل هؤلاء أخذوا يرجعون إلى الوراء بصورة حثيثة لجعل القومية الطورانية هي كل الأمجاد والمعتقدات عليها يلتقون وعليها يفتقرون مدعين أن الإسلام هو الذي أخفت صوتها وحضارتها. ومن الجدير بالذكر أن جمعية الاتحاد والترقي - أو تركيا الفتاة - ليسوا أتراكا حقيقيين ولا هم مسلمين أيضا وإنما وفدوا من عدة أقطار متظاهرين بالإسلام - وهم يهود في جملتهم - كما يذكر الباحثيون تظاهروا بالتباكي والحنين إلى القومية الطورانية لجمع الأتراك كلهم عليها. وقد علمت مما سبق أن اليهود قد عملوا على إثارة كل القوميات وضرب بعضها بالبعض الآخر فإنهم حينما أنشأوا حركة الطورانيين كان عليهم أن يثيروا الحركة العربية والاعتزاز بها في مقابل اعتزاز الأتراك بقومياتهم القديمة وأخذت تلك الحركات تشتعل لا تلوي على شيء في الوقت الذي نسي فيه الجميع الرجوع إلى الحق والدين واشتط الأتراك وبدؤوا في التعسف وإجبار الناس على اعتناق اللغة التركية وإحلالها محل كل لغة وهم يعرفون أن النتيجة ستكون فوضى وحمية جاهلية وهو ما حصل بالفعل حيث استطاع اليهود أن يثيروا حمية العرب لعربيتهم لجعلها مصدر إلهامهم بدلا عن الإسلام والاعتزاز به ليبقى الكاسب الوحيد لهذا التمزق والتفاخر الأجوف هم اليهود ولا شك أن النصارى سينالهم نصيبهم من هذه المكاسب أيضا فالكل عدو للمسلمين وللإسلام وتعاليمه وهو ما حصل بالفعل ولقد عرف العالم ويلات الحروب التي وقعت بين العرب والأتراك وتدخلات الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا العدو اللدود للمسلمين قديما وحديثا.

(ب) النصارى

(ب) النصارى لقد قام النصارى على مختلف عقائدهم واتجاهاتهم بالمؤامرات المستمرة لتمزيق وحدة المسلمين وإبعادهم عن دينهم بكل ما يستطيعون من جد واجتهاد وكان أشد هؤلاء النصارى إيغالا في المؤامرات هم نصارى العرب في لبنان وفلسطين وغيرهما من بلاد العرب بدعم مباشر من دول النصارى الكبيرة وكان أكثر تركيزهم يتمثل في استجلاب الشباب العربي إلى الدراسة في الدول النصرانية وفي المحاضرات والمراسلات بينهم وبين ممثلي النصرانية الحاقدة ومجيء المنصرين إلى بلاد العرب مدرسين وكتابا ووعاظا وفتحوا المدارس والمستشفيات وجادوا بشتى مطبوعاتهم من المقررات الدراسية إلى الموسوعات فأنشأوا أجيالا من دعاة القومية من شتى المراحل الدراسية وكانوا من ورائهم دعما وتوجيها وأصبحت تلك الأجيال من دعاة القومية المخلصين لها وكان للجامعة الأمريكية في بيروت حظ الأسد في نشر القومية العربية ولا تزال ولم ينس هؤلاء الدعاة إنشاء الجمعيات والمنظمات تحت هدف إحياء العربية وإيقاظ العرب بغض النظر عن الدين وأن الالتفاف على القومية يغني عنه ونشروا المقالات والأشعار يتغنون فيها بماضي العرب ويحضونهم على عداوة كل من ليس عربي وخصوصا الأتراك وكان أبرز القادة في هذا الميدان هم نصارى لبنان وسوريا الذين كانوا يتلقون الدعم السخي من دول النصارى الكبرى أمريكا وبريطانيا وفرنسا تملؤهم الغطرسة بإحياء القومية العربية وإحلالها محل الدين متباكين على حقوق العرب الضائعة ولغتهم المظلومة وحقوقهم المهضومة حسب مزاعم هؤلاء ومن مشاهير هؤلاء الدعاة ناصيف اليازجي اللبناني، وبطرس البستاني اللبناني، وإبراهيم بن ناصيف اليازجي. وعبد الرحمن الكواكبي، ونبيه فارس، وكان هؤلاء الزعماء يعرفون أنهم في حاجة ماسة إلى وقوف المسلمين إلى جانبهم في حربهم – خصوصا – مع الدولة العثمانية وحيث أنهم على اختلاف في الدين فإن القومية العربية هي القاسم المشترك والموحد بينهم.

(ج) الحرب على الدين

(ج) الحرب على الدين وهو مصدر هام من مصادر قيام القوميات ومحاولة من جملة المحاولات لتشجيع القومية وقيامها على البعد عن الدين وأن أوروبا لم يمكنها التخلص من الجهل والحال الذي هم فيه حسب زعمهم إلا بإعلان الحرب على الدين ومن يمثله بدعوى أن الذي جرهم إلى هذا المصير هو الدين والبابوات الذين كانوا يزعمون للناس أنهم مفوضين من قبل الرب المسيح ونادى أولئك الهاربون من الدين بأن البديل عنه موجود وهو الرجوع إلى القوميات السابقة وأمجادها الغابرة أما الدين فهو طغيان واستبداد واستعلاء بعض البشر على البعض الآخر. ولم تكن الحرب على الدين من قبل النصارى والملاحدة فقط وإنما وجد من بعض المغفلين المسلمين الذين تشبعوا بالقومية العربية من يحارب المسلمين بدافع من حرص على استعلاء القومية العربية وهذه هي إحدى المكائد التي نجح فيها أعداء الإسلام في محاربة الدين.

(د) الحركات والمذاهب الهدامة الأوربية

(د) الحركات والمذاهب الهدامة الأوربية حينما أفاق الأوروبيون ورؤوا ما حل بهم من الغبن الفاحش على أيدي رجال الدين النصراني هالهم الأمر وثاروا كالبركان الهادر في وجه الديانة النصرانية ورجالها الطغاة مستعملين كل ما لديهم من الأسلحة الفكرية وغيرها في إيقاف ذلك الطغيان فقامت حركات وآراء فكرية ومذاهب مختلفة كل يعمل من جهته والمصب واحد هو القضاء على الدين ورجاله وكانوا في ذلك الهياج العارم منطقيين مع الحال الذي أوصلتهم النصرانية وطغاتها إليه فلجئوا إلى القومية وإلى غيرها علهم يجدون فرجا مما هم فيه وكانت تلك المذاهب المختلفة تمثل تيارا عاتيا خارجا عن أي سلطة وفي الوقت نفسه كانت هذه المذاهب في حاجة لملأ الفراغ الذي خلفه ترك الدين فكانت القومية البديل الجديد في نظرهم إلى أن يتيسر ما هو أحسن منها.

(هـ) العلمانية والعلمانيون

(هـ) العلمانية والعلمانيون العلمانية كما هو معروف مذهب هدام والعلمانيون كما عرفنا سابقا هم من أعداء الدين الإسلامي وممن تفانوا في تضليل المسلمين بكل ما أمكنهم من الوسائل عن طريق المنصرين وعن طريق نشر الكتب وعن طريق نشر الإعلام المرئي والمسموع وعن طريق عملاء لهم من عرب النصارى ومن غيرهم ممن تأثر بأفكارهم وارتوى من سمومهم وقد جعلوا المجلات التي يصدرونها من لبنان ومصر وغيرها سلما إلى قلوب الناس وتهيئتهم للانتقال من التعصب للدين إلى التعصب للقومية العربية وأمجادها. ولقد كان للعلمانيين وما يزال تأثير قوي بين كثير من طبقات الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاقتصادية وما من نعرة جاهلية تقوم إلا وللعلمانيين فيها يد طولى وقد ذكرناها لما لها من الأهمية والتأثير المتزايد خصوصا في هذه الأوقات التي انتشرت الفتن الهوجاء فيها سواء في حرب أمريكا وبريطانيا للعراق أو أفغانستان أو غيرهما من البلدان الإسلامية والتي إلى الآن نسمع التهديدات تلو التهديدات للدول التي لا تنصاع إلى السلوك الأمريكي وخصوصا فيما يتعلق بالمناهج الدراسية بعد أن جرت هذه الأمور فتنا مختلفة على أيدي أحزاب وحركات ثم اصطلى بنارها من لا ناقة له فيها ولا جمل فكانوا على حد قول الشاعر: وذنب جره سفهاء قوم وحل بغير جارمه العذاب

(و) الاشتراكية والشيوعية

(و) الاشتراكية والشيوعية الاشتراكية أحد المعاول الهدامة لحرب الأديان وقيام الأحزاب المتصارعة على كل شيء. وهدم كل ما يقف في طريق الاشتراكية من الأديان والأخلاق وسائر السلوك الذي لا ينسجم مع هذه الاشتراكية من الأديان والأخلاق وسائر السلوك الذي لا ينسجم مع هذه الاشتراكية وما من شخص ينادي بالاشتراكية إلا ويقرنها بالقومية وأن لا انفكاك لبعضهما عن البعض الآخر غير أن القومية تعتبر بمثابة التهيئة الأولى للاشتراكية والخادمة لها. والاشتراكية هي الغذاء لقيام القوميات وانتشار الشيوعية بعد ذلك وكل فتنة ترقق التي قبلها مما يوحي بوقوع أخطار جسيمة ستحل بالمسلمين إن لم يتداركهم الله برحمته. وقد ورد في الحديث أن كل فتنة ترقق التي قبلها ويقصد صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان وما هو عنا ببعيد نسأل الله العلي العظيم اللطف والتوفيق.

(ز) قيام حزب البعث

(ز) قيام حزب البعث كان وراء قيام حزب البعث الاشتراكي النصارى العرب وعلى رأسهم النصراني ميشيل عفلق الذي جعل حب القومية العربية عقيدة راسخة تجمع بين مختلف الناس ومختلف عقائدهم وكانت الاشتراكية أيضا من ضمن منابع القومية التي امتزج بها حزب البعث وأخذ زعماء حزب البعث على عواتقهم المناداة بأنه يجب أن تبقى الآراء الفكرية هي القاسم المشترك بين العرب تحت لواء الوحدة الثقافية للأمة العربية ذات التاريخ المشترك واللغة الواحدة تحت بعث جديد يقوده القوميون الاشتراكيون دعاة الاشتراكية التي تبعث على التطور والازدهار وصد كل الحركات التي تعطل الأمة وتؤخر مسيرتها وحينما تمكن هؤلاء البعثيون النصارى من الحكم في لبنان وسوريا كشفوا عن حقيقتهم فإذا هم ينادون بعبادة البعث والعروبة والكفر بما عداهما وفي هذا قال أحد شعرائهم: آمنت بالبعث ربا لا شريك له ... وبالعروبة دينا ماله ثان وقال آخر: بلادك قدسها على كل ملة ... ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم هبوني عيدا يجعل العرب أمة ... وسيروا بجثماني على دين برهم سلام على كفر يوحد بيننا ... وأهلا وسهلا بعده بجهنم وكان قيام حزب البعث العربي الاشتراكي على دعوى القومية من الأمور البديهية إذ لا يمكن أن تقبل آراءهم المجتمعات العربية الإسلامية ما داموا يقدسون دينهم. فإذا تراخت قبضتهم على دينهم أمكن حينئذ أن تطل عليهم مبادئ القومية وأن تزحزحهم عن التعصب للدين إلى التعصب للقومية شيئا فشيئا إلى أن يتم المقصود ونحن اليوم نعيش خيانة هذا الحزب في ظرف هذه الحرب الضروس التي يخوضها الغرب في العراق.

سادس عشر: أهم مشاهير دعاة القومية العربية

1 - أبو خلدون ساطع الحصري لقد تفانى هذا الشخص في الدعوة إلى القومية العربية بخصوصها وأعاد وأبدى فيها وجعلها دينه ومصدر إلهامه عليها يوالي وعليها يعادي – لحاجة في نفس يعقوب – وغرضه ربط العرب بها بدلا عن ربطهم بدينهم وربطهم كذلك بالغرب قلبا وقالبا ومن الغرائب أن بعض الباحثين يذكر أن لغته الأصلية الأولى هي التركية وليست العربية فما الذي حمله على هذا التقديس للعربية والتعصب لها؟ وقد تأثر في دعواه إلى القومية بالقوميين الأوروبيين وحذا حذوهم إلا أنه كان يرى أن القومية ترتكز على أمرين هما وحدة الأمة. ووحدة التاريخ دون ما سواهما خصوصا الدين الذي تواطأ على إبعاده جميع القوميين، تنقل في مناصب مختلفة أهمها شغله وزارة التربية وقد وصف بأنه فيلسوف الفكرة القومية العربية ومرجع القوميين العرب وقد جد في دعوته إلى القومية بحذر شديد فكان يساير الحكام والمذاهب المختلفة الملحدة وغير الملحدة مع غمزه في دين الإسلام وتفضيل رباط القومية على رابطة الإسلام وأن الإيمان بالقومية العربية يجب أن تكون في حسبان كل عربي وأن تجتمع الكلمة عليها قبل كل شيء، وأن انضمام الأقوام الذين يتكلمون لغة واحدة وتاريخهم واحد وآمالهم وآلامهم واحدة يجب أن يجعلوا القومية هي الرباط العام بينهم ويجب أن تقوم دولتهم وثقافتهم عليها. وأنحى باللائمة في تأخر ظهور القومية إلى تمسك الناس بحكامهم ولم يقل بدينهم حذرا منه حسب تعاليم الأديان وكان هؤلاء يعيقون تطلع الشعوب إلى الانضواء تحت راية القومية لئلا يضعف الولاء للحكام حسب زعمه وكان دائما يثير الحماس في نفوس العرب ويبشرهم بأن النصر سيكون في النهاية للقومية وأنها ستكون هي الرباط الوحيد بين الشعوب وليس الإسلام الذي يطلب أن تقوم الشعوب بزعمه على التعصب له بعد أن تعقدت الأمور وظهرت النوازع السياسية المختلفة وتغير مفاهيم الناس.

2 - مصطفى الشهابي

2 - مصطفى الشهابي كان من النشطاء في الدعوة إلى القومية العربية وكان يسميها عقيدة القومية العربية وأن من يناضل في سبيلها فيصاب يسمى شهيدا عنده وزعم كذلك أن الناس في القديم كانوا يجتمعون على رابطة التدين ولكن حينما ظهرت العقيدة القومية أظهرت تفوقا كبيرا على رابطة التدين وأن العرب أحسوا حينما تمسكوا بالقومية أنهم سيحققون كل ما يريدونه لشعوبهم في السياسة وفي الاقتصاد وفي جميع مرافق الحياة بسبب وجود جامع اللغة فيما بينهم على مختلف ديارهم مضافا إليها تاريخهم المشترك الذي يجدون فيه ما كان بين أسلافهم من التكاتف والتفاني وما قدموه من خدمة لبعضهم بعضا على مر التاريخ وما أدت إليه هذه المواقف من قوة ومنعة وصمود في وجوه أعدائهم من غيرهم بزعمه فانظر كيف يرمي بأنظار الناس إلى التاريخ الجاهلي ويتناسى فضل الإسلام وكان يردد دائما أن الفرق بين القومية العربية والإسلام أن القومية أدق وأقوى في الارتباط لأن العقيدة الإسلامية لم تقتصر على ما اقتصرت عليه القومية من شد أزر العرب فقط وإنما كانت شاملة للعرب وغيرهم؟! ويرى أن رباط الإسلام لا يهتم بالعرب ولا يجعل لهم مزية على غيرهم أو احتراما لحقوقهم خاصة بهم ولا يعطيهم التميز الذي تعطيه لهم القومية العربية وهو تحريض سافر على إقصاء الإسلام عن الحياة.

3 - محمد معروف الدواليبي

3 - محمد معروف الدواليبي من مشاهير دعاة القومية العربية والمغالين في تقديسها وقد زعم أن العرب قبل أن ينتبهوا للقومية العربية كانوا في فراغ مميت وانحطاط شديد وأن ظهور دعاة القومية العربية من تباشير الخير العميم ودعا بكل حرارة إلى أن يجند كل عربي نفسه لخدمة القومية وإعلاء شأنها والإيمان الراسخ بعقيدة انتشار القومية وانضواء كل العرب تحت رايتها التي سترفرف فوق كل بلد عربي ويستظل بظلها كل عربي وكان يعتقد أن على العرب ألا ينظروا إلى رابطة الدين وانضواء الناس على مختلف لغاتهم تحت لوائه لأن هذه النظرة الشاملة ليست هي القومية العربية الخالصة التي يجب أن تقدم على الروابط العامة لأن رابطة اللغة العربية – من وجهة نظره – هي الأساس قبل الإسلام وبعده وكان العرب قبل الإسلام على مذاهب وأفكار شتى من جاهليين ووثنيين ونصارى ويهود ولم يكن لهم رابط إلا اللغة العربية والتاريخ المشترك وهو يهدف إلى إقصاء فكرة أن الدين الإسلامي يجب أن يكون هو الرابط العام ولكن لا أدري لو سئل هذا السؤال وكيف كان حالهم حينما كانوا لا تربطهم إلا اللغة والتاريخ المشترك قبل الإسلام لا أدري بماذا سيجيب؟ وله مبالغات في مدح اللغة واجتماع كل أمة عليها وأنها مصدر إلهام ومحبة وتوافق وأن الأمة العربية من أدناها إلى أقصاها يجب أن يستنيروا بالقومية في جميع مجالات حياتهم ما داموا كلهم يتكلمون اللغة العربية إلى آخر ما عنده من الترهات والهذيان.

4 - جمال عبد الناصر

4 - جمال عبد الناصر ومن المشاهير في تقديس القومية رئيس مصر جمال عبد الناصر الذي كانت له صولات وجولات وألقاب فخمة وتزعم في هذا العصر الدعوة إلى القومية العربية وعمل ما في وسعه في سبيل تقويتها وانتشارها بل وجعلها دينا مقدسا وعقيدة أساسية واستحوذ على كثير من مصادر الإعلام في وقته وسخرها لترديد أفكاره القومية وتمجيد العروبة وأنها هي المنقذ الوحيد لإزالة المستعمرين والطريق القويم إلى التقدم ونبذ الرجعية وأن العرب سيعيشون في الجنة التي وعدهم بها الدين سيعيشونها في هذه الدنيا تحت ظل راية القومية العربية إن استقاموا على الالتزام بتقديس القومية والاشتراكية وكانت له صولات وجولات ودعايات هائلة حتى مرغ الله أنفه تحت رجليه بهزيمته أمام إسرائيل في دقائق معدودة فإذا بهذا الجبار الذي كان يمدح بأنه أبو الأحرار وقامع الرجعية ورائد العروبة .. و .. و .. بل كان يقال لن ننهزم وناصر فينا ثم انحلت المعركة عنه فإذا به دمية صغيرة وأن فأسه كان من طين ولقى الخزي والهوان وهو ينظر إليه. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 955

سابع عشر: كلام الشيخ ابن باز في نقد القومية

سابع عشر: كلام الشيخ ابن باز في نقد القومية ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات، دعوة باطلة وخطأ عظيم، ومنكر ظاهر، وجاهلية وكيد سافر للإسلام وأهله، وذلك لوجوه: الأول: أن الدعوة إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين، وتفصل المسلم العجمي عن أخيه العربي، وتفرق بين العرب أنفسهم؛ لأنهم كلهم ليسوا يرتضونها، وإنما يرضاها منهم قوم دون قوم، وكل فكرة تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابا فكرة باطلة، تخالف مقاصد الإسلام وما يرمي إليه؛ وذلك لأنه يدعو إلى الاجتماع والوئام، والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى، كما يدل على ذلك قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103] وقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63] وقال تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:32] فانظر أيها المؤمن الراغب في الحق كيف يحارب الإسلام التفرق والاختلاف، ويدعو إلى الاجتماع والوئام، والتمسك بحبل الحق والوفاة عليه، تعلم بذلك أن هدف القومية غير هدف الإسلام، وأن مقاصدها تخالف مقاصد الإسلام، ويدل على ذلك أيضا أن هذه الفكرة، أعني الدعوة إلى القومية العربية وردت إلينا من أعدائنا الغربيين، وكادوا بها المسلمين، ويقصدون من ورائها فصل بعضهم عن بعض، وتحطيم كيانهم، وتفريق شملهم، على قاعدتهم المشئومة (فرق تسد) وكم نالوا من الإسلام وأهله بهذه القاعدة النحيسة، مما يحزن القلوب ويدمي العيون وذكر كثير من مؤرخي الدعوة إلى القومية العربية، ومنهم مؤلف الموسوعة العربية: أن أول من دعا إلى القومية العربية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، هم الغربيون على أيدي بعثات التبشير في سوريا، ليفصلوا الترك عن العرب، ويفرقوا بين المسلمين ........ , الوجه الثاني: أن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها، وأبدى في ذلك وأعاد في نصوص كثيرة بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخلاق الجاهلية، وأعمالهم إلا ما أقره الإسلام من ذلك، ولا ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية، لأنها دعوة إلى غير الإسلام، ومناصرة لغير الحق، وكم جرت الجاهلية على أهلها من ويلات وحروب طاحنة، وقودها النفوس والأموال والأعراض، وعاقبتها تمزيق الشمل وغرس العداوة والشحناء في القلوب، والتفريق بين القبائل والشعوب ........ , ولا ريب أيضا أن الدعوة إلى القومية تدعو إلى البغي والفخر؛ لأن القومية ليست دينا سماويا يمنع أهله من البغي والفخر، وإنما هي فكرة جاهلية تحمل أهلها على الفخر بها والتعصب لها على من نالها بشيء، وإن كانت هي الظالمة وغيرها المظلوم، فتأمل أيها القارئ ذلك يظهر لك وجه الحق.

الوجه الثالث من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية هو أنها سلم إلى موالاة كفار العرب وملاحدتهم من غير المسلمين، واتخاذهم بطانة، والاستنصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم ومعلوم ما في هذا من الفساد الكبير، والمخالفة لنصوص القرآن والسنة، الدالة على وجوب بغض الكافرين من العرب وغيرهم، ومعاداتهم وتحريم موالاتهم واتخاذهم بطانة والنصوص في هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] الآية سبحان الله ما أصدق قوله وأوضح بيانه، هؤلاء القوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية مسلمها وكافرها، يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، نخشى أن يعود الاستعمار إلى بلادنا، نخشى أن تسلب ثرواتنا بأيدي أعدائنا، فيوالون لأجل ذلك كل عربي من يهود ونصارى، ومجوس ووثنيين وملاحدة وغيرهم، تحت لواء القومية العربية، ويقولون: إن نظامها لا يفرق بين عربي وعربي، وإن تفرقت أديانهم، فهل هذا إلا مصادمة لكتاب الله، ومخالفة لشرع الله، وتعد لحدود الله، وموالاة ومعاداة، وحب وبغض على غير دين الله؟ فما أعظم ذلك من باطل، وما أسوأه من منهج والقرآن يدعو إلى موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين أينما كانوا وكيفما كانوا، وشرع القومية العربية يأبى ذلك ويخالفه: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ويقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة: 1] إلى قوله تعالى وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ. ونظام القومية يقول: كلهم أولياء مسلمهم وكافرهم والله يقول: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: 13] ويقول سبحانه قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4] وقال تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة: 22] وشرع القومية أو بعبارة أخرى شرع دعاتها يقول: أقصوا الدين عن القومية، وافصلوا الدين عن الدولة، وتكتلوا حول أنفسكم وقوميتكم، حتى تدركوا مصالحكم وتستردوا أمجادكم، وكأن الإسلام وقف في طريقهم، وحال بينهم وبين أمجادهم، هذا والله هو الجهل والتلبيس وعكس القضية، سبحانك هذا بهتان عظيم

والآيات الدالة على وجوب موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين، والتحذير من توليهم كثيرة لا تخفى على أهل القرآن، فلا ينبغي أن نطيل بذكرها وكيف يجوز في عقل عاقل أن يكون أبو جهل، وأبو لهب، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث وأضرابهم من صناديد الكفار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلي يومنا هذا، إخوانا وأولياء لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة، ومن سلك سبيله من العرب إلى يومنا هذا. هذا والله من أبطل الباطل وأعظم الجهل وشرع القومية ونظامها يوجب هذا ويقتضيه، وإن أنكره بعض دعاتها جهلا أو تجاهلا وتلبيسا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقد أوجب الله على المسلمين: أن يتكاتفوا ويتكتلوا تحت راية الإسلام، وأن يكونوا جسدا واحدا، وبناء متماسكا ضد عدوهم، ووعدهم على ذلك النصر والعز والعاقبة الحميدة، كما تقدم ذلك في كثير من الآيات، وكما في قوله تعالي: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: 55] الآية وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات: 171] فوعد الله سبحانه عباده المرسلين، وجنده المؤمنين بالنصر والغلبة، واستخلافهم في الأرض والتمكين لدينهم، وهو الصادق في وعده، وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ [الزمر:20] وإنما يتخلف هذا الوعد في بعض الأحيان بسبب تقصير المسلمين، وعدم قيامهم بما أوجب الله عليهم من الإيمان بالله، والنصر لدينه، كما هو الواقع، فالذنب ذنبنا لا ذنب الإسلام، والمصيبة حصلت بما كسبت أيدينا من الخطايا، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]

فالواجب على العرب وغيره: التوبة إلى الله سبحانه، والتمسك بدينه، والتواصي بحقه، وتحكيم شريعته، والجهاد في سبيله، والاستقامة على ذلك من الرؤساء وغيرهم، فبذلك يحصل لهم النصر ويهزم العدو، ويحصل التمكين في الأرض، وإن قل عددنا وعدتنا، ولا ريب أن من أهم الواجبات الإيمانية: أخذ الحذر من عدونا، وأن نعد له ما نستطيع من القوة، وذلك من تمام الإيمان، ومن الأخذ بالأسباب التي يتعين الأخذ بها، ولا يجوز إهمالها، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ وقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [النساء: 71] وليس للمسلمين أن يوالوا الكافرين أو يستعينوا بهم على أعدائهم، فإنهم من الأعداء ولا تؤمن غائلتهم وقد حرم الله موالاتهم، ونهى عن اتخاذهم بطانة، وحكم على من تولاهم بأنه منهم، وأخبر أن الجميع من الظالمين، كما سبق ذلك في الآيات المحكمات، وثبت في: (صحيح مسلم)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله جئت لأتبعك وأصيب معك وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أتؤمن بالله ورسوله؟ قال لا قال "فارجع فلن استعين بمشرك قالت ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة فقال لا قال "فارجع فلن استعين بمشرك" قالت ثم رجع فأدركه في البيراء فقال له كما قال أول مرة "تؤمن بالله ورسوله؟ " قال نعم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "فانطلق")) (¬1) فهذا الحديث الجليل، يرشدك إلى ترك الاستعانة بالمشركين، ويدل على أنه لا ينبغي للمسلمين أن يدخلوا في جيشهم غيرهم، لا من العرب ولا من غير العرب؛ لأن الكافر عدو لا يؤمن. وليعلم أعداء الله أن المسلمين ليسوا في حاجة إليهم، إذا اعتصموا بالله، وصدقوا في معاملته. لأن النصر بيده لا بيد غيره، وقد وعد به المؤمنين، وإن قل عددهم وعدتهم كما سبق في الآيات وكما جرى لأهل الإسلام في صدر الإسلام، ¬

(¬1) انظر توضيح هذه القضية في: ((ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي)) (1/ 37) وما بعدها.

ويدل على تلك أيضا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ [آل عمران: 118] فانظر أيها المؤمن إلى كتاب ربك وسنة نبيك عليه الصلاة والسلام كيف يحاربان موالاة الكفار، والاستعانة بهم واتخاذهم بطانة، والله سبحانه أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم، فلو كان في اتخاذهم الكفار أولياء من العرب أو غيرهم والاستعانة بهم مصلحة راجحة، لأذن الله فيه وأباحه لعباده، ولكن لما علم الله ما في ذلك من المفسدة الكبرى، والعواقب الوخيمة، نهى عنه وذم من يفعله، وأخبر في آيات أخرى أن طاعة الكفار، وخروجهم في جيش المسلمين يضرهم، ولا يزيدهم ذلك إلا خبالا، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ [آل عمران: 149:] وقال تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالًا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:47] فكفى بهذه الآيات تحذيرا من طاعة الكفار، والاستعانة بهم، وتنفيرا منهم، وإيضاحا لما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة، عافى الله المسلمين من ذلك، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73] أوضح سبحانه أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء بعض، فإذا لم يفعل المسلمون ذلك، واختلط الكفار بالمسلمين، وصار بعضهم أولياء بعض، حصلت الفتنة والفساد الكبير، وذلك بما يحصل في القلوب من الشكوك، والركون إلى أهل الباطل والميل إليهم، واشتباه الحق على المسلمين نتيجة امتزاجهم بأعدائهم وموالاة بعضهم لبعض، كما هو الواقع اليوم من أكثر المدعين للإسلام حيث والوا الكافرين، واتخذوهم بطانة، فالتبست عليهم الأمور بسبب ذلك، حتى صاروا لا يميزون بين الحق والباطل ولا بين الهدى والضلال، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فحصل بذلك من الفساد والأضرار ما لا يحصيه إلا الله سبحانه ..... , وللقوميين هنا شبهة، وهي أنهم يقولون: إن التكتل حول القومية العربية بدون تفرقة بين المسلم والكافر يجعل العرب وحدة قوية، وبناء شامخا، يهابهم عدوهم ويحترم حقوقهم، وإذا انفصل المسلمون عن غيرهم من العرب، ضعفوا وطمع فيهم العدو، وشبهة أخرى وهي أنهم يقولون: إن العرب إذا اعتصموا بالإسلام، وتجمعوا حول رايته، حقد عليهم أعداء الإسلام، ولم يعطوهم حقوقهم، وتربصوا بهم الدوائر، خوفا من أن يثيروها حروبا إسلامية، ليستعيدوا بها مجدهم السالف، وهذا يضرنا ويؤخر حقوقنا ومصالحنا المتعلقة بأعدائنا، ويثير غضبهم علينا.

والجواب: أن يقال: إن اجتماع المسلمين حول الإسلام، واعتصامهم بحبل الله، وتحكيمهم لشريعته، وانفصالهم من أعدائهم والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء، هو سبب نصر الله لهم وحمايتهم من كيد أعدائهم، وهو وسيلة إنزال الله الرعب في قلوب الأعداء من الكافرين، حتى يهابوهم ويعطوهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، كما حصل لأسلافهم المؤمنين. فقد كان بين أظهرهم من اليهود والنصارى الجمع الغفير، فلم يوالوهم ولم يستعينوا بهم، بل والوا الله وحده، واستعانوا به وحده، فحماهم وأيدهم ونصرهم على عدوهم والقرآن والسنة شاهدان بذلك، والتاريخ الإسلامي ناطق بذلك، قد علمه المسلم والكافر. وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر إلى المشركين، وفي المدينة اليهود، فلم يستعن بهم، والمسلمون في ذلك الوقت ليسوا بالكثرة، وحاجتهم إلى الأنصار والأعوان شديدة، ومع ذلك فلم يستعن نبي الله والمسلمون باليهود، لا يوم بدر ولا يوم أحد، مع شدة الحاجة إلى المعين في ذلك الوقت، ولا سيما يوم أحد، وفي ذلك أوضح دلالة على أنه لا ينبغي للمسلمين أن يستعينوا بأعدائهم، ولا يجوز أن يوالوهم أو يدخلوهم في جيشهم، لكونهم لا تؤمن غائلتهم، ولما في مخالطتهم من الفساد الكبير، وتغيير أخلاق المسلمين، وإلقاء الشبهة، وأسباب الشحناء والعداوة بينهم، ومن لم تسعه طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقة المؤمنين السابقين فلا وسع الله عليه. وأما حقد غير المسلمين على المسلمين إذا تجمعوا حول الإسلام، فذلك مما يرضي الله عن المؤمنين ويوجب لهم نصره، حيث أغضبوا أعداءه من أجل رضاه، ونصر دينه والحماية لشرعه. ولن يزول حقد الكفار على المسلمين، إلا إذا تركوا دينهم واتبعوا ملة أعدائهم، وصاروا في حزبهم، وذلك هو الضلال البعيد والكفر الصريح، وسبب العذاب والشقاء في الدنيا والآخرة، كما قال سبحانه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة:120] وقال تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] وقال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:18] فأبان الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات البينات: أن الكفار لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم، وندع شريعتنا، وإنهم لا يزالون يقاتلونا حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا. وأخبر أنه متى أطعناهم واتبعنا أهواءهم، كنا من المخلدين في النار، إذا متنا على ذلك، نسأل الله العافية من ذلك، ونعوذ بالله من موجبات غضبه وأسباب انتقامه.

الوجه الرابع: من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال: إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاما وضعية تخالف حكم القرآن، حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام، وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف، وهذا هو الفساد العظيم، والكفر المستبين والردة السافرة، كما قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [:]

وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50] وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] وكل دولة لا تحكم بشرع الله، ولا تنصاع لحكم الله، ولا ترضاه فهي دولة جاهلية كافرة، ظالمة فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات، يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله، وتحرم عليهم مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده، وتحكم شريعته، وترضى بذلك لها وعليها، كما قال عز وجل: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] فالواجب على زعماء القومية ودعاتها، أن يحاسبوا أنفسهم ويتهموا رأيهم، وأن يفكروا في نتائج دعوتهم المشئومة، وغاياتها الوخيمة، وأن يكرسوا جهودهم للدعوة إلى الإسلام ونشر محاسنه والتمسك بتعاليمه والدعوة إلى تحكيمه بدلا من الدعوة إلى قومية أو وطنية، وليعلموا يقينا أنهم إن لم يرجعوا إلى دينهم ويستقيموا عليه ويحكموه فيما شجر بينهم، فسوف ينتقم الله منهم، ويفرق جمعهم، ويسلبهم نعمته، ويستبدل قوما غيرهم، يتمسكون بدينه ويحاربون ما خالفه كما قال تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] وقال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام: 44] صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ قوله تعالى وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102])) (¬1) فيا معشر القوميين: راقبوا الله سبحانه، وتوبوا إليه، وخافوا عذابه واشكروه على إنعامه، وذلك بتعظيم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بهما ودعوة الناس إلى ذلك، وتحذيرهم مما يخالفه، ففي ذلك عز الدنيا والآخرة، وصلاح أمر المجتمع، وراحة الضمير وطمأنينة القلب، والسعادة العاجلة والآجلة، والأمن من عذاب الله في الدنيا والآخرة. ¬

(¬1) مثل قيام الحجة وانتفاء الشبهة والتأول، وعدم الإكراه ونحوها انظر: ((ضوابط التكفير)) (275 – 385 ط 2/)، و ((نواقض الإيمان الاعتقادية)) (2/ 201 - 313).

وكل ما خالف ذلك من الدعوات، فهو دعوة إلى جهنم، وسبيل إلى قلق الضمائر، واضطراب المجتمع، وتسليط الأعداء، وحرمان السعادة والأمن في الدنيا والآخرة، كما قال ذو العزة والجلال في كتابه المبين: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:133] فأبان سبحانه في هذه الآيات أن من اتبع هداه لم يضل ولم يشق، بل له الهدى والسعادة في الدنيا والآخرة ومن أعرض عن ذكره فله المعيشة الضنك في الدنيا، والعمى والعذاب في الآخرة، ومن ضنك المعيشة في الدنيا ما يبتلى به أعداء الإسلام من ظلمة القلوب وحيرتها، وما ينزل بها من الغموم والهموم والشكوك والقلق، وأنواع المشاق في طلب الدنيا وجمعها والخوف من نقصها وسلبها، وغير ذلك من أنواع العقوبات المعجلة في الدنيا، كما قال الله سبحانه: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة: 55] وقال تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة: 21] والآيات في هذا المعنى كثيرة، نسأل الله أن يصلح قلوبنا، وأن يعرفنا بذنوبنا، ويمن علينا بالتوبة منها، وأن يهدينا وسائر إخواننا سواء السبيل، إنه على كل شيء قدير. ¤نقض القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع لعبد العزيز بن باز ص11 - 43

الخاتمة

الخاتمة بعد هذا العرض الموجز للقومية يتضح لنا بجلاء أنها أبعد ما تكون عن الحقيقة وأنها لا يمكن أن تتم عليها المودة والرحمة واجتماع الكلمة وأنها جاهلية أوروبية ورثها المتطفلون على الحياة الأوروبية وذهبوا يحاولون تجميل وجهها القبيح ويزخرفون القول فيها لتجتمع عليها الكلمة ولتحل محل الدين وأبلوا في ذلك بلاء لا يحمدون ولا يشكرون عليه وما هي إلا لعبة سياسية ومقصد يراد من ورائه أهدافا ومكاسب وقد جربتها أوروبا وتبين لهم أنها تفسد أكثر مما تصلح فنبذوها وقد تلقفها اليهود والنصارى وقدموها في شعارات براقة للعرب ليكملوا بها تفريق الكلمة والابتعاد عن الدين – وخصوصا الإسلام – وبعبارة أخرى نقول لو كانت القومية فيها خير وجمع للكلمة لوحدت – أقل ما يمكن – بين قلوب العرب المتنافرة بل ولو كانت كذلك لكان كل عربي يلهج بذكرها وتمجيدها خصوصا في أيامنا هذه وهي أيام نحس وحزن على العرب كلهم وهم يواجهون تهديدات الدول الكبرى في اكتساح العراق وغيره من بلدان العالم بقيادة أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ولو كان ساسة العرب النابهين منهم يعلمون أن في الدعوة إلى القومية - العربية - فيه أدنى نفع للعرب فضلا عن غيرهم لملأوا الدنيا صياحا وعويلا على وجوب التزام القومية والعمل تحت لوائها ولكنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنها بضاعة مزجاة لا تصلح إلا للاستهلاك اليومي. وكذلك أيضا الدول الكبرى قد اطمأنوا تماما ووثقوا من إحكام الفرقة بين العرب وبين غيرهم فلا يرون ضرورة للمناداة باسم القومية العربية فلهذا لم نعد نسمع التقديس للقومية الذي كان في زمن من قبلنا من دعاة القومية وآخرهم جمال عبد الناصر بل إسرائيل وأمريكا وسائر الكفار لا يريدون أن تطل دعوة القومية العربية برأسها لأن مصلحتهم تقتضي عدم ذلك في الوقت الحاضر ولأنها قد أتت ثمارها سابقا حينما قضوا بها على الخلافة الإسلامية في تركيا ممثلة في الحكم العثماني وبذلك يتبين أن كثيرا من دعاة القومية من العرب ومن غيرهم إنما هم ببغاوات يرددون ما يسمعونه حرفيا من مدربيهم رؤساء الكفر والضلال إذ لا يغيرون حتى كلمات العبارات. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 967

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ القومية العربية تاريخها وقوامها، مصطفى الشهابي. ـ اللغة والأدب وعلاقتهما بالقومية، ساطع الحصري. ـ العروبة أولاً، ساطع الحصري. ـ الإقليمية جذورها وبذورها، ساطع الحصري. ـ قضية العرب، علي ناصر. ـ القومية العربية، د. أبو الفتوح رضوان. ـ أرض العروبة، عبد الحي حسن العمراني. ـ بين الدعوة القومية والرابطة الإسلامية، أبو الأعلى المودودي. ـ تطور المفهوم القومي عند العرب، أنيس صائغ. ـ حقيقة القومية العربية، محمد الغزالي. ـ دراسات تاريخية عن أصل العرب وحضارتهم الإنسانية، د. محمد معروف الدواليبي. ـ الشعوبية الجديدة، محمد مصطفى رمضان. ـ محنة القومية العربية، أركان عبادي. ـ معنى القومية العربية، جورج حنا. ـ نشوء القومية العربية، زين نور الدين زين. ـ نقد القومية العربية، الشيخ عبد العزيز بن باز. ـ يقظة العرب، ترجمة د. ناصر الدين الأسد، د. إحسان عباس. ـ فكرة القومية العربية على ضوء الإسلام، صالح بن عبد الله العبود. ـ نشأة الحركة العربية الحديثة، محمد عزة دروزة. ـ حول القومية العربية، عبد المجيد عبد الرحيم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي 1 - " فكرة القومية العربية في ضوء الإسلام " الشيخ صالح بن عبد الله العبود. 2 - " حركات ومذاهب في ميزان الإسلام " الطبعة العاشرة سنة 1403هـ فتحي يكن. 3 - "الاتجاهات الفكرية المعاصرة وموقف الإسلام منها " جمعة الخولي. 4 – "محمد والقومية العربية" – علي حسني خربوطلي. 5 - "مذاهب فكرية معاصرة" – محمد قطب. 6 – " نقد القومية العربية" – الشيخ عبد العزيز بن باز. 7 - " القومية في نظر الإسلام " – محمد أحمد باشميل. 8 - "الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام" – منير محمد نجيب. 9 – " في الشعوبية " – إسماعيل العرفي. 10 - " الشعوبية الجديدة " – محمد مصطفى رمضان. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 968

المطلب السادس عشر: حزب البعث العربي الاشتراكي

أولا: التعريف حزب البعث حزب قومي علماني، يدعو إلى الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم العربية لصهرها وتحويلها إلى التوجه الاشتراكي، شعاره المعلن (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) وهي رسالة الحزب، أما أهدافه فتتمثل في الوحدة والحرية والاشتراكية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات في سنة 1932م عاد من باريس قادماً إلى دمشق كل من ميشيل عفلق (نصراني ينتمي إلى الكنيسة الشرقية)، وصلاح البيطار (سني) وذلك بعد دراستهم العالية محملين بأفكار قومية وثقافة أجنبية. ـ عمل كل من عفلق والبيطار في التدريس، ومن خلاله أخذا ينشران أفكارهما بين الزملاء والطلاب والشباب. ـ أصدر التجمع الذي أنشأه عفلق والبيطار مجلة الطليعة مع الماركسيين سنة 1934م وكانوا يطلقون على أنفسهم اسم (جماعة الإحياء العربي). ـ في نيسان 1947م تم تأسيس الحزب تحت اسم (حزب البعث العربي)، وقد كان من المؤسسين: ميشيل عفلق، صلاح البيطار، جلال السيد، زكي الأرسوزي كما قرروا إصدار مجلة باسم البعث. ـ كان لهم بعد ذلك دور فاعل في الحكومات التي طرأت على سوريا بعد الاستقلال سنة 1946م وهذه الحكومات هي: 1 ـ حكومة شكري القوتلي: من 1946م وحتى 29/ 3/1949م. 2 ـ حكومة حسني الزعيم: استلم السلطة عدة شهور من سنة 1949م. 3 ـ حكومة اللواء سامي الحناوي: بدأ حكمه وانتهى في نفس عام 1949م. 4 ـ حكومة أديب الشيشكلي: استمر حكمه حتى سنة 1954م. 5 ـ حكومة شكري القوتلي: عاد إلى الحكم مرة ثانية واستمر إلى توقيع اتفاقية الوحدة مع مصر سنة 1958م. 6 ـ حكومة الوحدة برئاسة جمال عبد الناصر: 1958ـ 1961م. 7 ـ حكومة الانفصال برئاسة الدكتور ناظم القدسي: وقد دام الانفصال من 28/ 9/1961م وحتى 8/ 3/1963م. وقد قاد حركة الانفصال عبد الكريم النحلاوي. منذ 8/ 3/1963م وإلى اليوم فقد وقعت سوريا تحت حكم حزب البعث، وقد مرت هذه الفترة بعدة حكومات بعثية هي: ـ حكومة قيادة الثورة: 1963م وفيها برز صلاح البيطار كرئيس للوزراء. ـ حكومة أمين الحافظ: من 1963م وحتى 1966م. ـ حكومة نور الدين الأتاسي: 1966م ـ 1970م حيث لعبت القيادة القطرية للحزب دوراً بارزاً في الحكم، وقد برز في هذه الفترة كل من صلاح جديد الذي عمل أميناً عاماً للقيادة القطرية وحافظ الأسد الذي عمل وزيراً للدفاع. ـ حكومة حافظ الأسد: من سنة 1970م وإلى يومنا هذا. · ومن الشخصيات السورية البارزة التي ظهرت في تاريخ الحزب: ـ سامي الجندي: تقلد منصب وزير الإعلام بعد انقلاب 1963م. ـ حمود الشوفي: عمل سكرتيراً عاماً للقيادة القطرية الأولى إلا أنه انشق وجماعته عن الحزب في آذار سنة 1964م، وهو الآن في العراق. ـ منيف الرزاز: (أردني سني) عمل سكرتيراً عاماً للقيادة القومية للحزب من نيسان 1965م إلى شباط 1966م. ـ مصطفى طلاس: (سني): ولد سنة 1932م، درس في الكلية العسكرية بحمص، انضم إلى الحزب في سنة 1947م وعمل رئيساً لمحكمة الأمن القومي للمنطقة الوسطى من 1963م، ورئيس أركان اللواء المدرع الخامس من 1964م ـ 1966م ورئيس الأركان للقوات المسلحة من شباط 1968م ونائب وزير الدفاع من 1968ـ 1972م وفي آذار 1973م وصار وزيراً للدفاع. ـ اللواء يوسف شكور: خلف مصطفى طلاس في رئاسة الأركان وهو من منطقة حمص. ـ اللواء ناجي جميل: من دير الزور، كان قائداً لسلاح الجو من تشرين الثاني 1970م وحتى آذار 1978م. ـ سليم حاطوم: حاول أن يقود انقلاباً عام 1966م لكنه فشل في ذلك. وقد أعدم في عام 1967م. ـ زكي الأرسوزي: (من لواء إسكندرون) مؤسس مع ميشيل عفلق ومنافس له. ـ شبلي العيسمي: ولد عام 1930م، عمل وزيراً للإصلاح الزراعي ثم وزيراً للمعارف، ثم وزيراً للثقافة والإرشاد القومي 1963مـ 1964م ونائباً للأمين العام لحزب البعث 1965م. ـ عبد الكريم الجندي: من أنصار صلاح جديد، انتهى منتحراً عام 1969م. ـ سليمان العيسى: (من لواء إسكندرون) منظّر ومفكّر وشاعر.

ـ أحمد الخطيب: استلم رئاسة الجمهورية من تشرين الثاني 1970م واستقال في شباط 1971م وهي الفترة الانتقالية بين حكومة نور الدين الأتاسي وحكومة حافظ الأسد، وقد كان عضو القيادة القطرية الموسعة من 1965م كما استلم رئاسة مجلس الشعب لفترة قصيرة. ـ يوسف زعين: مولود في البوكمال 1931م طبيب، عمل وزيراً للإصلاح الزراعي 1963ـ 1964م، وسفيراً في بريطانيا، وفي 1965م انتخب عضواً في القيادة القطرية، ومن شباط 1966م إلى تشرين الأول 1968م، كان رئيساً للوزراء حتى عام 1970م. ـ جلال السيد: عضو مؤسس في حزب البعث وهو من مدينة دير الزور وقد ترك الحزب لكنه بقي نشيطاً في السياسة السورية. ـ عبد الحليم خدام: ولد 1932م في بانياس، خريج كلية الحقوق بدمشق تنقل في عدة وظائف حيث عمل محافظاً لمدينة حماة ومحافظاً لمدينة القنيطرة ومحافظاً لمدينة دمشق 1964م ووزيراً للاقتصاد 1969م ووزيراً للخارجية من 1970م وهو عضو القيادة القطرية منذ عام 1969م وقد ارتقى عام 1984م ليكون نائب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية. ـ حافظ الأسد: ولد بالقرداحة من قرى اللاذقية سنة 1930م، تخرج في الكلية العسكرية بحمص 1955م عمل قائداً لقاعدة الضمير الجوية 1963م، وقائداً لسلاح الطيران 1964م، انضم إلى المجلس الوطني لقيادة الثورة 1965م، انضم إلى صلاح جديد في انقلاب 1966م وصار وزيراً للدفاع من 1966م إلى 1970م. ومن تشرين الثاني 1970م صار رئيساً للجمهورية بعد قيادته الحركة التغييرية التي أوصلته إلى السلطة. ـ زهير مشارقة من حلب، عين مؤخراً نائب رئيس الجمهورية لشؤون الحزب. - لقد اندمج في سنة 1953م كل من (حزب البعث) و (الحزب العربي الاشتراكي) الذي كان يقوده أكرم الحوراني في حزب واحد أسمياه (حزب البعث العربي الاشتراكي). أما عن الجناح العراقي من حزب البعث فقد استولى على السلطة في العراق بعد أحداث دامية سارت على النحو التالي: - استيلاء حزب البعث على ناصية الحكم في العراق: ـ في الرابع عشر من شهر يوليو عام 1958م دخل لواء بقيادة عبد السلام عارف إلى بغداد قادماً من الأردن واستولى على محطة الإذاعة وأعلن الثورة على النظام الملكي وقتل الملك فيصل الثاني وولي عهده عبد الإله ونوري السعيد وأعوانه وأسقط النظام الملكي وبذلك انتهى عهد الملك فيصل ودخل العراق دوامة الانقلابات العسكرية. ـ وفي اليوم الرابع والعشرين من شهر يوليو عام 1958م أي بعد عشرة أيام من نشوب الثورة وصل ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث وزعيمه إلى بغداد وحاول إقناع أركان النظام الجديد بالانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة (سوريا ومصر) ولكن الحزب الشيوعي العراقي أحبط مساعيه ونادى بعبد الكريم قاسم زعيماً أوحد للعراق. ـ وفي اليوم الثامن من شهر فبراير لعام سنة 1963م قام حزب البعث بانقلاب على نظام عبد الكريم قاسم وقد شهد هذا الانقلاب قتالاً شرساً دار في شوارع بغداد، وبعد نجاح هذا الانقلاب تشكلت أول حكومة بعثية، وسرعان ما نشب خلاف بين الجناح المعتدل والجناح المتطرف من حزب البعث فاغتنم عبد السلام عارف هذه الفرصة وأسقط أول حكومة بعثية في تاريخ العراق في 18 نوفمبر سنة 1963م وعين عبد السلام عارف أحمد حسن البكر أحد الضباط البعثيين المعتدلين نائباً لرئيس الجمهورية. ـ في شهر فبراير سنة 1964م أوصى ميشيل عفلق بتعيين صدام حسين عضواً في القيادة القطرية لفرع حزب البعث العراقي. ـ في شهر سبتمبر سنة 1966م قام حزب البعث العراقي بالتحالف مع ضباط غير بعثيين بانقلاب ناجح أسقط نظام عارف.

ـ وفي اليوم الثلاثين من شهر يوليو عام 1968م طرد حزب البعث كافة من تعاونوا معه في انقلابه الناجح على عبد السلام عارف وعين أحمد حسن البكر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للجيش وأصبح صدام حسين نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة ومسؤولاً عن الأمن الداخلي. ـ وفي 15 أكتوبر سنة 1970م تم اغتيال الفريق حردان التكريتي في مدينة الكويت وكان من أبرز أعضاء حزب البعث العراقي وعضواً في مجلس قيادة الثورة ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع. ـ وفي شهر نوفمبر من عام 1971م تم اغتيال السيد فؤاد الركابي وكان المنظّر الأول للحزب وأحد أبرز قادته في العراق وقد تم اغتياله داخل السجن. ـ وفي 8 يوليو سنة 1973م جرى إعدام ناظم كزار رئيس الحكومة وجهاز الأمن الداخلي وخمسة وثلاثين شخصاً من أنصاره وذلك في أعقاب فشل الانقلاب الذي حاولوا القيام به. ـ وفي السادس من شهر مارس عام 1975م وقّعت الحكومة البعثية العراقية مع شاه إيران الاتفاقية المعروفة باتفاقية الجزائر وقد وقعها عن العراق صدام حسين وتقضي الاتفاقية المذكورة بأن يوافق العراق على المطالب الإقليمية للشاه في مقابل وقف الشاه مساندته للأكراد في ثورتهم على النظام العراقي. ـ في شهر أكتوبر لعام 1978م طردت الحكومة البعثية الخميني من العراق وقامت في شهر فبراير عام 1979م الثورة الخمينية في إيران. ـ وفي شهر يونيو عام 1979م أصبح صدام حسين رئيساً للجمهورية العراقية بعد إعفاء البكر من جميع مناصبه وفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله. ـ في يوليو سنة 1979م قام صدام حسين بحملة إعدامات واسعة طالت ثلث أعضاء مجلس قيادة الثورة وأكثر من خمسمائة عضو من أبرز أعضاء حزب البعث العراقي. ـ وفي اليوم الثامن من شهر أغسطس من العام نفسه أقدم صدام حسين على إعدام غانم عبد الجليل وزير التعليم ومحمد محجوب وزير التربية ومحمد عايش وزير الصناعة وصديقه الحميم عدنان الحمداني والدكتور ناصر الحاني سعيد، ثم قتل مرتضى سعيد الباقي تحت التعذيب، وقد سبق لكل من الأخيرين أن شغلا منصب وزير الخارجية، وقد بلغ عدد من أعدمهم صدام حسين خلال أقل من شهر واحد ستة وخمسين مسؤولاً حزبياً، ولم يبق على قيد الحياة من الذين شاركوا في انقلاب عام 1968م سوى عزت إبراهيم الدوري وطه ياسين رمضان وطارق حنا عزيز. ـ وفي اليوم التاسع من شهر إبريل عام 1980م قام صدام حسين بإعدام محمد باقر الصدر أحد أبرز علماء الشيعة وأخته زينب الصدر المعروفة باسم (بنت الهدى). ـ وفي يوم 22 سبتمبر سنة 1980م شن صدام حسين حربه على إيران التي أسفرت عن سقوط ما يقارب نصف المليون من أزاهير شباب العراق فضلاً عن سبعمائة ألف من المعاقين والمشوهين، إضافة إلى نفقات الحرب التي تجاوزت المائتي ألف مليون من الدولارات وكذلك تجميد كل تنمية طوال مدة زمنية تجاوزت الثماني سنوات، خرج صدام بعد كل هذه التضحيات ليعلن للعالم أن حربه مع إيران كانت خطأ وأن الحق كل الحق في العودة إلى الاتفاقية المبرمة بينهما ـ اتفاقية الجزائر ـ. ـ وفي أثناء حربه مع إيران أنزل بالمواطنين الأكراد أبشع أنواع القتل والبطش والتنكيل والإبادة باستخدام الغازات السامة والكيماوية. ـ وفي 2 أغسطس سنة 1990م (11 محرم سنة 1411هـ) قام باجتياح دولة الكويت واستباحة أرضها وطرد شعبها، إلى أن تم تحريرها. ـ قامت أمريكا أخيرًا بإسقاط صدام ونظامه البعثي، واحتلت العراق، ونصبت حكومة علمانية موالية لها؛ وسط مقاومة عظيمة من الشعب العراقي السني المسلم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: سلوكيات ومبادئ حزب البعث العراقي

ثالثا: سلوكيات ومبادئ حزب البعث العراقي نادى مؤسس الحزب بضرورة الأخذ بنظام الحزب الواحد لأنه كما يقول: (إن القدر الذي حمّلنا هذه الرسالة خولنا أيضاً حق الأمر والكلام بقوة والعمل بقسوة) لفرض تعليمات الحزب ومن ثم لا يوجد أي مواطن عراقي يتمتع بأبسط قدر من الحرية الشخصية أو السياسية فكل شيء في دولة حزب البعث العراقي يخضع لرقابة بوليسية صارمة، تشكل دوائر المباحث والمخابرات والأمن قنوات الاتصالات الوحيدة بين المواطنين والنظام. ـ تركيز سياسة الحزب على قطع كافة الروابط بين العروبة والإسلام، والمناداة بفصل الدين عن السياسة، والمساواة في نظرتها للأمور بين شريعة حمورابي وشعر الجاهلية وبين دين محمد عليه والصلاة والسلام وبين ثقافة المأمون وجعلها جميعاً تتساوى في بعث الأمة العربية وفي التعبير عن شعورها بالحياة. ـ ادّعت سياسة الحزب أن تحقيق الاشتراكية شرط أساسي لبقاء الأمة العربية ولإمكان تقدمها، مع أن النتيجة الحتمية للسياسة الاشتراكية التي طبقت في العراق لم تجلب الرخاء للشعب ولم ترفع مستوى الفقراء ولكنها ساوت الجميع في الفقر، وبعد أن كان العراق قمة في الثراء ووفرة الموارد والثروات أصبح بطيش حزب البعث عاجزاً عن توفير القوت الأساسي لشعبه. ـ قيامه بتجريد الدستور العراقي من كل القوانين التي تمت إلى الإسلام بصلة، وأصبحت العلمانية هي دستور العراق ومعتقدات البعث ومبادئه هي مصدر التشريع لقوانينه. ـ ورد في التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع والمنعقد في بغداد في شهر يونيو من عام 1982م ما يلي: (وأما الظاهرة الدينية في العصر الراهن فإنها ظاهرة سلفية ومتخلفة في النظرة والممارسة). (ومن الأخطاء التي ارتكبت في هذا الميدان أن بعض الحزبيين صاروا يمارسون الطقوس الدينية وشيئاً فشيئاً صارت المفاهيم الدينية تغلب على المفاهيم الحزبية). (إن النضال ضد هذه الظاهرة ـ يقصد الظاهرة الدينية ـ يجب أن يستهدفها (الحزب) حيث وجدت .. لأنها كلها تعبر عن موقف معادٍ للشعب وللحزب وللثورة وللقضية القومية). ـ حزب البعث العربي الاشتراكي حزب قومي علماني انقلابي له طروحات فكرية متعددة يتعذر الجمع بينها أحياناً فضلاً عن الإقناع بها، لقد كُتِبَ عنه كثيراً وتحدث زعماؤه طويلاً، ولكن هناك بون واسع بين ممارسات وأقوال فترة ما قبل السلطة، وممارسات وأقوال فترة ما بعدها. ـ الرابطة القومية عنده هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية التي تكفل الانسجام بين المواطنين وانصهارهم في بوتقة واحدة وتكبح جماح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية حتى قال شاعرهم: آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثان ـ تعلن سياسة الحزب التربوية أنها ترمي إلى خلق جيل عربي جديد مؤمن بوحدة أمته وخلود رسالتها أخذاً بالتفكير العلمي، طليقاً من قيود الخرافات والتقاليد والرجعية، مشبعاً بروح التفاؤل والنضال والتضامن مع مواطنيه في سبيل تحقيق الانقلاب العربي الشامل وتقدم الإنسانية، "والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن بأن الله والأديان والإقطاع ورأس المال وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ". (إبراهيم خلاص ـ فيلسوف الحزب في العراق). من التوصيات العامة لمقررات المؤتمر القومي الرابع:

ـ تقول التوصية الرابعة: "يعتبر المؤتمر القومي الرابع الرجعية الدينية إحدى المخاطر الأساسية التي تهدد الانطلاقة التقدمية في المرحلة الحاضرة ولذلك يوصي القيادة القومية بالتركيز في النشاط الثقافي والعمل على علمانية الحزب، خاصة في الأقطار التي تشوه فيها الطائفية العمل السياسي". ـ التوصية التاسعة تقول: "إن أفضل سبيل لتوضيح فكرتنا القومية هو شرح وإبراز مفهومها التقدمي العلماني وتجنب الأسلوب التقليدي الرومنطيقي في عرض الفكرة القومية وعلى ذلك سيكون نضالنا في هذه المرحلة مركزاً حول علمانية حركتنا ومضمونها الاشتراكي لاستقطاب قاعدة شعبية لا طائفية من كل فئات الشعب". ـ أما عن الوحدة فهم يقولون: ليست الوحدة العربية مجرد تجميع ولصق لأجزاء الوطن العربي، بل هي التحام فصهر لهذه الأجزاء، لذا فإن الوحدة ثورة بكل أبعادها ومعانيها ومستوياتها، وهي ثورة لأنها قضاء على مصالح إقليمية عاشت وتوسعت وترسبت عبر القرون، وهي ثورة لأنها تجابه مصالح وطبقات تعارض الوحدة وتقف في وجهها (المنطلقات النظرية للمؤتمر القومي السادس). ـ وأما الاشتراكية فهي تعني تربية المواطن تربية اشتراكية علمية تعتقه من كافة الأطر والتقاليد الاجتماعية الموروثة والمتأخرة لكي يمكن خلق إنسان عربي جديد يعقل علمي متفتح، ويتمتع بأخلاق اشتراكية جديدة ويؤمن بقيم جماعية. ـ الرسالة الخالدة: يفسرونها بأن الأمة العربية ذات رسالة خالدة تظهر بأشكال متجددة متكاملة في مراحل التاريخ ترمي إلى تجديد القيم الإنسانية وحفز التقدم البشري وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم. · هذا ويمكن ملاحظة ما يلي: ـ إن كلمة الدين لم ترد مطلقاً في صلب الدستور السوري أو العراقي. ـ كلمة الإيمان بالله على عموميتها لم ترد في صلب الدستور، لا في تفصيلاته ولا في عمومياته، مما يؤكد على الاتجاه العلماني لديه. ـ في بناء الأسرة لا يشيرون إلى تحريم الزنى ولا يشيرون إلى آثاره السلبية. ـ في السياسة الخارجية لا يشيرون إلى أية صلة مع العالم الإسلامي. ـ لا يشيرون إلى التاريخ الإسلامي الذي أكسب الأمة العربية مكانة وقدراً بين الشعوب. ـ رغم مطالبة الحزب بإتاحة أكبر قدر من الحرية للمواطنين، فإن ممارساته القمعية فاقت كل تصور وانتهكت كل الحرمات ووأدت كل الحريات وألجأت الكثيرين إلى الهجرة والفرار بعقيدتهم من الظلم والاضطهاد. ـ القوانين في البلاد التي يحكمها البعث علمانية وحانات بيع الخمور مفتوحة ليل نهار، والنظام المالي ربوي ودعاة الإسلام مضطهدون بشكل سافر. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية 1ـ يعتمد الحزب على الفكر القومي الذي ظهر وبرز بعد سقوط الدولة العثمانية في العالم العربي والذي نادت به أوروبا، والذي نادى به منظَّر القومية العربية في العالم العربي آنذاك ساطع الحصري. 2ـ يعتمد الحزب على الفكر العلماني إذ ينحي مسألة العقيدة الدينية جانباً ولا يقيم لها أي وزن سواء على صعيد الفكر الحزبي أو على صعيد الانتساب إلى الحزب أو على صعيد التطبيق العملي. 3ـ يستلهم الحزب تصوراته من الفكر الاشتراكي ويترسم طريق الماركسية رغم انهيارها، والخلاف الوحيد بينهما أن اتجاهات الماركسية أممية، أما البعث فقومي، وفيما عدا ذلك فإن الأفكار الماركسية تمثل العمود الفقري في فكر الحزب ومعتقده، وهي لا تزال كذلك رغم انهيار البنيان الماركسي فيما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي. 4ـ لقد كان الحزب واجهة انضوت تحته كل الاتجاهات الطائفية (درزية ـ نصيرية ـ إسماعيلية ـ مسيحية) وأخذ هؤلاء يتحركون من خلاله بدوافع باطنية يطرحونها ويطبقونها تحت شعار الثورة والوحدة والحرية والاشتراكية والتقدمية وقد كانت الطائفة النصيرية أقدر هذا الطوائف على استغلال الحزب لتحقيق أهدافها وترسيخ وجودها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ 1ـ للحزب أعضاء ينتشرون في معظم الأقطار العربية، بعضهم يعمل بشكل علني وبعضهم الآخر سري، ويتفاوت وجودهم وتأثيرهم من بلد إلى آخر على حسب طبيعة البلد ونوعية حكمه. 2 ـ يحكم حزب البعث بلدين عربيين مهمين هما سوريا والعراق، وقد عجز الحزب عن تحقيق الوحدة بين فصائله، بل إن الصراع بين شطري البعث مستمر وعلى أشده، واتهامات الخيانة بين الطرفين لا تنقضي، وإذا كان هذا هو شأن الحزب في بلدين يخضعان له فهو من باب أولى عاجز عن تحقيق وحدة الأمة العربية بكاملها. والبعثيون يتطلعون إلى استلام السلطة في جميع أرجاء الوطن العربي باعتبار ذلك جزءً لا يتجزأ من طموحاتهم البعيدة، وقد أدت بهم هذه الرغبة العارمة إلى السقوط في حمأة الإنذار المقنع والتهديد السافر والعدوان الصريح وربما يكون حزب البعث في العراق أسوأ ما شهده التاريخ. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن حزب البعث العربي الاشتراكي حزب قومي سلطوي يحاد الله ورسوله ويسعى إلى قلب الأوضاع في العالم العربي ويتخذ العلمانية وتحقيق الاشتراكية مطلباً يبرر سياسته القمعية، ورسالته التي يصفها، على خلاف الحقيقة، بالتقدمية ويجعل من الوحدة العربية هدفاً ينفذه بالضم والإرغام رغم إرادة الشعوب. والعلاقة معه يجب أن يحكمها قول الله سبحانه: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة: 22] الآية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ نضال البعث، بشير الداعواق ـ بيروت ـ 1970م. ـ حزب البعث الاشتراكي مرحلة الأربعينات التأسيسية 1940م ـ 1949م، تأليف شبلي العيسمي ـ بيروت 1975م. ـ التجربة المرة، منيف الرزاز ـ بيروت 1967م. ـ البعث، سامي الجندي ـ بيروت 1969م. ـ تجربتي مع الثورة، محمد عمران ـ بيروت 1970م. ـ حزب البعث، مطاع صفدي. ـ الصراع من أجل سورية، باتريك سيل ـ لندن 1965م. ـ أعاصير دمشق، فضل الله أبو منصور ـ بيروت 1959م. ـ مذكراتي عن الانفصال، عبد الكريم زهر الدين. ـ الدروز، فؤاد الأطرش. ـ الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام، محمد منير نجيب ـ ط 1 ـ 1981م ـ مكتبة الحرمين. ـ حزب البعث تاريخه وعقائده، سعيد بن ناصر الغامدي دار الوطن للنشر. ـ دراسة عن حزب البعث وردت للندوة من أحد الكتاب "لا يريد ذكر اسمه". ـ جريدة الحياة البيروتية 10/ 2/1965م ـ 15/ 2/1966م ـ 8/ 9/1966م. ـ جريدة الرياض، مجموعة مقالات الأستاذ أحمد الشيباني. ـ جريدة النهار البيروتية 15/ 2/1964م. ـ جريدة المحرر البيروتية 13/ 9/1966م. ـ مجلة المجتمع الكويتية العدد 231 ـ 24/ 12/1394هـ ـ 7/ 1/1975م. ـ مجلة الدعوة المصرية الأعداد 70، 71، 72، 73، 74. ـ مقال لفهمي هويدي العدد 572 بتاريخ 23/ 1/1991م. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السابع عشر: الناصرية

أولا: التعريف الناصرية حركة قومية عربية، نشأت في ظل حكم جمال عبد الناصر (رئيس مصر من عام 1952م ـ 1970م) واستمرت بعد وفاته واشتقت اسمها من اسمه وتبنت الأفكار التي كان ينادي بها وهي: الحرية والاشتراكية والوحدة وهي نفس أفكار الأحزاب القومية اليسارية العربية الأخرى. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي التأسيس وأبرز الشخصيات أول من أطلق لفظ (الناصرية) محمد حسنين هيكل، الصحفي الذي رافق عبد الناصر إبان حكمه، وأصبح له شهرة في العالم العربي، وذلك بمقال له في جريدة الأهرام في 14/ 1/1972م. - جاء بعده كمال رفعت وأصدر في عام 1976م كتيباً بعنوان ناصريون ذكر فيه مبادئ الناصرية وأهدافها. - وبلور الدكتور عبد القادر حاتم الذي كان وزيراً في عهد عبد الناصر المذهب الناصري في تأبينه لعبد الناصر، كما جاء في جريدة الأخبار (2/ 10/1970م) حينما قال: " أصبح في العالم اليوم مذهب سياسي متميز ينتسب إلى عبد الناصر ". - وقد وافق القضاء المصري على إعلان الناصرية كحزب باسم (الحزب الديمقراطي الناصري) وذلك في يوم الاثنين 18/شوال/1412هـ (20/ 4/1992م) برئاسة ضياء الدين داود المحامي، وعضو مجلس الشعب المصري. - وهناك من قادة الدول العربية ـ مثل معمر القذافي رئيس الجماهيرية الليبية ـ من يصرح بأنه على منهج عبد الناصر!!.

ثانيا: نظرة تاريخية على مؤسس الناصرية

ثانيا: نظرة تاريخية على مؤسس الناصرية ـ جمال عبد الناصر: وكان يتردد على مركز الإخوان المسلمين لسماع حديث الثلاثاء منذ عام 1942م. (مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف). ـ في أوائل عام 1946م بايع الإخوان المسلمين على التضحية في سبيل الدعوة الإسلامية مجموعةٌ من الضباط منهم جمال عبد الناصر. (مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف). ـ بدأت علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية منذ آذار (مارس) 1952م أي قبل قيام الثورة بأربعة أشهر، كما اعترف بذلك أحد رفاقه وهو خالد محي الدين. وتحدث اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد الثورة عن هذه العلاقة في مذكراته، وأنهم هم الذين كانوا يرسمون له الخطط الأمنية ويدعمون حرسه بالسيارات والأسلحة الجديدة. ـ في 27 يوليو 1954م عقد اتفاقية الجلاء مع بريطانيا وعارضه فيها الإخوان المسلمون. ـ في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954م أعفي محمد نجيب من منصبه كرئيس للجمهورية ليصبح عبد الناصر فرعون مصر الجديد ـ على حد تعبير رفاقه ـ كمال الدين حسين وحسن التهامي. ـ ـ في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1954م (12 ربيع الآخر 1374هـ) نفذ عبد الناصر حكم الإعدام في ستة من قادة جماعة الإخوان المسلمين منهم عبد القادر عودة مؤلف التشريع الجنائي في الإسلام. فضلاً عن الاعتقالات التي شملت الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وذلك بعد اتهامهم بالتآمر على قتله في حادث المنشية بالإسكندرية (في نفس العام) والتي قيل بأنها مسرحية دبرها عبد الناصر مع المخابرات المركزية للتخلص من الإخوان المسلمين الذين كانوا يشكلون عقبة كبيرة لحكمه الفردي البعيد عن الدين، ولتلميع شخصيته كزعيم وطني حتى تتعلق به الجماهير. ـ في عام 1956م كان الاعتداء الثلاثي على مصر من قبل انجلترا وفرنسا وإسرائيل .. ولم ينسحب المعتدون إلا بعد استيلاء إسرائيل على شرم الشيخ في سيناء، وجزيرة تيران في البحر الأحمر. ـ شارك في الحرب اليمنية: التي قتل فيها الآلاف من الشعب المصري المسلم .. وخسرت فيها الملايين. ـ في عام 1965م أقدم عبد الناصر على إعدام ثلاثة من كبار الإخوان المسلمين منهم سيد قطب مؤلف في ظلال القرآن. ـ في نفس العام صدر القرار الجمهوري (نيسان ـ أبريل ـ 1965م) بالعفو الشامل عن جميع العقوبات الأصلية والتبعية ضد الشيوعيين في مصر، ودخل الماركسيون في جميع مجالات الحياة في مصر بعد ذلك. ـ في عام 1967م كانت النكبة الثانية للعرب والمسلمين، فقد احتلت دولة اليهود في فلسطين المحتلة، ثلاثة أمثال ما اغتصبوه عام 1948م (سيناء والجولان والضفة الغربية) وسقطت القدس بلا قتال. ـ وتوفي عبد الناصر سنة 1970م بعد أن غرقت مصر في الديون وبعد أن خرّب مصر سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً، وملأ العالم العربي بالشعارات الجوفاء. - ومن أخلاق عبد الناصر على لسان رفاق حياته ومعاصريه: ـ يقول حسن التهامي وهو من أقرب المقربين لعبد الناصر: " إن عبد الناصر هو الذي أمر القوات المصرية بالانسحاب إلى الضفة الغربية من قناة السويس عام 1967م. وأن عبد الناصر هو الذي دس السم لعبد الحكيم عامر، في بيت عبد الناصر نفسه ". الأهرام 5/ 8/1977م. ـ حسين الشافعي وهو أحد الضباط الأحرار الذين قاموا بالانقلاب العسكري سنة 1952م يقول في محاضرة له في جمعية الشبان المسلمين: " انقلوا عني: أن الجيش المصري لم يحارب في معركة 1967م بل هزم بسبب الإهمال والخيانة، وأقول الخيانة وأضع تحتها عشرة خطوط ". ـ خالد محيي الدين: زعيم التنظيم اليساري في مصر وهو أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، يقول: " إن عبد الناصر كانت له علاقة بالمخابرات الأمريكية منذ مارس 1952م أي قبل قيام الثورة بأربعة أشهر ". ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات من مبادئ الناصرية: ـ الحرية والاشتراكية والوحدة، للقضاء على مشكلات العالم العربي الأربعة: وهي الاستعمار والتخلف والطبقية والتجزئة بين أقطار العالم العربي. (وهي نفسها أفكار حزب البعث القومي اليساري: الوحدة، الحرية، الاشتراكية). ـ الحرية المطلوبة هي حرية الناصريين وليست حرية الشعب بكامله، إذ أن الناصرية القديمة (في عهد عبد الناصر نفسه) رفعت شعارات لا حرية لأعداء الحرية، وهي تعتقد بأن كل معارض لها من أعداء الحرية. الاشتراكية أساس التقدم الاقتصادي .. وهي أساس بناء مجتمع الكفاية والعدل، والمجتمع الذي ترفرف عليه الرفاهية كما يزعمون. ـ ونادت الناصرية بتوزيع الثروة الوطنية لتحقيق التغيير الاجتماعي. ـ ونادت بالاشتراكية العلمية .. وهي خليط من الاشتراكية الماركسية والليبرالية الغربية والأفكار والوطنية مع شيء من الأفكار الدينية. ـ الوحدة هي أساس القوة العربية .. والعروبة أو القومية العربية هي أساس قيام الوحدة. وأغفلت الناصرية رباط العقيدة التي لا تؤمن الشعوب العربية إلا بها ولا تجتمع إلا حول رايتها. وهي أساس وحدة العرب في الصدر الأول. ـ نادت الناصرية بالديمقراطية ومفهوم الديمقراطية لديها هو ديمقراطية التحالف السياسي، تبعاً لتحالف القوى الاجتماعية .. أو كما وصفها محمد حسنين هيكل بديمقراطية الموافقة: أي أن الزعيم الحاكم ينفرد بالحكم وبإصدار القرارات المصيرية .. ودور الشعب يقتصر على تأييد هذه القرارات. لأنه يفترض في الزعيم العصمة والصواب والحكمة وتجسيد إرادة الشعب وحقوق التعبير عنها. ـ العلمانية ـ أو اللا دينية ـ من أسس الناصرية أيضاَ .. فليس للدين علاقة بالمجتمع وقوانينه ونظام حياته، وإنما هو طقوس تعبدية في المسجد فحسب. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية الناصرية حركة قومية يسارية علمانية برزت بعد وفاة عبد الناصر لذلك فهي تعتمد على الفكر القومي الذي ظهر بعد سقوط الدولة العثمانية. - الفكر الماركسي المادي أحد روافد فكرها الذي تلبسه الثوب القومي. - الناصرية أبعدت الدين من كل مبادئها وممارساتها، من هنا جاء وصفها بالعلمانية (أو اللادينية) ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: النفوذ وأماكن الانتشار

خامسا: النفوذ وأماكن الانتشار نشأت الناصرية في مصر وانتشرت في باقي البلاد العربية، وإن كان أتباعها في البلاد العربية قلة من المنتفعين، وقد طالب بعض الذين تعاونوا مع عبد الناصر إبان حكمه بتشكيل حزب ناصري في مصر وقد سمح لهم بذلك. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة:

الخلاصة: أن الناصرية تتجسد في حفنة من الذين تعاونوا مع عبد الناصر إبان حكمه وأظهروا الولاء لشخصه فلما سمح بالتعددية الحزبية في مصر اتفقوا على التجمع باسم القومية العربية وتحت لواء الحرية والاشتراكية والوحدة دون تحديد واضح لمضمون هذه الأهداف. ولكنهم على أية حال يدينون بالولاء لعبد الناصر ويعتبرونه رائدهم مشيدين بمواقفه الإيجابية بحكم أنه أنهى الملكية الفاسدة في مصر وأمم قناة السويس، وأنهى الاحتلال البريطاني، وبنى السد العالي، وحرر اليمن الشمالي، وحقق مكاسب للعمال والفلاحين. ولكنهم يتغافلون عن سلبيات حكمه الفظيعة، التي تتمثل في إعلان الحرب على الاتجاه الإسلامي في الداخل والخارج، وتعذيب حملة لوائه عذاباً نكراً، تقتيل فطاحل علمائه من أمثال عبد القادر عودة وسيد قطب وغيرهم بعد محاكمات صورية. - كما دأب على الوقوف دائماً في صف أعداء الإسلام ومناصرة سياستهم فأيد نهرو في مواقفه الجائرة ضد باكستان، وأيد نيريري الذي قام بمذبحة ضد مسلمي زنجبار، وأيد مكاريوس الذي كافح من أجل إضاعة حقوق المسلمين في قبرص. وأحيا جاهلية القرن العشرين بإثارة نعرة القومية العربية وإعلان الحرب على ملوك البلدان الإسلامية وتشجيع المؤامرات الانقلابية. - ورغم أنه في أول حكم الثورة كان قد جعل الديمقراطية أحد مبادئها، إلا أنه لم يسمح ببزوغ فجرها ووأدها في مهدها وقضى على كافة الأحزاب المطالبة بها، وأنشأ الحزب الشمولي وألغى الدستور وجمع السلطة كلها في يده وظل طوال حكمه مثال الحاكم المستبد الذي يضرب خصومه بيد من حديد، دون أدنى مراعاة للقيم الأخلاقية ويفتعل المؤامرات للقضاء عليهم قضاء مبرماً. وانتشر في عهده التحلل الأخلاقي والتفكك الأسري والتزلف النفعي والفساد، وقام بإلغاء الأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية، وأضعف كيان الأزهر، وأصبح للمخابرات والمباحث العامة والأمن القومي السيطرة على كل المؤسسات في الدولة، وقاصمة الظهر في هذا كله أنه عرَّض الجيش المصري لهزيمة ساحقة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً وضاعت بسببها الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان والقدس الشريف وتمكنت إسرائيل من توسيع رقعتها بما لم تكن تحلم به. - ويعتبر مسئولا عن انفصال السودان عن مصر وعن حرب اليمن وعن السماح لإسرائيل باستعمال مضيق تيران. - والمؤمل، إذا تجملت الناصرية ـ بعد أن سمح لها من جديد بتشكيل حزب سياسي في مصر ـ أن تفتح أنصارها عيونهم على هذه الحقائق المؤلمة ويصححوا مسارها نحو فهم جديد مستند للإسلام كأهم عنصر إيجابي في تحقيق حكم نظيف قوامه العدالة الاجتماعية وإنجاز الحرية والشورى كأساس متين لتجمع المسلمين ووحدتهم. ولعلهم بذلك يخفون وجه الناصرية القبيح ويقضون على آثارها المتعفنة ورموزها القذرة، ولهم في ماضيهم عبرة وفيما حدث في الكويت تبصرة وذكرى (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد). ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ كنت رئيساً لمصر محمد نجيب. ـ تاريخ بلا وثائق ـ إبراهيم سعدة. ـ البحث عن الذات، منير حافظ. ـ مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف. ـ الله أو الدمار، سعد جمعة. ـ الناصرية في قفص الاتهام ـ عبد المتعال الجبري. ـ الموتى يتكلمون ـ سامي جوهر. ـ الناصرية وثنية سياسية ـ د. فهمي الشناوي. ـ من أسرار علاقة الضباط الأحرار بالإخوان المسلمين ـ حسين محمد أحمد حمودة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثامن عشر: الوطنية

أولا: بيان حقيقة الوطنية الوطنية دعوة براقة وخدعة كبيرة تستثير في النفوس عاطفة حب الوطن في البدايات الأولى وفي نهايتها يراد بها الانسلاخ من رابطة الدين والاكتفاء بها في كل وطن له حدود جغرافية وموالاة أهله على حبه بغض النظر عن أي اعتبار. وهي نسبة إلى الوطن: أي الأرض التي يعيش عليها مجموعة من الناس وقد ظهرت بعد ظهور القومية كرافد من روافد القومية يقصد بها أن يقدس كل إنسان وطنه فقط وأن يتعصب له بالحق والباطل وهي بهذا المفهوم لا يقبلها الإسلام ولا يقرها إلا إذا كان المقصود بها الناحية الطبيعية التي طبع عليها كل كائن حي من حبه لوطنه الذي يعيش فيه فقط فإن الإسلام لا يمنع هذا الإحساس والعاطفة بل يحبذه وكان الصحابة في المدينة يحنون إلى مكة وجبالها وأوديتها وأشجارها حتى قال بلال رضي الله عنه أو غيره من المهاجرين: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي أذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجرة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل حتى دعا الرسول صلى الله عليه وسلم ربه أن يحبب إليهم المدينة كحبهم مكة أو أشد حبا. والوطنية التي نحن بصدد دراستها هي الوطنية الشريرة التي تريد أن تحل محل الإسلام إلى جانب القومية ومضيفة إليها بعدا جديدا في التفلت من رابطة الدين والأخوة الإسلامية والاكتفاء بالوطنية وكلتاهما تصب في مجرى واحد وإن اختلفت التسمية. ذلك أن القومية هي التعصب للقوم ويدخل فيها التعصب للوطن. والوطنية هي التعصب لتلك الأرض ويدخل فيها التعصب للساكنين عليها أيضا. ومن هنا نجد أن القومية والوطنية يمد بعضها بعضا لتكونا معا رافدا من روافد الجاهلية والنفرة عن الدين والالتقاء على حب الوطن، بغض النظر عن اختلاف ديانة الموجودين عليها، فالوطنية أم الجميع، لأن الوطنية توجب أن يتعايش المسلم والنصراني واليهودي والمجوسي وغيرهم على حد سواء. والقارئ الكريم يجد عبارات القوميين تتضح تقديسا وتكريما للوطن كما قال شاعرهم: بلادي هواها في لساني وفي دمي ... يمجدها قلبي ويدعو لها فمِ وقوله: بلادك قدسها على كل ملة ... ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم وقول الآخر: بلادي وإن جارت علي عزيزة ... وأهلي وإن ضنوا علي كرام وكأنه لم يسمع قول ابن الورد: حبك الأوطان عجز ظاهر ... فاغترب تلق عن الأهل بدل وهذه الوطنية هي في حقيقتها دعوة لتجزئة أوطان المسلمين وانطواء كل جزء على نفسه وعدم الاهتمام بغيره من أوطان المسلمين الأخرى. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 972

ثانيا: القومية والوطنية

ثانيا: القومية والوطنية إن الوطنية دعوة جادة إلى تجمع أبناء الوطن الواحد على حب الوطن والتفاني في خدمته والولاء له بغض النظر عن أي اعتبار آخر فلا ينظر الوطنيون إلى اختلاف أبناء الوطن الواحد في الدين أو في اللهجات أو اللغات أو اختلاف الألوان بينهم فإن الوطنية تحتوي كل اختلاف يقع بين أبناء الوطن الواحد أما الدعوة إلى القومية فهي أشمل وأعم من الدعوة إلى الوطنية بقبولها انضمام أكثر من وطن إليها مع التقاء الجميع كما عرفت سابقا وكلتاهما من جملة السهام الموجهة إلى وحدة الأمة الإسلامية إن لم يصب هذا أصاب الآخر. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 974

ثالثا: كيف نشأت دعوى الوطنية

ثالثا: كيف نشأت دعوى الوطنية نشأت هذه الفكرة في أوروبا كغيرها من الأفكار الأخرى الكثيرة في رد فعل عارم تجاه أوضاعهم التعيسة التي كانت تقسم الناس إلى فريقين فريق هم السادة والقادة وأصحاب الامتياز وفريق آخر هم العمال العبيد الذين يساقون كما تساق البهائم لا قيمة لهم ولا يجمع بين قلوبهم وقلوب الطبقة الأولى غير الأحقاد والكراهية والرغبة في التمرد بأي ثمن يكون للخلاص من قبضة رجال الدين ورجال الدولة على حد سواء بعد أن التقت مصالح رجال الدين ورجال الحكومة على استعباد الناس وتسخيرهم لخدمتهم وحين وصلت الأمور إلى هذا الحد كان اختراع المبررات للخروج على ذلك الوضع هو التفكير الجاد فاخترعت الدعوة إلى القومية ثم إلى الوطنية ثم إلى الأفكار الأخرى كالحرية والمساواة وحقوق الإنسان .. إلى آخره. وكان إلى جانب هؤلاء المتربصون بالكنيسة ورجالها وبالحكام الذين يظلمون الناس باسم المسيح كان إلى جانبهم اليهود الذين كانوا محل بغض الاضطهاد الديني النصراني حينما كانت النصرانية قوة متنمرة لكل المخالفين لها. فكان الأمر يقتضي أن يقف اليهود إلى جانب أولئك بكل ما يستطيعون علها تظهر من وراء تلك الفتن فوائد لليهود وهم يعرفون كيف يستغلون الأوضاع لصالحهم بعد تأجيج الفتن. ومن الجدير بالذكر أن دعوى الوطنية حين ظهرت في أوروبا ما كان لها وهي دعوى جاهلية أن تؤلف بين قلوب الأوروبيين برغم تلك الأوضاع فقامت الحروب الشرسة بينهم وسفكت دماء لا يعلم عددها إلا الله تعالى وكل تلك الحروب إنما كان يراد من ورائها السيطرة وبسط النفوذ وهي حروب كثيرة وقعت بين فرنسا والإنجليز والإيطاليون وغيرهم في مد وجزر استغرق وقتا طويلا وقفت أمامها القومية والوطنية ذليلتان. لقد جاءت الوطنية على غرار خبث القومية ولم يكن تصدير أوروبا الفكرة الوطنية إلا وسيلة من وسائلهم الكثيرة لغزو العالم كله وخصوصا العالم الإسلامي وتشتيته وتمزيق وحدته ليسهل عليهم إذلال تلك الشعوب حينما تنقطع فيما بينهم روابط العقيدة وتحل محلها روابط الجاهلية من قومية ووطنية شعوبية ويصبحون فريسة الأفكار الخادعة ويتخلون عن مصدر عزهم وقوتهم في الإسلام وقد عرفوا أن إحلال الوطنية محل الجهاد الإسلامي بخصوصه هو أقرب الطرق إلى تشرذم المسلمين وبالتالي يكون جهاد المسلمين لأعدائهم إنما هو لأجل الوطن لا لشيء آخر. فيتحول الجهاد من كونه لأجل نشر الإسلام إلى حركات وثورات وطنية لا تفرق بين الدين وعدم الدين بل ولا تدعو إلى الدين الإسلامي ولا إلى نشر تعاليمه ولا يقاتلون أعداء الإسلام لأجل الإسلام بل لأجل أن يتركوا لهم بلادهم وأوطانهم لا غير ومن السهل على أعداء الإسلام أن يعدوا المسلمين ويمنوهم بتركهم أوطانهم إذ أن الطلب في هذا أسهل من طلب الإسلام أو الجزية عن يد وهم صاغرون أو القتال كما هو شعار الإسلام فإذا صارت المفاوضات سياسية محضة فالخطب هين والوعود والكذب والاحتيال أمر مشروع عند الكفار ضد الإسلام والمسلمين ولا يصعب عليهم إخلاف الوعود والاعتذارات بحرارة عندما يتلاعبون بالمواعيد وبين تلك المواعيد واللقاءات المتكررة والمجاملات يسري في عروق الوطنيين ما يسري من الغزو المنظم والانبهار بما عند أعداء الإسلام مما مكنهم الله به من العلم بظاهر الحياة الدنيا وزينتها فتقوم صداقات تنمو شيئا فشيئا بين الوطنيين ممن يزعمون الإسلام وبين أعداء الإسلام بعد أن أبعد الدين ومبادئه في الجهاد عن الساحة وحلت محله الشعارات الخادعة من القومية والوطنية والإنسانية والتقدمية و .. إلى آخره ومادام الوطنيون لا يغضبون لله تعالى ولا لدينهم فبإمكان أعداء دينهم أن يقولوا لهم لماذا تغضبون لأجل الاستقلال؟ سنجود به عليكم بل وستكونون أنتم خلفنا على شعوبكم وسيقبل الوطنيون بكل بساطة بخلاف ما لو كان التعصب للدين. ولهذا فمن الواضح أن دعاة الوطنية وقد أشربوا حبها بدلا عن الدين وتقديسها بدلا عن تعاليم الإسلام من الواضح أن هؤلاء غنيمة أعدائهم حيث يرتمون في أحضانهم للاستعانة بهم والركون إليهم في كل شيء سيواجههم حتى ولو كان ذلك ضد أبناء وطنهم الذين يفطنون لما يبيته لهم الوطنيون عباد الكراسي والشهوات وكانت قيادة دعاة الوطنية لشعوبهم كقيادة فرعون الذي قال لأبناء وطنه " ما أريكم إلا ما أرى " قادوهم إلى جعل الوطن هو المقدس أولا وأخيرا وإلى التعلق بأذيال أهل الشرق الشيوعي أو الغرب النصراني وأماتوا شخصية شعوبهم الإسلامية التي تبعث فيهم النخوة والشهامة والاعتزاز بالإسلام ومعلوم من هذا الكلام أنني لا أقصد به ذم الذين جمعوا بين حب الوطن وحب دينهم وتواضعوا للناس. وإنما أقصد أولئك الذين باعوا أنفسهم وأوطانهم ودينهم بثمن بخس وفضلوا المبادئ والنظريات الكافرة وازدروا الدين الحق وسموه رجعية وتخلفا. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 975

رابعا: هل نجحت الوطنية في تأليف القلوب؟

رابعا: هل نجحت الوطنية في تأليف القلوب؟ إن الوطنية من الشعارات الزائفة وهي أقل وأذل من أن تؤلف بين القلوب حينما تبتعد عن هدي خالقها وتعرض عن دينه القويم وما يجري في البلاد الإسلامية وغيرها من بطش أصحاب الوطن الواحد بعضهم ببعض عند قيام الفتن لهو أقوى شاهد على فشل الالتفاف حول الوطنية وأنها دعوى عنصرية لا تلين لها القلوب ولا تدمع لها العيون. إن جمع الناس على الوطنية – بعيدا عن الدين الإلهي – هو ضرب من الخيال الساذج والسراب الكاذب لأن الله عز وجل لا يصلح عمل المفسدين وقد أخبر سبحانه وتعالى أن الألفة بين القلوب أمر بعيد المنال إذا لم يوجد العامل الصحيح في إيجاد ذلك وقد امتن الله عز وجل على عباده باجتماع كلمتهم على الدين فقد قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103]. وقال تعالى ممتنا على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه المؤمنون من تآلف قلوبهم: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:62 - 63]. وأين هذا التآلف العجيب الذي كان أحدهم يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة والذي جعل الشخص المسلم يقدم نفسه دون أخيه في كل شيء والذي جعلهم كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص أين هذا التآلف من دعوى التآلف على الوطنية القائمة على الجهل والغرور والكبرياء والبغي بغير الحق وتبادل المنافع أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟ إن الوطنية لم تقم على تقوى الله تعالى ولا على الخوف منه عز وجل أو الحب فيه وإنما قامت على نزعات الشيطان. والشيطان يهدم ولا يصلح ويفرق القلوب ولا يجمعها فمن أين إذاً يأتي التآلف والمحبة بين أفرادها إنك لا تجني من الشوك العنب. وإذا كان ما قدمنا دراسته عن القومية يعطي صورة واضحة عن فشلها وبعدها عن أهداف الدين الحنيف الذي يقول للناس: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]. إذا كان ما قدمنا يدل على خيبة القومية وهي الأصل فما هو الظن بالوطنية وهي المتفرعة عن القومية لا ريب أنهما نبتتان خبيثتان لا تقدمان إلا خبثا: وَاللهُ يَدْعُو إلى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [يونس:25]. أرأيتم لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم – وحاشاه – تعصب لقومه ولوطنه مكة من كان سيوصل الإسلام إلى المدينة المنورة ولو أن الصحابة رضي الله عنهم تعصبوا لأوطانهم في الحجاز من كان سيوصل الإسلام من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي بل لو تعصب المسلمون لقومياتهم وأوطانهم فما الذي سيقدمونه للناس إن قدر لهم أن يفتحوا بلدانهم؟ وانظر في كتاب الله عز وجل هل تجد آية خاطب الله فيها قوما أو وطنا أو جنسا على جنس بطريقة التعصب والقومية أو الوطنية أو الإشادة أو تجد في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم شيئا من ذلك؟ كلا. بل ستجد قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:102 - 103]. وستجد: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]. وستجد إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]. وستجد آيات كثيرة كلها تنادي البشر بأنهم على حد سواء أمام الله تعالى وأن التفاضل بينهم عند الله لا يكون إلا بالتقوى وأن التفاخر والتعالي إنما هو من طبيعة الشيطان ومن يتبعه كما ستجد في السنة النبوية مثل هذا المفهوم الحق – وقد مر ذكر أحاديث في ذلك – والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 978

خامسا: الإسلام والوطنية

خامسا: الإسلام والوطنية والإسلام وإن كان لا يمنع حب الشخص لوطنه لكنه يوجب ملاحظة أمور لابد أن تكون في حسبان المسلم وأن يلاحظها بدقة فلا يوالي ويعادي من أجل الوطن بل يجعل الولاء أولا لله تعالى عليه يوالي وعليه يعادي فلا يقدم محبة الوطن أو أهل الوطن على محبة الله تعالى ومحبة من يحبه عز وجل كذلك يجب أن لا يكون حب الوطن ينشأ عن عصبية جاهلية أو على طريقة الجاهلين انصر أخاك ظالما أو مظلوما بمعنى الوقوف إلى جانبه سواء كان على حق أو على باطل بحجة أنه أخاه في الوطن بل عليه أن يراعي الأخوة الإسلامية قبل أخوة الوطن فإن أخوة العقيدة أثبت وأنفع من أخوة الوطن على طريقة خاطئة. وكل محبة في الله تبقى ... على الحالين من فرج وضيق وكل محبة فيما عداه ... فكالحلفاء في لهب الحريق ومما لا مجال للشك فيه أن المسلمين ما ضعفوا وما استكانوا إلا يوم قدموا الوطنية وافتخر كل أهل وطن بوطنهم ولم يهتم بعضهم بالبعض الآخر فكان الجميع لقمة سائغة لأعدائهم فانفردوا بإذلال أهل كل وطن كما هو الوضع الآن وانتشرت مع الأسف دعوات جاهلية صار يرددها الكبير والصغير والمرأة والرجل وهو شعار التضحية في سبيل الوطن أو بذل الدم من أجل تراب الوطن ونحو ذلك من الكلمات التي أثمرت التخاذل حتى عن الدفاع الجاد عن أوطان المسلمين وأعراضهم ونصرة المظلومين وإرجاع الحق لأهله بعد أن ماتت هممهم وغيرتهم وتوزعتهم الأهواء وأثخنت فيهم الدعايات الجاهلية. إن دعاة الوطنية لم يقفوا بها عند حد فقد قدسوا الوطنية إلى حد العبادة من دون الله تعالى وأحلوها محل الدين وصاروا لا يدعون إلا إلى تقديسها ونسيان كل أهل وطن ممن عداهم من أوطان المسلمين الأخرى ونشأ عن تلك الدعوات الفخر والخيلاء والاستكبار بغير الحق والتعالي والغطرسة الكاذبة بل وركن أهل كل وطن على قومهم في وطنهم في كل شيء حتى في الانتصار على الأعداء فقد نسوا أن النصر من عند الله تعالى فصاروا يمتدحون بأن الوطن سيمنحهم الشجاعة والنصر والعيش الكريم وأن وطن كل طائفة سيصبح مقبرة للغزاة والطامعين ولكنها جعجعة ولا ترى طحنا وعنترة جوفاء فضحتها الوقائع القائمة. وقد بلغ من تقديس الأوطان عند دعاة الوطنية الجاهلية أن يطلبوا إلى كل شخص أن يقدس وطنه على كل الممل والأديان وأن يضحي بكل ما لديه لوطنه: بلادك قدسها على كل ملة ... ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم بل وقال: سلام على كفر يوحد بيننا ... وأهلا وسهلا بعده بجهنم وإذا وصل الإنسان في حب وطنه إلى هذا الحد فماذا سيبقى لحب الله وللمحبة في الله مادام حب الوطن هو كل شيء في حياة الإنسان عليه يحيا وعليه يموت وعليه يوالي وعليه يعادي وبه يفاخر وإياه يقدس إلى حد أن الأوطان أصبحت وكأنها أوثان تعبد من دون الله تعالى وكل صاحب وطن يدعي أن وطنه هو أفضل الأوطان وتربته أفضل تربة وأنه وطن معطاء يكفي من تمسك بحبه كل مكروه ويفتخر برجاله وبعطائهم اللا محدود – هكذا – وفي المقابل لابد وأن يحتقر البلدان الأخرى وجهود الرجال الآخرين من بلدان المسلمين ورجالاته في رد فعل سواء شعر بذلك أم لم يشعر به. فلا حرج في دين الوطنية أن يفتخر الشخص برجال وطنه ويقدم حبهم على من سواهم حتى وإن كان أولئك غير مسلمين فالوطنية دين الجميع. ومعلوم أن هذه المبالغة لا يقرها الإسلام الذي يدعو أتباعه إلى أن ينصروا كلهم في بوتقة الإسلام، ويدعو أتباعه لأن يكونوا في هذه الأرض كأنهم جسم واحد وفي وطن واحد ويوجب على كل مسلم أن يدافع عن كل شبر من أوطان المسلمين وأن يغار عليها حتى لو أدى ذلك إلى قتله فإنه يكون شهيدا مقاتلا في سبيل الله تعالى فإن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم وقد ذكر بعض العقلاء أنه من ضيق الأفق تقوقع الإنسان في مكان واحد وصبره فيه على كل ما يصيبه من أنواع المكاره حبا لذلك المكان. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيما ينسب إليه: إني رأيت وقوف الماء يفسده ... إن يجر طاب وإن لم يجر لم يطب ووطن العاقل هو المكان الذي يتهيأ له فيه عبادة الله تعالى ويقوم بدينه ويصون نفسه وعقيدته من الانحراف آمنا مطمئنا على نفسه ودينه وعرضه. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 982

سادسا: نشأة الفكرة الوطنية في البلاد العربية

سادسا: نشأة الفكرة الوطنية في البلاد العربية وتحت شعار الحركة القومية والحركة البعثية نشأت في دول أخرى - مثل دول الجزيرة العربية - الفكرة الوطنية التي لم تكن معروفة من قبل، ففي هذه البلاد وعمان واليمن - مثلاً - لم يكن الناس يعرفون على الإطلاق فكرة التفاخر بالحضارات القديمة وبالوطنية، ولا يعلمون عنها أي شيء فضلاً عن القومية، فنجد أن القوميين تبنوا إحياء هذه الحضارات والآثار القديمة؛ بل مع أنهم يَدَّعون القومية العربية؛ ويتعصبون للغة العربية، أحيوا ما يسمونه التراث الشعبي والأشعار النبطية وما أشبه ذلك، وهذه كلها عوامل تفتيت للأمة إلى قوميات، فالقومية تفتت إلى وطنيات، والوطنية تفتت إلى قبليات وحزبيات وحضارات مختلفة، وكل هذا بغرض تفريق وتمزيق الأمة الإسلامية ورابطة الولاء فيما بينهم؛ فأصبح الإنسان لا يوالي ولا يعادي إلا فيما يعتقد من قومية أو وطنية ........ , ورسخت فكرة القومية العربية، حتى قال شاعرهم: سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنّمِ هبوني ديناً يجعل العرب أمةً وطوفوا بجثماني على دين برهمِ بلادك قدمها على كل ملةٍ ومن أجلها أفطر ومن أجلها صُمِ داع من العهد الجديد دعاكِ فاستأنفي في الخافقين علاكِ يا أمة العرب التي هي أمنا أي افتخارٍ نميته ونماكِ والثاني يقول: ولقد كان ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، وإيليا حاوي، وإلياس أبو شبكة ... إلخ، هم الشعراء الذين يتغنى الناس بأفكارهم، بل قال أحمد شوقي: بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد فلا دين يفرقنا ولا حد يباعدنا وأصبحت المفاخرة بأن أبناء الوطن جميعاً يعملون ضد الاستعمار وضد القوى الرجعية، والرجعية هي الدين في نظرهم، فكانوا يستغلون فكرة القومية والوطنية لإشعال الحرب الضروس على الدين، وعلى كل من يدعو إلى الانتماء إلى الإسلام أو يوالي أو يعادي في هذا الدين، حتى مسخت الأمة - تقريباً - مسخاً كاملاً أو شبه كامل. وأصبحت نظرة كل الناس إلى الأمة العربية والوطن العربي؛ فإن درست الجغرافيا فهي جغرافية الوطن العربي، وإن درست الثروة فثروة الوطن العربي، وإن درس السكان فهم سكان الوطن العربي، وإن تحدث أحد عن الأخطار فإنه يتحدث عن الأخطار على الأمة العربية، وفي الحقيقة أنه مجاملةً لهؤلاء الحفنة من النصارى في لبنان ومصر تخلى الباقون عن دينهم، والتعبير الذي كان ولا يزال إلى هذه الأيام هو أن يقال: (الأمتين) الأمة العربية والأمة الإسلامية! ومن أجل هؤلاء تجعل الأمة الواحدة التي قال الله تعالى عنها: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92] تجعل أمتين!! ونتيجة لهذا الشعور - رسوخ الفكرة القومية عند الناس - أصبح لا يمكن أن تنظر إلى أي إنسان وتقول: هذا مسلم أو نصراني، ولا يمكن أن تسأل عن هذا، ولم يكن أحد يستطيع أن يتحدث بهذا إلا ويُحتقر!! ولا يستطيع أن يكتب في مجلة أو يتكلم في الإذاعة وهو يخالف فكرة القومية العربية، أو الأخوة العربية، أو الرابطة العربية، أو اللغة المشتركة والتاريخ المشترك، وهذا خلاف لما ذكر الله تبارك وتعالى في قوله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ولما قاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى)) (¬1). ¬

(¬1) انظر مثلا: ((مجموع الفتاوى)) (12/ 488).

وكان العراقي - مثلاً - وإن كان يدَّعي القومية العربية إلا أنه يفتخر بالآشورية والبابلية والكلدانية، وأهل الشام وإن كانوا - أيضاً - يدعون القومية العربية والبعثية إلا أنهم يفتخرون بآثار السومريين والفينيقيين، وفي مصر يفتخرون بالآثار الفرعونية وغيرها ........... , وقد بقيت النزعة التي تظهر هذه الأيام مثل النازية والفاشية، وهذه ظهرت نتيجة التأثر بالفكر التلمودي اليهودي، وكل ما فعله هتلر أنه قرأ ما في التلمود؛ ووجد الفكر اليهودي يجعل اليهود فوق الجميع، فأراد هتلر مضادة اليهود، فقال: الألمان فوق الجميع، وأخذ كل الخصائص التي يدعيها اليهود وجعلها في الألمان، وتعاون معه موسيليني في إيطاليا بالفاشية، وقامت اليابان على هذا المبدأ أيضا؛ ولذلك لما قامت الحرب العالمية الثانية كانت هذه الدول الثلاث تحارب بريطانيا وفرنسا، ثم بعد ذلك تدخلت أمريكا وكانت النهاية المعلومة لدى الجميع. هذه العنصرية المقيتة البغيضة هي التي يحاربها الإسلام أشد الحرب، والتي كان أول من رفع راية الحرب عليها هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما أنزل الله تعالى عليه هذا الدين العظيم، وأصبح الناس سواسية، فبلال الحبشي وأبو سفيان وسلمان الفارسي ومن أسلم من اليهود، ومن كان أنصارياً أو مهاجرياً فلا فرق بينهم: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]. ¤القومية العربية لسفر الحوالي وبهذا التوسيع المقصود الذي يراد به كيد المسلمين مالكي الأوطان الحقيقيين، عدا هؤلاء النزلاء والضيوف المقيمون بعهد أو أمان أو ذمة لهم في الملكية العامة للوطن حقوق متساوية لحقوق مالكيه الأصليين. وبمكر مدبر انطلقت عبارة: "الدين لله والوطن للجميع". وأطلق مروجو شعار الوطنية بين المسلمين حديثاً لا أصل له، نسبوه إلى النبي، وهو: "حب الوطن من الإيمان". وهذا التوسيع في حق الملكية العامة المشاعة للوطن، جر إلى التسليم بحق الجميع في إدارته السياسية. ولما كان هؤلاء الجميع مختلفي الأديان والمبادئ والعقائد، وقد صار لهم جميعاً الحق في الإدارة السياسية للوطن الواحد، بمقتضى مكيدة الزحف الانتقالي من فكرة إلى فكرة، كان لا بد من اللجوء إلى مكيدة أخرى، هي المناداة بفصل الدين عن السياسة، والمناداة بعلمانية الدولة. ثمّ إن الأخذ بعلمانية الدولة التي تتضمن إبعاد الدين عن الإدارة السياسية لبلاد المسلمين وأوطانهم، قد مكّن الطوائف غير المسلمة فيها من الوصول إلى مراكز الإدارة السياسية، والقوة العسكرية، حتى مستوى القمة أو قريباً منها. وتدخلت ألاعيب كيدية كثيرة خارجية وداخلية معادية للإسلام والمسلمين، في تهيئة الظروف السياسية، وتقبلت جماهير المسلمين ذلك ببراءة وغفلة وحسن نية، وكان بعض قادتهم السياسيين والعسكريين وغيرهم عملاء وأجراء لأعدائهم. ثمّ لما تمكنت هذه الطوائف غير المسلمة من القوى الفعالة داخل بعض بلاد المسلمين، كشفت الأقنعة عن وجوهها التي كانت تخادع بها، وتدّعي الإخاء الوطني، وصارت تدعي أن الوطن لها، وأخذت تنبش الدفائن لتستخرج مزاعم تاريخية قديمة، سابقة للفتح الإسلامي، وهذه المزاعم لا أساس لها من الصحة. ثمّ أخذت تفرض سلطانها بالقوة في هذه البلاد، مؤيَّدةً من الدول الكبرى المعادية للإسلام والمسلمين، وحارب الأكثرية المسلمة بضراوة وحق، وأخذت تحرمها من حقوقها في أوطانها، حتى جعلتها بمثابة أقليات مستضعفة. ونسفت الطوائف غير المسلمة بعد تمكنها أفكار الحق الوطني القائم على العلمانية نسفاً، ونسفت الإخاء الوطني، وأظهرت تعصبها الطائفي المقيت، القائم على الانتماء لأديانها وعقائدها التقليدية الموروثة. وكانت لعبة شعار الوطنية مكيدة انخدع بها جمع غفير من المسلمين ببراءة وسلامة صدر، حتى استلّ أعداؤهم منهم معظم حقوقهم، ومعظم مقدّراتهم ¤ كواشف زيوف لعبد الرحمن حبنكة ص 258 - 260

سابعا: نتائج تقديس الوطنية

سابعا: نتائج تقديس الوطنية أثمرت الدعوة إلى الوطنية ثمارا خبيثة وبرزت العصبية البغيضة وانتزعت الرحمة بين الناس وحل محلها الفخر والخيلاء والكبرياء حيث تعصب كل شعب لوطنه واحتقر ما عداه في صور مخزية مفرقة ومن أقوى الأمثلة على ذلك ما حصل عند الأتراك – بفعل دسائس اليهود ضد الدولة الإسلامية العثمانية – حيث نفخوا في أذهان الوطنيين الأتراك وجوب العودة إلى الافتخار بوطنيتهم الطورانية التي كانت موجودة قبل الإسلام والعودة إلى تقديس شعار الذئب الأغبر معبودهم قبل الإسلام ونفخوا في الوقت نفسه في أذهان العرب الوطنيين الحنين إلى الاعتزاز بالوطنية العربية وتقديمها على كل شيء بل جعلها إلها كما قال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43] وقد عبر شاعرهم عن ذلك بقوله: هبوني عيدا يجعل العرب أمة ... وسيروا بجثماني على دين برهم فماذا ينتظر من الوطنيين حينما تكون الكلمة لهم؟ غير جعل الوطنية هي الدين، وهل حقق هؤلاء السفهاء الأشرار كلامهم في حب الوطنية العربية؟!، وماذا فعلوا ضد اليهود في فلسطين وفي غير فلسطين؟، ماذا قدموا غير الصراخ والعويل والنباح والتهديدات الجوفاء لتحرير القدس والأمة العربية؟ يرددون كلاما ممجوجا مكررا وشعارات أصبحت مهازل يستحي منها العقلاء على أنه لم يقتصر الضرر فقط على ما تقدم وإنما كانت وراء خدعة الوطنية أغراضا سياسية وثقافية واجتماعية حيث بدأت الدعوة للوطن تفرق بين الولاء لله تعالى وبين الولاء لغيره تحت شعار " الدين لله والوطن للجميع "، وبالغوا في وجوب حب الوطن وأنه مشاع بين جميع المواطنين حتى السياسية منها ومن هنا تمت اللعبة على كثير من بلدان المسلمين حيث أصبح المواطن النصراني أو اليهودي أو العلماني أو الشيوعي حتى وإن لم يكن من أهل ذلك البلد في الأساس فإن من حقه كمواطن أن يصل إلى أعلى الرتب التي يتمكن من خلالها من التحكم في مصائر أهل تلك الشعوب الإسلامية وهو ما هدف إليه أعداء الإسلام من دعمهم السخي لأولئك الأقليات في تلك البلدان الذين هم في الأساس عملاء لتلك القوى الكفرية العالمية ونجحوا في ذلك وفي نهاية الأمر وهو نتيجة لتمكن أولئك من السلطة أصبح هؤلاء ينادون بأن الوطن والعيش فيه هو في الدرجة الأولى لهم وصاروا ينظرون إلى أهل تلك الأوطان الإسلامية بأنهم غرباء وأحيانا يسمونهم عملاء وبالتالي فمن حقهم أن يضطهدوهم وهو ما تم في بعض ديار المسلمين التي أصبح الحكم فيها لغير المسلمين بل وطرد المسلمين وحوربوا ونفذ المخطط المعادي للإسلام بكل دقة وكأن الشاعر يندب حظهم حينما قال مفتخرا: يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل

وبهذا يتضح أن دعوى الوطنية وكذلك القومية وكذا الإنسانية والأخوة والمساواة وحرية الكلمة وتقبل الرأي والرأي الآخر ما هي إلا لعب سياسية ماكرة ودعوات يراد من ورائها مكاسب سياسية وعقدية. وفي لبنان وفلسطين أقوى الشواهد واتضح أن الدعوة إلى كل النعرات الجاهلية لم ينتفع بها إلا أعداء الإسلام من اليهود والنصارى ليندمجوا مع المسلمين تحت هذا الاسم. لأن الغرض من قيامها في الأساس هو لتحقيق هذا الهدف. فلا يبتلى بها مجتمع إلا وأصيب بهذا الداء العضال من تراخي القبضة على الدين ومن تمجيد تراب الوطن وكل ذرة رمل فيه وأنه وطن مقدس دون غيره من بلاد الآخرين فاخترعت له طقوس وشعارات واخترعت له أعياد – هي غير الأعياد الإسلامية – ويتبادل الناس فيها التهاني والتبريكات وتتعطل كثير من المصالح لانشغال الناس بتلك الأعياد بينما الإسلام ليس فيه إلا عيدين عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد صغير هو يوم الجمعة وطلب أقطابها من الناس أن يقدموا دماءهم رخيصة من أجل تراب الوطن بدلا عن الجهاد في سبيل الله تعالى. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل جاءت ثالثة الأثافي وهي كثرة الأماكن المقدسة فمرة يدعون إلى تقديس تراب الوطن كله ومرة يدعون إلى تقديس بعض المدن أو الأماكن التي قد لا يعرف لها ذكر ولا سابقة خير بل أحيانا يدعون إلى تقديس أماكن عرف عنها الشر وربما وصل الحال إلى أن يختلط الأمر على من لا معرفة له بالأماكن المحترمة من غير الأماكن المحترمة والمسلمون يعلمون أن الإسلام لا يدعوا أحدا إلى تقديس أي مكان في هذه الدنيا ولا يجد المسلمون بلدا تحن إليها النفوس وتترقرق عنده الدموع إلا مكة المكرمة والمدينة النبوية وليس ذلك لذات المكان أو لترابه وإنما هو لما شرفهما الله به من جعلهما أماكن عبادة فاضلة ومن بعثة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وبزوغ فجر الإسلام فيهما ومن ظن أن هذا الاحترام والتقدير إنما هو لترابهما فهو جاهل فقد كانت المدينة تسمى يثرب وكان فيها ما ذكره العلماء عنها من أنها أرض وباء وحرة جرداء حتى شرفها الله تعالى بنزول نبيه فيها ودعاؤه لها بالبركة وأن ينقل حماها إلى الجحفة ويبارك في مدها وصاعها وأن يحببها إليهم كحبهم مكة أو أشد إلى غير ذلك من أخبار هذا البلد الطيب وكذلك مكة فإنها واد غير ذي زرع شرفها الله بالكعبة ولكن في عرف الوطنية ليس العبرة بالصفات وإنما العبرة بذات الأرض وأحيانا تقدس الوطنية الأرض لأن هواءها جميل وأشجارها باسقة ونحو ذلك مما ينظر إليه الشخص القصير النظر الضيق الفكر. وليت شعري ما الفائدة من تقديس الوطنية إذا كانت ثمارها قطع كل صلة للشخص بما وراء وطنه وبالتالي قطع أواصر المودة بين أوطان المسلمين وأن كون الولاء والبراء قائما على الوطنية لا على الأخوة الإسلامية وأن يغضب الشخص لوطنه أكثر من غضبه لدينه والتعصب لبني وطنه وتقديسهم سواء كانوا قبل الإسلام أو بعده مقدما لهم على أواصر الأخوة في الدين بحيث يجب أن يحب الملحد الوطني على الصالح من غير وطنه حسب شريعة الوطنية أليست هذه معاول هدم تفرق ولا تجمع؟ وتشتت المسلمين وتضعفهم؟ ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 985

تعقيب على ما سبق

تعقيب على ما سبق وأخيرا فإنه يتضح مما سبق: 1 - أن القومية والوطنية بينهما ترابط شديد وإن كان مفهومهما في الظاهر مختلفا ولكن في حقيقتهما تلازم يرتبط بعضه بالبعض الآخر إذ لا تجد من يتصف بأحدهما إلا وهو متصف بالآخر حتما. 2 - إن الدعوة إلى هاتين النعرتين الجاهليتين قد أراد أصحابهما أن يحلوها محل الدين. 3 - إن الإسلام قد حاربهما حربا شعواء وبين الأخطار التي تكمن من وراء قيامهما. 4 - إن ظهورهما في بلاد المسلمين - على الصورة المستعرة التي هي عليه اليوم – إنما كان بدسائس اليهود والنصارى وسائر الدول الغربية الحاقدة. 5 – يجب على كافة الدعاة إلى الله وطلاب العلم أن يجتهدوا في محاربتهما وبيان ما تحملانه من تدمير للإسلام والمسلمين، وبيان أن الإسلام دين كامل إلى يوم القيامة وأن الخير والسعادة للبشرية تكمن في الانضواء تحته وتطبيق تعاليمه ومعرفة ما كان عليه حال العرب قبل الإسلام وكيف تحولوا بعده إلى أن كانوا قادة العالم ووجه الأرض المشرق. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي2/ 989

المطلب التاسع عشر: حركة تحرير المرأة

أولا: التعريف حركة تحرير المرأة. حركة علمانية، نشأت في مصر في بادئ الأمر، ثم انتشرت في أرجاء البلاد العربية والإسلامية. تدعو إلى تحرير المرأة من الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها مثل الحجاب، وتقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل أمر ونشرت دعوتها من خلال الجمعيات والاتحادات النسائية في العالم الغربي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات قبل أن تتبلور الحركة بشكل دعوة منظمة لتحرير المرأة ضمن جمعية تسمى الاتحاد النسائي .. كان هناك تأسيس نظري فكري لها .. ظهر من خلال كتب ثلاث ومجلة صدرت في مصر. ـ كتاب المرأة في الشرق تأليف مرقص فهمي المحامي، نصراني الديانة، دعا فيه إلى القضاء على الحجاب وإباحة الاختلاط وتقييد الطلاق، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة الزواج بين النساء المسلمات والنصارى. ـ كتاب (تحرير المرأة) تأليف قاسم أمين، نشره عام 1899م، بدعم من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول، وأحمد لطفي السيد. زعم فيه أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة إلى السفور ليست خروجاً على الدين. ـ كتاب (المرأة الجديدة) تأليف قاسم أمين أيضاً ـ نشره عام 1900م يتضمن نفس أفكار الكتاب الأول ويستدل على أقواله وادعاءاته بآراء الغربيين. ـ مجلة السفور، صدرت أثناء الحرب العالمية الأولى، من قبل أنصار سفور المرأة، وتركز على السفور والاختلاط. · سبق سفور المرأة المصرية، اشتراك النساء بقيادة هدى شعراوي (زوجة علي شعراوي) في ثورة سنة 1919م، فقد دخلن غمار الثورة بأنفسهن، وبدأت حركتهن السياسية بالمظاهرة التي قمن بها في صباح يوم 20 مارس سنة 1919م. وأول مرحلة للسفور كانت عندما دعا سعد زغلول النساء اللواتي يحضرن خطبه أن يزحن النقاب عن وجوههن. وهو الذي نزع الحجاب عن وجه نور الهدى محمد سلطان التي اشتهرت باسم: هدى شعراوي مكونة الاتحاد النسائي المصري وذلك عند استقباله في الإسكندرية بعد عودته من المنفى. واتبعتها النساء فنزعن الحجاب بعد ذلك. تأسس الاتحاد النسائي في نيسان 1924م بعد عودة مؤسسته هدى شعراوي من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما عام 1922م .. ونادى بجميع المبادئ التي نادى بها من قبل مرقص فهمي المحامي وقاسم أمين. ـ مهد هذا الاتحاد بعد عشرين عاماً لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي عام 1944م وقد حضرته مندوبات عن البلاد العربية. وقد رحبت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بانعقاد المؤتمر حتى أن حرم الرئيس الأمريكي روزفلت أبرقت مؤيدة للمؤتمر. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: من أبرز شخصيات حركة تحرير المرأة

ثالثا: من أبرز شخصيات حركة تحرير المرأة الشيخ محمد عبده ـ فقد نبتت أفكار كتاب (تحرير المرأة) في حديقة أفكار الشيخ محمد عبده. وتطابقت مع كثير من أفكار الشيخ التي عبر فيها عن حقوق المرأة وحديثه عنها في مقالات الوقائع المصرية وفي تفسيره لآيات أحكام النساء. (التفاصيل في كتاب (المؤامرة على المرأة المسلمة) د. السيد أحمد فرج ص 63 وما بعدها. دار الوفاء سنة 1985م كتاب (عودة الحجاب) الجزء الأول، د. محمد أحمد بن إسماعيل المقدم). سعد زغلول، زعيم حزب الوفد المصري، الذي أعان قاسم أمين على إظهار كتبه وتشجيعه في هذا المجال. لطفي السيد الذي أطلق عليه أستاذ الجيل وظل يروج لحركة تحرير المرأة على صفحات الجريدة لسان حال حزب الأمة المصري في عهده. صفية زغلول. زوجة سعد زغلول وابنة مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء في تلك الأيام وأشهر صديق للإنكليز عرفته مصر. هدى شعراوي ابنة محمد سلطان باشا الذي كان يرافق الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة وزوجة علي شعراوي باشا أحد أعضاء حزب الأمة (حاليًّا الوفد) ومن أنصار السفور. سيزا نبراوي (واسمها الأصلي زينب محمد مراد)، وهي صديقة هدى شعراوي في المؤتمرات الدولية والداخلية. وهما أول من نزع الحجاب في مصر بعد عودتهما من الغرب إثر حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما 1923م. درية شفيق. من تلميذات لطفي السيد، رحلت وحدها إلى فرنسا لتحصل على الدكتوراه، ثم إلى إنكلترا، وصورتها وسائل الإعلام الغربية بأنها المرأة التي تدعو إلى التحرر من أغلال الإسلام وتقاليده مثل: الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات. ـ لما عادت إلى مصر شكلت حزب (بنت النيل) في عام 1949م بدعم من السفارة الإنكليزية والسفارة الأمريكية .. وهذا ما ثبت عندما استقالت إحدى عضوات الحزب وكان هذا الدعم سبب استقالتها. وقد قادت درية شفيق المظاهرات، وأشهرها مظاهرة في عام 19 فبراير1951م و12 مارس 1954م بالتنسيق مع أجهزة عبد الناصر فقد أضربت النساء في نقابة الصحافيين عن الطعام حتى الموت إذا لم تستجب مطالبهن. وأجيبت مطالبهن ودخلت درية شفيق الانتخابات ولم تنجح. وانتهى دورها. وحضرت المؤتمرات الدولية النسائية للمطالبة بحقوق المرأة ـ على حد قولها ـ. سهير القلماوي: ـ تربت في الجامعة الأمريكية في مصر ـ وتخرجت من معهد الأمريكان ـ وتنقلت بين الجامعات الأمريكية والأوربية، ثم عادت للتدريس في الجامعة المصرية. أمينة السعيد: وهي من تلميذات طه حسين، الأديب المصري الذي دعا إلى تغريب مصر .. ترأست مجلة حواء. وقد هاجمت حجاب المرأة بجرأة ـ ومن أقوالها في عهد عبد الناصر: " كيف نخضع لفقهاء أربعة ولدوا في عصر الظلام ولدينا الميثاق؟ ". تقصد ميثاق عبد الناصر الذي يدعو فيه إلى الاشتراكية ـ وسخرت مجلة حواء للهجوم على الآداب الإسلامية. · د. نوال السعداوي زعيمة الاتحاد المصري حاليًّا. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الأفكار والمعتقدات

رابعا: الأفكار والمعتقدات نجمل أفكار ومعتقدات أنصار حركة تحرير المرأة فيما يلي: · تحرير المرأة من كل الآداب والشرائع الإسلامية وذلك عن طريق: ـ الدعوة إلى السفور والقضاء على الحجاب الإسلامي. ـ الدعوة إلى اختلاط الرجال مع النساء في كل المجالات في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية، والأسواق. ـ تقييد الطلاق، والاكتفاء بزوجة واحدة. ـ المساواة في الميراث مع الرجل. الدعوة العلمانية الغربية أو اللادينية بحيث لا يتحكم الدين في مجال الحياة الاجتماعية خاصة. · المطالبة بالحقوق الاجتماعية والسياسية. · أوروبا والغرب عامة هم القدوة في كل الأمور التي تتعلق بالحياة الاجتماعية للمرأة: كالعمل، والحرية الجنسية، ومجالات الأنشطة الرياضية والثقافية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي الجذور الفكرية والعقائدية: بعد تبلور حركة تحرير المرأة على شكل الاتحادات النسائية في البلاد العربية خاصة والدولية عامة، أصبحت اللادينية أو ما يسمونه (العلمانية) الغربية هي الأساس الفكري والعقدي لحركة تحرير المرأة. وهي موجهة وبشكل خاص في البلاد العربية والإسلامية إلى المرأة المسلمة؛ لإخراجها من دينها أولاً. ثم إفسادها خلقيًّا واجتماعيًّا .. وبفسادها، يفسد المجتمع الإسلامي وتنتهي موجة حماسة العزة الإسلامية التي تقف في وجه الغرب الصليبي وجميع أعداء الإسلام وبهذا الشكل يسهل السيطرة عليه. ومن الأدلة على أن جذور حركة تحرير المرأة تمتد نحو العلمانية الغربية ما يلي: ـ في عام 1894م ظهر كتاب للكاتب الفرنسي الكونت داركور، حمل فيه على نساء مصر وهاجم الحجاب الإسلامي، وهاجم المثقفين على سكوتهم. ـ في عام 1899م ألف قاسم أمين كتابه (تحرير المرأة) أيد فيه آراء داركور. ـ وفي نفس العام هاجم الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل (زعيم الحزب الوطني) كتاب (تحرير المرأة) وربط أفكاره بالاستعمار الإنكليزي. ـ ألف الاقتصادي المصري الشهير محمد طلعت حرب كتاب (تربية المرأة والحجاب في الرد على قاسم أمين ومما قاله): " إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا ". ـ ترجم الإنكليز ـ أثناء وجودهم في مصر ـ كتاب (تحرير المرأة إلى الإنكليزية ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية). ـ الدكتورة (ريد) رئيسة الاتحاد النسائي الدولي التي حضرت بنفسها إلى مصر لتدرس عن كثب تطور الحركة النسائية. ـ اغتباط الدوائر الغربية بحركة تحرير المرأة العربية وبنشاط الاتحاد النسائي في الشرق وتمثلت ببرقية حرم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للمؤتمر النسائي العربي عام 1944م. ـ صلة حزب (بنت النيل) بالسفارة الإنكليزية والدعم المالي الذي يتلقاه منهما ـ كما رأينا عند حديثنا عن درية شفيق. ـ ترحيب الصحف البريطانية بدرية شفيق زعيمة حزب (بنت النيل) وتصويرها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده. ـ برقية جمعية (سان جيمس) الإنكليزية إلى زعيمة حزب بنت النيل تهنئها على اتجاهها الجديد في القيام بمظاهرات للمطالبة بحقوق المرأة. ـ مشاركة الزعيمة نفسها في مؤتمر نسائي دولي في أثينا عام 1951م ظهر من قرارته التي وافقت عليها أنها تخدم الاستعمار أكثر من خدمتها لبلادها. إعلان (كاميلا يفي) الهندية أن الاتحاد النسائي الدولي واقع تحت ريادة الدول الغربية والاستعمارية واستقالتها منه. ـ إعلان الدكتورة نوال السعداوي رئيسة الاتحاد النسائي المصري عام 1987م أثناء المؤتمر أن الدول الغربية هي التي هيأت المال اللازم لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي والدول العربية لم تساهم في ذلك. هذه بعض الوقائع التي تدل دلالة لا ريب فيها على صلة حركة تحرير المرأة بالقوى الاستعمارية الغربية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن حركة تحرير المرأة هي حركة علمانية، نشأت في مصر، ومنها نُشرت في أرجاء البلاد العربية والإسلامية، وهدفها هو قطع صلة المرأة بالآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها كالحجاب، وتقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل شيء. ويعتبر كتاب (المرأة في الشرق) لمرقص فهمي المحامي، وتحرير المرأة والمرأة الجديدة لقاسم أمين من أهم الكتب التي تدعوا إلى السفور والخروج على الدين، وتمتد أهداف هذه الحركة لتصل إلى جعل العلمانية واللادينية أساس حركة المرأة والمجتمع. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب العشرون: البانتشاسيلا

أولا: التعريف البانتشاسيلا (أو المبادئ الخمسة المتلاحمة) هي خمسة مبادئ رئيسة أعلنت غداة الاستقلال سنة 1945م ووضعت في دستور إندونيسيا المسلمة، ليسير على هديها الشعب الإندونيسي المسلم، بديلاً عن العقيدة الإسلامية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات في سنة 1945م عقدت لجنة الإعداد للاستقلال في إندونيسيا، لوضع أسس للدولة المقبلة. ـ واحتدم الخلاف بين القوى الإسلامية والوطنية ـ كما يقال عنهم ـ حول أساس الدولة، هل هو الإسلام أو اللادينية؟. ـ في أثناء ذلك وضع سوكارنو ـ وهو أول رئيس لإندونيسيا بعد الاستقلال - المبادئ الخمسة (البانتشاسيلا) لتكون أساس وفلسفة الدولة. ـ وأنجزت اللجنة التساعية التي ضمت الزعماء الإسلاميين والزعماء الوطنيين مهمتها في وضع ميثاق جاكرتا وتم التوقيع عليه في 22 يونيو 1945م. وهذا الميثاق أصبح مقدمة لدستور سنة 1945م. بعد إلغاء جملة: "مع وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية على معتنقيها". ويقال إن سبب إلغاء هذه الجملة هو صدور إنذار من النصارى ـ وهم قلة قليلة في إندونيسيا ـ بعدم المشاركة في النضال لنيل الاستقلال إذا لم تحذف هذه العبارة. ـ وهكذا ضاع أمل الإسلاميين في إنشاء دولة إسلامية في إندونيسيا نتيجة فكر الدول الصليبية وتلاميذها من القادة العلمانيين. ـ وكان سوكارنو ـ واضع المبادئ الخمسة ـ يحكم إندونيسيا مثل باقي العسكريين الذين استولوا على السلطة في دول العالم الثالث بالحديد والنار. ـ وعرف سوكارنو ببعده عن الإسلام وتحلله الأخلاقي طوال فترة حكمه وقد لقيت الدعوة الإسلامية في إندونيسيا أشد العنت إبان حكمه. ـ الرئيس (سوهارتو) الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري وأقصى سوكارنو عن الحكم .. سار على نهجه، في صبغ إندونيسيا المسلمة بالصبغة العلمانية (اللادينية) وأطلق يد كل أعداء الإسلام للعمل في البلاد وفتح أبواب إندونيسيا للتنصير وإحياء الوثنية ونشر الفساد والتحلل الأخلاقي في البلاد. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات يقوم البانتشاسيلا على خمسة مبادئ هي: الإيمان بالله الواحد الأحد (الربانية المتفردة). القومية وتنادي (بالوحدة الإندونيسية). الديمقراطية أو (الشعبية الموجهة بالحكمة في الشورى النيابية). الإنسانية العادلة المهذبة. العدالة الاجتماعية. على أساس أن هذه المبادئ هي نقاط التفاهم بين جميع الطوائف في إندونيسيا. ـ هذه المبادئ الخمسة بقيت مبادئ نظرية محضة، أو شعارات مرفوعة ـ كما هي الحال في الحكومات العسكرية في العالم الإسلامي ـ وتخفي وراءها العلمانية التي تسعى إلى سلخ الشعب المسلم في إندونيسيا عن الإسلام شيئاً فشيئاً. ـ لا يقصد بـ (الإيمان بالله) (المبدأ الأول من المبادئ الخمسة)، الإيمان القائم على العقيدة الصحيحة والوحي الإلهي المجرد من كل المؤثرات، وفكرة الله عند سوكارنو (المنظِّر لهذه المبادئ): (أن الإنسان الذي لا يزال يعيش على الزراعة يشعر بحاجة إلى الله، وإذا بلغ مرحلة الصناعة لم يعد يرى ثمة ضرورة لوجود الله). ـ إذاً المقصود بوجود هذا المبدأ (الإيمان بالله) هو الخداع والتمويه على الحقيقة اللادينية للبانتشاسيلا. • العلمانية والتغريب هما خلفية البانتشاسيلا ومن هذا الباب دخلت الصليبية والجمعيات التنصيرية من كل طائفة وملة إلى إندونيسيا بتسهيلات من الحكومة الإندونيسية، والأمم المتحدة باسم رعاية الأمومة والطفولة، ومكافحة الأمراض وفتح المستشفيات .. الخ. • بلغ عدد الذين تركوا الإسلام واعتنقوا الكاثوليكية في إندونيسيا 20 ميلوناً ضمن سكان الدولة المسلمة التي كانت مسلمة مائة بالمائة. • الرابطة القومية ـ اللادينية ـ هي التي تربط أفراد الشعب الإندونيسي بعضهم ببعض .. وهذه الرابطة صدى للدعوات القومية التي ظهرت في أوروبا وتسعى الآن للتخلص منها وإحياء الانتماء لديهم للنصرانية واليهودية .. وهدف القومية الإندونيسية إبعاد العقيدة الإسلامية عن عوامل وحدة الشعب الإندونيسي وبالتالي إبعاد الشعب عنها شيئاً فشيئاً. • الإنسانية فكرة أصبحت مبدأ من المبادئ الخمسة، تخفي وراءها الدعوة اللادينية، والحقد على الإسلام .. باعتبار أن الشعب الإندونيسي ليس كله مسلماً .. وأن الذي يجمعهم هو الإنسانية. • العدالة الاجتماعية .. مقولة جميع الحكام العسكريين في دول العالم الثالث ولكن بدون ممارسة حقيقية، أو وجود واقعي .. وإلا فلماذا انتشر الفساد واللصوصية والرشوة والمحسوبية بين المسؤولين في إندونيسيا وفي سواها ممن نهج نهجها؟. ـ انطلاقاً من التزام الحكومة بالبانتشاسيلا باعتبارها الأساس الوحيد المعترف به للسياسة العامة للدولة فقد صدرت القوانين التي اعتبرت أية دعوة لتطبيق الدين الإسلامي دعوة تخريبية تهدد أساس استقرار المجتمع ـ كما حاولت الحكومة عام 1973م منع المسلمين من التحاكم لقوانين الشريعة الإسلامية المتعلقة بالزواج والطلاق والأحوال الشخصية إلا أن تلك المحاولة أسقطتها المظاهرة التاريخية الكبرى التي قام بها الشباب المسلم آنذاك. • كما اتجهت الحكومة لمنع حجاب الشابات المسلمات وألحقت جهاز بوليس بكل مصلحة حكومية لتولي مسؤولية مراقبة وملاحقة أنشطة الدعوة الإسلامية. • وعلى أساس البانتشاسيلا اعترفت الحكومة بالنصرانية وتمثل 5 % والأديان الوثنية (البوذية 2 % والهندوكية 2 % وباقي الوثنية 2 %) على الرغم من أن الإسلام يمثل 88 % من عدد السكان البالغ 160 مليون نسمة. • وتعامل الحكومة ـ انطلاقاً من البانتشاسيلا ـ الأديان معاملة متساوية لذلك أتاحت للهيئات التبشيرية كامل الحرية في نشر الديانة النصرانية بين المسلمين وكذلك تقدم الحكومة برامج متساوية على شاشة التلفزيون لنشر تعاليم كل الأديان!!. ـ ونظراً لأعمال البانتشاسيلا فإن عدد الكنائس والمعابد البوذية والهندوكية أصبحت مقاربة لعدد مساجد المسلمين. • أدخلت الحكومة مبادئ البانتشاسيلا كمادة أساسية في مجال التربية والتعليم في جميع المراحل التعليمية، وأعدَّت دورات تدريبية لجميع موظفي الحكومة والقطاع الخاص لدراسة مبادئها. زعماً بأن البانتشاسيلا ليست ضد الإسلام والمسلمين وإنما تعني حرية الأديان للتعايش السلمي. • ومما تجدر ملاحظته ما قيل من أن الرئيس سوكارنو قد اقتبس مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والإنسانية من الزعيم الوطني " سون يات سن " وأضاف إليها مبدئي الألوهية ووحدة إندونيسيا. • وهكذا انطلقت الجمعيات التنصيرية لتنصير المسلمين في إندونيسيا حتى أصبح المُنَصَّرُون من المسلمين الإندونيسيين يتعدون عشرين مليوناً انطلاقاً من البانتشاسيلا التي باركها الغرب. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن البانتشاسيلا هي خمسة مبادئ أعلنت غداة استقلال إندونيسيا المسلمة ليسير الشعب على هديها وهي: الإيمان بالله الواحد الأحد والقومية والديمقراطية والإنسانية والعدالة الاجتماعية، وفي ظل هذه الشعارات النظرية عربدت العلمانية في إندونيسيا. ففي بيان المبدأ الأول قال سوكارنو منظِّر هذه المبادئ إن المزارع يشعر بحاجته إلى الله أما الصانع فلا يرى ضرورة لوجوده، وفي ظل هذه المبادئ تم تنصير الملايين من المسلمين في إندونيسيا، وفي ظل هذه المبادئ تمنع الحكومة الحجاب وتلاحق الدعاة إلى الله. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ اختاروا إحدى السبيلين: الدين أو اللادينية للدكتور محمد ناصر رئيس وزراء إندونيسيا السابق الدار السعودية للنشر ط 2، 1403هـ/ 1983م. صفحات من تاريخ إندونيسيا المعاصرة لمحمد أسد شهاب. مجلة الاعتصام ـ القاهرية ـ عدد ربيع الآخر 1410هـ ـ نوفمبر 1989م. ـ مجلة الدبلوماسي العدد الثامن ذو القعدة 1407هـ يوليو 1987م مقال "البانتشاسيلا أساس الدولة في الجمهورية الإندونيسية". ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الواحد والعشرون: أمة الإسلام في الغرب (البلاليون)

أولا: التعريف " أمة الإسلام "، حركة ظهرت بين السود في أمريكا وقد تبنت الإسلام بمفاهيم خاصة غلبت عليها الروح العنصرية، وعرفت فيما بعد باسم (البلاليون) بعد أن صححت كثيراً من معتقداتها وأفكارها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات مؤسس هذه الحركة والاس د. فارد Wallace D. Fard وهو شخص أسود غامض النسب، ظهر فجأة في ديترويت عام 1930م داعياً إلى مذهبه بين السود، وقد اختفي بصورة غامضة في يوينو 1934م. · اليجابول Dlijah pool أو إليجا محمد 1898ـ 1975م التحق بالحركة وترقى في مناصبها حتى صار رئيساً لها وخليفة لفارد من بعده، زار السعودية عام 1959م وتجول في تركيا وأثيوبيا والسودان والباكستان يرافقه ابنه والاس محمد الذي كان يقوم بالترجمة. · مالكم إكس (مالك شباز): كان رئيساً للمعبد رقم 7 بنيويورك. خطيب ومفكر قام برحلة إلى الشرق العربي وحج عام 1963م، ولما عاد تنكر لمبادئ الحركة العنصرية وخرج عليها وشكل فرقة عرفت باسم (جماعة أهل السنة) وقد اغتيل في 21 فبراير 1965م. · لويس فرخان Lewis Farrakhan: الذي دخل في الإسلام عام 1950م وخلف مالكم إكس على رئاسة معبد رقم 7 وهو أيضاً خطيب وكاتب ومحاضر، وهو على صلة قوية حاليًّا بالعقيد القذافي، يدعو إلى قيام دولة مستقلة بالسود في أمريكا ما لم يحصلوا على حقوقهم الاجتماعية والسياسية كاملة. · والاس و. محمد، الذي تسمى باسم وارث الدين محمد ولد في ديترويت 30 أكتوبر 1933م وعمل رئيساً للحركة في معبد فيلادلفيا 1958ـ 1960م وأدى فريضة الحج عام 1967م كما تكررت زياراته للمملكة العربية السعودية. ـ انفصل عن الحركة وتخلى عن مبادئ والده عام 1964م لكنه عاد إليها قبيل وفاة والده بخمسة أشهر آملاً في إدخال إصلاحات على الحركة من داخلها. ـ حضر المؤتمر الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي في نيويورك بولاية نيوجرسي 1397هـ /1977م. ـ قام بزيارة للمركز الإسلامي بواشنطن في ديسمبر 1975م. ـ حضر على رأس وفد المؤتمر الإسلامي المنعقد في كندا عام 1977م، وفي كل مرة منها كان يعلن عن صدق توجهه الإسلامي وأنه سيسعى إلى تغيير المفاهيم الخاطئة في جماعته. ـ زار المملكة العربية السعودية عام 1976م وتركيا وعدداً من بلاد الشرق وكان يقابل كبار الشخصيات في البلاد التي يزورها. ـ أعلن في عام 1975م عن الشخصيات التي سيعتمد عليها في رئاسته للجماعة والذين من أبرزهم: - مساعداه الخاصان كريم عبد العزيز والدكتور نعيم أكبر. - المتحدث باسم المنظمة: عبد الحليم فرخان. - مستشارون للنواحي الثقافية: د. عبد العليم شباز، د. فاطمة علي، فهمية سلطان. - الأمين العام: جون عبد الحق. - رئيس القيادة العسكرية: إليجا محمد الثاني. · ريموند شريف: صار وزيراً للعدل بعد أن كان قائداً أعلى لحرس الحركة المسمى ثمرة الإسلام Fruit of Islam ويرم إليه بالرمز I.O.F الذي تأسس منذ عام 1937م. · أمينة رسول مسؤولة عن جهاز تطوير المرأة M.G.T. · د. ميكل رمضان: الممثل لكافة لجان المساجد ورئيس لجنة التوجيه. · ثيرون مهدي: الذي انضم للحركة عام 1967م رئيساً لهيئة اكتشاف الفساد والآفات الاجتماعية بين أفراد الحركة التي تشكلت عام 1976م تحت اسم Blight Arrest pioneer patrol ويرمز إليها بـ B.A.P.P وهي بديلة عن الـ F.O.I. · إبراهيم كمال الدين: المشرف على هيئة فرقة الأرض الحديثة N.E.T New Earth Team للإشراف على مشروع الإسكان في الناحية الجنوبية من شيكاغو. · سلطان محمد: أحد أحفاد اليجا محمد: يقال بأنه على فهم جيد للإسلام، وهو إمام في واشنطن، وكان يدرس الإسلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقد توفي عام 1410هـ في الرياض. · محمد علي كلاي: الملاكم العالمي المعروف: يقال بأن مالكم اكس هو الذي اجتذبه إلى الحركة كما أنه كان أحد أعضاء المجلس الذي أنشأه والاس محمد بعد استلامه رئاسة الحركة من أجل التخطيط للأمور المهمة في الجماعة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات لا بد من ملاحظة أن أفكار هذه الحركة قد تطورت تدريجيًّا متأثرة بشخصية الزعيم الذي يدير أمورها، ولذا فإنه لا بد من تقسيم تطور الحركة إلى ثلاث فترات (انظر مادة الفرخانية). أولاً: في عهد والاس د. فارد: · عرفت المنظمة منذ تأسيسها باسم " أمة الإسلام " ( Nation of Islam) كما عرفت باسم آخر هو (أمة الإسلام المفقودة المكتشفة)، وبرزت أهم أهدافها فيما يلي: ـ التأكيد على الدعوة إلى الحرية والمساواة والعدالة والعمل على الرقيِّ بأحوال الجماعة. ـ التركيز على تفوق العنصر الأسود وأصالته والتأكيد على انتمائهم إلى الأصل الأفريقي والتهجمُّ على البيض ووصفهم بالشياطين. ـ العمل على تحويل أتباعها من التوراة والإنجيل إلى القرآن مع استمرار الأخذ من الكتاب المقدس في بعض الأفكار. أنشأ زعيمها منظمتين: واحدة للنساء أطلق عليها اسم (تدريب البنات المسلمات) ( Training Muslim Girls) ويرمز لها بالرمز ( G.M.T) وأخرى للرجال أسماها (ثمرة الإسلام) بغية إيجاد جيش قوي يحمي الحركة ويدعم مركزها الاجتماعي والسياسي. ثانياً: في عهد اليجا محمد: · أعلن إليجا محمد أن الإله ليس شيئاً غيبياً، بل يجب أن يكون متجسداً في شخص، وهذا الشخص هو فارد الذي حل فيه الإله، وهو جدير بالدعاء والعبادة. وقد أدخل بذلك مفاهيم باطنية على فكر جماعته. · اتخذ لنفسه مقام النبوَّة، وصار يتصف بلقب رسول الله Messenger of Allah. · حرم على أتباعه القمار وشرب الخمور والتدخين والإفراط في الطعام والزنى، ومنع اختلاط المرأة برجل أجنبي عنها، وحثهم على الزواج داخل أبناء وبنات الحركة ومنعهم من ارتياد أماكن اللهو والمقاهي العامة. · الإصرار على إعلاء العنصر الأسود واعتباره مصدراً لكل معاني الخير، مع الاستمرار في ازدراء العرق الأبيض ووصفه بالضعة والدونيَّة، ولا شك أن الاكتتاب في الحركة مقصور على السود دون البيض بشكل قطعي لا مجال لمناقشته إطلاقاً. · لا يؤمن إليجا محمد إلا بما يخضع للحس، وعليه فإنه لا يؤمن بالملائكة ولا يؤمن كذلك بالبعث الجسماني إذ أن البعث لديه ليس أكثر من بعث عقلي للسود الأمريكيين. · لا يؤمن بختم الرسالة عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويعلن أنه هو خاتم الرسل إذ ما من رسول إلا ويأتي بلسان قومه وهو أي ـ إليجا محمد ـ قد جاء نبياً يوحى إليه من قبل فارد بلسان قومه السود. · يؤمن بالكتب السماوية، لكنه يؤمن بأن كتاباً خاصاً سوف ينزل على قومه السود والذي سيكون بذلك الكتاب (السماوي الأخير للبشرية). · الصلاة على عهده عبارة عن قراءة للفاتحة أو آيات أخرى ودعاء مأثور مع التوجه نحو مكة واستحضار صورة فارد في الأذهان، وهي خمس مرات في اليوم. · صيام شهر ديسمبر من كل عام عوضاً عن صوم رمضان. · يدفع كل عضو عُشْر دخله للحركة. · ألّف عدداً من الكتب التي تبين أفكاره، منها: ـ رسالة إلى الرجل الأسود (في أمريكا) Message to the Black Man. ـ منقذنا قد وصل Our Saviour has arrived. ـ الحكمة العليا Supreme Wisdom. ـ سقوط أمريكا The Fall of America. ـ كيف تأكل لتعيش How to eat to live. · أنشأ صحيفة تنطق بلسانهم أسماها محمد يتكلم Muhammad Speaks. ثالثاً: في عهد وارث الدين محمد: · في 24 نوفمبر 1975م اختار وارث الدين اسماً جديداً للمنظمة هو (البلاليون) نسبة لبلال الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. · ألغى وارث الدين في 19 يونيو 1975م قانون منع البيض من الانضمام إلى الحركة وفي 25 فبراير 1976م ظهر في قاعة الاحتفالات عدد من البيض المنضمين إليهم جنباً إلى جنب مع السود.

· العلم الأمريكي صار يوضع إلى جانب علم المنظمة بعد أن كان ذلك العلم يمثل الرجل الأبيض ذا العيون الزرقاء، الشيطان القوقازي. · في 29 أغسطس 1975م صدر قرار بضرورة صوم رمضان والاحتفال بعيد الفطر. · وفي 14 نوفمبر 1975م تحول اسم الصحيفة من محمد يتكلم إلى بلاليان نيوز Bilalian News ثم أصبحت الجريدة الإسلامية The Muslim Jouran. · أعلن أن لقبه هو الإمام الأكبر بدلاً من رئيس الرؤساء كما أنه غير كلمة رؤساء المعابد إلى كلمة إمام وقد حصر اهتمامه بالأمور الدينية بينما وزع الأمور الأخرى على القياديين في الحركة. · تم إعداد المعابد لتكون صالحة لإقامة الصلاة. · أصدر في 3 أكتوبر 1975م أمراً بأن تكون الصلاة على الهيئة الصحيحة المعروفة لدى المسلمين خمس مرات في اليوم. · التأكيد على الخلق الإسلامي والأدب والذوق وحسن الهندام ولبس الحشمة بالنسبة للمرأة. · يقوم الدعاة في الحركة بزيارة السجون لنشر الدعوة بين المساجين وقد لاحظت سلطات الأمن أن السجين الأسود الذي يعرف عنه التمرد وعدم الطاعة داخل السجن يصبح أكثر استقامة وانضباطاً بمجرد دخوله في الإسلام، ومن هنا فإن السلطات تُسَرُّ بقيام الدعاة بدعوتهم هذه بين المسجونين. · تصحيح المفاهيم الإسلامية، التي اعتنقتها الحركة منذ أيام فارد وإليجا محمد بطريقة خاطئة، ومحاولة تصويبها. · إن الأمور التي ذكرناها سابقاً لا تدل على أن الحركة قد توجهت توجهاً إسلامياً صحيحاً تماماً، لكنها تدل على أن هناك تحسناً نوعياً قد طرأ على أفكار ومعتقدات الحركة قياساً على ما كانت عليه في عهد من سبقه. وهي ما تزال بحاجة إلى إصلاحات عقائدية وتطبيقية حتى تكون على الجادة الإسلامية. · لقد اضطربت الأمور كثيراً بين قادة الحركة وكانت محصلة هذا الاضطراب أن أعلن وارث الدين في 25 مايو 1985م حل الجماعة وترك كل شعبة من شعبها تعمل بشكل منفرد، وفي كل يوم هناك جديد حول المصير الذي ستؤول إليه الحركة. · هناك محاولات يقوم بها العقيد القذافي ومحاولات يقوم بها حكام إيران بغية احتواء الحركة وتسييرها وفق عقائدهما الخاصة بكل منهما، وهناك شخصيات جديدة تظهر وزعامات تختفي وانقسامات قد تهدد الجميع. · لقد عرفت الجماعة بعدد من الأسماء كان من آخرها أمة الإسلام في الغرب The nation of islam in the west. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية قامت هذه الحركة على أنقاض حركتين قويتين ظهرتا بين السود هما: ـ الحركة المورية التي دعا إليها الزنجي الأمريكي تيموثي نوبل درو علي Timothy Drew Ali 1886 ـ 1929م الذي أسس حركته سنة 1913م وهي دعوة فيها خليط من المبادئ الاجتماعية والعقائدية الدينية المختلفة وهم يعدون أنفسهم مسلمين لكن حركتهم أصيبت بالضعف إثر وفاة زعيمها. ـ منظمة ماركوس جارفي Marcus Garvey 1887 ـ 1940م الذي أسس منظمة سياسية للسود سنة 1916م تحت اسم Universai Negro Improvement Associlation وتتصف هذه الحركة بأنها نصرانية لكن على أساس جعل المسيح أسود وأمه سوداء وقد أبعد زعيمها عن أمريكا سنة 1925م مما أدى كذلك إلى اندثار هذه الحركة. · لهذا يمكن أن يقال بأن هذه الحركة تنظر إلى الإسلام على أنه إرث روحي يمكن أن ينقذ السود من سيطرة البيض ويدفع بهم إلى تشكيل أمة خاصة متميزة لها حقوقها ومكاسبها ومكانتها. · تأثر المؤسس الرئيسي للحركة إليجا محمد بما في التوراة والإنجيل من أفكار بالإضافة إلى ما أخذه من الإسلام وإفرازات التمييز العنصري في الولايات المتحدة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ · يبلغ عدد السود في أمريكا أكثر من 35 مليون نسمة منهم حوالي مليون مسلم. · كانوا يسمون مساجدهم معابد Temples ولهم الآن ثمانون شعبة في مختلف المدن الأمريكية كما أن مدارسهم قد بلغت أكثر من60 معهداً في شتى أنحاء أمريكا وتخصص الحصة الأولى كل يوم لتعليم الدين الإسلامي. · يتركز المسلمون السود في ديترويت وشيكاغو وواشنطن ومعظم المدن الأمريكية الكبيرة ويحلمون بقيام دولة مستقلة، وهم يناصرون قضايا السود بعامة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن أمة الإسلام في الغرب حركة مذهبية فكرية، ادعت انتسابها للإسلام، ولكنها أفرغته أمداً طويلاً من جوهره ومضمونه، ذلك أنها في عهدها الأول، وإن كانت قد دعت إلى تحويل أتباعها صوب القرآن الكريم إلا أنها أبقت على فكرة الاستمرار في الأخذ من التوراة والإنجيل. وفي عهدها الثاني اتبعت المفاهيم الباطنية وقالت إن الإله ليس شيئاً غيبياً وإنما يجب أن يتجسد شخصاً معيناً هو فارد الذي حل فيه الإله فعلاً كما يزعمون، وذهبت إلى عدم ختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبشرت بنزول كتاب سماوي على السود، وجعلت الصيام في شهر ديسمبر بديلاً عن صوم رمضان. وفي عهدها الثالث اتخذت هذه المنظمة اسماً جديداً هو: " البلاليون " نسبة إلى بلال الحبشي مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أمر وارث الدين محمد بأن تكون الصلاة على الهيئة الصحيحة المعروفة، مع تصحيح المفاهيم الإسلامية السابقة لديهم، وبدأ الاتجاه الحقيقي لهم صوب الإسلام بمفهومه الحق. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ المسلمون الزنوج في أمريكا، تأليف دكتور ج. أريك لنكولن ترجمة عمر الديراوي ـ دار العلم للملايين طـ 1 بيروت ـ 1964م. ـ الإسلام في أمريكا، محمد يوسف الشواربي ـ لجان البيان العربي ـ القاهرة ـ 1379هـ /1960م. ـ منظمة إليجا محمد الأمريكية، تأليف د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان ـ طـ 1 ـ دار الشروق ـ جدة 1399هـ /1979م. ـ الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، عبد الله أحمد الداري ـ طـ 1ـ مطبعة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ـ جدة ـ 1403هـ / 1983م. ـ الفرق الباطنية المعاصرة في الولايات المتحدة، بلال فيليبس ـ رسالة ماجستير بكلية التربية بجامعة الملك سعود ـ الرياض 1405هـ / 1984م. ـ المسلمون تحت السيطرة الرأسمالية، محمود أحمد شاكر ـ المكتب الإسلامي ـ ط 1 ـ بيروت ـ 1397هـ. ـ المسلمون في أوروبا وأمريكا، د. علي المنتصر الكتاني ـ دار إدريس ـ طـ 1 ـ الرباط 1396هـ. ـ مجلة: المسلمون، 20/ 9/1405هـ ـ 8/ 6/1985م. ـ مجلة المستقبل ـ العدد 422 في 23 آذار 1985م. ـ جريدة الجزيرة السعودية عدد 1683 في 12 محرم 1397هـ ـ 2 يناير 1977م. ـ جريدة أخبار العالم الإسلامي عدد 470 ـ 23 ربيع الأول 1396هـ تصدر عن رابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة وكذلك عدد 510 ـ 20/ 1/1397هـ. ـ مجلة المجتمع، الكويت ـ عدد 428 في 28/ 3/1399هـ ـ 30 مارس 1979م. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثاني والعشرون: الفراخانية

أولا: التعريف هي إحدى الفرق الباطنية السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية التي مازالت تتبع منهج اليجا محمد. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات ـ ولد مؤسسها لويس والكت لعائلة تشتغل بالتمثيل والغناء، وأصولها من جزر البحر الكاريبي. ـ في عام 1956م دخل فرقة إليجا محمد الذي ادعى النبوة وأن معلمه فرد محمد هو الله المتجسد. ولما فتح مالكوم معبد محمد للإسلام رقم 11 في بوسطن عين له لويس أكس واعظاً ومديراً. ـ ألَّف لويس أكس بعض الأغاني والمسرحيات التي عرضت في جميع المعابد لأهميتها في بيان تعاليم إليجا محمد مما أكسبه شهرة واسعة. ـ لما فصل إليجا محمد مالكوم أكس عين لويس في منصب الناطق الأول باسم الفرقة ولقبه بفراح خان ثم جعله واعظاً في أكبر المعابد وأخطرها، معبد محمد للإسلام رقم الذي كان يديره مالكوم قبل طرده. ـ ولكن بعد هلاك إليجا محمد وتولي ولاس الزعامة عزل فراح خان من جميع مناصبه وجعله في منصب صوري في شيكاغو، وأثناء هذه الفترة كان لويس ينكر نبوة اليجا وألوهية فرد محمد تماشياً مع إنكار ولاس لهما. ـ ولكن فراح خان استقال من ذلك المنصب ومن الفرقة إثر انسحاب المتنبئ سايلس في عام 1977م. ـ وعاد إلى نيويورك وجمع أتباعه السابقين تحت الدعوة إلى العودة إلى تعاليم اليجا الأصلية، وفتح له معابد في نيويورك وشيكاغو ولوس أنجلوس وجمع أتباعاً فيها. وجعل لويس فراح خان شيكاغو مركزاً رسمياً لفرقته، وأصدر جريدة الفرقة التي سماها النداء الأخير، لإعادة بناء أمة الإسلام بالعودة إلى تعاليم اليجا محمد. ـ أخذ فراح خان يتجول في الولايات المتحدة الأمريكية لإلقاء المحاضرات في الجامعات والتحدث في جميع مناسبات السود وكثر ظهوره على التلفزيون والإذاعة. ـ ولما كانت دعوته إلى إعادة بناء منظمة إليجا (أمة الإسلام) وإحياء تعاليمه صافية خالية من دعاوى خاصة لنفسه ـ كما فعل المتنبئ (سايلس) فقد استجاب له معظم أفراد أسرة اليجا. ـ في عام 1981م أعاد نظام توزيع الأسماء المقدسة وافترض على الجميع أن يكتب كل شخص في الفرقة (رسالة المخلِّص) يشهد فيها أن لا إله إلا الله الذي جاء في صورة السيد فرد محمد وأن المكرم إليجا محمد رسول الله. ـ اكتسب فراح خان شهرة كبيرة بمساندته للقس الأسود جيسي جاكسون في حملاته الانتخابية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات · عقائد الفراخانية: أثبت فراح خان تعاليم إليجا محمد كلها، ما عدا تغييرات بسيطة، دأب أن يذكر في آخر صفحة من جميع أعداد جريدة الفرقة النداء الأخير بابين تحت عنواني ماذا يريد المسلمون وماذا يعتقد المسلمون؟ ‍‍‍!، يضمنها أهداف الفرقة الإليجية ومعتقداتها حرفياً كما كانت ترد في كل عدد من أعداد جريدة محمد يتكلم في عهد اليجا، كما يذكر في كل عدد مقالات اليجا المنقولة من أعداد محمد يتكلم القديمة. · بعض عقائد الأليجية الأساسية التي أحياها فراح خان: ـ أن الله قد خلق نفسه. ـ أن جميع السود آلهة ويولد بينهم إله مطلق كل 25 ألف سنة. ـ أحد الآلهة السود المسمى يعقوب قد خلق الإنسان الأبيض نتيجة لبعض التجارب الوراثية. ـ أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أُرسل للعرب فقط واليجا أرسله الله إلى سود أمريكا وأنه آخر المرسلين. ـ ويعتقد فراح خان أنه هو المقصود بالحواري بطرس المعروف في المسيحية ويعتقد أنه لا يملك قوة الإحياء ولكن بواسطة صوت إليجا محمد سوف يحيي الأمة بأسرها. ـ الإنسان الأبيض شيطان. ـ الإنسان الأسود هو الذي ألَّف جميع الكتب السماوية. ـ معظم تعاليم القرآن موجهة إلى الرسول إليجا محمد والسود في أمريكا. ـ لا قيامة للأجساد بعد الموت، والبعث والقيام عبارة عن يقظة روحية لمن هم نيام من السود في قبور الأوهام، ولا يتأتى ذلك إلا بمعرفة اليجا وإلهه والإيمان بهما. ـ يقولون إذا كان العرب يعتقدون أن محمداً خاتم النبيين يقيناً فيمكن أن نجتمع ونتناقش في الأدلة ‍‍حتى نصل إلى كلمة سواء. إلا أنكم أيها العرب عنصريون ولم تتجاوزوا هذا الجانب من طبيعتكم التي تماثل طبيعة الإنسان الأبيض الذي هو شيطان، أنتم واليهود والبيض كلكم شياطين. إضافات فراح خان: ـ أما معتقدات فراخ خان الجديدة حول اليجا فإنه ألَّه اليجا كما ألَّه المسيحيون عيسى، بل ادعى فراح أن اليجا هو عيسى المسيح. ـ وادعى أن اليجا لم يمت بل بعثه الله حيًّا مع أن اليجا أنكر البعث الجسدي إنكاراً شديداً مطلقاً. ـ يقول فراح خان: " إنما أنا هنا لأشهد أن المكرم إليجا محمد قد رفع وأن عيسى الذي كنتم تبحثون عنه وتنتظرون عودته كان بين ظهرانيكم لمدة أربعين سنة، ولكنكم لم تعلموا من هو". ـ ويقول:" إن المكرم إليجا محمد حيُّ وهو مع الإله سوية وعودته وشيكة الحدوث، وأشهد أن أحد إخوانكم اليجا من بينكم قد رفع إلى مقام محمود يمين الإله، وجعل رب العالمين فيه السلطة التامة على طاقات الطبيعة". ـ ويقول:" قد علمنا المكرم إليجا محمد أننا (الرجل الأسود): مالك الأرض وخالقها وصفوة كائناته وإله الكون كله، فإن لم يكن المكرم إليجا محمد إلهاً فلا يمكن أن نصل إلى درجة الألوهية، وإن لم يبعث حياً فلا أمل فينا أن نبعث أحياء من موتنا الذهني والروحي والسياسي والاجتماعي ". نماذج من تأويلات فراح خان: ـ بنى لويس فراح خان دعاويه في اليجا على تأويل آيات قرآنية وفقرات من الكتاب المقدس تأويلاً عجيباً منها: ـ يقول فراح خان ممهداً لدعواه أن إليجا محمد هو عيسى ابن مريم وذلك تأويلاً للآية 44 من سورة آل عمران. ـ أوَّل مريم البتول إلى رمز يقصد به السود في أمريكا حيث قال: أين نبحث عن عيسى هذا إن العبارة سوف تحمل بتول هي المفتاح لاكتشاف السر فإن كلمة (بتول) كما نفهمها في عالم المادة تعني امرأة لم يمسها رجل ولكن كلمة (بتول) في الكتاب المقدس ترمز إلى أناس لم يلقحهم الإله، والسود في أمريكا هم أناس بتوليون كما هو واضح من تصرفاتنا. ـ وانتهت به تأويلاته إلى القول برفع اليجا اعتماداً على الآيات 157ـ 158 من سورة النساء. ـ ويقول: " أعلم أنكم تظنون أن إليجا محمد قد مات ولكنني أقف لكي أشهد للعالم أنه حي وبصحبة جيدة وهو ذو نفوذ ". " إنني شاهد له وإننا شهداء له. وهو مكتوب في القرآن: (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا .. ) الخ. وفي مكان آخر يقول القرآن: (شُبِّه لهم) أنه مات، وهذا هو مكر الله فوق مكر أعداء الله الأشرار في إشارة إلى قوله تعالى في الآية 157 من سورة النساء. محاولات لإصلاح فكر فراح خان: قام بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، وعُقد لقاء بينه وبين بعض المسؤولين عن الدعوة في المملكة. وقد وعد خيراً وأظهر توجهاً للفهم وللمراجعة. ولكن عندما عاد إلى أمريكا بقيت نفس أفكاره وسلوكياته دون تغيير يذكر. وإن كان قد أصبح أقل إعلاناً لها، والذي يظهر أن الرجل غير مخلص ويبحث عن الزعامة وتتجاذبه عوامل عديدة. نسأل الله له ولكل ضال الهداية والعودة إلى الطريق المستقيم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثالث والعشرون: الأنصار

أولا: التعريف فرقة باطنية عنصرية ظهرت بين السود في الولايات المتحدة الأمريكية في الستينات الميلادية وامتدت إلى كندا، وأمريكا الوسطى والجنوبية نظرًا لقوة أنشطتها، وهي تدَّعي الإسلام والانتساب إلى المهدية في السودان، غير أن عقائدها خليط من النصرانية واليهودية والبوذية والإسلام. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات • ولد مؤسس هذه الفرقة دوايت يورك Dwight York سنة 1935م بمدينة نيويورك، وكان يتعاطى المخدرات، فقضى فترة من عمره في السجن. وهناك تعرف على مبادئ الإسلام ودرس النصرانية واليهودية وغيرها من الأديان والفرق. وبعد إطلاق سراحه في أوائل الستينات، أسلم في مسجد ستايت ستريت. Stat St بحي بروكلين Brooklyn بمدينة نيويورك، وانتحل لنفسه اسم عيسى عبد الله. وبما أن الوضع الاجتماعي في أمريكا كان مشحوناً بالشعور القومي آنذاك، فقد أخذ عيسى يدعو شباب السود في ضواحي نيويورك إلى الإسلام، بطابع قومي، معتمداً في ذلك على تأويل نصوص الإنجيل المتداول، والقرآن الكريم. واتخذ شعاراً لفرقته هلالاً بداخله نجمة داود، وبداخلها صليب فرعون، وقد أطلق على فرقته في بداية الأمر اسم (أنصار الصوفية الخالصة Ansar pure sufi) شعاراً للفرقة ثم غير اسم الفرقة إلى النوبيين Nobians انتساباً إلى قبائل النوبة بمصر والسودان، وإبرازاً للاتجاه القومي، ثم غيّر الاسم مرة أخرى إلى جمعية أنصار الله Ansaru Allah Community كما فرض على أتباعه في البداية التحلي بقطعة عظم صغيرة في الأذن اليسرى، وارتداء طرابيش سوداء وملابس من غرب أفريقيا ثم غيّر الزي إلى حلقة فضية في الأنف مع وضع العمامة على الرأس وارتداء الثوب السوداني. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: النظام الاجتماعي والاقتصادي

ثالثا: النظام الاجتماعي والاقتصادي ـ ألزم عيسى أتباعه بالسكن الجماعي، حيث تتجمع النساء في وحدة خاصة منفصلة عن وحدة الرجال، ويتجمع الأطفال في وحدة أخرى منفصلة عنهما، وخصص غرفة واحدة في مهجع النساء للاتصال الجنسي بين المتزوجين بالتناوب، وسموا تلك الغرفة (الغرفة الخضراء). وكان عيسى الوحيد الذي يسمح له بحرية الاختلاط مع نساء الفرقة في سكنهن، فكثرت تقريرات العضوات اللاتي انسحبن مع الفرقة بسبب دخوله على نساء الغير وحمل عشرات النساء في آن واحد بأولاد له، كما اختار عيسى بعض النساء كملك يمين له، إضافة إلى زوجاته الأربع اللاتي يبدلهن من حين إلى آخر، وحدد عيسى للنساء ما عدا زوجاته وملك يمينه أعمالاً جماعية معينة مثل الطبخ والخياطة وغسل الثياب وجمع معلومات لتأليف كتب تطبع باسمه. ـ فرض عيسى على المعتنقين الجدد تسليم جميع ما عندهم من الأموال والممتلكات وأجبر من كان يعمل منهم أو يدرس في الجامعات بترك العمل والدراسة كما دعاهم إلى مقاطعة أقربائهم ومفاصلتهم وقطع صلتهم بهم حتى لا يكون لهم أدنى درجة في الاستقلال المالي أو الفكري واقتبس عيسى نظام التسوُّل الجماعي من الفرقة الهندوكية (هاري كريشنا Hari Krishna) التي كانت منتشرة بين الشباب البيض حينئذٍ ففرضه على جميع أتباعه الذكور حيث ظهروا في زوايا شوارع أحياء نيويورك وممرات مطار كيندي وعربات القطارات يتسولون من طلوع الشمس إلى غروبها ويسلمون جميع ما يجمعون من التبرعات إلى عيسى فيتصرف فيها كما يشاء، ومن لم يجمع الحد الأدنى من التبرعات التي عينها عيسى (خمسين دولاراً) حرم آخر النهار من مباشرة زوجته. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الأفكار والمعتقدات

رابعا: الأفكار والمعتقدات • زار عيسى السودان في عام 1973م، وقابل أهل المهدي، والتقط عدة صور فوتوغرافية لنفسه مع أفراد عائلة المهدي، وعند عودته إلى أمريكا غيّر اسمه إلى عيسى عبد الله المهدي، وادعى أنه من أحفاد محمد أحمد المهدي، مستدلاً على ذلك بالصور، كما ادعى أنه حصل على شهادة الدكتوراه في علوم الشريعة خلال الشهور الأربعة التي قضاها هناك. وقد زاره في نيويورك الصادق المهدي وبعض إخوانه الآخرين فصوروا الصادق يعانقه، ويصافحه وأتباعه، ويخطب في معبده تأييداً لدعواه، وغيّر عيسى اسمه مرة أخرى إلى عيسى الهادي المهدي، وأضاف اسمه واسم أمه إلى شجرة نسب المهدي المزعوم. • أعلن عيسى في أواخر السبعينات أنه مجدد القرن منافساً لابن إليجا محمد (المعروف بوارث دين محمد) الذي ادعاه آنذاك. وفي أوائل الثمانينات تطرق إلى الألوهية حيث صرح في كتبه أنه الإله المتجسد. • يعتقد الأتباع أن الجنس الأبيض ليسوا بشراً على الحقيقة إذ لا أرواح لهم وإنما تلبست بأجسادهم الأرواح الشريرة فهم حسب اعتقاد الأتباع شياطين في صورة آدميين، أما الأنبياء فيعتقدون أنهم جميعاً كانوا من أصحاب البشرة السوداء. • زعم عيسى أن جبريل جامع مريم البتول فأنجبت منه النبي عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو بدوره لم يرفعه الله إليه إنما توفاه الله في الأرض. • ينكر أتباع عيسى نسخ التوراة والإنجيل ويقولون بعدم تحريفهما، وأوجب عيسى على أتباعه العمل بتعاليمهما. • زعم عيسى أنه عثر على الصحف التي أنزلت على آدم وشيث وإبراهيم وإدريس كما ادعى أنه ترجم بعض نصوصها إلى اللغة الإنجليزية. • زاد في الصلاة أشياء كثيرة، مثل أن يقول المصلي عند التشهد الأخير (اللهم صلى على محمد أحمد خليفة رسول الله)، ثم ألغى الصلاة على النبي مدعياً أنه شِرْكٌ وعبادة موجهة إلى الرسول من دون الله تعالى. • يعتبر الأتباع يوم الجمعة يوم تمهيد للعيد الأسبوعي وهو يوم السبت فهم يؤدون في السبت بعض الطقوس المقتبسة من طقوس اليهود. • يعتقد الأنصار أن نعيم الجنة نعيماً نفسيًّا وأن آلام النار آلاماً نفسية وليست حقيقية. • يحرم الأنصار أكل لحوم الإبل والضب كما لا يجيزون العمل في يوم السبت. كما أنهم يحلون وطء المرأة في دبرها ويبيحون شرب الخمر لأداء الطقوس الدينية اليهودية. • لهذه الفرقة صحف ومجلات وأكثر من مائتي كتاب، كلها تنسب إلى عيسى، وهي تتناول أفكار الفرقة واعتقاداتها ومن ضمنها ترجمة للأوراد الراتبة للمهدي السوداني المزعوم وترجمة وتفسير لبعض أجزاء القرآن. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ يقع مركز الفرقة في مدينة نيويورك، ولها أحياء كبيرة أخرى في واشنطن وفيلاديلفيا في الولايات المتحدة، وفي مونتريال بكندا وسان وان بجزيرة ترينيداد بأمريكا الوسطى، ولها فروع متوسطة الحجم في جورج تاون وجمهورية غيانا بأمريكا الجنوبية، وجزيرة سانت فيسانت من جزر البحر الكاريبي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الأنصار فرقة باطنية عنصرية ظهرت بين السود في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الستينات ومنها امتدت إلى دول مجاورة، وهي تدعي الإسلام والانتساب إلى المهدية في السودان، ويعتقد أتباع هذه الفرقة أن الجنس الأبيض لا أرواح لهم وأنهم ليسوا بشرًا، وقد زعم مؤسس هذه الفرقة أنه الإله المتجسد، وافترى على مريم بهتانًا عظيمًا فقال إن جبريل جامعها فأنجب منها عيسى ـ عليه السلام ـ، وتنكر هذه الفرقة نسخ التوراة والإنجيل، وتحل وطء المرأة في دبرها، وغير ذلك من الأمور والعقائد الشاذة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع ـ (الفرقة الباطنية المعاصرة في الولايات المتحدة الأمريكية / مخطوطة). ـ رسالة ماجستير باللغة العربية 1985م بجامعة الملك سعود بالرياض ـ أبو أمينة بلال فيليبس. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الرابع والعشرون: وحدة الوجود

أولا: التعريف وحدة الوجود مذهب فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته. ونحن نوضح هذا المذهب لأن آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر أكثر أهل الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، وفي أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم. والمذهب كما سنرى موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضاً، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والمذهب الزرادشتي وفلسفة فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات وأهم آرائها

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات وأهم آرائها إن فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي. ومن أبرز الشخصيات وأفكارهم: ابن عربي 560هـ – 638هـ: هو محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي، الحاتمي، الطائي، الأندلسي وينتهي نسبه إلى حاتم الطائي، أحد مشاهير الصوفية، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية، حيث بدأ دراسته التقليدية بها ثم عمل في شبابه كاتباً لعدد من حكام الولايات. في سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته، حيث انقلب بعد ذلك زاهداً سائحاً منقطعاً للعبادة والخلوة، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية. في الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فاس حيث كتب كتابه المسمى: الإسراء إلى مقام الأسرى ثم عاد إلى تونس، ثم سافر شرقاً إلى القاهرة والقدس واتجه جنوباً إلى مكة حاجاً، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين، وألف في تلك الفترة كتابه (تاج الرسائل)، و (روح القدس) ثم بدأ سنة 598 هـ بكتابة مؤلفه الضخم الفتوحات المكية. في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسورية والقدس والقاهرة ومكة، ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق. وقد وجد ملاذاً لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح، بل التكفير والزندقة. وفي تلك الفترة ألف كتابه (فصوص الحِكَم) وأكمل كتابه (الفتوحات المكية) وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون. · مذهبه في وحدة الوجود: يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق. فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن أقواله التي تدل على ذلك: "سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها". ويقول مبيناً وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات: يا خالق الأشياء في نفسه [] [أنت لما تخلق جامع] تخلق ما لا ينتهي كونه [] [فيك فأنت الضيق الواسع] ويقول أيضاً: فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا [] [وليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا] جمِّع وفرّق فإن العين واحدة [] [وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذرْ] وبناءً على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض وتجليّ ومادام الأمر كذلك، فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية وجبرية صارمة. وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء وقدر ولا عن حرية أو إرادة ومن ثم لا حساب ولا مسؤولية ولا ثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع. وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة: ومما يؤكد على قوله بالجبر الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد: الحكم حكم الجبر والاضطرار [] [ما ثم حكم يقتضي الاختيار] إلا الذي يعزى إلينا ففي [] [ظاهره بأنه عن خيار] لو فكر الناظر فيه رأى [] [بأنه المختار عن اضطرار]

وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر ونفى الحساب والثواب والعقاب. فإنه ترتب على مذهبه أيضاً قوله بوحدة الأديان. فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق. يقول في ذلك: لقد صار قلبي قابلاً كل صورة [] [فمرعى لغزلان ودير لرهبان] وبيت لأوثان وكعبة طائف [] [وألواح توراة ومصحف قرآن] فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة سواء بسواء، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها وهي قوله بالجبر ونفيه الثواب والعقاب وكذا قوله بوحدة الأديان. وقد تابع ابن عربي في القول بوحدة الوجود تلاميذ له أعجبوا بآرائه وعرضوا لذلك المذهب في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء: ابن الفارض وابن سبعين والتلمساني. أما ابن الفارض فيؤكد مذهبه في وحدة الوجود في قصيدته المشهورة بالتائية: لها صلاتي بالمقام أقيمها [] [وأشهد أنها لي صلَّت] كلانا مصل عابد ساجد إلى [] [حقيقة الجمع في كل سجدة] وما كان لي صلى سواي فلم تكن [] [صلاتي لغيري في أداء كل ركعة] ومازالت إياها وإياي لم تزل [] [ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت] فهو هنا يصرح بأنه يصلي لنفسه لأن نفسه هي الله. ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سُكْر الصوفية بل هو في حالة الصحو فيقول: ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها [] [وذاتي ذاتي إذا تحلت تجلت] والصوفية معجبون بهذه القصيدة التائية ويسمون صاحبها ابن الفارض بسلطان العاشقين، على الرغم مما يوجد في تلك القصيدة من كفر صريح والعياذ بالله. وأما ابن سبعين فمن أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود: قوله: رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك الله فقط، والكثرة وهم. وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس له وجود حقيقي فوجودها وهم وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق، فالموجودات هي الله!! أما التلمساني وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفراً، وهو أحذقهم في الكفر والزندقة. فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها، إنما الكائنات أجزاء منه، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر، وأجزاء البيت من البيت، ومن ذلك قوله: البحر لا شك عندي في توحده [] [وإن تعدد بالأمواج والزبد] فلا يغرنك ما شاهدت من صور [] [فالواحد الرب ساري العين في العدد] ويقول أيضاً: فما البحر إلا الموج لا شيء غيره [] [وإن فرقته كثرة المتعدد] ومن شعره أيضاً: أحن إليه وهو قلبي وهل يرى [] [سواي أخو وجد يحن لقلبه؟] ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري [] [وما بعده إلا لإفراط قربه] فالوجود عند التلمساني واحد، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق، بل كل المخلوقات إنما هي الله ذاته. وقد وجد لهذا المذهب الإلحادي صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي ورَوّج له اسبينوزا اليهودي. جيور وانو برونو 1548 - 1611م وهو مفكر إيطالي، درس الفلسفة واللاهوت في أحد الأديرة الدينية، إلا أنه خرج على تعاليم الكنيسة فرمي بالزندقة، وفرّ من إيطاليا، وتنقل طريداً في البلدان الأوروبية وبعد عودته إلى إيطاليا وشي به إلى محاكم التفتيش فحكم عليه بالموت حرقاً. باروخ سبينوزا 1632 – 1677م وهو فيلسوف هولندي يهودي، هاجر أبواه من البرتغال في فترة الاضطهاد الديني لليهود من قبل النصارى، ودرس الديانة اليهودية والفلسفة كما هي عند ابن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأندلس وعند ابن جبريل وهو أيضاً فيلسوف يهودي عاش في الأندلس كذلك. ومن أقوال سبينوزا التي تؤكد على مذهبه في وحدة الوجود:

ما في الوجود إلا الله، فالله هو الوجود الحق، ولا وجود معه يماثله لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان. إن قوانين الطبيعة وأوامر الله الخالدة شيء واحد بعينه، وإن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة. الله هو القانون الذي تسير وفقه ظواهر الوجود جميعاً بغير استثناء أو شذوذ. إن للطبيعة عالماً واحداً هو الطبيعة والله في آن واحد وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة. ليس هناك فرق بين العقل كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة فهما شيء واحد. يقول الإمام ابن تيمية بعد أن ذكر كثيراً من أقوال أصحاب مذهب وحدة الوجود "يقولون: إن الوجود واحد، كما يقول ابن عربي – صاحب الفتوحات – وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم – عليهم من الله ما يستحقونه – فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجوداً مبايناً لوجود المخلوق. وهو جامع كل شر في العالم، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئاً، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئاً ومن كلام القرامطة والباطنية شيئاً فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخسِّ المطالب، ويثنون على ما يذكر من كلام التصوف المخلوط بالفلسفة" (جامع الرسائل 1 – ص167). ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الجذور الفكرية والعقائدية

ثالثا: الجذور الفكرية والعقائدية لقد قال بفكرة وحدة الوجود فلاسفة قدماء: مثل الفيلسوف اليوناني هيراقليطس فالله – سبحانه وتعالى – عنده نهار وليل وصيف وشتاء، ووفرة وقلة، جامد وسائل، فهو كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها. وقالت بذلك الهندوسية الهندية: إن الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا وهي كالآلهة سرمدية غير مخلوقة. وفي القرن السابع الهجري قال ابن عربي بفكرة وحدة الوجود وقد سبق ذكر أقواله. وفي القرن السابع عشر الميلادي ظهرت مقولة وحدة الوجود لدى الفيلسوف اليهودي سبينوزا، الذي سبق ذكره، ويرجح أنه اطلع على آراء ابن عربي الأندلسي في وحدة الوجود عن طريق الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون. وقد أعجب سبينوزا بأفكار برونو الإيطالي الذي مات حرقاً على يد محاكم التفتيش، وخاصة تلك الأفكار التي تتعلق بوحدة الوجود. ولقد قال أقوالاً اختلف فيها المفكرون، فمنهم من عدُّوه من أصحاب وحدة الوجود، والبعض نفى عنه هذه الصفة. وفي القرن التاسع عشر الميلادي نجد أن مقولة وحدة الوجود قد عادت تتردد على ألسنة بعض الشعراء الغربيين مثل بيرس شلي 1792 – 1822م فالله سبحانه وتعالى في رأيه – تعالى عما يقول: "هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم، وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل، وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي، في ظلمات الليل، وهو هذه الورود اليانعة تتفتح وكأنه ابتسامات شفاه جميلة إنه الجمال أينما وجد .. ". وهكذا فإن لمذهب وحدة الوجود أنصار في أمكنة وأزمنة مختلفة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: موقف الإسلام من المذهب

رابعا: موقف الإسلام من المذهب الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود منزَّه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها. والكون شيء غير خالقه، ومن ثم فإن هذا المذهب يخالف الإسلام في إنكار وجود الله، والخروج على حدوده، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية، والتكاليف الشرعية، والانسياق وراء الشهوات البهيمية، ويخالفه في إنكار الجزاء المسؤولية والبعث والحساب. ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد في وجود الله وتعبير ملتوٍ للقول بوجود المادة فقط وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن هذا المذهب الفلسفي هو مذهب لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، حيث يوحِّد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة، على نحو ما ذهب إليه الهندوس أخذاً من فكرة يونانية قديمة، وانتقل إلى بعض غلاة المتصوفة كابن عربي وغيره، وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - الموسوعة الفلسفية المختصرة، مترجمة من الإنجليزية بإشراف زكي نجيب محمود دار القلم بيروت. - معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي، مكتبة لبنان – بيروت. - قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، وآخر، لجنة التأليف والنشر – القاهرة. - جامع الرسائل المجموعة الأولى، ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، مطبعة المدني – القاهرة. - المنقذ من الضلال، دراسة د. عبد الحليم محمود، دار الكتاب اللبناني بيروت ط. 1979م. - فصوص الحكم، ابن عربي. - الفتوحات المكية، ابن عربي. - تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ومعه نقد تائية ابن الفارض، برهان الدين البقاعي. - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ابن قيم الجوزية. - History of Philosophy by F.C. Copestone Burns – London 1947. - History of Modern Philosophy by H. Hoffding. London 1956. - Ethics by B. de Spinosa. Tr. Boyle. London 1955. - Political Works by B. de Spinosa with tr. A. Wornham. O.V.P. Oxford ad New York 1958. - Vindication of metaphysics: A study in the Philosophy of Spinoza by r.L. Saw Macmillan London 1951. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الخامس والعشرون: اللذة

أولا: التعريف اللذة: مذهب غير أخلاقي فلسفي، يرى أن اللذة هي الشيء الخيِّر الوحيد في الوجود. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات اللذة مذهب قديم جديد في نفس الوقت، فهو قد تأسس بالفعل في العهد اليوناني القديم، وظهر بثوبه الجديد في مذهب المنفعة الذي نادى به فلاسفة أوروبا في الوقت الحاضر. ومن أبرز شخصياته القديمة والجديدة: الفيلسوف أبيقور اليوناني 343 – 270 ق. م، ولد في أثينا في اليونان، وقد اختلف الكتَّاب في أفكاره وحياته الخاصة، فبعض الكتَّاب المتأخرين يصف حياته بالحياة المنعمة اللاأخلاقية، إلا أن البعض الآخر يقول بأن كل خطاباته تدل على أنه كان متواضعاً في طعامه، وأن مفهوم اللذة عنده لا يقصد به الإباحية الأخلاقية أو ما شابه ذلك من مفاهيم. جيرمي بنتام 1748 – 1823م وهو أول فيلسوف إنكليزي أبرز مذهب اللذة في القرن التاسع الميلادي، وذلك في كتابه مقدمة لأصول الأخلاق والتشريع. جون ستيوارت ميل 1806 – 1873م – وهو الفيلسوف الإنكليزي الذي نادى باللذة والمنفعة أيضاً. جون لوك 1632 – 1704م وهو فيلسوف إنكليزي. قال بأن فكرة الخير: يجب أن تُعرّف بأنها هي نفسها كلمة اللذة أو على الأقل تعرف تعريفاً يردها إلى اللذة وعارض نظرية الحق الإلهي، وقال بأن الاختيار هو أساس المعرفة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات يمكن إجمال الأفكار الأساسية لأصحاب مذهب اللذة فيما يلي: إن اللذة هي وحدها الخير، وهي خير الدوام، ولا توجد اللذة إلا من خلال إقصاء الألم وكل ما يعكر صفو العقل. ولا يقصد باللذة لذَّات أصحاب الشهوات الحسية ولا إدمان الشراب. اللذة نوعان: 1 - لذة جسمية تبلغ أوج صورها في الصحة الجسمية الكاملة. 2 - لذة عقلية وتعني التحرر الكامل من الخوف والقلق. إن آلام العقل أقسى من آلام البدن التي يمكن تحملها والتي تنتهي لا محالة بالموت، والموت أمر طبيعي لا يوصف بأنه شر ولا بأنه خير كذلك. لا يستطيع الإنسان أن يحيا حياة سعيدة ما لم يقض هذه الحياة في كل ما هو فاضل بالفعل، والحياة الفاضلة هي مصدر اللذة، لأن الإنسان يقضيها في تحصيل العلم أساساً. اللذة هي الشيء الوحيد الذي "هو خير في ذاته". والألم هو الشيء الوحيد الذي هو "شر في ذاته"، والسعادة تشمل اللذة والتخلص من الألم، وإن رجحان كفة اللذة يعني صيرورة حياة الإنسان مصدراً للمزيد من اللذة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية العقائدية

رابعا: الجذور الفكرية العقائدية إن كلمة Hedonism مشتقة من الكلمة اليونانية Hoedone ومعناها: "اللذة" الحسية الدنيوية، وهي وحدها أساس اهتمام الفلاسفة الذين نادوا بها. فأبيقور كان فيلسوفاً علميًّا، إذ لم يهتم بالفلسفة النظرية التي كان معاصروه يهتمون بها .. فتوجه إلى البحث عن سر السعادة البشرية سيما وأن الحياة اليونانية الوثنية لا تهتم بالحياة الآخرة، وليس فيها أية قوانين خلقية روحية. وقد وجد أبيقور سر السعادة في اللذة، التي لا تعني إلا الخير .. ولذا فقد أساء البعض فهم اللذة عند أبيقور عندما تصوروا أنه لا يدعو إلا إلى اللذة الحسية. أما الفلاسفة المحدثون أمثال بنتام ولوك وميل الذين قالوا بالمنفعة، فهم من الفلاسفة الماديين الحسيين .. ولذا فإن قولهم بمذهب المنفعة، لا يعني سوى المنفعة المادية الحسية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن اللذة مذهب غير أخلاقي فلسفي يرى أن اللذة هي الشيء الخيِّر الوحيد في الوجود، واللذة إما أن تكون جسمية وإما أن تكون عقلية، وإذا كانت آلام العقل أقسى من آلام البدن، فإن الإنسان يجب أن يحيا حياة فاضلة حتى يستشعر اللذة، لأن رجحان كفة اللذة التي هي مبعث السعادة، يعني صيرورة حياة الإنسان مصدراً للمزيد من اللذة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - الموسوعة الفلسفية المختصرة، مترجمة عن الإنكليزية .. دار القلم – بيروت. - قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين وآخر- لجنة التأليف والنشر – القاهرة – 1978م. - معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي – مكتبة لبنان – بيروت. - History of Philosophy by F.C. Copleston Burns – London 1947. - Epicurus and his gods Y.A.J. Festugire tre. C.W. Chilton, Oxford 1955. - Bentham, ed. W. Harrison Blackwell, Oxford and Macmillan. New York 1948. - Two Treatises of Government by J. Locke ed T. Cook, Hafner, London 1956. - J. Looke by D.J. O’connor, London 1952. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السادس والعشرون: الأفلاطونية الحديثة

أولا: التعريف الأفلاطونية الجديدة تسمية حديثة لآراء مجموعة من الفلاسفة والمفكرين الملاحدة تمتد من 250 ق. م حتى 550م وهذه الآراء تحاول إعطاء تفسير للكون والإنسان والحياة، لتلبية طموح الإنسان من النواحي الدينية والأخلاقية والعقلية. وهي تختلف اختلافاً جوهريًّا عن آراء أفلاطون اليوناني: إذ إنها تؤمن بإله مفارق للكون. وهذا الإله يفيض عنه الكون والوجود كله بما فيه من مخلوقات. والأفلاطونية الجديدة أثّرت كثيراً – في طور أحدث – بأفكار بعض الفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا وغيره، ولا تزال تؤثر في كثير من الطرق الصوفية في العالم الإسلامي .. ومن هنا كان اهتمامنا بتوضيحها للقارئ المسلم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات تأسست الأفلاطونية الجديدة في مدينة الإسكندرية على يد أفلوطين 205 – 270م الذي درس الفلسفة اليونانية واطلع على الديانات القديمة والأساطير والسحر والشعوذة .. وكتب كتابات كثيرة في مذهبه الذي سنوضح أفكاره لاحقاً. ثم جاء فرفرويوس 234 –305 م ونشر كتابات أفلوطين وهاجم النصرانية بكتابه ضد المسيحيين وله عدة مؤلفات أخرى. ثم أتى مبليخوس توفي عام 330م الذي ألف عدة رسائل فلسفية، منها أسرار مصرية وهي تفسير فلسفي لطقوس مصر وتعاليمها الدينية قبل الإسلام. وجاء أبرقلس 410 – 485م الرجل المدرسي في الأفلاطونية الجديدة الذي عرض المذهب في مؤلفين: مبادئ اللاهوت ولاهوت أفلاطون. أما أوغسطين 354 – 440م القديس الذي ولد في الجزائر من أم نصرانية وأب وثني، فقد انتسب إلى الأفلاطونية الجديدة، وقارن بينها وبين النصرانية، وقال بأن النصرانية هي الفلسفة الحقة!! ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات الأفلاطونية الجديدة خليط من الأفكار والفلسفات والمعتقدات الوثنية واليهودية والنصرانية، والأساطير، وغيرها. تدعو الأفلاطونية إلى إله تفيض عنه الأشياء جميعاً بحيث لا تنفصل عنه، فيضاً لا يتحدد بزمن أو تاريخ ولا يتقيد بإرادة ولا ينقطع، وهذا الفيض لا ينقص مصدره، بل يظل كاملاً غير منقوص. وهذا الإله المبدأ الأسمى للوجود يطلق عليه واحد غير محدد بسيط لا كيف له، وهو الخير المطلق عندهم. عملية الفيض الأزلية تبدأ أولاً بالعقل أو الروح ثم النفس ثم الواقع الحسي في الزمان والمكان. عملية الفيض دقيقة موزونة بحيث لا تترك نقصاً أو ثغرات في الكون، أما النقص الذي في الإنسان أو الشر فهو ناتج عن ابتعاد الإنسان عن الخير أو عن الألوهية، وينتج عن ذلك الشوق إلى العودة إلى الله. الألوهية لا يمكن الوصول إليها عن طريق العقل، لأنه قاصر عن ذلك وإنما يمكن الوصول إليها عن طريق نوع آخر من المعرفة لا يتوصل إليها إلا بعد القضاء على نوازع الجسم المادي، والتطهير، ثم الفناء في الواحد، وهذه هي حالة الوجد أو النشوة التي يطمح أن يصل إليها الإنسان. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: تأثير هذه الأفكار والمعتقدات

رابعا: تأثير هذه الأفكار والمعتقدات أثرت الأفلاطونية الجديدة في تفكير كثير من الفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا والفارابي وغيرهم وأخذوا عنها نظرية الفيض الإلهي، التي تدعي أن العالم يجيء صدوراً عن الله في صورة فيض، فمرتبة تفيض عن مرتبة .. وهكذا حتى تصل إلى أدنى المراتب. وأثرت الأفلاطونية الجديدة في التصوف الإسلامي أيضاً وخاصة في أولئك المتصوفة المتأثرين بالفلسفة .. ثم فشا تأثيرها في طرق التصوف. وخاصة فيما يتعلق بعملية التطهير أو التزكية للوصول إلى المعرفة الكاملة أو الإيمان الكامل، وهو سعي الإنسان جاهداً للوصول إلى المصدر الذي صدر عنه والفناء فيه، وما يحتاج إليه ذلك من مجاهدة شديدة الصلابة لإماتة نوازع الجسد المفطور عليها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية أخذت الأفلاطونية الجديدة من أفلاطون خيالاته في عالم المثل، ومن أرسطو تساؤلاته عن المعاني الكلية وهل لها وجود مستقل؟ ومن الرواقيين السمو الخلقي والترقي الروحي، ومن النصرانية تأثيراتها الروحية والخلقية، ومن البوذية مسألة التطهير والتزكية والفناء في المصدر الأول. إلا أن ما جاء به أفلوطين من أفكار وآراء حول عملية الفيض أو الصدور عن الله يعد جديداً في بابه كما يرى كثير من المفكرين. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: الانتشار ومواقع النفوذ

سادسا: الانتشار ومواقع النفوذ تأسست الأفلاطونية الجديدة في الإسكندرية، وانتشرت في الفكر الأوربي اللاهوتي كله والفكر الصوفي النصراني والإسلامي. ولا شك أن هذه الآراء مرفوضة من وجهة النظر الإسلامية وقد أبان مفكرو الإسلام تهافتها من أكثر من وجه. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الأفلاطونية الجديدة، هي خلاصة آراء بعض الفلاسفة الملحدين، وهي خليط من الأفكار والفلسفات والمعتقدات الوثنية واليهودية والنصرانية والأساطير وغيرها، تقول بوجود إله "هو المبدأ الأسمى للوجود، بسيط لا نظير له، وهو الخير المطلق عند أتباعها، وهذا الإله تفيض عنه الأشياء جميعاً ولا تنفصل عنه، والعقل هو الأساس الوحيد لإدراك حقيقة الألوهية التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق نوع آخر من أنواع المعرفة". ولا شك أن هذه الآراء مرفوضة من وجهة النظر الإسلامية وقد أبان مفكرو الإسلام تهافتها من أكثر من وجه. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - تهافت الفلاسفة، لأبي حامد الغزالي. - الإشارات والتنبيهات، لابن سينا. - نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، د. علي سامي النشار. - الأفلاطونية المحدثة عند العرب، د. عبد الرحمن بدوي. المراجع الأجنبية: - History of Philosophy by F.C. Copleston Burns, London 1947. - The Philosophy of Plotinus by W.r. Inge Logmans. London and New York, rev. ed. 1948. - The Architecture of the Intelligible Universe in the Philosophy of Plotinus by A.H. Armstrong. C.U.P. Cambridge 1940. - Complete English Translation by S. Mackenma rev. B.S. page Warner, London 1917-30. - Saint Augustine by II. Marron. Longmans. London 1957. - Avicenna on Theology by A.J. Arberry. Murray. London 1951. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السابع والعشرون: العقلانية

أولا: التعريف العقلانية مذهب فكري يزعم أنه يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود عن طريق الاستدلال العقلي بدون الاستناد إلى الوحي الإلهي أو التجربة البشرية وكذلك يرى إخضاع كل شيء في الوجود للعقل لإثباته أو نفيه أو تحديد خصائصه. ويحاول المذهب إثبات وجود الأفكار في عقل الإنسان قبل أن يستمدها من التجربة العملية الحياتية أي أن الإدراك العقلي المجرد سابق على الإدراك المادي المجسد. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي والعقلانية نسبة إلى العقل كما هو الواضح من التسمية ولقد كان العقل في المفاهيم الأوروبية دينية – أي نصرانية - وغير دينية مواقف غاية في التناقض والاختلاف. وكان للعقل في مفاهيمهم أطوارا مختلفة قوة وضعفا كما ستجد ذلك من خلال دراسة هذا المذهب. ويعرف القارئ تماما أن أكثر المبادئ الفكرية إنما جاءت من البلاد المضيافة لمختلف الأفكار وهي أوربا وأمريكا، بسبب تلك الظروف القاسية التي أنتجتها حماقات رجال الدين النصراني وما نشأ عنها من أفكار شتى مختلفة الأسماء والاتجاهات والمبادئ ثم تلقفتها اليهودية العالمية ممثلة في الصهيونية والماسونية الحاقدة فشبت وترعرعت على أيديهم وحدبهم وعنايتهم بها حتى أتت ثمارها في إقصاء الأديان وتمزيق وحدة الشعوب وإثارة النعرات الجاهلية وضرب الناس بعضهم بالبعض الآخر وأفسدت الأخلاق وسائر القيم لترجع المكاسب كلها في النهاية إلى اليهود لتحقيق مخططهم في استعمار العالم (الجوييم) مكتسحة في طريقها تعاليم الكنيسة وأفكارها الباطلة المنحرفة التي ادعت أنها من عند الله تعالى ثم فرضتها بالقوة رغم رفض العقل لها وإنزال العقاب الشديد بمن يتجرأ على ردها أو حتى طلب مناقشتها بالعقل بسبب عدم ثقة القائمين عليها بما فيها من آراء فاسدة لا تقبل النقاش. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 617

ثانيا: المقصود بعصر التنوير

ثانيا: المقصود بعصر التنوير المقصود بعصر التنوير هو ما نجم عن خضم العراك بين الدين النصراني ورجال الفكر حيث ظهرت مذاهب عديدة للإجهاز على سلطة الدين النصراني ورجاله فنشأ ما يسمى بعصر التنوير وهي الفترة التي أقصي فيها الدين النصراني وحل محله العقل في كل شيء وصار له الحكم على الدين وعلى سلوك الناس بداية من النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، الذي عرف فيما بعد ذلك بعصر التنوير أي سيادة العقل وحده دون منازع في رد فعل عارم لكبت الكنيسة له والإتيان بخرافات وخزعبلات لا يقرها العقل بحال. ولشدة هربهم من ظلم الكنيسة فقد اعتبروا تقديم العقل على الدين هو بداية النور مع أنهم بعد فترة أداروا ظهورهم لهذا الإله – العقل عندهم – وتفلتوا منه كذلك ما سيأتي بيانه. قال تعالى وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء:82] خصوصا وأن الذين أقاموا هذا المذهب ودعوا إليه كانوا يريدون هذا الخلاف ويؤججون ناره لحاجات في أنفسهم. وحين غزت حركة التنوير العالم الغربي اتجهت بقوة إلى الفكر والآداب في دعوة جادة إلى نبذ الدين وسائر القيم الدينية وكل السلوك القائم في استكبار وعتو شديد عن الدين – أي دين – حيث حل محله العقل الذي حكموه في كل شيء سواء كان أهلا لذلك أو ليس أهلا له فهو الحاكم في المحسوسات والمغيبات أيضا حيث عللوا لكل ظواهر هذا الكون وما يقع فيه بتعليلات أكثرها خرافية مستندين إلى تأييد العقل لهم بزعمهم. وفي النهاية إنما يكون الحكم أولا وأخيرا للأهواء والمصالح المختلفة وأنى للفلسفة أن تفلح في بيان الحقائق الإلهية والعقائد الربانية أو سعادة البشر وهي لا تملك هذا الجانب وقد قيل "فاقد الشيء لا يعطيه" ولهذا فإن تدخل الفلاسفة في بيان الجوانب العقدية إنما هو تطفل عليها وتطاول قبيح لا يقدم للنفس غذاءها الذي تحيا به وتسير بموجبه راضية مطمئنة، وإنما يقدم للعقل نظريات وافتراضيات ليلهو بها إلى حين. وما ذكرناه من أن خروج أهل أوربا بتلك الأفكار إنما كان بسبب الدين النصراني فإنما هو وصف لما وقع وليس بعذر منج لهم عند الله تعالى لعدم بحثهم عن الدين الصحيح الذي سيجدون فيه السعادة والعدل لو أنهم طلبوه بعد أن أقام الله الحجة على جميع البشر. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 619

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات العقلانية مذهب قديم جديد بنفس الوقت. برز في الفلسفة اليونانية على يد سقراط وأرسطو، وبرز في الفلسفة الحديثة والمعاصرة على أيدي فلاسفة أثَّروا كثيراً في الفكر البشري أمثال: ديكارت وليبنتز وسبينوزا وغيرهم. رينيه ديكارت 1596 – 1650م فيلسوف فرنسي اعتمد المنهج العقلي لإثبات الوجود عامة ووجود الله على وجه أخص وذلك من مقدمة واحدة عُدت من الناحية العقلية غير قابلة للشك وهي: "أنا أفكر فأنا إذن موجود". ليبنتز: 1646 – 1716م فيلسوف ألماني، قال بأن كل موجود حي وليس بين الموجودات مِنْ تفاوت في الحياة إلا بالدرجة – درجة تميز الإدراك – والدرجات أربع: مطلق الحي أي ما يسمى جماداً، والنبات فالحيوان فالإنسان. وفي المجتمع الإسلامي نجد المعتزلة تقترب من العقلانية جزئيًّا، إذ اعتمدوا على العقل وجعلوه أساس تفكيرهم ودفعهم هذا المنهج إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة التي تخالف رأيهم. ولعل أهم مقولة لهم قولهم بسلطة العقل وقدرته على معرفة الحسن والقبيح ولو لم يرد بها شيء. ونقل المعتزلة الدين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية وذلك لتأثرهم بالفلسفة اليونانية. وقد فنَّد علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل ثم جاء بعد ذلك ابن تيمية وردَّ عليهم ردًّا قويًّا في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) وبيّن أن صريح العقل لا يمكن أن يكون مخالفاً لصحيح النقل. وهناك من يحاول اليوم إحياء فكر المعتزلة إذ يعدونهم أهل الحرية الفكرية في الإسلام، ولا يخفى ما وراء هذه الدعوة من حرب على العقيدة الإسلامية الصحيحة، وإن لبست ثوب التجديد في الإسلام أحياناً. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: العقائد والأفكار

رابعا: العقائد والأفكار تعتمد العقلانية على عدد من المبادئ الأساسية هي: العقل لا الوحي هو المرجع الوحيد في تفسير كل شيء في الوجود. يمكن الوصول إلى المعرفة عن طريق الاستدلال العقلي وبدون لجوء إلى أية مقدمات تجريبية. عدم الإيمان بالمعجزات أو خوارق العادات. العقائد الدينية ينبغي أن تختبر بمعيار عقلي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية كانت العقلانية اليونانية لوناً من عبادة العقل وتأليهه وإعطائه حجماً أكبر بكثير من حقيقته. كما كانت في الوقت نفسه لوناً من تحويل الوجد إلى قضايا تجريدية. وفي القرون الوسطى سيطرت الكنيسة على الفلسفة الأوروبية، حيث سخَّرت العقل لإخراج تحريفها للوحي الإلهي في فلسفة عقلية مسلَّمة لا يقبل مناقشتها. وفي ظل الإرهاب الفكري الذي مارسته الكنيسة انكمش نشاط العقل الأوروبي، وانحصر فيما تمليه الكنيسة والمجامع المقدسة، واستمرت على ذلك عشرة قرون. وفي عصر النهضة، ونتيجة احتكاك أوروبا بالمسلمين – في الحروب الصليبية والاتصال بمراكز الثقافة في الأندلس وصقلية والشمال الإفريقي – أصبح العقل الأوربي في شوق شديد لاسترداد حريته في التفكير، ولكنه عاد إلى الجاهلية الإغريقية ونفر من الدين الكنسي، وسخَّر العقل للبعد عن الله، وأصبح التفكير الحر معناه الإلحاد، وذلك أن التفكير الديني معناه عندهم الخضوع للفقيد الذي قيدت به الكنيسة العقل وحجرت عليه أن يفكر. حقيقة العقل لا يعلم حقيقة العقل وماهيته ومكانه إلا الذي خلقه وحده ومهما قيل في شأنه من استنتاجات فإنما هي في الحقيقة تخرصات لا قيمة لها. وهو أكبر النعم التي أنعم الله بها على الإنسان وسائر المخلوقات التي ركبه فيها. وهو الحد الفاصل بين الإنسان وبين البهيمة وبين تصرفات العقلاء وتصرفات المجانين وبين تصرفات الجادين وتصرفات العابثين. ثناء الله تعالى على العقل وردت آيات كثيرة في كتاب الله تعالى تمدح العقل والتعقل وتذم الجهل والحمق وتوجب على أصحاب العقول أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة كما تجب عليهم أن يستفيدوا منه لينير لهم الطريق فقد جعله الله هاديا ومرشدا أمينا ومساعدا لصاحبه في هذه الحياة المعقدة وقد جاء ذكره في القرآن الكريم على نواح مختلفة. 1ـ فبعض الآيات ورد فيها ذم من يقدم على ما لا يليق مهملا عقله مقدما هواه. قال تعالى في ذم أهل الكتاب حينما يأمرون الناس بالبر ولا يفعلونه أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة:44] وهذا الاستفهام الإنكاري تجده في آيات كثيرة يخبر سبحانه وتعالى بالأمر ثم يقول: أَفَلاَ تَعْقِلُونَ؟ مما يدل لحكم الهوى والجهل. 2ـ وبعض الآيات ورد فيها التعليل لما يفعله الله تعالى حسب مشيئته لكي يزداد العقل الإنساني معرفة وعلما. فقال تعالى في بيان نعمته على عباده ببيان الآيات وجعلها واضحة مفهومة المعنى لكي تعم بها الفائدة: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الحديد:17] وغيرها من الآيات التي تدل على مثل هذا السياق. 3ـ وبعض الآيات فيها مدح الذين يعقلون ويفهمون قال تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43] 4ـ وبعض الآيات فيها الإخبار بأن الذين لا يستفيدون من العقل ويعرضون عنه ويتبعون الهوى كأنهم في حكم فاقدي العقل. قال تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ [المائدة:58] وورد مثل هذا الذم في حق المنافقين والذين يكذبون على الله والذين دخلوا جهنم حيث قالوا فيما أخبر الله عنهم: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10] وذم الأصنام والآلهة التي تعبد من دون الله .. إلى غير ذلك من الآيات التي وردت على نواح مختلفة في قضية العقل ووردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة أيضا تدل على منزلة العقل والعقلاء.

والخلاصة أن العقل من أكبر النعم التي ميز الله بها الإنسان وأننا لا نعرف حقيقته ولكن بإمكاننا الاستفادة منه والاهتداء به حينما نعرف حدود قدرته وحينما نربطه بالاستفادة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. هل وُفِقَت العقلانية إلى الحق بالنسبة لموقفهم من العقل؟ وإذا كانت العقلانية فكرة قامت على دعوى احترام العقل والاستفادة منه فهل وفقت فعلا إلى احترامه الاحترام الذي يليق به؟ وهل استفادت منه الفائدة الصحيحة والجواب عن هذا السؤال يتطلب أولاً معرفة مدى قدرة العقل في بيان الأمور وإيضاحها وقد علمت أن العقل مر بمراحل في مفاهيم الناس في أوربا. ـ فمنهم من غلا في تقديسه. ـ ومنهم من غلا في احتقاره. ومنهم من اعتمده لكن بشرط أن يقترن بشهادة التجربة له. ـ ومنهم من استبعده تماما. وإنما كلها تخبطات جاهلية وإن الله تعالى وفق المؤمنين إلى الحق في تقديره وفي الاستفادة منه. أما الذين غلوا في تقديسه فقد ارتكبوا خطأ فاحشا إذ تصوروا أنه لا حدود لمعرفته فذهبوا يبنون عليه كل ما يريدون ويحملونه ما لا يحتمل ومن هؤلاء الغلاة العقلانيون الذين أحلوه محل الإله في القداسة وهو صاحب التشريع عندهم إليه يتحاكمون وإليه يفوضون، وقد عرف عن فرقة المعتزلة تأثرهم بهذا الاتجاه فهو عندهم مقدم على النصوص في حال الخلاف لدلالات مرفوضة لا لزوم لذكرها وتقديسه إلى هذا الحد لا شك أنها مكابرة خاطئة إذ المعلوم أن العقل له حد إذا تجاوزه انقلب إلى الجهل. ـ وأما الذين غلوا في احتقاره وزعموا أنه لا قيمة له في المعرفة بل يجب اتهامه ولا يعول عليه فقد عرفت أن على رأس هؤلاء طغاة رجال الدين لوقوفهم إلى جانب العقل في معرفة العقلانيين ساموهم سوء تعليلات الكتاب المقدس والسبب غير خاف على القارئ فإن الدين النصراني – بعد أن حرفه بولس – أصبح في غاية التناقض والاضطراب بل إن فهمه استعصى على كبار علمائه فإن العقل لم ولن يدرك أن الثلاثة واحد وأن شرب الخمر وأكل الخبز هو شرب لدم المسيح وأكل للحمه وأن المسيح صلب ليكفر عن خطايا البشر من سبق ولادته ومن جاء بعدها وخرافة صكوك الغفران وغير ذلك من الآراء السخيفة الغامضة التي قام عليها الدين النصراني. ومن هنا قرر رجال الدين بالقوة أن يضحوا بالعقل لتقوية خزعبلات بولس فكانوا كلما أشكل عليهم فهم قضية في دينهم وأبى العقل قبولها سارعوا إلى مقالتهم المشهورة – اتهم عقلك- وكان لزاما أن يحتقروه في مقابل دينهم وهو ما تم بالفعل ولم ينقذه من هذا الاحتقار إلا قيام صحوة العقلانية في أوربا مرة أخرى حينما ضعف سلطان الكنيسة إلا أن هذه الصحوة كانت هوجاء لا تلوي على شيء فهي رج عنيف لكتب العقل وجاءت كالمارد الجبار حرب لا هوادة فيها على الظلم الذي وقع على العقل وعلى الدين الذي اتهمته أنه كان المشجع القوي على إقصاء دور العقل وهو المزلق الخطير الذي سار فيه الهاربون من الدين " الكنيسي". ـ وأما الذين اعتمدوا العقل لكن بشرط أن تشهد له التجربة فهي نقلة من النقلة التي مر بها العقل في المفهوم الأوربي وكأن هؤلاء أرادوا أن يتوسطوا بين رفض العقل أو اعتماده فاعترفوا بفائدة العقل لكنهم لم يثقوا به تماما فقرنوه بشهادة التجربة له وظهرت هذه النقلة حين بدأ العلماء التجريبيون في استظهار هذا العلم وتطويره. ولا يخفى ما في هذا المسلك من الغموض إذ العلم التجريبي لا يمكن أن يقوم أو يؤتي ثماره إلا على أساس العقل فهو المدبر والمستنتج وعليه يقوم التفكير وبدونه لا يمكن لأي تجربة أو عمل أن تتم على الوجه الصحيح فكيف ساغ لهم هذا الوقوف في منتصف الطريق؟

وبالنسبة للعلم التجريبي فقد ثبت بما لا ريب فيه أن المسلمين هم الذين اخترعوه وسبقوا إليه وأفادوا واستفادت أوربا منه الأساس لحضارتها الحالية كلها ثم تنكرت له شأن التلميذ العاق – كما تقدم. وقد عرفت أن العلم التجريبي كان باعثا للمسلمين على زيادة الإيمان بالله تعالى فما أن يكتشفوا شيئا إلا وطأطأوا رؤوسهم إجلالا لله وشكرا له وزادهم إيمانا وتسليما. أما الحضارة الأوروبية الهاربة من الدين والإله فقد زادهم العلم التجريبي واكتشافاته بعدا وطغيانا وكفرا واعتقدوا أنهم أصبحوا في غنى عن كل شيء يتصل بالإله والدين وفسروا كل ما مكنهم الله من اكتشافات على أنه يؤيد كفرهم واستغناءهم عن الله تعالى. ـ وأما الذين هداهم الله إلى الحق فهم طائفة أهل السنة والجماعة الذين تأتي أحكامهم دائما بهدوء وتعقل ومقارنة وهؤلاء لم يغلوا في تقديس العقل ولم يغلوا في احتقاره بل العقل عندهم من أكبر النعم الإلهية وعليه قيام المعرفة ويجب الاستفادة منه كما أمر الله بذلك في كتابه الكريم وفي سنة النبي العظيم صلى الله عليه وسلم. لكنهم لا يختلفون أن العقل له دور في المعرفة والهداية محددا إذا تجاوزه انقلب إلى الحمق والجهل وإذا وقف عند حده كان دلالة على جودته وصفائه والأمثلة على هذا كثيرة جدا ومن أقربها ما وقع بين الفرق الإسلامية من اختلاف في الواجب على المسلم تجاه الإيمان بصفات الله تعالى فمنهم من تجاوز حدود العقل في طلب المعرفة فنفى أسماء الله تعالى وصفاته وعطلها عن معانيها ومدلولاتها وظن أنه وصل إلى علم عزيز وتنزيه لله عظيم ومنهم من أثبتها وأثبت مدلولاتها وأنها لا تختلف عن أسماء وصفات المخلوقين فوقع في حمئة التشبيه البغيض وظن أنه وصل إلى علم عزيز وكأن الجميع على باطل وجهل وحمق بسبب تجازوهم حد معرفة العقل وهدى الله أهل السنة والجماعة إلى المعتقد الصحيح الذي يوفق بين النصوص فأثبتوا لله ما أثبته لنفسه ونفوا عنه ما نفاه عن نفسه دون تعطيل ولا تشبيه وقالوا معرفة الصفات فرع عن معرفة الذات فكما أننا لا نعرف ذاته فكذلك لا نكيف صفاته مع معرفتنا بمعانيها ولكن المجهول عنها هو تلك الكيفيات لسمع الله وبصره ونزوله ورحمته ... إلى آخر الصفات الإلهية، وهذا هو الحق الذي يجمع بين النصوص كلها والعقل أيضا يؤيد هذا الموقف ويرتاح إليه. فلو سأل الله الشخص: لماذا أثبت لي السمع والبصر والكلام ... إلخ؟ وأجابه بأن أنت الذي أثبتها لكان جوابا حقا. ولو قال له لماذا لم تثبتها كصفات المخلوقين؟ وقال له لم أجد نصا يفيد ذلك مع معرفتي بالفرق الهائل بين المخلوق والخالق لكان جوابا موفقا. وكذلك لو قال الله له: لماذا لم تنف عني مدلولات تلك الصفات؟ فأجابه بنفس الجواب السابق لكان جوابا موفقا. ومن هنا يتضح أن الإسلام لا يحتقر العقل ولا يرفعه فوق منزلته وهذا هو الحق والصواب بخلاف ما وقفه العقلانيون منه فإنه باطل وقاصر عن الحق وتعد عليه سواء الذين احترموه أو الذين احتقروه لأن هذا الموقف منهم لم يبن على هدى من الله تعالى وإنما بني على الأمزجة والهوى وهما من أكبر مصادر الجهل. ومن هنا تزول الغرابة حينما تجد ذلك الاختلاف والتباين في الآراء والأهواء عند دعاة العقلانية فإن الله عز وجل لم يجعل الناس كلهم على مستوى واحد في العقل فكانت النتيجة ذلك الاختلاف المرير بينهم سواء أكان فيما يتعلق بالعقل أو العلم أو بالإنسان نفسه واحتار المفكرون وأصحاب الأقلام كلهم في أمر الحقائق المشاهدة في خلق هذا الكون لأن الحيرة لابد وأن تقع لأنه لا يملك التعليل الصحيح لهذا الوجود كله إلا الذي خلقه وما عدا ذلك فهي تخرصات وتخمينات قابلة للتخبط. وأن يسلم لله تعالى أمره ويسره بحسب ما جاء في كلام رب العالمين ويؤمن به إيمانا جازما دون تردد أو شك ويتحرر من كلام أصحاب الفلسفة والمنطق والكلام وتعليلاتهم السخيفة. ومن جميع الآراء التي قامت على الهوى وتصنع العلم ورد في الحديث القدسي الشريف: ((يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم)) (¬1) ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي ¬

(¬1) ((مجموع الفتاوى)) (35/ 165).

سادسا: ظهور المدرسة العقلية عند الغرب

سادسا: ظهور المدرسة العقلية عند الغرب لقد ظلت الاتجاهات الفلسفية الإغريقية – التي تمثل العقلانية قسماً بارزاً منها – تسيطر على الفكر الأوروبي، حتى جاءت المسيحية الكنسية فغيرت مجرى ذلك الفكر في انعطافه حادة تكاد تكون مضادة لمجراه الأول الذي استغرق من تاريخ الفكر الأوروبي عدة قرون. فلم يعد العقل هو المرجع في قضايا الوجود إنما صار هو الوحي – كما تقدمه الكنيسة – وانحصرت مهمة العقل في خدمة ذلك الوحي في صورته الكنسية تلك ومحاولة تقديمه في ثوب (معقول)!. يقول الدكتور محمد البهي في كتابه (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي) (¬1): "كان الدين أو النص طوال القرون الوسطى سائداً في توجيه الإنسان في سلوكه وتنظيم جماعته، وفي فهمه للطبيعة. وكان يقصد بالدين (المسيحية) وكان يراد من المسيحية الكثلكة) وكانت الكثلكة تعبر عن (البابوية) والبابوية نظام كنسي ركز (السلطة العليا) باسم الله في يد البابا، وقصر حق تفسير (الكتاب المقدس) على البابا وأعضاء مجلسه من الطبقة الروحية الكبرى، وسوى في الاعتبار بين نص الكتاب المقدس وإفهام الكنيسة الكاثوليكية ". وقد نشأت عن ذلك في الحياة الأوربية والفكر الأوروبي مجموعة من الاختلالات التي لم تنشأ – كما تصور الفكر الأوروبي في مبدأ عصر النهضة- من إهمال الفلسفة والعلوم الإغريقية والالتجاء إلى الفكر (الديني). فلم يكن (الفكر الديني) من حيث المبدأ، ولا إخضاع العقل للوحي هو مصدر الخلل في فكر العصور الوسطى في أوروبا، إنما كان الخلل كامناً في ذلك الفكر الذي قدمته الكنيسة باسم الدين، وفي إخضاع العقل لما زعمت الكنيسة أنه الوحي، بعد تحريفها ما حرفت منه، وإضافتها ما أضافت إليه، ومزج ذلك كله بعضه إلى بعض وتقديمه باسم الوحي. والفلسفة الإغريقية التي ظنت أوروبا في عصر النهضة أن ضلالها في العصور الوسطى كان بسبب إهمالها، وأن العلاج هو الرجوع إليها والاستمداد منها، لم تكن هي في ذاتها بريئة من الخلل ولا سليمة من العيوب، ولا كانت في صورتها التي قدمها فلاسفة الإغريق القدامى زاداً صالحاً لحياة إنسانية مستقيمة راشدة، على الرغم من كل ما احتوته من إبداع فكري في بعض جوانبها .. وإنما ظل الفكر الأوروبي في الحقيقة ينتقل من جاهلية إلى جاهلية حتى عصره الحاضر. فمن الجاهلية الإغريقية والرومانية، إلى جاهلية الدين الكنسي المحرف في العصور الوسطى، إلى جاهلية عصر الإحياء، إلى جاهلية عصر (التنوير) إلى جاهلية الفلسفة الوضعية .. إلى الجاهلية المعاصرة. كانت العقلانية الإغريقية لوناً من عبادة العقل وتأليهه، وإعطائه حجماً مزيفاً أكبر بكثير من حقيقته، كما كانت في الوقت نفسه لوناً من تحويل الوجود كله إلى (قضايا) تجريدية مهما يكن من صفائها وتبلورها فهي بلا شك شيء مختلف عن الوجود ذاته، بحركته الموارة الدائمة، بمقدار ما يختلف (القانون) الذي يفسر الحركة عن الحركة ذاتها، وبمقدار ما تختلف البلورة عن السائل الذي نتجت عنه .. قضايا تعالج معالجة كاملة في الذهن بصرف النظر عن وجودها الواقعي! وبصرف النظر عن كون وجودها الواقعي يقبل ذلك التفسير العقلاني في الواقع أو لا يقبله، ويتمشى معه أو يخالفه!. وكان أشد ما يبدو فيه هذا الانحراف معالجة تلك الفلسفة (لقضية) الألوهية و (قضية) الكون المادي وما بينهما من علاقة. ويتشعب هذا الانحراف شعباً كثيرة في وقت واحد. فأول انحراف هو محاولة إقحام العقل فيما ليس من شأنه أن يلم به فضلاً عن أن يحيط بكنهه في قضية الذات الإلهية. ¬

(¬1) انظر: ((فتح الباري)) (10/ 466، 515)، و ((شرح الطحاوية)) (ص 357)، ((ومجموعة التوحيد)) (1/ 54).

والانحراف الثاني هو تحويل الموضوع كله إلى قضايا فلسفية ذهنية بحتة، تبدأ في العقل وتنتهي في العقل، ويثبت ما يثبت منها وينفى ما ينفى بالعقل، فلا تمس الوجدان البشري، ولا تؤثر في سلوك الإنسان العملي، فتفقد قيمتها وأما الانحراف الثالث الناشئ من التناول العقلاني لقضية الألوهية، وعدم الرجوع فيها إلى المصدر اليقيني الأوحد وهو الوحي الرباني، فهو تخبط الفلاسفة فيما بينهم وتعارض ما يقوله كل واحد منهم مع ما يقوله الآخر. ولا عجب في ذلك، فما دام (العقل) هو الحكم في هذه القضية، فعقل من؟! إن العقل المطلق أو العقل المثالي تجريد لا وجود له في عالم الواقع! إنما الموجود في الواقع هو عقل هذا المفكر وذاك المفكر. ولكل منهم طريقته الخاصة في (تعقل) الأمور، ولكل منهم (نوازعه) الخاصة التي يحسبها بعيدة عن التأثير في عقله وهو واهم في حسابه، ولكل منهم اهتماماته الخاصة التي تجعله يركز على أمور ويغفل غيرها من الأمور ومن ثم لا تصبح تلك الفلسفة في هذه القضية بالذات أداة هداية وإنما أداة تشتيت وأداة تضليل. من هذه الجاهلية انتقل الفكر الأوروبي إلى عصر (سيادة الدين). وكان المفروض أن يخرج ذلك الفكر إذن من الجاهلية إلى النور. ولكنه في الحقيقة دخل إلى ظلمات حالكة ليس فيها حتى ذلك ((لبريق) الذي تميزت به الفلسفة الإغريقية في كثير من المواضع بصرف النظر عن القيمة الحقيقية لذلك البريق، وعن كونه بريقاً هادياً أم مضللاً عن الطريق!. كان المفروض وقد التزم العقل بالوحي، واستمد منه اليقين والهدى- في المسائل التي لا يهتدي فيها وحده ولا يستيقن فيها بمفرده- أن ينطلق الفكر في ميادينه الأصيلة يبدع وينتج، ويمد (الإنسان) بما يحتاج إليه في شؤون (الخلافة) وعمارة الأرض. ولكن الكنيسة الأوروبية أفسدت ذلك كله بما أدخلته من التحريف على الوحي الرباني المنزل من السماء لهداية البشرية على الأرض، وتخبطت في قضية الألوهية تخبطاً من نوع جديد، حين قالت إن الله ثلاثة أقانيم، وإن المسيح ابن مريم عليه السلام واحد من هذه الأقانيم الثلاثة، وإنه ابن الله وفي الوقت ذاته إله، وشريك لله في تدبير شؤون الكون. وفضلاً عن ذلك – أو ربما بسبب ذلك – حُجِرَ على العقل البشري أن يعمل وأن يفكر. فإن هذه الألغاز التي ابتدعتها المجامع المقدسة في شأن الألوهية لم تكن (معقولة) ولا مستساغة. فما يمكن للعقل البشري أن يتصور ثلاثة أشياء هي ثلاثة وهي واحد في ذات الوقت. وما يمكن أن يتصور أن الله سبحانه وتعالى ظل متفرداً بالألوهية وتدبير شأن هذا الكون ما لا يحصى من الزمان، ثم إذا هو –فجأة- يوجد كائناً آخر ليكون شريكاً له في الألوهية ومعيناً له في تدبير الكون!! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ومن أجل كون هذا العبث (المقدس!) الذي ابتدعته المجامع (المقدسة!) غير معقول ولا مستساغ فقد سخرت الكنيسة (العقل) في محاولة إخراج هذا المزيج المتنافر المتناقض في صورة (فلسفية) مستساغة (أو هم قالوا عنها إنها مستساغة!) وفي الوقت ذاته حجرت على العقل أن يناقشها، لئلا تجر المناقشة إلى القول بأنها غير معقولة على الرغم من أن كل الصناعة (العقلية) وضعت فيها!. ومن ثم نشأت في الفكر الأوروبي تلك (المسلمات) أو العقائد المفروضة فرضاً التي لا يجوز مناقشتها لا لأنها – في حقيقتها – من الأمور التي ينبغي للعقل أن يسلم بها دون مناقشة، ولكن لأنها مناقضة للعقل، ومفروضة عليه فرضاً من قبل رجال الدين، الذين زعموا لأنفسهم حق صياغة العقائد وفرضها على الناس بالقوة دون أن يكون لهم حق المناقشة أو الاعتراض وإلا كانوا مهرطقين مارقين. يجوز فيهم كل شيء حتى إهدار الدم وإزهاق الأرواح. ¤نقض أصول العقلانيين لسليمان الخراشي

سابعا: العقل عند المعتزلة

سابعا: العقل عند المعتزلة أما عند أصحابنا من علماء الكلام (وأعني بهم المعتزلة خاصة) فكيف تطورت أحوالهم حتى ضاهوا الشرع بعقولهم وجعلوه حاكماً على النصوص لا محكوماً لها؟ فأقول: "لما ظلمت الأرض وبعد عهد أهلها بنور الوحي وتفرقوا في الباطل فرقاً وأحزاباً لا يجمعهم جامع ولا يحصيهم إلا الذي خلقهم فإنهم فقدوا نور النبوة ورجعوا إلى مجرد العقول فكانوا كما قال صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه أنه قال: ((إني خلقت عبادي حنفاء وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمتْ عليهم ما أحللتُ لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً وأن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب)) (¬1). فكان أهل العقول كلهم في مقته إلا بقايا متمسكين بالوحي فلم يستفيدوا بعقولهم حين فقدوا نور الوحي إلا عبادة الأوثان أو الصلبان أو النيران أو الكواكب والشمس والقمر أو الحيرة والشك أو السحر أو تعطيل الصانع والكفر به فاستفادوا بها مقت الرب سبحانه لهم وإعراضه عنهم فأطلع الله شمس الرسالة في تلك الظلم سراجاً منيراً وأنعم بها على أهل الأرض في عقولهم وقلوبهم ومعاشهم ومعادهم نعمة لا يستطيعون لها شكوراً فأبصروا بنور الوحي ما لم يكونوا بعقولهم يبصرونه ورأوا في ضوء الرسالة ما لم يكونوا بآرائهم يرونه فكانوا كما قال الله تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّوُرِ [البقرة: 257] وقال: الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم: 1] وقال: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا [الشورى: 52] وقال: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا [الأنعام: 122] فمضى الرعيل الأول في ضوء ذلك النور لم تطفئه عواصف الأهواء ولم تلتبس به ظلم الآراء وأوصوا من بعدهم أن لا يفارقوا النور الذي اقتبسوه منهم وأن لا يخرجوا عن طريقتهم" (¬2). ¬

(¬1) انظر تفسير هذه الآية: ((تفسير القرآن العظيم))، و ((فتح القدير)). (¬2) رواه البخاري (6103) ومسلم (60).

فكان من شأن الصحابة أنهم لم يقدموا عقولهم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بل كان دليل أحدهم إذا استدل إنما هو آية من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فهاتان هما الحجتان الملزمتان للناس عند الصحابة: كتاب من الله أو سنة من رسوله صلى الله عليه وسلم مصداقاً لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [محمد: 33] وكان أحدهم رضي الله عنهم يغضب إذا عورض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول غيره من البشر ولو كان من حكماء اليونان! فقد جاء في صحيح مسلم أن عمران بن حصين رضي الله عنه ذكر لأصحابه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) فقال أحدهم وهو بشير بن كعب "أنه مكتوب في الحكمة أن منه وقاراً ومنه سكينة" فقال عمران "أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحفك"! وفي رواية: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه وقال "ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه" قال فأعاد عمران الحديث. قال فأعاد بشير. فغضب عمران قال فمازلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد إنه لا بأس به" (¬1) قال النووي "وقولهم إنه منا لا بأس به معناه ليس هو ممن يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به أهل الاستقامة" (¬2).إذن فالصحابة لم يعارضوا ولم يرضوا بمعارضة حديث رسول صلى الله عليه وسلم بغيره من المعقولات، وإذا أشكل عليهم شيء من ذلك كانوا يوردون إشكالاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيجيبهم عنها وكانوا يسألونه عن الجمع بين النصوص التي يوهم ظاهرها التعارض، ولم يكن أحد منهم يورد عليه معقولاً يعارض النص البتة، ولا عرف فيهم أحد –وهم أكمل الأمم عقولاً – عارض نصاً بعقله يوماً من الدهر، وإنما حكى الله سبحانه ذلك عن الكفار، كما تقدم، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من نوقش الحساب عذب، فقالت عائشة: يا رسول الله، أليس الله يقول: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الإنشقاق: 7 - 8]. فقال: بلى ولكن ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب)) (¬3)، فأشكل عليها الجمع بين النصين حتى بين لها صلوات الله وسلامه عليه أنه لا تعارض بينهما وأن الحساب اليسير هو العرض الذي لابد أن يبين الله فيه لكل عامل عمله، كما قال تعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة: 18] حتى إذا ظن أنه لن ينجو نجاه الله تعالى بعفوه ومغفرته ورحمته فإذا ناقشه الحساب عذبه ولابد ... ¬

(¬1) نقلا عن ((فتح الباري)) (10/ 466). (¬2) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 348)، وانظر أيضا: ((مجموع الفتاوى)) (21/ 500). (¬3) انظر: ((الفتوى كاملة)): ((مجموع الفتاوى)) (28/ 501 – 543).

إلى غير ذلك من مراجعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما كان في أواخر عصرهم حدثت الشيعة والخوارج، والقدرية والمرجئة، فبعدوا عن النور الذي كان عليه أوائل الأمة، ومع هذا فلم يفارقوه بالكلية، بل كانوا للنصوص معظمين، وبها مستدلين، ولها على العقول والآراء مقدمين، ولم يَدَّع أحد منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أتوا من سوء الفهم فيها، والاستبداد بما ظهر لهم منها، دون من قبلهم، ورأوا أنهم إن اقتفوا أثرهم كانوا مقلدين لهم فصاح بهم من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين من كل قطر، ورموهم بالعظائم، وتبرءوا منهم، وحذروا من سبيلهم أشد التحذير، ولا يرون السلام عليهم ولا مجالستهم، وكلامهم فيهم معروف في كتب السنة، وهو أكثر من أن يذكر هاهنا، فلما كثرت الجهمية في أواخر عصر التابعين كانوا هم أول من عارض الوحي بالرأي، ومع هذا كانوا قليلين أولاً مقموعين مذمومين عند الأئمة، وأولهم شيخهم الجعد بن درهم، وإنما نفق عند الناس بعض الشيء لأنه كان معلم مروان بن محمد وشيخه ولهذا كان مروان يسمى مروان الجعدي وعلى رأسه سلب الله بني أمية الملك والخلافة وشتتهم في البلاد ومزقهم كل ممزق ببركة شيخ المعطلة النفاة، فلما اشتهر أمره في المسلمين، طلبه خالد بن عبد الله القسري، وكان أميراً على العراق، حتى ظفر به، فخطب الناس في يوم الأضحى، وكان آخر ما قال في خطبته: أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، ثم طفئت تلك البدعة فكانت كأنها حصاة رمي بها، والناس إذ ذاك عنق واحد أن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه موصوف بصفات الكمال ونعوت الجلال وأنه كلم عبده ورسوله موسى تكليماً وتجلى للجبل فجعله دكاً هشيماً إلى أن جاء أول المائة الثالثة، وولي على الناس عبد الله المأمون، وكان يحب أنواع العلوم، وكان مجلسه عامراً بأنواع المتكلمين في العلوم، فغلب عليه حب المعقولات، فأمر بتعريب كتب اليونان، وأقدم لها المترجمين من البلاد، فعربت له، واشتغل بها الناس، والملك سوق ما سوق فيه جلب إليه، فغلب على مجلسه جماعة من الجهمية ممن كان أبوه الرشيد قد أقصاهم وتتبعهم بالحبس والقتل فحشوا بدعة التجهم في أذنه وقلبه فقبلها، واستحسنها، ودعا الناس إليها، وعاقبهم عليها) (¬1). ومنذ ذلك الحين تميزت فرقة أهل الاعتزال بمغالاتها في العقل ومقاييسه وتقديمه على ما يظن مخالفاً له من النصوص الشرعية وعرفت بذلك بين فرق الإسلام المختلفة. والذي دعاهم إلى هذا الالتفاف حول العقل في ظني أمور كثيرة –والعلم عند الله تعالى- منها: أولاً: أخذهم من تراث الأولين من فلاسفة اليونان ممّن لم ينعموا بمصاحبة وحي إلهي يقود مسيرتهم فصاروا يقضون في شؤونهم كلها بهذا العقل الذي زادوا من سلطانه وانفراده فكانت مصنفات أولئك الفلاسفة تضم المقاييس العقلية في شكل منطق يتحاكم إليه في القضايا العقلية. فتابعهم في ذلك المتكلمون والمعتزلة من أهل الإسلام وأعجبوا بصنيعهم ذلك. وكل هذا بفضل جهود الترجمة التي قام بها بعض الخلفاء فأوقعوا الأمة في هذه المصائب المتتالية من حيث ظنوا أنهم يحسنون صنعاً بها. ويشهد لذلك: أن المعتزلة لم يعلُ صيتهم وتظهر عقلانيتهم واضحة إلا في عهد الخليفة المأمون الذي مهّد السبيل للاقتباس من كتب اليونان وأعانهم عليها (¬2). ¬

(¬1) انظر: ((مجموعة التوحيد)) (1/ 501)) وما بعدها. (¬2) الدورة الحادية عشر المنعقدة باليمامة في دولة البحرين من 25 – 30 رجب 1419هـ، 14 – 19 نوفمبر 1998م.

حتى أحدثت الفلسفة – كما يقول زهدي حسين – "في حياتهم انقلاباً خطيراً وفي تفكيرهم ثورة عنيفة لأنهم بعد أن وقفوا على مواضيعها وتعمقوا فيها أحبوها لذاتها وتعلقوا بها فنتج عن ذلك أمران: أنهم صاروا يعظمون فلاسفة اليونان وينظرون إليهم نظرة أسمى وأقدس من نظرتنا إليهم اليوم ويضعونهم في مرتبة تقرب من عتبة النبوة. ثم آمنوا بأقوالهم واعتبروها كما يقول أوليري مكملة لتعاليم دينهم. وانهمكوا لذلك في إظهار الاتفاق الجوهري بينها فبدأ عمل المعتزلة الآخر المهم ألا وهو التوفيق بين الدين الإسلامي وبين الفلسفة اليونانية .. ذلك العمل الذي تركوه لمن خلفهم من الفلاسفة المسلمين كابن رشد والفارابي والكندي الذين قاموا بنصيبهم فيه وكانوا لا يقلون عنهم عناية به وتحمساً له. أن المعتزلة أخذوا يبتعدون عن أهدافهم الدينية ويهملون تدريجياً عقائدهم اللاهوتية ويزدادون انصرافاً إلى المسائل الفلسفية حتى جاء وقت كادت جهودهم فيه تقتصر على البحث في مواضيع الفلسفة البحتة كالحركة والسكون والجوهر والعرض والموجود والمعدوم والجزء الذي لا يتجزأ إن اشتغال المعتزلة بالتوفيق بين الدين والفلسفة وشغفهم بالأبحاث الفلسفية وتعمقهم فيها جعلهم يتأثرون بالفلسفة كثيراً ويصبغون بها معظم أقوالهم. ولهذا قال شتينز: إن الاعتزال في تطوراته الأخيرة كان أكثره متأثراً بالفلسفة اليونانية (¬1). فإن قيل بأنهم قد سبقوا هذه الترجمة. فنقول إن ترجمة تراث الأقدمين ليست مقصورة على الخليفة المأمون ولكنه هو الذي تولى كِبْرها. فقد بدأت الترجمة كما يُذكر في عهد الخليفة المنصور الذي أوعز إلى ابن المقفع بترجمة بعض كتب المنطق ككتاب (المقولات) (وبعد مضي عصر المنصور أتى عصر المهدي وانتهى ومر عصر الهادي بعد عصر المهدي دون أن تُؤثر عنهما أو عن واحد من الأشخاص البارزة في وقتهما شيء يتعلق بالترجمة في عمومها فضلاً عن ترجمة الفلسفة بمعناها الخاص) (¬2). أما الرشيد فقد أمر بإعادة ترجمة الكتب التي سبقت ترجمتها في العهود التي قبله أكثر من تشجيعه على ترجمة كتب جديدة. ثم جاء عصر المأمون وهو العصر الذهبي للترجمة كما يقال. قال ابن صاعد في (طبقات الأمم) "لما أفضت الخلافة إلى المأمون تمم ما بدأ به جده المنصور فأقبل على طلب العلم من مواطنه واستخراجه من معادنه بفضل همته الشريفة! وقوة نفسه الفاضلة! فداخل ملوك الروم وأتحفهم وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلاسفة فبعثوا إليه بما حضرهم من كتب أفلاطون وأرسطو وبقراط وغيرهم من الفلاسفة فاختار لها مهرة التراجمة وكلفهم إحكام ترجمتها فترجمت له على غاية ما يمكن ثم حض الناس على قراءتها ورغبهم في تعليمها" (¬3). قلت: والذي دعاه إلى هذه الهمة في الترجمة تشربه بمبدأ الاعتزال القائم على العقل ومقاييسه واستصغاره لنصوص الوحي – لا سيما الحديث – أن تفي بحاجات الأمة. إضافة إلى جلساء السوء من رموز الاعتزال وما يُذكر عنه من حبه للاطلاع والاستزادة من ثقافات الآخرين. ثانياً: ومما جعلهم ينحون هذا الاتجاه العقلاني هو ضعفهم في مجال الرواية وجهلهم لعلم الحديث النبوي واقتصارهم على آيات القرآن وبعض الأحاديث التي رأوا أنها تؤيد أقوالهم. فهذا الضعف في علم الحديث قد ألجأهم إلى المعقولات ليعوضوا بها ما عندهم من نقص ويسدوا به ثغرات مذهبهم. وهذا مصداق ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال "إن أصحاب الرأي أعداء السنة أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها وتفلتت منهم فلم يعوها واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا لا علم لنا فعارضوا السنة برأيهم إياك وإياهم" (¬4). ¤نقض أصول العقلانيين لسليمان الخراشي ¬

(¬1) جاءت هذه الفتوى ضد منظمة جديدة في إندونيسيا تسمى " شبكة الإسلام الليبرالي"، وهي منظمة مدعومة من الولايات المتحدة، وقد بدأت الحكومة الأمريكية بتطبيق خطة مركز راند بهذه المنظمة، والمؤسسة العربية للتحديث الفكري. (¬2) انظر: الخبر في (الجزيرة نت/تقارير وحوارات/الأحد 2/ 7/1426هـ الموافق 7/ 8/2005م). (¬3) مجلة حوار العرب، عدد (18)، إبريل 2006م، ص 5. (¬4) وقد سمعت خطابا لأحد رؤساء الدول العربية يقول فيه إن الديمقراطية لفظة عربية وأن نطقها في الأساس "ديموكراسي " وهذا الزعم هو أحد تخريفات ذلك الرئيس " معمر القذافي ".

ثامنا: المدرسة العقلية الحديثة

ثامنا: المدرسة العقلية الحديثة وفي عصر الزهاوي بدأت تتكامل ملامح مدرسة التجديد الديني التي غرس بذرها جمال الدين الأفغاني وتلاميذه في مصر. وهي المدرسة الوحيدة التي استطاعت مع بعض الاختلافات الطفيفة أن تشكل تياراً عقلانياً كتيار المعتزلة، فهو القاسم المشترك بين أعضائها وإن اختلفت وجهات كل واحد منهم في الأصول الدينية الأخرى. والحديث عن هذه المدرسة العقلانية الحديثة –أعني مدرسة الأفغاني ومحمد عبده وتلاميذهما- مما يطول مداه وتكثر كلماته، حيث أن هذه المدرسة بحق قد خرَّجت كثيراً من العقلانيين المعاصرين الذين تتلمذوا على شيوخها مباشرة، أو عن طريق تراثهم، فأصبحوا يشكلون تياراً ضخماً في فترة من الفترات، فكان لهم رجالهم في السياسة وفي المجتمع وفي علوم الشريعة .. وهكذا في خليط عجيب لا يجمعهم سوى الالتقاء على مبادئ هذه العقلانية الجديدة التي زاحمت النصوص الشرعية وردت أو تأولت كثيراً منها بدعوى معارضتها للعقل أو للحضارة المادية المعاصرة. فكان منهم: سعد زغلول وقاسم أمين وعبد العزيز جاويش وأحمد أمين ومحمود شلتوت .. إلخ. ثم تبع آثارهم من بعدهم كالغزالي والقرضاوي ومحمد عمارة وحسين أحمد أمين. ثم من بعدهم كفهمي هويدي. وهكذا في سلسلة يطول الحديث عنها. وفي ظني أن هذه المدرسة لم تحظ إلى الآن بدراسة شاملة عن أفكارها وأفرادها المنتمين إليها .. إنما هي أشتات دراسات (¬1). فلعل نابتها يقوم بهذه المهمة المفيدة (لتستبين سبيل) هذه المدرسة الغامضة التي احتفى بها الغرب كثيراً. بعد هذه المدرسة القريبة العهد بنا، أصبحنا نسمع ونرى بين الحين والآخر رجالاً قد طالتهم أيدي هذا التيار فتمذهبوا بمذهبه في الرفع من شأن العقل والعقلانية على تفاوت في جرعات العقل فيما بينهم. فاسمع لأحدهم يقول "أكاد أقطع بأننا لو سرنا في طريق التقليد مئات السنوات وانحرفنا عن نهر العقل فلن نستطيع التقدم خطوة واحدة في سبيل إرساء دعائم فلسفتنا العربية وكشف ما فيها من مواطن القوة والضعف" (¬2). ويعني بالتقليد اتباع النصوص الشرعية! لا التقليد المتعارف عليه عند الفقهاء وأهل الأصول. لأنه جاهل لا شك بذلك!. لا تثريب على فلاسفة اليونان وفلاسفة الغرب أن يقدسوا عقولهم ويرجعوا إليها في كل شاردة وواردة من أمور الغيب ونظم الحياة لأنهم قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل. فقد حرموا نعمة الوحي الإلهي الذي يكشف للإنسان عن تلك العوالم المجهولة التي تخفى عليه ولا تطولها حواسه ولا عقله مهما عَظُم أو كبر وتكشف له قبل ذلك عن صفات الإله المعبود وذاته المقدسة وتريحه من عناء البحث المضني في ذلك والذي لن يأتِ بأي نتيجة لهذا الإنسان تكشف له عن أشياء كثيرة غائبة بل وحاضرة ولكن تخفى حكمتها عليه. لا تثريب على فلاسفة اليونان والغرب! الذين ضلوا مع قوة عقولهم وذكائهم، ولكن كما قال الإمام الذهبي "لعن الله الذكاء بلا إيمان ورضي الله عن البلادة مع التقوى" (¬3). ولكن اللوم والأسى على من أنار الله بصيرته بالإسلام وشرح صدره بالقرآن من فلاسفتنا ومتكلمينا فنبذ كل ذلك وراء ظهره وآثر الضلال بعد الهدى والعمى بعد البصيرة جانحاً إلى فلاسفة اليونان الوثنيين وعقولهم يزاحم بها نصوص الكتاب والسنة. قال الحافظ ابن حجر "قد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرهاً ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف" (¬4). ¤نقض أصول العقلانيين لسليمان الخراشي ¬

(¬1) ((العلمانية وثمارها الخبيثة)) (ص8). (¬2) وانظره أيضا في مختصره ((الطريق إلى الخلافة)) (ص 107 - 130). (¬3) رواه مسلم (1844). (¬4) وهذا أمر مختلف جدا عن محاولة الاستفادة من الحرية الموجودة في هذه الأنظمة الديمقراطية - من غير دعوة إليها أو مناداة بها - في نشر الحق والدعوة إليه، فنحن نعمل على نشر دعوتنا لكن من غير أن ندعوا إلى الباطل.

تاسعا: عقلانيون يتوبون قبل الموت!

تاسعا: عقلانيون يتوبون قبل الموت! رغم فتنة العقلانية الساحرة التي تُخيل للمرء أنه سيستطيع من خلالها الوقوف على كثير من أسرار الخلق والوجود، وأنه من الممكن بواسطتها الاستغناء عن جميع أو كثير مما جاءت به الأديان من العبادات والسلوكيات. رغم كل هذا، وأن المتابع لهذا السراب الخادع قلّما يعود إلى فطرته ويراجع دينه ويعلم حدود عقله المخلوق، إلا أن الله بحكمته ورحمته يجتبي بين الحين والآخر بعضاً من هؤلاء العقلانيين ويقذف نور الهداية في قلوبهم من جديد بعد أن يكونوا قد أمضوا شوطاً طويلاً في اللهاث خلف سراب العقلانية الذي يكتشفونه بهداية الله لهم أنه (سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً). وإليك أخي القارئ مواقف لبعض هؤلاء العقلانيين قيدوا فيها خواطرهم عندما أراد الله لهم الهداية من جديد بعد رحلة مضنية خلف معقولاتهم. هذه المواقف سجلها لنا السلف الصالح لنكون حذرين لا ننزلق فيما انزلق فيه الآخرون الذين ندموا على ما أضاعوه من ساعات عمرهم في تحصيل ما لا حاصل منه .. فهذا الرازي مع سبقه في باب المعقول، وفرط ذكائه يشكو حيرته وعجزه فيقول: نهاية إقدام العقول عقال ... وغاية سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا فكم قد رأينا في رجال ودولة ... فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا وكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فزالوا والجبال جبال لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: الرحمن على العرش استوى [طه:5]. إليه يصعد الكلم الطيب [فاطر: 10]. وأقرأ في النفي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11]. وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110] ثم قال: "ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي" (¬1). وقال الشهرستاني: "فقد أشار إليَّ من إشارته غنم، وطاعته حتم، أن أجمع له مشكلات الأصول، وأحل له ما انعقد من غوامضها على أرباب العقول لحسن ظنه بي أني وقفت على نهاية النظر، وفزت بغايات مطارح الفكر، ولعله استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم: لعمري": لقد طفت في تلك المعاهد كلها ... وسَيَّرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر ... على ذَقَن أو قارعاً سن نادم (¬2) وقال الجويني: "لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لي، وها أنذا أموت على عقيدة أمي! " وقال الخونجي: "اشهدوا عليّ أني أموت وما عرفت شيئاً إلا الممكن يفتقر إلى واجب ثم قال: والافتقار أمر عدمي، فلم أعرف شيئاً! "وقال آخر: "أكثر الناس شكاً عند الموت أصحاب الكلام. وقال آخر وقد نزلت به نازلة من سلطانه فاستغاث برب الفلاسفة فلم يغث قال: ثم استغثت برب الجهمية فلم يغثني، ثم استغثت برب القدرية فلم يغثني، ثم استغثت برب المعتزلة فلم يغثني. قال: فاستغثت برب العامة فأغاثني" (¬3). ¤نقض أصول العقلانيين لسليمان الخراشي - ص 245 ¬

(¬1) قد كتب كثير من العلماء كتابات مفصلة للرد على هذه الأباطيل من ذلك ما كتبه الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية في كتابه ((حقيقة الإسلام وأصول الحكم)) وما كتبه الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر في كتابه ((نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم)) وكذلك ما كتبه الدكتور ضياء الدين الريس في كتابه ((الإسلام والخلافة في العصر الحديث)) وغيرهم كثيرون هذا وقد رجع خالد محمد خالد بعد ربع قرن من الزمن عن مقولته السابقة، لكنه مازال داعيا إلى الديمقراطية. (¬2) رجح الدكتور ضياء الدين الريس في كتابه ((الإسلام والخلافة في العصر الحديث)) أن ما كتبه علي عبد الرازق لم يكن سوى الترجمة العربية لما كتبه المستشرق مرجليوث الحاقد على الإسلام وأهله. (¬3) ([269]) ((العرب والشرق الأوسط)) تعريف د. نبيل صبحي (ص179) ((عن فكرة القومية)) صالح العبود (ص 365).

الخلاصة

الخلاصة أن العقلانية مذهب فكري فلسفي يزعم أن الاستدلال العقلي هو الطريق الوحيد للوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود، بدون الاستناد إلى الوحي الإلهي أو التجربة البشرية، وأنه لا مجال للإيمان بالمعجزات أو خوارق العادات، كما أن العقائد الدينية يمكن، بل ينبغي أن تختبر بمعيار عقلي، وهنا تكمن علله التي تجعله مناوئاً ليس فقط للفكر الإسلامي، بل أيضاً لكل دين سماوي صحيح. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي مراجع للتوسع: - مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب، دار الشروق – بيروت ط1407هـ. - الموسوعة الفلسفية المختصرة، بإشراف د. زكي نجيب محمود دار القلم، بيروت. - قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، زكي نجيب محمود، لجنة التأليف والنشر القاهرة 1978م. - تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم، دار المعارف – القاهرة. - درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بتحقيق د. محمد رشاد سالم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثامن والعشرون: النزعة الإنسانية

أولا: التعريف النزعة الإنسانية هي اتجاه فكري عام تشترك فيه العديد من المذاهب الفلسفية والأدبية والأخلاقية والعلمية، ظهرت النزعة الإنسانية في عصر النهضة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: بيان المقصود بالإنسانية أو العالمية أو الأممية

ثانيا: بيان المقصود بالإنسانية أو العالمية أو الأممية الإنسانية مذهب إباحي هدام، ودعوة خادعة من قبل دهاة أعداء الدين، وهو مذهب جديد براق من المذاهب الكثيرة التي أنتجتها العقلية الأوربية في الأساس في خضم الصراع مع الكنيسة، وفي خضم انتشار المذاهب الباطلة في ذلك الوقت، وقيل لها إنسانية نسبة إلى الإنسان، وقيل لها عالمية أو أممية لدخول كثير من المفكرين من مختلف البلدان الأوربية وغيرها فيها، قوي أمرها في نصف القرن الثامن عشر، عصر التحرر في أوربا، ظهرت في إيطاليا، ثم انتشرت إلى البلدان الأخرى، ونادى أهلها بأن يتفق ويتآلف جميع الناس تحت اسم الإنسانية بسبب اشتراك جميع الناس في أصل الخلق مع إغفال كل الفوارق بينهم مهما كانت تلك الفوارق دينية أو غير دينية، قومية أو وطنية، أو غير ذلك من الروابط، فلابد أن يكون التجمع على الإنسانية وحدها بدلا عن الكنيسة وتعاليمها، وأن الدين أمر شخصي بين الله والإنسان كما كانوا يزعمون في بدء أمرهم، فالوطن للجميع، ولا قيمة حقيقية لتجزئة الأرض أو فصل بعضها عن بعض بحجة اختلاف الناس في دينهم وسلوكهم، فإن هذه الأمور تحث على التعالي وتثير جذوة الخلافات والأحقاد بخلاف ما لو اتفقوا على أن تكون الأرض وطنا للجميع وتجمعهم الإنسانية، وعلى أن يوجد دين موحد للكل تحت راية واحدة بعد أن تسقط جميع الأديان وجميع القوميات والوطنيات في يوم ما، حسب تقديراتهم، فتأتي حينئذ الحياة السعيدة القائمة على المحبة الإنسانية وتتوحد العواطف والأفكار ويعيش الناس كلهم على قلب واحد تعمهم الألفة والمحبة والترفع عن كل شيء يعرقل ظهور الحب بين جميع أفراد البشر حسب خداع الماسونية، والإنسانيون ينتظرون اليوم الذي يجتمع فيه الناس كلهم على مبادئ الإنسانية ويعيشون في ألفة ومودة؟!! بعيدين عن أي مؤثر آخر من الوطنية أو القومية أو الدين حين تسمو أفكار المجتمعات البشرية ويتوحدون على أساس هذه الأخوة الإنسانية، وهي آراء جذابة، ولكنها دعوة خداعة وأنى لها أن تتحقق، والواقع يكذبها ليلا ونهارا بهذه الحروب الأهلية والدولية والنزاعات المستمرة مما يشكل صفعة في وجوه دعاة الإنسانية والقومية والوطنية وسائر الدعوات الجاهلية، وأنها خدع وهمية وخيالات فارغة كما سنذكره في الرد عليهم.

ثالثا: سبب انتشار دعوى الإنسانية

ثالثا: سبب انتشار دعوى الإنسانية لقد تبين أن أكثر ما يجذب الناس إلى قبول الإنسانية جهلهم بدينهم، ثم جهلهم بما تهدف إليه دعوة الإنسانية، ثم انخداعهم بذلك الشعار الأجوف الذي ينادي به دعاة الإنسانية، وهو الاجتماع على الإنسانية بغض النظر عن أي اعتبار من دين أو لون أو وطن، فالكل تتسع لهم مظلة الحرية والإخاء والمساواة التي يوفرها لهم مذهب الإنسانية. وإن الذين يعتنقونها سيعيشون عيشة راضية، فانخدع الكثير بمثل هذه الدعايات البراقة، وقد عرفت أنها من دعايات الماسونية الماكرة التي تتربص للقضاء على كل الأديان تحت شعارهم " اخلع عقيدتك على الباب كما تخلع نعليك " (¬1)، فمن المعلوم أن خلع العقيدة ووضعها على الباب إلى جانب النعال إنما يراد بها عقيدة من يسمونهم بـ"الجوييم" أو "الأمميين"، أما عقيدتهم هم فهي التي يقوم عليها مذهب الإنسانية وهي التي يجب أن تبقى بعد أن ينسلخ الداخلون في الإنسانية عن عقائدهم ويتنازلون عنها لكي يتم دخولهم في مذهب الإنسانية. ومنها أن دعاة الإنسانية يزعمون أنه يجب أن يكون الهدف الذي يصل إليه الإنسان ويضحي بفرديته من أجله هو خدمة الآخرين وإخضاع نزعاته الفردية كلها لخدمة النوع الإنساني أجمع تحت شعار "الحياة لأجل الغير". وقد صاغه "كونيت" وسماه الموجود الأعظم، وأحله محل الإله في التقديس، وجعل لمذهبه كهنة وطقوسا تقدم للرجال الذين أسهموا في خدمة الإنسانية في أعياد، وتخصص لهم تلك الأعياد ليشعرهم بأنهم على شيء. ويجب التنبيه إلى أن بعض الكتاب يفسرون الإنسانية على أنها هي العطف والرحمة ومساعدة المحتاجين، والتمسك بالأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن، ويذكرون على كل ذلك أدلة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية المطهرة. ودراستنا هنا لا تتعلق بهذا المفهوم للإنسانية، فهو حق مؤكد، ولكننا بصدد بحث الإنسانية التي تخفي وراءها مخططات خطيرة لتدمير تراث الإنسانية، وبالأخص تراث المسلمين. شعارات خادعة طالما نادى بها اليهود وخدعوا بها الناس سرا وجهرا مثل الحرية والإخاء والمساواة بين الأفراد والشعوب ووحدة الأسرة البشرية ومجتمع الإنسان المتعاون وحق الجميع في الحياة الكريمة إلى آخر تلك الألفاظ البراقة الخادعة التي هي للاستهلاك ولسد فراغ أذهان الفارغين، وقد قال أحد دعاتها وهو الفرلي: "حينما يصبح الجميع أحرارا في تفكيرهم لهم من الشجاعة ما يجعلهم يتقبلون ما هو خير وعدل وجميل عندئذ يكون من المحتمل أن يسود العالم دين واحد وإني سأكون سعيدا باتباع دين عالمي موحد تتبع مصادره من حقائق التاريخ وتشمل مبادئه العدالة الاجتماعية وتقوم بفضله مظاهر الحب والإخاء على أنقاض الكراهية والخصومة" (¬2). ومما سبق يتبين بوضوح أن الدعوة إلى الإنسانية هي شرارة انشطرت عن جمرة الماسونية الحاقدة ودعاياتها الخادعة التي تجيد حبكها المؤامرات اليهودية وأن ما يبدو للبعض من الفارق بين كلتا الدعوتين فإنما هو فارق لفظي أو من باب التفنن في التقديم فالماسونية ظاهرة قوية في الدعوة إلى الانسلاخ من كل دين أو طاعة إلا دين اليهود وطاعتهم بينما الإنسانية ظاهرها فيه الرحمة والترفع عن التجبر والبغض وأن الدين لا يجب أن يكون حائلا بين محبة البشر بعضهم البعض وخدمة بعضهم بعضا لأن الدين أمر شخصي وحسب مزاج الشخص وتوجهه، إضافة إلى أنه يضيق الدائرة على أتباعه ويمايز بين الناس حينما يلتزمونه وبالتالي فالبديل الأنسب هو الإنسانية التي تعم الجميع دون تمييز أو تفريق بين الجميع. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 829 ¬

(¬1) ([270]) وما أصدق ما ذكره الندوي وما أشد انطباقه على كثير من السوقة الذين تبوؤا الحكم في البلدان الإسلامية وما حوادث العراق الدامية إلا نموذج للتدليل على مصير أولئك الذين تركوا هدى الله وطلبوه في غيره ولم يقبلوا على الله وركنوا إلى الذين ظلموا وأسلموا شعوبهم للذل والهوان وخذلوهم في أحلك المواقف. (¬2) ([271]) تقديم الدكتور المنجد لكتاب ((أركان عبادي)) ((محنة القومية العربية)) (ص 5) انظر ((فكرة القومية العربية)) (ص290) والمنجد متأثر بدعوى القومية العربية مع معرفته بها ولكنه حجب كغيره ممن حجب عن التمعن في معرفة الفوارق الهائلة بين الإسلام والقومية.

رابعا: التأسيس وأبرز الشخصيات

رابعا: التأسيس وأبرز الشخصيات ظهر المذهب الإنساني في إيطاليا في بداية عصر النهضة الأوروبية. وأبجديات النزعة إنما تترجم الانتفاضة التي عبّرت عنها النهضة الأوروبية باعتبارها تغيراً في الفكر نجم عنه تغير في جميع شؤون الحياة. فالإنسان الأول كان مكبلاً بقيود الكنيسة طوال فترة الإظلام الفكري المسماة بالعصور الوسطى والتي استطالت إلى أكثر من عشرة قرون، إذ كان خلالها مطالباً بالطاعة العمياء لرجال الدين وكان يُساق كما يساق القطيع، ويكفي أنه من طبيعة فاسدة بسبب الخطيئة الأصلية!! أما المرأة، فهي لا ينبغي أن تُحب لأنها سبب الخطيئة، لذا عزف رجال الدين عن الزواج بها. وإذا سمحوا لغيرهم بالارتباط بها بالزواج فذلك فقط باعتبارها وسيلة للإنجاب واستمرار البشرية. أما الرجال فهم وسيلة أيضاً لتحقيق أهداف الكنيسة، وكل من خرج على هذه الأهداف يواجه الموت حرقاً. ومن أسماء الرواد الأوائل للمذهب الإنساني بوجيو وبروني، والمحامي البارز مونتبلشيانو وكلهم عاشوا خلال القرن الخامس عشر الميلادي. أراسمس ولد في روتردام سنة 1466م ويعد من أكبر ممثلي المذهب الإنساني من ناحية معرفته بالأدب اليوناني واللاتيني. في فرنسا مثل المذهب ستيفانوس وسكاليجر ودوليه. ويعد رينيه ديكارت 1956 – 1650م الفيلسوف الفرنسي من أنصار المذهب الإنساني ولكنه يؤمن بوجود الله تعالى. وكذلك سبينوزا 1632 – 1677م الفيلسوف الهولندي وهو يشبه ديكارت في الاعتقاد. وكتابات جان جاك روسو 1712 – 1778م تحمل الطابع الإنساني. وجون لوك 1632 – 1704م الفيلسوف الإنجليزي كان إنساني المذهب. والفيلسوف الألماني كانت 1724 – 1804م في مذهبه الانتقادي كان إنساني المذهب. والفيلسوف شيلر المتوفى سنة 1937م الإنجليزي الألماني الأصل. والكاتب الفرنسي فرانسيس بوتر، ألف كتاباً بعنوان المذهب الإنساني بوصفه ديانة جديدة. والأديب الإنجليزي ت. س. إليوت 1888 – 1965م يعتبر نفسه من أتباع المذهب الإنساني، وهو من أبرز ممثلي الشعر الحر. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الأفكار والمعتقدات

خامسا: الأفكار والمعتقدات تأكيد الفردية الإنسانية: في مجال الدين: الاستجابة لحكم الفرد الخاص ضد سلطة الكنيسة وتأييد فكرة ظهور الدول القومية. في مجال الفلسفة: تأكيد ديكارت للوعي الفردي عند المفكر وشدة الاعتماد على الفعل وتغليب وجهة النظر المادية الدنيوية. قصر الاهتمام الإنساني على المظاهر المادية للإنسان في الزمان والمكان. المذهب الإنساني أوحى بالأفكار التحررية لقادة الفكر في عصر النهضة الأوروبية ووصل إلى ذروته إبان الثورة الفرنسية. الثقة بطبيعة الإنسان وقابليته للكمال، وإمكان حدوث التقدم المستمر. تأكيد أن الشرور والنقائض التي اعترضت طريق الإنسان لم يكن سببها الخطيئة كما تقرر النصرانية، وإنما كان سببها النظام الاجتماعي السيئ. الدفاع عن حرية الفرد. إمكان مجيء العصر السعيد والفردوس الأرضي، ويكون ذلك بالرخاء الاقتصادي، وتحقيق ذلك يكون بتبديد الخرافات والأوهام ونشر التربية العملية. وقد نقد الفلاسفة والمفكرون الإنسانية ومن أهم ما جاء في نقدهم: إن تقدم العلم الحديث لم يصحبه تقدم في قدرة الإنسان على حسن استعمال العلم. وإن البشر وجهوا اهتماماتهم جميعاً إلى المسائل الدنيوية، ونسوا كل ما يسمو على ذلك وتركزت مطامعهم في الأشياء الزائلة التي يسرها لهم العلم، وحدث من جراء ذلك صدع بين تقدم الإنسان في المعرفة وتقدمه الأخلاقي. إن الإنسانية تؤكد على زيادة خطر الإسراف في الاعتماد على الآلة، فهذا الإسراف قد يقضي على الأصالة والابتكار. كما أن الأسس الأخلاقية لا تصلح إلا إذا استندت إلى الاعتقاد بوجود نظام أسمى من النظام الدنيوي والإيمان بالمبادئ الخالدة المطلقة، أما إذا اقتصرت الآداب على أن تكون خاضعة للمواءمة بين الإنسان وبيئته، كلما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال، فإنها بذلك تفقد قيمتها العامة. وطريق الخلاص هو رفع الأخلاق، ولا يحدث هذا إلا بإيحاء من الإيمان الديني، أما الآداب العلمانية فلا تمنحنا الخلاص. إن المذهب الإنساني قدم للإنسانية وعوداً لم يحققها، كما أنه أفقد الناس الشعور بالحقائق الروحية، وجعل الناس عبيداً للقوى المادية العمياء. إن وجود الشر ينقض أداء المذهب الإنساني لصلاح الإنسان وقابليته للتقدم. وقد عزى الناقدون إخفاق عصبة الأمم في تسوية المشكلات في العالم وانتشار الفاشية والنازية إلى ظهور المذهب الإنساني. إن عيوب المدنية الغربية ترجع في الغالب الأعم منها إلى المذهب الإنساني في تياره الإلحادي. ومن أهم الأفكار التي تبنتها النزعة الإنسانية ما يلي: يجب على الإنسان أن يبحث دائماً عن معنى وجوده وحياته. الحياة في حد ذاتها شيء رائع ويستحق أن يعيشها الإنسان مهما احتوت على صراعات وتناقضات وآلام. على الإنسان أن يواجه الألم ويتسلح بالأمل في نفس الوقت. على الإنسان أن يهتم بالمادة قبل الروح لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع إدراكه والسيطرة عليه. إن الطريقة الوحيدة كي يحقق الإنسان إنسانيته هي في التمتع بكل الملذات الجسدية والحسية لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان لمسه وإدراكه. الإنسانية ترحب بالقومية والوطنية والمحلية، ولكنها تأبى العنصرية لأنها امتهان صارخ لبقية العوامل المشكلة للنسيج الإنساني الشامل، والأدب العنصري ليس سوى جسماً غريباً في نسيج الأدب الإنساني سرعان ما يلفظه ويأباه. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: الجذور الفكرية والعقائدية

سادسا: الجذور الفكرية والعقائدية إن الحركة الفكرية التي نشأت في عصر النهضة الأوروبية هي الأساس في ظهور الإنسانية. وكان الوقود الذي أشعل هذه الحركة يحتوي على الفكر اليوناني الوثني المعارض للفكر الديني، والآداب اليونانية واللاتينية ومن هنا كان شعار الإنسانية كلمة الفيلسوف اليوناني القديم "إن الإنسان مقياس للأشياء جميعها" فضلاً عن انغماس الإنسان بالمادة في بدايته، وحب اكتناز المال والثروات، والاستمتاع بالحياة الزائلة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سابعا: أماكن انتشارها

سابعا: أماكن انتشارها شاعت ديانة الإنسانية هذه في الغرب وصار لها في كل بلد كاهن أكبر وجعلوا لها معابد وطقوسا وسدنة وقد برزت عند الأمريكان بوضوح حيث جعلوا الإنسانية دينا وقد صيغ المذهب الإنساني في أمريكا في 1333م في بيان الإنسانيين الذي تضمن إنكار وجود الله تعالى وخلقه لهذا الكون وإنكار النبوة والرسالة والتعليل لنشأة الإنسان وثقافته الدينية وما يتعلق بحياة الإنسانية كلها مستندين إلى تعليلات الشيوعية الماركسية. وفيما يلي بيان الإنسانيين المشهور مع تعليق خفيف يوضح الغرض من كل فقرة منه: 1 - " الكون موجود بذاته وليس مخلوقا" والإلحاد والكفر بالله تعالى ظاهر في هذا وهذا المعتقد كاف في كفر من تمسك به. 2 - "الإنسان جزء من الطبيعة وهو نتيجة عمليات مستمرة فيها"، وهذا إنكار لوجود الله أيضا وإنكار لحقيقة وجود الإنسان وإسناد خلقه إلى الطبيعة حسب تعليلهم السخيف ولو سئلوا عن تلك العمليات المستمرة لانقطعوا وأجابوا بما يدل على جهلهم وحمقهم. 3 - "ثقافة الإنسان الدينية ليست إلا نتاج التطور التدريجي الناشئ من التفاعل بين الإنسان والبيئة الطبيعية والوراثة الاجتماعية"، وهذا كفر بالأنبياء والمرسلين وزعم باطل وهضم لنعمة التفكير التي خص الله بها الإنسان ورجم بالغيب. 4 - "لقد ولى الزمن الذي كان يعتقد الناس فيه بالدين وبالله"، ونقول لهم بل لا يزال جديدا على مر الدهور رغم أنوفهم وسيبقى إلى يوم القيامة. 5 - "يتركب الدين من الأفعال والتجارب والأهداف التي لها دلالات في نظر الإنسان ومن هنا زال التمييز بين المقدس والمادي"، ويقال لهم إذا كان الدين يتركب من تجارب فكيف لم يدعوا النبوة كلهم وكيف قام على أشخاص معدودين تحوطهم عناية الله وتأييده، وهل يعرف الدين بالتجارب؟ 6 - "إن التحقيق التام للشخصية الإنسانية هدف الإنسان "، نقول نعم ولكنه لا يصل إليه إلا بالتبين الصحيح وبتيسير الله وتوفيقه له. 7 - "يعبر عن الانفعالات الدينية بالإحساسات الشخصية والجهود الجماعية التي تحقق الرفاهية الاجتماعية "، وهذا الكلام محض دعوى لا دليل عليه، مع أنهم ينفون أي دليل صحيح للتدين. 8 – "لا توجد انفعالات دينية ومواقف للناس تربطهم بوجود خارق للطبيعة"، ونقول لهم إن الفطرة في الإنسان والواقع كليهما شاهدان بهذا الرباط (¬1). وقد أمضى هذا البيان جون ديوي وآخرون من كبار دعاة الإنسانية. وعلى حسب ما تقدم فإن الإنسانية في جوهرها العام هي دعوة للإنسان إلى أن يعيش حياته ابن يومه مهما صادفته من الأمور التي يرضاها والتي لا يرضاها قوي الأمل صامدا في مواجهة الأخطار جاعلا نصب عينيه أن يعيش حياته المادية بكل ما يجده ضاربا بالقوانين التي تحد من ارتكاب الشهوات جانبا وأن لا ينظر إلى الأمور الروحية الغيبية ولا يتأثر بما يقال له من أنه سيحاسب على كل أعماله الدنيوية أمام الله تعالى فليس لك إلا ما تمتعت به قبل موتك فلا بعث ولا حساب ولا جزاء في مفاهيم دعاة الإنسانية وهم حينما يقررون هذا الكلام نقول لهم بكل تأكيد أنهم يغالطون أنفسهم وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم في فراغ وأن الأمر جد ولا يمكن أن تكون الحياة كذلك قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]. وهم متأكدون أن حياتهم هذه لا تختلف عن حياة سائر البهائم ولولا الظلم وحب العلو لرجعوا إلى الحق ولنظروا إلى ما هم فيه بأنه عبث وفوضى لا تقرها العقول ولا الفطرة السليمة ولكنه العناد والاستهتار والبغي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي ¬

(¬1) ([272]) انظر كتاب ((مذاهب فكرية معاصرة)) (ص559) بتصرف.

ثامنا: هل تقبل الدعوى إلى الإنسانية التعايش مع الإسلام والمسلمين؟

ثامنا: هل تقبل الدعوى إلى الإنسانية التعايش مع الإسلام والمسلمين؟ يجب على كل مسلم أن يتذكر في البداية قول الله تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة:120]، ثم ينظر مصداقها في الواقع في حال التعايش بين النصارى واليهود من جانب وبين المسلمين من جانب آخر وكيف أن دعاة الإنسانية شمس العداوة لكل مسلم حتى يلين ويرجع إلى أقوالهم ويسايرهم في سلوكهم ثم كيف بعدها يكيلون له المدائح المختلفة ويحكمون عليه الشبكة بأنواع المساعدات المادية والمعنوية ليبقى أسيرا لهم. لقد أظهر أدعياء الإنسانية بغضهم للدين والمقصود به الدين الإسلامي في المقام الأول وهم دائما يشكون من انتشاره في مجتمعاتهم ويتخوفون من عودة المسلمين إلى سابق مجدهم أيام الفتوحات الإسلامية ولهذا فقد رموه بكل سهم من سهامهم المختلفة ومن ضمنها رميه بسهم الإنسانية كي تكثر السهام العلمانية واحد منها يصيب مقتلا للرمية. أما أن يرمي المسلمون أعداءهم ولو بخرقة الحرير فإنه يعتبر ارهابا وهمجية وعودة إلى فكرة الجهاد التي أقلقهم اسمها وأرق نومهم ذكرها حتى أصبح الكثير من المسلمين مع الأسف الشديد يستحي من ذكر كلمة الجهاد ويعتذر للإسلام عن ورودها فيه حتى يجعله كالمجرم في قفص الاتهام وهي الشبكة التي يريد أعداء الإسلام أن يوقعوا فيها مثل هؤلاء الأغبياء الذين يدعون أنهم يدافعون عن الإسلام ويردون كيد أعدائه عنه فإذا بدفاعهم يجعل الإسلام ظالما همجيا ومائعا في نفس الوقت ولا شك أنه لا خير في مثل هؤلاء المدافعين ولا خير في مثل جدالهم الذي يفتقد إلى وجود العزة الإسلامية في النفس أولا فمتى يستفيق المسلمون لخدع دعاة الإنسانية وأساليبهم الماكرة ومتى يعرفون أنه لا يمكن أن يتوافق دين رضيه الرحمن وطغيان يدعو إليه الشيطان وأنه لا يمكن أن يسير الحق والباطل في طريق واحد. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 842

تاسعا: الإنسانية والقومية والوطنية

تاسعا: الإنسانية والقومية والوطنية من أساليب دعاة الإنسانية أنهم يقولون في تقديمهم لها أنه يجب محو فكرة اختلاف الأوطان لأن الجميع يعيشون في أرض واحدة وأن الإنسان هو الذي اختلق تجزئتها وجعل لها حدودا سياسية مصطنعة في حين أن الذين يعيشون فوقها هم أيضا جنس واحد ومن أصل واحد فلماذا لا نعود إلى الأصل الصحيح وهو أن الأرض وطن الجميع ومن عليها أخوة كلهم في الإنسانية ونضرب صفحا عن كل الاعتبارات الأخرى من الجنس واللون والدين والعادات، والقوميات والوطنيات التي طرأت على الإنسان في شكلها البدائي ثم أخذت تتوسع ويتوسع الانتماء إلى القومية والوطنية قليلا قليلا إلى أن أصبح في وضع أكبر مما كان في البداية ولهذا فإنهم يحبون توسيع الدعوة القومية إلى أن يصل الأمر بالجميع إلى قومية واحدة وإلى وطن واحد ثم يعيش الجميع تحت ظل الإنسانية التي ستظلل الجميع وتنمحي كل الفوارق الأخرى بعد ذلك ومن هنا فإن دعاة الإنسانية قد يتفاءلون بانتشار القومية حين تكون قومية عالمية تسودها الإنسانية حينما يلبي الجميع واجب الدعوة إلى الإنسانية وحدها فلماذا لا نطوي المسافة ونأخذ مبادئ الإنسانية اليوم قبل غد لتحل السعادة وتنتشر الرحمة ويعم الخير .. إلى آخره إنها أحلام سعيدة ودعوة خلابة براقة حينما يسمعها الشخص لأول وهلة ولكن وكما تقدم هل يمكن تحقيق هذه الأحلام وهل يمكن أن يتنازل الناس بأجمعهم عن قومياتهم وأديانهم وأوطانهم ليدخلوا تحت لواء الإنسانية الذي أقل ما سيواجهه معضلة من سيتولى قيادة هذا النهج الجديد ولمن تكون القيادة والأمر والنهي؟ وما هو الوطن المفضل؟ ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 846

عاشرا: تناقض دعاة الإنسانية

عاشرا: تناقض دعاة الإنسانية ظهر جليا أن الإنسان دائما يتنكر لمن يجهله ولا يأنس به إلا بعد وقت ثم يزول هذا الأنس فورا عندما يحس أن مصالحه مهددة من قبل الآخرين وإلا فأين الإنسانية حينما تحتدم الحرب الأهلية التي تأكل الأخضر واليابس في غياب العقيدة الدينية المشتركة التي تشعر كل شخص بمسؤوليته عن كل تصرفاته أمام الله تعالى التي تجعل الناس كلهم عبيدا لخالقهم على الدوام وتجعل محبتهم قائمة على أسس لها أيضا صفة الدوام إذ لم تقم على المصالح المؤقتة أو تبادل المنافع المادية الناتجة عن المحبة الزائفة العارضة أو الاستئناس بسبب ظروف مختلفة. إن دعاة الإنسانية اليوم هم الذين يقصفون المسلمين في أفغانستان منذ أكثر من شهر ونصف ليلا ونهارا في طلعات جوية تملأ الأفق بطائرات حربية متقدمة وقنابل متنوعة مرة يسمونها قنابل ذكية وأخرى يسمونها قنابل غبية وصواريخ تجرب لأول مرة على رؤوس المسلمين (¬1). فهل يعتبرون المسلمين هناك جمادا لا تشملهم كذبة الإنسانية أليس دعاة الإنسانية هم الذين يقتلون كل يوم وكل ليلة أعدادا من الفلسطينيين دون تمييز ويجرفون مزارعهم ويهدمون بيوتهم بكل كبرياء أليس دعاة الإنسانية هم الذين يحكمون على الاسلام والمسلمين بأنهم إرهابيين يجوز قتلهم وسجنهم وتشريدهم دون رحمة وأمثلة أخرى في كل العالم تقول أين الإنسانية وأين دعاتها الكاذبون وأين حقوق الإنسان حينما تقدم أمريكا للمساكين في حرب أفغانستان الأكل عن طريق إسقاطه من الجو في مزارع الألغام أو تسقط بعض القنابل التي تشبه في ظاهرها بعض كراتين الأكل زيادة في التمويه وإغراء الجائع بحيث لا يستطيع التمييز بين كون هذا أكلا أم قنبلة فحصدت أرواح كثيرة دون أن يحس أولئك الإنسانيون بزعمهم أدنى تأنيب من ضمير أو خلق. إن الإنسانية حقيقة سلاح يهودي ونصراني ومجوسي ووثني موجه ضد المسلمين وضد كل المستضعفين في الأرض ويجب على كل مسلم أن يكون مستيقظا لهذه الأخطار وأن لا يلدغ من جحر مرتين. وقد اتضح جليا من خلال بيان الإنسانيين السابق أنها دعوة ماكرة يراد من ورائها في الدرجة الأولى سيطرة اليهود ومحاربة أديان الجوييم وتذويب الأوطان في ديانتهم الإنسانية القائمة على أهوائهم ومفاهيمهم اليهودية الحاقدة برعاية الماسونية العالمية. قال أحد الماسون:"إن ما تبغيه الماسونية هو وصول الإنسانية شيئا فشيئا إلى النظام الأمثل الذي تتحقق فيه الحرية بأكمل معانيها وتزول فيه الفوارق بين الأفراد والشعوب ويسود فيه العلم والجمال والفضيلة" (¬2). فانظر إلى هذه المغالطة بل الصحيح أن هذا المذهب والدعوة إليه كفيل لو نجح دعاته في إفساد البشرية وقلب الأمور رأسا على عقب حينما تتغلب ديانة الإنسانية وتتم وفق مفاهيم أقطابها لا قدر الله وينتصر اليهود فتلغى كل الأديان وخصوصا الإسلام الذي هو الهدف الأكبر في حملتهم لمحوه ومحو أنه الدين الذي نسخ الله به كل الأديان التي قبله كما تهدف كذلك إلى تمييع مفهوم الأديان حتى تشب الأجيال الجديدة وهي لا تفرق بين الأديان ولا تعرف الصحيح من المزيف والمستقيم من المعوج منها. فيختلط الكفر بالإيمان فلا يعرف بعد ذلك الحق والباطل في خضم هذا التيار الجارف ومن هنا نجد أن هؤلاء الدعاة تتكاتف جهودهم على ذم الأديان وتجهيلها وأنها لم تحقق للإنسان الحرية والعدل والمساواة التي يدعون أنهم يريدون الوصول إليها بحسب آرائهم الخيالية. وحينما يزعم الإنسانيون أنهم رحماء بالإنسان والحيوان وهم يقاتلون بين الحيوانات حتى يقتل بعضهم بعضا وهم يتفرجون ويضحكون أين الإنسانية منهم أو الرحمة بالخلق وهل ستجد الإنسانية مثل الاسلام في إعطاء تلك الأمور حقها الذي تصلح به الحياة وتستقيم به الأمور ويأخذ كل ذي حق حقه؟ كلا ولكن لجهلهم بالإسلام يظنون أنهم هم الذين سبقوا إلى تلك الدعوى بل وكثير منهم يعرفون ذلك ولكن لحقدهم على الإنسانية ورغبتهم في استعباد البشر والسيطرة عليهم جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 847 ¬

(¬1) ([273]) ((مذاهب فكرية)) (ص 576). (¬2) ([274]) ((نشوء القومية العربية)) تأليف زين نور الدين زين نقلا عن ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (ص126).

الخلاصة

الخلاصة أن النزعة الإنسانية هي مذهب فلسفي أدبي مادي لا ديني، يؤكد فردية الإنسان ضد الدين ويغلب وجهة النظر المادية الدنيوية وهو من أسس فلسفة كونت الوضعية وفلسفة بتنام النفعية وكتابات برتراند راسل الإلحادية، وهذا يعني فشل هذا المذهب على الصعيد العقدي، أما فشله على الصعيد العملي الواقعي المؤثر بصورة ملموسة في أسلوب سلوك الفرد، فدليله أنه منَّى الإنسان بأمان كاذبة لم تتحقق على الإطلاق، ونسي أن طريق الخلاص لا يمكن أن يتم إلا من خلال خاتم الأديان. وهذا أمر ينبغي أن يتنبه له المسلم وهو يتعامل مع نتاج هذا المذهب حيث أن الإسلام قد كرم الإنسان، وتعاليمه كلها إنسانية (ولقد كرمنا بني آدم .. )؛ لكن بعض الناس يختار الكفر فيسلبه الله هذا التكريم (أولئك هم شر البرية). ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - شيلر: من نوابغ الفكر الغربي، د. عثمان أمين. - مجلة عالم الفكر، المجلد الثاني العدد الثالث 1974م. مقال بعنوان الهيومانزم. - الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه، دار القلم – بيروت. - Studies in Humanism by F.C.S. Schiller, Macmillan, London, 2nd ed. 1912. - Humanism: Phillosophical Essays by F.C.S. Schiller, Macmillan. London 1912. - Essay Concerning Human Understanding by J. Locke ed. r. Wilburn. London 1947. - History of Philosophy by F.C. Copleston Burns, London 1947. - History of Modern Philosophy by H. Hoffding, London 1956 ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب التاسع والعشرون: الإلحاد

أولا: التعريف الإلحاد هو: مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى, فيدّعي الملحدون بأن الكون وجد بلا خالق وأن المادة أزلية أبدية، وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت. ومما لا شك فيه أن كثيراً من دول العالم الغربي والشرقي تعاني من نزعة إلحادية عارمة جسدتها الشيوعية المنهارة والعلمانية المخادعة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي المراد بالإلحاد الذي نحن بصدد دراسته. كل فكر يتعلق بإنكار وجود خالق هذا الكون سبحانه وتعالى. سواء أكان عند المتقدمين من الدهرية أو عند من جاء بعدهم من الشيوعيين الماركسيين بمعنى أن وصف الإلحاد يشمل كل من لم يؤمن بالله تعالى ويزعم أن الكون وجد بذاته في الأزل نتيجة تفاعلات جاءت عن طريق الصدفة دون تحديد وقت لها واعتقاد أن ما وصل إليه الإنسان منذ أن وجد وعلى امتداد التاريخ من أحوال في كل شؤونه إنما وجد عن طريق التطور لا أن هناك قوة إلهية تدبره وتتصرف فيه. ولا ريب أن الإلحاد فكرة شيطانية باطلة لا يقبلها عقل ولا منطق غذاها اليهود لتحطيم حضارات وأديان العالم كلهم لإقامة حكمهم في الأرض كلها كما دونوه في كتبهم. وقد يسأل سائل فيقول وما مصلحة اليهود من وراء ظهور الإلحاد؟، والجواب هو إضافة إلى ما سبق فإن اليهود يبغضون ديانات العالم كله، والعالم يبغضون ديانة اليهود فإذا تمكن اليهود من إبعاد الناس عن حضاراتهم ودياناتهم واستبدلوا عن ذلك بالإلحاد فإنه سيسهل حينئذ أن يتقارب اليهود مع غيرهم وسيسهل قيادتهم أيضا إلى تحقيق المخططات اليهودية التي تنتظر التنفيذ. ولم يكن أحد من البشر منذ أن أوجدهم الله تعالى مستيقنا حقيقة إنكار وجود الله تعالى ولم يظهر في شكل مذهب أو دول. وإنما كان ظهوره في شكل نزعات لبعض الأشرار الشواذ إلى أن ظهرت الفلسفة الإلحادية الحديثة المنحرفة على يدي "ماركس" ورفاقه من اليهود الماسون الذين كانوا وراء إشعال هذه الفتنة الإلحادية لمآرب سياسية وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]. وقد علا شأن الإلحاد في عهد "ماركس" وعهد من جاء بعده علوا كبيرا إلى عهد آخر رئيس لما كان يسمى بالإتحاد السوفيتي، وهو "ميخائيل جورباتشوف" فأراد الله عز وجل أن يظهر كذب الملاحدة فإذا بالشيوعية – التي تمثل قمة الإلحاد تموت في عقر دارها – وإذا بالشعوب المقهورة تعود إلى الاحتفال والإحتفاء بالأديان وتعلن ما كانت تخفيه من حب الله وأنبيائه ورسله ورجعوا إلى المساجد والكنائس وسائر المعابد معلنين رفضهم الفكر المادي الإلحادي وفي بعض تلك الدول التي كانت تعلن الشيوعية والإلحاد شنقوا تماثيل بعض أقطاب الإلحاد الشيوعي تشفيا منهم. مما يدل دلالة صريحة على أن فكرة الإلحاد فكرة طارئة سخيفة لا مكان لها إلا في قلوب فئة من شواذ الناس ماتت نفوسهم وانحرفت فطرهم وكابروا عقولهم ومن الغريب أن يسند الملاحدة إلحادهم إلى العلم – وهو كذب مبين – كما سيتبين ذلك من خلال هذه الدراسة إن شاء الله تعالى. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1003

ثانيا: أقسام الإلحاد

ثانيا: أقسام الإلحاد ينقسم الإلحاد إلى قسمين هما: الإلحاد القديم، والإلحاد الحديث. فما حقيقة كل منهما وما الفرق بينهما؟ عرفنا مما سبق أن الإلحاد كان له وجود في أكثر من مكان في الأرض بعد الانحراف الذي أصاب البشرية وينبغي أن ندرك أن بين الإلحاد القديم والإلحاد الحديث فرقا ظاهرا وذلك يتبين من خلال ما يأتي: 1 - إن الإلحاد بمعنى إنكار وجود الله تعالى أصلا لم يكن ظاهرة منتشرة في القديم وإنما كان شائعا الشرك مع الله تعالى تحت حجج مختلفة مع اعترافهم بوجود الله تعالى وأنه الخالق المدبر وقد أثبت الله تعالى ذلك في كتابه فقال عن إقرارهم بخلق الله للكون وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [العنكبوت:61] وقال تعالى عن إقرارهم بإنزال المطر من عند الله: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [العنكبوت:63]. وقال تعالى عن إقرارهم بأن الرزق كله من الله، وأن أعضاء الإنسان هي من خلق الله، وأن الحياة والموت بيد الله، وأن التدبير كله لله قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [يونس:31] قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84 - 89]، وهكذا يتبين من تلك الآيات البينات أن الإلحاد في الزمن القديم إنما كان في إشراكهم مع الله آلهة أخرى من صنعهم يتقربون بها إلى الله بزعمهم وهذا هو الشرك في توحيد الربوبية الذي لا يدخل الشخص به وحده في الإسلام والإيمان ما لم يضم إليه توحيد الألوهية. 2 - وأما الذين أسندوا كل شيء إلى الدهر فهم قلة قليلة جدا بالنسبة لغيرهم ممن يؤمنون بالله تعالى وقد أخبر الله عنهم في كتابه الكريم. 3 - أما الإلحاد المادي الحديث فقد قام على إنكار وجود الله أصلا وقد زعم أهله أنهم وصلوا إليه عن طريق العلم والبحث المحسوس وعن طريق التجربة والدراسة وزعموا أن الدين لا يوصل إلى ذلك وسنرد هذه الكذبة وسخافتها ونبين أنه لا تناقض بين العلم والدين وبين الإيمان بالله وأن العلم يدعو إلى الإيمان بوجود الله تعالى في أكمل صوره كما سيأتي دراسته في الشيوعية. وهكذا يتضح أنه مع القول بوجود عبادة المادة في كل زمان وفي كل مكان إلا أن تلك المادة كانت سطحية بدائية وأن أوروبا حينما أخذت الإلحاد تميزت بتفصيل وتقنين وتنظيم ودراسة هذا الاتجاه المادي الملحد وأحلته محل الدين ومحل الإله بطريقة سافرة مقننة وهي نقلة لم تكن فيما مضى قبلهم. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1008

ثالثا: أسباب ظهور الإلحاد

ثالثا: أسباب ظهور الإلحاد لظهور الإلحاد أسباب كثيرة كغيره من الظواهر الأخرى ولا شك أن أكبر الأسباب هو إغواء إبليس لمن اتبعه فقد أقسم على أن يبعد الناس عن ربهم ويغويهم عن اتباع أمره وشرعه عز وجل ثم انضافت إلى ذلك أسباب أخرى هي من صنع الإنسان كالرغبة الجامحة عند البعض في الانفلات التام عن الدين وأوامره ونواهيه لتحقيق رغباته الشهوانية المختلفة وبعض تلك الأسباب يعود إلى أمور سياسية كحب اليهود السيطرة على العالم. وبعضها يعود إلى طغيان الديانات المحرفة وعلى رأسها النصرانية التي هي صورة عن الوثنية حيث جاءت بأفكار لا يقبلها عقل ولا يقرها منطق وفوق ذلك طغيان الرهبان والبابوات الذين وصلوا إلى حد لا يطاق من إذلال الناس واستعبادهم مما جعلها أغلالا يتمنى أصحابها الخروج عنها إلى أي وجهة تكون فتلقفهم الملاحدة فأخرجوهم من الرمضاء إلى النار. وبعض تلك الأسباب يعود إلى ظهور مذاهب فكرية كانت هي الأخرى كابوسا ثقيلا جعل الناس يلهثون إلى التشبث بأي حركة أو فكر كالرأسمالية التي أشعلت في النفوس حب الأنانية والجشع المادي والحقد والبغضاء مما سهل الأمر على الملاحدة للوصول إلى قلوب الناس والتضليل عليهم بأن في النظام الإلحادي الجديد كل ما يتمنوه من السعادة والعيش الرغيد وقد قيل: يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن وكان هذا الحال في الوقت الذي عم الجهل بالله تعالى وبدينه القويم وكان للأحوال الاقتصادية التي يمر بها الناس نصيب الأسد في تقبل الناس للإلحاد حيث انعدمت في المذهب الرأسمالي ونظام الإقطاع وسيطرة البابوات والأباطرة صفة الرحمة والعطف على الفقراء فازداد الأغنياء غنى وازداد الفقراء فقرا وذلا. فاستغل الملاحدة تلك الأوضاع للتأثير على الناس بأن الأمر موكول إلى تصرفات الناس وليس هناك إله مدبر له فازداد نشاط دعاة الإلحاد وأظهروا أنفسهم بمظهر المنقذ للفقراء والساهر على مصالحهم والمهتم بمشاكلهم والمتصدي للقضاء على كل الأنظمة الفاسدة والطبقات المتجبرة وبعد أن قوي أمر الملاحدة واستولوا على الحكم في روسيا وغيرها وجهوا مدافعهم وبنادقهم إلى صدر كل من يأبى الدخول في ملتهم فأثخنوا في الأرض وأدخلوا شعوبهم في الإلحاد راغبين وراهبين. ومما ساعد على انتشار الإلحاد أيضا ما وصل إليه الملاحدة من اكتشافات علمية هائلة مكنهم الله منها استدراجا لهم وإقامة للحجة عليهم على ضوء قوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53]، فكلما تم لهم اكتشاف جديد فسروه على أنه من بركة تركه للإله وللدين وانطلاقهم أحرارا من ذلك فاغتر بهم كثير من الجهال وظنوا أن ذلك صحيحا وأن هذه الحياة التي يعيشها العالم اليوم من تقدم مادي وصناعات مختلفة وانفتاح تام على الشهوات والمتع المختلفة إنما هي دليل في نظر من لا يعرفون الدين الصحيح على أن الإنسان هو مالك هذا الكون وحده وهو الذي ينظم حياته كما يريد.

ولم يترك دعاة الإلحاد أي فرصة لأتباعهم لالتقاط أنفاسهم ومدارسة أوضاعهم والتفكر الصحيح في خلق هذا الكون وما فيه من العجائب التي تنطق بوجود الخلاق العظيم لهذا الكون، وقد قيل إن أحد الملحدين تحدى أي مؤمن بالله يناظره فانبرى له أحد المؤمنين واتفقوا على تحديد موعد للمناظرة وحينما جاء وقت المناظرة تأخر المؤمن من الوصول ففرح الملحد وأخذ يصول ويجول ويتحدى وبعد وقت حضر المؤمن بعد أن انكسرت قلوب المؤمنين وملأها الهم والغم فسأله الملحد لماذا تأخرت عن الوصول فقال له إن بيني وبينكم هذا البحر ولم أجد سفينة وبينما أنا كذلك إذ نبتت شجرة في البحر وامتدت أغصانها وجذوعها وكبرت ثم تكسرت بعض أجزائها لتصنع منها قاربا حملني إليكم فقال الملحد هذا كلام لا يعقل فقال له المؤمن إذا كنتم لا تصدقون بوجود قارب صغير بدون موجد فكيف تصدقون بوجود هذا الكون وما فيه دون موجد؟!!، ثم قال المؤمن للملحد: أنت بلا عقل فقال الملحد: بلى إن لي عقلا فقال له المؤمن أين هو منك قال لا أدري. فقال المؤمن: شيء في جسمك تؤمن به ولا تراه ولا تريد أن تؤمن بالله حتى تراه فانقطع الملحد. أما بالنسبة لظهور الإلحاد في ديار المسلمين فإنه يعود كذلك إلى أسباب كثيرة من أهمها حالة الانبهار بظهور هذه الماديات التي ظهرت على أيدي غير المؤمنين بالله تعالى وما أصاب قلوب ضعفاء الإيمان من انبهار تام برونق تلك الحضارة الزائفة الزائلة التي أخبر الله عنها بقوله يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7]، وانساق المنهزمون المغرمون بتلك الحضارة إلى التصديق بأن لا وجود لأي مدبر للعالم غير العالم نفسه خصوصا وأن المغلوب دائما يقلد الغالب ويجب أن يتظاهر بصفاته ليجبر النقص الذي يحس به أمامه. وكان الأحرى بهؤلاء المنهزمين أن يعتزوا بدينهم ويضاعفوا الجهد والعمل ليستغنوا عن منة الملاحدة عليهم وحينما رأوا ما هم عليه من الضعف والاستخذاء أمام ما تنتجه المصانع الكافرة ألقوا باللوم على الإسلام فعل العاجز المنقطع أو الغريق الذي يمسك بكل حبل وجهلوا أو تجاهلوا أن الإسلام يأمر بالقوة والعمل بما لا يدانيه أي فكر أو مذهب والآيات في كتاب الله تعالى والأحاديث في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم على هذا أشهر من أن تذكر.

وعلى كل حال فقد ظهر الإلحاد بشكله الجديد المدروس المنظم كبديل لكل الأديان وزعماؤه هم البديل الجديد عن الأنبياء والرسل والمتمسكون بالإلحاد هم المتطورون المتقدمون والتاركين له هم الرجعيون المتخلفون وللباطل صولة ثم يضمحل فبعد تلك السنوات العجاف التي قوي فيها شأن الإلحاد والملحدين ظهرت الحقيقة للعيان وإذا بالإلحاد والملحدين ما هم إلا سماسرة اليهودية العالمية وأنهم يهدفون إلى استحمار العالم ومحو أخلاق الجوييم وتحطيم حضاراتهم وإبطال دياناتهم وكشأن كل المذاهب الباطلة والأفكار الجاهلية بدأ الموت يدب في جسم هذا الإلحاد البغيض وإذا بالناس يكتشفون زيف أقاويله وأفانين خدعة فبدؤوا يهربون منه زرافات ووحدانا وعرف الناس أن الإلحاد هو الذي سبب لهم الشقاء والفقر وتزايد الأحقاد والقلق والاضطراب وأنه هو الذي سهل للمجرمين طرق الإجرام وظهور الفتن والضلال إذ ليس فيه ثواب ولا عقاب في الآخرة ولا رب يجازي المجرمين بعذابه والمطيعين بثوابه فما الذي يمنع المجرم من تنفيذ جريمته وما الذي يجعل قلب الغني يشفق على الفقير وما الذي يمنع السارق والغشاش والخائن ومدمن المخدرات ما الذي يمنع هؤلاء من تحقيق رغباتهم. وللقارئ عظة مما يقع في العالم الملحد من أنواع الجرائم والظلم في جو مشحون بالتوترات والهموم قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]. وإذا كانت المظالم والأنانيات وحب الشهوات وغيرها تحصل بين المؤمنين بالله تعالى فما هو الظن بالمجتمعات التي لا تؤمن بالله ربا ولا بالإسلام دينا ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، ولا ضمير حي يذكرها بما للآخرين من حقوق ما هو الظن بتلك المجتمعات الذين هم كالأنعام أو أضل الذين لا يعيشون في بيئات أسرية متحابة يعرف بعضهم للبعض الآخر ما له من حقوق صلة الرحم وحفظ الأنساب وتقوية المودة فيما بينهم. فأين الأولاد بعد أن ابتلعتهم دور الحضانات الحكومية، وأين الأزواج بعد أن تفرق الجميع في كل اتجاه تلبية لحاجاتهم المعيشية واللهو أيضا، وأين بقية الأقارب وقد تكفل الإلحاد بمحاربة أي وجود لذلك، وأين تلاحم المجتمع كله بعد أن تعهد الملاحدة بتفريق المجتمعات وضرب بعضهم بالبعض الآخر عن طريق الجاسوسية الهائلة إلى حد أن أي شخص لا يأمن الآخر بأي حال فأصبحت المجتمعات الإلحادية تعيش فيما بينها كما تعيش قطعان الذئاب أو السمك في البحر وعلى المسلمين أن يأخذوا العظة بغيرهم وأن يفروا من تلك الأفكار وصداقات زعماء تلك المجتمعات كما يفر الصحيح من المجذوم، بل وأشد، وأن يرجعوا إلى الله تعالى ويبتهلوا إليه أن لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1011

رابعا: التأسيس وأبرز الشخصيات

رابعا: التأسيس وأبرز الشخصيات الإلحاد بدعة جديدة لم توجد في القديم إلا في النادر في بعض الأمم والأفراد. يعد أتباع العلمانية هم المؤسسون الحقيقيين للإلحاد، ومن هؤلاء: أتباع الشيوعية والوجودية والداروينية. الحركة الصهيونية أرادت نشر الإلحاد في الأرض فنشرت العلمانية لإفساد أمم الأرض بالإلحاد والمادية المفرطة والانسلاخ من كل الضوابط التشريعية والأخلاقية كي تهدم هذه الأمم نفسها بنفسها، وعندما يخلو الجو لليهود يستطيعون حكم العالم. نشر اليهود نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي للتاريخ ونظريات فرويد في علم النفس ونظرية دارون في أصل الأنواع ونظريات دور كايم في علم الاجتماع، وكل هذه النظريات من أسس الإلحاد في العالم. أما انتشار الحركات الإلحادية بين المسلمين في الوقت الحاضر، فقد بدأت بعد سقوط الخلافة الإسلامية. صدر كتاب في تركيا عنوانه: مصطفى كمال للكاتب قابيل آدم يتضمن مطاعن قبيحة في الأديان وبخاصة الدين الإسلامي. وفيه دعوة صريحة للإلحاد بالدين وإشادة بالعقلية الأوروبية. إسماعيل أحمد أدهم. حاول نشر الإلحاد في مصر، وألف رسالة بعنوان لماذا أنا ملحد؟ وطبعها بمطبعة التعاون بالإسكندرية حوالي سنة 1926م. إسماعيل مظهر أصدر في سنة 1928م مجلة العصور في مصر، وكانت قبل توبته تدعو للإلحاد والطعن في العرب والعروبة طعناً قبيحاً. معيداً تاريخ الشعوبية، ومتهماً العقلية العربية بالجمود والانحطاط، ومشيداً بأمجاد بني إسرائيل ونشاطهم وتفوقهم واجتهادهم. أسست في مصر سنة 1928م جماعة لنشر الإلحاد تحت شعار الأدب واتخذت دار العصور مقراً لها واسمها رابطة الأدب الجديد وكان أمين سرها كامل كيلاني .. وقد تاب إلى الله بعد ذلك. من أعلام الإلحاد في العالم: أتباع الشيوعية: ويتقدمهم كارل ماركس 1818 – 1883م اليهودي الألماني. وإنجلز عالم الاجتماع الألماني والفيلسوف السياسي الذي التقى بماركس في إنجلترا وأصدرا سوياً المانيفستو أو البيان الشيوعي سنة 1820 – 1895م. أتباع الوجودية: ويتقدمهم: جان بول سارتر. وسيمون دوبرفوار. والبير كامي. وأتباع الداروينية. ومن الفلاسفة والأدباء: نيتشه/ فيلسوف ألماني. برتراند راسل 1872 – 1970م فيلسوف إنكليزي. هيجل 1770 – 1831م فيلسوف ألماني قامت فلسفته على دراسة التاريخ. هربرت سبنسر 1820 – 1903م إنكليزي كتب في الفلسفة وعلم النفس والأخلاق. فولتير 1694 – 1778م أديب فرنسي. في سنة 1930م ألف إسماعيل مظهر حزب الفلاح ليكون منبراً للشيوعية والاشتراكية. وقد تاب إسماعيل إلى الله بعد أن تعدى مرحلة الشباب وأصبح يكتب عن مزايا الإسلام. ومن الشعراء الملاحدة الذين كانوا ينشرون في مجلة العصور. الشاعر عبد اللطيف ثابت الذي كان يشكك في الأديان في شعره .. والشاعر الزهاوي يعد عميد الشعراء المشككين في عصره. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الأفكار والمعتقدات

خامسا: الأفكار والمعتقدات إنكار وجود الله سبحانه، الخالق البارئ، المصور، تعالى الله عمّا يقولون علواً كبيراً. إن الكون والإنسان والحيوان والنبات وجد صدفة وسينتهي كما بدأ ولا توجد حياة بعد الموت. إن المادة أزلية أبدية وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت. النظرة الغائية للكون والمفاهيم الأخلاقية تعيق تقدم العلم. إنكار معجزات الأنبياء لأن تلك المعجزات لا يقبلها العلم، كما يزعمون. ومن العجب أن الملحدين الماديين يقبلون معجزات الطفرة الوحيدة التي تقول بها الداروينية ولا سند لها إلا الهوس والخيال. عدم الاعتراف بالمفاهيم الأخلاقية ولا بالحق والعدل ولا بالأهداف السامية، ولا بالروح والجمال. ينظر الملاحدة للتاريخ باعتباره صورة للجرائم والحماقة وخيبة الأمل وقصته لا تعني شيئاً. المعرفة الدينية، في رأي الملاحدة، تختلف اختلافاً جذريًّا وكليًّا عن المعرفة بمعناها العقلي أو العلمي!! الإنسان مادة تنطبق عليه قوانين الطبيعة التي اكتشفتها العلوم كما تنطبق على غيره من الأشياء المادية. الحاجات هي التي تحدد الأفكار، وليست الأفكار هي التي تحدد الحاجات. نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي للتاريخ ونظرية فرويد في علم النفس ونظرية دارون في أصل الأنواع ونظرية دور كهايم في علم الاجتماع من أهم أسس الإلحاد في العالم .. وجميع هذه النظريات هي مما أثبت العلماء أنها حدس وخيالات وأوهام شخصية ولا صلة لها بالعلم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: الجذور الفكرية والعقائدية

سادسا: الجذور الفكرية والعقائدية نشأ الإلحاد الحديث مع العقلانية والشيوعية والوجودية. وقد نشر اليهود الإلحاد في الأرض، مستغلين حماقات الكنيسة ومحاربتها للعلم، فجاءوا بثورة العلم ضد الكنيسة، وبالثورة الفرنسية والداروينية والفرويدية، وبهذه الدعوات الهدامة للدين والأخلاق تفشى الإلحاد في الغرب، والهدف الشرير لليهودية العالمية الآن هو إزالة كل دين على الأرض ليبقى اليهود وحدهم أصحاب الدين!! هل يلتقي الإسلام مع الأنظمة الإلحادية؟ لقد زعم بعض الجهال أن بين الإسلام والأنظمة الإلحادية – الاشتراكية والشيوعية – تطابقا في أمور كثيرة خصوصا الاشتراكية حتى تجرأ بعضهم فرفع شعار "اشتراكية الإسلام " زاعما أنه لا تعارض في هذه الاشتراكية التي ألصقوها بالإسلام. وبين الإسلام وتعاليمه المشرقة إما جهلا وإما خداعا وتمويها – وهو الأغلب -. بل وبعضهم ينسبون هذه الاشتراكية الإلحادية إلى الصحابي الجليل أبي ذر رضي الله عنه ظلما ومنكرا من القول وزورا. والأدهى أيضا أنهم أخذوا يتكلفون الأدلة التي يزعمون أن الدين والإلحاد الشيوعي بينهما اتفاقات في أشياء كثيرة، وأن التقارب بينهما في الإمكان، يحدوهم في ذلك حبهم للإلحاد ورغبتهم في تقريبه إلى المسلمين خديعة ومكرا منهم بأهل الدين وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِه [فاطر:43] وسبب ذلك ما وجدوه من التشابه الظاهري في بعض الجزئيات فيما جاء به الدين الإسلامي وفيما جاء به الملاحدة متناسين أنه لا يمكن في بداهة العقول أن يجتمع الليل والنهار في وقت واحد وأن بين الإسلام والإلحاد الشيوعي الماركسي الاشتراكي من البعد أكثر مما بين السماء والأرض بل إن القول بالتقارب بينهما جريمة كبرى وافتراء عظيم فالإسلام له نظام وعقيدة ومعاملات تختلف تماما عن النظام الجاهلي الماركسي وغيره في العقيدة وفي السلوك وفي كل شيء وأن ما وجد من التشابه بين الإسلام والإلحاد ما هو إلا مثل التشابه في الأسماء بين المخلوقات حين يقال رأس الإنسان ورأس الجمل أو الكلب أو الجبل، أو التشابه بين الأسماء الموجودة في الجنة مما أخبر الله به وبين الأسماء الموجودة في الدنيا ثم كيف يتفق دين يؤمن بإله واحد يستحق العبودية وحده لا شريك له ويوجب التحاكم إلى شرعه وحده. ويجعل الناس في درجة واحدة أمام الخالق العظيم لا يتفاضلون عنده إلا بالتقوى كيف يتفق هذا مع دين لا يؤمن بإله واحد بل بآلهة عدة يعبد الناس فيه بعضهم بعضا ويشرع بعضهم للبعض الآخر، دين يجعل الظلم عدلا والحاكم ربا. أليس التوافق مستحيلا بعد وجود هذا التباين وغيره؟ بلى إنه من أشد وأعظم المستحيلات على الإطلاق بل لا ينبغي التفكير في هذا لأنه من وساوس الشيطان فإنه لا يتفق دين يجعل الإنسان مادة مثله مثل سائر الجمادات لا قيمة له ودين يجعل الإنسان مستخلفا في الأرض وكل ما فيها مسخر له وهو أكرم كل الموجودات على ظهر الأرض مميز بالعقل والتفكير وعناية الله به فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78]. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سابعا: الانتشار وأماكن النفوذ

سابعا: الانتشار وأماكن النفوذ انتشر الإلحاد أولاً في أوروبا، وانتقل بعد ذلك إلى أمريكا .. وبقاع من العالم. وعندما حكمت الشيوعية في ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي قبل انهياره وتفككه، فرضت الإلحاد فرضاً على شعوبه .. وأنشأت له مدارس وجمعيات. وحاولت الشيوعية نشره في شتى أنحاء العالم عن طريق أحزابها. وإن سقوط الشيوعية في الوقت الحاضر ينبئ عن قرب سقوط الإلحاد – بإذن الله تعالى. يوجد الآن في الهند جمعية تسمى جمعية النشر الإلحادية، وهي حديثة التكوين وتركز نشاطها في المناطق الإسلامية، ويرأسها جوزيف إيدا مارك، وكان مسيحيًّا من خطباء التنصير، ومعلماً في إحدى مدارس الأحد، وعضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وقد ألف في عام 1953م كتاباً يدعى: إنما عيسى بشر فغضبت عليه الكنيسة وطردته فتزوج بامرأة هندوكية وبدأ نشاطه الإلحادي، وأصدر مجلة إلحادية باسم إيسكرا أي شرارة النار. ولما توقفت عمل مراسلاً لمجلة كيالا شبدم أي صوت كيالا الأسبوعية. وقد نال جائزة الإلحاد العالمية عام 1978م ويعتبر أول من نالها في آسيا. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الإلحاد مذهب فلسفي يقوم على إنكار وجود الله سبحانه وتعالى، ويذهب إلى أن الكون بلا خالق، ويعد أتباع العقلانية هم المؤسسون الحقيقيون للإلحاد الذي ينكر الحياة الآخرة، ويرى أن المادة أزلية أبدية، وأنه لا يوجد شيء اسمه معجزات الأنبياء فذلك مما لا يقبله العلم في زعم الملحدين، الذين لا يعترفون أيضاً بأية مفاهيم أخلاقية ولا بقيم الحق والعدل ولا بفكرة الروح. ولذا فإن التاريخ عند الملحدين هو صورة للجرائم والحماقات وخيبة الأمل وقصته ولا تعني شيئاً، والإنسان مجرد مادة تطبق عليه كافة القوانين الطبيعية وكل ذلك مما ينبغي أن يحذره الشاب المسلم عندما يطالع أفكار هذا المذهب الخبيث. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - صراع مع الملاحدة، عبد الرحمن الميداني. - الملل والنحل، للشهرستاني ط. (1400هـ- 1980م). بتحقيق محمد سيد كيلاني، وهي طبعة فريدة – لمذاهب جديدة. - الفلسفات الكبرى، بياردو كاسيه – سلسلة زدني علماً- بيروت. - الإلحاد وعلاقته باليهود والنصارى، مقال للدكتور محمد بن سعد الشويعر، نشر بمجلة البحوث الإسلامية العدد 14. المراجع الأجنبية: - History of Philosophy by F.C. Copleston. Burns. London 1947. - Existentialism and Humanism by J.P. Sartre, London 1955. - History of Modern Philosophy by H. Hoffding. London 1956. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثلاثون: المنفعة

أولا: التعريف المنفعة مذهب أخلاقي اجتماعي لا ديني، يجعل من نفع الفرد والمجتمع مقياساً للسلوك، وأن الخير الأسمى هو تحقيق أكبر سعادة لأكبر عدد من الناس. وفي مجال الاقتصاد يقرر مذهب المنفعة أن قيمة السلعة تتوقف على قدر منفعتها وليس على نفقة العمل أو التكلفة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات تأسس مذهب المنفعة في إنكلترا ومن أبرز شخصياته: جيرمي بنتام 1748 – 1832م ويعد زعيم القائلين بمذهب المنفعة، ولد في لندن، وقدم نظريته في المنفعة في كتابه مقدمة لأصول الأخلاق والتشريع. جون ستيوارت ميل 1806 - 1873م وهو فيلسوف إنكليزي، ألف كتاب (مذهب المنفعة ونادى بالحرية الفردية). هربرت سبنسر 1820 – 1903م وهو فيلسوف إنكليزي قال بتطور الأنواع قبل دارون. ج. أ. مور 1873 – 1958م وهو فيلسوف إنكليزي – ألف كتاب (أصول الأخلاق) وأدخل تعديلات على مذهب المنفعة إذ قبل الرأي القائل بأن صواب أي فعل من الأفعال يتوقف على النتائج الحسنة والسيئة التي تترتب عليه. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات يعد مذهب المنفعة نظرية في الأخلاق، طبعت أتباعها بطابع مميز .. إذ كان كل همهم الاهتمام بالحياة الدنيا والاغتراف من لذاتها. ويمكن تلخيص أفكاره فيما يلي: إن صواب أي عمل من الأعمال، إنما يحكم عليه بمقدار ما يسهم في زيادة السعادة الإنسانية أو في التقليل من شقاء الإنسان، بصرف النظر عن السداد الأخلاقي لقاعدة ما، أو مطابقتها للوحي أو للسلطة أو للتقليد أو للحس الأخلاقي أو للضمير. اللذة هي الشيء الوحيد الذي هو خير في ذاته، والألم هو الشيء الوحيد الذي هو شرٌّ في ذاته، والسعادة تشمل اللذة والتخلص من الألم، وإن رجحان كفة اللذة قد يعود هو نفسه فيصبح مصدراً للمزيد من اللذة. يمكن دفع الناس إلى التصرف على نحو يؤدي إلى السعادة العامة من خلال ما يلي: 1 - القانون بقصاصه، والرأي العام بجزاءاته من ثواب وعقاب، فهما يحولان بين الناس وبين أن يأتوا من الأعمال ما يضاد الصالح العام. 2 - المنفعة الذاتية المستنيرة تدل الناس على أن الصالح العام ينطوي في أغلب الأحوال على منفعتهم الخاصة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية إن لنظرية المنفعة جذور في الفكر اليوناني، وعند الفيلسوف أبيقور 342 – 270 ق. م بشكل خاص. ويمكن في الوقت الحاضر أن نجد جذور مذهب المنفعة عند كل من: تومامس هوبز 1588 – 1679م الفيلسوف الإنكليزي الذي يرى أن كلمة خير يقصد بها الشهوة، وكلمة شر يقصد بها النفور. وجون لوك 1632 – 1704م الفيلسوف الإنكليزي وفرنسيس هتشون 1694 – 1747م الفيلسوف الأيرلندي، ونظريته في الحس الأخلاقي تعبر في بعض جوانبها عن مذهب المنفعة إلا أنها ترتكز على الدين. كما نجد جذور مذهب المنفعة أيضاً عند ديفيد هيوم 1711 – 1776م الفيلسوف الإنكليزي الذي يرى أنه لا شيء يؤثر في الفعل الإرادي غير اللذة والألم، وقد يكون التأثير مباشراً. وعندما جاء جيرمي بنتام مؤسس مذهب المنفعة، استفاد من كل من سبقوه منتهياً إلى نظرية متكاملة، في رأيه، ومستخدماً إياها على أوسع نطاق. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن المنفعة فكرة فلسفية لا تلتزم بالأصول الدينية، إذ تقيس صواب العمل بمقدار ما يحققه من منفعة وسعادة بصرف النظر عن توافقه مع الأخلاق أو مطابقته للدين، وترى أن كلَّ ما يُلزم به الدين، يمكن للقانون بقصاصه والرأي العام بجزاءاته أن يأتي به. ولا شك أن في هذا تجاوزاً يهدم أسس العقيدة ويحول المجتمعات إلى غابة تتصارع فيها المنافع بلا ضابط أو رابط. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه دار العلم – بيروت. - معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي مكتبة لبنان – بيروت – 1982م. - تاريخ الفلسفة الحديثة، د يوسف كرم. دار المعارف – القاهرة. المراجع الأجنبية: - The Utility of religion and Theism by John S. Mill Wath. London 1904. - On Liberty: representative Government and Utilitarianism by John s. Mill, London, New York 1954. - History of Philosophy by F.C. Copleston Burns, London 1947. - History of Modern Philosophy by H. Hoffding, London 1936. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الواحد والثلاثون: الوضعية

أولا: التعريف المذهب الوضعي مذهب فلسفي ملحد يرى أن المعرفة اليقينية هي معرفة الظواهر التي تقوم على الوقائع التجريبية، ولا سيما تلك التي يتيحها العلم التجريبي. وينطوي الذهن على إنكار وجود معرفة تتجاوز التجربة الحسية، ولاسيما فيما يتعلق بما وراء المادة وأسباب وجودها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات تأسس المذهب الوضعي في فرنسا على يد الفيلسوف كونت ومعظم من جاء بعده طبَّق منهجه في العلم والمعرفة. ومن أبرز شخصيات المذهب: أوغست كونت 1798 – 1857م وهو الفيلسوف الفرنسي المؤسس للمذهب، عمل أميناً للسر (سكرتيراً) للفيلسوف الاشتراكي سان سيمون وبدأ بإلقاء محاضرات عن فلسفته الوضعية سنة 1826م، ثم أصيب بمرض عقلي وحاول الانتحار .. وقد نشر كتابه بعد ذلك تحت عنوان: محاضرات في الفلسفة الوضعية بسط فيه نظريته في المعرفة والعلوم. نادى بضرورة قيام دين جديد هو الدين الوضعي يقوم على أساس عبادة الإنسانية كفكرة تحل محل الله – سبحانه وتعالى – في الأديان السماوية. سان سيمون .. وهو فيلسوف فرنسي اشتراكي النزعة .. في كتابه مقال في علوم الإنسان سنة 1813م أطلق كلمة وضعي على العلوم القائمة على الوقائع القائمة على الوقائع الخاضعة للملاحظة والتحليل، والعلوم التي لم تؤسس على هذا النحو يسميها العلوم الظنية. ريتشاد كونجريف .. وهو مفكر إنكليزي ناصر الوضعية واعتنق أفكارها. زكي نجيب محمود وهو مفكر عربي مصري، تبع الفلسفة الوضعية الملحدة، وتبنى أفكارها .. وألف كتاب (المنطق الوضعي). أ. إير فيلسوف إنجليزي. ب. برتراند راسل فيلسوف إنجليزي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات صاغ الفيلسوف الفرنسي كونت مبادئ وأفكار المذهب الوضعي، ثم بلور من جاء بعده من الوضعيين هذه الأفكار وسار على منهجها العلمي. - وهذه خلاصة لتلك الأفكار مع نقد المفكرين والفلاسفة لها: - استحوذت على تفكير كونت فكرة التقدم الإنساني. - وضع كونت قانون التقدم الإنساني، وهو قانون الحالات الثلاث الذي يتقدم العقل البشري بمقتضاه من المرحلة اللاهوتية إلي المرحلة الميتافيزيقية ثم إلى المرحلة الوضعية الأخيرة. وقد قسم كونت المرحلة اللاهوتية إلى ثلاث مراحل: المرحلة الوثنية – والمرحلة التعددية – والمرحلة التوحيدية وهي المرحلة الأخيرة التي بدأت بظهور النصرانية والإسلام. والمرحلة الوضعية بدأت بالثورة الفرنسية، وهي المرحلة التي تفسر الظواهر عن طريق الاستقرار القائم على الملاحظة. - ويطبق كونت هذا القانون في التطور على جميع العلوم الإنسانية والاجتماعية مثل الحضارة والسياسة والفن والأخلاق. · نقد القانون: - وقد نقد طائفة من المفكرين قانون الحالات الثلاثة بما يلي: 1 - يعتبر كونت أن الإنسانية كلٌّ لا يتجزأ وأنها خاضعة لقانون واحد بينما نجد أن هناك مجتمعات لا تسير في تطورها وتقدمها على نمط واحد في فهم وإدراك الظواهر. 2 - يختلف الطريق الذي سلكه العقل الإنساني عن ذلك الذي حدده كونت ففي كثير من الأمور كان الفهم الوضعي للأمور يسير مع الفهم الديني أو الميتافيزيقي؛ ففي مجال فهم الحقائق الرياضية والفلكية مثلاً أمور كانت تسير مع الفهم الديني قديماً. ولا تزال بعض المجتمعات تفسر الحقائق العلمية القائمة تفسيراً دينيًّا. على الرغم من أننا نجتاز حالياً المرحلة الوضعية في نظر كونت. 3 - لا يستمد قانون المراحل الثلاث حقائقه من التاريخ، وإنما هو فكرة فلسفية اختار لها كونت مجتمعات معينة حاول تطبيقها عليها دون استقراء لتاريخ المجتمعات الإنسانية. 4 - يفسر هذا القانون بأنه التقدم، بينما نجد الحضارة عبارة عن مستوى عام للحياة المادية والروحية للمجتمع دون النظر إلى تقدمها أو تأخرها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية لقد اعتبر فرنسيس بيكون 1561 - 1626م نفسه داعية للعلوم الجديدة، وهي العلوم التي كانت في طريقها إلى الانفصال عن الفلسفة في القرنيين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وربما عدّ بيكون بادئ الوضعية وواضع الاسم الذي سميت به في القرن التاسع عشر، ففي كتابه في (المبادئ والأصول) 1623م أطلق بيكون صفة وضعي على الحقائق الأولية التي يجب تقلبها إيماناً بصدق الخبرة. وقد كان بيكون موضع تقدير كبير من الفلاسفة التجريبيين في القرن التاسع عشر في كل من إنكلترا وفرنسا. وأصبحت كلمة وضعي تطلق على مناهج العلوم الطبيعية، نظراً لاعتماد هذه المناهج على الملاحظة واستخدمها للتجربة، ولقد سبق بيان كيف أن سان سيمون الذي عمل كونت في خدمته، قد أطلق كلمة وضعي في كتابه (مقال في علوم الإنسان) على العلوم القائمة على الوقائع الخاضعة للملاحظة والتجريب .. وقد اقتبس كونت هذه الأفكار وأقام عليها نظريته وقانونه الوضعي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ - زحف المذهب الوضعي من فرنسا إلي إنكلترا، واعتنق بعض الفلاسفة مبادئ المذهب الوضعي. إلا أن بعض كبار المفكرين والفلاسفة رفضوا متابعة كونت في مفهوم دين الإنسانية الذي وضعه، وبالرغم من ذلك فقد أُنشئت جمعيات وضعية في أجزاء مختلفة من العالم على غرار النموذج الذي أسسه كونت نفسه عام 1848م. وفي هذه الجمعيات كانت الإنسانية هي موضوع الشعائر الدينية، واتخذ من علم الاجتماع سنداً لمثل هذه الديانة الاجتماعية، وقويت هذه الحركة بصورة خاصة في أمريكا اللاتينية، ولكنها ازدهرت لعدة سنوات في إنكلترا - وقد صدرت المجلة الوضعية التي أطلق عليها فيما بعد اسم الإنسانية من عام 1893م إلي عام 1925م. وقامت محاولات لإحياء الوضعية في إنكلترا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، من خلال أعمال الفلاسفة الإنجليز إير وراسل. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن المذهب الوضعي مذهب فلسفي ملحد، يركز المعرفة اليقينية في الظواهر التجريبية، وينكر وجود معرفة مطلقة، ويقول إن التقدم بدأ في العلوم الطبيعية وبدأ ينتقل للعلوم الاجتماعية وأن العقل البشري يتقدم من المرحلة اللاهوتية الدينية إلي المرحلة الميتافيزيقية لكي يصل في النهاية إلى المرحلة الوضعية التي هي قمة التخلي عن كل العقائد الدينية. وبذا تتضح مخاطر هذا المذهب على كل مسلم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، وآخر- مطبعة التأليف والنشر- القاهرة 1978م. - معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي – مكتبة لبنان – بيروت. - تاريخ الفلسفة الحديثة، د. يوسف كرم- دار المعارف- القاهرة. - Course de Philosophies Positive Par A. Comte, Paris. 1830. - A Discourse on the Positive Spirit by A. Comte, Tr. S. Beesley. revers. London 1903. - Dialogues Concerning Natural religion by D. Hume. Ed. N. Kemp Smith O.V.P. Oxford 1935. - History of Philosophy by F.C. Copleston Burns. London 1947. - History of Modern Philosophy by H. Hoffding, London 1956. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثاني والثلاثون: المثالية

أولا: التعريف المثالية مذهب فلسفي يشمل جانباً كبيراً من المذاهب الميتافيزيقية (ما بعد الطبيعة أو الغيبية) وهي اتجاه فلسفي يبحث عن مسألة الوجود (أو الأنطولوجيا) في حين أن العقلانية اتجاه مذهبي يبحث في أصل المعرفة ويرد هذا الأصل إلى العقل فقط وينكر دور الحواس أو المعرفة القلبية أو المعرفة عن طريق الوحي، وعكس العقلانية التجريبية وهذه الأخيرة تعتمد على التجربة الحسية فقط من دون العقل المجرد. وعكس المثالية "المادية". والمثالية تعطي الأولوية في الوجود للروح على أن يكون وجود المادة ثانوياً في حين أن المادية تعطي الأولوية في الوجود للمادة، على أن تكون الروح انعكاساً للمادة وظلاً لها. وتقترب المثالية كثيراً من الفلسفة لأنها تبلور مباحث الفلسفة الثلاثة الرئيسية: الحق والخير والجمال. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات ظهرت المثالية في القرن الثامن عشر الميلادي، ومن أبرز الفلاسفة الذين أثروا في المذهب، وكان لهم تأثير كبير في مجرى الفكر الأوروبي عامة: جورج باركلي 1685 – 1753م وهو راهب أيرلندي، كان على جانب كبير من النشاط والجاذبية الفطرية والقدرة على الإقناع ويعد المؤسس الحقيقي للمثالية، وكانت أفكاره ذات تأثير كبير فيمن جاء بعده من المفكرين والفلاسفة. عمانوئيل كانت 1724 – 1804م وهو فيلسوف ألماني، ألف كتباً مشهورة أهمها نقد العقل الخالص ونقد العقل العملي، وكان يعتقد أن هناك حجة أخلاقية كافية للبرهان على وجود الله هي القانون الأخلاقي. جوهان فيشته 1762 – 1814م وهو فيلسوف ألماني، درس اللاهوت والفلسفة وتتلمذ على يد كانت وكان لخطبه الشهيرة في برلين بين عامي 1807 – 1808م عميق الأثر في إحياء بروسيا بعد هزائمها على يد نابليون بونابرت القائد الفرنسي الشهير. جورج فلهلم هيجل 1770 – 1831م وهو فيلسوف ألماني كان من أكبر الفلاسفة تأثيراً في فلسفات عدة مثل الوجودية والماركسية والذرائعية في مجال الديالكتيك (الجدل) وكان يعتقد أن الوجود المادي مظهر للروح. آرثر شوبنهور 1788 – 1860م وهو فيلسوف ألماني، تأثر كثيراً بفلسفة أفلاطون المثالية وكانت من كتبه العالم إرادة وفكرة وقد تأثر بالبوذية، لكنه لم يقبل مذهب تناسخ الأرواح. ت. هـ. جرين 1836 – 1924م وهو فيلسوف إنجليزي، أثر تأثيراً كبيراً في أكسفورد، واهتم بشكل خاص بالربط بين المثالية والنصرانية وبين المثالية والأفكار السياسية الحرة. ف. هـ. برادلي 1846 – 1924م وهو فيلسوف إنجليزي، قال بأنه ينبغي علينا افتراض وجود مطلق يجاوز نطاق الفكر. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات إن جوهر الحقيقة روحي، والروح لا تستطيع أن تدرك نفسها إلا في علاقتها بعنصر مادي موضوعي، وهذا هو علة وجود المادة أو كما قال هيجل: "المادة مظهر تتبدَّى به الروح". إن الأرواح هي الفاعل وهي التي تملك إرادة. إن الأشياء المادية المحسوسة ليست سوى مجموعات من الأفكار على حد تعبير باركلي أو من المعطيات الحسية على حد تعبير من جاءوا بعده. وإننا لا نستطيع أن نتصور الصفات التي ننسبها إلى الأشياء المادية مجردة من تجربتنا الحسية لها. إن الأشياء الطبيعية التي لا يدركها الإنسان موجودة في علم الله، (باركلي). إن معرفتنا مقتصرة على الظواهر، ولا نستطيع معرفة الأشياء في ذاتها، كانت. ترى المثالية أن الشر شيء عارض وعابر في الحياة؛ والأدب المثالي يحاول الكشف دائماً عن الطبيعة الخيرة والجميلة للإنسان. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية مؤسس المثالية جورج باركلي الفيلسوف الأيرلندي كان راهباً عاش طوال حياته متشبعاً بالفكر الديني مولعاً بالفلسفة والفكر اللاهوتي، ومدافعاً عن الإيمان الديني والإدراك الفطري السليم. فضلاً عن محاولته وهو في منتصف عمره، إقامة جامعة لتخريج مبشرين بالنصرانية. هذه الجذور الدينية العميقة كان لها أكبر الأثر في توجهه الفلسفي نحو القول بالمثالية. وأنه لا حقيقة إلا للروح ولخالقها، الله – تعالى- وأن الوجود المادي وجود ظاهري يحس به الإنسان ويدركه بعقله فقط. ويظهر الأثر المباشر لآراء باركلي في الفيلسوف كانت الألماني. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ انتشرت المثالية في أوروبا عامة وألمانيا بصفة خاصة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن المثالية مذهب فلسفي، يرى أن العقل هو أساس المعرفة وأنه هو الحقيقة النهائية، فالمادة مظهر تتبدّى فيه الروح، والأرواح هي الفاعل وهي التي تملك الإرادة، كما يقول المذهب النقدي عند الفيلسوف كانت. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه، دار القلم بيروت. - تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم – دار المعارف – القاهرة. - Dialogues between Hylar and Philonour by G. Berkeley, Collier, New York 1910. - Philosophy of right. G. Hegel, tr. T.M. Knox O.U.P. Oxford. 1942. - Hegel: A re – examination by J.N. Findlay, London 1958. - History of Philosophy by F.C. Copleston Burns. London 1947. - History of Modern Philosophy by H. Hoffoling, London 1956. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثالث والثلاثون: الوجودية

أولا: التعريف الوجودية اتجاه فلسفي يغلو في قيمة الإنسان ويبالغ في التأكيد على تفرده وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه. وهي فلسفة عن الذات أكثر منها فلسفة عن الموضوع. وتعتبر جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة التي تتعلق بالحياة والموت والمعاناة والألم، وليست نظرية فلسفية واضحة المعالم. ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: نشأة الوجودية

ثانيا: نشأة الوجودية الوجودية (¬1) رأي فلسفي قديم، والتفكير فيها كان قديماً عبر العصور الغابرة الممتدة في رحاب الزمن، فكانت في حياة البشرية يقظات وجودية، تهتف بأن الإنسان هو المشكلة الأساسية التى يجب أن يكون له أولوية الصدارة في الفكر الإنساني، وأن هذا الفكر يخطىء خطأً كبيراً عندما يمنح الأولوية في بحثه للفكرة المجردة، أو لبيان وجود العالم وتعليله، كما حدث في دولة اليونان قديماً، وفي إبان عصر النهضة في أوربا حديثاً. ومن أول هذه اليقظات الوجودية ما ينسب إلى سقراط؛ وذلك بمعارضته فلاسفة اليونان ممن كانوا يوجهون جُل اهتمامهم في البحث عن أصل المادة، أو في طبيعة الكون؛ حيث قعَّد لهم قاعدته المشهورة عندما قال: اعرف نفسك بنفسك. ومن بعد سقراط كان (الرواقيون) الذين فرضوا سيادة النفس، ومواجهة المصير على الإنسان الإغريقي الذي تجلد لتلاعب (السوفسطائيين) ولن يتراجع عن ما وطَّن نفسه عليه من البحث عن طبيعة النفس أمام المجادلات العقلية التي لاتكاد تكل أو تمل. ولقد جاءت الرسالات السماوية التي كرمت الإنسان، ووضعت له منهج حياته، وأوقفتهُ على حقيقة ذاته، فانصرفت البشرية إلى شرع الله، تهذب به سلوكها، وتنظم به حياتها، إلا من صُد عن ذلك السبيل. ولما جاء الإسلام وجدت البشرية في كتابه (القرآن) منهجاً متكاملاً عن النفس وطبائعها، والنفس وخصائصها، والنفس المطمئنة، والنفس المؤمنة، والنفس اللوامة، والنفس الأوابة، والنفس الأمارة بالسوء، ولم يهمل الإسلام العلاج إذا مرضت. قال الله عز وجل: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:7 - 8]. وقال: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27 - 28]. وقال: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1 - 2]. وقال- على لسان امرأة العزيز -: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53]. والنفس - كما يقرر الإمام ابن القيم -: قد تكون تارة أمارة، وتارة لوامة، وتارة مطمئنة. بل في اليوم الواحد، والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا، والحكم للغالب من أحوالها؛ فكونها مطمئنةً وصفُ مدحٍ لها، وكونُها أمارةً بالسوء وصف ذمٍّ لها، وكونها لوامةً ينقسم إلى المدح والذم بحسب ما تلوم عليه. (¬2).ويقرر أن النفس إذا سكنت إلى الله، واطمأنت بذكره، وأنابت إليه، واشتاقت إلى لقائه، وأنست بقربه - فهي مطمئنة (¬3). ولكن هذا لا يمنع من ضلال بعض البشر، ونفورهم من هدي الشرائع؛ حيث تظهر بين الفينة والأخرى دعواتٌ إلى التفلت والانحلال؛ فمرة تحمل اسم المانوية وتدعو الناس إلى الرهبنة والخلاص من هذه الدنيا، وتدين بالولاء لإلهين، وتصدق ببعض الرسل وتكفر ببعضهم الآخر، ومرة باسم المزدكية، ومرة باسم الباطنية، إلى غيرها من الدعاوى الهدامة. حتى أتى عصر النهضة وتخلص فيه رجال الفكر من سلطان الكنيسة، وتحرروا من ربقة الدين - أيضاً - وجاء بعض المفكرين كديكارت حيث جاء ليرفع قيمة العقل، ويقوض سلطان الكنيسة، ويطالب بتحكيم المنطق، ويرفض زيف المزيفين. ثم جاء (بسكال) ورفض أصول المذهب الديكارتي الذي عني فيه بالعلم، ولم يهتم بمصير الإنسان وحياته وموته إلا قليلاً. ويمكن الجزم بأن (بسكال) هو الذي رسم طريق الوجودية الحديثة، وخطط معالمها، ووضع الخطوط العريضة لهياكل نماذجها. ثم جاء (سورين كيركجورد) الذي يعده رجال الفكر في الغرب الأب الرسمي لمدرسة الوجودية. وقد كان متأثراً بالمبادئ النصرانية وعلى الأخص البروتستانتية، ولكنه مع هذا ظل مجهولاً نحو مائة سنة؛ إذ لم تُتَرْجَمْ آراؤه إلى الألمانية إلا في أوائل القرن العشرين، ولم يعرف في فرنسا إلا في عصر الاضطراب الذي حدث في الحربين العالميتين، ومن ثم تضافرت آراؤه مع كوارث الحرب، وآثارها في النفوس على ترعرع الوجودية وتفتيحها، خصوصاً في ألمانيا وفرنسا. وفي روسيا ظهر (بيرديائيف) و (شيستوف) و (سولوفييف) حيث ارتموا في أحضان الوجودية لأسباب منها: تَحَكُّمُ البابويةِ، وفَرْضُ الآراءِ التي لاتتفق مع العقل، إلى غير ذلك. ثم جاء بعد ذلك (جان بول سارتر) الذي يعد زعيم الوجودية في العصر الحديث، وهو أكثر الوجوديين شهرة ودعاية، فهو القدوة للمخدوعين بهذا الاتجاه. ولو استعرضنا حياة بعض رجال الوجودية لوجدنا أن العامل الأساسي لاندفاعهم في هذا الطريق هو تحكم رجال الكنيسة وطغيانهم ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 324 ¬

(¬1) ([275]) انظر ((فكرة القومية العربية في ضوء الإسلام)) (ص82). (¬2) ([276]) رواه البخاري (481) ومسلم (2585). (¬3) ([277]) رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) واللفظ له.

ثالثا: أقسام الوجودية

ثالثا: أقسام الوجودية قبل أن ندخل في تفاصيل الوجودية نتطرق أولا لما يذكره بعض العلماء حول قضية الوجود والعدم التي هي من الوضوح بحيث لا تخفى على أحد إلا أن عبث الفلاسفة وخيالاتهم التي تسرح هنا وهناك لم تقف بهم عند حد في إيراد الشبهات وهؤلاء يبحثون الواضح حتى يجعلونه غامضا بما يخترعونه من أفكار متضاربة واستنتاجات بعيدة وافتراضات خيالية، وحينما كان الناس على فطرتهم السليمة ما كانوا بحاجة إلى من يشرح لهم قضية الوجود والعدم لأنهم كانوا يحكمون على الموجود بأنه موجود وعلى المعدوم بأنه معدوم وأن الموجود هو مقابل المعدوم والمعدوم يقابله ضده الموجود. في بداهة لا تعرف التعقيد. كما أن كلمة "الوجود" لم يذكرها الله في القرآن الكريم ولا ذكر كذلك فكرة العدم بالمعنى الذي ذهب إليه الفلاسفة. وبتتبع الموجودات فإنك ستجد أن أول ما يظهر لك أنها تنقسم إلى قسمين: 1 - موجودات مشاهدة ومحسوسة. 2 - موجودات غير مشاهدة وإنما هي في الأذهان تسمى الموجودات العقلية أو المنطقية. وسارتر يرى أن العدم لا معنى له إلا من جهة ما هو نفي شيء أو فقدان شيء فلا وجود للعدم بذاته وإنما يعود إلى تصور الإنسان له والقصد هو إنكار الحياة الأخروية والإسلام يقرر أن فكرة العدم المحض بالنسبة للإنسان غير صحيحة بل إنه سيحيى حياة أخرى بعد نهاية حياته الدنيوية ويؤكد الله هذا في كثير من آيات القرآن الكريم ويؤكده نبيه صلى الله عليه وسلم في أكثر من نص في السنة النبوية (¬1). ¬

(¬1) ([278]) رواه البخاري (3518) ومسلم (2584).

رابعا: أسماء الوجودية وأوصافها الأخرى

رابعا: أسماء الوجودية وأوصافها الأخرى للوجودية أسماء كثيرة، وأشهرها هو: 1 - الوجودية. 2 - وتسمى - أيضاً - بفلسفة العدم. 3 - وفلسفة التفرد. 4 - والفلسفة الانحلالية. وأما أوصافها فقد وصفت بأنها: 1 - مرض العصر 2 - ومرض الإنسان في منتصف القرن العشرين. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 323

خامسا: التأسيس وأبرز الشخصيات

خامسا: التأسيس وأبرز الشخصيات يرى رجال الفكر الغربي أن سورين كيركجورد 1813 – 1855م هو مؤسس المدرسة الوجودية. ومن مؤلفاته: رهبة واضطراب. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي جان بول سارتر (¬1): هذا الرجل يعد أكثر الوجوديين شهرة، وهو يهودي فرنسي، فيلسوف وأديب، من فلاسفة القرن العشرين، ولد سنة 1905م بباريس. ولما نشأ بدأ دراسته في مدينة (لاردشيل) ثم أتمها في باريس، وقد أخذ شهادة في الفلسفة في سنة 1929، ثم عين أستاذاً للفلسفة في مدينة (لان) في (ليهافر). وقد اجتذبته الفلسفة الألمانية، فسافر إلى (برلين)، ومكث فيها سنة على نفقة المعهد الفرنسي. وقام سنة 1938م بنشر مؤلفه الأول، أو روايته الأولى (الغثيان) التى تشتمل على كثير من معالم النظريات الوجودية، التي أعلنها فيما بعد واضحة صريحة. وفي سنة 1939 نشر مجموعة قصص عنوانها (الحائط). وعندما اشتعل لهيب الحرب العالمية الثانية جُنِّد في التعبئة العامة، ثم أسر في سنة 1940م من قبل الألمان، وبعد أن أطلق سراحه اشترك في حركة المقاومة، وأنشأ سنة 1950مجلة (العصور الحديثة) التي تتضمن أبحاثاً وجودية في الأدب والسياسة. وقد أطلق كلمة (وجودية) على فلسفته فقط دون فلسفات الوجودية. هذا وقد كتب عدداً من المؤلفات مثل: 1 - الغثيان 1938م. 2 - المتخيل 1942م. 3 - مسرحية الذباب 1943م. 4 - مسرحية الباب المغلق 1943م. 5 - الكينونة والعدم 1943م. 6 - مسرحية الأيدي القذرة 1948م. وقد لقيت مؤلفاته رواجاً جعله الممثل الأول للوجودية، وقد ترجمت إلى لغات عديدة. أما حياته الشخصية فإنها تحمل طابعاً شاذاً. وقد نشرت الصحف أنه اشترك في مظاهرات يهودية صهيونية في فرنسا، وحملات تبرع لإسرائيل في الستينيات كان شعارها: ادفع فرنكاً فرنسياً تقتل عربياً (أي مسلماً). وحين حضره الموت 1979م سأله من كان عنده: ترى إلى أين قادك مذهبك؟ فأجاب في أسىً عميق ملؤه الندم: إلى هزيمة كاملة. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 329 ومن رجالها كذلك: القس كبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والنصرانية. كارل جاسبرز: فيلسوف ألماني. بسكال بليز: مفكر وفيلسوف فرنسي. وفي روسيا: بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييف. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي ¬

(¬1) ([279]) رواه الطبري في ((التفسير)) (6/ 56) بإسناد فيه راو مبهم.

سادسا: أهداف الوجودية ([280]) رواه البخاري (3518).

سادسا: أهداف الوجودية (¬1) الوجودية دعوة قديمة، تظهر في صور براقة، ويستعمل في الدعاية لها كافة الوسائل. وحيث وجَدْتَ فكراً يهدف إلى هدم الدين، أو الأخلاق، أو النظم الاجتماعية أو السياسية الصالحة - فابحث عن الأصابع اليهودية تجدْها وراءه. وسارتر واحد من قافلة اليهود، الذين حملوا على عواتقهم رسالة تضليل الناس، وإغوائهم على منهج إبليس؛ لتحقيق أهداف اليهود العالمية، التي رسمتها بروتوكولات أحبارهم الذين مردوا على كل إثم وشر وتضليل. وأهداف سارتر لا تخرج عن أهداف فرويد (¬2)، ودوركايم (¬3) وبرجسون (¬4). ومن الأهداف التي قامت لأجلها الوجودية ما يلي: 1 - تحطيم القيم والأخلاق، والخروج على المبادئ والتمرد على المسلمات والثوابت. 2 - إشاعة الرذيلة والإباحية بين الشباب والشابات. 3 - رد الناس عن أديانهم أوتشكيكهم في عقائدهم. 4 - السخرية من دعوة الرسل. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 330 ¬

(¬1) ([280]) رواه البخاري (3518). (¬2) ([281]) رواه البخاري (4905) ومسلم (2584). (¬3) ([282]) الحديث بهذا اللفظ لم نجده، لكن أخرج ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (4/ 225) حديثا بلفظ ((وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم)) وقال: هذا حديث مرسل وهو مع إرساله غريب. (¬4) ([283]) من شعر أبي فراس الحمداني.

سابعا: الأسباب التي دعت إلى ظهور الوجودية

سابعا: الأسباب التي دعت إلى ظهور الوجودية هناك أسباب كثيرة أدت إلى قيام الوجودية، وتلك الأسباب في الأغلب هي التي أدت إلى قيام كثير من الحركات والمذاهب الفكرية. وفيما يلى إجمال لتلك الأسباب التي أدت إلى قيام الوجودية: 1 - أنها ردة فعل للماركسية: التي ترى أن الإنسان ليس إلا قطعة في الآلة الكبيرة التي هي المجتمع؛ فليس للفرد عندها أي قيمة. 2 - الطغيان الكنسي: وتحكم البابوات في شؤون الناس، وفرض الآراء التي لا تتفق مع العقل والفطرة، وادعاؤهم أن تلك الآراء هي الدين. 3 - حدوث الحروب المدمرة: وخصوصاً الحرب العالمية الثانية، التي ذاقت البشرية ويلاتها، حيث دَمَّرت المدن، ومَزَّقت الأسر، وألقت بالآلاف في لهيب الدمار، والموت. 4 - الخواء الروحي: الموجود في كثير من بلدان العالم، مما يجعل الناس يقبلون أي نحلة، فهم كلما خرجوا من نفق مظلم دخلوا في نفق أشدَّ حلوكةً وظلمة منه. 5 - غياب المنهج الصحيح: الذي يُعنى بجميع جوانب الحياة سواء كانت اجتماعية أو فردية أو غير ذلك، وهو الإسلام الذي أَفَلَتْ شمسه في أوربا، مما جعل الناس يتخبطون، ويبحثون عن الحل، فلا يجدونه. 6 - تقصير أمة الإسلام في أداء رسالتها: فهي الأمة القوامة، وهي الأمة الشاهدة على الناس، فلمَّا قصرت في أداء واجبها تجاه البشرية تاهت البشرية في دياجير الظلمة. 7 - المكر اليهودي: الحاقد على البشرية، والذي كان له دور في قيام الوجودية؛ فاليهود إما أن يتبنوا كل مذهب خبيث، أو يعملوا على إنشائه. ومن هذه المذاهبِ الوجوديةُ حيث دعمتها الصهيونية دعماً كاملاً، والدليل على ذلك أن الصفحات التى كتبها (كيركجورد) ظلت مغمورة لمدة مائة سنة حتى أخرجتها الصهيونية التلمودية، وأذاعتها، وترجمتها. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 331

ثامنا: أسباب انتشار الوجودية

ثامنا: أسباب انتشار الوجودية ولسائل أن يسأل بإلحاح فيقول إذا كانت آراء الوجودية بهذه الضحالة والسخافة فكيف انتشرت وكيف تقبلها الناس؟ والجواب: إنه بالتأكيد أن آراء الوجودية في غاية السخافة والبطلان ولكن لا يغيب عن ذهن السائل أن لكل صائح صدى أو كما قال الشاعر: لكل ساقطة في الحي لاقطة. وبداهة يعلم أن الذين تقبلوها ونشروها إنما يريدون من ورائها ما أراد مؤسسوها الأوائل من إشاعة الإلحاد وهدم الأخلاق والأديان أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:53]. وأول ما يدل على بطلانها وسخافتها موقف دعاتها من وجود رب العالمين الذي يدل على وجوده جميع ذرات هذا الكون سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا لكنه خفي في أذهانهم حين استبعدهم إبليس وجنوده وقد حدثت أمور خطيرة استفاد منها الوجوديون في ترويج أفكارهم وذلك أن بشاعة الحروب العالمية وغيرها وأخطارها وما كانوا ينتظرونه من ظهور الفتن المتتابعة وتسلط الكنيسة وطغيانها وكذا ما تدعو إليه الوجودية من الانطلاق واهتبال الشهوات وتهوين أمر الفواحش وأنها المنقذ الوحيد من الشقاء فتلقفها الشباب والشابات والمراهقين والمراهقات على أنها حقيقة يجب أن تطبق فانتشرت الفوضى الجنسية والإباحية التي لا حدود لها ضاربين بكل القيم والمثل الدينية والاجتماعية عرض الحائط. كما أن اليأس الذي كان يعيشه الأوربيون والبطالة الشديدة والاستغلال الجشع من قبل أصحاب الأموال مع جهل مطبق بالدين الحق كل هذه كانت روافد لتقبل المحرومين والمترفين على حد سواء للأفكار الوجودية. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 867

تاسعا: الأفكار والمعتقدات

تاسعا: الأفكار والمعتقدات يكفرون بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات وكل ما جاءت به الأديان ويعتبرونها عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل. وقد اتخذوا الإلحاد مبدأ ووصلوا إلى ما يتبع ذلك من نتائج مدمرة. يعاني الوجوديون من إحساس أليم بالضيق والقلق واليأس والشعور بالسقوط والإحباط لأن الوجودية لا تمنح شيئاً ثابتاً يساعد على التماسك والإيمان وتعتبر الإنسان قد أُلقي به في هذا العالم وسط مخاطر تؤدي به إلى الفناء. يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة. يعتقدون بأن الإنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإنسان سابق لماهيته. يعتقدون أن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإنسان. يقولون: إنهم يعملون لإعادة الاعتبار الكلي للإنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره. يقولون بحرية الإنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء. يقولون: إن على الإنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية. يقول المؤمنون منهم إن الدين محله الضمير أمَّا الحياة بما فيها فمقودة لإرادة الشخص المطلقة. لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين. أدى فكرهم إلى شيوع الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية والتحلل والفساد. رغم كل ما أعطوه للإنسان فإن فكرهم يتسم بالانطوائية الاجتماعية والانهزامية في مواجهة المشكلات المتنوعة. الوجودي الحق عندهم هو الذي لا يقبل توجيهاً من الخارج إنما يسيِّر نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود. لها الآن مدرستان: واحدة مؤمنة والأخرى ملحدة وهي التي بيدها القيادة وهي المقصودة بمفهوم الوجودية المتداول على الألسنة فالوجودية إذاً قائمة على الإلحاد. الوجودية في مفهومها تمرد على الواقع التاريخي وحرب على التراث الضخم الذي خلفته الإنسانية. تمثل الوجودية اليوم واجهة من واجهات الصهيونية الكثيرة التي تعمل من خلالها وذلك بما تبثُّه من هدم للقيم والعقائد والأديان. الجذور الفكرية والعقائدية: إن الوجودية جاءت كردِّ فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإنسان بشكل متعسف باسم الدين. تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة. تأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة "اعرف نفسك بنفسك". تأثروا بالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس. كما تأثروا بمختلف الحركات الداعية إلى الإلحاد والإباحية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

عاشرا: الانتشار ومواقع النفوذ

عاشرا: الانتشار ومواقع النفوذ ظهرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ثم انتشرت في فرنسا وإيطاليا وغيرهما. وقد اتخذت من بشاعة الحروب وخطورتها على الإنسان مبرراً للانتشار السريع. وترى حرية الإنسان في عمل أي شيء متحللاً من كل الضوابط. وهذا المذهب يعد اتجاهاً إلحاديًّا يمسخ الوجود الإنساني ويلغي رصيد الإنسانية. انتشرت أفكارهم المنحرفة المتحللة بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وأمريكا وغيرها حيث أدت إلى الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

حادي عشر: الوجودية في بلاد الإسلام ([284]) انظر ((حركات ومذاهب في ميزان الإسلام)) (ص97)

حادي عشر: الوجودية في بلاد الإسلام (¬1) عندما نسي المسلمون حظاً مما ذكروا به، وقصروا في تبليغ دينهم، وزهد كثير منهم في الأخذ به ودعوة الناس إليه - أصبحوا عُرْضَةً لكل عدو، وغرضاً لكل دخيل، فهوجموا في عقائدهم، وأخلاقهم، حتى ضعف قدر الإسلام في قلوب كثير من أبنائه، مما جعل كثيراً من الببغاوات والمنهزمين يأخذون بهذه الفكرة الخبيثة، وذلك ناتج عن الولع بالغرب، والتقليد الأعمى، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، حتى إن المذاهب في الغرب تموت ولها في الشرق دعاة يهتفون لها؛ فقد تخلى سارتر عن وجوديته، ولازال بعض أولئك بوجوديته متعلقاً. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 333 ¬

(¬1) ([284]) انظر ((حركات ومذاهب في ميزان الإسلام)) (ص97)

ثاني عشر: بطلان الوجودية

ثاني عشر: بطلان الوجودية بيان بطلان الوجودية لا يحتاج إلى كبير جهد؛ ففسادها يغني عن إفسادها، وتصورها كافٍ في الرد عليها. يقول الأستاذ عبدالرحمن الميداني: لا تحتاج آراء سارتر، وكذلك كل آراء الوجودية الملحدة إلى جهد كبير لتفنيدها، وكشف زيوفها؛ فهي أقل من أن توضع بين الفلسفات التى تستحق المناقشة، والاعتراض، والنقد. ولولا أنها كتبت بأيدي رجال متخصصين في دراسة الفلسفة، ثم قامت منظمات ذات مخططات سياسية عالمية هدامة بترويجها في أسواق الفارغين من العقول لنشر الإلحاد بالله، وتدمير الأخلاق، وسائر القيم الصحيحة عن طريقها - لما كان لها شأن يذكر، ولما رفعها أحد من مجمع قمامات الآراء لينظر إليها، ويفحص ماهيتها، ولما شُغل بقراءة كتبها مشغولون حريصون على أوقاتهم أن تضيع سدى في قراءة كلام هراء متهافت سخيف لا قيمة له لدى أهل الفكر والنظر (¬1). وفيما يلي ذكر لبعض الأمور التي يتبين من خلالها بطلان الوجودية وزيفها: 1 - بطلان قولها بإنكار الخالق: فالوجودية أنكرت وجود الخالق - عز وجل - وهذا الأمر منقوض بالشرع، والعقل، والفطرة، والحس. فهذه كلها تدل على وجود الله - عز وجل -. أما دلالة الشرع على وجود الله فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، فما جاءت به من العقائد الصحيحة، والأخلاق القويمة، والأحكام العادلة - دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح عباده. وأما دلالة العقل فلأن المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق؛ إذ لا يمكن أن تُوجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة؛ لأن الشيء لايخلق نفسه، ولأن كل حادث لا بد له من مُحدِث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض - يمنع منعاً باتاً أن يكون وجودها صدفة. إذا تقرر ذلك تَعَيَّن أن يكون لها مُوجد وهو الله رب العالمين، وبطل القول بإنكاره - عز وجل - (¬2). وأما دلالة الفطرة على وجود الله فلأن كل مولود قد فُطر وجُبل على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكيرٍ أو تعليم. ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها (¬3). قال النبي ": ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه (¬4). أما دلالة الحس على وجود الله فلأن كل ما في الكون شاهد ودليل على وجود الله - عز وجل -. فكيف يأتي جاهل سفيه موتور كفور فينكر وجود الله - عز وجل - بجرة قلم؟! ومن أدلة الحس إجابة الدعوات، ومعجزات الأنبياء، ودلالة الأنفس، والآفاق ونحو ذلك. (¬5) 2 - بطلان دعواهم إلى الحرية المطلقة: فلقد دعا الوجوديون إلى الحرية المطلقة زعماً منهم بأن هذا هو الطريق الوحيد لأن يثبت الإنسان وجوده. ويقال لهؤلاء: ما مفهوم الحرية عندكم؟ أهي على حساب حريات الآخرين؟ أم على حساب القيم والمبادئ؟ وهل الإنسان إذا أطلق العنان لنفسه وشهواته يكون حراً فيثبُت وجوده من خلال ذلك؟ ¬

(¬1) ([285]) رواه البخاري (2/ 661) ومسلم (2/ 1147). (¬2) ([286]) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (130 - 133). (¬3) ([287]) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (130 - 133). (¬4) رواه مسلم (1817). (¬5) رواه البخاري (4686) ومسلم (2583).

الجواب أن هذا فهم خاطىء للحرية؛ فهي لا تكون بإطلاق الشهوات، ولا تكون على حساب الآخرين، فإذا لم تضبط بالشرع أصبحت البشرية كقطيع من البهائم السائبة، لايردعها دين، ولا يزُمُّها حياء، ولا يحكمها عقل. وإذا كانت الغاية من الوجودية هي أن تحقق للإنسان وجوده فإن ذلك مقرر في الإسلام في إطاره الطبيعي، وضوابطه الأصلية، التي تحمي وجوده وكيانه، وليس للإنسان أن يطلق العنان لتحقيق شهواته فيدمر نفسه ويدمر الآخرين (¬1). ثم إن الإنسان - أي إنسان - عبد، لا ينفك عن هذه العبودية طرفة عين. فإذا رضي بعبودية الله - تحرر مما سواه، وإلا تناوشته سائر العبوديات، فصار عبداً للشهوة، أو عبداً للشهرة، أو عبداً للمال أو المنصب، أو عبداً للطواغيت، ونحو ذلك. ثم إن الحرية المطلقة سبب للشقاء، والدمار، والتفكك، والانهيار. ولا أدل على ذلك من حال الدول التي يشيع فيها هذا النوع من الحرية؛ فهي تعاني الأمرَّين من السرقة، والشذوذ، والأمراض الجنسية، والانتحار، وما جرى مجرى ذلك مما يطول ذكْرُه. 3 - قيامها على التناقض والجهل، ومخالفتها للثوابت: فمما يكشف زيف الوجودية أنها قامت على التناقض، والجهل، ومخالفة العلم والعقل، والحقائق الثابتة. فلقد قدم سارتر وسائر الوجوديين آراءهم على أنها أحكام تقريرية، دون أن تُؤيد بدليل علمي، أو حسي، أو واقعي. فما قيمة آراء وأفكار من هذا القبيل؟! إن أي صاحب خيال يستطيع أن يقول أيَّةَ فكرةٍ تخطر في وهمه، فيزينها بصبغة كلامية، ويزوقها بزخرف من القول، ثم يطرحها في ميادين الفكر، ويجعلها مذهباً فكرياً. ولكن عند النظر فيها لا يثبت لها قدم، ولا يستوي لها ساق. وكما قدم الوجوديون أحكاماً تقريرية بدون أي دليل - أنكروا حقائق يشعر بها الناس جميعاً بدون أي دليل (¬2).ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع الوجودية إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار (¬3). 4 - شذوذ روادها وانحرافهم: فلقد قامت الوجودية على أيدي دعاة كانوا جميعاً من الشذاذ، وكانت حياتهم مليئة بالاضطرابات والقلق. وهذا مما يدل على بطلانها؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. ثم إن كتابات أربابها كانت متسمة بالانحراف والسقوط؛ فهم يُعَنْوِنُونها دائماً بعنوانات ساقطة، ينفر منها الذوق السليم، وتأباها الفطرة القويمة. ومن مقالاتهم في ذلك: القلق، الحائط، الذباب، الغثيان، التمزق، اللامعقولية (¬4). ولا غرو في ذلك؛ فكل إناء بما فيه ينضح. 5 - آثارها ونتائجها المدمرة: وهذا يدل بجلاء على فساد تلك الفكرة وزيفها؛ ذلك أنها قامت - فيما تزعم - من أجل إسعاد الفرد، ورد اعتباره. فما النتيجة التي حصلت بالدعوة إليها؟ وماذا حدث من جراء اعتناقها؟ النتيجة كما قيل: تلك آثارنا تدل علينا. فلقد انتشر التشاؤم والقلق، والحيوانية، والضياع، والخوف الرهيب، والانتحار والتمرد، والأنانية المفرطة. أضف إلى ذلك ضياع المشاعر الإنسانية، كالمحبة، والرحمة، والإيثار، ونحو ذلك كلها ضاعت في مستنقع الوجودية الآسن. ¬

(¬1) رواه أحمد (4/ 411) (23536) قال الهيثمي في ((المجمع)) (3/ 266) رجاله رجال الصحيح، وقال ابن تيمية في ((الاقتضاء)) (69) إسناده صحيح، والحديث أورده الألباني في ((الصحيحة)) (2700). (¬2) رواه مسلم (2577). (¬3) (ص 279) من الطبعة الثامنة. (¬4) رواه مسلم (2865) وهذا الحديث دليل على ذم العرب ما لم يكن معهم إسلام.

يقول (بوخينسكي) أستاذ الفلسفة بجامعة (فريبورج) بسويسرا بعد عرضه آراء سارتر في الوجودية: وليس في وسعنا هنا سوى الاقتصار على ذكر النتائج الأخلاقية التي ترتبت على هذه الفلسفة، والتي تمثلت في نكران كل القيم، وكل القوانين الموضوعة، وهي ادعاء عدمية واستحالة وعدم جدوى الحياة الإنسانية. بل إن الوجودية قد أفرغت حتى ظاهرة الموت نفسها من معناها على يد سارتر. ومن نتائج الوجودية - أيضاً - دعوتها إلى التشكيك في جدوى قيام كل ما يتسم بروح الجد وطابعه، فهي فلسفة انحلالية عدمية تماماً (¬1). 6 - وبالجملة: فليست الوجودية كما حددها سارتر سوى صورة من صور الضياع؛ فهي ليست إلا ثورة سلبية يائسة، لم تستطع أن تشخص الداء فضلاً عن تقديم الدواء. وكل ما تستطيع أن تقول بصدق: إن ما قدمته الوجودية للإنسانية هو عرض بعض جوانب المأساة البشرية، تلك المأساة التي تعبر عنها جملة واحدة هي: (البحث عن الإله). فهي ترفض الإيمان بالله كما يبينه الدين، ولكنها لا تجد البديل. والإنسان الذي تحاول تأليهه محصورٌ مقهور أمام القدر الكوني، وأمام وضعه التاريخي المحدد. وحول إيجاد مخرج من هذا التناقض تأتي الفلسفات الوجودية بشعارات شتى كالحرية عند سارتر، والعبث عند البيركامو، وهكذا ضلوا وأضلوا، وشقُوا وأشقوا. وصدق الله إذ يقول: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:123 - 126] ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 336 ¬

(¬1) ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (3/ 1068).

ثالث عشر: تبرؤ عبد الرحمن بدوي من الوجودية

ثالث عشر: تبرؤ عبد الرحمن بدوي من الوجودية حوار مع عبدالرحمن بدوي قبل وفاته بشهر أجرته مجلة الحرس الوطني عدد 244 تاريخ 1/ 10/2002م هل تبرأت من كتاباتك السابقة عن (الوجودية) و (الزمن الوجودي) وعن كونك رائد الوجودية في الوطن العربي؟!! - نعم .. أي عقل ناضج يفكر لا يثبت على حقيقة واحدة. ولكنه يتساءل ويستفسر ويطرح أسئلته في كل وقت، ويجدد نشاطه باستمرار ولهذا فأنا في الفترة الحالية أعيش مرحلة القرب من الله تعالى، والتخلي عن كل ما كتبت من قبل، من آراء تتصادم مع العقيدة والشريعة، ومع الأدب الملتزم بالحق والخير والجمال. فأنا الآن .. هضمت تراثنا الإسلامي قراءة وتذوقاً وتحليلاً وشرحاً، وبدا لي أنه لم يتأت لأمة من الأمم مثل هذا الكم الزاخر النفيس من العلم والأدب والفكر والفلسفة لأمة الضاد!!. كما أني قرأت الأدب والفلسفات الغربية في لغاتها الأم مثل الإنجليزية والفرنسية واللاتينية والألمانية والإيطالية، وأستطيع أن أقول إن العقل الأوروبي لم ينتج شيئاً يستحق الإشادة والحفاوة مثلما فعل العقل العربي!!. وتبين لي- في النهاية - الغي من الرشاد، والحق من الضلال. مشروعات قادمة: وماذا تنوي أن تقدم من مشاريع فكرية في المستقبل؟ وهل ستعود إلى باريس ثانية؟!!. - مشاريعي الفكرية القادمة إن شاء الله .. تتجه وجهة فكرية أخرى، تميل إلى الأصالة بعد أن افتضحت "المعاصرة" وعَرَاها الجحود والتخلف والتعقيد. وأنا من الباحثين عن أسس مرجعية للحضارة الإسلامية، وبصدد تأليف كتاب يكون مرجعياً لمعالم الحضارة في الإسلام، سماتها، أسماؤها، معالمها، اتجاهاتها، شخصياتها، أبرز علمائها .. إلخ. وهناك كتاب آخر عن الأدب والعقيدة دراسة في نماذج مختلفة. وغير ذلك من الموضوعات التي تمتاح من الأصالة وتتعمقها وتتشربها أصلاً ونبراساً وطريقاً لا مناص ولا محيد عنه. وربما أعود لباريس ثانية. وما رأيك في الحداثة بعد أن افتضح أمرها، وثارت حولها القصص والحكايات بشأن التمويل والعلاقات المشبوهة مع المخابرات الغربية؟!!. الحداثة ماتت في الغرب في السبعينات، لكننا أحييناها على ترابنا، وفي جامعاتنا ومعاهدنا، وفى منتدياتنا الفكرية والثقافية والأدبية. وعادينا من أجلها تراثنا العظيم، وشعرنا العمودي، وفكرنا القويم. وخضنا بسببها حروباً طاحنة واشتباكات فكرية لا طائل من ورائها!!. ولم يفطن أدباؤنا ولا مفكرونا إلى حقيقتها وإلى أوزارها ومساوئها إلا بعد صدور هذا الكتاب (الحرب الباردة الثقافية) .. دور المخابرات المركزية الأمريكية في الثقافة والفن" الذي أحدث صدمة قوية بالنسبة لهؤلاء المتغرّبين، فاقتنعوا أخيراً بما كنا نقوله من قبل!!. وحش العولمة!! يهاجم الجميع العولمة لما يكتنفها من هيمنة وغزو وسيطرة، ومحق لثقافات وتوجهات وهويات الآخرين الحضارية .. فما رأيك في ذلك؟!!. -العولمة .. شبح يريد الفتك بنا جميعاً فهي وحش كاسر يتربص بالعالم كله، لكي يستحوذ عليه ثقافياً وفكرياً وحضارياً واقتصادياً وعسكرياً، وهى استعمار جديد، وهيمنة غربية على مقدرات العالم، ولعقوله وأفكاره وأمواله!!. ويجب أن نتصدى لها وأن نفيق لمخططاتها الجهنمية!!. وهل تقدرون مغبة عودتك الحميمة للإسلام، بالنسبة للحداثيين والعلمانيين الذين سيشنون حرباً شرسة ضدكم؟ - ما دمت قد هاجمت الأصلاء وعرضت بهم وبإنتاجهم لسنين وسنين، فما المانع أن أذوق من نفس الكأس، وأن أشرب منه، بعد أن تسببت في تجرع الكبار من هذا الكأس من قبل؟! وأنا سعيد بأن يهاجمني الوجوديون والعلمانيون والشيوعيون، لأن معنى ذلك أني أسير على الحق، وأنني على صواب. ولا أكترث بما يكتبون، لأن القافلة تسير، والكلاب تنبح!!.

رابع عشر: حكم الوجودية والانتماء إليها رواه البخاري (6117) ومسلم (37) واللفظ له.

رابع عشر: حكم الوجودية والانتماء إليها (¬1) عُرض موضوع الوجودية على مجلس المجمع الفقهي في دورته المنعقدة في 26/ 4/1399هـ - 4/ 5/1399هـ، وأصدر بذلك قراراً حول الوجودية وهذا نصه: الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد: فقد درس مجلس المجمع الفقهي البحث الذي قدمه الدكتور محمد رشيدي عن (الوجودية) بعنوان (كيف يفهم المسلم فكرة الوجودية)، وما جاء فيه من شرح لفكرتها، ولمراحلها الثلاث التي تطور فيها هذا المذهب الأجنبي إلى ثلاثة فروع تميز كل منها عن الآخر تميزاً أساسياً جذرياً، حتى يكاد لا يبقى بين كل فرع منها والآخر صلة أو جذور مشتركة. وتبين أن المرحلة الثالثة رجعت بفكرة الوجودية إلى إلحاد انحلالي يستباح فيه تحت شعار الحرية كل ما ينكره الإسلام والعقول السليمة. وفي ضوء ما تقدم بيانه يتبين أنه حتى فيما يتعلق بالمرحلة الثانية المتوسطة من هذه الفكرة، وهي التي يتسم أصحابها بالإيمان بوجود الخالق، والغيبيات الدينية، وإن كان يقال إنها رد فعل للمادية والتكنولوجيا والعقلانية المطلقة. وكل ما يمكن أن يقوله المسلم عنها في ضوء الإسلام هو أن هذه المرحلة الثانية منها، أو عقيدة الفرع الثاني من الوجودية - رأي أصحابها في الدين على أساس العاطفة دون العقل - لا يتفق مع الأسس الإسلامية في العقيدة الصحيحة، المبنية على النقل الصحيح، والعقل السليم في إثبات وجود الله - تعالى – وما له من الأسماء والصفات، وفي إثبات الرسالات على ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد ". وبناء على ذلك يقرر مجلس المجمع بالإجماع: إن فكرة الوجودية في جميع مراحلها وتطوراتها وفروعها لا تتفق مع الإسلام؛ لأن الإسلام إيمان يعتمد النقل الصحيح، والعقل السليم معاً في وقت واحد. فلذا لا يجوز للمسلم بحال من الأحوال أن ينتمي إلى هذا المذهب متوهماً أنه لا يتنافى مع الإسلام، كما أنه لا يجوز بطريق الأولوية أن يدعو إليه أو ينشر أفكاره الضالة. الرئيس/ عبدالله بن حميد نائب الرئيس/ محمد علي الحركان الأعضاء: 1 - عبد العزيز بن باز. 2 - محمد السبيل. 3 - صالح بن عثيمين. 4 - محمد عبد الودود. 5 - حسين مخلوف. 6 - عبد المحسن العباد. 7 - مصطفى الزرقاء. 8 - محمد قباني. 9 - اللواء محمود شيت خطاب. 10 - محمد رشيدي 11 - محمد الشاذلي. 12 - محمد الصواف. 13 - عبد القدوس الهاشمي. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 342 ¬

(¬1) رواه البخاري (6117) ومسلم (37) واللفظ له.

الخلاصة

الخلاصة أن الوجودية اتجاه إلحادي يمسخ الوجود الإنساني ويلغي رصيد الإنسانية من الأديان وقيمها الأخلاقية. وتختلف نظرة الإسلام تماماً عن نظرية الوجودية حيث يقرر الإسلام أن هناك وجوداً زمنياً بمعنى عالم الشهادة ووجوداً أبديًّا بمعنى عالم الغيب. والموت في نظر الإسلام هو النهاية الطبيعية للوجود الزمني ثم يكون البعث والحساب والجزاء والعقاب. أما الفلسفة الوجودية فلا تسلم بوجود الروح ولا القوى الغيبية وتقوم على أساس القول بالعدمية والتعطيل فالعالم في نظرهم وجد بغير داع ويمضي لغير غاية والحياة كلها سخف يورث الضجر والقلق ولذا يتخلص بعضهم منها بالانتحار. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - الوجودية وواجهتها الصهيونية، د. محسن عبد الحميد. - مباحث في الثقافة الإسلامية، د. نعمان السامرائي. - سقوط الحضارة، كولن ولسن. - دراسات في الفلسفة المعاصرة، د. زكريا إبراهيم. - الوجودية المؤمنة والملحدة، د. محمد غلاب. - عقائد المفكرين في القرن العشرين، عباس محمود العقاد. - المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها، د. عبد الرحمن عميرة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الرابع والثلاثون: الفرويدية

أولا: التعريف الفرويدية مدرسة في التحليل النفسي أسسها اليهودي سيجموند فرويد Sigmund Freud وهي تفسر السلوك الإنساني تفسيراً جنسيًّا، وتجعل الجنس هو الدافع وراء كل شيء. كما أنها تعتبر القيم والعقائد حواجز وعوائق تقف أمام الإشباع الجنسي مما يورث الإنسان عقداً وأمراضاً نفسية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات المؤسس وحياته: ولد سيجموند فرويد في 6 مايو 1856م في مدينة فريبورج بمقاطعة مورافيا بتشيكوسلوفاكيا الحالية من والديْن يهوديين. استقرت أسرة أبيه في كولونيا بألمانيا زمناً طويلاً. ولدت أمه بمدينة برودي في الجزء الشمالي من غاليسيا ولما شبت تزوجت من جاكوب فرويد والد سيجموند فرويد حيث أنجبت له سبعة أبناء. وغاليسيا مدينة ببولندا جاء منها والد فرويد وكانت معقلاً رئيسيًّا ليهود شرق أوروبا، وبسبب ظروف الشغب رحلت الأسرة إلى برسلاو بألمانيا وعمر سيجموند حينها ثلاث سنوات، ثم رحلوا مرة أخرى إلى فيينا حيث أمضى معظم حياته وبقي فيها إلى سنة 1938م حيث غادرها إلى لندن ليقضي أيامه الأخيرة فيها مصاباً بسرطان في خده وقد أدركته الوفاة في 23 سبتمبر 1939م. تلقى تربيته الأولى وهو صغير على يدي مربية كاثوليكية دميمة عجوز متشددة كانت تصحبه معها أحياناً إلى الكنيسة مما شكل عنده عقدة ضدّ المسيحية فيما بعد. نشأ يهوديًّا، وأصدقاؤه من غير اليهود نادرين إذ كان لا يأنس لغير اليهود ولا يطمئن إليهم. دخل الجامعة عام 1873م وعقَّب على ذلك بأنه يرفض رفضاً قاطعاً أن يشعر بالدونية والخجل من يهوديته. لكن هذا الشعور الموهوم بالاضطهاد ظل يلاحقه على الرغم من احتلاله أرقى المناصب. في سنة 1885م غادر فيينا إلى باريس وتتلمذ على شاركوت Charcot مدة عام حيث كان أستاذه هذا يقوم بالتنويم المغناطيسي لمعالجة الهستيريا وقد أعجب فرويد به عندما أكَّد له بأنه في حالة من حالات الأمراض العصبية لا بد من وجود اضطراب في الحياة الجنسية للمريض. أخذ يتعاون مع جوزيف بروير 1842 – 1925م وهو طبيب نمساوي صديق لفرويد، وهو فيزيولوجي في الأصل لكنه انتقل إلى العمل الطبي إذ كان ممن يستعملون التنويم المغناطيسي أيضاً. بدأ الاثنان باستعمال طريقة التحدث مع المرضى فنجحا بعض النجاح ونشرا أبحاثهما في عامي 1893م و1895م وصارت طريقتهما مزيجاً من التنويم والتحدث، ولم يمض وقت طويل حتى انصرف بروير عن الطريق كلها. تابع فرويد عمله تاركاً طريقة التنويم معتمداً على طريقة التحدث طالباً من المريض أن يضطجع ويتحدث مفصحاً عن كل خواطره، وسماها طريقة (الترابط الحر) سالكاً طريق رفع الرقابة عن الأفكار والذكريات، وقد نجحت طريقته هذه أكثر من الطريقة الأولى. أخذ يطلب من مريضه أن يسرد عليه حلمه الذي شاهده في الليلة الماضية، مستفيداً منه في التحليل، وقد وضع كتاب (تفسير الأحلام) الذي نشره سنة 1900م، ثم كتاب (علم النفس المرضي للحياة اليومية) ثم توالت كتبه وصار للتحليل النفسي مدرسة سيكولوجية صريحة منذ ذلك الحين. انضم عام 1895م إلى جمعية بناي برث أي أبناء العهد، وكان حينها في التاسعة والثلاثين من عمره، وهذه الجمعية لا تقبل بين أعضائها غير اليهود. كان يعرف تيودور هرتزل الذي ولد عام 1860م، كما سعيا معاً لتحقيق أفكار واحدة لخدمة الصهيونية التي ينتميان إليها، مثل فكرة معاداة السامية التي ينشرها هرتزل سياسيًّا، ويحللها فرويد نفسيًّا. من أصحابه وتلاميذه: لارنست جونز، مؤرخ السيرة الفرويدية، مسيحي مولداً، ملحد فكراً، يهودي شعوراً ووجداناً، حتى إنهم خلعوا عليه لقب: اليهودي الفخري. أوتو رانك 1884م – 1939م قام بوضع نظرية تقوم أساساً على أفكار فرويد الأصلية مع شيء من التعديل الهام. الفرِد آدلر: ولد في فيينا 1870م – 1937م، وقد انضم إلى جماعة فرويد مبكراً لكنه افترق عنه بعد ذلك مؤسساً مدرسة سماها مدرسة علم النفس الفردي مستبدلاً بالدوافع الجنسية عند فرويد عدداً من الدوافع الاجتماعية مع التأكيد على الإرادة القوية والمجهودات الشعورية. كارل جوستاف يونج 1875 – 1961م ولد في زيوريخ، وهو مسيحي، نصَّبه فرويد رئيساً للجمعية العالمية للتحليل النفسي، لكنه خرج على أستاذه معتقداً بأن هذه المدرسة التحليلية ذات جانب واحد وغير ناضجة، وكان لخروجه أثر بالغ على فرويد. وضع نظرية السيكولوجيا التحليلية مشيراً إلى وجود قوة دافعة أكبر هي طاقة الحياة مؤكداً على دور الخبرات اللاشعورية المتصلة بالعِرق أو العنصر. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الفرويديون المحدثون

ثالثا: الفرويديون المحدثون حدث انسلاخ كبير عن الفرويدية الأصلية، وذلك عندما تكونت الفرويدية الحديثة التي كان مركزها مدرسة واشنطن للطب العقلي، وكذلك معهد إليام ألانسون هوايت في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مدرسة تتميز بالتأكيد على العوامل الاجتماعية معتقدة أن ملامح الإنسان الأساسية إيجابية، وهم يلحّون على نقل التحليل النفسي إلى علم الاجتماع للبحث عن أصول الحوافز البشرية في تلبية مطالب الوضع الاجتماعي، ومن أبرز شخصياتهم: أريك فروم: ظهر بين 1941 – 1947م. كان ينظر إلى الإنسان على أنه مخلوق اجتماعي بالدرجة الأولى بينما ينظر إليه فرويد على أنه مخلوق مكتفٍ بذاته، تحركه عوامل غريزية. كارن هروني: استعملت طريقة فرويد خمسة عشر عاماً في أوروبا وأمريكا إلا أنها أعادت النظر فيها إذ وضعت نظرية جديدة تحرر فيها التطبيق العلاجي من كثير من القيود التي تفرضها النظرية الفرويدية. وعلى الرغم من ذلك فإن الفرويديين المحدثين ما يزالون متمسكين بأشياء كثيرة من نظرية فرويد الأصلية مثل: 1 - أهمية القوى الانفعالية بوصفها مضادة للدفع العقلي والارتكاسات الاشتراطية وتكوين العادات. 2 - التداعي اللاشعوري. 3 - الكبت والمقاومة وأهمية ذلك في التحليل أثناء العلاج. 4 - الاهتمام بالنزاعات الداخلية وأثرها على التكوين النفسي. 5 - التأثير المستمر للخبرات الطفولية المبكرة. 6 - طريقة التداعي الحر، وتحليل الأحلام، واستعمال حقيقة النقل. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الأفكار والمعتقدات

رابعا: الأفكار والمعتقدات الأسس النظرية: الأسس الثلاثة التي تركز عليها المدرسة التحليلية هي: الجنس – الطفولة – الكبت. فهي مفاتيح السيكولوجية الفرويدية. نظرية الكبت: هي دعامة نظرية التحليل النفسي وهي أهم قسم فيه إذ إنه لا بد من الرجوع إلى الطفولة المبكرة وإلى الهجمات الخيالية التي يراد بها إخفاء فاعليات العشق الذاتي أيام الطفولة الأولى إذ تظهر كل الحياة الجنسية للطفل من وراء هذه الخيالات. يعتبر فرويد مص الأصابع لدى الطفل نوعاً من السرور الجنسي الفمي ومثل ذلك عض الأشياء، فيما يعد التغوط والتبول نوعاً من السرور الجنسي الأستي كما أن الحركات المنتظمة للرجلين واليدين عند الطفل إنما هي تعبيرات جنسية طفولية. اللبيدو Libido طاقة جنسية أو جوع جنسي، وهي نظرية تعتمد على أساس التكوين البيولوجي للإنسان الذي تعتبره حيواناً بشرياً فهو يرى أن كل ما نصرح بحبه أو حب القيام به في أحاديثنا الدارجة يقع ضمن دائرة الدافع الجنسي. فالجنس عنده هو النشاط الذي يستهدف اللذة وهو يلازم الفرد منذ مولده إذ يصبح الأداة الرئيسية التي تربط الطفل بالعالم الخارجي في استجابته لمنبهاته. الدفع: يقول بأن كل سلوك مدفوع، فإلى جانب الأفعال الإرادية التي توجهها الدوافع والتمنيات هناك الأفعال غير الإرادية أو العارضة، فكل هفوة مثلاً ترضي تمنياً وكل نسيان دافعه رغبة في إبعاد ذلك الشيء. الشلل أو العمى لديه قد يكون سببه الهروب من حالة صعبة يعجز الإنسان عن تحقيقها، وهذا يسمى انقلاب الرغبة إلى عرض جسدي. الحلم عنده هو انحراف عن الرغبة الأصلية المستكنة في أعماق النفس وهي رغبة مكبوتة يقاومها صاحبها في مستوى الشعور ويعيدها إلى اللاشعور، وأثناء النوم عندما تضعف الرقابة تأخذ طريقها باحثة لها عن مخرج. يتكلم فرويد عن تطبيق مبدأين هما اللذة والواقع، فالإنسان يتجه بطبيعته نحو مبدأ اللذة العاجلة لمباشرة الرغبة لكنه يواجه بحقائق الطبيعة المحيطة به فيتجنب هذه اللذة التي تجلب له آلاماً أكبر منها أو يؤجل تحقيقها. يفترض فرويد وجود غريزتين ينطوي فيهما كل ما يصدر عن الإنسان من سلوك وهما غريزة الحياة وغريزة الموت. غريزة الحياة تتضمن مفهوم اللبيدو وجزءً من غريزة حفظ الذات، أما غريزة الموت فتمثل نظرية العدوان والهدم موجهة أساساً إلى الذات ثم تنتقل إلى الآخرين. الحرب لديه إنما هي محاولة جماعية للإبقاء على الذات نفسياً، والذي لا يحارب إنما يعرض نفسه لاتجاه العدوان إلى الداخل فيفني نفسه بالصراعات الداخلية، فالأولى به أن يفني غيره إذن، والانتحار هو مثل واضح لفشل الفرد في حفظ حياته. وهذا المفهوم إنما يعطي تبريراً يريح ضمائر اليهود أصحاب السلوك العدواني المدمر. اللاشعور: هو مستودع الدوافع البدائية الجنسية وهو مقر الرغبات والحاجات الانفعالية المكبوتة التي تظهر في عثرات اللسان والأخطاء الصغيرة والهفوات وأثناء بعض المظاهر الغامضة لسلوك الإنسان. إنه مستودع ذو قوة ميكانيكية دافعة وليس مجرد مكان تلقى إليه الأفكار والذكريات غير الهامة. الـ (هو): مجموعة من الدوافع الغريزية الموجودة لدى الطفل عند ولادته التي تحتاج إلى الشعور الموجه، وهي غرائز يشترك فيها الجنس البشري بكافة. إنها باطن النفس، وقد نتجت عن (الأنا) إلا أنها تبقى ممزوجة بها في الأعماق أي حينما تكون (الأنا) لا شعورية، وهي تشمل القوى الغريزية الدافعة، فإذا ما كبتت هذه الرغبات فإنها تعود إلى الـ (هو) ( Ego).

(الأنا): بعد قليل من ميلاد الطفل يزداد شعوراً بالواقع الخارجي فينفصل جزء من مجموعة الدوافع الـ (هي) لتصبح ذاتاً ووظيفتها الرئيسية هي اختيار الواقع حتى يستطيع الطفل بذلك تحويل استجاباته إلى سلوك منظم يرتبط بحقائق الواقع ومقتضياته، إنها ظاهرة النفس التي ترتبط بالمحيط. (الأنا العليا): هي الضمير الذي يوجه سلوك الفرد والجانب الأكبر منه لا شعوري وهو ما نسميه بالضمير أو الوجدان الأخلاقي، لها زواجر وأوامر تفرضها على (الأنا)، وهي سمة خاصة بالإنسان، إذ إنها أمور حتمية صادرة من العالم الداخلي. النقل: وهي أن المريض قد ينقل حبَّه أو بغضه المكبوت في أعماق الذكريات إلى الطبيب مثلاً خلال عملية المعالجة. وقد تعرض بروير لحب واحدة من اللواتي كان يعالجهن إذ نقلت عواطفها المكبوتة إليه، فكان ذلك سبباً في انصرافه عن هذه الطريقة بينما تابع فرويد عمله بمعالجة الواحدة منهن بنقل عواطفها مرة أخرى والوصول بها إلى الواقع. استفاد كثيراً من عقدة أوديب تلك الأسطورة التي تقول بأن شخصاً قد قتل أباه وتزوج أمه وأنجب منها وهو لا يدري. ولما علم بحقيقة ما فعل سمل عينيه، فقد استغلها فرويد في إسقاطات نفسية كثيرة واعتبرها مركزاً لتحليلاته المختلفة. شخصية الإنسان هي حصيلة صراع بين قوى ثلاث: دوافع غريزية، واقع خارجي، ضمير، وهي أمور رئيسية تتحدد بشكل ثابت بانتهاء الموقف الأوديبي حوالي السنة الخامسة أو السادسة من العمر. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الآثار السلبية للفرويدية

خامسا: الآثار السلبية للفرويدية لم ترد في كتب وتحليلات فرويد أية دعوة صريحة إلى الانحلال – كما يتبادر إلى الذهن – وإنما كانت هناك إيماءات تحليلية كثيرة تتخلل المفاهيم الفرويدية تدعو إلى ذلك. وقد استفاد الإعلام الصهيوني من هذه المفاهيم لتقديمها على نحو يغري الناس بالتحلل من القيم وييسر لهم سبله بعيداً عن تعذيب الضمير. كان يتظاهر بالإلحاد ليعطي لتفكيره روحاً علمانية، ولكنه على الرغم من ذلك كان غارقاً في يهوديته من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. كان يناقش فكرة معاداة السامية وهي ظاهرة كراهية اليهود، هذه النغمة التي يعزف اليهود عليها لاستدرار العطف عليهم، وقد ردّ هذه الظاهرة نفسياً إلى اللاشعور وذلك لعدة أسباب: 1 - غيرة الشعوب الأخرى من اليهود لأنهم أكبر أبناء الله وآثرهم عنده حاشا لله. 2 - تمسّك اليهود بطقس الختان الذي ينبه لدى الشعوب الأخرى خوف الخصاء ويقصد بذلك النصارى لأنهم لا يختتنون. 3 - كراهية الشعوب لليهود هو في الأصل كراهية للنصارى المسيحيين، وذلك عن طريق النقل إذ أن الشعوب التي تُنزِل الاضطهاد النازي باليهود إنما كانت شعوباً وثنية في الأصل، ثم تحولت إلى النصرانية بالقوة الدموية، فصارت هذه الشعوب بعد ذلك حاقدة على النصرانية لكنها بعد أن توحدت معها نقلت الحقد إلى الأصل الذي تعتمد عليه النصرانية ألا وهو اليهودية. يركن إلى إشباع الرغبة الجنسية، وذلك لأن الإنسان صاحب الطاقة الجنسية القوية والذي لا تسمح له النصرانية إلا بزوجة واحدة؛ إما أن يرفض قيود المدنية ويتحرر منها بإشباع رغباته الجنسية وإما أن يكون ذا طبيعة ضعيفة لا يستطيع الخروج على هذه القيود فيسقط صاحبها فريسة للمرض النفسي ونهباً للعقد النفسية. يقول بأن الامتناع عن الاتصال الجنسي قبل الزواج قد يؤدي إلى تعطيل الغرائز عند الزواج. عقد فصلاً عن تحريم العذرة وقال بأنها تحمل مشكلات وأمراضاً لكلا الطرفين، واستدل على ذلك بأن بعض الأقوام البدائية كانت تقوم بإسناد أمر فض البكارة لشخص آخر غير الزوج، وذلك ضمن احتفال وطقس رسمي. لقد برَّر عشق المحارم لأن اليهود أكثر الشعوب ممارسة له بسبب انغلاق مجتمعهم الذي يحرم الزواج على أفراده خارج دائرة اليهود، وهو يرجع هذا التحريم إلى قيود شديدة كانت تغل الروح وتعطلها، وهو بذلك يساعد اليهود أولاً على التحرر من مشاعر الخطيئة كما يسهل للآخرين اقتحام هذا الباب الخطير بإسقاط كل التحريمات واعتبارها قيوداً وأغلالاً وهمية. وقد استغل اليهود هذه النظرية وقاموا بإنتاج عدد من الأفلام الجنسية الفاضحة التي تعرض نماذج من الزنى بالمحارم. لم يعتبر التصعيد أو الإعلاء – كما يسميه – إلا طريقاً ضعيفاً للتخلص من ضغط الدافع الجنسي إذ أن هذا الطريق لن يتيسر خلال مرحلة الشباب إلا لقلَّة ضئيلة من الناس وفي فترات متقطعة وبأكبر قدر من العنت والمشقَّة، أما الباقون – وهم الغالبية العظمى – فليس أمامهم إلا المرض النفسي يقعون صرعاه. كما أن أصحاب التصعيد هؤلاء إنما هم ضعاف يضيعون في زحمة الجماهير التي تنزع إلى السير بإرادة مسلوبة وراء زعامة الأقوياء. في كفاحه ضد القيود، والأوامر العليا الموجهة إلى النفس، صار إلى محاربة الدين واعتباره لوناً من العصاب النفسي الوسواسي. تطورت فكرة الألوهية لديه على النحو التالي: 1 - كان الأب هو السيد الذي يملك كل الإناث في القبيلة ويحرمها على ذكورها. 2 - قام الأبناء بقتل الأب، ثم التهموا جزءً نيئاً من لحمه للتوحد معه لأنهم يحبونه. 3 - صار هذا الأب موضع تبجيل وتقدير باعتباره أباهم أصلاً. 4 - ومن ثم اختاروا حيواناً مرهوباً لينقلوا إليه هذا التبجيل فكان الحيوان هو الطوطم.

5 - الطوطمية أول صورة للدين في التاريخ البشري. 6 - كانت الخطوة الأولى بعد ذلك هي التطوُّر نحو الإله الفرد، فتطورت معها فكرة الموت الذي صار بهذا الاعتبار خطوة إلى حياة أخرى يلقى الإنسان فيها جزاء ما قدم. 7 - الله – إذن – هو بديل الأب أو بعبارة أصح هو أب عظيم، أو هو صورة الأب كما عرفها المرء في طفولته. نخلص من هذا إلى أن العقائد الدينية – في نظره – أوهام لا دليل عليها، فبعضها بعيد عن الاحتمال ولا يتفق مع حقائق الحياة، وهي تقارن بالهذيان، ومعظمها لا يمكن التحقق من صحته، ولابدّ من مجيء اليوم الذي يصغي فيه الإنسان لصوت العقل. حديثه عن الكبت فيه إيحاءات قوية وصارخة بأن الوقاية منه تكمن في الانطلاق والتحرر من كل القيود، كما يحرم الإدانة الخلقية على أي عمل يأتيه المريض مركِّزاً على الآثار النفسية المترتبة على هذه الإدانة في توريثه العقد المختلفة مما يحرفه عن السلوك السوي. مما ساعد على انتشار أفكاره ما يلي: 1 - الفكر الدارويني الذي أرجع الإنسان إلى أصول حيوانية مادية. 2 - الاتجاه العقلاني الذي ساد أوروبا حينذاك. 3 - الفكر العلماني الذي صبغ الحياة بثورته ضد الكنيسة أولاً وضد المفاهيم الدينية ثانياً. 4 - اليهود الذين قدَّموا فكرة اللإنسانية باستخدام مختلف الوسائل الإعلامية بغية نشر الرذيلة والفساد وتسهيل ذلك على ضمير البشرية ليسهل عليهم قيادة هذه الرعاع من الشعوب اللاهثة وراء الجنس، المتحللة من كل القيود والقيم. من أكبر الآثار المدمرة لآراء فرويد، أن الإنسان حين كان يقع في الإثم كان يشعر بالذنب وتأنيب الضمير، فجاء فرويد ليريحه من ذلك، ويوهمه بأنه يقوم بعمل طبيعي لا غبار عليه، وبالتالي فهو ليس بحاجة إلى توبة، وبذلك أضفى على الفساد صفة أخلاقية إذا صح التعبير. ألَّف نحو ثلاثين كتاباً في الدراسات النفسية من أشهرها: الذات والذات السفلى والطواطم والمحرمات وتفسير الأحلام، وثلاث مقالات في النظرية الحسية والأمراض النفسية المنتشرة في الحياة اليومية. وكلها تدور – من زوايا مختلفة- حول موضوع واحد مكرر فيها جميعاً هو التفسير الجنسي للسلوك البشري. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: الجذور الفكرية والعقائدية

سادسا: الجذور الفكرية والعقائدية لقد دخل التنويم المغناطيسي إلى حقل العلم والطب على يد مسمر Mesmer 1780 م إلا أنه قد مزج بكثير من الدجل مما نزع بالأطباء إلى أن ينصرفوا عنه انصرافاً دام حتى أيام مدرستي باريس ونانسي. لقد كان الدكتور شاركوت Charcot 1825 – 1893 م أبرز شخصيات مدرسة باريس، إذ كان يعالج المصابين بالهستيريا عن طريق التنويم المغناطيسي. من تلاميذ شاركوت بيير جانه Pierr Janet الذي اهتم بالأفعال العصبية غير الشعورية والتي سماها الآليات العقلية. ساهمت مدرسة نانسي بفرنسا في التنويم المغناطيسي المعتدل وقالت إنه أمر يمكن أن يحدث لكل الأسوياء، ذلك لأنه ليس إلا حالة انفعال وتلقٍّ منشؤها الإيحاء، وقد استعملته هذه المدرسة في معالجة الحالات العصبية. أما فرويد فقد أخذ الأسس النظرية ممن سبقه، وأدخل أفكاره في تحليل التنويم المغناطيسي باستخدام طريقة التداعي الحرّ. لكن لهذا الوجه العلميِّ الظاهر وجه آخر هو التراث اليهودي الذي استوحاه فرويد واستخلص منه معظم نظرياته التي قدمها للبشرية خدمة لأهداف صهيون. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سابعا: الانتشار ومواقع النفوذ

سابعا: الانتشار ومواقع النفوذ بدأت هذه الحركة في فيينا، وانتقلت إلى سويسرا، ومن ثم عمت أوروبا، وصارت لها مدارس في أمريكا. وقد حملت الأيام هذه النظرية إلى العالم كله عن طريق الطلاب الذين يذهبون إلى هناك ويعودون لنشرها في بلادهم. تلاقي هذه الحركة اعتراضات قوية من عدد من علماء النفس الغربيين اليوم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الفرويدية تدعو إلى التحرر من كل القيود لأنها تسبب العقد النفسية والاضطرابات العصبية، وبذلك تريد للمجتمع أن يكون بلا دين ولا أخلاق ولا تقاليد فتتسع هوة الرذيلة والفساد وتسهل لليهود السيطرة على الشعوب المتحللة خدمة لأهداف الصهيونية. وبطبيعة الحال فإنها تنادي بأن الدين الذي يضع الضوابط لطاقة الجنس لا يستحق الإتباع ولا يستوجب الاحترام. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - علم الأمراض النفسية والعقلية، تأليف ريتشارد م. سوين – ترجمة أحمد عبد العزيز سلامة – دار النهضة العربية – القاهرة – 1979م. - مدارس علم النفس، تأليف د. فاخر عاقل – دار العلم للملايين – بيروت – ط4 – 1979م. - التراث اليهودي الصهيوني في الفكر الفرويدي، تأليف د. صبري جرجس – عالم الكتاب – طبعة 1970م. - كتاب (تاريخ حركة التحليل النفسي)، تأليف سيجموند فرويد – طبعة 1917م. - Brown, J.A.C. Freud and The post-0Freudians, Penguin Books London 1962. - Munroe, r.L. Schools of Psycho-analytic Thought, Mutchinson Medical Publications- London 1957. - Fundametals of Behavior Pathology by richard M. Suninn- New York 1970. - Bakan. D. “Sigmund Freud and the Jewish Mystical Tradition”. Van Nostrand, New York 1958. - Encyclopedia Britannica, 1965 edition, Vol 1,2,3,4,9,17,21,24. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الخامس والثلاثون: الذرائعية (البرجماتية)

أولا: التعريف الذرائعية مذهب فلسفي اجتماعي يقول بأن الحقيقة توجد في جملة التجربة الإنسانية: لا في الفكر النظري البعيد عن الواقع. وأن المعرفة آلة أو وظيفة في خدمة مطالب الحياة، وأن صدق قضية ما: هو في كونها مفيدة للناس، وأن الفكر في طبيعته غائي. وقد أصبحت الذرائعية طابعاً مميزاً للسياسة الأمريكية وفلسفة الأعمال الأمريكية كذلك، لأنها تجعل الفائدة العملية معياراً للتقدم بغض النظر عن المحتوى الفكري أو الأخلاقي أو العقائدي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات نشأت الذرائعية (البرجماتية) كمذهب عملي في الولايات المتحدة الأمريكية مع بداية القرن العشرين: وقد وجدت في النظام الرأسمالي الحر الذي يقوم على المنافسة الفردية، خير تربة للنمو والازدهار. ومن أبرز رموز المذهب وأغلبهم من الأمريكيين: تشارلس بيرس 1839 – 1914م ويعد مبتكر كلمة البرجماتية في الفلسفة المعاصرة. عمل محاضراً في جامعة هارفارد الأمريكية، وكان متأثراً بدارون ووصل إلى مثل آرائه .. وكان أثره عميقاً في الفلاسفة الأمريكيين الذين سنذكرهم فيما يلي: وليم جيمس 1842 – 1910م وهو عالم نفسي وفيلسوف أمريكي من أصل سويدي بنى مذهب الذرائعية البرجماتية على أصول أفكار بيرس ويؤكد أن العمل والمنفعة هما مقياس صحة الفكرة ودليل صدقها. كان كتابه الأول: (مبادئ علم النفس) 1890م الذي أكسبه شهرة واسعة ثم توالت كتبه: موجز علم النفس 1892م وإرادة الاعتقاد 1897م وأنواع التجربة الدينية 1902م والبرجماتية 1907م وكون متكثر 1909م يعارض فيه وحدة الوجود. ويؤكد جيمس في كتبه الدينية أن الاعتقاد الديني صحيح لأنه ينظم حياة الناس ويبعث فيهم الطاقة. جون ديوي 1856 – 1952م فيلسوف أمريكي، تأثر بالفلسفة الذرائعية، وكان له تأثير واسع في المجتمع الأمريكي وغيره من المجتمعات الغربية، إذ كان يعتقد أن الفلسفة مهمة إنسانية قلباً وقالباً وعلينا أن نحكم عليها في ضوء تأثرها الاجتماعي أو الثقافي. كتب في فلسفة ما بعد الطبيعة (الميتافيزيقا) وفلسفة العلوم والمنطق وعلم النفس وعلم الجمال والدين. وأهم مؤلفاته: دراسات في النظرية المنطقية 1903م، وكيف تفكر 1910 والعقل الخالق 1917م والطبيعة الإنسانية والسلوك 1922م وطلب اليقين 1929م. شيلر 1864 – 1937م وهو فيلسوف بريطاني، كان صديقاً لوليم جيمس، وتعاطف معه في فلسفة الذرائعية: وقد آثر أن يطلق على آرائه وموقفه: المذهب الإنساني أو المذهب الإرادي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات من أهم أفكار ومعتقدات المذهب الذرائعي (البرجماتية) ما يلي: إن أفكار الإنسان وآراءه ذرائع يستعين بها على حفظ بقائه أولاً ثم السير نحو السمو والكمال ثانياً. إذا تضاربت آراء الإنسان وأفكاره وتعارضت كان أحقها وأصدقها أنفعها وأجداها، والنفع هو الذي تنهض التجربة العملية دليلاً على فائدته. إن العقل خُلق أداة للحياة ووسيلة لحفظها وكمالها، فليست مهمته تفسير عالم الغيب المجهول، بل يجب أن يتوجه للحياة العملية الواقعية. الاعتقاد الديني لا يخضع للبيئات العقلية: والتناول التجريبي الوحيد له هو آثاره في حياة الإنسان والمجتمع إذ يؤدي إلى الكمال، بما فيه من تنظيم وحيوية. النشاط الإنساني له وجهتان: فهو عقل، وهو أداة، ونموه كعقل ينتج العلم، وحين يتحقق كإرادة يتجه نحو الدين، فالصلة بين العلم والدين ترد إلى الصلة بين العقل والإرادة. تقويم الذرائعية: تعرضت الذرائعية لانتقادات معينة، وعرضت على أنها تبرير لأخلاقيات رجال الأعمال الأمريكيين. أما عن فكرة الاعتقاد فمن رأي جيمس "أنها مفيدة لأنها صادقة" و"أنها صادقة لأنها مفيدة". وقد أنكر معظم الدارسين هذه المعادلة إذ أن موقف جيمس يسمح بصدق الفكرة لأنها "مفيدة ونافعة" لشخص ما، ويكذبها لعدم وجودها عند الآخرين. وهكذا فإن جيمس طرح الحقيقة على أنها لعبة ذاتية للأفكار التي تستهوي الإنسان فائدتها: فيعتقد في صدقها. إن الذرائعية اندثرت كحركة فكرية فردية، ولكنها كمجموعة أفكار ما زالت تعمل في الفكر البشري .. ومن أهم آثار هذه الأفكار تفسير الفكر والمعنى على أنهما من أشكال السلوك النائي عند الإنسان. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية إن البرجماتية أو الذرائعية ثورة ضد الفكر النظري البعيد عن الواقع وعن الإنسان خاصة والذي لا يخدم الإنسان في حياته العملية. أما كلمة (برجماتية) فكانت قليلة الاستعمال في اللغة الإنكليزية ولم تكن تستعمل مطلقاً في سياق الحديث الفلسفي، حتى أدخلها الفيلسوف الأمريكي بيرس عام 1878م كقاعدة منطقية: معرفاً البرجماتية بأنها النظرية القائلة: "بأن الفكرة إنما تنحصر فيما نتصوره لها من أثر على مسلك الحياة". وقد استعار وليم جيمس ورفاقه الذرائعيون هذا المصطلح وأعطوه معاني جديدة وفق ما أوضحناه في أفكار ومعتقدات المذهب. مؤكدين على أن كل شيء حتى الفكر، لا بد أن يفهم في ضوء الغرض الإنساني. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ تأسس المذهب في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقل إلى أوروبا وبريطانيا بشكل خاص. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الذرائعية أو البراجماتية مذهب فلسفي نفعي يرى أن الحقيقة توجد من خلال الواقع العملي والتجربة الإنسانية، وأن صدق قضية ما يكمن في مدى كونها مفيدة للناس، كما أن أفكار الناس هي مجرد ذرائع يستعين بها الإنسان لحفظ بقائه ثم البحث عن الكمال. وعندما تتضارب الأفكار فإن أصدقها هو الأنفع والأجدى، والعقل لم يخلق لتفسير الغيب المجهول، ولذا فإن الاعتقاد الديني لا يخضع للبينات العقلية. ولما كان نشاط الإنسان يتمثل في العقل والإرادة، وكان العقل ينتج العلم، وحينما يتحقق العلم كإرادة يتجه نحو الدين، لذا فإن الصلة بين العلم والدين ترجع إلى الصلة بين العقل والإرادة. ومخاطر هذا المذهب الفلسفي على العقيدة واضحة جلية فهو مذهب يحبذ إلغاء دور العقل في الإفادة من معطيات النقل أو الوحي. وقد رأينا في واقعنا المعاصر كيف أفلست الذرائعية كما أفلست سواها من الفلسفات المادية وعجزت عن إسعاد الإنسان بعدما أدت إلى تأجيج سعار المادية، وأهدرت القيم والأخلاق السامية التي دعت إليها جميع الأديان السماوية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه – دار القلم – بيروت. - معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي – مكتبة لبنان – بيروت –1982م. - تاريخ الفلسفة الحديث، يوسف كرم – دار المعارف – القاهرة. - قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين وزكي نجيب محمود – مطبعة لجنة التأليف والنشر – القاهرة. مراجع أجنبية: - Philosophy of John Dewey: by P.A Schelop, Chicago 1951. - The Will to Belive: By W. James Dever New York. - John Dewey an Intellectual Portriat: by S. Hook Day, New York. 1939. - History of Philosophy: by F.C. Coplestion, Burns London 1947. - History of Modern Philosophy by H. Hoffding London 1956. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السادس والثلاثون: الروحية الحديثة

أولا: التعريف الروحية الحديثة دعوة هدامة وحركة مغرضة مبنية على الشعوذة. تدَّعي استحضار أرواح الموتى بأساليب علمية وتهدف إلى التشكيك في الأديان والعقائد وتبشر بدين جديد وتلبس لكل حالة لباسها. ظهرت في بداية هذا القرن في أمريكا ومن ورائها اليهود ثم انتشرت في العالمين العربي والإسلامي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي تعريف الروحوقف البشر حائرين في معرفة هذه الروح أو التعريف بها فمنهم من أدلى بدلوه في التعريف بها ومنهم من أمسك مطلقا عن الخوض فيها مرجعا الأمر إلى الله تعالى وحده حيث أنه لم يرد أن يبين للناس شيئا عنها أكثر من أنها من أمره عز وجل فكيف نعرفها أو نعرف شيئا عنها فأراحوا واستراحوا ومنهم من ذهب يعرفها بتعريفات اجتهادية كثيرة كلها تحتاج إلى أدلة لإثباتها وقد ذكر ابن القيم – رحمه الله – أقوالا كثيرة في التعريف بها إلا أنه رجح قولا واحدا وانتصر له وأورد أدلة كثيرة على تصويبه وهذا التعريف هو أحد الأقوال التي أوردها الرازي أيضا في ذكره لاختلاف الناس في مفهوم الروح فقال: "والسادس أنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس وهو جنس نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارقت الروح البدن وانفصلت إلى عالم الأرواح"، قال ابن القيم:"وهذا القول هو الصواب في المسألة وهو الذي لا يصح غيره وكل الأقوال سواه باطلة وعليه دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة"، ثم أورد الأدلة على تقويته بلغت أكثر من مائة دليل (¬1).وعرفها بعض العلماء بأنها هي الوجود الذي يدرك بالتصور العقلي ولا يدرك بالحواس كالمثل والقيم والمبادئ والعدل والرحمة والتعاون والخير والبر لأن هذه لا تدرك بالحواس وكذا الدين نفسه لأن مصدره الوحي الإلهي وهو لا يدرك بالحواس (¬2).وأعتقد أن كل تعريف للروح يحتاج إلى إثباته بنص صحيح والأولى الوقوف على ما ذكره الله في كتابه وفي الموسوعة العربية الميسرة وصفوا البحوث الروحية بأنها نسبة إلى علم النفس الغيبي أو الهامشي يطلق على بعض الظواهر السلوكية أو الذهنية التي تقع خارج نطاق ما تفسره القوانين الطبيعية وهي ظواهر غريبة وخارقة للعادة" (¬3). وهذا الوصف لتحضير الأرواح بأنه علم النفس الغيبي يظهر أنه غير صواب فليس هناك علم نفس غيبي إذ الغيب لله تعالى وحده لا يصل إليه أحد بالتعلم إلا ما أخبر الله به أنبياءه ورسله. ووصفها بأنها خارقة للعادة. ليس كذلك فإن علم تحضير الأرواح – كما يسمونه – ليس من الأمور الخارقة للعادة بل هو كذب وشعوذة يموهون به على من لا معرفة له بمسالكهم الشيطانية ونسبة المذهب إلى الروح إنما هو للإغراء والدعاية وظلم للروح حينما ينسب الروحيون مذهبهم إلى الروح. وهي منهم ومن آرائهم براء إلا أن تكون النسبة إلى أرواح الشياطين. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 879 ¬

(¬1) مسلم بشرح النووي (2/ 7). (¬2) رواه البخاري (6536)، ومسلم (2876). (¬3) ((الصواعق)) (3/ 1069).

ثانيا: ظهور الروحية

ثانيا: ظهور الروحية ظهرت الروحية على أيدي بعض الكذابين الذين انتسبوا إلى الروح في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وزخرفوا أقوالهم بالكذب وانجذب إليهم كثير ممن يطمحون إلى العلو في الأرض ونهب أموال الناس بالباطل للإثراء على حساب المغفلين وبالتالي فقد انخدع بهم كثير من الجهلة في أوروبا ثم امتد ذلك إلى البلاد الإسلامية وقد ظهر هذا المذهب في أوربا كغيره من المذاهب الضالة التي وجهت لحرب طغاة الكنيسة والانفلات منهم ومن سائر التعاليم الإلهية والتطلع إلى استكشاف المجهولات فأصبحت الروحية جماعة خطيرة على الأديان يغذيها الخبث اليهودي والإلحادي في تشويه الأديان والعقائد وعدم الاعتداد بما يقال في الدين من العذاب أو النعيم أو الأخلاق والأمور الغيبية. واهتمت هذه الجماعة بخرافة تحضير أرواح الموتى وقد نشطت هذه الدعوى في بداية أمرها في أمريكا ولم يعرف لها مؤسس على التحديد فيما يذكر الباحثون ثم امتدت إلى العالم الإسلامي وتلقفها المتصوفة الخرافية وغيرهم وأصبح لها علماء مشاهير ومؤلفات ومؤسسات وجمعيات مثل "المعهد الدولي للبحث الروحي بأمريكا" وجمعية "مارلبورن الروحية" بانجلترا. يزعمون أنهم يستحضرون روح أي شخص متى شاؤوا ويتباحثون معها كل مشاكلها وأنها أجساد تحس بطريقتهم الغامضة التي تستند إلى الجن والسحر ويزعمون أنهم يأتون بمثل ما تأتي به الأنبياء وأن معجزات الأنبياء جاءت على طريقتهم ويسخرون من الأنبياء والمتدينين ويمجدون الملاحدة ويدعون إلى نبذ الأديان والإنصهار في دين واحد وغير ذلك من مبادئهم الكثيرة التي تدل على أنها دعوة ملحدة. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 881

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات لم يعرف لها مؤسس في أوروبا وأمريكا ولكن الدعوة إليها قد نشطت في بداية هذا القرن الميلادي من قبل عدة شخصيات منها: - جان آثر فندلي وكتابه المشهور: (على حافة العالم الأثيري). - أدين فردريك باورز وكتابه المشهور: (ظواهر حجرة تحضير الأرواح). - آثر كونان دويل في كتابه: (حافة المجهول). - اليهودي المعروف: دافيد جيد. - السيدة وود سمث. كما ظهرت لها في تلك البلاد عدة مؤسسات مثل: (المعهد الدولي للبحث الروحي) بأمريكا و (جمعية مارلبورن الروحية) بإنجلترا. أما في العالم الإسلامي فقد تحمس لها عدة أشخاص وحملوا رايتها منهم: الأستاذ أحمد فهمي أبو الخير أمين عام (الجمعية المصرية للبحوث الروحية) وقد أصدر مجلة عالم الروح وهي الناطقة باسم هذه الدعوة الهدامة، وقد بدأ نشاطه منذ سنة 1937م وقام بترجمة كتابي فندلي وباورز سابقي الذكر. الأستاذ وهيب دوس المحامي ت 1958م وهو رئيس الجمعية المذكورة. د. علي عبد الجليل راضي رئيس (جمعية الأهرام الروحية) له كتاب بعنوان (مشاهداتي في جمعية لندن الروحية). حسن عبد الوهاب وكان سكرتيراً للجمعية لفترة ثم اكتشف زيف الروحية الحديث وأزاح الله عن عينيه غشاوة الضلال واكتشف ما في هذه الدعوة الماكرة من سموم وثبت له يقيناً الشخصيات التي تحضر في جلسات التحضير وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب إن هي إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون. الشاعر اللبناني حليم دموس الذي كان يقدس روحًّا نصرانياً اسمه د. داهش ويرفعه إلى مقام النبوة وله مقالات في مجلة عالم الروح بعنوان: الرسالة الدهشية. ود. داهش له أتباع في لبنان وربما خارجه كما أن له كتابات يمجد فيها الرسول r ويؤمن برسالته الخاتمة. وقد أنكر بعض أتباع د. داهش أن يكون قد ادعى النبوة بمعناها الديني الإسلامي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الأفكار والمعتقدات

رابعا: الأفكار والمعتقدات يقولون بأنهم يحضرون الأرواح ويستدعون الموتى لاستفتائهم في مشكلات الغيب ومعضلاته والاستعانة بهم في علاج مرضى الأبدان والنفوس والإرشاد عن المجرمين والكشف عن الغيب والتنبؤ بالمستقبل. يزعمون أن هذه الأرواح تساعدهم في كشف الجرائم والدلالة على الآثار القديمة كما يدعون أنهم يعالجون مرضى النفوس من هذه الأرواح كذلك. يدعون أنهم يستطيعون التقاط صور لهذه الأرواح بالأشعة تحت الحمراء. يحاولون إضفاء الجانب العلمي على عملهم وهو في الواقع لا يخرج عن كونه شعوذة وخداعاً وتأثيراً مغناطيسياً على الحاضرين، واتصالاً بالجن. يقومون بهذا التحضير في حجرات خاصة شبه مظلمة وفي ضوء أحمر خافت وكل ما يدّعونه من التجسد للأرواح ومخاطبتها لا يراه الحاضرون وإنما ينقله إليهم الوسيط وهو أهم شخص في العملية. "الوسيط" عندهم يرى غير المنظور ويسمع غير المسموع ويتلقى الكتابة التلقائية وله قدرة على التواصل عن بعد (التلباثي). لا يثبتون للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلا هذه الوساطة فقط. يتحكمون في حضور جلسة التحضير من حيث الكم والنوع وإذا وجد نساء يكون الجلوس: رجل، امرأة، كما يعزفون الموسيقا أحياناً وكل هذا لصرف أذهان الحضور عن حقيقة ما يجري، ويزعمون أن لكل جلسة روحاً حارساً يحرسها. يعتقدون أن معجزات الأنبياء هي ظواهر روحية كالتي تجري في غرفة تحضير الأرواح ويقولون أن بإمكانهم إعادة معجزات الأنبياء. يرفضون الوحي ويقولون إنه ليس في الأديان ما يصح الركون إليه ويسخرون من المتدينين. يقولون بأن إلههم أظهر من إله الرسل وأقل صفات بشرية وأكثر صفات إلهية. يلوحون بشعارات براقة كالإنسانية والإخاء والحرية والمساواة للتمويه على السذج والبسطاء. كل عملهم منصب على زعزعة العقائد الدينية والمعايير الخلقية. يدَّعون أن الأرواح التي تخاطبهم تعيش في هناء وسعادة رغم أنها كافرة ليهدموا بذلك عقيدة البعث والجزاء ويقولون إن باب التوبة مفتوح بعد الموت كذلك، وأن الجنة والنار حالة عقلية يجسمها الفكر ويصنعها الخيال. عندهم نصوص كثيرة تمجد الشيوعيين والوثنيين والفراعنة والهنود الحمر ويقولون إنهم أقوى الأرواح. يبررون الجرائم بأن أصحابها مجبورون عليها وبالتالي لا يعاقبون. يسعون لضمان سيطرة اليهودية على العالم لتقوم دولتهم على أنقاض الخراب الشامل. أعلنت مجلة سينتفك أمريكان عن جائزة مالية ضخمة لمن يقيم الحجة على صدق الظواهر الروحية ولكنها لا تزال تنتظر من يفوز بها وكذلك الحال بالنسبة للجائزة التي وضعها الساحر الأمريكي دنجر لنفس الغرض وهذا من أكبر الأدلة على بطلانها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية ثبت أن للروحية اتصالات شخصية وفكرية بالماسونية وشهود يهوه. كما أن نوادي الروتاري تشجع هذه الظاهرة وتمد لها يد المساعدة وتتولى ترويجها، كما أنها تأثرت باليهودية في كثير من معتقداتها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: منزلة فكرة تحضير الأرواح

سادسا: منزلة فكرة تحضير الأرواح لقد اجتذبت فكرة تحضير الأرواح الكثير من الناس في الشرق وفي الغرب مثقفين وغير مثقفين فذهبوا في تثبيتها كل مذهب ظانين أن وراءها نفعا عاجلا وحلا جاهزا لما يدور في رؤوسهم من حب الاطلاع على المغيبات فإذا بهم يلهثون وراء سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. ولقد كان لفكرة الكشف والتعلق به أقوى حافز عند بعض جهلة المسلمين إلى الولع بفكرة تحضير الأرواح ثم جاء الدافع القوي وهو القول بوحدة الوجود فزاد الطين بلة ورغم أن كثيرا من الكتاب قد أسهموا بإسهام وافر في تثبيت هذه الفكرة من العرب ومن غير العرب. أما من العرب فمن أمثال د. علي عبد الجليل راضي (¬1)، ومحمد فريد وجدي، ود. رؤوف عبيد الذي أصدر مجلة عالم الروح"، وأحمد فهمي أبو الخير أمين عام الجمعية المصرية للبحوث الروحية وأما زعماؤها في الغرب فهم "سلفر برش" و "هوايت هوك"، حيث أقامها هؤلاء على القول بوحدة الوجود رغم ذلك كله فقد رفضها أهل العقول وسخروا منها ورووا فيها الفكاهات المضحكة والتناقضات الواضحة في أفعال وأقوال وسلوك زعماء هذه الفكرة الضالة الخرافية وعلموا يقينا أن الهدف الأكبر من وراء دعوى تحضير الأرواح إنما هو استجلاب الناس إليهم وخصوصا العوام منهم ليحصلوا على أمور الواحد منها يعتبر مكسبا كبيرا يحوزه هؤلاء أهمها. رفع مكانة أقطاب دعاة الروحية وتعظيم أمرهم في نفوس الناس والحصول على الأموال بدون مشقة وإضعاف التدين في النفوس والإسهام في خدمة اليهودية الحاقدة من وراء ستار. ولذلك فهم يحاولون بشتى الوسائل ونشر أقوى الدعايات لتقوية قضيتهم في تحضير الأرواح زاعمين أن هذه الأمور إنما حصلت لهم على سبيل الكرامة الإلهية لوصولهم إلى حد معرفة الحقائق والإطلاع عليها مباشرة بدون واسطة أحد أو لأنهم عرفوا بزعمهم كيفية الوصول إلى استحضار الأرواح فلم يعد للغيب مكانة خارجة عن إرادتهم. وحينما لهث الناس إلى معرفة بعض المغيبات – وخصوصا بعد هذه الحركة العلمية والتطور المادي وظهور التنويم المغناطيسي وجمعيات تحضير الأرواح – استغل هؤلاء هذه الكشوفات وزعموا أنها أدلة لهم على صحة ما يذهبون إليه، ومما ينبغي التنبيه له أنه قد يحصل لبعض الصالحين ممن صفت نفوسهم نوع من الكشف بمعنى الإلهام والنفث في الروع. ولكن ليس ذلك صفة مستمرة كما يدعي الروحيون في زعمهم أن الروح جسم مادي شفاف يستحضرونه متى أرادوا وأن الموتى بعد الموت مباشرة يكونون في عالمنا ومن حوالينا ثم ينتقلون إلى درجة أرفع في هذا العالم وأنه يمكن مكالمة الروح بعد خروجها من الجسم ورؤيتها مجسمة بواسطة شخص يكون فيه الاستعداد لذلك عند إرادة تحضير الروح فتستفيد الروح من استعداده فتكلم الناس بلغات يجهلونها وتنبئ عن أمور الحاضرين من أقاربها ولا شك أن هذا كله دجل وكذب وهوس فارغ وتلك اللغات التي تخاطبهم بها تلك الأرواح إنما هي لغات الشياطين لا أرواح الموتى من بني آدم وهذا جزء من مكر إبليس بأتباعه. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 884 ¬

(¬1) نقل السيوطي عن شيخ الإسلام أنه كان يقول: " ما أظن الله يغفل عن المأمون ولابد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخاله هذه العلوم الفلسفية بين أهلها أو كما قال" ((صون المنطق)) (ص9).

سابعا: أدلة دعاة تحضير الأرواح

سابعا: أدلة دعاة تحضير الأرواح من الإفك أن يستدل الذين يؤمنون بتحضير الأرواح من المتصوفة وغيرهم من الروحيين ببعض الآيات القرآنية من مثل قوله تعالى: 1 - وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:72 - 73] أي أن روح الميت حضرت في صورة تلك البقرة وتكلمت. 2 - وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:260] أي أن إبراهيم عليه السلام استدل بتحضير الأرواح وازداد طمأنينة وإيمانا بحضورهم عنده حينما استحضرهم. نعم نؤمن ببقاء الأرواح بعد الموت. إذ الموت للجسد فقط لا للروح وهي إما أن تكون في نعيم وإما في عقاب وقولهم إن الأرواح تعمل بعد الموت لترتفع في الدرجات غير مسلم. إذ لا عمل بعد الموت كما قرره الإسلام بل إن الروح إما أن تكون في نعيم أو في عقاب فقط. أما استدلالهم بالآيات فهو خطأ فاحش وسوء فهم فإن قتيل بني إسرائيل وكذا طيور إبراهيم قامت بأرواحها وأجسادها معا معجزة من الله تعالى لنبيه موسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام وبدون وسيط. وهؤلاء المشعوذون الكاذبون إنما يحضرون قرين الميت من الجن الذي عاش معه طوال حياته وعرف كل شيء عنه فإن كل إنسان له قرين. فهؤلاء يظنون أنهم يخاطبون تلك الروح التي أرادوا تحضيرها ولا يعلمون أنهم إنما يخاطبون قرينه من الجن هذا إن صدقناهم أنهم يخاطبون أحداً أو يسمعون كلامه.

ومما يدل كذلك على كذبهم ما زعموه من تحضير أرواح بعض الكفار فوجدوهم في نعيم مقيم وهو ما كذبه الله في القرآن الكريم من دخول الكافرين النار ثم ما يعمل من المنكرات التي تفعل في مجالس التحضير مما يوافق هوى الشياطين ولا يمت إلى الدين بصلة. وما عرف كذلك من التصرفات الباطلة لتلك الأرواح فإن "منها من يفتري على الله الكذب وعلى أنبيائه وكتبه وملائكته ورسله. ومنها من يضلل الناس ويحقر الأديان ومنها من يكذب ويأمر بالفجور والشرك والكفر والعصيان وهي أعمال يرفض العقل السليم والدين الحنيف أن تكون صادرة عن أرواح بين يدي الله" (¬1).3 - ومن أدلتهم التي يتناقلها الروحيون ما نقله الشيخ مجدي محمد الشهاوي عن محمد شاهين حمزة أحد دعاة الروحية في كتاب له (¬2)، يدافع عن الروحية ويثبت أنها صحية وأن تلك الأرواح ليست أرواح جن أو شياطين وإنما هي أرواح حقيقية آدمية طاهرة – حسب زعمه – وذكر من أدلته على طهارتها ونقائها أنه حضر جلسة روحية حضرت فيها روح الدكتور (¬3)، حندوسة ذات مرة فسألوها سؤالا طبيا عن حالة أحد الحاضرين فطلبت منهم الانتظار دقيقة واحدة ريثما تجري الكشف عليه ثم أعطتهم تشخيصا دقيقا للمرض وأحاله في علاجه إلى طبيب معروف في القاهرة. ومنها أنه كان في إحدى الجلسات فحضرت روح صديق له ونصحته بالانضمام إلى الطريقة الشاذلية!! (¬4) وحضرت روح محمد فريد وجدي في أسوان ونهتهم عن بعض الأمور الخطيرة كما حضرت مرة روح طنطاوي جوهري ونفت بشدة أن يكون المسيح قد صلب (¬5).وذكر أنه في إحدى الجلسات تكلمت إحدى الأرواح في حفلة المولد النبوي وذكرت كلاما لم يعجبه شيء مثله (¬6)، وغيرها من الأمثلة. قضية الإلهام قد يستشكل بعض الناس الفرق بين الإلهام لمن صفت نفوسهم بطاعة الله تعالى وكمل إخلاصهم وبين من يدعي تلك الصفة ممن هو متبع لهواه مصر على المعاصي والفساد والواقع أن الإلهام الحق الذي يؤمن به المؤمنون هو غير الإلهام الذي يأتي عن طريق الشياطين أو الاحتيال فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن عمر ربما هو من الملهمين وكذا أوحى الله إلى أم موسى. وإلى النحل كله على سبيل الإلهام الإلهي أما ما تزخرفه الشياطين لأوليائها فقد أخبر به عز وجل في قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام:112] وهو إلهام باطل وإخبار كاذب والنفث في الروح لا شأن للروح به، وإنما هو شيء يحصل بقدرة الله تعالى وحده دون أن يكون للشخص أي أثر في إيجاده. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 887 ¬

(¬1) المعتزلة (49). (¬2) ((الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي)) – محمد البهي (169). (¬3) ((الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي)) – محمد البهي (169). (¬4) ((الحجة)) (1/ 205). (¬5) من أهمها دراسة الدكتور فهد الرومي عن منهج هذه المدرسة في التفسير – كما سبق -، (¬6) ((ثورة العقل في الفلسفة العربية)) – د. محمد العراقي (13).

ثامنا: الانتشار ومواقع النفوذ

ثامنا: الانتشار ومواقع النفوذ لها نفوذ غريب وخاصة في أمريكا وأوروبا إذ لا تكاد تخلو مدينة من فرع لهذه الدعوة وهناك كثير من الصحف والمجلات التي تتكلم باسمها. وفي أمريكا يوجد المركز العالمي للبحوث الروحية، وكذلك في العالم العربي والإسلامي فإن سرعة انتشارها تدعو إلى العجب وخاصة في مصر حيث توجد لها عدة جمعيات وهناك عدة مجلات وصحف أخرى تروج لها مثل: مجلة صباح الخير، آخر ساعة، المصور، المقتطف، وصحيفة الأهرام فضلاً عن مجلة عالم الروح الخاصة بها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أنه رغم التفسيرات المتنوعة التي يتناقلها علماء معاصرون عن الروح فإن أمرها من عالم الغيب كما ذكر القرآن الكريم وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء: 85] وقد قام الدكتور عبد الله اليسون (آرثر اليسون رئيس قسم الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة سيتي البريطانية) بإجراء تجارب معملية استخدم فيها جهاز "كيربلين" الذي يصور الهالة حول الجسم فأثبت أن النوم هو الموت والروح تخرج من الجسم في الحالتين غير أنها تعود في حالة النوم ولا تعود في حالة الموت وفي ذلك يقول تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر:42]. والذي يدعيه بعض علماء الغرب من تحضير أرواح الموتى كذب وضلال قائم على السحر والشعوذة والاتصال بالجن والشياطين ولم يثبت بأي حال. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - مشاهداتي في جمعية لندن الروحية، د. علي عبد الجليل راضي. - ظواهر حجرة تحضير الأرواح، ترجمة أحمد فهمي أبو الخير. - على حافة العالم الأثيري، ترجمة أحمد فهمي أبو الخير. - حافة المجهول، آرثر كونان دويل. - الروحية الحديثة دعوة هدامة، د. محمد محمد حسين. - المذاهب الفلسفية المعاصرة، سماح رافع محمد. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السابع والثلاثون: الكلاسيكية

أولا: التعريف الكلاسيكية مذهب أدبي، ويطلق عليه أيضاً "المذهب الإتباعي" أو المدرسي .. وقد كان يقصد به في القرن الثاني الميلادي الكتابة الأرستقراطية الرفيعة الموجهة للصفوة المثقفة الموسرة من المجتمع الأوروبي. أما في عصر النهضة الأوروبية، وكذلك في العصر الحديث: فيقصد به كل أدب يبلور المثل الإنسانية المتمثلة في الخير والحق والجمال "وهي المثل التي لا تتغير باختلاف المكان والزمان والطبقة الاجتماعية" وهذا المذهب له من الخصائص الجيدة ما يمكنه من البقاء وإثارة اهتمام الأجيال المتعاقبة. ومن خصائصه كذلك عنايته الكبرى بالأسلوب والحرص على فصاحة اللغة وأناقة العبارة ومخاطبة جمهور مثقف غالباً والتعبير عن العواطف الإنسانية العامة وربط الأدب بالمبادئ الأخلاقية وتوظيفه لخدمة الغايات التعليمية واحترام التقاليد الاجتماعية السائدة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات يعد الكاتب اللاتيني أولوس جيليوس هو أول من استعمل لفظ الكلاسيكية على أنه اصطلاح مضاد للكتابة الشعبية، في القرن الثاني الميلادي. وتعد مدرسة الإسكندرية القديمة أصدق مثال على الكلاسيكية التقليدية، التي تنحصر في تقليد وبلورة ما أنجزه القدماء وخاصة الإغريق دون محاولة الابتكار والإبداع. وأول من طور الكلاسيكية الكاتب الإيطالي بوكاتشيو 1313 - 1375م فألغى الهوة بين الكتابة الأرستقراطية والكتابة الشعبية، وتعود له أصول اللغة الإيطالية المعاصرة. كما أن رائد المدرسة الإنكليزية شكسبير 1564 - 1616م طور الكلاسيكية في عصره، ووجه الأذهان إلى الأدب الإيطالي في العصور الوسطى ومطالع عصر النهضة. أما المذهب الكلاسيكي الحديث في الغرب، فإن المدرسة الفرنسية هي التي أسسته على يد الناقد الفرنسي نيكولا بوالو 1636 – 1711م في كتابه الشهير فن الأدب الذي ألفه عام 1674م. حيث قنن قواعد الكلاسيكية وأبرزها للوجود من جديد، ولذا يعد مُنظر المذهب الكلاسيكي الفرنسي الذي يحظى باعتراف الجميع. ومن أبرز شخصيات المذهب الكلاسيكي في أوروبا بعد بوالو: - الشاعر الإنكليزي جون أولدهام 1653 – 1773م وهو ناقد أدبي ومن المؤيدين للكلاسيكية. - الناقد الألماني جوتشهيد 1700 – 1766م الذي ألف كتاب فن الشعر ونقده. - الأديب الفرنسي راسين 1639 – 1699م وأشهر مسرحياته فيدرا والإسكندر. - والأديب كورني 1606 – 1784م وأشهر مسرحياته السيد – أوديب. - الأديب موليير 1622 – 1673م وأشهر مسرحياته البخيل – طرطوف. - والأديب لافونتين 1621 – 1695م الذي اشتهر بالقصص الشعرية وقد تأثر به أحمد شوقي في مسرحياته. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات يقوم المذهب الكلاسيكي الحديث، الذي أنشأته المدرسة الفرنسية مؤسسة المذهب على الأفكار والمبادئ التالية: - تقليد الأدب اليوناني والروماني في تطبيق القواعد الأدبية والنقدية وخاصة القواعد الأرسطية في الكتابين الشهيرين: فن الشعر وفن الخطابة لأرسطو. - العقل هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، وهو الذي يحدد الرسالة الاجتماعية للأديب والشاعر، وهو الذي يوحد بين المتعة والمنفعة. - الأدب للصفوة المثقفة الموسرة وليس لسواد الشعب، لأن أهل هذه الصفوة هم أعرف بالفن والجمال، فالجمال الشعري خاصة لا تراه كل العيون. - الاهتمام بالشكل وبالأسلوب وما يتبعه من فصاحة وجمال وتعبير. - تكمن قيمة العمل الأدبي في تحليله للنفس البشرية والكشف عن أسرارها بأسلوب بارع ودقيق وموضوعي، بصرف النظر عما في هذه النفس من خير أو شر. - غاية الأدب هو الفائدة الخلقية من خلال المتعة الفنية، وهذا يتطلب التعلم والصنعة، ويعتمد عليها أكثر مما يعتمد على الإلهام والموهبة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية ارتبط المذهب الكلاسيكي بالنظرة اليونانية الوثنية، وحمل كل تصوراتها وأفكارها وأخلاقها وعاداتها وتقاليدها. والأدب اليوناني ارتبط بالوثنية في جميع الأجناس الأدبية من نقد أدبي وأسطورة إلى شعر ومسرح. ثم جاء الرومان واقتبسوا جميع القيم الأدبية اليونانية وما تحويه عن عقائد وأفكار وثنية. وجاءت النصرانية وحاربت هذه القيم باعتبارها قيماً وثنية، وحاولت أن تصبغ الأدب في عصرها بالطابع النصراني، وتستمد قيمها من الإنجيل إلا أنها فشلت، وذلك لقوة الأصول اليونانية وبسبب التحريف الذي أصابها. وبعد القرن الثالث عشر الميلادي ظهرت في إيطاليا بداية حركة إحياء للآداب اليونانية القديمة، وذلك بعد اطلاع النقاد والأدباء على كتب أرسطو في أصولها اليونانية وترجماتها العربية، التي نقلت عن طريق الأندلس وصقلية وبلاد الشام بعد الحروب الصليبية. وازدهر المذهب الكلاسيكي في الأدب والنقد بعد القرن السادس عشر والسابع عشر الميلادي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الكلاسيكية الحديثة

خامسا: الكلاسيكية الحديثة وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأت المدرسة الكلاسيكية الحديثة, أو ما يطلق عليها (النيوكلاسيكية) , وهي اتجاه حاول أن يجمع بين الكلاسيكية التقليدية الجامدة والرمانسية الخيالية المتطرفة وبلغت الكلاسيكية الحديثة قمتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى على يد كل من عزراباوند, وت. س. اليوت, وت. ل. هيوم, وجون كرورانسم, وكلانيت بروكس, وآلان تيت, وغيرهم, وكان هذا الاتجاه يرى أن تقليد الفلسفات القديمة مفيد عندما تكون في خدمة الإنتاج الأدبي والفلسفي الجديد, فالقديم ليس مجرد قوالب صماء, يجب أتباعه, بل العقل يختار من التقاليد القديمة ما يناسب الإنتاج الحديث, الذي يجب أن يفرض نفسه على القديم, كل قديم, وهم لا يفرقون في هذا الاتجاه بين الدين الحق والآداب والفلسفات الوثنية, فكل هذا القديم يجب أن يخضع للعقل والفكر المعاصر, ليختار منه ما يناسبهما, وينفعهما, دون الخضوع له. هذه الصورة الجديدة (أعني الكلاسيكية الحديثة) , هي التي استغلها الحداثيون, في العالمين, الغربي والعربي, وسار كثير منهم على نهجها, وانتسبوا إلى الكلاسيكية بهذا المفهوم الحديث. ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 582

سادسا: الاتجاه الكلاسيكي في العالم العربي

سادسا: الاتجاه الكلاسيكي في العالم العربي لم يكن في الأدب العربي مدراس واتجاهات أدبية بالمعنى المعروف لدى الآداب الأجنبية وإنما كانت أساليب وطرائق وأنواع أدبية لم تدخل المذاهب الأدبية الغربية بمفهوماتها الفلسفية إلى العالم العربي إلا في مطلع القرن الميلادي العشرين بسبب الابتعاث والترجمة ونحوهما (¬1).وممن اشتهر بالكلاسيكية في العالم العربي محمود سامي البارودي وأحمد شوقي ومحمد مهدي الجواهري ومعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي وخليل مطران وبشارة الخوري وشفيق جبري وبدوي الجبل والقروي وإلياس فرحات ومحمود قابادوا وغيرهم كثير (¬2). على تفاوت بين هؤلاء في تمسكه بالقديم ومراده به. والمراد بالحداثيين الكلاسيكيين هم الذين التزموا أصول الحداثة وأسسها الثورية من رفض القديم الحق وضرورة التحول والتطور في الأصول والمصادر المعرفية والفكرية والصراع مع الموروث الديني بغية تغييره وإخضاعه للفكر الحديث التزموا ذلك مع إيمانهم بالأوزان والقوافي القديمة واستلهام الرموز الوثنية والفلسفات اليونانية والرومانية وآدابها ومن افتخر بالحركات الباطنية والفلسفية والثورية في التاريخ الإسلامي وكذلك الخارجين والمنحرفين عن الإسلام فإنه يعيد كلاسيكيا عند بعضهم. ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 583 ¬

(¬1) ((سير أعلام النبلاء)) (14/ 62). (¬2) ((فتح الباري)) (13/ 267).

سابعا: الانتشار ومواقع النفوذ

سابعا: الانتشار ومواقع النفوذ تعد فرنسا البلد الأم لأكثر المذاهب الأدبية والفكرية في أوروبا، ومنها المذهب الكلاسيكي، وفرنسا – كما رأينا – هي التي قننت المذهب ووضعت له الأسس والقواعد النابعة من الأصول اليونانية. ثم انتشر المذهب في إيطاليا وبريطانيا وألمانيا .. على يد كبار الأدباء مثل بوكاتشيو وشكسبير. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الكلاسيكية مذهب أدبي يقول عنه أتباعه إنه يبلور المثل الإنسانية الثابتة كالحق والخير والجمال، ويهدف إلى العناية بأسلوب الكتابة وفصاحة اللغة وربط الأدب بالمبادئ الأخلاقية، ويعتبر شكسبير رائد المدرسة الكلاسيكية في عصره، ولكن المذهب الكلاسيكي الحديث ينسب إلى المدرسة الفرنسية، حيث تبناه الناقد الفرنسي نيكولا بوالو 1636 – 1711م في كتابه الشهير علم الأدب. ويقوم المذهب الكلاسيكي الحديث على أفكار هامة منها، تقليد الأدب اليوناني والروماني من بعض الاتجاهات، واعتبار العقل هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، فضلاً عن جعل الأدب للصفوة المثقفة الموسرة وليس لسواد الشعب مع الاهتمام بالشكل والأسلوب وما يستتبع ذلك من جمال التعبير، على نحو تتحقق معه فكرة تحليل النفس البشرية والكشف عن أسرارها بأسلوب بارع ودقيق وموضوعي. ومن أهم الجوانب التي تستحق التعليق في الكلاسيكية أنها تعلي من قدر الأدبين اليوناني والروماني مع ارتباطهما بالتصورات الوثنية، ورغم ما فيهما من تصوير بارع للعواطف الإنسانية فإن اهتماماتهما توجه بالدرجة الأولى إلى الطبقات العليا من المجتمع وربما استتبع ذلك الانصراف عن الاهتمام بالمشكلات الاجتماعية والسياسية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا. - مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر. - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة. - الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت. - المدخل إلى النقد الحديث، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت. - المذاهب الأدبية، د. جميل نصيف التكريتي – دار الشؤون الثقافية العامة. - مقالات عن شعر الكلاسيكية والرومانتيكية والبرناسية في: المجلة أعداد يوليو وأغسطس وسبتمبر 1959م. المراجع الأجنبية: - Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le Texte. Paris 1949. - Lanson: Historire de la litterature Francaise paris 1916. - De Segur (Nicola): Histoire de la littrature Europeenne 1959. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثامن والثلاثون: الرومانسية

أولا: التعريف الرومانسية أو الرومانتيكية مذهب أدبي يهتم بالنفس الإنسانية وما تزخر به من عواطف ومشاعر وأخيلة أياً كانت طبيعة صاحبها مؤمناً أو ملحداً، مع فصل الأدب عن الأخلاق. ولذا يتصف هذا المذهب بالسهولة في التعبير والتفكير، وإطلاق النفس على سجيتها، والاستجابة لأهوائها. وهو مذهب متحرر من قيود العقل والواقعية اللذين نجدهما لدى المذهب الكلاسيكي الأدبي، وقد زخرت بتيارات لا دينية وغير أخلاقية. - ويحتوي هذا المذهب على جميع تيارات الفكر التي سادت في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وأوائل القرن التاسع عشر. - والرومانسية أصل كلمتها من: رومانس romance باللغة الإنجليزية ومعناها قصة أو رواية تتضمن مغامرات عاطفية وخيالية ولا تخضع للرغبة العقلية المتجردة ولا تعتمد الأسلوب الكلاسيكي المتأنق وتعظم الخيال المجنح وتسعى للانطلاق والهروب من الواقع المرير، ولهذا يقول بول فاليري: "لا بد أن يكون المرء غير متزن العقل إذا حاول تعريف الرومانسية". ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات بدأت الرومانسية في فرنسا عندما قدّم الباحث الفرنسي عام 1776م ترجمة لمسرحيات شكسبير إلى الفرنسية، واستخدم الرومانسية كمصطلح في النقد الأدبي. ويعد الناقد الألماني فريدريك شليجل أول من وضع الرومانسية كنقيض للكلاسيكية. ثم تبلورت الرومانسية كمذهب أدبي، وبدأ الناس يدركون معناها الحقيقي التجديدي وثورتها ضد الكلاسيكية. وترجع الرومانسية الإنكليزية إلى عام 1711م ولكن على شكل فلسفة فكرية .. ونضجت الرومانسية الإنكليزية على يد توماس جراي وويليام بليك. ولا شك أن الثورة الفرنسية 1798م هي أحد العوامل الكبرى التي كانت باعثاً ونتيجة في آن واحد للفكر الرومانسي المتحرر والمتمرد على أوضاع كثيرة، أهمها الكنيسة وسطوتها والواقع الفرنسي وما فيه. وفي إيطاليا ارتبط الأدب بالسياسة عام 1815م وأصبح اصطلاح رومانسي في الأدب يعني ليبراليا (أي: حراً أو حرية) في السياسة. ومن أبرز المفكرين والأدباء الذين اعتنقوا الرومانسية: - المفكر والأديب الفرنسي جان جاك روسو 1712 – 1788م ويعد رائد الرومانسية الحديثة. - الكاتب الفرنسي شاتو بريان 1768 – 1848م ويعد من رواد المذهب الذين ثاروا على الأدب اليوناني القائم على تعدد الآلهة. - مجموعة من الشعراء الإنكليز، امتازوا بالعاطفة الجياشة والذاتية والغموض رغم أنهم تغنوا بجمال الطبيعة وهم: توماس جراي 1716 – 1771م ووليم بليك 1757 – 1927م وشيلي 1762 – 1822م كيتش 1795 – 1821م وبايرون 1788 – 1824م. - الشاعر الألماني جوته 1749 – 1832م مؤلف رواية آلام فرتر عام 1782م وفاوست التي تظهر الصراع بين الإنسان والشيطان. - الشاعر الألماني شيلر 1759 – 1805م ويعد أيضاً من رواد المذهب. - الشاعر الفرنسي بودلير 1821 – 1867م الذي اتخذ المذهب الرومانسي في عصره شكل الإلحاد بالدين. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات لقد كانت الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية، وهذا ما نراه واضحاً من خلال أفكارها ومبادئها وأساليبها التي قد لا تكون واحدة عند جميع الرومانسيين، ويمكن إجمال هذه الأفكار والمباديء فيما يلي: - الذاتية أو الفردية: وتعد من أهم مبادئ الرومانسية، وتتضمن الذاتية عواطف الحزن والكآبة والأمل، وأحياناً الثورة على المجتمع. فضلاً عن التحرر من قيود العقل والواقعية والتحليق في رحاب الخيال والصور والأحلام. التركيز على التلقائية والعفوية في التعبير الأدبي، لذلك لا تهتم الرومانسية بالأسلوب المتأنق، والألفاظ اللغوية القوية الجزلة. تنزع بشدة إلى الثورة وتتعلق بالمطلق واللامحدود. - الحرية الفردية أمر مقدس لدى الرومانسية، لذلك نجد من الرومانسيين من هو شديد التدين مثل: شاتوبريان ونجد منهم شديد الإلحاد مثل شيلي. ولكن معظمهم يتعالى على الأديان والمعتقدات والشرائع التي يعدها قيوداً. - الاهتمام بالطبيعة، والدعوة بالرجوع إليها حيث فيها الصفاء والفطرة السليمة، وإليها دعا روسو. - فصل الأدب عن الأخلاق، فليس من الضروري أن يكون الأديب الفذ فذ الخلق. ولا أن يكون الأدب الرائع خاضعاً للقوانين الخلقية. - الإبداع والابتكار القائمان على إظهار أسرار الحياة من صميم عمل الأديب، وذلك خلافاً لما ذهب إليه أرسطو من أن عمل الأديب محاكاة الحياة وتصويرها. - الاهتمام بالمسرح لأنه هو الذي يطلق الأخيلة المثيرة التي تؤدي إلى جيشان العاطفة وهيجانها. - الاهتمام بالآداب الشعبية والقومية، والاهتمام باللون المحلي الذي يطبع الأديب بطابعه، وخاصة في الأعمال القصصية والمسرحية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية العقائدية

رابعا: الجذور الفكرية العقائدية تعد الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية المتشددة في قواعدها العقلية والأدبية، وكذلك ثورة ضد العقائد اليونانية المبنية على تعدد الآلهة ومن جذور هذه الثورة ظهور التيارات الفلسفية التي تدعو إلى التحرر من القيود العقلية والدينية والاجتماعية. فضلاً عن اضطراب الأحوال السياسية في أوروبا بعد الثورة الفرنسية الداعية إلى الحرية والمساواة وما يتبع ذلك من صراع على المستعمرات، وحروب داخلية .. كل هذه الأمور تركت الإنسان الأوروبي قلقاً حزيناً متشائماً، فانتشر فيه مرض العصر، وهو الإحساس بالكآبة والإحباط ومحاولة الهروب من الواقع، وكان من نتيجة ذلك ظهور اتجاهات متعددة في الرومانسية، إذ توغلت في العقيدة والأخلاق والفلسفة والتاريخ والفنون الجميلة. - ودخلت الرومانسية في الفلسفة وتجلت في نظرية الإنسان الأعلى (السوبرمان) عند نيتشة 1844 – 1900م ونظرية الوثبة الحيوية عند برغسون 1859 – 1941م. الرومانسية الجديدة: انحسرت الرومانسية في مطلع القرن العشرين عندما أعلن النقاد الفرنسيون هجومهم عليها – وذلك لأنها تسلب الإنسان عقله ومنطقه – وهاجموا روسو الذي نادى بالعودة إلى الطبيعة. وقالوا: لا خير في عاطفة وخيال لا يحكمهما العقل المفكر والذكاء الإنساني والحكمة الواعية والإرادة المدركة. وكان من نتيجة ذلك نشوء الرومانسية الجديدة ودعوتها إلى الربط بين العاطفة التلقائية والإرادة الواعية في وحدة فكرية وعاطفية، ومن ثم نشأت الرومانسية الجديدة حاملة معها أكثر المعتقدات القديمة للرومانسية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الاتجاه الرومانسي في العالم العربي

خامسا: الاتجاه الرومانسي في العالم العربي نشأته وعوامل انتشاره دخلت الرومانسية إلى العالم العربي مع الإرساليات التنصيرية التي زعزعت الإيمان في نفوس بعض المسلمين لا سيما في لبنان. تأمل ما يقوله إيليا الحاوي، مؤكدا ومؤيدا: إن الإرساليات البروتستانتية الوافدة على الشرق بالتبشير والمال زعزعت أركان اليقين القديم ووضعت المسلمات الدينية موضع التساؤل وأيقظت معنى الحرية حتى في الإيمان الديني ... وجاءت الترجمة العربية للكتاب المقدس بلغة يسيرة .. مع البروتستانت .. وقد تولاها الشيخ إبراهيم اليازجي وكان لترجمة الكتاب المقدس فعل كبير في النفوس وكان الإنجيليون البروتستانت يدربون الطلبة على حفظها عن ظهر قلب وتلاوته في المحافل كما أنهم كانوا يترنمون به في الاجتماعات الدينية والكتاب المقدس وبخاصة في عهده القديم لا يعدو أن يكون أروع أثر أدبي رومنسي في التعبير عن زوالية العالم وفي النفحة الروحية المنطلقة من عقال القواعد المنطقية كان يلج إلى الروح بمثل الذهول ولم يكن يخلو بيت في جبل لبنان من نسخة من الكتاب المقدس يسجلون على دفته الأولى أسماء أبناء العائلة وتاريخ ولادتهم .. وهذه الآية الرومانسية الرائعة تسربت إلى النفوس وكمنت فيها واختمرت ومهدت لنشوء أدب يماثلها في الذهول والرؤيا والانفعالية الخالقة وأئمة المذهب الرومنسي عند العرب أمثال جبران وإلياس أبي شبكة كانوا يدمنون تلاوة الكتاب المقدس وكان بالنسبة إليهم الينبوع الدائم للغذاء الفني والروحي وليس من العسير أن يستشف القارئ في آثار جبران الأولى والأخيرة تقمصات الكتاب المقدس .. ومهما يكن فإن ظل الكتاب المقدس وبخاصة في ترجمته البروتستانتية يهيمن على أدب النهضة الإبداعي (¬1).ومن ثم قامت كثير من الصحف والمجلات بنشر هذا الاتجاه الرومانسي المتأثر بالتدين النصراني المنحرف في العالم العربي كمجلة المقتطف والهلال والضياء وغيرها (¬2).ولا شك أنه "كان للاستشراق الأوروبي ولهجرة المشارقة العرب وخاصة اللبنانيين والسوريين إلى الأميركيتين وانتشار الآداب الغربية في بلاد المشرق العربي والاطلاع عليها أصلية أو مترجمة .. كان لكل ذلك آثاره وعوامله" (¬3).في نشأة تيارات أدبية وفلسفية جديدة في العالم العربي وإدخال المدارس والاتجاهات الغربية إليه فلقيت استقبالا حارا من بعض الأدباء والفلاسفة العرب الذين يصرحون بمعتقدهم الذي يرى أن الفكر العربي وآدابه استعمل أكثر من أربعة عشر قرنا حتى بلي " ولم يعد قادرا على النهوض بمضمون جديد ولقد صار شديد الارتباط بالمعاني التقليدية والمواقف التقليدية والطرق التقليدية في التعبير عن العواطف الإنسانية حتى لم يعد يستطيع أن يحمل معنى جديدا أو طريقة جديدة في التعبير (¬4).ولهذا فإنه مما لا شك فيه أن الرومانسية هي أحد العوامل التي أنتجت الحداثيين العرب ومن ثم سار على نهجها كثير منهم (¬5). ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 594 وممن تأثر بالرومانسية من المملكة العربية السعودية محمد حسن عواد ومحمد حسن فقي وحسن عبدالله القرشي وغازي عبدالرحمن القصيبي وعمران بن محمد العمران وطاهر زمخشري وحسين سرحان وغيرهم) (¬6) ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 594 ¬

(¬1) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (208 - 209)، وانظر: ((سير أعلام النبلاء)) (21/ 501). (¬2) ((نهاية الإقدام في علم الكلام)) (ص 3). (¬3) ((الصواعق المرسلة لابن القيم)) (1/ 166). (¬4) انظر:: ((مذاهب فكرية معاصرة)) (ص589). (¬5) ((انظر الإسلام والحضارة العربية)) (ص132) د. محمد محمد حسين. (¬6) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (59 – 60).

سادسا: الانتشار ومواقع النفوذ

سادسا: الانتشار ومواقع النفوذ تعد فرنسا موطن المذهب الرومانسي، ومنها انتقل إلى ألمانيا ومنها إلى إنكلترا وإيطاليا. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الرومانسية أو الرومانتيكية مذهب أدبي يقول أنصاره أنه يهدف إلى سبر أغوار النفس البشرية واستظهار ما تزخر به من عواطف ومشاعر وأحاسيس وأخيلة، للتعبير من خلال الذاتية عن عواطف الحزن والأسى والكآبة والألم والأمل، ومن خلال العفوية الخالية من تأنق الأسلوب وجزالة اللفظ ودقة التراكيب اللغوية، مع الاهتمام بالطبيعة وضرورة الرجوع إليها، وفصل الأخلاق عن الأدب، والاهتمام بالآداب الشعبية. وقد اعتنق كثير من الحداثيين الرومانسية بل عدها بعضهم أحد اتجاهات الحداثة. تعقيب: ومن وجهة النظر الإسلامية فإن أي تيار أدبي لا بد أن يكون ملتزماً بالدين والأخلاق كجزء من العقيدة، وإذا كانت ملازمة الحزن والتعبير عنه لها سلبيات كثيرة، فإن الإسلام يتطلب من معتنقيه مواجهة الظروف التي يتعرضون لها بشجاعة والتسليم بقضاء الله وتلمس الأسباب للخروج من الأزمات دون يأس أو إحباط، وكل إنسان مسئول عن تصرفاته ومحاسب عليها بين يدي الله، طالما كان يملك أهلية التصرف، أما المكره فهو معذور وتسقط عنه الأوزار فيما يرتكبه قسراً، ولكنه لا يعذر في التعبير الحر عما ينافي العقيدة ويتعارض معها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا – ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض. - مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر/ نشر دار الشعاع – الكويت. - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة. - الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت. - المدخل إلى النقد الحديث، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة: 1959م. - الرومانتيكية، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة: 1955م. - الأدب المقارن، ماريوس فرنسوا غويار – (سلسلة زدني علماً). - المذاهب الأدبية الكبرى، فيليب فان تيغيمة (سلسلة زدني علما). المراجع الأجنبية: - Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le Texte. Paris 1949. - Lanson: Histoire de La Litterature Francaise. Paris. 1960. - De Segur (Nicola): Histoire de la litterature Europieenne, Paris, 1959. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب التاسع والثلاثون: الرمزية

أولا: التعريف الرمزية مذهب أدبي فلسفي ملحد، يعبر عن التجارب الأدبية والفلسفية المختلفة بواسطة الرمز أو الإشارة أو التلميح. - والرمز معناه الإيحاء، أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها أو لا يراد التعبير عنها مباشرة. - ولا تخلو الرمزية من مضامين فكرية واجتماعية، تدعو إلى التحلل من القيم الدينية والخلقية، بل تتمرد عليها؛ متسترة بالرمز والإشارة. - وتعد الرمزية الأساس المؤثر في مذهب الحداثة الفكري والأدبي الذي خلفه. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي الرمزية مدرسة ظهرت أصلا في القرن التاسع عشر رد فعل للنزعة الميكانيكية التي ادعت الإحاطة بفهم الكون وتفسيره عن طريق العقل والعلم وأنكرت كل ما يندرج تحت سلطة المنطق وإدراك الحواس، إذ اعتقد الرمزيون أن تلك النزعة قاصرة عن تفسير الواقع فضلاً عن العوالم المجهولة في الكون والنفس. وحملهم ذلك "إلى الشعور بأن وراء الإمكان الإيجابي سراً لم يكتشف ومجهولاً لم يستكنه وإلى جانب هذه النزعة إلى المجهول أدلى علم السكيولوجيا بأن في الإنسان حالتين: واعية ويدركها العقل والإيجاب وغير واعية قصر العقل عنها، وقد تكون هذه الزاوية في الإنسان هي الحقيقة وقد يكون الواقع الموضوعي سراباً " (¬1) على هذا الأساس قام الأدب الرمزي محاولاً تطويع اللغة والأحداث للتعبير عن الحقائق المجهولة التي تلح الفطرة عليها بينما هي اللغة – في نظرهم – ستظل مجهولة إلى الأبد ولا وسيلة قط إلى تقريبها إلا هذا الأسلوب. ومن أشهر زعمائها بودلير ورامبو. ¤العلمانية لسفر الحوالي ص 488، 489 ¬

(¬1) ([314]) واليوم نعيش هذا الوضع تماما في العراق في وحشية لا نظير لها من قبل الغرب الحاقد بزعامة أمريكا وبريطانيا ومن سار على دربهم.

ثانيا: أسباب نشأة هذا الاتجاه وانتشاره

ثانيا: أسباب نشأة هذا الاتجاه وانتشاره نشأت الرمزية في القرن الميلادي التاسع عشر وفي منتصفه تقريبا إذ تجمعت عدة عوامل ساعدت على نشأة هذا الاتجاه وازدهاره في فرنسا على يد جماعة من النقاد والشعراء والفلاسفة أمثال شارل بودلير ورامبو وفيرلين ومالاراميه، وغيرهم. (¬1). أولا: العامل العقدي وهو الشعور الحاد بالفراغ الروحي الذي يعيشه الإنسان الأوروبي لا سيما مع الصدمة التي أصيب بها نتيجة إخفاق العلوم التجريبية في سد فراغه الروحي وتطلعه الفكري وإخفاق النظريات الفلسفية التي جعلت الإنسان كائنا عضويا تسيره غرائزه ومادياته وقطعت صلته بالله تعالى وعزلته عن الدين الحق الذي هو السبيل الوحيد للسعادة والاطمئنان. (¬2). ثانيا: العامل الاجتماعي فرواد الرمزية وغيرهم من الفلاسفة ونحوهم عاشوا في تناقضات اجتماعية كبيرة مما جعلهم ينفرون من أنظمتها وقوانينها وتقاليدها التي ربما حرمتهم من بعض شهواتهم وملذاتهم فاتهموها بمحاربة الحرية فمارسوا أنواع الشذوذ الجنسي والفكري والأخلاقي حتى لقبوا بالمنحطين ومن ثم اشتهرت فلسفتهم (الانحطاطية) والتي هي اتجاه فلسفي سياسي له طابع ثوري يتضمن إنكار جميع القيم السائدة ثم أطلق جوتيه هذه التسمية على الروح السائدة في ديوان أزهار الشر لبودلير وعلى المتأثرين به لخروجهم على القيم والأخلاق والأعراف الفكرية والفنية. (¬3). ثالثا: العامل الفني وهو "البحث عن أسلوب جديد في التعبير فقد كره رواد الرمزية التعبير المباشر الواضح ونفروا من أساليب الواقعيين والبرناسيين وادعوا أنها تعجز عن نقل إحساساتهم وأن اللغة ذاتها عاجزة عن نقل التجربة الشعورية العميقة لذلك ينبغي إيجاد أسلوب يوحي بهذه التجربة وينقل أثرها إلى القارئ" (¬4). ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 629 ¬

(¬1) ([315]) ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (ص 60). (¬2) انظر ((المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها)) (215 - 220)، وانظر ((نحو بناء منهج البدائل الإسلامية)) لأنور الجندي (253 - 259). (¬3) [317])) ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (ص86). (¬4) ((إغاثة اللهفان)) (ص84).

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات - رغم أن استعمال الرمز قديم جداً، كما هو عند الفراعنة واليونانيين القدماء إلا أن المذهب الرمزي بخصائصه المتميزة لم يعرف إلا عام 1886م حيث أصدر عشرون كاتباً فرنسيًّا بياناً نشر في إحدى الصحف يعلن ميلاد المذهب الرمزي، وعرف هؤلاء الكتّاب حتى مطلع القرن العشرين بالأدباء الغامضين. وقد جاء في البيان: إن هدفهم "تقديم نوع من التجربة الأدبية تستخدم فيها الكلمات لاستحضار حالات وجدانية، سواء كانت شعورية أو لا شعورية، بصرف النظر عن الماديات المحسوسة التي ترمز إلى هذه الكلمات، وبصرف النظر عن المحتوى العقلي الذي تتضمنه، لأن التجربة الأدبية تجربة وجدانية في المقام الأول". - ومن أبرز الشخصيات في المذهب الرمزي في فرنسا وهي مسقط رأس الرمزية: - الأديب الفرنسي بودلير 1821 – 1967م وتلميذه رامبو. - ومالارراميه 1842 – 1898م ويعد من رموز مذهب الحداثة أيضاً. - بول فاليري 1871 – 1945م. - وفي ألمانيا ر. م. ريلكه وستيفان جورج. - وفي أمريكا يمي لويل. - وفي بريطانيا: أوسكار وايلد. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الأفكار والمعتقدات

رابعا: الأفكار والمعتقدات من الأفكار والآراء التي تضمنتها الرمزية: - الابتعاد عن عالم الواقع وما فيه من مشكلات اجتماعية وسياسية، والجنوح إلى عالم الخيال بحيث يكون الرمز هو المعبر عن المعاني العقلية والمشاعر العاطفية. - البحث عن عالم مثالي مجهول يسد الفراغ الروحي ويعوضهم عن غياب العقيدة الدينية، وقد وجد الرمزيون ضالتهم في عالم اللاشعور والأشباح والأرواح. - اتخاذ أساليب تعبيرية جديدة واستخدام ألفاظ موحية، تعبر عن أجواء روحية، مثل لفظ الغروب الذي يوحي بمصرع الشمس الدامي والشعور بزوال أمر ما، والإحساس بالإنقباض. وكذلك تعمد الرمزية إلى تقريب الصفات المتباعدة رغبة في الإيحاء مثل تعبيرات: الكون المقمر، الضوء الباكي، الشمس المرة المذاق .. الخ. تحرير الشعر من الأوزان التقليدية، فقد دعي الرمزيون إلى الشعر المطلق مع التزام القافية أو الشعر الحر وذلك لتساير الموسيقى فيه دفعات الشعور. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية لقد انبثقت الرمزية عن نظرية المثل لدى أفلاطون، وهي نظرية تقوم على إنكار الحقائق الملموسة، وتعبر النظرية عن حقائق مثالية، وتقول: إن عقل الإنسان الظاهر الواعي عقل محدود، وأن الإنسان يملك عقلاً غير واعٍ أرحب من ذلك العقل. وفي أواخر القرن التاسع عشر تجمعت عوامل عقدية واجتماعية وثقافية لولادة الرمزية على يد: بودلير وغيره من الأدباء: العوامل العقدية: وتتمثل في انغماس الإنسان الغربي في المادية التي زرعتها الفلسفة الوضعية، ونسيان كيانه الروحي، وقد فشلت المادية والإلحاد في ملء الفراغ الذي تركه عدم الإيمان بالله. العوامل الاجتماعية: وتتمثل في الصراع الاجتماعي الحاد بين ما يريده بعض الأدباء والمفكرين من حرية مطلقة وإباحية أخلاقية، وبين ما يمارسه المجتمع من ضغط وكبح لجماحهم، مما زاد بتأثرهم بنظرية المثل الأفلاطونية وكتابات الكاتب الأمريكي ادجار الآن بو – الخيالية المتميزة. - العوامل الفنية: وذلك باعتقادهم أن اللغة عاجزة عن التعبير عن تجربتهم الشعورية العميقة، فلم يبق إلا الرمز ليعبر فيه الأديب عن مكنونات صدره. الانتشار ومواقع النفوذ: بدأت الرمزية في فرنسا حيث ولدت أكثر المذاهب الأدبية والفكرية، ثم انتشرت في أوروبا وأمريكا. ويكاد يكون هذا المذهب نتيجة من نتائج تمزق الإنسان الأوروبي وضياعه بسبب طغيان النزعة المادية وغيبة الحقيقة، والتعلق بالعقل البشري وحده للوصول إليها، من خلال علوم توهم بالخلاص عند السير في دروب الجمال، ولا شك أن الرمزية ثمرة من ثمرات الفراغ الروحي والهروب من مواجهة المشكلات باستخدام الرمز في التعبير عنها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الرمزية مذهب أدبي يتحلل من القيم الدينية، ويعبر عن التجارب الأدبية الفلسفية من خلال الرمز والتلميح، نأياً من عالم الواقع وجنوحاً إلى عالم الخيال، وبحثاً عن مثالية مجهولة تعوض الشباب عن غياب العقيدة الدينية، وذلك باستخدام الأساليب التعبيرية الجديدة، والألفاظ الموحية، وتحرير الشعر من كافة قيود الوزن التقليدية. ولاشك في خطورة هذا المذهب على الشباب المسلم إن درسه دون أن يكون ملماً سلفاً بأسسه المتقدمة والتي تهدر القيم الدينية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا. - مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر، نشر دار الشعاع – الكويت. - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب. - مقالة: "الحداثة في الأدب العربي المعاصر هل انفض سامرها"، للدكتور محمد مصطفى هدارة – مجلة الحرس الوطني عدد ربيع الآخرة 1410هـ. - الأدب الرمزي، تأليف هنري بير – ترجمة هنري زغيب. - السريالية، إيف دوليس (سلسلة زدني علماً). - الأدب المقارن، مايوس فرانسوا غويار (سلسلة زدني علماً). - المعجم الأدبي، جبور عبد النور – دار العلم للملايين – بيروت. المراجع الأجنبية: - Clourad (H): Histoire de la litterature Francaise du symbolisme a nor jours. Paris 1944 – 1949. - Cazamian (L): Symbolisme et Poesie. L’Exemple anglais. Paris 1947. - G. Kahon: let originer du symbolisme, Paris, 1936. - De Segur: Historire de la litterature Europieenne, paris 1959. - P. Mortino, Parnasse et. Symbolisme, Paris, 1947. - Lanson: Histoire de la litterature Europieenne, paris 1960. - Stphane Mallarme, Qeurres Completer, Paris. Ed. De la pleiade. 1951. - Guy Michaud Message Poetique du symbolisme paris 1947. - quete de jules Huret, in Mallarme et le – Symbolisme, classiquer Larousse 1972. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الأربعون: الحداثة

أولا: التعريف الحداثة مذهب فكري أدبي علماني، بني على أفكار وعقائد غربية خالصة مثل الماركسية والوجودية والفرويدية والداروينية، وأفاد من المذاهب الفلسفية والأدبية التي سبقته مثل السريالية والرمزية وغيرها. وتهدف الحداثة إلى إلغاء مصادر الدين، وما صدر عنها من عقيدة وشريعة وتحطيم كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية بحجة أنها قديمة وموروثة لتبني الحياة على الإباحية والفوضى والغموض، وعدم المنطق، والغرائز الحيوانية، وذلك باسم الحرية، والنفاذ إلى أعماق الحياة. والحداثة خلاصة مذاهب خطيرة ملحدة، ظهرت في أوروبا كالمستقبلية والوجودية والسريالية وهي من هذه الناحية شر لأنها إملاءات اللاوعي في غيبة الوعي والعقل وهي صبيانية المضمون وعبثية في شكلها الفني وتمثل نزعة الشر والفساد في عداء مستمر للماضي والقديم، وهي إفراز طبيعي لعزل الدين عن الدولة في المجتمع الأوروبي ولظهور الشك والقلق في حياة الناس مما جعل للمخدرات والجنس تأثيرهما الكبير. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: الجذور التاريخية للحداثة

ثانيا: الجذور التاريخية للحداثة إن الحداثة ـ في أصلها ونشأتها ـ مذهب فكري غربي، ولد ونشأ في الغرب، ثم انتقل منه إلى بلاد المسلمين، وحتى يكون القارئ على بينة من الظروف التاريخية التي نشأت الحداثة فيها في الغرب قبل انتقالها إلينا، وحتى نعرف من هم رموز نشأتها من الغربيين قبل معرفة من هم ببغاواتها لدى المسلمين، نضع هذا البحث. ولا شك أن الحداثيين العرب حاولوا بشتى الطرق والوسائل أن يجدوا لحداثتهم جذوراً في التاريخ الإسلامي، فما أسعفهم إلا من كان على شاكلتهم من كل ملحد أو فاسق أو ماجن مثل: الحلاج، وابن عربي، وبشار، وأبي نواس، وابن الراوندي، والمعري، والقرامطة، وثورة الزنج، لكن الواقع أن كل ما يقوله الحداثيون هنا، ليس إلا تكراراً لما قاله حداثيو أوربا وأمريكا، ورغم صياحهم وجعجعتهم بالإبداع والتجاوز للسائد والنمطي ـ كما يسمونه ـ إلا أنه لا يطبق إلا على الإسلام وتراثه، أمّا وثنية اليونان وأساطير الرومان وأفكار ملاحدة الغرب، حتى قبل مئات السنين، فهي قمة الحداثة وبذلك فهم مجرد نقلة لفكر أعمدة الحداثة في الغرب مثل: أليوت، وباوند، وريلكة ولوركا، ونيرودا، وبارت، وماركيز، وغيرهم إلى آخر القائمة الخبيثة التي اضطرنا حداثيونا إلى قراءة سير أهلها الفاسدة، وإنتاجها الذي حوى حثالة ما وصل إليه فكر البشر. لقد نمت الحداثة كما قلنا في البيئة الغربية، وكانت إحدى مراحل تطور الفكر الغربي، ثم نقلت إلى بلاد العرب صورة طبق الأصل لما حصل في الغرب، ولم يبق منها عربي إلا الحروف العربية، أما الكلمات والتراكيب والنحو فقد فجرها الحداثيون كما يدعون وفرغوها من مضمونها. ¤الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص23، 24

ثالثا: لمحة موجزة عن تاريخ الحداثة في الغرب

ثالثا: لمحة موجزة عن تاريخ الحداثة في الغرب على الرغم من الاختلاف بين الكثير ممن أرخوا للحداثة الأوربية حول بدايتها الحقيقية وعلى يد من كانت, فإن الغالبية منهم يتفقون على أن تاريخها يبدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي على يدي بودلير، وهذا لا يعني أن الحداثة قد ظهرت من فراغ، فإن من الثابت أن الحداثة رغم تمردها وثورتها على كل شيء، حتى في الغرب، فإنها تظل إفرازاً طبيعياً من إفرازات الفكر الغربي، والمدنية الغربية التي قطعت صلتها بالدين على ما كان في تلك الصلة من انحراف، وذلك منذ بداية ما يسمى بعصر النهضة في القرن الخامس عشر الميلادي، حين انفصلت المجتمعات الأوربية عن الكنيسة، وثارت على سلطتها الروحية التي كانت بالفعل كابوساً مقيتاً محارباً لكل دعوة للعلم الصحيح، والاحترام لعقل الإنسان، وحينها انطلق المجتمع هناك من عقاله بدون ضابط أو مرجعية دينية، وبدأ يحاول أن يبني ثقافته من منطلق علماني بحت فظهرت كثير من الفلسفات والنظريات في شتى مناحي الحياة. وطبيعي ما دام لا قاعدة لهم ينطلقون منها لتصور الكون والحياة والإنسان، ولا ثابت لديهم يكون محوراً لتقدمهم المادي، ورقيهم الفكري والحضاري، أن يظهر لديهم كثير من التناقض والتضاد، وأن يهدموا اليوم ما بنوه بالأمس ولا جامع بين هذه الأفكار إلا أنها مادية ملحدة، ترفض أن ترجع لسلطان الكنيسة الذي تحررت من نيره قبل ذلك. ¤الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص27، 28

رابعا: موجز تاريخ الحداثة العربية

رابعا: موجز تاريخ الحداثة العربية بعد أن انتقل وباء الحداثة إلى ديار العرب على أيدي المنهزمين فكريا، ولقيت الرفض من المجتمع الإسلامي في بلاد العرب، أخذوا ينقبون عن أي أصول لها في التاريخ العربي لعلها تكتسب بذلك الشرعية، وتحصل على جواز مرور إلى عقول أبناء المسلمين إذ لا يعقل أن يواجهوا جماهير المثقفين المسلمين في البداية بفكرة غربية ولباسها غربي، فليبحثوا عن ثوب عربي يلبسونه الفكرة الغربية حتى يمكنها أن تتسلل إلى العقول في غيبة يقظة الإيمان والأصالة. وأدونيس .... يعتبر المنظر الفكري للحداثيين العرب، وكتابه (الثابت والمتحول) هو إنجيل الحداثيين كما يقول محمد المليباري، ومهما حاول الحداثيون أن ينفوا ذلك فإن جميع إنتاجهم يشهد بأنهم أبناؤه الأوفياء لفكره. وهكذا ابتدأ المنظر الفكري للحداثة العربية ينبش كتب التراث, ويستخرج كل شاذ ومنحرف من الشعراء والأدباء والمفكرين، مثل: بشار بن برد، وأبي نواس، لأن في شعرهم الكثير من المروق على الإسلام، والتشكيك في العقائد والسخرية منها، والدعوة للانحلال الجنسي. وحين يتحدث أدونيس عن أبي نواس وعمر بن أبي ربيعة، وعن سبب إعجاب الحداثيين بشعرهما، يقول: "إن الانتهاك ـ أي تدنيس المقدسات ـ هو ما يجذبنا في شعرهما، والعلة في هذا الجذب أننا لا شعوريّاً نحارب كل ما يحول دون تفتح الإنسان، فالإنسان من هذه الزاوية ثوري بالفطرة، الإنسان حيوان ثوري". انظر (الثابت المتحول) (ج1 صفحة 216). بل إنهم يعتبرون رموز الإلحاد والزندقة، أهل الإبداع والتجاوز، وأهل المعاناة في سبيل حرية الفكر والتجاوز للسائد، وألفوا في مدحهم القصائد والمسرحيات والمؤلفات. ¤الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص35، 38

خامسا: من أبرز رموز مذهب الحداثة من الغربيين

خامسا: من أبرز رموز مذهب الحداثة من الغربيين - شارل بودلير 1821 – 1867م وهو أديب فرنسي أيضاً نادى بالفوضى الجنسية والفكرية والأخلاقية، ووصفها بالسادية أي مذهب التلذذ بتعذيب الآخرين. له ديوان شعر باسم أزهار الشر مترجم للعربية من قبل الشاعر إبراهيم ناجي، ويعد شارل بودلير مؤسس الحداثة في العالم الغربي. - الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير 1821 – 1880م. - مالا راميه 1842 – 1898م وهو شاعر فرنسي ويعد أيضاً من رموز المذهب الرمزي. - الأديب الروسي مايكوفسكي، الذي نادى بنبذ الماضي والاندفاع نحو المستقبل. الحداثيون في العالم العربي قسمان الذين يدعون إلى الحداثة ونشرها في العالم العربي كثير فلا يكاد يخلو بلد عربي من عشرات الحداثيين الذين اعتنقوا الفكر الحداثي وأصبحوا دعاة إليه في كثير من الوسائل. والمتأمل في دعاة الحداثة يجدهم قسمين: القسم الأول: رواد ومفكرون تربوا زمنا طويلا على الفكر الحداثي وتشربته عقولهم واقتنعوا به فأصبح همهم بث الحداثة والتنظير لها. القسم الثاني: أتباع ورعاع وغوغاء ضعف إيمانهم وأمنوا العاقبة وخلت عقولهم وقلوبهم من الفكر العقدي والروحي القويم فعاشوا في ضنك وضيق ومركبات نقص وعقد نفسية فحاولوا معالجة ما يجدونه في أنفسهم من ضيق وحرج وغربة بالمخالفة للنمطي والسائد والتمرد على المألوف والموروث فهذا أقرب طريق للبروز والشهرة وإكمال النقص وتخفيف الحالات النفسية التي يعيشونها فكانت الحداثة هي المسلك الحاضر والمركب السهل. فاستغل أولئك الرواد حالة هؤلاء الغوغاء فكالوا لهم المديح وعدوهم " شبابا واعدا" و" صفوة مثقفة" و" نخبة برجوازية جديدة" وما إلى ذلك من الأوصاف التي غررت هؤلاء الأتباع الجهلة فأصبحوا ينعقون بكل ما يسمعون من أساتذتهم من مخالفات عقدية وشرعية وسياسية. ونحو ذلك. ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 690

سادسا: ومن رموز مذهب الحداثة في البلاد العربية

سادسا: ومن رموز مذهب الحداثة في البلاد العربية - يوسف الخال – الشاعر النصراني وهو سوري الأصل رئيس تحرير مجلة شعر الحداثية. وقد مات منتحراً أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. - أدونيس (علي أحمد سعيد) نصيري سوري، ويعد المُروِّج الأول لمذهب الحداثة في البلاد العربية، وقد هاجم التاريخ الإسلامي، والدين والأخلاق في رسالته الجامعية التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة "القديس يوسف" في لبنان وهي بعنوان الثابت والمتحول، ودعا بصراحة إلى محاربة الله عز وجل. وسبب شهرته فساد الإعلام بتسليط الأضواء على كل غريب. - د. عبد العزيز المقالح – وهو كاتب وشاعر يماني، وهو الآن مدير لجامعة صنعاء وذو فكر يساري. - عبد الله العروي – ماركسي مغربي. - محمد عابد الجابري مغربي. - الشاعر العراقي الماركسي عبد الوهاب البياتي. - الشاعر الفلسطيني محمود درويش – عضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي أثناء إقامته بفلسطين المحتلة، وهو الآن يعيش خارج فلسطين. - كاتب ياسين ماركسي جزائري. - محمد أركون جزائري يعيش في فرنسا. - الشاعر المصري صلاح عبد الصبور – مؤلف مسرحية الحلاج. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سابعا: الأفكار والمعتقدات

سابعا: الأفكار والمعتقدات نجمل أفكار ومعتقدات مذهب الحداثة كما هي عند روادها ورموزها وذلك من خلال كتاباتهم وشعرهم فيما يلي: - رفض مصادر الدين، الكتاب والسنة والإجماع، وما صدر عنها من عقيدة إما صراحة أو ضمناً. - رفض الشريعة وأحكامها كموجه للحياة البشرية. - الدعوة إلى نقد النصوص الشرعية، والمناداة بتأويل جديد لها يتناسب والأفكار الحداثية. - الدعوة إلى إنشاء فلسفات حديثة على أنقاض الدين. - الثورة على الأنظمة السياسية الحاكمة لأنها في منظورها رجعية متخلفة أي غير حداثية، وربما استثنوا الحكم البعثي. - تبني أفكار ماركس المادية الملحدة، ونظريات فرويد في النفس الإنسانية وأوهامه، ونظريات دارون في أصل الأنواع وأفكار نيتشة، وهلوسته، والتي سموها فلسفة في الإنسان الأعلى (السوبر مان). - تحطيم الأطر التقليدية والشخصية الفردية، وتبني رغبات الإنسان الفوضوية والغريزية. - الثورة على جميع القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية الإنسانية، وحتى الاقتصادية والسياسية. - رفض كل ما يمت إلى المنطق والعقل. - اللغة – في رأيهم – قوة ضخمة من قوى الفكر المتخلف التراكمي السلطوي، لذا يجب أن تموت، ولغة الحداثة هي اللغة النقيض لهذه اللغة الموروثة بعد أن أضحت اللغة والكلمات بضاعة عهد قديم يجب التخلص منها. - الغموض والإبهام والرمز – معالم بارزة في الأدب والشعر الحداثي. - ولا يقف الهجوم على اللغة وحدها ولكنه يمتد إلى الأرحام والوشائح حتى تتحلل الأسرة، وتزول روابطها، وتنتهي سلطة الأدب وتنتصر إرادة الإنسان وجهده على الطبيعة والكون. - ومن الغريب أن كل حركة جديدة للحداثة تعارض سابقتها في بعض نواحي شذوذها وتتابع في الوقت نفسه مسيرتها في الخصائص الرئيسية للحداثة. - إن الحداثة هي خلاصة سموم الفكر البشري كله، من الفكر الماركسي إلى العلمانية الرافضة للدين، إلى الشعوبية، إلى هدم عمود الشعر، إلى شجب تاريخ أهل السنة كاملاً، إلى إحياء الوثنيات والأساطير. - ويتخفى الحداثيون وراء مظاهر تقتصر على الشعر والتفعيلة والتحليل، بينما هي تقصد رأساً هدم اللغة العربية وما يتصل بها من مستوى بلاغي وبياني عربي مستمد من القرآن الكريم، وهذا هو السر في الحملة على القديم وعلى التراث وعلى السلفية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثامنا: الحداثة منهج فكري يسعى لتغيير الحياة

ثامنا: الحداثة منهج فكري يسعى لتغيير الحياة إن الوسائل في الإسلام لها أحكام الغايات، ولا يمكن أن يتوصل لغاية شريفة بوسيلة دنيئة. ولذلك لا يمكن في الإسلام أن تنظر للنص الأدبي من الناحية الفنية الجمالية فقط بعيدا عن مضامينه وأفكاره، ولا يغتفر للإنسان من ذلك إلا ما كان خطأ غير مقصود، أو نسياناً، أو كان صادراً من نائم أو مجنون، وما عدا ذلك فإن الإنسان مؤاخذ بما يفعل ويقول على الأقل في الدنيا، وأمره في الآخرة إلى الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، إلا من مات على الكفر فهو خالد في عذاب جهنم. قدمت بهذه الكلمات لكي يُعلم ما هو المعيار الذي نقتبس به أفعال وأقوال الناس, وعلى هذا الأساس سيكون حديثنا عن المنهج الفكري للحداثيين لدينا، حتى وإن أبوا أن يكون الإسلام الحكم بيننا، أو فسروه بما يروق لهم مما يتفق مع أفكار أساتذتهم. وسأعرض في هذا المبحث لأمرين: الأمر الأول: دعوى أهل الحداثة أن الأدب يجب أن ينظر إليه من الناحية الشكلية والفنية فقط، بغض النظر عما يدعو إليه ذلك الأدب من أفكار، وينادي به من مبادئ وعقائد وأخلاق، فما دام النص الأدبي عندهم جميلاً من الناحية الفنية فلا يضير أن يدعو للإلحاد أو الزنا أو اللواط أو الخمر أو غير ذلك، وسنرى بعون الله أن هذه المقولة مرفوضة شرعاً وعقلاً، وأنها وسيلة لحرب الدين والأخلاق، يتستر وراءها من لا خلاق له, وسنرى أن أذواقهم الأدبية فاسدة مفسدة، حتى لو سلمنا بمقولتهم تلك وأنهم يرفضون من النصوص ما كان جميلاً ويشيدون بما كان غامضاً سقيماً. أما الأمر الثاني: فهو أن هذه الدعوى السابقة التي يدعيها الحداثيون، وهي عدم اهتمامهم بمضمون الأدب ليست صحيحة؛ بل إنهم أصحاب فكر تغييري، يسعى لتغيير الحياة وفق أسس محددة ومناهج منضبطة، وموقفها من الإسلام محدد سلفا. فأما الأمر الأول: وهو ما يسمونه الأدب للأدب والفن للفن، فيقول عبد الله الغذامي في كتابه (الخطيئة والتكفير) صفحة 10: "وهذا كله فعالية لغوية، تركز كل التركيز على اللغة وما فيها من طاقة لفظية، ولا شأن للمعنى هنا لأن المعنى هو قطب الدلالة النفعية وهذا شيء انحرفت عنه الرسالة، وعزفت عنه، ولذلك فإنه لا بد من عزل المعنى وإبعاده عن تلقي النص الأدبي، أو مناقشة حركة الإبداع الأدبي". وهكذا بكل بساطة يقرر الغذامي أن المسلم عند مناقشته وتقويمه للنصوص الأدبية من نثر أو شعر، يجب أن يطرح جانباً النظر في المعاني، أي أن ينسلخ من عقيدته ودينه وفكره، ولا يكون لها أي دور فيما يعرض أمامه من أدب، ولولا أن خُدع شبابنا بهذه المقولات الغافلة المتغافلة، لما أصبح الشيوعيون أئمة للفكر والأدب يشاد بهم في صحافتنا. ويقول أيضا في صفحة 56 مؤكداً مذهبه: "ومن هنا جاءت التشريحية لتؤكد على قيمة النص وأهميته، وعلى أنه هو محور النظر، حتى قال (ديريدا): "ولا وجود لشيء خارج النص ولأن لا شيء خارج النص فإن التشريحية تعمل ــ كما يقول (ليتش) ـ من داخل النص لتبحث عن الأثر، وتستخرج من جوف النص بناه السيميولوجية المختفية فيه، والتي تتحرك داخله كالسراب". أيها القارئ الكريم: ما دام (دريدا) يقرر، و (ليش) يقول: "إننا يجب أن نحاكم النص إلى ذاته ونفسه، وننظر في أدواته الفنية فقط بعيداً عن أي مؤثر خارجي" .... فيجب أن نمتثل قوله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عند الغذامي أو عند السريحي الذي يقول في عكاظ العدد 7517 الصفحة 5: "من شأن قيام المنهج أن يؤدي إلى سقوط تحكم الأيديولوجيات المختلفة في إجازة دراسة ما أو عدم إجازتها، ذلك أن براءة وحيادية العلم لها من السلطان ما يحمي الدراسة من أن نتعاطف معها، لأنها تخدم توجها نسعى إليه، أو نرفضها لأنها تخالف ذلك التوجه". هذه هي موازينهم التي يدعون الناس إلى الاحتكام إليها، أما قول الحق سبحانه وتعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]، فلا قيمة له في موازين الحداثيين النقدية ولا في مناهجهم الأدبية، وأما قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله) , وقوله عليه الصلاة والسلام: ((وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم)) (¬1) وغيرها من الأحاديث الكثيرة والآيات البينة الواضحة التي تدل على أن حساب الناس في الإسلام على معاني قولهم ومضامينه قبل لفظه ومبناه، فيجب أن تزاح عن مسرح الحياة، حتى يأخذ الأدب حقه ويؤدي دوره في نظر الحداثيين. ¤الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص57 - 60 ¬

(¬1) ([319]) بتصرف عن كتاب "المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها، ص 199.

تاسعا: تطور مذهب الحداثة في الغرب وفي البلاد العربية

تاسعا: تطور مذهب الحداثة في الغرب وفي البلاد العربية - إن حركة الحداثة الأوروبية بدأت قبل قرن من الزمن في باريس بظهور الحركة البوهيمية فيها بين الفنانين في الأحياء الفقيرة. - ونتيجة للمؤثرات الفكرية، والصراع السياسي والمذهبي والاجتماعي شهدت نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في أوروبا اضمحلال العلاقات بين الطبقات، ووجود فوضى حضارية انعكست آثارها على النصوص الأدبية. وبلغت التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أوروبا ذروتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وبقيت باريس مركز تيار الحداثة الذي يمثل الفوضى الأدبية. - وقد تبنت الحداثة كثيراً من المعتقدات والمذاهب الفلسفية والأدبية والنفسية أهمها: 1 - الدادائية: وهي دعوة ظهرت عام 1916م، غالت في الشعور الفردي ومهاجمة المعتقدات، وطالبت بالعودة للبدائية والفوضى الفنية الاجتماعية. 2 - السريالية: واعتمادها على التنويم المغناطيسي، والأحلام الفرويدية، بحجة أن هذا هو الوعي الثوري للذات، ولهذا ترفض التحليل المنطقي، وتعتمد بدلاً عنه الهوس والعاطفة. 3 - الرمزية: وما تتضمنه من ابتعاد عن الواقع والسباحة في عالم الخيال والأوهام، فضلاً عن التحرر من الأوزان الشعرية، واستخدام التعبيرات الغامضة والألفاظ الموحية برأي روادها. - وقد واجهت الحداثة معارضة شديدة في كل أنحاء أوروبا، حتى في باريس مسقط رأسها، من المدافعين عن اللغة والتراث وممن ينيطون بالأدب مهمة التوصيل في إطار العقل والوعي الإنساني. - وكثير من أدباء القرن العشرين لم يعترفوا بالحداثة ولا بما جاءت به من تجريد جمالي وثورة وعدم تواصل، وعدَّ كثير من المفكرين الغربيين الحداثة نزوة عابرة في تاريخ الفكر الغربي. والحداثة العربية هي حداثة غربية في كل جوانبها وأصولها وفروعها إلا أنها تسللت إلى العالم العربي دون غرابة، وذلك لأنها اتخذت صورة العصرية، والاتجاه الجديد في الأدب، وارتباط مفهوم الحداثة في أذهان بعض المثقفين بحركة ما يسمى بالشعر الحر أو شعر التفعيلة. - اصطلاح الحداثة بمفهومه الغربي، لم يقتحم الأدبي العربي إلا في فترة السبعينات بينما تسربت مضامينه منذ الثلاثينات من هذا القرن، وذلك في محاولات الخروج على علم العروض العربي، وفي الأربعينات ظهرت بعض ظواهر التمرد والثورة والرفض وتجريب بعض الاتجاهات الأدبية الغربية كالتعبيرية والرمزية والسريالية. ثم ظهرت مجلة شعر التي رأس تحريرها في لبنان يوسف الخال عام 1957م وتوقفت عام 1964م للتمهيد لظهور حركة الحداثة بصفتها حركة فكرية، لخدمة التغريب، وصرف العرب عن عقيدتهم ولغتهم الفصحى .. لغة القرآن الكريم. وبدأت تجربتها خلف ستار تحديث الأدب، فاستخدمت مصطلح الحداثة عن طريق ترجمة شعر رواد الحداثة الغربيين أمثال: بودلير ورامبو ومالاراميه، وبدأ رئيس تحريرها – أي: مجلة شعر – بكشف ما تروج له الحداثة الغربية حين دعا إلى تطوير الإيقاع الشعري، وقال بأنه ليس للأوزان التقليدية أي قداسة ويجب أن يعتمد في القصيدة على وحدة التجربة والجو العاطفي العام لا على التتابع العقلي والتسلسل المنطقي كما أنه قرر في مجلته أن الحداثة موقف حديث في الله والإنسان والوجود. كان لعلي أحمد سعيد (أدونيس) دور مرسوم في حركة الحداثة وتمكينها على أساس ما دعاه من الثبات والتحول فقال: "لا يمكن أن تنهض الحياة العربية ويبدع الإنسان العربي إذا لم تتهدم البنية التقليدية السائدة في الفكر العربي والتخلص من المبنى الديني التقليدي الإتباعي". استخدم أدونيس مصطلح الحداثة الصريح ابتداءً من نهاية السبعينات عندما أصدر كتابه: (صدمة الحداثة) عام 1978م وفيه لا يعترف بالتحول إلا من خلال الحركات الثورية السياسية والمذهبية، وكل ما من شأنه أن يكون تمرداً على الدين والنظام تجاوزاً للشريعة. - لقد أسقط أدونيس مفهوم الحداثة على الشعر الجاهلي وشعراء الصعاليك وشعر عمر بن أبي ربيعة، وأبي نواس وبشار بن برد وديك الجن الحمصي، كما أسقط مصطلح الحداثة على المواقف الإلحادية لدى ابن الرواندي وعلى الحركات الشعوبية والباطنية والإلحادية المعادية للإسلام أمثال: ثورة الزنج والقرامطة. - ويعترف أدونيس بنقل الحداثة الغربية حين يقول في كتابه (الثابت والمتحول): "لا نقدر أن نفصل بين الحداثة العربية والحداثة في العالم". ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

عاشرا: الغموض في أدب الحداثة والغاية منه

عاشرا: الغموض في أدب الحداثة والغاية منه نحب أن نتحدث عن سمة هامة من سمات أدب الحداثة تميز بها واتخذها له شعاراً وناضل عنها أساطينهم، ثم نرى بعد ذلك لماذا يصرون على إظهار أدبهم بهذا المظهر وتلك السمة ألا وهي الغموض. إن أول ما يصدم القارئ لأدب الحداثة هو تلفعه بعباءة الغموض، وتدثره بشعار التعتيم والضباب، حتى إن القارئ يفقد الرؤية ولا يعلم أين هو متجه، وماذا يقرأ: أهو جد أم هزل، حق أم باطل، بل يقطع أحياناً بأن ما يقرأه ليس له صلة بلغة العرب: إمّا في الجمل والتراكيب وإن كانت المفردات عربية، أو حتى في المفردات الجديدة التي تدخل الاستعمال لتوها ولأول مرة. إن من يقرأ أدب الحداثة يقع في حيرة من أمره لمن يكتب هؤلاء، وماذا يريدون؟! لقد عرضت إنتاج بعض هؤلاء الحداثيين على أساتذة الأدب في كلية اللغة العربية، لعلي أجد عندهم ما لم أجده في كتب اللغة والأدب حين وقفت عاجزة عن السماح لهذا الأدب بالدخول في دائرة الفكر المعقول، فضلاً عن الأدب الراقي الجميل المؤثر في النفوس، والمؤجج للعواطف، فوجدت أولئك الأساتذة أكثر حيرة. فعدت أنقب في كتابات الحداثيين أنفسهم، حتى وجدت ما يشير بالتأكيد إلى غايتهم من هذا الغموض. إن الغموض طغى حتى على عناوين قصائدهم وكتاباتهم، وها أنا ذا أورد نماذج من إنتاجهم، وأعقب بنقول تؤكد إصرارهم على الغموض، باعتباره علامة مميزة لفكرهم، ثم أبين غايتهم من هذا الغموض. يقول رمزهم المبدع ـ كما يسمونه ـ عبد الله الصيخان في قصيدة حداثية نشرت في مجلة اليمامة عدد 896: "قفوا نترجل أوقفوا نتهيأ للموت شاهدة القبر ما بيننا يا غبار ويا فرس يا سيوف ويا ساح يا دم يا خيانات خاصرة الحرب يشملها ثوبها كان متسخا مثل حديث الذي يتدثر بالخوص كي لا يرى الناس سوأته كنت أحدثكم للحديث تفاصيله فاسمعوني فقد جئت أسألكم عن رمال وبحر وغيم وسلسلة زبرجد" إنني أرجو من القراء أن يجهدوا تفكيرهم معي قليلاً لعلهم أن يحظوا بما لم ينكشف لي من كنوز أدب الإبداع , الأدب الجديد والوعي الجديد كما يسمونه، والذي يظن السامع لكلامهم عندما يسمع طنطناتهم ورغاءهم وثغاءهم أنهم حققوا للأمة ما نهض بها إلى الفرقد، وجاوز بها المساكين. وفي اليمامة أيضاً في العدد 901 يقول زاهر الجيزاني: "وحدي بهذا القبو أعثر في حطام الضوء في كسر المرايا ويداي مطفأتان ويداي موحشتان ويداي ترسم بالرماد فراشة ويداي تأخذني وأسأل من أكون سبعاً بهذا القبو أورثناه حكمتنا وأورثنا الجنون" ما هو يا ترى القبو الذي يشكو الجيزاني من العيش فيه ويتضجر منه ويشعر بأنه أورثنا الجنون؟! وما هو حطام الضوء؟ وما هما اليدان المطفأتان؟ وما علاقة ذلك برسم فراشة في الرماد؟! طلاسم تنتظر من يفك رموزها، وإننا لمنتظرون لأهل الحداثة. وفي عكاظ العدد 7531 الصفحة 8 كتبت هدى الدغفق تحت عنوان (اشتعالات فرح مثقل) ... وانظر التناقض، فرح له اشتعالات، وأيضاً مثقل!! قالت هدى هذه من ضمن قصيدة حداثية طويلة، لا أريد أن أثقل عليكم بها كلها، ولكن أسمعكم منها قولها: "لأني نفيت من الحلم بالأمس سامرت قيظا وجعا منح الوقت وقتاً واحترى أن يمر به الوسم لأني عاصرت حالة دفني تجذرت بالرمل مارست توق الخروج عن الخارطة ولأن الخريف طوى قامتي" أهذا كلام العقلاء فضلا عن أن يكون كلام الأدباء أو كما يسمونهم: المبدعين والمتميزين؟؟!. .... إن هذه الأمثلة التي سقتها لك غيض من فيض مما تزخر به الملاحق الأدبية في صحفنا ومجلاتنا، وما يلقى في أمسياتنا ونوادينا الأدبية وينشر في مطبوعاتنا.

ولا تظنن أيها القارئ أني أبالغ، فهم والله يقدمونه على اعتبار أنه شعر وأدب، ويقدمون له الدراسات النقدية والأدبية، ولولا خوف الإطالة لأوردت أمثلة أكثر، ويكفيك أن تتجه إلى أي عمل أدبي حداثي وتنظر فيه، لترى أنه من نفس النوعية لا فرق بينها إلا التفاوت في الغموض. هل يا ترى هذا الغموض يأتي اتفاقاً، أم هو أمر مقصود لازم في أدب الحداثة؟؟ لنرَ ذلك من خلال أقوال الحداثيين أنفسهم. يقول أحمد كمال زكي في كتابه (شعراء السعودية المعاصرون) صفحة 18 "لو أننا وقفنا عند ظاهرة واحدة من ظواهر الشعر الجديد، وهي الغموض، وقد أصله سعيد عقل وأدونيس أحد شيوخ المجددين، لرأينا العجب العجاب". وهكذا ما دام سعيد عقل وأدونيس يرون أن الغموض ضرورة للأدب، فلا بد أن يسلك على نهجهم تلاميذهم لدينا. يقول عبد الله نور في (ملف نادي الطائف الأدبي) العدد السادس صفحة 55: " الشعر يفهم ليس بشعر"!! ومادام من شروط الشعر عندهم ألا يفهم، فما الغاية منه إذاً؟ هل هو طلاسم سحر، أم أحاجي ألغاز، أم رموز شعوذة؟؟! ..... ونحن على فرض التسليم لهم في أن كتاباتهم الغامضة لا معاني لها، فهل تحولت الأمة إلى مجموعة من المجانين يكتبون ما لا يعقلون، ويقرؤون ما لا يفهمون؟؟ هل هانت أمتنا إلى هذا الحد حتى يصبح أدبها وفكرها عبثاً بأيدي فئة من الممسوخين فكرياً، الذين باعوا أنفسهم للشياطين من الشرق إلى الغرب، يفكرون بعقولهم، وينطقون بأسمائهم، ويصرون على أن يقنعونا بأن الليل نهار والأسود أبيض، كمثل قول محمد الثبيتي: "من الشيب حتى هديل الأباريق تنسكب اللغة الحجرية بيضاء كالقار نافرة كعروق الزجاجة". ...... إذا فمن أهداف الغموض وغاياته كسر الإطار العام للغة العربية، وتحويلها مع مرور الزمن والأيام، ومن خلال استبدال مفرداتها وتراكيبها ومعانيها، إلى لغة جديدة لا صلة لها باللغة العربية الفصحى المعروفة والمأثورة عن العرب - تماما كما حصل للغة اللاتينية - التي تحولت مع مرور الزمن بهذه الطريقة إلى لغات كثيرة. ولك أن تتصور - لو حصل هذا لا قدر الله ـ موقف الأجيال القادمة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكتب التراث بصفة عامة، وأي كارثة يسعى الحداثيون إلى جر الأمة إليها. .... وهكذا يريد أدعياء الإبداع ورواد الحداثة أن يكون أول هجومهم على اللغة العربية ونحوها وصرفها وبلاغتها، تحت ستار الحرية في الإبداع، لعلمهم أن هذه اللغة هي وعاء الشرع خاصة والتراث عامة، وهي وسيلة فهم هذا الدين ومعرفته، لأن الهجوم على الدين مباشرة أمر غير مقبول في بداية المعركة، وإن كانت مرحلة منازلته قد بدأت لدينا، أما في البلدان العربية الأخرى فقد وصلت الضربات إلى القلب على أيدي من يشيد به الحداثيون عندنا صراحة، لكنني أذكر الجميع بقول الشاعر: "كناطح صخرة يوماً ليُوهَنها [] [] فلم يَضِرها وأوهى قرنَه الوَعِلُ" ¤الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص43 - 55

حادي عشر: أهم خصائص الحداثة

حادي عشر: أهم خصائص الحداثة - محاربة الدين بالفكر وبالنشاط. - الحيرة والشك والقلق والاضطراب. - تمجيد الرذيلة والفساد والإلحاد. - الهروب من الواقع إلى الشهوات والمخدرات والخمور. - الثورة على القديم كله وتحطيم جميع أطر الماضي، إلا الحركات الشعوبية والباطنية. - الثورة على اللغة بصورها التقليدية المتعددة. - امتدت الحداثة في الأدب إلى مختلف نواحي الفكر الإنساني ونشاطه. - قلب موازين المجتمع والمطالبة بدفع المرأة إلى ميادين الحياة بكل فتنتها، والدعوة إلى تحريرها من أحكام الشريعة. - عزل الدين ورجاله واستغلاله في حروب عدوانية. - تبني المصادفة والحظ والهوس والخيال لمعالجة الحالات النفسية والفكرية بعد فشل العقل في مجابهة الواقع. - امتداد الثورة على الطبيعة والكون ونظامه وإظهار الإنسان بمظهر الذي يقهر الطبيعة. - ولذا نلمس في الحداثة قدحاً في التراث الإسلامي، وإبرازاً لشخصيات عرفت بجنوحها العقدي كالحلاج والأسود العنسي ومهيار الديلمي وميمون القداح وغيرهم. وهذا المنهج يعبر به الأدباء المتحللون من قيم الدين والأمانة، عن خلجات نفوسهم وانتماءاتهم الفكرية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثاني عشر: أساليب الحداثيين في نشر أفكارهم

ثاني عشر: أساليب الحداثيين في نشر أفكارهم السيطرة على الملاحق الأدبية والثقافية في أغلب الصحف وتوجيهها لخدمة فكرهم ومناوأة ومحاربة غيرهم، ويختلف مدى تغلغلهم في الصحف والمجلات من واحدة إلى أخرى، ولم يقف منهم موقف الرفض الواضح وعدم السماح لهم بالتسلل إلى الكتابة إلا صحيفة الندوة مشكورة، بل إنها عملت في الميدان وحدها ونافحت وكشفت وبينت في وقت كان فيه الكثير في غفلة عن هذه الموجة العارمة. 2 - التغلغل في الأندية الأدبية من أجل توجيه نشاطها لخدمة الحداثة وأهدافها. 3 - إفراد صفحات لكتابة القراء وخاصة الشباب ومن خلالها يتم اكتشاف أصحاب الميول الحداثية وتسلط عليهم الأضواء، وتدغدغ شهوة حب الظهور والشهرة في نفوسهم, وتقام الندوات والحلقات الدراسية لأدبهم، وبهذه الطريقة ظهر كثير من الأسماء الحداثية. 4 - نشر الإرهاب الفكري ضد مخالفيهم واتهامهم بشتى التهم والنعوت، والتأكيد على أنهم لا يعقلون ولا يعلمون، وأنهم مجرد دمى محنطة يجب أن تبعد من الطريق ولا تستحق أن يكون لها مكان في عالم الفكر والثقافة والأدب، في مقابل الإشادة بفكرهم بصورة مثيرة تجعل الفرد ينقاد لهم، ويقول هم أهل الساحة، ولا مناص من الدخول في ركابهم. 5 - إقامة الندوات والأمسيات الشعرية والقصصية والنقدية والمسرحية في طول البلاد وعرضها، بنشاط وافر ودأب متصل حتى أصبحنا لا يمر أسبوع إلا ونقرأ الأخبار عن نشاط حداثي في إحدى المناطق، بل وصل نشاطهم إلى جزيرة فرسان في جنوب البحر الأحمر أكثر من مرة. 6 - الدفع برموزهم للمشاركة في المهرجانات الدولية. 7 - استكتاب رموزهم الفكرية، واستقدامهم للمشاركة في الأمسيات، وإلقاء المحاضرات وإجراء المقابلات معهم. 8 - لقد انتهج الحداثيون أسلوباً غاية في الخبث للتغرير بالشباب الواقع تحت ضغط الهجوم الضاري من أعداء الأمة في شتى الميادين، فامتصوا نقمة الشباب تلك حين قدحوا في أذهان الشباب أن أدبهم وفكرهم هو المنقذ من تلك المآسي، والآخذ بأيدي الشباب إلى بر الأمان، أمّا أصحاب الفكر التقليدي كما يسمونهم فإنهم ليسوا أكثر في نظرهم من رموز للتخلف وتكريس للواقع الذي يسعى الحداثيون لتغييره بكل ما يملكون من قوة. 9 - المرحلية في الإعلان عن أفكارهم، فهم يبدءون بما لا يثير الناس عليهم. ¤الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص138 - 153

ثالث عشر: آثار الحداثة في العالم الإسلامي

ثالث عشر: آثار الحداثة في العالم الإسلامي الأثر الأول: إشاعة الفوضى العقدية والثقافية في العالم الإسلامي بين كثير من القارئين لأن الصحف والمجلات والكتب التي تخاطب الشباب كثير منها منطلقاته حداثية ثائرة على العقيدة القويمة وبخاصة أن تلك المقالات الحداثية تدغدغ عواطف الشباب وأدعياء الثقافة والمبتدئين بعباراتها " الأدبية" و" الإبداعية" المبطنة بتمرد على المعتقد الصحيح والقيم النبيلة ..... , الأثر الثاني: إيجاد طبقة معزولة عن المجتمع سياسيا وعقديا فالنظام المطبق في البلاد لا يعجبها بل ـ كما هو المنهج الحداثي ـ ترى ضرورة رفضه والثورة عليه. والعقيدة الموروثة والشريعة المألوفة لا تخضع لها ولا ترضى بها بل لابد من التمرد عليها وتخطيها. والواقع كله رجعي متخلف في سياسته وعقيدته وأخلاقه وأعرافه يجب تجاوزه بعد تهديمه ...... , الأثر الثالث: انخداع بعض المنتسبين للدعوة الإسلامية من العقلانيين وأمثالهم ببعض دعاوى الحداثة المتمردة على النصوص الشرعية والالتزام بها وتقديمها على الأهواء وآراء العقول. ولا شك أن للحداثيين إفادة عظمى من العقلانيين المنتمين للإسلام. (¬1) ..... , الأثر الرابع: الجرأة على نقد السلطات الحاكمة في العالم الإسلامي والقدح في حكام المسلمين وبخاصة من يحكم شيئا من الإسلام. الأثر الخامس: ومن آثار الحداثة تجرؤ بعض النساء على الأحكام الشرعية بنقدها والخروج عليها وحجتهن في ذلك أقوال الحداثيين وشبههم. فأصبحنا نقرأ ونسمع من ينادين برفض الحجاب لأنه رمز العهود المظلمة والعصور الوسطى ويطالبن بالحرية والاختلاط لأنهما علامة التقدم والتحضر وأن الفكر الحديث يوجب التمرد على العادات والتقاليد القديمة المورثة عن أصحاب الكتب الصفراء ...... , الأثر السادس: ومن آثار الحداثة إعلان شأن الفرق الباطنية، والفلسفية والصوفية، والمعطلة على اختلاف مذاهبها وذلك لأن الحداثيين يبذلون وسعهم في دراسة تاريخ المسلمين وإبراز تلك الفرق والفلسفات المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة وإعلان شأنها بوصفها ظواهر " حداثية" تمردت على الموروث والسائد والمألوف، في العقيدة والشريعة ...... , الأثر السابع: ومن آثار الحداثة تغلغل كثير من الحداثيين في وسائل التربية والتعليم والإعلام في العالم الإسلامي وبالتالي يوجهون الناس حسب مناهجهم الحداثية وأفكارهم. ومن ثم يبعدون رأي كل ناقد لهم وبخاصة من العلماء وطلبة العلم من أصحاب الفكر القويم والعقيدة السليمة وإن أحرجوا فتحوا بابا ضيقا لبعض الفتاوى والمقالات القصيرة التي لا تنقدهم وفي أيام محددة أيضا هذا ما قد يوجد في بعض الوسائل وهناك من لا يسمح للصوت الإسلامي أبدا ...... , الأثر الثامن: برزت في الصحف والمجلات واللقاءات، الكلمات العامية والأجنبية والألفاظ الموغلة في الرمزية والغموض وكثر الخوض فيها وبالتالي تجرأ الناس على اللغة العربية فأصبحنا نقرأ ونسمع من يطالب بتغيير قواعدها ... إلخ. الأثر التاسع: ومن آثار انتشار المفاهيم الحداثية في العالم الإسلامي أن الحداثة أصبحت ثوبا يتستر به كل قادح في الدين وبخاصة أصحاب الاتجاهات المشبوهة والمنتمين إلى الأحزاب الكافرة كالماركسية، والعلمانية والبعثية والاتجاهات الباطنية ونحو ذلك. وبخاصة في الدول التي لا يستطيعون فيها التصريح بمذاهبهم وأحزابهم الكافرة أو المخالفة لسياسة تلك الدول فيلجأون إلى الحداثة شعارا يتسترون خلفه. وعلى سبيل المثال فإن كثيرا من الحداثيين ينتمون إلى الفكر الماركسي ولبعضهم انتماءات حزبية على مستوى كبير إلا أنهم لا يصرحون بهذا إلا لخاصتهم أما أمام الناس فإنهم يعلنون الحداثة التي تتفق في كثير من مبادئها مع الماركسية. حتى أصبح الانتساب إلى الحداثة أسهل طريق لنقد مصادر الدين وما صدر عنها باسم التحديث أو التجديد أحيانا. ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 3/ 1546 ¬

(¬1) ([320]) ((انظر كواشف زيوف)) (359 - 360)، و ((المذاهب المعاصرة)) (221 - 223)، و ((مذاهب معاصرة)) (ص491).

رابع عشر: بعض مواقف الحداثيين من الإسلام وقيمه

رابع عشر: بعض مواقف الحداثيين من الإسلام وقيمه بعد أن تأكد لدينا من خلال ما تقدم، أن الحداثة منهج فكري متميز يسعى لتغيير واقع الحياة ليتفق مع ما يطرحه ذلك الفكر من مفاهيم وأساليب للحياة، ومن نظرات خاصة لصياغة الإنسان وفق معطيات ذلك الفكر، فإن ما يهمنا ـ نحن المسلمين ـ هو معرفة موقف هؤلاء الحداثيين من الإسلام، باعتباره ديننا ونظام حياتنا، ومنهجنا الذي نعتز به في هذا الوجود، ولا نرى الحق في شيء سواه في شتى مناحي الحياة الفردية والجماعية والعامة والخاصة، ونرى ألا سعادة للبشرية ولا نجاة لها في الدنيا والآخرة إلا في اعتناق هذا الدين وأخذه تاما غير ناقص، كما بلّغه محمد صلى الله عليه وسلم. وإنني أحب لفت الانتباه إلى أن موقفهم المعلن - ولا أقول موقفهم فقط ـ من الإسلام يختلف من بلد إلى آخر حسب ظروف ذلك البلد، ومقدار قوة التدين فيه وضعفه، ولو أردنا أن نتحدث عن مواقفهم جميعاً من الإسلام لاحتاج ذلك إلى أسفار ضخمة، لكنني في هذا المبحث أعرضُ عن مواقف الحداثيين من خارج هذه البلاد، وأذكر بعض مواقف الحداثيين عندنا من الدين، وهم وإن كانوا ـ ولله الحمد ـ لا يستطيعون أن يجاهروا هنا بما يجاهر به إخوانهم في الغي هناك، إلاّ أن الإسلام لم يسلم من أذاهم، ولو لم يكن من حربهم له إلا إعلانهم عن مبدأ جديد اسمه الظاهر الحداثة، وحقيقته الباطنة يعلم الله بها، وتصريحهم بأن هذا المبدأ له رؤية خاصة للكون والحياة والإنسان، وأنه يمنح الحياة بعداً جديداً يهزها هزا؛ أقول لو لم يكن إلا هذا لكفى به حرباً للإسلام عقيدة وشريعة وعبادة ونظام حياة، ومع هذا ففي أقوالهم وكتاباتهم من الحرب لدين الله الكثير غير هذا مما يمكننا أن نستعرض بعضه هنا. وهذه الحرب لها مظاهر شتى منها: الاستهزاء بالإسلام كدين، ومنها النيل من رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كتابه الكريم، أو الحط من التاريخ الإسلامي، أو نشر الرذيلة وسوء الأخلاق مما يتنافى مع ديننا، أو الترويج لبعض الأفكار التي الأخذ بها يؤدي إلى ضياع أمتنا، وإهدار تميزها وتفردها الذي كرمها الله به. ولذلك أمثلة كثيرة منها قصيدة حداثية من الشعر الحر لمحمد جبر الحربي الشاعر الحداثي المبدع كما يسمونه، وهذه القصيدة ألقيت في مهرجان المربد بالعراق بعنوان (المفردات) , ثم نشرت في اليمامة في العدد 887 صفحة 60ـ61 ثم نشرت في الشرق الأوسط، الصفحة 13 وهذه القصيدة مليئة بالثورة والتبرم من كل شيء، وفيها غمز ولمز في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي القرآن، فمن غموض هذه القصيدة قوله: "قلت لا ليل في الليل ولا صبح في الصبح منهمر من سفوح الجحيم وقعت صريع جحيم الذرى سألك جسد الوقت معتمر بالنبوءة والمفردات المياه أيها الغضب المستتب اشتعل شاغل خطاك البال منحرف للسؤال أقول كما قال جدي الذي ما انتهى رأيت المدينة قانية أحمر كان وقت النبوءة منسكبا أحمر كأن أشعلتها" من هو يا ترى جده الذي ما انتهى والذي كان أحمر وقت النبوءة، وما هي المدينة القانية، وما هو الأحمر المنسكب الذي أشعله الحربي أو جده. أما مواطن الغمز واللمز في هذه القصيدة فمنها قوله: "أرضنا البيد غارقة طوف الليل أرجاءها وكساها بعسجده الهاشمي فدانت لعاداته معبدا" أسئلة نوجهها للحربي ليجيب عليها وليجلب بخيله ورجله، ويستعين بالمبدعين والنجوم المتجاوزين للسائد والنمطي كما يسميهم: لماذا أرضنا بيد قاحلة لا نبات فيه ولا ماء؟ وما الذي أغرقها؟ وفي أي شيء هي غارقة؟ وما هو الليل والظلام الذي عم أرجاءها ولم يترك منها زاوية؟ ومن هو الهاشمي الذي كساها بعسجده فدانت لعادته معبدا وحولها إلى أرض قاحلة غارقة في الظلام.

أيقال هذا الكلام في حق محمد صلى الله عليه وسلم الذي شرفت به هذه البلاد بل كرمت به البشرية، وهل كان صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن ربه سبحانه وتعالى، أم أنها عاداته ألزم الناس بها حتى تحولت البلاد إلى معبد لعاداته فأصبحت بيداً غارقة؟! إنني أتحدى الحربي أن يخرج لنا هاشميا يمكن أن يقال إن عاداته أصبحت عبادة للناس غير محمد صلى الله عليه وسلم. ثم يقول داعياً إلى الثورة والتمرد على كل شيء ومستهزئاً بالقرآن وتعاليمه: "بعض طفل نبي على شفتي ويدي بعض طفل من حدود القبيلة حتى حدود الدخيلة حتى حدود القتيلة حتى الفضاء المشاع من رجال الجوازات حتى رجال الجمارك حتى النخاع يهجم الخوف أنى ارتحلنا وأنى حللنا وأنى رسمنا منازلنا في الهواء البديل وفي فجوات النزاع باسمنا باسم رمح الخلافة باسم الدروع المتاع اخرجوا فالشوارع غارقة والملوحة في لقمة العيش في الماء في شفة الطفل في نظرة المرأة السلعة الأفق متسع والنساء سواسية منذ تبّت وحتى ظهور القناع تشترى لتباع وتباع وثانية تشترى لتباع" وما يهمني أن أقوله هنا هو التنبيه إلى إفكه الذي افتراه بأن النساء كلهن أصبحن سلعاً تشترى وتباع منذ تَبَّت, وهذا لا شك إشارة إلى نزول القرآن، وخاصة سورة المسد التي تحدثت عن امرأة أبي لهب المشركة التي يرى الشاعر الحداثي أن حديث هذه السورة الكريمة عن تلك المرأة، امتهان لكرامة المرأة وتحويل لها إلى سلعة تشترى وتباع. أما السبب الثاني الذي حول المرأة في نظرة إلى سلعة فهو ظهور القناع، وهذا إشارة واضحة للحجاب الذي أمر الله به المؤمنات: "منذ تبت وحتى ظهور القناع تشترى لتباع وتباع وثانية تشترى لتباع" إن الحربي يريد من بناتنا ونسائنا أن يخرجن متبرجات ملقيات للحجاب الذي فرضه الله، يختلطن بالأجانب من الفساق ويجلسن بينهم في الصفوف، وبجانبهم على المقاعد. ومن صور الاستهزاء بهذا الدين ما كتبه محمد العلي في مجلة الشرق عدد 362 الصفحة 38 عن المغني معبد، وعن أزمة الفن كما يقول في بلادنا، والتي أورد فيها فكرته بأسلوب ساخر بطريقة المسلمين في حفظ السنة النبوية الكريمة حين قال: "حدثنا الشيخ إمام عن صالح بن عبد الحي عن سيد ابن درويش" عن أبيه، عن جده قال: "يأتي على هذه البلاد زمان إذا رأيتم فيه أن الفن أصبح جثة هامدة فلا تلوموه ولا تعذلوا أهله بل لوموا أنفسكم قالها وهو ينتحب فتغمده الله برحمته وغفر له ذنوبه" هذا الحديث الذي نسجه خيال العلي، ألم يجد طريقة يتحدث بها عن الغناء والمغنين، إلا أن يقلد سند حديث النبي صلى الله عليه وسلم، بل يقلد الحديث الشريف ذاته في ألفاظه. وأنت أينما اتجهت للبحث والقراءة في أدب الحداثة، ترى التجرؤ على الله ورسوله ودينه. يقول السريحي في كتابه (الكتابة خارج الأقواس) (ص 37): "من شأن البعد الإنساني الحر الذي تتسم به رؤيا الفنان أن يجعل انفصاله عن الجماعة أمراً قدريا لا مندوحة عنه بحيث يصبح الفنان مصدر حيرة، لا يحلها إلا مثل ذلك الحل الذي يرى أن للفنان شيطاناً يلقي على لسانه ما يقول، وهو حل مع سذاجته إلا أنه واضح الدلالة على حيرة الجماعة وعجزها, حيرة وعجزا يبلغ بهما حد الخروج عن المنطق، كون الفنان يعيش بين الناس ويأكل في الأسواق". إننا نعلم أن الذي استغرب الناس أكله الطعام ومشيه في الأسواق هو النبي صلى الله عليه وسلم، فهل أصبح الأنبياء في نظر السريحي مجرد فنانين أتوا بما يخالفون به السائد ـ كما يقول ـ؟؟!! وهل يريد السريحي أن يقول: إنه ما دام النبي فنانا، فإنه يجوز للفنان الذي يجيء بعده أن ينقض ما أبرمه النبي ويلغي ما بلّغه؟؟! ¤الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص81 - 91

خامس عشر: الخطر الحداثي على العقيدة

خامس عشر: الخطر الحداثي على العقيدة للحداثة مخاطر كثيرة على الدين الإسلامي عقيدته، وعبادته، وأخلاقه, وشريعته، ولغته، وأهله، وحضارته، وبلاده. ونستطيع أن نذكر جملة من المخاطر الحداثية على كل ذلك في هذه النقاط: الخطر على العقيدة: حيث إن الحداثة – في الجملة - تنادي بالإلحاد والكفر بالأديان جميعا، من خلال أدبياتها المختلفة فنزار قباني يقول: "من بعد موت الله مشنوقا على باب المدينة لم تبق للصلوات قيمة لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة" ويقول محمود درويش: "يوم كان الإله يجلد عبده قلت يا ناس نكفر" وهذا يوسف الخال يعلن كفره وإلحاده فيقول: "لا نور لا ظلام لا إله" ويقول توفيق الصايغ النصراني: "يأتين إن يأتين في ركب إله ولا إله تقنص خطو إله ولا إله" أما حسن حنفي فيرد على حداثيين اتهموه بالسلفية والتراث قائلا: "نحن منذ فجر النهضة العربية الحديثة وحتى الآن نحاول أن نخرج من الإيمان السلفي ... إلى أن يقول: أنا ماركسي شاب ... وبعد قليل يكرر نفس الكلام فيقول: وأنا هنا ماركسي أكثر من الماركسيين". وهاهو فؤاد زكريا شيخ العلمانيين والحداثيين يعلن أن "العلمانية هي الحل" وذلك في وجه الإسلاميين المنادين بأن "الإسلام هو الحل". إن هذا الفكر الذي يتداول بين بعض من يسمون بالمثقفين جدير بأن ينشر الإلحاد بين الناس, خاصة طائفة الشباب الذين يتلقون من هؤلاء في الجامعات، ويلمِّعهم الإعلام للجماهير، ولقد شاهدت بنفسي إقبالا غير عادي من الشباب والفتيات على دواوين "نزار قباني" في إحدى السنوات في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، ولقد فرَّخ هؤلاء العلمانيون الحداثيون جيلا جديدا من تلامذتهم والمتأثرين بهم، انتشروا في الأوساط الثقافية في وزارت الثقافة والإعلام والجامعات في البلاد العربية والإسلامية بلا استثناء، ولقد فزعت مما ذكره الأستاذ جمال سلطان في كتابه (دفاع عن ثقافتنا) حيث ذكر أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (اليسكو) وهي تابعة إداريا للجامعة العربية، وهي وكالة متخصصة للشئون الثقافية, وتضم من بين أقسامها ما يسمى (الإدارة الثقافية) وفيها لجنة تخطيط العمل الثقافي وتنظيم أجهزته في الوطن العربي سنتي (1974 - 1975م) التي عقدت مؤتمرها الأول حول "الأصالة والتجديد في الثقافة العربية" ومؤتمرها حول "الوحدة والتنوع في الثقافة العربية" والعجيب أن الذين عُزِلوا عن هذه المؤتمرات هم الإسلاميون، وأصبحت هذه المؤتمرات حكرا على دعاة التغريب والحداثة. والعجيب أن (الأليسكو) قامت تحت عباءاتها مشروعات ضخمة منها: العمل الضخم المسمى: (الخطة الشاملة للثقافة العربية) وهي بمثابة (استراتيجيات للثقافة العربية) , وصفت هذه الخطة بـ (جهد تاريخي ظل حلماً غالياً) بوصف د/ محي الدين صابر مدير عام المنظمة، ومحل الشاهد عدة مقولات أساسية وردت في هذه الخطة لننظر ماذا يريد الحداثيون والعلمانيون من العالم العربي والإسلامي, وأنقل هنا بعض البنود الواردة في الخطة التي أوردها جمال سلطان منها قولهم إن: - انتشار الإيمان بالغيب (الفكر الغيبي) أهم أسباب انتكاسة الحضارة العربية. - إذا كان الدين عنصر الوحدة في القرون السابقة، فإن القومية هي عنصرها في العصر الحديث.

- من المستحيل أن نقبل تقنيات الغرب وعلومه ونرفض في الوقت نفسه فلسفاته وثقافته. - الحضارة الأوربية حضارة مطلقة بمعنى أنها قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، بينما الحضارات السابقة تاريخية نسبية. - الماركسية ليست غزوا فكريا يهدد الأمة. - على استراتيجية الثقافة العربية أن تحذر من السقوط في حبائل الفكر الديني. وهكذا تصبح العقائد الإسلامية هي سبب الانتكاسة العربية، في نظر هؤلاء المجرمين المأجورين، هذا إن أحسنا بهم الظن، وتصبح الماركسية، والفلسفات الغربية هي المخرج، وتصبح العودة إلى الدين خطرا عظيما ينبغي التحذير منه، وعلى الأمة أن ترتمي في أحضان الحضارة الغربية وتأخذ منها تقنياتها وفلسفاتها. هذه هي بنود الخطة التي تسير عليها منظمة مهمتها التخطيط لمستقبل الثقافة، إنه الإلحاد يطل برأسه في بلادنا، بل يضع جذوره من خلال مؤسسات رسمية ينفق عليها من أموال المسلمين. ومن العجيب المذهل المحزن المخزي أن هذه العصابة المأجورة الملحدة تتحكم في زمام ثقافتنا من خلال تلك المؤسسات، وكأن هذه المؤسسات الرسمية ما قامت إلا لإضافة الشرعية على الكفر وغزو العقول المسلمة بهذا الإلحاد, والمثال على ذلك: أن الندوات المتعلقة بمناقشة "محور الفكر الإسلامي" قسمت القضايا التي ستعالجها إلى محاور, في كل محور بحث أو بحثان هما محور النقاش، ولكن إلى من أوكلت اللجنة هذا المحور "محور الفكر الإسلامي"؟ المفاجأة أنها أوكلت هذا المحور لمحمد أركون " وهو من هو بفكره الإلحادي المشكك في الوحي والتراث والنبوة على نحو ما بينا في مبادئ الحداثة. ولا أدري هل انعدم علماء الإسلام المحترمون حتى يوكل مثل هذا الأمر المهم إلى إنسان يعادي الفكر الإسلامي والتراث الإسلامي. ثم مما يزيد الداء علة والطين بلة أن البحث الثاني من محاور الفكر الإسلامي أوكلته اللجنة إلى د/ حسن حنفي الذي لا يفتأ أن يصرح في المحافل المختلفة أنه ماركسي أكثر من الماركسيين، وهو تلميذ وفيٌّ لفلسفة أستاذه اليهودي الشهير "باروغ اسبينوز". وأوكلت اللجنة معالجة "الغزو الثقافي" إلى ماركسي شهير هو محمود أمين العالم، أحد مؤسسي الحركة الماركسية في مصر. وكلفت اللجنة رائد العلمانية في الوطن العربي د/فؤاد زكريا بوضع مسودة المشروع. وأوكلت اللجنة صياغة مشروعها تحت عنوان "الإنتاج الفكري والتخطيط المستقبلي له" إلى د/ عبد العظيم أنيس أحد رموز الشيوعية في مصر، كما أوكلت إلى د/ محمد عابد الجابري صياغة مشروع لندوة "وسائل التخطيط الثقافي" وهو حداثي كبير متفرنس. بهذا وغيره يظهر الخطر العقائدي للحداثة على المسلمين، وهذا من أكبر أنواع الخطر، فإن زلزلة عقائد المسلمين حكم بنهاية الأمة وتيهها بين الأمم. ¤موقع صيد الفوائد- مقال الخطر الحداثي على العقيدة د. أحمد محمد زايد – جامعة الأزهر

الخلاصة

الخلاصة أن الحداثة تصور إلحادي جديد – تماماً – للكون والإنسان والحياة، وليست تجديداً في فنيات الشعر والنثر وشكلياتها. وأقوال سدنة الحداثة تكشف عن انحرافهم باعتبار أن مذهبهم يشكل حركة مضللة ساقطة لا يمكن أن تنمو إلا لتصبح هشيماً تذروه الرياح وصدق الله العظيم إذ يقول: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا [الحديد: 20] حسبنا في التدليل على سعيهم لهدم الثوابت أن نسوق قول أدونيس وهو أحد رموز الحداثة في العالم العربي في كتابه (فن الشعر) (ص 76): "إن فن القصيدة أو المسرحية أو القصة التي يحتاج إليها الجمهور العربي ليست تلك التي تسليه أو تقدم له مادة استهلاكية، وليست تلك التي تسايره في حياته الجادة، وإنما هي التي تعارض هذه الحياة! أي تصدمه، وتخرجه من سباته، تفرغه من موروثه وتقذفه خارج نفسه، إنها التي تجابه السياسة ومؤسساتها، الدين ومؤسساته، العائلة ومؤسساتها، التراث ومؤسساته، وبنية المجتمع القائم. كلها بجميع مظاهرها ومؤسساتها، وذلك من أجل تهديمها كلها! أي من أجل خلق الإنسان العربي الجديد، يلزمنا تحطيم الموروث الثابت، فهنا يكمن العدو الأول للثورة والإنسان". ولا يعني التمرد على ما هو سابق وشائع في مجتمعنا إلا التمرد على الإسلام وإباحة كل شيء باسم الحرية. - فالحداثة إذن هي منهج فكري عقدي يسعى لتغيير الحياة ورفض الواقع والردة عن الإسلام بمفهومه الشمولي والانسياق وراء الأهواء والنزعات الغامضة والتغريب المضلل. وليس الإنسان المسلم في هذه الحياة في صراع وتحد مع الكون كما تقول كتابات أهل الحداثة وإنما هم الذي يتنصلون من مسئولية الكلمة عند الضرورة ويريدون وأد الشعر العربي ويسعون إلى القضاء على الأخلاق والسلوك باسم التجريد وتجاوز جميع ما هو قديم وقطع صلتهم به. - ونستطيع أن نقرر أن الحداثيين فقدوا الانتماء لماضيهم وأصبحوا بلا هوية ولا شخصية. ويكفي هراء قول قائلهم حين عبر عن مكنونة نفسه بقوله: لا الله اختار ولا الشيطان كلاهما جدار كلاهما يغلق لي عيني هل أبدل الجدار بالجدار تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - "الحداثة في الأدب العربي المعاصر"، مقال مطول للدكتور محمد مصطفى هدارة مجلة الحرس الوطني – ربيع الآخر 1410هـ. - الحداثة في ميزان الإسلام، عوض القرني. - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا. - الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الواحد والأربعون: الواقعية

أولا: التعريف الواقعية مذهب أدبي فكري مادي ملحد، إذ يقتصر في تصويره الحياة والتعبير عنها على عالم المادة، ويرفض عالم الغيب والإيمان بالله، ويصور الإنسان بالحيوان الذي تسيره غرائزه لا عقله. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: اتجاهات الواقعية

ثانيا: اتجاهات الواقعية وقد تشعب الاتجاه الواقعي إلى عدة اتجاهات, اختلفت فيما بينها في المبادئ والأهداف, وإن كانت تتفق كلها في استمداد تصورها من النظرة المادية الحيوانية للإنسان, القائمة بدورها على الداروينيةو كما أنها تأثرت كثيرا بالفلسفات الوضعية والتجريبية, والمادية الجدلية. (¬1) ومن أهم الاتجاهات ما يلي: أولا: الواقعي الانتقادي: يركز هذا الاتجاه على الاهتمام بقضايا المجتمع ومشكلاته لا سيما ما يرى أنه شر وفساد فهو ينتقده بإظهار تناقضاته وعيوبه وعرضها على الناس كما أن هذا الاتجاه يتميز بالتشاؤم إذ يرى أن الشر عنصر أصيل في الحياة فلا بد من إبرازه في العمل الأدبي للكشف عن حقيقة الطبيعة البشرية فقط (¬2).أما تغيير الواقع أو إصلاحه فليس من اختصاص هذا الاتجاه لأنه يرى أن الفنان "ليس مصلحا اجتماعيا يبحث عن إجابات وحلول لمشاكل المجتمع ولكنه يكتفي بإلقاء الأسئلة التي تكشف الواقع وتعريه مهما كانت الحقيقة قاسية ومؤلمة وهو لا يستمد مضامينه من حياة طبقة اجتماعية معينة فمثلا نجد بلزاك يتناول كل الطبقات والبيئات والمستويات الاجتماعية والثقافية لأن الواقعية النقدية تنظر إلى المجتمع ككل" (¬3). ثانيا: الواقعي الطبيعي: الواقعية الطبيعية اتجاه أدبي فلسفي تأثر كثيرا بالنظريات العلمية التجريبية ودعا إلى تطبيقها وإظهارها في الأعمال الأدبية ويرى هذا الاتجاه أن الإنسان حيوان تسيره الغرائز والحاجات العضوية "لذلك فإن سلوكه وفكره مشاعره هي نتائج حتمية لبنيته العضوية ولما تقوله قوانين الوراثة وأما حياته العشورية والعقلية فظاهرة طفيلية تتسلق على حقيقة العضوية وكل شيء في الإنسان يمكن تحليله ورده إلى حالته الجسمية وإفرازات غدده وبهذا التصور تفهم الواقعية الطبيعية الإنسان والحياة وتعرضهما في الأدب" (¬4). ثالثا: الواقعي الاشتراكي: يجسد هذا الاتجاه الرؤية الماركسية ويحمل مبادئ الفلسفة المادية الجدلية التي تقوم عليها الشيوعية ويرى أنصار هذا الاتجاه أن المعرفة الفكرية مبنية على النشاط الاقتصادي في نشأتها ونموها وتطورها لذلك ينبغي توظيف الفنون الأدبية والفكرية في خدمة المجتمع وفق المفهومات الماركسية التي تقضي بالاهتمام بالطبقات الدنيا ولا سيما طبقات العمال والفلاحين وتصوير الصراع الطبقي بينهم وبين الرأسماليين والطبقة الوسطى (البرجوازيين) وتجعل الرأسمالية والبرجوازية مصدر الشرور في الحياة لذلك تسعى إلى فضحها وكشف عيوبهما والانتصار للفلاحين والعمال والتبشير بغلبتهم عليهما" (¬5). ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي 2/ 607 ¬

(¬1) [321])) انظر: ((على الفكر الإسلامي أن يتحرر من سارتر وفرويد ودوركايم)) لأنور الجندي (12 - 20). وانظر: ((المذاهب المعاصرة))، عميرة (ص224) و ((كواشف زيوف)) (ص 360). (¬2) ([322]) فرويد: هو سيجموند فرويد عاش ما بين 1856 - 1939م. يهودي من أبوين نمساويين، وهو مؤسس مدرسة التحليل النفسي، انظر ((كواشف زيوف)) (289 - 315) (¬3) ([323]) دور كايم: هو إميل دوكايم يهودي فرنسي عاش ما بين 1858 - 1917م. تخصص في علم الاجتماع. قالوا: وقد صار رائد علم الاجتماع بعد أوجست كونت. انظر ((كواشف زيوف)) (335 - 348). (¬4) ([324]) برجسون: هو هنري برجسون، فيلسوف يهودي فرنسي عاش ما بين 1859 - 1941. انظر ((كواشف زيوف)) (349 - 348). (¬5) انظر ((الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة)) (ص118)، وانظر ((نحو بناء منهج البدائل الإسلامية)) لأنور الجندي (258 - 259).

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات ارتبطت نشأة المذهب الواقعي بالفلسفات الوضعية والتجريبية والمادية الجدلية التي ظهرت في النصف الأول من القرن التاسع عشر وما بعده، وسارت الواقعية في ثلاثة اتجاهات: الواقعية النقدية والواقعية الطبيعية والواقعية الاشتراكية. وللواقعية أعلام في شتى فروعها: أعلام الواقعية النقدية: - القصّاص الفرنسي أنوريه دي بلزاك 1799 – 1850م ومن قصصه روايته المشهورة الملهاة الإنسانية في 94 جزءً، صور فيها الحياة الفرنسية بين عام 1829 – 1948م. - الكاتب الإنكليزي شارل ديكنز 1812 – 1850م وله الرواية المشهورة قصة مدينتين. - الأديب الروسي تولستوي 1828 – 1910م وله القصة المشهورة الحرب والسلام. - الأديب الروسي دستوفسكي مؤلف الجريمة والعقاب. - والأديب الأمريكي أرنست همنجواي 1899 – 1961م وله القصة المشهورة العجوز والبحر وقد مات منتحراً. · أعلام الواقعية الطبيعية: - إميل زولا الأديب الفرنسي 1840 – 1920م مؤلف قصة الحيوان البشري وفيها يطبق نظريات دارون في التطور، ونظريات مندل في الوراثة، وكلود برنار في الطب. - جوستاف فلوبير 1821 - 1880م الأديب الفرنسي ومؤلف القصة المشهورة مدام بوفاري. · أعلام الواقعية الاشتراكية: - مكسيم جوركي 1868 – 1936م كاتب روسي، عاصر الثورة الروسية الشيوعية، ومؤلف قصة الأم. - ماياكو فسكي 1892 – 1930م وهو شاعر الثورة الروسية الشيوعية، وقد مات منتحراً. - لوركا 1898 – 1936م وهو شاعر أسباني. - بابللو نيرودا 1904 – 1973م وهو شاعر تشيلي. - جورج لوكاش – وهو كاتب فرنسي حديث. - كما كان من أعلامها: روجيه جارودي – وهو مفكر فرنسي اهتدى إلى الإسلام وسمى نفسه رجاء جارودي وإن كان مازال يتأرجح بين ماضيه وحاضره. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الأهداف الأولى للحركة الواقعية

رابعا: الأهداف الأولى للحركة الواقعية شغل الواقعيون الأوائل أنفسهم من خلال رواياتهم التي انتزعت مكان الصدارة من الشعر الرومانسي بنقد ومناقشة أحوال الفرد والمجتمع، وهذا ليس انحرافاً – بالطبع – بل هو أمر مطلوب، ولكن الانحراف جاء من جهة الموقف الذي اتخذه أولئك من الدين والأخلاق والتقاليد أثناء تصويرهم للمشاكل الإنسانية الواقعية – هذا إذا سلمنا أن هدفهم هو تصوير المشكلة وعرضها وليس شيئا في أنفسهم يريدون تقديمه من خلال ذلك التصوير وهذا الموقف الذي يضعنا على أول الطريق إلى الوثنية المعاصرة – تركز في قضيتين متقاربتين:- الأولى – الثورة على التقاليد الإقطاعية والمسيحية: وذلك قد لا يعدو في الحقيقة أن يكون جزءا من الثورة على طغيان الكنيسة وظلم الإقطاع يتخذ مظهراً مغايراً ........ ،. الثانية – الهجوم المباشر على حقائق الدين: منذ بدء حركة النهضة نجد روح الكراهية للدين من قبل الأدباء والفنانين واضحة في إنتاجهم الشعري والفني، إلا أن هذه الروح كانت تعبر عن نفسها من خلال الهجوم على رجال الدين وفى التقليل تجرأت على الهجوم المباشر على حقائقه، من ذلك ما رأينا في كوميديا دانتي وما سبق من قول رابليه، وكذلك هناك مسرحيتا موليير "المتزمت" و "طرطوف" والأخيرة تصور نفاق رجل الدين وجشعه (¬1) ومثلها قصة "صاحب الطاحون" لشوسر، يقول مؤلف "قصة الفكر الغربى": " يرد كثيراً في الأدب الشعبي الوسيط ذكر القسيس الجشع والقسيس الفاسق والقسيس المغرور الذي تشغله أمور الدنيا، وكذلك لا يعطينا شوسر صورة طيبة عن رجال الدين .. ومع ذلك فلم يكن في كل هذا إلا قليل من المرارة وإنما كان يرمي إلى إنزال القسيس إلى المستوى البشرى العام ولم يقصد إلى تحدى بناء المسيحية الفلسفي والديني أي نظرتها الشاملة إلى الكون كما قصد إلى تحديها في أيام فولتير وتوم بين " (¬2) ¤العلمانية لسفر الحوالي ص468 - 471 ¬

(¬1) ([326]) ((كواشف زيوف)) (368 - 369). (¬2) [327])) انظر ((نبذة في العقيدة الإسلامية)) للشيخ محمد بن عثيمين (13 - 18).

خامسا: الأفكار والمعتقدات

خامسا: الأفكار والمعتقدات تشعب المذهب الواقعي، كما تقدم، إلى ثلاثة اتجاهات. - الواقعية النقدية ومن أفكارها: 1 - الاهتمام بنقد المجتمع ومشكلاته. 2 - التركيز على جوانب الشر والجريمة. 3 - الميل إلى التشاؤم واعتبار الشر عنصراً أصيلاً في الحياة. 4 - المهمة الرئيسية للواقعية النقدية الكشف عن حقيقة الطبيعة. 5 - اختيار القصة وسيلة لبث الأفكار التي يريدونها. - الواقعية الطبيعية: تتفق مع الواقعية في جميع آرائها وأفكارها وتزيد عليها: 1 - التأثر بالنظريات العلمية والدعوة إلى تطبيقها في مجال العمل الأدبي. 2 - الإنسان في نظرها حيوان تسيره غرائزه، وكل شيء فيه يمكن تحليله، فحياته الشعورية والفكرية والجسمية ترجع إلى إفرازات غددية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: الواقعية الاشتراكية

سادسا: الواقعية الاشتراكية وقد نادت بها الماركسية ومن أفكارها: 1 - إن النشاط الاقتصادي في نشأته وتطوره هو أساس الإبداع الفني، لذلك يجب توظيف الأدب لخدمة المجتمع حسب المفهوم الماركسي. 2 - العمل الأدبي الفني عليه أن يهتم بتصوير الصراع الطبقي بين طبقة العمال والفلاحين وطبقة الرأسمالية والبرجوازيين، وانتصار الأولى التي تحمل الخير والإبداع على الثانية التي هي مصدر الشرور في الحياة. 3 - رفض أي تصورات غيبية، وخاصة ما يتعلق منها بالعقائد السماوية. 4 - استغلال جميع الفنون الأدبية لنشر المذهب الماركسي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي الاتجاه الواقعي في العالم العربي بدأ الاتجاه الواقعي في العالم العربي مع بداية ما يسمى بعصر النهضة واهتم الواقعيون العرب بموضوعين هما: 1ـ الموضوع التاريخي أي أنهم وظفوا أساليبهم ووسائلهم الأدبية في دراسة التاريخ العربي والإسلامي ونقده من منطلقات غير إسلامية فهي إما نصرانية أو شيوعية أو نحو ذلك. واشتهر بهذا الموضوع جرجي زيدان وفرح أنطون ويعقوب صروف وغيرهم. 2ـ الموضوع الاجتماعي أي أنهم اهتموا بدراسة المجتمع العربي الإسلامي وفكره وقيمه ونقدها وإثارة الشبهات والشكوك حول المصادر الفكرية للمجتمع العربي زاعمين أنها سبب فساده وتأخره ورجعيته. واشتهر بهذا الموضوع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومحمد تيمور وغيرهم. ثم تطور هذا الاتجاه على يد طه حسين ومحمد حسين هيكل وتوفيق الحكيم وعمر فاخوري ومارون عبود وعبدالرحمن الشرقاوي وتوفيق يوسف عواد وخليل تقي الدين وغيرهم كثير (¬1).ومن المملكة العربية السعودية يعد من الواقعيين، سعد البواردي ومحمد حسن عواد وحمزة شحاته وغيرهم. (¬2). ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 610 ¬

(¬1) (¬2) ([329]) رواه البخاري (2/ 97)، ومسلم (2658).

سابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

سابعا: الجذور الفكرية والعقائدية إن الأسس التي قامت عليها الواقعية هي المذاهب الفلسفية المادية، مثل الفلسفة الوضعية التي انتشرت في فرنسا في النصف الأول من القرن التاسع عشر ورائدها الفيلسوف الفرنسي كونت التي ترفض كل ما هو غيبي، وتقتصر على عالم المادة والحس. وكذلك تعد الفلسفة التجريبية التي تلتقي مع الوضعية في رفض الغيبيات من جذور الواقعية. ومن الجذور الفكرية العميقة للواقعية الاشتراكية: الفلسفة المادية الجدلية التي نادى بها ماركس وإنجلز التي تعد العقيدة الرسمية للشيوعية الدولية والتي من مفاهيمها أن المادة هي الوجود الحقيقي، وأن القيم العقلية انبثقت من العلاقات المادية بين الناس. وكذلك ترتبط الواقعية بالنظرية الفلسفية التي ترى أن الحياة تنبت على الشر، وأن ما يبدو من مظاهر الخير ليس إلا طلاءً زائفاً يموه واقع الحياة الفكرية ويخفي طبيعة الإنسان الحقيقية. وقد عبر الفيلسوف الإنكليزي هوبز عن هذا الاتجاه بقوله: "إن الإنسان ذئب لا هم له إلا الفتك بالإنسان". وقد عمل دعاة الواقعية على ربط الإنسان الغربي بغرائزه وحيوانيته، وتوجيه نظره إلى التراب لا إلى السماء، وزادوا في ماديته، وساعدوا على إفساده وإيقاظ شهوته. أما دعاة الواقعية الاشتراكية أو الشيوعية، الذين سطروا الكتب والمقالات والقصص والمسرحيات والأشعار في تمجيد الشيوعية، والزعم أنها الحقيقة للسعادة البشرية، فقد زادوا الإنسانية شقاء وتعاسة ومعيشة ضنكا، وقد تحطمت فلسفتهم في أوروبا الشرقية تحت مطارق الواقع المؤلم .. كما نرى بأم أعيننا الآن، إذ بدأت تتراجع بخطى سريعة إلى عفن التاريخ الذي لا يرحم، وتفكك ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، وعاد الإسلام إلى الدول الإسلامية. والإسلام يدعو إلى الاهتمام بالدنيا (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) ويرفض النظر بتشاؤم إلى تصاريف القدر وليس ثمة ما يمنع الإنسان من التأثير والتغيير في حياته والمجتمع الذي يعيش فيه. وقد كرم الإسلام الإنسان ولم يضعه في مصاف القرود واهتم بجانبه الروحي باعتباره – أي الإنسان – جسداً وروحاً، ولكلًّ مطالبه التي لا يجوز إغفالها ولا الاقتصار على أحدها دون الآخر. والمسلم يرفض النظرية الفلسفية التي تقول: "إن الحياة قد بنيت على الشر" والأديان عموماً جاءت للقضاء على الشر والنهوض بالنفس البشرية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن الواقعية مذهب أدبي فكري مادي ملحد، يصور الحياة كمادة ويرفض عالم الغيب ولا يؤمن بالله، ويرى أن الإنسان عبارة عن مجموعة من الغرائز الحيوانية، ويتخذ كل ذلك أساساً لأفكاره التي تقوم على الاهتمام بنقد المجتمع وبحث مشكلاته مع التركيز على جوانب الشر والجريمة، والميل إلى النزعات التشاؤمية وجعل مهمة النقد مركزة في الكشف عن حقيقة الطبيعة كطبيعة بلا روح أو قيم. ومن هنا كانت آثار هذا المذهب الأدبي المدمرة على الشباب المسلم إذا لم يضع هذه الأمور في حسبانه وهو يتعامل مع الإفرازات الأدبية لهذا المذهب. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا – ط. جامعة الإمام – الرياض. - مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر – نشر دار الشعاع – الكويت. - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة. - الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال – دار الثقافة – بيروت. - الأدب المقارن، ماريوس فرانسوا غويا، (سلسلة زدني علماً). - المذاهب الأدبية الكبرى، فيليب فان تيفيم (سلسلة زدني علماً). مراجع أجنبية: - Lanson: Histoire de la litterature francaise. Paris 1960. - De segure: Histoire de la letterature Europieenne, 1959. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثاني والأربعون: العدمية

أولا: التعريف العدمية مذهب أدبي وفلسفي ملحد، اهتم بالعدم باعتباره الوجه الآخر للوجود، بل هو نهاية الوجود، وبه نعرف حقيقة الحياة بعيداً عن النظرة المثالية والنظرة الواقعية السطحية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات - من أهم الشخصيات العدمية في مجال الأدب ديستوفسكي الروائي الروسي، وفي مجال الفلسفة نيتشه صاحب مقولة (موت الإله) والعدمية ترى أن الوجود الإلهي وعدمه سواء ولا يحسن أن يجهد الناس أنفسهم في هذا الموضوع. والمؤرخون يفرقون بين الإلحاد والعدمية من حيث أن الملحد يختار جانب الإلحاد الصريح (سارتر مثلاً) أما العدمي فيرى أن المسألة سواء (يستوي الوجود الإلهي وعدمه) وديستوفسكي يرى أنه إذا كان الإله غير موجود فكل شيء مباح ولا معنى للأخلاق. - وهذا المذهب مرفوض إسلاميًّا لأننا مطالبون أولاً بتقرير الوجود الإلهي والتوحيد الخالص وثانياً تقرير ارتباط قيام الأخلاق على التشريع الإسلامي في مصدرية الأساسيين، فالأديب والفيلسوف العدمي يناقضان الإسلام. - برزت العدمية في روايات الواقعية النقدية لجوستاف فلوبير 1821 - 1880م وأندريه دي بلزاك 1799 - 1850م وفي أعمال الطبيعة الانطباعية لأميل زولا 1840 - 1902م في القرن التاسع عشر. إلا أن الأديب الفرنسي جوستاف فلوبير هو المعبر الأول عن العدمية في رواياته، ثم أصبحت مذهباً أدبياً لعدد كبير من الأدباء في القرن التاسع عشر. - ويعد الشاعر والناقد جوتفريد بن 1886 - 1956م من أبرز العدميين الذين وضحوا معنى العدمية كمذهب أدبي، إذ قال بأن العدمية ليست مجرد بث اليأس والخضوع في نفوس الناس بل مواجهة شجاعة وصريحة لحقائق الوجود. - وقد رحب هذا الشاعر بالحكومة النازية عندما قامت في الثلاثينات من هذا القرن على أساس أنها مواجهة حاسمة للوجود الراكد. إلا أنه عُدَّ عدواً للنازية لأنه قال بأن البشر متساوون أمام العدم والفناء وليس هناك جنس مفضل على غيره. وقد صودرت جميع أعماله الأدبية عام 1937م. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات - إن الإنسان خُلق وله إمكانات محدودة، وعليه لكي يثبت وجوده، أن يتصرف في حدود هذه الإمكانات، بحيث لا يتحول إلى يائس متقاعس أو حالم مجنون. - إن البشر يتصارعون، وهم يدركون جيداً أن العدم في انتظارهم وهذا الصراع فوق طاقتهم البشرية، لذلك يتحول صراعهم إلى عبث لا معنى له. - ينحصر التزام الأديب العدمي في تذكرة الإنسان بحدوده حتى يتمكن من استغلال حياته على أحسن وجه. - العمل الأدبي يثبت أن لكل شيء نهاية، ومعناه يتركز في نهايته التي تمنح الدلالة للوجود، ولا يوجد عمل أدبي عظيم بدون نهاية وإلا فقد معناه، وكذلك الحياة تفقد معناها إذا لم تكن لها نهاية. - الرومانسية المثالية في نظر الأديب العدمي مجرد هروب مؤقت لا يلبث أن يصدم الإنسان بقسوة الواقع وبالعدم الذي ينتظره، وقد يكون في هذا الاصطدام انهياره أو انحرافه. - يهدف الالتزام الأدبي للعدمية إلى النضوج الفكري للإنسان ورفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم. - تهدف العدمية إلى إلغاء الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، لأن المعرفة الإنسانية لا تتجزأ في مواجهة قدر الإنسان، وإذا اختلف طريق العلم عن طريق الفن فإن الهدف يبقى واحداً وهو: المزيد من المعرفة عن الإنسان وعلاقته بالعالم. - إن اتهام العدمية بالسلبية وإشاعة روح اليأس، يرجع إلى الخوف من لفظ العدم ذاته وهذه نظرة قاصرة، لأن تجاهل العدم لا يلغي وجوده من حياتنا. - العدمية ليست مجرد إبراز الموت والبشاعة والعنف والقبح ولكن الأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال ذلك إلى معنى الحياة، وبذلك يوضح بأن العدم هو الوجه الآخر للوجود، ولا يمكن الفصل بينهما لأن معنى كل منهما يكمن في الآخر. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية - ترجع العدمية في أفكارها إلى مسرحيات الإغريق القدامى، التي تصور الإنسان وصراعه مع الأقدار وكأنه صراع ضد فكرة العدم. - وكذلك العقائد النصرانية وما تتضمنه من معاني الموت، ونهاية العالم، واليوم الآخر، والحساب .. الخ. - إلا أن العدمية لم تبلور العقيدة الدينية في الحياة والموت .. في الإيمان الذي يبعث على عمل الخير والجد، والاجتهاد لاعمار الأرض لتكون الحياة عليها سعيدة مطمئنة. وإنما اقتصرت على تصوير معاني العدم والجانب السلبي في الحياة، على نحو يوحي بأن العدم هو الوجود الخالد، وطالما كان الأمر كذلك فإن الإلحاد يحيط بالعدمية من كل جانب. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: أماكن الانتشار

خامسا: أماكن الانتشار - انتشرت العدمية في فرنسا وإنكلترا بشكل خاص والعالم الغربي عامة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن العدمية مذهب أدبي ملحد يعتبر العدم نهاية الوجود، ووفقاً لهذا المذهب ينحصر التزام الأديب العدمي في تذكير الإنسان بحدوده حتى يستغل حياته استغلالاً عدميًّا، ينضج معه فكر الإنسان، حسب زعم هذا المذهب، نضجاً يرفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم إلى مرتبة الأديب المدرك له والذي يلغي الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، فالأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال الموت والبشاعة والعنف والقبح إلى معنى الحياة العدمية، فالعدم هو الوجه الآخر للوجود. ولا شك أن هذه الأفكار لا تخدم أية فكرة أخلاقية أو دينية، بل إنها تتنافى كلية معهما. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - المدخل إلى النقد الأدبي الحديث، د. محمد غنيمي هلال - ط2 - القاهرة 1962م. - الأدب المقارن، د. محمد غنيمي - ط2 - القاهرة 1962م. - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب - مكتبة مصر- القاهرة. - المذاهب الأدبية الكبرى، فليب فان تيغيم - (سلسلة زدني علماً). - Braunschvig. La Literature Contemporaine Etudiee dans les textes. - Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le texte. Paris 1949. - Lanson: Histoire de la litterature Francaise, Paris. 1916. - De Segur (Nicola): Histoire de la Litterature Europeenne. 1959 ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثالث والأربعون: البرناسية (مذهب الفن للفن)

أولا: التعريف البرناسية مذهب أدبي فلسفي لا ديني قام على معارضة الرومانسية من حيث أنها مذهب الذاتية في الشعر، وعرض عواطف الفرد الخاصة على الناس شعراً واتخاذه وسيلة للتعبير عن الذات، بينما تقوم البرناسية على اعتبار الفن غاية في ذاته لا وسيلة للتعبير عن الذات، وهي تهدف إلى جعل الشعر فناً موضوعيًّا همه استخراج الجمال من مظاهر الطبيعة أو إضفائه على تلك المظاهر، وترفض البرناسية التقيد سلفاً بأي عقيدة أو فكر أو أخلاق سابقة. وهي تتخذ شعار "الفن للفن". ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: سبب التسمية

ثانيا: سبب التسمية سمي هذا الاتجاه بهذا الاسم نسبة إلى جبل (بارناس) في اليونان, والذي هو موطن إله الشعر (أبولو) , وآلهة الفنون الأخرى, في العقيدة الوثنية اليونانية, وهو المقام الرمزي للشعراء. ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 607

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات أطلق أحد الناشرين الفرنسيين على مجموعة من القصائد لبعض الشعراء الناشئين اسم "البرناس المعاصر" إشارة إلى جبل البرناس الشهير باليونان التي تقطنه "آلهة الشعر" كما كان يعتقد قدماء اليونان إلا أن الاسم ذاع وانتشر للتعبير عن اتجاه أدبي جديد. وإن كان دعاة هذا المذهب قد انتسبوا إلى مذاهب أدبية أخرى تشكلت فيما بعد ومنهم: - شارل بودلير 1821 - 1867م وهو شاعر فرنسي، نادى بالفوضى الجنسية، ووصف بـ "السادية" أي التلذذ بتعذيب الآخرين. - ومنهم تيوفيل جوتييه 1811 - 1872م وهو من أكبر طلائع البرناسية. - ومنهم لو كنت دي ليل ويعد رئيس هذا المذهب، وقد تبلورت مبادئه بعد منتصف القرن التاسع عشر وانتهى به الأمر إلى أن ترك النصرانية إلى البوذية. - ومالا راميه 1842 - 1898م وهو شاعر فرنسي، ويعد من أشد المدافعين عن هذا المذهب. ومن أعمدة المذهب الرمزي أيضاً. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: حقيقة هذا الاتجاه

رابعا: حقيقة هذا الاتجاه يرى البرناسيون أن الفن ليس له وظيفة أو هدف أو غاية محددة ولهذا ينادون أن الفن للفن, ويرون أن الفن غاية في حد ذاته, وهو الجمال الخالص, إذ الجمال عالم مستقل كما أن الفن عالم مستقل إذن فالأديب يهتم بالجمال فحسب ولا ينبغي له أن يجعل الأدب وسيلة لعرض المشكلات أو توجيه الناس وتعليمهم ونحو ذلك, لأن الأدب غاية بنفسه. ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 607

خامسا: الأفكار والمعتقدات

خامسا: الأفكار والمعتقدات اعتبار الأدب والفن غاية في ذاتيهما وأن مهمتهما الإمتاع فقط لا المنفعة، وإثارة المشاعر وإلهاب الإحساس ليتذوق الإنسان الفن الجيد. تحطيم القديم وتدميره لبناء العالم الجديد الخالي من الضياع، حسب زعمهم، والقديم في رأيهم، هو كل ما ينطوي على العقائد والأخلاق والقيم. يحقق الإنسان سعادته عن طريق الفن لا عن طريق العلم. استبعاد التعليم والتوجيه التربوي عن الشعر والفن عامة. والاهتمام بالشكل والتعبير الأدبي أكثر من اهتمامهم بالمضامين الفنية والأدبية. إن الحياة تقليد للفن وليس العكس. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: الاتجاه البرناسي في العالم العربي

سادسا: الاتجاه البرناسي في العالم العربي يقول عصام محمد الشنطي ـ متحدثا عن الاتجاه البرناسي: " وغالب الذين تبنوا هذا الاتجاه في النقد الموضوعي في مصر هم من أساتذة الجامعات الأكاديميين ومن طلائعهم الدكتور رشاد وسار معه في هذا الاتجاه الدكتورة فاطمة موسى والدكتور فايز اسكندر والدكتور أمين العيوطي والدكتور شفيق مجلي وفاروق عبد الوهاب" (¬1).وعد امطانيوس ميخائيل بشر فارس وسعيد عقل ونزار قباني وغيرهم من أتباع الاتجاه البرناسي (¬2). وكذلك ذكر إيليا الحاوي: أمين نخلة وسعيد عقل بصفتهم ممثلين للاتجاه نفسه واستشهد على ذلك من أشعارهما. (¬3). ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 607 ¬

(¬1) انظر: ((الإيمان بالله للكاتب)). (¬2) ((الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة)) (ص 118). (¬3) ((كواشف زيوف)) ص 376 - 377.

سابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

سابعا: الجذور الفكرية والعقائدية كان أرسطو الفيلسوف اليوناني 383 - 322 ق. م أول من هاجم الاتجاه التعليمي والأخلاقي في الشعر، وكان يرد بذلك على أفلاطون الذي قرر أن الشعر خادم الفلسفة الأخلاقية وفكرة الإرشاد التعليمي. وبعد سقوط الإمبراطورية الإغريقية، وسيطرة الإمبراطورية الرومانية بكل اتجاهاتها العملية والنفعية، سيطر الاتجاه التعليمي على الأدب. سيطرت الكنيسة على الفلسفة والأدب وبقي الاتجاه التعليمي في الشعر هو السائد. ومع ذلك وجد من يتذوق الشعر من أجل القيم الجمالية، كالقديس أوغسطيوس في كتابه (النظرية المسيحية) حيث يؤكد على المتعة الفنية التي تذوقها هو في الأسلوب الأدبي الذي كتبت به الأناجيل. ورغم تطور النقد الأدبي في القرن السادس عشر إلا أنه لم يتغلب على الاتجاه التعليمي في الأدب. وفي القرن السابع عشر يؤكد بيركورني أن الهدف الأساسي في الشعر المسرحي هو المتعة الفنية. وبمرور الزمن ازداد الهجوم على الجانب التعليمي للفن من قبل ورد زورث 1770 - 1850م والشاعر شيللي 1792 - 1822م ورواد المدرسة الرمزية أمثال بودلير ومالا راميه. وفي مطلع القرن العشرين اعتبر النقاد نظرية الفن للفن .. دفاعاً مستميتاً عن الفن حتى لا تستخدم في الأغراض النفعية المؤقتة. والواقع أن المضمون الفكري والعقائدي لهذا المذهب - غير الصورة الخارجية المتعلقة بالمتعة الفنية - هو رفض كل فكرة وعقيدة وأخلاق سابقة وخاصة ما يتعلق بالدين وإن كان هذا الأمر لم يكن واضحاً في آثار أصحاب المذاهب. لذلك كان الهجوم على مدرسة الفن للفن، بعد انحرافها الكبير عن الحياة الواعية العاقلة من قبل بعض النقاد أمثال ت. س. اليوت الذي اتهم أصحابها بالخطأ وقصر النظر، وقرر أنه لابد من الالتزام للأديب أو الشاعر. وأن غاية الشعر والنقد تُلزم كل شاعر وناقد أن تكون الكتابة ذات نفع اجتماعي ما للقارئ. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثامنا: الرد الإسلامي على نظرية الفن للفن

ثامنا: الرد الإسلامي على نظرية الفن للفن - الأدب في الإسلام والفن يجب أن يكون ملتزماً بالقيم الإسلامية وبمراعاة مبدأ التوحيد الخالص وبمراعاة نهي الإسلام عن التصوير والتجسيد، أما الفن للفن فإتباع للهوى وقد يؤدي بالفنان إلى تصوير ما يثير الشهوات ويفسد الأخلاق، وذلك مناقض لما تجب مراعاته من ضرورة الالتزام بأصول الفقه وأهم قواعده (لا ضرر ولا ضرار) والفن للفن يؤدي إلى إضرار أو إلى عدم منفعة وكلاهما موقف غير إسلامي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

تاسعا: الانتشار ومناطق النفوذ

تاسعا: الانتشار ومناطق النفوذ مذهب الفن للفن مثل بقية المذاهب الأدبية نشأ في أوروبا، وأشد المتحمسين له كانوا في فرنسا، أم المذاهب تقريباً، ولكن كان له أنصار في ألمانيا وإيطاليا، ووصل المذهب إلى أمريكا وغيرها من الدول. إلا أنه تقلص بعد ذلك وتقوقع على نفسه بعد أن وجه له النقد الشديد لانحرافه عن كثير من الأصول التي بني عليها، والقيم التي كان يلزمه التقيد بها. ملاحظة: - يلاحظ أن البرناسية تعزل الأدب عن قضايا الحياة الاجتماعية والسياسية وتجعله غاية في حد ذاته، والإسلام يحدد غايات الإنسان في الحياة، ولا يقبل أن يكون الأدب غاية في ذاته، كما يرفض الإسلام الأدب المكشوف الذي يستخدم كأداة للانحراف ويقيس قيمته بموازين الخير والشر، وإذا صدر الأدب عن تصور يرفض القيم الدينية فهو مرفوض شكلاً وموضوعاً مهما سمت قيمته الأدبية وفقاً لمقاييس الصياغة أو حسن التعبير. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن البرناسية مذهب أدبي فلسفي لا ديني، يعارض الرومانسية من حيث أنها مذهب الذاتية في الشعر، وهو يعتبر الأدب والفن غاية في حد ذاتيهما، لا وسيلة للتعبير عن الذات، ويرنو إلى تحطيم كل ما هو قديم وتدميره من أجل بناء العالم الجديد الخالي من الضياع حسب زعم أنصار المذهب. ولما كان القديم في هذا المذهب يعني كل ما ينطوي على العقائد والأخلاق والقيم، فإن تحطيم القديم يعني في هذا المذهب وجوب تحطيم الدين والقيم الأخلاقية الأمر الذي يجب أن يتنبه له الشباب المسلم وهو يدرس هذا المذهب ويتعامل مع حصاده الفكري. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. نبيل راغب - مكتبة مصر - القاهرة. - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب - مكتبة مصر - القاهرة. - مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر - مكتبة البيت - الكويت. - الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال - دار الثقافة - بيروت. المراجع الأجنبية: - De Segur: Histoire de la litterature Europeenne. Paris. 1959. - Lanson: Histoire de la litterature Francaise Paris. 1960. - The Oxford Companion to English Literature. Edited by Margaret Drabble. - The Cambridge Guide to Literature in English, edited by Ian Ousby. - Encyclopedia Britanicca V 10 Literature - Westing. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الرابع والأربعون: الانطباعية (التأثرية)

أولا: التعريف الانطباعية مذهب أدبي فني، ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا، وهو يعتبر الإحساس، والانطباع الشخصي الأساس في التعبير الفني والأدبي، لا المفهوم العقلاني للأمور. ويرجع ذلك إلى أن أي عمل فني بحت لابد أن يمر بنفس الفنان أولاً، وعملية المرور هذه هي التي توحي بالانطباع أو التأثير الذي يدفع الفنان إلى التعبير عنه. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي فالانطباعية إذن تعكس ما تتأثر به وينطبع فيها من مبادئ وأفكار جديدة, وفلسفات حديثة معاصرة, وتعارض المبادئ والقيم القديمة, التي لا يجوز أن يتحدث عنها الانطباعي, لأنه لا يتأثر بها, إذ لا يفكر فيها ولا ينتحلها. والانطباعيون كما أنهم يرفضون القيم والأفكار القديمة, ويثورون على التقليد والاتباع للماضي مهما كان مفهومه فإنهم كذلك يتمردون على اللغة وقواعدها وزاعمين الاستغناء عنها بالأحاسيس النفسية والتأثيرات الانطباعية والتعبير بالألوان والرموز والإشارات أو ما يسمى بالفن التشكيلي. يقول عدنان النحوي:"بدأت الرمزية والانحطاطية والانطباعية هجوما أولياً على اللغة هجوما سيزداد حدة وعنفا مع نمو حركات الحداثة ولقد بدأ الصراع مع محاولة التركيز على الأسماء, وتحويل الأفعال والصفات إليها ومع محاولات التخلص من جزئيات اللغة كالحروف وأدوات العطف وهذا الصراع يأخذ صورة فكرية فلسفية تحاول أن تدافع عن نفسها ... " (¬1). ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 643 ¬

(¬1) ([333]) انظر ((الموسوعة الميسرة)) (ص 543).

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات أطلقت الانطباعية في البداية على مدرسة في التصوير ترى أن الرسام يجب أن يعبر في تجرد وبساطة عن الانطباع الذي ارتسم فيه حسيّاً، بصرف النظر عن كل المعايير العلمية، وبخاصة في ميدان النقد الأدبي، فالمهم هو الانطباع الذي يضفيه الضوء مثلاً على الموضوع لا الموضوع نفسه. ومن أهم شخصياتها: - أناتول فرانس 1844 - 1924م - الأديب الفرنسي، وهو يعد رائد الانطباع في الأدب، بعد أن انتقل المصطلح من الرسم إلى الأدب، ويرى أن قيمة أي عمل أدبي تكمن في نوعية الانطباعات التي يتركها في نفس القارىء وهذا الانطباع هو الدليل الوحيد على الوجود الحي للعمل الأدبي. - إنطونان بروست: ويعد من أبرع من جسد الانطباعية الأدبية فهو حين يصف مشهداً أو ينقل أحاسيسه إزاء مشهد، تتجسد أمامنا لوحة انطباعية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات طالما أن قيمة أي عمل أدبي تكمن في نوعية الانطباعات التي يتركها في نفس القارىء، فإن على الأديب أن يضع هذه الحقيقة نصب عينيه، لأن الانطباع هو الدليل الوحيد على الوجود الحي للعمل الأدبي. إن الفنان يحس أو يتأثر أولاً، ثم ينقل هذا الانطباع أو التأثير عن طريق التعبير. ولا يكترث للمعايير المتبعة للنقد الأدبي. الانطباعية تقول: (أنا أحس إذن أنا موجود) بدلاً من العقلانية التي تقول على لسان ديكارت: (أنا أفكر إذن أنا موجود). كل معرفة لم يسبقها إحساس بها لا تجدي .. المضمون هو المهم لا الشكل الفني عند الأديب الانطباعي في نقل انطباعه الذاتي للآخرين. العالم الخارجي مجرد تجربة خاصة وأحاسيس شخصية وليس واقعاً موضوعيًّا موجوداً بشكل مستقل عن حواس الفرد. من النقد الذي وجه للانطباعيين أنهم جروا وراء التسجيل الحرفي للانطباع ونسوا القيمة الجمالية التي تحتم وجود الشكل الفني في العمل الأدبي. وأن أدب الاعترافات والخطابات الأدبية اللذين أدت إليهما الانطباعية، حيث يعبر فيهما الأدباء عن مكنونات صدورهم، تحولا إلى مجرد مرآة لحياة الأديب الداخلية، أي أن هؤلاء ينظرون للأدب على أنه مجرد ترجمة ذاتية أو سيرة شخصية للأديب. وهكذا فقد أصبح النقد الأدبي والتذوق الفني مجرد تعبير عن الانفعالات الشخصية والأحاسيس الذاتية التي يثيرها العمل الأدبي في الناقد. والفرق بين الانطباعية الشكلية والانطباعية الأدبية هو أن الانطباعية الشكلية تهتم بالشكل (تسليط الضوء على الإطار الخارجي)، بينما تهتم الانطباعية الأدبية بالمضمون الأدبي من خلال تأثير الأديب الانطباعي على القارىء. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية إن العالم الحديث وما يتضمنه من أنانية فردية، وذاتية غير أخلاقية هو الذي أفرز مذهب الانطباعية حيث فرض على الفرد العزلة، فأصبحت أفكاره تدور حول ذاته، وليس العالم عنده سوى مجموعة من المؤثرات الحسية العصبية، والانطباعات والأحوال النفسية، ولا يهمه الاهتمام بالعالم وإصلاحه أو تغييره إلى الأفضل. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار وأماكن النفوذ

خامسا: الانتشار وأماكن النفوذ بدأت الانطباعية في فرنسا، ثم انتشرت في أوروبا .. وهي اتجاه يدخل في جميع المدارس الأدبية، حيث الانطباع عنصر أولي في أي عمل فني، ولكنه ليس كل شيء .. ولذلك اندثرت عندما اقتصرت على فكرة أن الانطباع هو الهدف الوحيد والمادة الخام التي يتشكل منها أي عمل فني. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: الاتجاه الانطباعي في العالم العربي

سادسا: الاتجاه الانطباعي في العالم العربي الاتجاه الانطباعي كغيره من الاتجاهات الحداثية انتشر بشكل واسع في العالم العربي. وقد عرف بهذا الاتجاه الشاعر البحريني إبراهيم العريض, وكذلك الكويتي علي زكريا الأنصاري, وكثير من الرومانسيين في العالم العربي هم انطباعيون (تأثريون). يقول محمد عبد الرحيم كافود:"إن هذا الاتجاه النقدي, وهو الاتجاه التأثري نجده قد أخذ به بعض النقاد في منطقة الخليج ومن ذوي الاتجاه التجديدي, وتحمسوا لهذا النوع من النقد, لأنهم يرونه أجدى سبيل للتواصل بين القراء والعمل الفني ... , هذا ما ذهب إليه الناقد الأديب إبراهيم العريض .... , وهذا الاتجاه النقدي عند العريض ناتج عن أثره بالاتجاه الرومانسي, فهو كشاعر يخضع لهذا الاتجاه .... , ويقترب علي زكريا الأنصاري في نظرته إلى النقد ومهمته التفسيرية من نظرة العريض .... , فالنقد عند علي زكريا هو النقد التأثري كما هو عند سابقه العريض .... " (¬1).كذلك انتسب إلى الاتجاه الانطباعي (التأثري) كل من سليمان الشطي وهدايت سلطان السالم وغيرهما (¬2).بل إنهم عدوا مدرسة الديوان, التي تمثلت في العقاد, والمازني, وشكري, رائدة هذا الاتجاه في العالم العربي (¬3). ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 644 ¬

(¬1) ([334]) انظر ((نحو بناء منهج البدائل الإسلامية)) (ص 254). (¬2) ([335]) ((كواشف زيوف)) (ص 377). (¬3) ([336]) انظر ((قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي)).

الخلاصة

الخلاصة أن الانطباعية أو التأثيرية مذهب أدبي فني ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا، ومضمونه اعتبار الانطباع الشخصي والإحساس، بمثابة الأساس في التعبير الفني والأدبي، بحيث تكمن قيمة العمل الأدبي في نوعية الانطباعات التي يتركها هذا العمل في نفس القارىء، الأمر الذي يستلزم تبني الأديب أو الفنان لهذه الحقيقة، فالإحساس وليس العقل والتفكير، هو معيار وجود الإنسان وفق هذا المذهب، وكل معرفة لا يسبقها إحساس بها فهي معرفة غير مجدية، والعبرة بمضمون العمل الفني وليس بشكله، ولا يعبأ هذا المذهب بإصلاح أحوال الناس أو تغيير العالم إلى الأفضل. ومن هنا كانت الثغرات الأخلاقية والاجتماعية في هذا المذهب الأدبي ذات أثر كبير على كل من يطلع على نتاجه دون أن يكون ملماً سلفاً بفكرته تلك ولأن الفنان الانطباعي غير ملتزم إلا بالرؤية الحسية وتصوير ما انطبع على حواسه حتى لو لم يره الآخرون، وحتى لو عارضت انطباعاته القيم السامية وأدت من ثم للإضرار بالناس. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال – دار الثقافة – بيروت. - المدخل إلى النقد الأدبي الحديث، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة 1959م. - الانطباعية، تأليف موريس سيرولا – ترجمة هنري زغيب – منشورات عويدات. - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر. - النقد الجمالي، أندريه ريشار – ترجمة هنري زغيب (سلسلة زدني علماً). - الجمالية الفوضوية، أندريه رستسلر – ترجمة هنري زغيب (سلسلة زدني علماً). - الفن الانطباعي، موريس سيرولا – (سلسلة زدني علماً). - J. Leymarie, L’Impressionmisme. Paris 1959. 2 Vol. - G. Moore, Modern Painting, London – New York – 1893. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الخامس والأربعون: التعبيرية

أولا: التعريف التعبيرية مذهب أدبي فلسفي تجريبي لا انطباعي، إذ يعطي الأديب فيه للتجربة بعداً ذاتيًّا ونفسيّاً وذلك على عكس الانطباعية التي تركز على التعبير عن الانطباع الخارجي عن الذات. وقد اهتمت التعبيرية بالمسرح كما اهتمت بضروب الأدب الأخرى. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي وقد جاءت التعبيرية ثورة ضد كل من التأثيرية والطبيعية لأن كلا الاتجاهين اقتصر على حدود التعبير عن الواقع, إما الواقع الفردي عند التأثيرية, أو الاجتماعي عند الطبيعية وهذا ما رفضته التعبيرية لأنها ترى أن "المجتمع في تغير وتطور مستمرين ونفس الموقف بالنسبة للفرد ونظرته إلى الكون والأحياء, وإذا اقتصرت مهمة الأدب على مجرد التعبير عن هذا المجتمع وهذا الفرد, فلن يستطيع اللحاق بركب الحياة ومواكبتها لأنه سينتهي بانتهاء اللحظة التي يعبر عنها وهذه هي مهمة الصحافة اليومية وليست مهمة الأدب والتي وصفها الناقد التعبيري الألماني (لوثارشراير) بأنها (الحركة الروحية الموازية لسير الزمن, والتي تضع الكيان الإنساني للفرد فوق اعتبار وضعه الاجتماعي المؤقت) فهي تعالج الإنسان كمخلوق حي متكامل وليس مجرد فرد في مجتمع ..... , ولذلك تتعاون الفنون التشكيلية في التعبير عن الإنسان في كليته والمسرح خير وسيلة لتعاون المعمار والنحت والتصوير والموسيقى والرقص واللون والصوت والكلمة والضوء ..... إلخ, ولذلك كان مصدر الحركة التعبيرية المسرح وبعدها تشعبت إلى الرواية الشعرية ولكن في حدود أدوات كل منهما" (¬1). ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 650 فالتعبيرية أصبحت ثورة على المجتمع وما فيه من قيم وعقائد وتقاليد, وعلى اللغة وقواعدها, وعلى السياسة وقوانينها ودعت إلى تعبير جديد يخالف القديم والسائد في مضامينه وأشكال تعبيره. (¬2) وفي عام 1910م صدر العدد الأول من مجلتهم التعبيرية (ديرشتورم) وقال (رودلف كرتز) في مقدمتها: "إن المجلة جاءت لتقوض المجتمع القائم" (¬3).هذا وقد كثرت الاتجاهات التعبيرية فيما بعد, في كثير من الدول الأوروبية والأمريكية, واختلفت فيما بينها, فترك جماعة منهم اتجاههم وتحولوا منه إلى الفكر الشيوعي الماركسي الصريح (¬4). ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 652 ¬

(¬1) ([337]) ((الروح)) (ص 242). (¬2) ([338]) ((بتصرف عن التطور والدين)) (ص 23). (¬3) ([339]) ((الموسوعة العربية الميسرة)) (1/ 33) وانظر (ص 416). (¬4) ([340]) انظر ((الصوفية معتقدا ومسلكا)) (ص 262) وانظر ((الموسوعة الميسرة)) (ص 251 – 254).

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات لقد تفرعت المدرسة التعبيرية إلى اتجاهات متعددة وهي: - الاتجاه التطبيقي: ويقول أصحاب هذا الاتجاه: إن مهمة الأدب هي تنشيط عقل الإنسان ووجدانه، ومنعهما من الركود والبلادة، وليس مجرد تقديم صورة لما يراه الإنسان بالفعل في حياته اليومية. ومن شخصيات هذا الاتجاه توللر وهاسين كليفر وبيتشر وكابر والأمريكي جون هاورد لوسون. - الاتجاه اللاعقلاني: ويقول أصحاب هذا الاتجاه إن المعقول هو ما اتفق عليه الناس، وعلى المسرح أن يعالج ما لم يتفق عليه الناس بعد. ومن شخصيات هذا الاتجاه: - صمويل بيكيت المولود سنة 1906م وهو روائي ومسرحي أيرلندي الأصل. كان يكتب مسرحياته بالفرنسية. - أونسكو المولود سنة 1912م وهو مسرحي روماني الأصل، ويعد من أركان مسرح اللامعقول. - ومن رموز التعبيرية أيضاً كافكا وأونيل الذي بلغت التعبيرية قيمتها في إحدى مسرحياته المتأخرة أيام بلا نهاية. الأفكار والمعتقدات: يتركز هدف الفن التعبيري في التجسيد الموضعي الخارجي للتجربة النفسية المجردة، عن طريق توسيع أبعادها، وإلقاء أضواء جديدة عليها، لكي تكشف عن الأشياء التي يخفيها الإنسان أو التي لا يستطيعون رؤيتها لقصر نظرهم. وتجسد التعبيرية جوهر الأشياء، دون إظهار خارجها، ولذلك فهي لا تعترف بأن هناك تشابها بين الظاهر والباطن. تهتم التعبيرية بالإنسان كله، ولذا فإن الشخصيات في المسرح التعبيري تتحول إلي مجرد أنماط أكثر منها أناس من لحم ودم. وأحياناً تتحول إلي مجرد أرقام أو مسميات عامة. - تقوم المسرحية التعبيرية على شخصية محورية تمر بأزمة نفسية أو عاطفية، لذلك يستعين المؤلف بعلم النفس في أحيان كثيرة حتى يبلور مأساة الشخصية الداخلية. ركز أصحاب المذهب التعبيري علي مهمة الأدب التقليدي الذي غالباً ما يتميز بالمحدودية والغباء وضيق الأفق. الاتجاه اللاعقلاني في التعبيرية يعد الابن الشرعي للمذهب السريالي الأم. ولذلك يعد ثورة على منطق الحياة وعلى العقل، لذلك لا يخضع لقواعد الفن. ويعتقد بأن الحياة في جوهرها وفي حقيقتها التجريدية شيء لا معقول أي غير مفهوم وغير قابل للفهم أو للتفسير. - ويعد هذا الاتجاه أيضا من أمراض العصر الحاضر المملوء بالقلق واليأس من الحياة، والمصير المظلم الذي ينتهي بالموت. نقد للاتجاه اللاعقلاني في التعبيرية: - هاجم الناقد الفرنسي: مورياك .. في كتابه (الأدب المعاصر) أدب بيكيت اللامعقول. فقال:" إننا لا نعرف من بيكيت شيئاً محققاً أو واضحاً ولا نفهم شيئاً مما يقول على حقيقته". - وكذلك هاجم أدب اللامعقول، الناقد أندريه مارسيل فقال:" يبدو أن الهدف الرئيسي لبيكيت هو كتابة العمل الأدبي الذي لا يكتب والذي لا يمكن تأليفه، إنها محاولة نحو المستحيل، وهي مأساة فشل لا مفر منه، ومجرد أكوام من الحطب المحترق التي تملأ الجو دخاناً في أرض مبهمة مجهولة". ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الجذور الفكرية والعقائدية

ثالثا: الجذور الفكرية والعقائدية تعد الحرب العالمية الثانية، وما تركته من دمار في الأرض، ودمار في النفوس والأفكار المحضن الحقيقي للاتجاه اللاعقلاني في الأدب، لذلك كان اليأس والتشاؤم والقلق هو الغالب على مسرحيات هذا الاتجاه، إذ إن كثيراً من المفكرين والأدباء الأوروبين فقدوا الأمل في الفكر العقلاني الواعي، لأن ما جرى خلال الحرب ينافي العقل والمنطق في رأيهم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الانتشار وأماكن النفوذ

رابعا: الانتشار وأماكن النفوذ نشأت التعبيرية في فرنسا وألمانيا وانتشرت بعد ذلك في أوربا والعالم الغربي كله. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن التعبيرية مذهب أدبي فلسفي، يهتم بالتجربة الإنسانية، ويعطيها بعداً ذاتياً ونفسيًّا، فالعبرة فيه بجوهر الشيء لا بمظهره، لأنه لا يوجد أي تشابه بين الظاهر والباطن. وفي مجال المسرح يركز هذا المذهب على فكرة الشخصية المحورية التي تجتاز أزمة نفسية أو عاطفية ويتم تحليل أبعادها الخارجية من خلال معطيات علم النفس وأدواته. ويعد هذا المذهب مظهراً من مظاهر أمراض العصر الذي يغصّ بالقلق واليأس من الحياة والمصير المظلم الذي يسود كثيراً من دول الغرب وينتهي بكثير من الناس إلى فقدان الإحساس بقيمة الحياة والقيم الروحية التي تثريها وتجعل للإنسان فيها هدفاً ولوجوده معنى. تعقيب: - الإسلام لا يمنع التعبير عن مكنونات النفس إذا كان ذلك لا يتعارض مع معطيات الشرع، كالإفضاء بأسرار الحياة الزوجية مثلاً أو الدعوة إلى الإباحية وهكذا، وفي نفس الوقت يحبب حياة الجد والعمل والاجتهاد، ويمحو مفاهيم الفوضى والعدمية واللامعقول من عقول الناس حتى لا تسيطر عليها وتحيل الحياة إلى جحيم لا يطاق. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - الأدب ومذاهبه، د. محمد مندور دار نهضة مصر – القاهرة. - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة. - المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، فليب فان يتغيم، ترجمة فريد أنطوانيوس – (سلسلة زدني علماً). المراجع الأجنبية: - De Segur: Histoire de la litterature Europieenne. Paris 1959. - Lanson: Histoire de la litterature Francaise Paris 1960. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السادس والأربعون: العبثية

أولا: التعريف العبثية مدرسة أدبية فكرية، تدعي أن الإنسان ضائع لم يعد لسلوكه معنى في الحياة المعاصرة، ولم يعد لأفكاره مضمون وإنما هو يجتر أفكاره لأنه فقد القدرة على رؤية الأشياء بحجمها الطبيعي، نتيجة للرغبة في سيطرة الآلة على الحياة لتكون في خدمة الإنسان حيث انقلب الأمر فأصبح الإنسان في خدمة الآلة، وتحول الناس إلى تروس في هذه الآلة الاجتماعية الكبيرة. وجاءت مدرسة العبث كمرآة تعكس وتكبِّر ما يعاني منه إنسان النصف الثاني من القرن العشرين عن طريق تجسيده في أعمال مسرحية ورواية شعرية، لعله ينجح في التخلص من هذا الانفلات في حياته ويفتح الطريق أمام ثورة هائلة في الإمكانيات ومن التجديد في وسائل التعبير فيتولد لديه الانسجام والفهم لما يحدث. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي ومما لا شك فيه أن هذا الاتجاه الحداثي هو نتاج المرحلة الحضارية التي تمر بها أوروبا, فهي تعيش في فوضى فكرية عظيمة وضياع كبير وتفكك في المجتمعات والأسر وتشتت في المفاهيم والأفكار إذ لا تجمعهم عقيدة صحيحة ولا يربطهم مبدأ ولا تحكمهم شريعة مستقيمة ولذا كثرت الاتجاهات الفلسفية الناقمة على الواقع والمتمردة على مبادئه وأخلاقه وقيمه وكان من بينها الاتجاه العبثي الذي لم يأت من فراغ بل له جذور فلسفية سبقته كالاتجاه الحداثي التعبيري والسريالي الذي يعد "الأب الشرعي" للاتجاه العبثي وذلك بما يحويه من تجسيد لشطحات العقل الباطن وهلوسة عالم الأحلام الزاخر بالهواجس والآمال والآلام, وكذلك الاتجاه الرمزي لا سيما عند (رامبو) يعد من أصول الاتجاه العبثي كما ذكر ذلك الناقد (ارنست فيش). وقد سمي هذا الاتجاه بالعبثي لأنه يصور في مسرحياته ورواياته وقصصه ومقالاته العبث والضياع, الذي يعيشه المجتمع, ولهذا فإن إنتاجه يسوده العبث والفوضى في الأفكار والمبادئ واللغة التي يتخاطبون بها فكل (إبداعهم) عبث وفوضى ورموز وقد استعانوا بنظرية فرويد وإيحاءاته النفسية والجنسية في عبثهم وتدميرهم ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 680

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات نشأ مذهب العبث في الأدب الأوروبي وانتقل إلى الآداب العالمية المعاصرة بصفة عامة، والدول التي عانت من الحرب العالمية الأولى والثانية بصفة خاصة، وهي الدول التي فقدت ثقتها في مجرد المسلك العقلي المنطقي الذي يمكن أن يدمر في لحظات كل ما يبنيه الإنسان من مدنية عندما تحكمه شهوة السيطرة والتدمير، كما فعل هتلر في الحرب العالمية الثانية. ومن العبث التفتيش عن معنى للسلوك الإنساني، في رأي أصحاب مذهب العبث؛ فإن الآلة التي اخترعها الإنسان قد سيطرت عليه، وأصبح هو نفسه ترساً فيها، مما أدى إلى إحساسه بالعبث والضياع في المضحك المؤلم. ومن أبرز شخصيات مذهب العبث الفرنسيين: - صامويل بيكيت 1906م 000 الرائد الأول لمذهب العبث، وقد ألف في جميع الأشكال الأدبية، ومنح جائزة نوبل عام 1969م. - أوجين يونسكو 1912 - 0000 وهو كاتب فرنسي ويعد من أركان مسرح اللامعقول. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات يمكن إجمال أفكار ومعتقدات مذهب العبثية الأدبي والفكري فيما يلي: - انعدام المعنى والمضمون وراء السلوك الإنساني في العالم المعاصر وذلك نتيجة ما قيل إنه الفراغ الروحي والابتعاد عن الإيمان الذي لا يكون للحياة معنى وغاية بدونه. - إن الآلة التي سيطرت على الإنسان في المدنية الغربية، أدت إلى تحلل المجتمع وتفككه ولم يعد هناك روابط أسرية أو اجتماعية. - إن تصوير الحياة المعاصرة وما فيها من تشتت وفقدان للرؤية الواضحة ورتابة مملة، وقلق وعدم أمان، يحول الحياة إلى وجود لا طعم فيه ولا معنى. - التأثر بآراء فرويد في علم النفس التحليلي وما فيه من إيحاءات وأحلام وخيالات وأوهام. - الخوف والرهبة من الكون، وهذا الخوف يقضي على كل تفكير عقلاني متماسك. إتباع أسلوب الألغاز والغموض في التعبير، حيث لا يفهم النقاد ما ينتجون من أدب وشعر. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية تعد مدرسة السريالية الفرنسية الأساس لمذهب العبث، وذلك لما تحويه من شطحات العقل الباطن، وهلوسة عالم الأحلام الزاخر بالهواجس والآلام والآمال. كما تعد المدرسة الرمزية من جذور مذهب العبث وما تحويه من صور مشوشة مضطربة تجمع بين الجمال والقبح والأسطورة والواقع، كذلك فإن آراء فرويد النفسية وما تحويه من إيحاءات وأحلام نتيجة تحليله النفسي للمرضى والمعتوهين تعتبر من الجذور الفكرية لمذهب العبث. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: أماكن الانتشار

خامسا: أماكن الانتشار بدأ مذهب العبثية في فرنسا ثم انتشر في كافة أوروبا والعالم الغربي خاصة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن العبثية مدرسة أدبية فكرية لا تقيد نفسها بكثير من القيم الإنسانية، ولا ترى أن هناك أي مضمون حقيقي وراء السلوك الإنساني، الذي تحلل في المجتمع الغربي بسبب سيطرة الآلة على مسارات الحياة حتى أنها جعلت الإنسان ترساً في هذه الآلة الضخمة. وقد تأثرت هذه المدرسة بآراء فرويد في علم النفس التحليلي وما فيه من أحلام وأوهام وخيالات، وترى وجوب إتباع أسلوب الغموض والألغاز في التعبير بحيث لا يفهم النقاد نتاج هذه المدرسة التي يقوم فكرها على أساس الخوف من الكون والرهبة منه وهو خوف يقضي على كل تفكير عقلاني. ومع كل ما تقدم فإنها ترجع ضياع الإنسان في الغرب إلى الفراغ الروحي، ولكنها لا تلزم نفسها بأية قيم دينية سلفاً، ولذا وجب النظر إلى نتاجها الفكري بحذر واهتمام. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، للدكتور. نبيل راغب مكتبة مصر – القاهرة. - الأدب المقارن، د. محمد عفيفي هلال، دار العروة، بيروت. - في الأدب، د. محمد مندور. - الأدب ومذاهبه، د. محمد مندور. - المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، ترجمة فريد أنطونيوس (سلسلة زدني علماً). - الفوضوية، هنري أرفون (سلسلة زدني علماً). - الجمالية الفوضوية، أندريه رستسلر (سلسلة زدني علماً). مراجع أجنبية: - De Segur. Histoire de la letterature Europeenne. Paris. 1959. - Lanson: Histoire de la letterature Francaise, Paris, 1960. - Caramian (L) Symbolisme et poesie, l’Exemple anglais. Paris. 1947. - Clouard (H). Histoire de la letterture Francaise du Symbolisme a nos jurs 1944 – 1949. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الخمسون: البنيوية

أولا: التعريف البنيوية: منهج فكري وأداة للتحليل، تقوم على فكرة الكلية أو المجموع المنتظم. اهتمت بجميع نواحي المعرفة الإنسانية، وإن كانت قد اشتهرت في مجال علم اللغة والنقد الأدبي، ويمكن تصنيفها ضمن مناهج النقد المادي الملحدة. - اشتق لفظ البنيوية من البنية إذ تقول: كل ظاهرة، إنسانية كانت أم أدبية، تشكل بنية، ولدراسة هذه البنية يجب علينا أن نحللها (أو نفككها) إلى عناصرها المؤلفة منها، بدون أن ننظر إلى أية عوامل خارجية عنها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات كانت البنيوية في أول ظهورها تهتم بجميع نواحي المعرفة الإنسانية ثم تبلورت في ميدان البحث اللغوي والنقد الأدبي وتعتبر الأسماء الآتية هم مؤسسو البنيوية في الحقول المذكورة: - ففي مجال اللغة برز فريدنان دي سوسير الذي يعد الرائد الأول للبنيوية اللغوية الذي قال ببنيوية النظام اللغوي المتزامن، حيث أن سياق اللغة لا يقتصر على التطورية Diachronie، أن تاريخ الكلمة مثلاً لا يعرض معناها الحالي، ويمكن في وجود أصل النظام أو البنية، بالإضافة إلي وجود التاريخ، ومجموعة المعاني التي تؤلف نظاماً يرتكز على قاعدة من التمييزات والمقابلات، إذ إن هذه المعاني تتعلق ببعضها، كما تؤلف نظاماً متزامناً حيث أن هذه العلاقات مترابطة. - وفي مجال علم الاجتماع برز كلا من: كلود ليفي شتراوس ولوي التوسير الذين قالا: إن جميع الأبحاث المتعلقة بالمجتمع، مهما اختلفت، تؤدي إلى بنيويات؛ وذلك أن المجموعات الاجتماعية تفرض نفسها من حيث أنها مجموع وهي منضبطة ذاتياً، وذلك للضوابط المفروضة من قبل الجماعة. - وفي مجال علم النفس برز كل من ميشال فوكو وجاك لا كان اللذين وقفا ضد الاتجاه الفردي Test is Contest في مجال الإحساس والإدراك وإن كانت نظرية الصيغة (أو الجشتلت) التي ولدت سنة 1912م تعد الشكل المعبر للبنيوية النفسية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات إن دراسة أي ظاهرة أو تحليلها من الوجهة البنيوية. يعني أن يباشر الدارس أو المحلل وضعها بحيثياتها وتفاصيلها وعناصرها بشكل موضوعي، من غير تدخل فكره أو عقيدته الخاصة في هذا، أو تدخل عوامل خارجية (مثل حياة الكاتب، أو التاريخ) في بنيان النص. وكما يقول البنيويون: "نقطة الارتكاز هي الوثيقة لا الجوانب ولا الإطار Test is Contest وأيضاً: "البنية تكتفي بذاتها. ولا يتطلب إدراكها اللجوء إلى أي من العناصر الغريبة عن طبيعتها". وكل ظاهرة – تبعاً للنظرية البنيوية – يمكن أن تشكل بنية بحد ذاتها؛ فالأحرف الصوتية بنية، والضمائر بنية، واستعمال الأفعال بنية .. وهكذا. تتلاقى المواقف البنيوية عند مبادئ عامة مشتركة لدى المفكرين الغربيين، وفي شتى التطبيقات العملية التي قاموا بها، وهي تكاد تندرج في المحصلات التالية: - السعي لحل معضلة التنوع والتشتت بالتوصل إلى ثوابت في كل مؤسسة بشرية. - القول بأن فكرة الكلية أو المجموع المنتظم هي أساس البنيوية، والمردُّ التي تؤول إليه في نتيجتها الأخيرة. - لئن سارت البنيوية في خط متصاعد منذ نشوئها، وبذل العلماء جهداً كبيراً لاعتمادها أسلوباً في قضايا اللغة، والعلوم الإنسانية والفنون، فإنهم ما اطمأنوا إلى أنهم توصلوا، من خلالها، إلى المنهج الصحيح المؤدي إلى حقائق ثابتة. في مجال النقد الأدبي، فإن النقد البنيوي له اتجاه خاص في دراسة الأثر الأدبي يتلخص: في أن الانفعال والأحكام الوجدانية عاجزة تماماً عن تحقيق ما تنجزه دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، لذا يجب أن تفحصه في ذاته، من أجل مضمونه، وسياقه، وترابطه العضوي، فهذا أمرٌ ضروري لا بد منه لاكتشاف ما فيه من ملامح فنية مستقلة في وجودها عن كل ما يحيط بها من عوامل خارجية. إن البنيوية لم تلتزم حدودها، وآنست في نفسها القدرة على حل جميع المعضلات وتحليل كل الظواهر، حسب منهجها، وكان يخيل إلى البنيويين أن النص لا يحتاج إلا إلى تحليل بنيوي كي تنفتح للناقد كل أبنية معانيه المبهمة أو المتوارية خلف نقاب السطح. في حين أن التحليل البنيوي ليس إلا تحليلاً لمستوى واحد من مستويات تحليل أي بنية رمزية، نصيّة كانت أم غير نصيّة. والأسس الفكرية والعقائدية التي قامت عليها، كلها تعد علوماً مساعدة في تحليل البنية أو الظاهرة، إنسانية كانت أم أدبية. لم تهتم البنيوية بالأسس العَقَديَّة والفكرية لأي ظاهرة إنسانية أو أخلاقية أو اجتماعية، ومن هنا يمكن تصنيفها مع المناهج المادية الإلحادية، مثل مناهج الوضعية في البحث، وإن كانت هي بذاتها ليست عقيدة وإنما منهج وطريقة في البحث. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية تعد الفلسفة الوضعية لدى كونت، التي لا تؤمن إلا بالظواهر الحسية – التي تقوم على الوقائع التجريبية – الأساس الفكري والعقدي عند البنيوية. فهي تؤمن بالظاهرة – كبنية – منعزلة عن أسبابها وعللها، وعما يحيط بها .. وتسعى لتحليلها وتفكيكها إلى عناصرها الأولية، وذلك لفهمها وإدراكها .. ومن هنا كانت أحكامها شكلية كما يقول منتقدوها، ولذا فإن البنيوية تقوم على فلسفة غير مقبولة من وجهة نظر تصورنا الفكري والعقدي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: أماكن الانتشار

خامسا: أماكن الانتشار البنيوية منهج مستورد من الغرب، وتعد أوروبا وأمريكا أماكن انتشارها، وأرضها الأصلية. وهي تنتشر ببطء في باقي بلاد العالم، ومنها البلاد العربية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن البنيوية منهج فكري نقدي مادي ملحد غامض، يذهب إلى أن كل ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية تشكل بنية، لا يمكن دراستها إلا بعد تحليلها إلى عناصرها المؤلفة منها، ويتم ذلك دون تدخل فكر المحلل أو عقيدته الخاصة ونقطة الارتكاز في هذا المنهج هي الوثيقة، فالبنية، لا الإطار، هي محل الدراسة، والبنية تكفي بذاتها ولا يتطلب إدراكها اللجوء إلى أي عنصر من العناصر الغريبة عنها، وفي مجال النقد الأدبي، فإن الانفعال أو الأحكام الوجدانية عاجزة عن تحقيق ما تنجزه دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، ولذا يجب فحصه في ذاته من أجل مضمونه وسياقه وترابطه العضوي، والبنيوية، بهذه المثابة، تجد أساسها في الفلسفة الوضعية لدى كونت، وهي فلسفة لا تؤمن إلا بالظواهر الحسية، ومن هنا كانت خطورتها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - البنيوية، تأليف جان بياجيه – ترجمة عارف منيمنة وبشير أوبري – منشورات عويدات – بيروت – باريس، ط4 1985م. (سلسلة زدني علماً). - المعجم الأدبي، تأليف جبور عبد النور – دار العلم للملايين – بيروت، ط2 1984م. - جريدة الحياة، العددان (10380 و10381) 26 و27 ذو الحجة 1411هـ مقال بعنوان: البنيوية كما يراها ثلاثة نقاد. مراجع أجنبية: - O. Ducrot. T. Todorov. Et qu’est ce que le Structuralism. Paris 1968. - Z. S. Harris, Methods in Structural Linguistics, Chicago, 1951. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الواحد والخمسون: السريالية

أولا: التعريف السريالية "أي ما فوق الواقعية أو ما بعد الواقع" هي مذهب أدبي فني فكري، أراد أن يتحلل من واقع الحياة الواعية، وزعم أن فوق هذا الواقع أو بعده واقع آخر أقوى فاعلية وأعظم اتساعاً، وهو واقع اللاوعي أو اللاشعور، وهو واقع مكبوت في داخل النفس البشرية، ويجب تحرير هذا الواقع وإطلاق مكبوته وتسجيله في الأدب والفن. وهي تسعى إلى إدخال علاقات جديدة ومضامين غير مستقاة من الواقع التقليدي في الأعمال الأدبية. وهذه المضامين تستمد من الأحلام؛ سواء في اليقظة أو المنام، ومن تداعي الخواطر الذي لا يخضع لمنطق السبب والنتيجة، ومن هواجس عالم الوعي واللاوعي على السواء، بحيث تتجسد هذه الأحلام والخواطر والهواجس المجردة في أعمال أدبية. وهكذا تعتبر السريالية اتجاهاً يهدف إلى أبراز التناقض في حياتنا أكثر من اهتمامه بالتأليف. يعتبر مسرح العبث الابن الشرعي للسريالية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي السريالية مدرسة حديثة تهتم أكثر بالشعر والرسم تبتدئ من الخط الذي تبتدئ منه الوجودية ولكنها تفترق عنها في الإيغال في اللامعقول والإعراض عن الخوض في حقائق التاريخ والمشادات الفكرية والبحث المنطقى فيما يفوق الإدراك إلى الخوض في أعماق المجهول بلا موضوعية. والأصل في هذه الحركة هو نظرية فرويد عن العقل الباطن فالسريالية تريد " أن تجعل من العقل الباطن الحقيقة النفسية بالذات وتحول الفن إلى كتابة آلية لإيضاحه ". " ولم يكن مطمعها الأول أن تؤسس نزعة إنسانية جديدة، أي أن تعطي العالم تلاحماً، إتجاهاً، لقد كانت على العكس تعارض كل تلاحم بحالة سخط لتغيير الحياة وبلوغ ما فوق الواقع الذي يلغي التناقضات التى مزقت الإنسان: واع ولا واع، أنا وعالم، طبيعى وما فوق الطبيعى " "كذا " أشهر شعرائها بريتون وأراغوان وقد حدد بريتون الطريق الوحيد للبحث عن المطلق بأنه " إملاء الفكرة في غياب كل رقابة يمارسها العقل " (¬1) ¤العلمانية لسفر الحوالي ص 488، 489 ¬

(¬1) ([341]) انظر ((تحضير الأرواح وتسخير الجان بين الحقيقة والخرافة)) (ص 27).

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أصابت الإنسان الأوروبي صدمة هزت النفوس وبلبلت الأفهام، نتيجة للدمار الكامل وإزهاق الأرواح بلا حساب، فنشأت نزعة جارفة للتحلل من القيم الأخلاقية، وتحرير الغرائز والرغبات المكبوتة في النفس البشرية، وامتدت هذه النزعة إلى الفن والأدب مما أدى إلى ظهور المذهب المعروف بالسريالية في فرنسا سنة 1924م التي بدأت بالسريالية النفسية، ثم دخلت السريالية مجالات الأدب والاجتماع والاقتصاد والفن، ومن أبرز الشخصيات السريالية: - أندريه بريتون 1896 – 1966م وهو عالم نفس وشاعر فرنسي يعده النقاد مؤسس السريالية. - ثورنتون وأيلور وهو كاتب مسرحي، ألف مسرحية جلد الإنسان بين الأسنان سنة 1942م، وهي مسرحية تجنح إلى الخيال والعنف الناتج عن اللاشعور عند شخصيات المسرحية. - سلفادور دالي ولد سنة 1904م وهو رسام أسباني، ويعد من أبرز دعاة السريالية، وقد أضاف إليها إضافات كثيرة أبرزها أسلوبه الذي تميز به الذي دعاه "النقد المبني على الهلوسة" وكان يؤكد دائماً أنه أقرب إلى الجنون منه إلى الماشي نوماً، والمعرفة عنده تقوم على التداعي والتأويل. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات يمكن إجمال أفكار ومعتقدات السريالية فيما يلي: - الاعتماد الكلي على الأمور غير الواقعية: مثل الأحلام والأخيلة. - الكتابة التلقائية الصادرة عن اللاوعي، والبعيدة عن رقابة العقل، بدعوى أن الكلمات في اللاوعي لا تمارس دور الشرطي في رقابته على الأفكار، ولهذا تنطلق هذه الأفكار نشيطة جديدة. - إهمال المعتقدات والأديان والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع. - التركيز على الجانب السياسي والبحث عن برنامج وضعي (مادي ومحسوس) يصلح لتطوير المفاهيم الاجتماعية، لذلك تودد السرياليون للحزب الشيوعي، وبذلوا جهوداً كبيرة من أجل توسيع مجال تطبيق المادية الجدلية الماركسية. - الثورة لتغيير حياة الناس، وتشكيل مجتمع ثوري بدلاً من المجتمع القائم، وشملت الثورة ثورة على اللغة التقليدية، وإحداث لغة جديدة. - تزيت السريالية بأزياء مختلفة، فتارة تظهر كمجموعة من السحرة، وتارة تبدو كعصابة من قطاع الطرق، وتظهر تارة أخرى كأعضاء في خلية ثورية فهي حركة سرية هدفها تقويض الوضع الراهن. - ويعد الغموض في التعبير الأدبي أو الفني في مجال الرسم، هدفاً ثابتاً للسرياليين. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الاتجاه السريالي في العالم العربي

رابعا: الاتجاه السريالي في العالم العربي تأثر كثير من الحداثيين والشعراء العرب بالاتجاه السريالي وعلى رأس المتأثرين به أحد منظري الحداثة في العالم العربي وهو أدونيس ويظهر ذلك جليا في دواوينه: (أغاني مهيار الدمشقي) و (المسرح والمرايا) و (كتاب التحولات) (¬1). وغيرها. هذه الدواوين الثلاثة يقول عنها جبرا إبراهيم جبرا بأنها يظهر فيها " نزعة إلى خلق الصور بحرية تلقائية تقارب السريالية في أغلب الأحيان هي حرية الموقف الصوفي الذي يتخطى العقل والمنطق ليمنحنا ما هو ربما أعمق وأروع (¬2) ¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 607 ¬

(¬1) ([342]) هو كتاب ((الروحية الحديثة)) (ص 122 – 125). (¬2) ([343]) أي الطبيب.

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية

خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية تأثرت السريالية بآراء فرويد عالم النفس اليهودي في تحليله للنفس الإنسانية وخاصة تلك التي تتحدث عن اللاشعور والأحلام، والكبت ودعوته إلى تحرير الغرائز الإنسانية والرغبات المكبوتة في النفس البشرية، وإشباع الغرائز والرغبات إشباعاً حراً حتى لا تصاب بالأمراض النفسية كما يدَّعي. وهذه الآراء تتلاءم مع دعوتهم إلى التحلل الأخلاقي في المجتمع البشري. وكذلك تأثرت السريالية بالفكر الماركسي الشيوعي ودعوته إلى الثورة لتغيير المجتمع، واستخدام العنف في سبيل ذلك .. وبظهور المزاج الثوري حلت الفوضى السياسية والصراع الكامل محل النظام والانسجام. وقد تأثرت السريالية أيضاً بحركة سبقتها تُدعى الدادية التي ولدت في زيورخ بسويسرا سنة 1916م. وهي حركة فوضوية تكفر بالقيم السائدة والمعتقدات والتقاليد الاجتماعية وتدعو إلى العودة إلى البداية. ورائد هذه الحركة هو ترستان تزارا الذي يصفه كاتب أوروبي بأنه "المروِّج للفوضوية الفنية والاجتماعية". ولذا عد النقاد أن السريالية وريثة هذه الحركة الدادية في أفكارها وتوجهاتها وأسلوبها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادسا: بداية السريالية ونهايتها

سادسا: بداية السريالية ونهايتها - بدأت السريالية بمجال النفس البشرية، ثم دخلت مجالات الأدب والفكر والسياسة والاجتماع والفن، ثم اقتحمت بشذوذها الثوري مجال العقيدة الدينية والتقاليد الاجتماعية واللغة، وأثارت جدالاً عنيفاً بين أقصى الكاثوليكية في الغرب وأقصى الشيوعية في الشرق. - وأخذت السريالية في الانكماش والتقوقع بعد ربع قرن من نشوئها، وشعر دعاتها بعجزهم عن تحقيق أي هدف، وبعقم ثورتهم ضد القيم والمعتقدات الدينية، وإخفاقهم في إيجاد مسيحية جديدة، تخلص الإنسان من عذابه وضياعه – حسب زعمهم – وتحول عددٌ منهم بعد الحرب العالمية الثانية إلى الشيوعية والإلحاد، وجُنَّ بعضهم وأدخل المصحات العقلية والنفسية، وتحول البعض الآخر إلى العبثية في الأدب المعبر عن انعدام المعنى العام وراء السلوك الإنساني في العالم المعاصر. - أما أفكارها ومبادئها فقد تبناها مذهب الحداثة الأدبي الفكري حيث صبت جميع جداول السريالية في مستنقعه الكبير. وهكذا انتهت السريالية، المعبرة عن فقدان الإنسان الغربي العقيدة الصحيحة، واعتماده على ضلالات فرويد النفسية في اللاشعور والأحلام. هذه الضلالات التي أدت إلى التحلل الأخلاقي وإطلاق الغرائز من عقالها، مما أودى بها بعد ربع قرن من نشوئها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن السريالية مذهب أدبي فني فكري غير ملتزم بالأديان، يهدف إلى التحلل من واقع الحياة الواعية، والرنو إلى واقع آخر هو واقع اللاوعي أو اللاشعور المكبوت في النفس البشرية، بحيث يتم تسجيل هذا الواقع في الأدب والفن، من خلال الاعتماد الكلي على الأمور غير الواقعية والكتابة التلقائية الصادرة عن اللاوعي، وإهمال الأديان والمعتقدات والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع، والتركيز على الجانب السياسي وإذكاء الثورة لتغيير حياة الناس وتشكيل مجتمع ثوري بدلاً من المجتمع القائم، وتقويض الوضع القائم في المجتمع. وكل تلك الخصائص والغايات تبرر مدى خطورة مثل هذا المذهب الأدبي على القيم الدينية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا. نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض 1405هـ. - مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر، دار الشعاع، الكويت. - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة. - الأدب ومذاهبه، د. محمد مندور. - السريالية، إيف دوبليس (سلسلة زدني علماً). - الأدب الرمزي، هنري بير. المراجع الأجنبية: - Braunschvig: Notre litterature Etudiee dans le texte. Paris 1949. - Lanson: Histoire de la litterature Francaise Paris 1961. - Segur (Nicola): Histoire de la litterature Europeene 1959. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثاني والخمسون: الميتافيزيقية

أولا: التعريف الميتافيزيقية اتجاه أدبي وفلسفي يبحث في ظواهر العالم بطريقة عقلية وليست حدسية صوفية ويمزج العقل بالعاطفة ويبتدع أساليب أدبية تجمع بين المختلف والمؤتلف من الأخيلة الفكرية والظواهر الطبيعية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات جون دن 1572 – 1631م الشاعر الإنكليزي الذي أسس المدرسة الميتافيزيقية في الشعر الإنكليزي مع باقي الشعراء في القرن السابع عشر من أمثال، جون هيربرت، وهنري فون، وروبرت كرشوا وأندرو مارفيل وإبراهام كاولي، وهم الشعراء الذين ساروا على نهج جون دن في أسرار الوجود. جون درايدن: شاعر إنكليزي نقد جون دن، وقال إن شعره مفعم بالفلسفة العويصة الفهم والشعر المرهف الرقيق لا يستطيع حمل الأفكار الفلسفية الثقيلة. هـ. ج. س. جريرسون: ناقد إنكليزي من الكلاسيكية الحديثة، أحيا المدرسة الميتافيزيقية في كتابه عن الأشعار الميتافيزيقية سنة 1921م. ت. س. إليوت ناقد وأديب إنكليزي، أحيا الميتافيزيقية بعد أن كادت أن تندثر في كتابه (الشعراء الميتافيزيقيون ودراسة خاصة عن الشاعر الميتافيزيقي أندرو مارفيل) سنة 1921م. وفي مجال الفلسفة هيجل وبرادلي وصمويل الكسندر وغيرهم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات محاولة تفسير الظواهر الميتافيزيقية، بأساليب تجسيدية تقرب بينها وبين الظواهر الطبيعية كتشبيه الحب بعلم التجميع وتشبيه الروح بقطرة الذل. إن الإنسان يستطيع أن يقترب من القوى الميتافيزيقية عندما يجدها متجسدة في أعمال مسرحية وشعرية وروائية. الميتافيزيقيا في مجال الفلسفة تعتمد على العقل في إنشاء نظرية إلهية – عن الوجود الإلهي – بديلة عن التثليث، من ذلك فلسفة هيجل الروح المطلق وكلها مذاهب يعارضها التوحيد الخالص معارضته للصليبية نفسها. الشعر الميتافيزيقي يعد نموذجاً لتحليل الشعور الإنساني وليس لتجسيده والبحث عن الفلسفة الكامنة وراء الحب بكل أنواعه وليس تعبيراً عن التجربة النفسية التي يخوضها المحبون. تأكيد الدلالات الدينية. والأخلاقية الكامنة وراء القوى الميتافيزيقية، والشعر هو خير أداة للتعبير عن هذه الدلالات عن طريق إثارة قوى التفكير والتأمل لدى الإنسان العادي. الأسلوب السهل والتعبير الجميل هو الوسيلة الوحيدة لنقل الأفكار العميقة إلى القراء والتأثير فيهم، وإن أدى إلى المبالغة الشعرية. يختلف الشعر الميتافيزيقي عن الشعر الصوفي الذي يدعو إلى وحدة الوجود، وإلى الحب الإلهي الذي يسمو على الحب المادي الفاني والذي ينتهي بحدود الزمان والمكان. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية يرى بعضهم أن العقائد الدينية النصرانية هي الخلفية الفكرية للمذهب الميتافيزيقي الأدبي ولعل عجز الإنسان عن فهم الأمور الغيبية في الحياة، دفعه إلى التعبير عن جميع الظواهر الغيبية مثل الروح والحياة، والقدر والموت .. عن طريق الشعر والرواية والمسرحية .. لعل الإنسان يستطيع التوصل إلى فهم كنه هذه الظواهر. أماكن النفوذ والانتشار: بدأ المذهب الميتافيزيقي في إنكلترا وإن كانت أفكاره أثرت تأثيراً كبيراً في أدباء الكلاسيكية الجديدة في أوروبا كلها والعالم الغربي برمته. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة الميتافيزيقية هي اتجاه أدبي، يبحث عن ظواهر العالم بطريقة عقلية ممزوجة بالعاطفة، من أجل الجمع بين كل ما هو مؤتلف ومختلف من الأخيلة الفكرية والظواهر الطبيعية، وإبرازه في أعمال مسرحية وشعرية وروائية تجسد الفلسفة الكامنة وراء الحب، بأسلوب سهل وتعبير سلس. ومع أن هذا الاتجاه يؤكد الدلالات الدينية والأخلاقية الكامنة وراء القوى الميتافيزيقية إلا أنه يتبنى، كالخيال الصوفي الجامح، فكرة وحدة الوجود، ومن هنا كانت خطورة التعبيرات الأدبية في هذا الاتجاه على الشباب المسلم الذي يجب أن يعيها بدقة ويعرف أبعادها قبل أن ينجرف مع تيارها عندما يتعامل مع افرازات هذا المذهب الأدبي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – نشر مكتبة مصر. - طبيعة الميتافيزيقا، تأليف جماعة من الفلاسفة الإنكليز. (سلسلة زدني علماً). - الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت. - الأدب المقارن، ماريوس فرانسوا غويار (سلسلة زدني علماً). - فلاسفة إنسانيون، كارل ياسبر (سلسلة زدني علماً). المراجع الأجنبية: - Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le texte. Paris 1949. - Lanson: Histoire de la Litterature Francais Paris 1916. - De Segur (Nicola): Histoire de la Litterature Europieenne. ¤ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثالث والخمسون: الرأسمالية

أولا: التعريف بالرأسمالية الرأسمالية نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية، يقوم على أساس إشباع حاجات الإنسان الضرورية والكمالية، وتنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها، متوسعاً في مفهوم الحرية، معتمداً على سياسة فصل الدين نهائياً عن الحياة. ولقد ذاق العلم بسببه ويلات كثيرة نتيجة إصراره على كون المنفعة واللذة هما أقصى ما يمكن تحقيقه من السعادة للإنسان. وما تزال الرأسمالية تمارس ضغوطها وتدخلها السياسي والاجتماعي والثقافي وترمي بثقلها على مختلف شعوب الأرض. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي يظهر أن المقصود بالرأسمالية أنها نسبة إلى رأس المال وامتلاكه إذ هو أبرز سمات هذا المذهب وقد قيل في التعريف بها أقوال كثيرة يمكن أن نوجزها في أنها ذلك النظام المنحصر أبرز مظاهره في الأمور الاقتصادية من حيث التملك والبيع والشراء والإنتاج والتصدير للأفراد أو الجماعات دون تدخل من الدولة في شؤونهم أو الحد من نشاطهم في اقتناص كل وسيلة للحصول على الثراء من شتى الطرق في حرية تامة. وعن حقيقة الرأسمالية يقول فتحي يكن" لا تعتبر الرأسمالية مذهبا تعتمده الحكومات بل هي نظام اقتصادي يقوم على أساس تملك الأفراد والشركات لكل وسائل الإنتاج. فالرأسمالية نظام اقتصادي في أساسه ولكنه قائم على فصل الدين عن الحياة الاقتصادية تماما لئلا تتقيد به بل تنفلت منه كما تريد وهذا الإيضاح للرأسمالية هو الحاصل من عدة تعريفات ذكرها الباحثون حول حقيقة الرأسمالية ومعانيها وكلها تدور كما سبق حول ملكية الفرد أو الأفراد لأدوات الإنتاج وتحقيق الأرباح في منافسة حرة. وبعض العلماء يعرفها بأنها تخزين - أو احتكار على الأصح- أصحاب الأموال لمنافعهم وبيعها وقت غلاء الأسعار. وقيل أنها تحكم فئة أو فئات لوسائل الإنتاج التي هي (الأرض، ورأس المال، والعمل) بعيدا عن تدخل الدولة قبل تطويرها في آخر الأمر. وكل تلك التعريفات متقاربة في المفهوم للرأسمالية الجشعة التي تسحق الفقراء وتثري الأغنياء على حد ما جاء في مفهوم التوراة " الغني يزاد له والفقير يؤخذ منه" بل يظهر لي أنها ليست تعريفات وإنما هي وجهات نظر غير القول بأنها فصل الدين عن الحياة. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 645

ثانيا: نشأة الرأسمالية وتطورها

ثانيا: نشأة الرأسمالية وتطورها وصف الدكتور نظام محمود بركات الرأسمالية بأنها "مذهب ناتج عن ظهور المدرسة الطبيعية التي سادت أفكارها فرنسا في القرن الثامن عشر الميلادي وهي تقديس حقوق الإنسان وتركه يعمل كما يحب تحت شعار " دعه يعمل ... دعه يمر"" (¬1) أي أن الإنسان حر في كل تصرفاته الاقتصادية ينطلق كما يشاء بعيدا عن تعاليم الدين أو الأحكام، وربما يقصد بالمدرسة الطبيعية الإلحاد الذي كان قبل ظهور شيوعية " كارل ماركس". وأشهر من دعا إلى هذا المذهب هو " جوب ستيوارت مل" الذي نشط في الدعوة إلى قيام الأفكار الفردية خصوصا في الجوانب السياسية و" هربرت سبنسر" الذي دعا إلى إتاحة الحرية الفردية للشخص دون أي تدخل من الدولة غير الحماية العامة وغيرهما ممن جاء بعدهما. وهذا يدل على أن الرأسمالية في بدايتها كانت نظاما سيئا غاية في الجشع وعدم مراعاة مصالح الغير ثم تطورت يقول الخطيب " وقد أدخلت على النظام الرأسمالي بعض الإجراءات للتقليل من مساوئه كالتأمينات الاجتماعية والنقابات .. إلخ، والتي لا تعتبر من صميم هذا النظام" (¬2) وحتى هذه التعديلات لم تكن على المستوى المطلوب للحد من جشع الرأسمالية العاتية وقد خطت بريطانيا أول الخطوات في تطوير الرأسمالية ثم تلتها أمريكا ثم بقية الدول الأوروبية فتدخلت في شؤون المواصلات والتعليم ورعاية حقوق المواطنين وسن القوانين ذات الصبغة الاجتماعية كالضمان الاجتماعي ورعاية الشيخوخة والبطالة والعجز والرعاية الصحية وتحسين الخدمات ورفع مستوى المعيشة" (¬3) ويجب أن يدرك القارئ أنه مع كل هذه التطورات لا زالت الرأسمالية شرا مستطيرا وأنها بخلاف ما جاء به الإسلام نحو المال والتعامل به. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 647 ¬

(¬1) ([344]) وهذا دليل واضح على تلاعب الشياطين بمن قلت معرفته للحق. (¬2) ([345]) وهذه تبرأة واضحة لليهود وإن كانت صحيحة في الأساس لكنهم يريدون بها الدفاع عن اليهود. (¬3) ([346]) وهل المولد من أمور الدين؟ كلا.

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات كانت أوروبا محكومة بنظام الإمبراطورية الرومانية التي ورثها النظام الإقطاعي Feudal System. لقد ظهرت ما بين القرن الرابع عشر والسادس عشر الطبقة البرجوازية Bourgeois تالية لمرحلة الإقطاع ومتداخلة معها. تلت مرحلة البرجوازية مرحلة الرأسمالية وذلك منذ بداية القرن السادس عشر ولكن بشكل متدرج. فقد ظهرت أولاً الدعوة إلى الحرية Liberation وكذلك الدعوة إلى إنشاء القوميات اللادينية. ظهر المذهب الحر (الطبيعي) في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في فرنسا حيث ظهر الطبيعيون Phisiocrates Les ومن أشهر دعاة هذا المذهب: - فرنسوا كنزني Francois Quensnay 1694 – 1778 م ولد في فرساي بفرنسا، وعمل طبيباً في بلاط لويس الخامس عشر، لكنه اهتم بالاقتصاد وأسس المذهب الطبيعي، فلقد نشر في سنة 1756م مقالين عن الفلاحين وعن الجنوب، ثم أصدر في سنة 1758م الجدول الاقتصادي Tableau Economique وشبَّه فيه تداول المال داخل الجماعة بالدورة الدموية. وقد قال ميرابو حينذاك عن هذا الجدول بأنه: "يوجد في العالم ثلاثة اختراعات عظيمة هي الكتابة والنقود والجدول الاقتصادي). - جول لوك Jonn Locke 1632 – 1704 م صاغ النظرية الطبيعية الحرة حيث يقول عن الملكية الفردية: "وهذه الملكية حق من حقوق الطبيعة وغريزة تنشأ مع نشأة الإنسان، فليس لأحد أن يعارض هذه الغريزة". - ومن ممثلي هذا الاتجاه أيضاً تورجو Turgot وميرابو Mirabour وجان باتست ساي J.B. Say وباستيا. ظهر بعد ذلك المذهب الكلاسيكي الذي تبلورت أفكاره على أيدي عدد من المفكرين من أبرزهم: آدم سميث A. Smith 1723 – 1790 م وهو أشهر الكلاسيكيين على الإطلاق، ولد في مدينة كيركالدي في اسكوتلنده، ودرس الفلسفة، وكان أستاذاً لعلم المنطق في جامعة جلاسجو. سافر إلى فرنسا سنة 1766م والتقى هناك بأصحاب المذهب الحر. وفي سنة 1776م أصدر كتاب بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم هذا الكتاب الذي قال عنه أحد النقاد وهو أدمون برك: "إنه أعظم مؤلف خطه قلم إنسان". - دافيد ريكاردو David ricardo 1772 – 1823 م قام بشرح قوانين توزيع الدخل في الاقتصاد الرأسمالي، وله النظرية المعروفة باسم قانون تناقص الغلة ويقال بأنه كان ذا اتجاه فلسفي ممتزج بالدوافع الأخلاقية لقوله: "إن أي عمل يعتبر منافياً للأخلاق ما لم يصدر عن شعور بالمحبة للآخرين". - جون استيوارت مل J. Stuart Mill 1806 – 1873 م يعدُّ حلقة اتصال بين المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي فقد نشر سنة 1836م كتابه مبادئ الاقتصاد السياسي. - اللورد كينز Keyns 1883 – 1946 م صاحب النظرية التي عرفت باسمه التي تدور حول البطالة والتشغيل وقد تجاوزت غيرها من النظريات إذ يرجع إليه الفضل في تحقيق التشغيل الكامل للقوة العاملة في المجتمع الرأسمالي. وقد ذكر نظريته هذه ضمن كتابه (النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود الذي نشره) سنة 1936م. - دافيد هيوم 1711 – 1776م صاحب نظرية النفعية Pragmatism التي وضعها بشكل متكامل والتي تقول بأن "الملكية الخاصة تقليد اتبعه الناس وينبغي عليهم أن يتبعوه لأن في ذلك منفعتهم". - أدمون برك من المدافعين عن الملكية الخاصة على أساس النظرية التاريخية أو نظرية تقادم الملكية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الأفكار والمعتقدات

رابعا: الأفكار والمعتقدات أسس الرأسمالية: البحث عن الربح بشتى الطرق والأساليب إلا ما تمنعه الدولة لضرر عام كالمخدرات مثلاً. - تقديس الملكية الفردية وذلك بفتح الطريق لأن يستغل كل إنسان قدراته في زيادة ثروته وحمايتها وعدم الاعتداء عليها وتوفير القوانين اللازمة لنموها واطرادها وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية إلا بالقدر الذي يتطلبه النظام العام وتوطيد الأمن. - المنافسة والمزاحمة في الأسواق Perfect Competition. - نظام حرية الأسعار Price System وإطلاق هذه الحرية وفق متطلبات العرض والطلب، واعتماد قانون السعر المنخفض في سبيل ترويج البضاعة وبيعها. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: أقسام الرأسمالية

خامسا: أقسام الرأسمالية قسم الباحثون الرأسمالية إلى أنواع مختلفة في الظاهر والذي يبدو لي أنها في النهاية تصب كلها في مصب واحد هو الوصول إلى رأس المال واقتناصه بكل طريقة يتمكنون بها. 1ـ الرأسمالية التجارية وفيها يظهر دور التاجر وطريقة وصوله إلى المال بعد اندحار نظام الإقطاع المتسلط الذي يجعل الكل للإقطاعي الشره فبعد زواله أصبح بامكان التاجر أن يشتري السلع ويبيعها أينما أراد ويتمكن من الحصول على الربح وهو أمر لا غبار عليه إلا أن هذه الرأسمالية أدركها عرق السوء فإذا بها بعد أن ازدهرت تحولت إلى نظام احتكاري بفعل كبار الأثرياء وتواطئهم مع السلطات فأصبح التاجر الصغير لا يملك القوة في تسويق منتجاته أينما يريد بل لا بد أن يبيعها إلى شخص مراد ومكان مراد وبسعر مراد شعر التاجر أم لم يشعر إذ لم يعد له مطلق الحرية في منتجاته وفي بيعها كما تدعي الرأسمالية. 2ـ الرأسمالية الصناعية وهذه الرأسمالية تتعلق بأمور الصناعات والآلات التي حلت محل العمال وصار لها الثقل الأكبر والتميز الواضح عن الأعمال اليدوية لما تنتجه من وفرة ولئن كان نفع هذه الآلات لا ينكر إلا أنها أصبحت كيانا قائما بذاته قسيما للعمال تدار من قبل الملاك أصحاب الثروة الكبيرة وبالأجر الذي يحبونه بخلاف الحال قبل ظهور هذه الآلات فقد كان العامل يملك آلته بيده فأصبحت الآلة الصناعية منافسة مما اضطر العمال للخضوع لها بالتالي تحكم أصحابها في تشغيل العمال أو تركهم وبالأجر الذي يحلو لهم. 3ـ نظام الكارتل وهو نظام احتكاري والكارتل كلمة ألمانية الأصل وهو نظام جائر يقوم على تمالأ الشركات الكبيرة على اقتسام السوق العالمية فيما بينها لتصبح منطقة نفوذ لهم وبالتالي يتحكمون في تحديد الأسعار واحتكار ما فيه وعن هذا النظام تقول الموسوعة الميسرة: " كرتل اتفاق بين منتجي سلعة معينة على تحديد أسعارها أو توزيع الأسواق بينهم أو تحديد الكمية التي ينتجها كل منهم وقد تقتصر على المنتجين في بلد معين وقد تكون دولية في نطاقها بحيث تتناول كبار المنتجين في البلاد المختلفة وتعتبر ألمانيا موطن هذا النوع من الاتفاقات ولكنها موجودة صراحة أو ضمنا في كثير من بلاد العالم. والاقتصاديون لا ينظرون بعين الارتياح لهذا التنظيم لأنه يضعف روح المنافسة ويقوي السلطة الاحتكارية ويحمي المنتج عديم الكفاءة ويقيد المنتج الذي يتمتع بكفاءة عالية، وفي ذلك إضرار بالمستهلك ومساس بالتقدم الاقتصادي غير أن الظروف الاقتصادية التي تمر بها بعض الصناعات قد تجعل من المصلحة قيام هذا النوع من الاتفاقات في الأمور المشروعة" (¬1) وقال عنه د. محمود الخطيب: " الكارتل تكتل بين مؤسسات ولكن تحتفظ كل مؤسسة باستقلالها وفي هذا التكتل تحدد الأسعار وحصة كل منتج من الإنتاج وتقسم الأسواق فيما بينها" (¬2) 4ـ نظام الترست ويقصد به تمكين إحدى الشركات من التفوق في المنافسة بتغلبها على ما سواها من الشركات الأخرى بغرض تحطيم أي منافس لها فتستحوذ على سائر السلع وتتحكم في القيمة فلا يبقى أمام المستهلك إلا الرضوخ والرضى بالأمر الواقع. قال الدكتور محمود إبراهيم الخطيب عن نظام الترست: " الترست تكتل بين مؤسسات ولكن بعكس الكارتل حيث تندمج عدة مؤسسات في مؤسسة واحدة وتتحكم بالتالي في السوق" (¬3) ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 649 ¬

(¬1) انظر ((مذاهب الأدب معالم وانعكاسات)) (ص 243) ((الأدب ومذاهبه)) (37، 38) و ((مدخل إلى الشعر العربي الحديث)) (23 ـ 61). (¬2) ((النقد الأدبي)) (ص 200) و ((في الأدب التونسي المعاصر)) (11، 12، 14، 18) و ((تطور الشعر العربي الحديث في العراق)) (ص341) و ((مذاهب الأدب معالم وانعكاسات)) (255 - 259) و ((هذا الشعر الحديث)) (ص121). (¬3) في ((النقد والأدب)) (5/ 20، 21) وانظر ما كتبه يوسف الصميلي في كتابه ((الشعر اللبناني اتجاهات ومذاهب)) (180، 181).

سادسا: أسباب ظهور الرأسمالية

سادسا: أسباب ظهور الرأسمالية عرفت مما سبق مدى الإحباط والبؤس الذي عانته أوربا في عصورها الوسطى وسيادة نظام الطبقات البغيض الذي جعل الناس سادة وعبيدا وأغنياء وفقراء، قسم يعيش في الثريا وآخر في الثرى بمباركة الكنيسة وطغاتها الجبارين المتواطئين مع الحكام والأباطرة وغيرهم في تخدير الشعوب الأوروبية النصرانية على الرضا بكل تلك الأحوال المخزية كي يحصلوا على النعيم الأبدي أو دخول ملكوت الله – كما هو تعبيرهم – لأتباعهم المغلوبين على أمرهم واستمر الحال فترة من الزمن كانوا يشعرون فيها بهذا الغبن الغليظ وكما هو الحال فإن سنة الله تعالى ألا يدوم الشر أو الخير دائما فبدأت تباشير الخروج تلوح في الأفق إثر ظهور هذه الدعوات المختلفة على طريقة بعض الشر أهون من بعض. فحينما بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين بدأت تظهر هنا وهناك وبين آونة وأخرى حركة تمرد ناشئة تطمح إلى إزالة ذلك الكابوس البغيض فقام الكتاب والمفكرون والفلاسفة بشحذ أذهان الناس وإنهم في وضع يجب الخروج منه بأي ثمن كان لنيل الحريات وأهمها الحرية الفردية في التملك وإبداء الرأي والكلمة وتضافرت تلك الجهود يقوي بعضها بعضا إلى أن خرج الكتكوت من البيضة فإذا هم في نظام جديد أو معبود جديد يسمى المال الذي نقلهم نقلة قوية وحولهم من النظام الإقطاعي والرقيق في تدرج حثيث إلى النظام الرأسمالي. وقد ذكر الأستاذ الخطيب أن الذي ساعد النظام الرأسمالي على الظهور عدة عوامل كانت الرياح التي تجري فيها بما تشتهي السفن – أذكرها هنا بإيضاح وتصرف - وهي: 1ـ ظهور الدعوات القومية في غرب أوربا التي كانت دافعا قويا في البداية للتجمع والاتحاد ثم تجاوزها الأوروبيون بعد أن عاشوا مفاسدها فترة من الزمن إذ أصبح التنافس على المال والتكالب عليه بين كل قومية وأخرى على أشده فتركوها وسموها رجعية فتلقفها المتطفلون من المسلمين ونصارى العرب ليدخلوا بها ذلك النفق الضيق الذي خرج منه أهل أوربا. 2ـ زيادة عدد السكان ولا سيما سكان المدن بسبب هجرة الناس من الأرياف والقرى إلى المدن طلبا للرزق والتنعم بحياة العيش في المدن فكثرت الأيدي العاملة وبالتالي البطالة فتطلع الناس إلى أي نظام ينقذهم وقد أصبحت هذه الهجرة الجماعية مصدر لأهل المدن وسببا لانتشار البطالة فيما بعد. 3ـ هروب رقيق الأرض إلى المدن وكان هؤلاء يباعون من الأثرياء تبعا للأرض التي هم عليها حيث تباع الأرض بما عليها من تراب ونباتات ومزارع وعمال وقد مكنهم هروبهم إلى المدن الكبيرة من الاختفاء بها والتكسب مظلة الحرية الفردية في جمع المال وتوفيره والتنافس عليه فنشطت الرأسمالية. 4ـ مطالبة أهل المدن باستقلالهم عن نفوذ سادة الإقطاع بعد أن اعتمدوا على ما أظهرته الحركة الصناعية من آلات وأدوات أفادتهم في تطور الاقتصاد عن طريق البر الزراعي والبحر بثروته السمكية الهائلة الممنوحة من الله تعالى للجميع فاشتد التنافس بين الجميع. 5ـ ظهور النهضة العلمية والفكرية وحركة الإصلاح للدين النصراني المنهار تحت وطأة العلم التجريبي وعلماء الاكتشافات حيث جعلت الناس كلهم يتسابقون ويتنافسون في جمع الأموال.6ـ انضمام الملوك القوميون إلى مساندة التجار وإعطائهم الحرية التامة في التملك الفردي أو الجماعي حسب قاعدتهم "دعه يعمل .. دعه يمر" (¬1) ويمكن أن يضاف إلى ذلك استشراف الناس للخروج عما هم فيه من الغبن الفاحش والتطلع إلى الجديد لعله يساعدهم على الحياة التي يتطلعون إليها. ¬

(¬1) في ((النقد والأدب)) (5/ 20، 21) وانظر ما كتبه يوسف الصميلي في كتابه ((الشعر اللبناني اتجاهات ومذاهب)) (19، 21).

ولا تنس – أخي القارئ – دور اليهود في قيام الرأسمالية فإن اليهود وراء كل جريمة ووراء كل مصيبة بل ووراء كل البنوك الربوية هم الذين يتحكمون فيها هبوطا وارتفاعا وهم الذين رتبوا لسيادة أصحاب رؤوس الأموال لبناء النظام الاقتصادي الربوي الجشع. وإذا أردت مصداق هذا الكلام فاقرأ ما سجلوه على أنفسهم في قراراتهم الجهنمية "بروتوكولات حكماء صهيون" (¬1) حيث أكدوا على التزامهم بدعم أي نظام فيه مضرة للجوييم واشتغالهم بأوضاعهم التي عزم اليهود على زعزعتها على مر الزمن انتقاما واحتقارا للجوييم لعدم خضوعهم لشعب الله المختار وقد عرف عن اليهود تفوقهم في استغلال الأحداث على أتم الوجوه وقد أكد الأستاذ محمد قطب أن اليهود لم يكونوا هم مصدر كل الأحداث كما يتصور البعض ولكنهم يعرفون كيف يستفيدون منها وكيف يوجهونها لمصالحهم وتحقيق أهدافهم لا أنهم هم أصحاب الاختراعات الفكرية كلها. وهناك عامل آخر أسهم أيضا في ظهور الرأسمالية لا يقل – في نظري – عن أهمية العوامل السابقة وهو دور السادة زعماء الإقطاع وكبار الملاك الذين أرادوا الالتفاف مرة أخرى للسيطرة على الطبقات الفقيرة من حيث يشعر هؤلاء أو لا يشعرون. فكان دورهم الجديد هو تمويل مشروعات النظام الجديد مقابل أرباح محددة يقطفون ثمارها دون عناء أو تعب بتشغيلهم الفقراء، ويظهر أن هؤلاء هم الذين كانوا وراء قيام البنوك الربوية والتي حلت أخيرا محل سادة الإقطاع في الزمن القديم حيث لم يختلف الأمر في التسميات فقط. لأنه لم يظهر أي مبدأ نبيل يسمو بأخلاق الإقطاعيين ويوجد في قلوبهم العطف الحقيقي والقناعة النفسية أو مراقبة الله تعالى والرغبة في ثوابه والخوف من عقابه لأن التغييرات السياسية والثورات الحاقدة لا تعطي شيئا من تلك الأخلاق الحميدة بل هي أوضاع تزيد في القلب السقيم سقما، وهكذا فقد كان لأصحاب رؤوس الأموال الصولات والجولات في الميدان حيث أصبحوا فيما بعد هم الطبقة العليا والمسيطرون الحقيقيون على الطبقات الدنيا وانتقل أهل أوربا من حكم الإقطاعيات القديم وطبقة النبلاء إلى حكم الإقطاعيات الجديدة وطبقة النبلاء الجدد فكان الخلاف لفظيا بين الحالين إذ لم يستطع الفقراء أن يدخلوا المنافسة في الرأسمالية لعدم تمكنهم من وجود رؤوس الأموال لإقامة المشاريع الضخمة التي تتطلب أموالا كثيرة فازداد الأغنياء غنى وثروة وازداد الفقراء فقرا وحاجة وتضاعف البلاء على الفقراء لعدم وجود أي وازع من الدين أو الفضيلة لدى الرأسماليين الذين لا حد لجشعهم ورغبتهم في امتلاك أكبر قدر من المال بأي طريق كان من الربا والاحتكار والغش والحيل واستعباد المحتاجين فنشأت العداوات الشديدة بين الفريقين إذ كان الفقراء ينظرون إلى أصحاب رؤوس الأموال بأنهم ظالمين جائرين لا رحمة لديهم بينما كان الأغنياء ينظرون إلى الفقراء على أنهم حاسدين لهم ومنازعين لهم ما في أيديهم شأن كل الأنظمة الجاهلية والأخلاق التي لا تقوم على هدي كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم التي تجعل الشخص يؤثر على نفسه غيره ولو كان به حاجة وفاقة كما قال الله تعالى في ثنائه على الأنصار في إيثارهم المهاجرين إليهم وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] ¬

(¬1) ((مذاهب الأدب معالم وانعكاسات)) (ص278).

سابعا: هل نجحت الرأسمالية في إسعاد الناس؟

سابعا: هل نجحت الرأسمالية في إسعاد الناس؟ لا يمكن لأي نظام جاهلي أن يسعد أتباعه لأن فاقد الشيء لا يعطيه وأول شيء افتقدته الرأسمالية وجود الرحمة والعطف على المحتاجين الفقراء فقد حملتهم تبعة فقرهم تحت مبرر خادع وهو أنهم لم يعملوا ولم يعرفوا طرق الوصول إلى المال لبلادتهم وجهلهم فهم كما حكا الله عن قارون أنه قال قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص: 78] ولم ينظروا إلى أنفسهم وإلى عمالهم حيث أن أصحاب رؤوس الأموال لا يعملون نصف ما يعمله ويكده عمالهم لسد حاجاتهم الضرورية بينما أصحاب رؤوس الأموال الذين لا يبالون بجمع المال تحت أي سبب سواء أكان مشروعا أو غير مشروع عن طريق الربا أو عن طريق المخدرات أو عن طريق بيع الأعراض أو الاحتيالات وما إلى ذلك نجد هؤلاء يعيشون في منتهى البذخ والإسراف كما قيل في المثل: " الكلب يشبع والنمور جياع" لقد وقعت الرأسمالية في مساوئ كثيرة – كأن كل نظام جاهلي – فالحرية الاقتصادية التي تمنح لأتباعها – وتتبجح بها – لم تكن صافية فالعامل تحت وطأة الحاجة يجب أن يعمل الذي يريده صاحب رأس المال إذ لا خيار أمامه إلا القبول وأيضا لا خيار في مقدار الأجرة التي يفرضها صاحب رأس المال لأنه إذا أبى ذلك فإن ما وصلت إليه البطالة والعاطلين عن العمل كفيلان بأن يوجد له من يقبل تلك الأجرة في الوقت الذي يشتد فيه جشع المحتكرين وسيطرتهم على الأسواق والموارد الوافدة إليه. وكنتيجة طبيعية إزاء هذه الأوضاع تفاقمت الهوة بين الأثرياء والفقراء واختل التوازن السليم في الاستفادة من الثروات كما تلاحظ هذا فيما يلي من دراسة الرأسمالية. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 652

ثامنا: أهم سمات الرأسمالية

ثامنا: أهم سمات الرأسمالية تميزت الرأسمالية بخصائص حول نظام الملكية الفردية للأفراد والجماعات ودور الحكومة تجاه المنتجين والمستهلكين كما يلي: 1ـ لكل فرد الحرية المطلقة في التملك والتصرف لعناصر الإنتاج التي بيده بعكس ما قامت عليه الاشتراكية الشيوعية تماما. 2ـ لكل فرد الحرية في ممارسة أي نشاط اقتصادي يستطيعه إنتاجا واستهلاكا وتصديرا دون أي قيد.3ـ أوجد النظام الرأسمالي حافزا قويا للأفراد والجماعات على الإقبال على العمل والمنافسة فيه والتسابق إلى تسويق ما يملكونه والذي ينتج عنه أحيانا هبوط الأسعار لكثرة الموارد مما أدى بأمريكا وغيرها من كبار المنتجين إلى أن يتلفوا كثيرا من المحاصيل الزراعية خوفا من هبوط الأسعار بل أحيانا يعطون الزارع مبلغا من المال في مقابل تركه لزراعة بعض المحاصيل حسب ما ذكره د. غازي القصيبي (¬1) 4ـ إن الحكومة لا دخل لها في شيء مما يفعله المنتجون والمستهلكون بأموالهم وقد كان هذا المفهوم معمولا به في بداية قيام الرأسمالية ولكنه وبمرور الزمن تبين أنه مفهوم خاطئ لكثرة ضحاياه من الفقراء وما نتج عنه كذلك من التفاوت بين الناس في معيشتهم بطريقة غير عادلة فتطور الأمر إلى أن رفاهية المواطنين وعيشتهم عيشة كريمة أمر لا يتم بإلقاء الحبل على الغارب فشعرت الحكومات أن عليها واجبا نحو الجميع وأن عليهم أن يوجدوا سبيلا للتقارب بين الجميع في المعيشة فالتزمت الحكومات بما يلي: 1ـ إصدار التشريعات اللازمة لحماية العمال. 2ـ فرض الضرائب لإعادة توزيع الدخل والثورة. 3ـ القيام ببعض المشاريع التي يحجم عنها الأفراد مثل خدمات التعليم والصحة وغيرها مما تعود مصلحته على الجماعة ويتطلب ذلك رأس مال كثير. 4ـ إصدار التشريعات بمنع الاحتكارات وقد تلجأ الدولة إلى التأميم لبعض المرافق والمصالح كالكهرباء والمناجم.5ـ أخذت الدول الرأسمالية بأسلوب التخطيط بغية تحقيق أهداف التنمية ولا سيما بعد الأزمات الاقتصادية التي مني بها العالم (¬2) وهكذا يتضح أن تلك المزايا كانت إيجابية ومفيدة فإطلاق الحافز الفردي أدى إلى تجدد النشاط في العمل والإنتاج وإتاحة المنافسة بين الأفراد والموارد وإتاحة الحرية الاقتصادية أدت إلى الإخلاص في العمل (¬3) لكن هذه المزايا المفيدة لم تتحقق كما يلزم إلا قليلا من حيث أنها شجعت فعلا الحوافز الفردية والجماعية لكنها لم تجعل لها ضوابط وقيودا تمنع الغلو في الجشع أو الظلم على الآخرين أو التذكير بالله تعالى وثوابه وعقابه أو الرحمة بالفقراء وسلبهم واستعبادهم. بل وصلت الرأسمالية إلى حد أنها " تنعدم فيها حتى الفضائل القليلة التي عرفها مجتمع الإقطاع كالنخوة والشهامة والفروسية ... أما الفضائل ومنبعها في ظل النظام الرأسمالي فهي الربح بأي وسيلة وسبب" (¬4) فانعدم فيها الجانب الروحي الذي ينبع عنه الخلق الكريم والإيثار وحب الآخرين والرغبة في ثواب الله تعالى. قوانين الرأسمالية للرأسماليين قوانين يسيرون بموجبها ويطبقونها بكل صرامة وقد أجملها الأستاذ فتحي يكن في الأمور الآتية: 1ـ قانون البحث عن الربح. 2ـ قانون المزاحمة والمنافسة. 3ـ قانون التمركز والقدرة على الإنتاج وحصره.4ـ قانون السعر المنخفض (¬5) وهذه القوانين كما ترى كلها تلهث وتتلهف على اقتناص الأموال وجمعها وحصرها في نهاية الأمر بيد الأثرياء أصحاب رؤوس الأموال فإن الذي يهمه فقط كيف يصل إلى الربح لا يهمه أن يظلم العامل وأن يقلل أجرة عمله إلى الحد الأدنى وأن يعتبر خدعة الناس وسلبهم أموالهم تحت أي مبرر ذكاءً وفطنة يستحق عليه المدح؟! وهذا القانون كان هو السبب لوجود قانون المزاحمة والتنافس بين الرأسماليين الجشعين إذ صار بعضهم يأكل بعضا كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 659 ¬

(¬1) ((قضية الشعر الجديد)) (89، 90). (¬2) انظر ((مذاهب الأدب معالم وانعكاسات)) (278، 279). (¬3) انظر ((حركات التجديد في الشعر السعودي المعاصر)) (2/ 515، 531، 583، 592، 571) وفي ((الشعر السعودي المعاصر)) (ص 34) و ((ملامح الأدب السعودي دراسة ونماذج)) (76 - 86). (¬4) ([355]) ((الرمزية والأدب العربى))، أنطون غطاس (ص 17). (¬5) ((النقد الأدبي)) (ص252).

تاسعا: آثار سيئة للرأسمالية

تاسعا: آثار سيئة للرأسمالية وقد كان لتلك القوانين الرأسمالية آثارها السيئة شأن الباطل دائما وشأن الأنظمة الوضعية وتنقسم الآثار السيئة للرأسمالية إلى قسمين (حسب تقسيم الدكتور علي جريشة) (¬1) الآثار النفسية والاجتماعية فقد ظهرت في ضعف الوازع الديني وقوة الوازع الدنيوي المادي واستغراق حياة الناس في السعي على الرزق والمكاسب والأرباح فُفقد الإحساس بالآخرين ونشأت قوة الدواعي إلى التعالي والكبرياء والأحقاد والحسد وإلى ظهور البطالة كما هو الحال في الدول الرأسمالية الصناعية حيث أسهمت الآلات الحديثة في إدارة الأعمال بدلا عن العمال فأصبح كثير من العمال عاطلا دون عمل. الآثار السياسية فقد ظهرت واضحة في سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على الحكم لتمكنهم من شراء الأصوات لصالحهم وتوزيع الرشاوي على حساب المتنافسين على السلطة كما ظهرت أيضا على الناخبين لنفس السبب السابق فآلت السلطة في النهاية إلى يد أصحاب رؤوس الأموال بغض النظر عن وجود الكفاءة أو عدمها فيهم فإن العامة لا يهتمون بوجود الكفاءة في الشخص بقدر ما يسديه إليهم من المنافع فابتعد الفقراء عن السلطة تماما. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 665 ¬

(¬1) انظر ((القديم والجديد في الشعر العربي الحديث)) (ص246) وفي ((النقد الأدبي)) (ص251).

عاشرا: عيوب الرأسمالية

عاشرا: عيوب الرأسمالية - الرأسمالية نظام وضعي يقف على قدم المساواة مع الشيوعية وغيرها من النظم التي وضعها البشر بعيداً عن منهج الله الذي ارتضاه لعباده ولخلقه من بني الإِنسان. - الأنانية: حيث يتحكم فرد أو أفراد قلائل بالأسواق تحقيقاً لمصالحهم الذاتية دون تقدير لحاجة المجتمع أو احترام للمصلحة العامة. - الاحتكار: إذ يقوم الشخص الرأسمالي باحتكار البضائع وتخزينها حتى إذا ما فقدت من الأسواق نزل بها ليبيعها بسعر مضاعف يبتز فيه المستهلكين الضعفاء. - لقد تطرفت الرأسمالية في تضخيم شأن الملكية الفردية كما تطرفت الشيوعية في إلغاء هذه الملكية. - المزاحمة والمنافسة: إن بنية الرأسمالية تجعل الحياة ميدان سباق مسعور إذ يتنافس الجميع في سبيل إحراز الغلبة، وتتحول الحياة عندها إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى إفلاس المصانع والشركات بين عشية وضحاها. - ابتزاز الأيدي العاملة: ذلك أن الرأسمالية تجعل الأيدي العاملة سلعة خاضعة لمفهومي العرض والطلب مما يجعل العامل معرضاً في كل لحظة لأن يُستبَدل به غيره ممن يأخذ أجراً أقل أو يؤدي عملاً أكثر أو خدمة أفضل. - البطالة: وهي ظاهرة مألوفة في المجتمع الرأسمالي، وتكون شديدة البروز إذا كان الإِنتاج أكثر من الاستهلاك مما يدفع بصاحب العمل إلى الاستغناء عن الزيادة في هذه الأيدي التي تثقل كاهله. - الحياة المحمومة: وذلك نتيجة للصراع القائم بين طبقتين احداهما مبتزة يهمها جمع المال من كل السبل وأخرى محرومة تبحث عن المقومات الأساسية لحياتها، دون أن يشملها شيء من التراحم والتعاطف المتبادل. - الاستعمار: ذلك أن الرأسمالية بدافع البحث عن المواد الأولية، وبدافع البحث عن أسواق جديدة لتسويق المنتجات تدخل في غمار استعمار الشعوب والأمم استعماراً اقتصادياً أولاً وفكرياً وسياسياً وثقافياً عامة، وذلك فضلاً عن استرقاق الشعوب وتسخير الأيدي العاملة فيها لمصلحتها. - الحروب والتدمير: فلقد شهدت البشرية ألواناً عجيبة من القتل والتدمير وذلك نتيجة طبيعية للاستعمار الذي أنزل بأمم الأرض أفظع الأهوال وأشرسها. - الرأسماليون يعتمدون على مبدأ الديمقراطية في السياسة والحكم، وكثيراً ما تجنح الديمقراطية مع الأهواء بعيدة عن الحق والعدل والصواب. - إن النظام الرأسمالي يقوم على أساس ربوي، ومعروف بأن الربا هو جوهر العلل التي يعاني سمنها العالم أجمع. - أن الرأسمالية تنظر إلى الإِنسان على أنه كائن مادي وتتعامل معه بعيداً عن ميوله الروحية والأخلاقية، داعية إلى الفصل بين الاقتصاد وبين الأخلاق. - تعمد الرأسمالية إلى حرق البضائع الفائضة، أو تقذفها في البحر خوفاً من أن تتدنى الأسعار لكثرة العرض، وبينما هي تقدم على هذا الأمر تكون كثير من الشعوب في حالة شكوى من المجاعات التي تجتاحها. - يقوم الرأسماليون بإنتاج المواد الكمالية ويقيمون الدعايات الهائلة لها دونما التفات إلى الحاجات الأساسية للمجتمع ذلك أنهم يفتشون عن الربح والمكسب أولاً وآخراً. - يقوم الرأسمالي في أحيان كثيرة بطرد العامل عندما يكبر دون حفظ لشيخوخته إلا أن أمراً كهذا أخذت تخف حدته في الآونة الأخيرة بسبب الإِصلاحات التي طرأت على الرأسمالية والقوانين والتشريعات التي سنتها الأمم لتنظيم العلاقة بين صاحب رأس المال والعامل. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

حادي عشر: الإصلاحات التي طرأت على الرأسمالية

حادي عشر: الإِصلاحات التي طرأت على الرأسمالية - كانت إنجلترا حتى سنة 1875م من أكبر البلاد الرأسمالية تقدماً. ولكن في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ظهرت كل من الولايات المتحدة وألمانيا، وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت اليابان. - في عام 1932م باشرت الدولة تدخلها بشكل أكبر في إنجلترا، وفي الولايات المتحدة زاد تدخل الدولة ابتداء من سنة 1933م، وفي ألمانيا بدءاً من العهد الهتلري وذلك في سبيل المحافظة على استمرارية النظام الرأسمالي. - لقد تمثل تدخل الدولة في المواصلات والتعليم ورعاية حقوق المواطنين وسن القوانين ذات الصبغة الاجتماعية، كالضمان الاجتماعي والشيخوخة والبطالة والعجز والرعاية الصحية وتحسين الخدمات ورفع مستوى المعيشة. - لقد توجهت الرأسمالية هذا التوجه الإِصلاحي الجزئي بسبب ظهور العمال كقوة انتخابية في البلدان الديمقراطية وبسبب لجان حقوق الإِنسان، ولوقف المد الشيوعي الذي يتظاهر بنصرة العمال ويدعي الدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثاني عشر: أماكن انتشار الرأسمالية

ثاني عشر: أماكن انتشار الرأسمالية انتشرت الرأسمالية وقويت في العالم الغربي والدول الصناعية بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وأمريكا، وتتزعمها اليوم في العالم كله أمريكا التي تسمي نفسها الدولة العظمى الوحيدة في العالم أو القطب الواحد والمتحكم في الأسواق الصغيرة والكبيرة. وقد تبعت أمريكا كثير من الدول الغربية وسارت على خطاها وعلى خطاياها أيضا حذ القذة بالقذة. وأما دول العالم الإسلامي فهي متأرجحة ما بين الالتفات إلى الشرق الاشتراكي والالتفات إلى الغرب الرأسمالي وبعضها رفض تطبيقها رسميا وإن كان قد أخذ ببعض مبادئها وهم ما بين مستقل ومستكثر منها بحكم قوة الروابط وضعفها مع الغرب إلا من رحم الله. وإنه لمن العار أن تتطفل بعض الأنظمة التي تنتسب إلى الإسلام على فتات موائد الشرق والغرب الآسنة ويتركون النبع الصافي السلسبيل العذب وهو النظام الإسلامي الذي سعدت به البشرية قرونا طويلة من قبل أن يظهر النظام الوضعي الرأسمالي الاشتراكي الجاهليان بصورة شرهة وتخبطهما في شتى الاتجاهات. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالث عشر: حكم الرأسمالية والفرق بينها وبين نظام الإسلام

ثالث عشر: حكم الرأسمالية والفرق بينها وبين نظام الإسلام الرأسمالية تنظيم جاهلي اقتضته الظروف المعيشية التي مرت بها أوربا في عصورها المظلمة دعا إليه بعض الساسة والمفكرين والكتّاب للخروج من أغلال رجال الكنيسة وعن الأوضاع الاقتصادية المتردية وقد يبدو أن لهم مبررات كثيرة في تلك الثورات الهائجة إلا أنه يؤخذ عليهم أنهم لم يطرقوا باب الإسلام ولم يطلعوا على ما فيه من حلول تسعد بها البشرية لو طبقوها على امتداد تاريخ وجودهم بل كان اهتمامهم كله يتركز على محاربة الدين وأنظمته كلها واستبدال كل ذلك بقوانين الرأسمالية. ولقد أتت الرأسمالية بحلول كثيرة بعضها تتوافق مع الإسلام وأكثرها تخالفه ومع ذلك فإن في الإسلام حكما واحدا تجاه كل من يخالفه ويشرع من دون الله تعالى أحكاما وضعية قال تعالى أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] فالإسلام لا يقر أي تنظيم أو تشريع للبشر بعضهم للبعض الآخر بل ويعتبره حكما جاهليا وتطاولا على حق الخالق العظيم. ويفترق النظام الرأسمالي عن التشريع الإسلامي في جوانب كثيرة جدا لأن الإسلام يمقت الشح والتكالب على المال والحرص عليه قال تعالى وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] بينما النظام الرأسمالي قائم على هذه الصفة الذميمة كذلك فإن الإسلام يدعو إلى الرحمة والعطف والتكافل الاجتماعي بصورة منظمة تكفل لكل ذي حق حقه وقد خلت الرأسمالية من ذلك كما أنه ينظم حياة الناس وتعايشهم فيما بينهم فلا يجعل الحلال ما حل في يد الشخص والحرام ما حرم منه ولا يقر أن يعيش الناس تحت طبقات متفاوته لا يلوي بعضهم على الآخر ينسحق فيها الفقراء ويلاقون مصاعب الحياة دون أن تمتد يد المساعد إليهم لأن الإسلام يأبى هذه الأوضاع ويشنع على أصحابها بينما الرأسمالية قامت على هذا الأساس كضرورة لا مفر منها للانتعاش الاقتصادي كما يزعمون. وإذا كان الإسلام قد حرم الشح وذمه فإنه حرم الاحتكار الذي يضر بالمصلحة وأكد أنه لا ضرر ولا ضرار والاحتكار من مزايا الرأسمالية كما أكد تحريم الربا بل اعتبره حربا سافرة ضد الإنسانية وضد التشريع الإلهي بينما تجد هذه الجوانب من مقومات الرأسمالية قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278 - 279] فأي نظام حر رأسمالي حرم الربا؟ بل إن النظم الجاهلية كما يعرف القارئ الكريم تسمي الربا فائدة، أما الإسلام فإنه يعتبر النظرة إلى المادة وحدها دون ضوابط ولا رجوع إلى السمو الروحي والأخلاق الفاضلة والتسامح ولين المعاملة يعتبرها الإسلام حياة بهيمية غير لائقة بالبشر يأكل أصحابها كما تأكل الأنعام لأن الإسلام يوازن بين حياة الجسم وحياة الروح التي أغفلتها الرأسمالية واهتمت فقط بالحياة الجسمية والوصول إلى إشباع النداء الجسماني بكل وسيلة مشروعة كانت أو غير مشروعة. كما أن الإسلام يعتبر الحرية التي ليس لها ضوابط وحدود تقف عندها يعتبرها فوضى لا استقرار فيها ولا سعادة من ورائها بينما التنافس الحر وهو تنافس أشبه ما يكون بتنافس الكلام على الجثة الميتة فإن أصحاب رؤوس الأموال يتهاوشون أحيانا فيما بينهم على الاستحواذ على مصادر الموارد وإزاحة المنافس كما تفعل السباع بفريستها وهذا دأبهم دائما.

قيل إن بعض هؤلاء الرأسماليين الجشعين قيل له عند موته ماذا تتمنى؟ فذكر أنه يتمنى لو أنه يملك من المال كذا وكذا ويتمنى لو أن شفايف النساء كلهن تجتمع له في شفة فيقبلها لأن غرضه في هذه الحياة هو الوصول إلى مآربه والاستمتاع بكل ما يراه دون ضوابط أو ضمير. ومما سبق يتضح أن نظام الإسلام حتى وإن وجد بعض التوافق بينهما فقد تبين لك 1ـ أن الرأسمالية نظام بشري اقتضته الظروف المعيشية في الغرب لمبررات عديدة بينما الإسلام نظام إلهي فالفرق كبير. 2ـ كما أن الإسلام نسبة إلى الاستسلام لرب العالمين والرأسمالية نسبة إلى الاستسلام للمال وكيفية جمعه وادخاره. 3ـ تضمن الرأسمالية للفرد حرية الملك دون أي قيد أما الإسلام فإنه وإن أباح حرية التملك لكنها حرية منظمة محكومة بالقاعدة المشهورة في الإسلام " لا ضرر ولا ضرار" 4ـ لا تعارض الرأسمالية قيام جمع المال بالوسائل التي يحرمها الإسلام ويحذر منها كالربا والغش والاحتيال والاحتكار بينما الإسلام يحرم كل ذلك. 5ـ الرأسمالية تشجع على المنافسة والمزاحمة في العمل وإيجاده وإنجازه دون حد والإسلام يشجع ذلك لكنه ينظم تلك المنافسة فلا يجعلها على شرعية " من عز بز ومن غلب استلب" دون مراعاة الفقراء أو تحطيمهم اقتصاديا. 6ـ ليس في الرأسمالية نظام التكافل الاجتماعي كالزكاة ودورها في سد حاجات الفقراء بدون من ولا أذى حيث يأخذ الفقير حقه دون أي شعور بالذلة لأحد بينما يوجد في الرأسمالية نظام عائدات الضرائب التي يعطى الشخص بمقدار ما يسمح به رصيده. 7ـ الرأسمالية تعطي للفرد الحق في مطلق التصرف فيما له دون أي اعتبار حتى ولو أنفقه في العبث والإسراف وأنواع المحرمات بينما الإسلام يعطيه الحرية ويحدد له مسار الإنفاق المشروع وغير المشروع فحرم إنفاقه في أشياء كثيرة كالخمر والقمار والميسر وأنواع اللهو. 8ـ لا يوجد في الرأسمالية بعض قضايا التكافل الاجتماعي المفيد كالإرث مثلا فإن الرأسمالية لا ترى بأسا أن يجعل الشخص أمواله بعد موته في أي محرم ولو كان ذلك المال يصرف على كلب المالك أو خنزيره. أما الإسلام فإنه يعترف بالحفاظ على الانتفاع بالمال في كل طريق شرعي ومنه الإرث فإنه ملك شرعي للمال وكذلك مثل (الوصية، الهبات، الصدقات .. ) ونحو ذلك مما رغب فيه الإسلام. 9ـ الإسلام يجعل الشخص حسيب نفسه فيثير فيه المراقبة الذاتية لله تعالى في الخوف من عقاب الله والطمع في ثوابه فلا يسمح أن تكون النظرة موجهة فقط للربح وهذا الجانب لا يوجد في الرأسمالية فكل واحد حبله على غاربه فيها. وقد حاول النظام الرأسمالي إيجاد البديل كدعوى الإنسانية وبعض قوانين العقاب المالي أو البدني لكنها لم تثمر الثمرة المرجوة أو الموجودة في مراقبة الله وحده. 10 ـ قانون المنافسة والمزاحمة في العمل أدى إلى ظهور الغربة الجامحة لدى المالكين إلى البحث عن السعر المنخفض وتخفيض أجور العمال بل والتحايل لإسقاطها بينما الإسلام ينهى عن كل ذلك فلا يبيح الغبن لا في البيع ولا في الشراء ولا في الأجرة فهو يعطي الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه وفيه الخيارات في البيع التي حددها الفقهاء كما يحرم الإسلام كل وسيلة تؤدي إلى الخصام والعداوة والاختلاف. 11ـ الحريات في الرأسمالية لا تقف عند حد فإن حرية الكلمة يدخل فيها حرية التبجح بالفجور والإلحاد والحرية الشخصية يدخل فيها استحلال جميع الفواحش وحرية الأديان يدخل فيها إباحة الإلحاد إضافة إلى ما فيها من الغبن الفاحش وظلم الفقراء أما الحرية في الإسلام فهي مصونة بضوابطها الشرعية في مراعاة الحقوق كلها حق النفس وحق الغير. 12ـ يعيش الرأسمالي في قلق دائم بعد أن افتقد اليقين بأن الله هو الرزاق لجميع خلقه وقد ظهر قلقهم في ما يسمونه الانفجار السكاني أو ندرة الموارد وزيادة الحاجات وما إلى ذلك مما يجعل الناس يعيشون في قنوط وتخوف متناسين ما تأخذه الأمراض والحروب والحوادث من نفوس في كل ساعة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى. 13ـ ينعدم في الرأسمالية العطف والتراحم والمحبة بسبب قيام المجتمع الرأسمالي على النظام الطبقي طبقة الأثرياء الرأسماليين وطبقة الفقراء العمال فالطبقة الأولى لا يهمهم إلا جمع المال وتوفير المكاسب بأي وجه يكون ومما يدل على الجفاء في النظام الرأسمالي هو حرق المنتجين لبعض منتجاتهم حفاظا على ارتفاع الأسعار رغم أنين الجياع في أكثر من مكان من الأرض أما الإسلام فإنه يجعل من أوليات العلاقة بين الناس العطف والإنصاف والإيثار وحسن المعاملة بأن يحب الشخص لأخيه كما يحب لنفسه ورتب على نبذ الشح الفلاح كما قال تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 1/ 667

المطلب الرابع والخمسون: العولمة

أولا: تعريف العولمة العولمة لفظ مأخوذ من (عالَم)، وكما أن الناس اختلفوا فيها ما بين مندد ومسدد، فقد اختلفوا كذلك في تعريفها، ولكن يكاد يتفق الجميع على حد أدنى، وهو اصطباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة لجميع من يعيش فيه، وتوحيد أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان والثقافات، والجنسيات والأعراق ((¬1). فمهما تعدّدت السياقات التي ترد فيها (العولمة)، فإن المفهوم الذي يعبّر عنه الجميع، في اللغات الحيّة كافة، هو الاِتجاه نحو السيطرة على العالم وجعله في نسق واحد. ومن هنا جاء قرار مجمع اللغة العربية بالقاهرة بإجازة استعمال العولمة بمعنى جعل الشيء عالمياً. وكل هذا لا يخرج عن اعتبار العولمة -في دلالتها اللغوية أولاً- هي جعل الشيء عالمياً، بما يعني ذلك من جعل العالم كلِّه وكأنه في منظومة واحدة متكاملة. وهذا هو المعنى الذي حدّده المفكرون باللغات الأوروبية للعولمة Globalization في الإنجليزية والألمانية، وعبروا عن ذلك بالفرنسية بمصطلح Mondialisation، ووضعت كلمة (العولمة) في اللغة العربية مقابلاً حديثاً للدلالة على هذا المفهوم الجديد ((¬2). وتظهر مشكلة العولمة في هذا التعريف، فطالما أن الأعراق متنوعة، والثقافات متعددة، والأديان مختلفة، والأهواء متباينة، فمن يحكم هذه الصبغة الواحدة؟ من يضع ضوابطها ويحدد قوانينها؟ ثم كيف يلزم تاجر صغير كان يعيش في أرضه آمناً في سربه، عنده قوت يومه، بمزاحمة غيره من العمالقة له في أرضه؟ وإذا كان هذا محتملاً لكون العصفور يرزق مع النسر، وتلك الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً؟ فبأي مبرر تلغى عادات الناس وأنماطهم الاجتماعية؟ ومن الذي يضع الصبغة الجديدة للوحدة الاجتماعية؟ وكيف ألزم بلايين البشر بغسل أدمغتهم، وتنظيفها من فكرهم الأصيل لآخر دخيل؟ ¬

(¬1) انظر ((فن الشعر)) (ص64) ((مذاهب الأدب الغربي)) (ص76) و ((أثر الرمزية الغربية في مسرح توفيق الحكيم)) (18ـ 19). (¬2) ((مذاهب الأدب الغربي)) (76,77) , وانظر ((الأدب المقارن)) (399 400).

ولهذه الإشكالات وغيرها كان من الطبيعي أن يكون في المجتمعات الإسلامية والعربية شبه إجماع بين أطراف الرأي العام السياسي فيها، ماركسيهم وقوميهم وإسلاميهم يقول بأن العولمة، بالموجهات الرئيسة التي تحركها، لا تتضمن أي جديد بل هي شكل من الاستعمار لا تختلف في أهدافها عن أهداف الموجات الاستعمارية السابقة. فلا يمكن لرأس المال المهيمن، وللشركات العملاقة المتعددة الجنسيات أن تنزع نحو أهداف أخرى غير السيطرة على الأسواق وغزو موارد الكوكب واستغلال العمل المأجور والرخيص أنّى وجد. والفرق بين المشروعين الاستعماريين، القديم والجديد، هو أن المشروع الجديد يحتاج إلى التأقلم مع الظروف العالمية التاريخية المتغيرة، أي صعود هيمنة الولايات المتحدة الأحادية على العالم، وتحويل حلف شمال الأطلسي إلى التحالف العسكري السياسي الوحيد في العالم، وفي خدمة مجموعة صغيرة من الدول الصناعية· كما أن الاستعمار الجديد يستخدم خطابا للمشروعية يشدد على قيم نشر الديمقراطية واحترام حقوق الشعوب بدل الخطاب الذي حرك قوى الاستعمار الأسبق الذي ركز بشكل رئيس على قيم تمدين الشعوب الهمجية، أعني كل الشعوب غير الأوربية، وتحضيرها أو إدخالها في الحضارة الفعلية· ولئن كانت للاستعمار الأول أشكال تدخله العسكرية، فإن الاستعمار الجديد يعمد إلى أساليب جديدة، لا تقل فعالية عن السابقة على الرغم من أنها اتسمت بقسط أكبر من الأغطية القانونية· فالتدخل العسكري الانفرادي والمكشوف للدول الاستعمارية قد ترك مكانه (¬1) حتى الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد. ¤ رسالة المسلم في حقبة العولمة لناصر بن سليمان العمر ص7 وسواء كانت "العولمة" تعني الكوكبة أو"الكونية" أو "سيادة النموذج الرأسمالي" وهيمنته على العالم, فإن النظام العالمي الجديد الذي بدأ يسود في العالم مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين قد أفرز العديد من النظريات والمصطلحات, منها: نظرية: "نهاية التاريخ" التي تبناها المفكر الياباني الأصل: فوكوياما, والذي اعتبر نهاية الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفيتي نهاية التاريخ بانتصار الرأسمالية ونظرية "صراع الحضارات" لأستاذ العلوم السياسية الأمريكي صامويل هانتجتون, الذي اعتبر نهاية الحرب الباردة, وانتصار المعسكر الغربي على المعسكر الشرقي بداية لصراع طويل وممتد بين الغرب النصراني وحضارته الغربية, والشرق المسلم وحضارته الإسلامية, وأيضا بروز بعض الأفكار والنظريات الأخرى مثل: "ما بعد الحداثة" وغيرها حتى الوصول إلى مصطلح "العولمة". وقد عقدت العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية لمناقشة مصطلح "العولمة" وأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإن كانت معظمها انطلقت في إطار التوجه المؤيد للمصطلح, الذي يؤيده أصحاب التوجه "الليبرالي" أو المعارضين لها من منطلق أنها "أمركة" أو "تصب في خانة الرأسمالية" من أصحاب التوجهات اليسارية والماركسية, وللأسف لم نجد في العالمين العربي والإسلامي ندوة علمية منهجية تتناول مفهوم العولمة من منظور إسلامي. ولعل أبرز الندوات والمؤتمرات التي ناقشت قضية العولمة خمسة مؤتمرات في أقل من ثلاثة أعوام. كما أن بعض الهيئات والمؤسسات والتنظيمات الكبرى في العالم العربي لم تتطرق لمناقشة هذه القضية مثل الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي, أو رابطة العالم الإسلامي!! ¬

(¬1) رواه الترمذي (2616) وابن ماجه (3973) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11394) قال الترمذي حسن صحيح، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ومثله قال الذهبي، وصححه الألباني.

وإذا كان مؤتمر المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة حاول أن يناقش البعد الثقافي للقضية, وخطورة "العولمة" على الثقافة العربية إلا أن الوجوه التي دعيت للمؤتمر وقدمت أبحاثا كانت من المؤيدين لـ "العولمة" لأنها "انفتاح على ثقافة الغير". وانصب اهتمام المؤتمر في الأساس على "العولمة والهوية الثقافية" أما ندوة "العولمة والاتجاهات المجتمعية في الوطن العربي" المنعقدة في القاهرة فقد انصب اهتمامها في الأساس على البعدين الاقتصادي والاجتماعي واهتمت كما جاء في الدراسة التي أعدها المفكر الاقتصادي سمير أمين على "تحليل العولمة وتأثيراتها وآلياتها" وناقش المسألة من منظور أيديولوجي, وقدمت الندوة رؤية لمناخ العصر ... وإن كانت انصبت على محاكمة النظام العالمي الجديد, والقوة المهيمنة على العالم وتمركز الحضارة الرأسمالية حول أفكار اقتصادية. الأمر الذي انعكس - بالطبع- على الهيمنة الرأسمالية على الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية ولكن المؤتمر أغفل الجوانب الاجتماعية للعولمة وآثارها على حياة الشعوب وقيمها وسلوكياتها. وبغض النظر عن دفاع البعض المستميت عن "العولمة" وتحفظ البعض اللامحدود عليها فإن لـ "العولمة" أبعادها السياسية التي ستنعكس حتما على العالم الإسلامي. فالعولمة في الأساس نتاج انهيار نظام عالمي كان يقوم "القطبية الثنائية" بانهيار أحد أقطاب النظام - وهو الاتحاد السوفيتي – بل وزواله تماما بانتهاء الحرب الباردة وسيادة قطب واحد أخذ يسيطر على هذا العالم سياسيا وعسكرياً, الأمر الذي أحدث هوة عميقة وخللاً كبيراً في المنظومة السياسية العالمية, وفي ظل عدم التكافؤ في القوة والإمكانات بدأ الخلل يظهر, ولمعالجة هذا الخلل وجدنا من يبشر بقيام نظام عالمي جديد قوامه "سيادة حقوق الإنسان" و"الحرية الديمقراطية" و"دور أكبر ومؤثر للأمم المتحدة في حل المنازعات سلميا" وظهرت آثار هذا النظام في إنهاء التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا ونهاية حكم الأقلية البيضاء وبداية حكم الأغلبية السوداء, وبدأ يذوب الجليد بين واشنطن وبكين بعد عداوة طويلة, وأخذت واشنطن تلعب الدور الأكبر في صنع السياسة الروسية, ونجحت في "تطويع" الكرملين بتنصيب يلتسين رئيسا ودعمه وتأييده بلا حدود. وأخذت معالم النظام العالمي الجديد تتضح أكثر وتأخذ أبعادا متناقضة, فالشرعية الدولية تتدخل لتفرض قوانين وقرارات الأمم المتحدة في مكان وتتغاضى عن تنفيذ هذه القوانين في مكان آخر, فتحكمت "المصالح الدولية" في تسيير دفة هذا النظام, وتحكمت الشركات متعددة الجنسيات في صنع القرار السياسي, فهناك أكثر من (200) شركة متعددة الجنسيات هي التي تصنع اليوم القرار السياسي. وظهرت سياسة "الكيل بمكيالين" حيث يكيل النظام العالمي الجديد بمكيالين حيث يطبق قرارات الأمم المتحدة بحذافيرها في مكان, ويتجاهل تماما القرارات الدولية في مكان آخر, الأمر الذي دفع د. كلوفيس مقصود مدير مركز عالم الجنوب في الجامعة الأمريكية في واشنطن إلى وصف "هذا النظام الجديد بالفوضى" وقال: "لا هو نظام عالمي ... ولا هو جديد ... بل هو فوضى متميزة بنزاعات إقليمية تعيد إلى الواجهة تيارات فكرية كنا اعتقدنا أنها مر عليها الزمن" (¬1). ¬

(¬1) انظر: ((ندوة الإسلام والحداثة)) (ص: 150) فما بعدها و ((الندوات الفكرية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة السادس)) (ص: 91ـ 136).

فالذي نشاهده اليوم في ظل هذا النظام الجديد, والتبشير بـ "العولمة" دولا تفككت كما يحدث الآن في أفغانستان والصومال والكونغو الديمقراطية ومذابح ضد الإنسان ارتكبت دون تحقيق دولي كما حدث في البوسنة والهرسك – في قلب أوروبا – ويحدث اليوم في كوسوفو, وحدث في رواندا حيث أبيد أكثر من نصف مليون مواطن دون أن تحرك القوى المهيمنة ساكنا, بل إن تدخلات الشرعية الدولية في بعض المناطق أدت إلى نتائج عكسية, ففي البوسنة سقطت سربنيتشا وأباد الصرب أكثر من أربعة آلاف مسلم وهي تحت الحماية الدولية ورجال القبعات الزرقاء, وفي الصومال تدخلت الأمم المتحدة فكانت الكارثة, زادت الصراعات وزاد القتال, حتى المحاكمات لمجرمي الحرب التي صدرت بها قرارات من مجلس الأمن الدولي لم تنفذ سواء ضد مجرمي الحرب في البوسنة أو في رواندا, وحتى المواثيق والمعاهدات الدولية لم تحترم ولم تنفذ, مما جعل المنبهرين بالنظام العالمي الجديد وبإفرازاته السياسية والاقتصادية والثقافية يتضجرون من هذا النظام وتناقضاته. فالنظام الجديد الذي حاول - سياسيا- عولمة "ديمقراطية" ومنظوره الخاص لـ "حقوق الإنسان" وفهمه لـ "الحرية" تجاهل تماماً وضعية الشعوب الأخرى وظروفها ومتطلباتها, وكان النتاج عولمة الفقر إضافة إلى عولمة السوق, واستقطاب جديد من الشمال الغني المسيطر للجنوب الفقير, وتبني القوى الدولية للقضايا التي تريد ما دامت مصلحتها تقتضي ذلك, وتتجاهل قضايا أساسية لعدم وجود مصلحة لها. وإذا كان النظام العالمي الجديد والسياسات التي تحكمت في تسيير دفة العالم والهيمنة عليه هي التي أفرزت ظاهرة "العولمة" فإن هذا النظام وآلياته يسير من قبل دول ومؤسسات وهيئات دولية تتحكم في النظام الاقتصادي في العالم, فآلية النظام الاقتصادية مكنت الدول الغربية القوية مادياً وتكنولوجياً من الضغط على دول العالم الثالث, لتفتح اقتصادياتها أمام رأس المال والمنتجات الغربية كما مكنتها في الأساس من "خلخلة" العوائق القانونية والمالية التي تضعها الدول - في الجنوب - أمام منتجات الشمال ... الأمر الذي جعل الدول الغنية تقوض الأسس التي تقوم عليها أركان الدول في العالم الثالث الفقير, وجاءت اتفاقيات الجات في 1994م لتتحكم منظمة التجارة العالمية, في الاقتصاد العالمي, بتحكمها في 09% من حركة التجارة العالمية, والدول في العالم الثالث ملزمة بالدخول في اتفاقيات الجات والتسليم بها, وفتح أسواقها أمام منتجات وسلع الدول الغنية, الأمر الذي يحطم اقتصاديات هذه الدول. فالنظام العالمي الجديد يسعى بكل قوة لتنفيذ مصالح القوة العالمية الدولية ومصالح الشركات متعددة الجنسيات. وإن أي سعي في ظل "العولمة الاقتصادية" لتحقيق التنمية الذاتية أو المعتمدة على النفس تواجه بعراقيل من صنع ووضع القوى وعوامل خارجية وهي بالقطع ستكون معادية لأي جهد وطني, فبلدان "المركز" التي تدير "عولمة الاقتصاد" تجني المكاسب الطائلة بفضل تبعية "بلدان التخوم" لها سياسياً واقتصادياً وإعلامياً بل ثقافياً (¬1). ¤العولمة لسليمان الخراشي ¬

(¬1) انظر ((منهج الفن الإسلامي)) (ص66) , و ((مذاهب الأدب الغربي)) (ص52).

ثانيا: مجالات العولمة:

ثانيا: مجالات العولمة: • 1 - العولمة الاقتصادية. • 2 - العولمة الثقافية. • 3 - العولمة الإعلامية.

1 - العولمة الاقتصادية

1 - العولمة الاقتصادية الأسئلة التي سبق طرحها يعاد طرحها مرة أخرى لفهم المشكلة الاقتصادية، فطالما أن الأعراق متنوعة، والثقافات متعددة، والأديان مختلفة، والأهواء متباينة، فمن يحكم هذه الصبغة الواحدة؟ من يضع ضوابطها ويحدد قوانينها؟ ولأن هذا نذر يسير من الأسئلة والإشكالات، فلا عجب أن تشهد (براغ) عنفاً لم تشهد مثله منذ قرون! فقد انقلبت العاصمة التشيكية في سبتمبر من عام ألفين رأساً على عقب، ففي اليوم السادس والعشرين تلقى عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من خلال شبكة الإنترنت رسالة تحدد موعداً للقيام بتحرك في مدينة (براغ) التشيكية، وتطالب الرسالة أولئك الذين تلقوها، بالحضور في الموعد المحدد من أجل المساهمة في التظاهر ضد العولمة والرأسمالية العالمية. للاحتجاج على الشركات والمؤسسات الكبرى التي أصبحت تتحكم بمصائر العالم من خلال تزايد نفوذها أكثر فأكثر وما يتبع ذلك من آثار مأساوية على العديد من شعوب العالم وخاصة الفقيرة منها المستثناة عملياً من دورة المناقصة التجارية. وقد تم اختيار الموعد على ضوء انعقاد المؤتمر السنوي لصندوق النقد والبنك الدوليين في مدينة (براغ) نفسها، ومما يلفت النظر أن الدعوة وجهت خطاباً خاصاً لمن سبق له التظاهر ضد العولمة في (سياتل) و (ملبورن) و (لندن). ويرى بعض الغربيين: أن العولمة الرأسمالية والحركات النقابية والعمالية والاجتماعية المضادة لها سيكون بينهما صراع كبير في القرن الحادي والعشرين، وقد ابتدأ بالفعل هذا الصراع في مطلع القرن الحادي والعشرين في مدينة (سياتل) بأمريكا -معقل فكرة العولمة- عام (1999). فمؤتمر (سياتل) الذي اجتمعت فيه معظم الحركات والمنظمات المضادة للعولمة استطاع أن يكشف مؤتمر التجارة العالمية الذي يضم قادة العالم الرأسمالي (¬1). إذاً فمناهضة العولمة حركة عالمية لا تخضع لأيديولوجية معينة بمعنى أنها ليست محصورة في إيديولوجيا كالماركسية مثلاً وهذا ما كان يحصل للحركات النقابية العمالية سابقاً، بل هي حركة تتجاوز القوميات والأقطار وتعمل لصالح العمال والفلاحين والمضطهدين في شتى أنحاء العالم، كما يزعم أنصارها. فإذا كانت المعارضة للعولمة حدت بطرح هذا التساؤل، وهذه الآراء في الدول الغربية لكون الفارض والمسيطر دولة أخرى، فإن ما يسمى بدول العالم الثالث أشد معارضة لهذا النظام، والإسلامية والعربية منها على وجه الخصوص، فكيف تخضع هذه الأمم لغير الشرائع الإلهية أو الأحكام الدينية، ثم إن الدراسات الاقتصادية أو التجارية والإحصائية والاجتماعية المبنية على مصلحة مجتمع ما، ليس من العدالة فرضها على المجتمعات الأخرى. ¤ رسالة المسلم في حقبة العولمة لناصر بن سليمان العمر ص18 ¬

(¬1) انظر ((مذاهب الأدب الغربي)) (32، 33).

2 - العولمة الثقافية

2 - العولمة الثقافية • أ- العلاقة بين الثقافة الإسلامية والعولمة. • ب- آثار العولمة الثقافية.

أ- العلاقة بين الثقافة الإسلامية والعولمة

أ- العلاقة بين الثقافة الإسلامية والعولمة إن الله هو رب العالمين، والدين الذي ارتضاه للعالم هو الإسلام وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فأدى الرسول الكريم رسالة ربه، فخاطب العرب والعجم، بل دعا الثقلين، ثم أخبر من لا ينطق عن الهوى بأن دين هذه الأمة ظاهر، وأنه أكثر الأنبياء تبعاً. فأمة الإسلام مبعوثة لتنقل ركناً ركيناً من أركان الثقافة إلى البشرية بل إلى العالم، فقد قال الله تعالى عن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:70 - 71] ومما قيل في معناها: "لينذر بهذا القرآن المبين كل حي على وجه الأرض" (¬1). وقال سبحانه: قل ما أسألكم عليه من أجر قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [ص:87]، وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [يوسف:104]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وقال سبحانه: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، وما أرسلناك وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:28].وفي حديث الصحيحين: ((أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي، قال صلى الله عليه وسلم: كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة)) (¬2). فاستجاب نبينا صلى الله عليه وسلم لأمر ربه وبدأ بدعوة قومه، فاستجاب له قلة وجمع من الضعفاء على استخفاء، أما الأقوياء والكبراء فقد فرحوا بما عندهم من العلم، وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [سبأ:35] فجاهروا بصريح العداء، وزعموا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم معتقدات (راديكالية) بالية، لها جذور قديمة، لا أساس لها من الصحة إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ [الشعراء:137]، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا [الفرقان:5]. ولكن سنة الله في الأمم تمضي فما هي إلاّ سنوات قلائل حتى تغيرت الحال، ومما امتن الله به على عباده المؤمنين: وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال:26]. وتنفيذاً لأمر الله لم يكتف صلى الله عليه وسلم، بدعوة من بدأ بهم من عشيرته الأقربين، فدعا قومه ثم سائر العرب، بل خاطب الأمم والشعوب ممثلة في عظمائها، وكان من ثمرات ذلك إسلام بعضهم كالنجاشي بأرض الحبشة، وإقامة جسور للدعوة بأرض مصر عن طريق الاتصال بمقوقسها، أما كسرى فمزق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فمزق الله ملكه، وعظيم الروم آثر اتباع الهوى من بعد ما تبين له الحق. ¬

(¬1) ((موجز تاريخ النقد الأدبي)) (ص132) وانظر ((الأدب ومذاهبه)) (ص106). (¬2) ترجمها للعربية: يوسف محمد رضا، وفى سلسلة ((تراث الإنسانية)) (1/ 233) "وقد أثارت ضيق رجال حتى نادى أحدهم بحرق موليير حيا "

ولأنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين لم يكتف بدعوة البشر بل دعا صلى الله عليه وسلم الجن أيضاً فانقسموا وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا [الجن:14]، قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إلى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن:1 - 2]، وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إلى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [الأحقاف:29 - 32]. إن هذا الانتشار الواسع لأمة جاءت في ختام الأمم، لدليل يبين أن لديها من الخصائص والمميزات ما لا يوجد في سواها. كما أن لسيادتها وظهورها في عصرها الأول عندما قام أهلها بها حق القيام، لدليل على صدق الوعد بظهورها في الآخرين على سائر الملل. فإذا سرنا على نفس الطريق تحقق الوعد الإلهي بظهور هذه الدعوة وقبولها على نطاق واسع، وإذا تأخرنا تأخر، وبشائر الحاضر بحمد الله حاضرة شاهدة، فعجلة الدعوة رغم النكوص والعراقيل والحواجز والسدود لم تتوقف وإن تباطأت، فدعوة الإسلام -بحمد الله- في اطراد مستمر، والناس يدخلون في دين الله يوماً بعد يوم، رغم ضعف الآلة الإعلامية والمقومات المادية الأخرى. ومتى رجع المسلمون لسابق عهدهم وترسموا خطى سلفهم، ازدادت قوة دعوتهم، وانتشرت ثقافتهم واكتسحت، كما ظهر الصدر الأول وعلا في سنوات قلائل. ومن البشائر أيضاً أنه ليس ثمة مكان -بحمد الله- في أرض الله يخلو من مسلم، وهذا يدل على مواءمة دعوة الإسلام وثقافته لكافة المجتمعات، وعلاجها لظروف أي زمان ومكان، وليس هذا تنظيراً علمياً بل هو واقع عملي. وليس معنى هذا أن دعوة الإسلام خاضعة للتشكل كالطين أو العجين، يلعب به الصبيان فيصورونه كيف شاءوا، ولكن المراد بيان أن في شريعة الله علاجاً لكافة أوضاع البشر أين كانوا وأيان وجدوا، وأن من تمسك بها فهو موعود بالحياة الطيبة، وكل المطلوب ممن أرادها هو أن ينهل من المعين الصافي الذي نهل منه الصدر الأول، دون أن يحاول تغيير مجراه، أو تحسين محتواه، فالذي وضعه عليم خبير، والذي أداه حريص أمين. فالواجب أن نؤدي ما علينا من تبليغ دعوة الله، فنأخذ بالأسباب المادية ونضع الخطط والبرامج الاستراتيجية، والله قد كفل القبول والعالمية. ¤ رسالة المسلم في حقبة العولمة لناصر بن سليمان العمر ص40

ب- آثار العولمة الثقافية

ب- آثار العولمة الثقافية أولاً الآثار العقدية: 1 - خلخلة عقيدة المسلمين، والتشكيك فيها، وذلك عبر وسائل وأساليب متعددة، مباشرة وغير مباشرة. وإذا ضاعت العقيدة، وفقد المسلم ركناً ركيناً يجنح إليه إذا تشعبت الأمور، فكيف تكون حاله؟ إن في ما نشهده من نسبة ارتفاع وفيات الانتحار في العالم الغربي مقارنة بالعالم الإسلامي، جواباً على هذا السؤال. وقف الكون حائرا أين يمضي ... ولماذا وكيف لو تشاء يمضي عبث ضائع وجهد غبين ... ومصير مقنع ليس يرضي 2 - إضعاف عقيدة الولاء والبراء، والحب والبغض في الله إن استمرار مشاهدة الحياة الغربية، وإبراز زعماء الشرق والغرب داخل بيوتنا، والاستمرار في عرض التمثيليات والمسلسلات، والاستماع إلى الإذاعات، والأشكال الأخرى لاستيراد الثقافات سيخفف ويضعف من البغض لأعداء الله، ويكسر الحاجز الشعوري، فمع كثرة الإمساس يقل الإحساس. والله جل وعلا يقول: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22]. 3 - تقليد النصارى في عقيدتهم وذلك باكتساب كثير من عاداتهم المحرمة التي تقدح في عقيدة المسلم، كالانحناء، ولبس القلائد والصلبان، وإقامة الأعياد العامة والخاصة، وقد رأينا القصات العالمية، وأشهر (الموضات)، إلى غير ذلك من صنوف التشبه المحرمة (ومن تشبه بقوم فهو منهم) (¬1). 4 - نشر الكفر، والإلحاد، حيث إن كثيراً من شعوب تلك الدول لا يؤمنون بدين، ولا يعترفون بعقيدة سماوية. فلا حرج عندهم إذا نشروا أفلاماً تدعو بطريقة أو بأخرى لتعلم السحر، ومن أمثلتها أفلام السحر التي يقحمونها ببعض الألعاب القتالية، وهي منتشرة. 5 - ومن أخطر الآثار العقدية الدعوة إلى النصرانية فالعولمة الغربية تتيح للتيارات الفكرية الموجودة بها نشر أفكارها، عن طريق الاستفادة من تقنياتها، فبينما تطحن العولمة الاقتصادية الشعوب الفقيرة يوجد أسطول طائرات يضم أكثر من 360 طائرة في أمريكا وحدها توزع بها الكنائس الإعانات على الفقراء، ومع الدعوة للانفتاح الإعلامي وبينما لا يتجاوز عدد الإذاعات الإسلامية أصابع اليدين يربو عدد الإذاعات والتلفزيونات التنصيرية عن 4050 إذاعة، وهذا أيضاً في أمريكا وحدها وفقاً لإحصائيات (دافيد بار) خبير العمل الإحصائي في الولايات المتحدة، ووفقاً لإحصائيات عام 1992 فيوجد بالعالم 24900 مجلة تنصيرية، وعلى الصعيد السياسي يجد المتأمل أن التيارات الأصولية لها أثرها البين على السياسة الأمريكية وبالأخص اليمين المسيحي، والذي من أبرز رجالاته (بات روبرتسون)، و (جيري فلويل)، و (جيري فيناز)، و (فرانكلين جرهام) صاحب الحملة (الإغاثية!) إبان غزو العراق. وقديماً استرعى الانتباه المشروع التنصيري الذي يستعد الفاتيكان فيه لبناء محطة تلفزيونية كبيرة، للبث في كافة أنحاء العالم للتبشير بتعاليم الإنجيل بواسطة ثلاثة أقمار اصطناعية تسمى بمشروع نومين (¬2) (2000) مع العلم أن القمر الواحد يغطي ثلث مساحة الكرة الارضية. كما عقد قديماً في هولندا اجتماع عالمي للتنصير حضره (8194) منصر، من أكثر من مائة دولة، وكلف (21) مليون دولار، برئاسة المنصر جراهام، وقد تحمل نفقات هذا المؤتمر منظمة سامرتيان برس، وهدف المؤتمر دراسة كيفية الإفادة من البث المباشر في التنصير (¬3).ويقول الدكتور: عمر المالكي: "والأمر الملفت للنظر وجود شبكة للبرامج الدينية التي تشرف عليها الكنائس، مثل شبكة البث المسيحي (¬4) NBN وشبكة CBN والشبكة الأخرى يصل بثها إلى أكثر من سبعة عشر مليون عائلة عن طريق الكابلي VATC وبرامجها على مدار الساعة تقدم عن طريق القمر الصناعي SATC 3 وتوجد عدة قنوات للبث الديني، واحدة منها للبث الديني اليهودي، ومن المقرر بنهاية 1990 م أن يصل عدد الكنائس الموصلة بشبكات البث الخاص عن طريق الأقمار الصناعية إلى عدة آلاف" (¬5) هذه بعض آثار وأخطار العولمة الثقافية على عقيدة المسلمين ودينهم، وقد لا تبدو تلك الآثار سريعة، ولكن مع الزمن والتكرار يحدث الأثر. ¤ رسالة المسلم في حقبة العولمة لناصر بن سليمان العمر ص48 ¬

(¬1) ((جرين برنتن)) (296 – 297). (¬2) ((مذاهب الأدب معالم وانعكاسات)) (379 - 383). (¬3) انظر ((حركات التجديد في الشعر السعودي المعاصر)) (2/ 629 – 638). (¬4) ((الجمالية والواقعية في نقدنا الأدبي الحديث)) (ص18) وانظر ((مجلة الفكر المعاصر)) (ع 22، ص 63). (¬5) انظر ((دراسات في الشعر العربي الحديث)) (15 - 137).

3 - العولمة الإعلامية

3 - العولمة الإعلامية إن العولمة منظومة متكاملة يرتبط فيها الجانب السياسيُّ بالجانب الاِقتصادي، والجانبان معاً يتكاملان مع الجانب الاجتماعي والثقافي، ولا يكاد يستقل جانبٌ بذاته، ولكن آلة ذلك كله التي لا تنفصل البتة عن أي شكل من أشكال العولمة هو الإعلام بوسائله المتعدد، فمهما رأيت صوراً لعولمة ثقافية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، فاقطع بأنها جاءت محمولة عبر آلية إعلامية. فنجاح مروجي ثقافاتهم واقتصادياتهم وسياساتهم بل وحروبهم، كان من أعظم أسبابه نجاحهم في عولمة إعلامهم. وإذا كان حافظ إبراهيم قال منذ عشرات السنين: لكل زمان مضى آية وآية هذا الزمان الصحف فاليوم لم تعد الصحف هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة بل تعددت قنوات ووسائل الاتصال حتى حار الإنسان فيها، واتخذت أشكالاً عدة أبرزها ما يلي: 1 - الإذاعات: وهي أوسع القنوات الإعلامية انتشاراً للأسباب التالية: (أ) أنه يشترك فيها المتعلم، والعامي، والصغير والكبير، والرجل والمرأة. (ب) قلة تكلفتها المادية، بخلاف كثير من وسائل الإعلام الأخرى، فما على المرء إلا أن يشتري جهاز راديو حسب إمكاناته المادية، حتى لو لم يملك إلا دريهمات معدودة. فسيجد ما يلائمه منها، مما يحوي عدة موجات. (جـ) سهولة الاستعمال، فيستطيع الإنسان أن يستمع إلى الراديو في أي مكان كان ما لم يوجد حاجز طبيعي. (د) طول مدة الإرسال، وكثرة الإذاعات؛ فالإرسال الإذاعي يستمر ساعات طويلة في أغلب الإذاعات، وهناك إذاعات يستمر إرسالها (24) ساعة متصلة. (هـ) عدم وجود رقابة على الإذاعات، ويستطيع المستمع أن ينتقل من إذاعة إلى أخرى دون حسيب، أو رقيب من البشر. ولهذا فقد لعبت الإذاعات دوراً مهما في حياة الناس، ولا تزال مع التقدم الهائل في الوسائل الإعلامية الأخرى تحتل مكانة بارزة، وتؤثر تأثيراً واضحاً. ويكفي أن أشير إلى أن هناك عدداً من الإذاعات العالمية استحوذت على أغلب المستمعين، وعلى رأسها ثلاث إذاعات، وهي: 1 - إذاعة لندن. 2 - صوت أمريكا. 3 - مونت كارلو. وقد كشفت الأحداث المختلفة تأثير تلك الإذاعات، وتسابق الناس للاستماع إليها، ومازالت الدول المصدرة للثقافة تطلق إذاعاتها الموجهة للعالم العربي، وقد أطلقت الولايات المتحدة قبل أشهر محطة إذاعة جديدة باللغة العربية باسم (إذاعة سوا)، تشرف عليها (صوت أمريكا) موجهة للعالم العربي، وذكر مسئولون أمريكيون أنهم بصدد مغازلة الشباب العربي الغاضب والقلق والشباب المسلم بشكل عام، وتبث على مدار 24 الساعة، وقد كانت الحكومة الأمريكية قد بدأت التخطيط للمحطة منذ ستة أشهر، حيث أطلق عليها اسم الشيفرة (مبادرة 911)، وتم رصد 30 مليون دولار كنفقات لمدة ستة أشهر لشبكة إذاعية جديدة تستهدف الشباب العربي .. وفي الوقت نفسه بذلت لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأمريكي جهوداً مكثفة لمضاعفة نفقات البث الإذاعي الأمريكي؛ التي تبلغ 479 مليون دولار لتغطية كل العالم الإسلامي من نيجيريا إلى إندونيسيا. وفي هذا الإطار دفعت لجنة المخصصات في مجلس النواب الأمريكي الأموال الطائلة بزيادة قدرها 19 مليون دولار؛ لإحياء محطات إذاعية منفصلة خاصة بأفغانستان (¬1). 2 - الصحف، والمجلات، والدوريات، والنشرات: وقد تربعت الصحافة على عرش التأثير زمنا طويلا، حتى أصبحت في فترة من الفترات تسمى السلطة الرابعة. ¬

(¬1) انظر ((البرناسية أو مذهب الفن للفن في الشعر الغربي والعربي)) (169 - 200).

واليوم تبوأت الصحافة مكانة أسمى، وتأثيرا أقوى، حتى أصبح الملوك، والرؤساء يخطبون ود رؤساء التحرير، ويتقربون منهم، ويغدقون عليهم العطايا، والهبات رجاء وخوفا، بل تعدى الأمر إلى صغار المحررين، والمبتدئين من المراسلين، وأصبح كثير من الناس لا يستطيع أن يستغني عن مطالعة الصحف، والمجلات يومياً، بل الكثير منهم لا يتناول فطوره إلا بعد الاطلاع على صحف اليوم. 3 - التلفزيون والفيديو: على الرغم مما تقوم به الوسائل الإعلامية الأخرى، فإن تأثيرها -رغم قوته- لا يتعدى 30% من قوة تأثير التلفزيون والفيديو، وقد أثبتت الدراسات، والبحوث العلمية التي أجريت حول مدى تأثير التلفزيون والفيديو أن تأثيرهما لا تقاربه أي وسيلة أخرى، وستتضح هذه الحقيقة من خلال هذا الكتاب، وذلك للأسباب التالية: (أ) انتشار هذا الجهاز حتى أنه قل أن يخلو منه بيت، أو يسلم من مشاهدته إنسان. (ب) عدد الساعات التي يقضيها المرء عند التلفزيون والفيديو، فقد ذكر الدكتور حمود البدر (¬1) أن الدراسات، والأبحاث أثبتت أن بعض الطلاب عندما يتخرج من المرحلة الثانوية يكون قد أمضى أمام جهاز التلفزيون قرابة (15) ألف ساعة، بينما لا يكون أمضى في حجرات الدراسة أكثر من (10800) ساعة على أقصى تقدير (¬2) أي في حالة كونه مواظبا على الدراسة محدود الغياب. ومعدل حضور بعض الطلاب في الجامعة (600) ساعة سنويا، بينما متوسط جلوسه عند التلفزيون (1000) ساعة سنويا. (جـ) طول مدة البث يوميا، واستمراره جميع أيام الأسبوع دون عطلة، أو إجازة. (د) الحالة النفسية للمتلقي، حيث أن المشاهد للتلفزيون، أو الفيديو يكون في حالة نفسية جيدة راغبا للمشاهدة مستعدا للتلقي، متلذذا بما يرى، بخلاف الطالب في المدرسة، ومهما كانت حالة الطالب من الارتياح لأستاذ من الأساتذة، أو مادة من المواد، فإنها لا تصل إلى حالة مشاهد يرى فيلما غريزيا، أو حلقة من حلقات المصارعة، أو مباراة من مباريات كرة القدم. (د) إن أسلوب عرض البرامج، والتمثيليات بلغ الذروة في الإخراج، واستخدام التقنية مع التشويق، والإغراء وحسن العرض مما يجعل المشاهد أسيراً لها مع قوة التأثير. (هـ) إن الراديو يدرك بحاسة السمع، والصحافة تدرك بحاسة البصر، أما التلفزيون فتشترك فيه حاستان هما السمع والبصر، مما يجعل تأثيره أكثر. ولقد تطور التلفزيون تطورا مذهلا، ووصل إلى تقنية عالية الجودة. ولقد كان المشاهد أسير قناة واحدة، أو قناتين، وعلى كل الأحول لا تتعدى القنوات التي تبث من بلده، أو من الدول المجاورة إن كان بثها قويا خمس قنوات. ثم جاء الفيديو، وأتاح للمشاهد فرصة الاستمرار في مشاهدة ما يرغب من أفلام دون أن يكون أسير ما يبث في التلفاز ضمن إطار ضيق. أما الآن فقد بدأ البث التلفزيوني العالمي، مما يفتح الباب على مصراعيه، ويجعل تأثير التلفزيون فيما مضى محدوداً إذا قورن بالمرحلة المقبلة، والانفتاح المذهل. 4 - الإنترنت: " أعلنت وزارة الاتصالات اليابانية أن نسبة انتشار الإنترنت في أوساط الأسر اليابانية لم تكن تتعدى 6% قبل ثلاث سنوات. وأضافت أن عدد اليابانيين المتصلين بالإنترنت عبر الخطوط الثابتة والهواتف المحمولة ارتفع في ديسمبر الماضي إلى 43 مليون شخص مقارنة بـ 26.3 مليون قبل ستة أشهر" (¬3)، وهذا مؤشر يبين مدى سرعة تزايد الإقبال على الإنترنت في العالم، وفي عالمنا العربي نجد أنه على الرغم من تأخر دخول الإنترنت فإن نسبة مستخدميها في دولة الإمارات العربية بلغت 28% وقد أصبحت بعض الدول العربية تقدم خدمة الإنترنت مجاناً، وكل هذه مؤشرات تدل على أن الإنترنت في السنوات القليلة المقبلة، قد تشهد انتشاراً واسعاً في عالمنا العربي، ربما زاحم التلفاز التقليدي ¤ رسالة المسلم في حقبة العولمة لناصر بن سليمان العمر ص 60 ¬

(¬1) ((الحداثة في منظور إيماني)) (ص71). وانظر ((الحداثة)) (227، 228). (¬2) ((النقد الأدبي الحديث في الخليج العربي)) (109,108,106). وانظر (ص326). (¬3) انظر ((النقد الأدبي الحديث في الخليج العربي)) (ص113). وانظر ((الحركة الأدبية والفكرية في الكويت)) (ص657).

ثالثا: موقف العلمانيين

ثالثا: موقف العلمانيين يبدي العلمانيون ترحيبا ظاهرا بالعولمة، ويرتقبونها بفارغ الصبر، ويبشرون بالخير العميم الذي سيهب علينا من العولمة، ليخرجنا من التخلف إلى الحداثة .. ولا يخفي بعضهم فرحته بأنها هي التي ستزيل من حياتنا بقايا " القرون الوسطى " التي ما تزال عالقة بنا .. بعبارة أخرى تزيل لهم الإسلام!! هكذا يفكرون .. وهكذا يحلمون .. ويعجب الإنسان لهذا المسخ الشائه الذي يقرأ تاريخه بعيون غيره، ويزن نفسه بميزان غيره، ويتلاشى هو حتى يصير كأنه غيره! لقد كانت القرون الوسطى في أوربا هي قرون الظلام .. وقُرِنَ هذا الظلام - بجهالة - بالدين، من حيث هو دين! فقيل إن أوربا كانت تعيش في الظلام لأنها كانت تعيش في ظل الدين، وحين نبذت الدين تقدمت وارتقت وخرجت من الظلام إلى النور .. ونحن نعلم جيدا أن عصر التدين في أوربا كان عصر الظلام، وأن أوربا تقدمت حين نبذت دينها. ولكنا جديرون أن تكون لنا رؤيتنا الواضحة لهذا الأمر، بما نملك من المعايير التي لا تملكها أوربا، وبكوننا ونحن خارج الدائرة - أو خارج الأزمة - أقدر على الرؤية الشاملة التي قد لا يقدر عليها الموجودون في داخلها، المتأثرون بأفعالها وردود أفعالها، الواقعون تحت ضغوطها وانفعالاتها، التي قد تغشي النظرة وتفسد الرؤية. إن أوربا لم تعرف في تجربتها - قط - دين الله المنزل! إنما عرفت دينا صنعته تصورات بشرية ضالة، أفسدت منه ما أفسدت، ثم أفسدت به ما أفسدت! وعرفت كيانا كهنوتيا مبتدعا ما أنزل الله به من سلطان، طغى وتجبر حين واتته الفرصة، ففرض على الناس طغيانا روحيا، وطغيانا ماليا، وطغيانا عقليا، وطغيانا سياسيا، وطغيانا علميا، حَوّل الحياة إلى جحيم لا يطاق، ومع ذلك أطاقته أوربا ما يقرب من عشرة قرون، ولم تدرك ما فيه من الزيف، وما فيه من الإجحاف بكيان الإنسان إلا بعد أن احتكت بالإسلام والمسلمين وعندئذ انقلبت أوربا مائة وثمانين درجة كاملة .. فألّهت الإنسان بدلا من الله، وانكبت على الحياة الدنيا بدلا من التوجه إلى الآخرة، وحكّمت العقل في الأمور كلها بدلا من مقولات الدين، أي المقولات التي كانت تقولها الكنيسة باسم الدين .. وأوربا حرة تفعل بدينها ما تشاء! ولكن الرؤية المستقيمة، غير المتأثرة بانفعالات المعركة .. الرؤية " العقلانية " الصحيحة .. والرؤية "العلمية" المتثبتة، كان ينبغي أن تدرس وتحلل وتنظر في الأسباب والنتائج، فتكشف حقائق الأمر، التي قد يغيبها الانفعال الثائر، أو رغبة الثأر والانتقام من طغيان الكنيسة. ففي الفترة ذاتها التي عاشتها أوربا في ظلماتها، كان هناك نور ساطع مشرق متألق، منبثق من الدين .. ولكن من الدين الصحيح الذي لم تفسده التصورات الباطلة، والذي ليس له كهنوت ولا رجال دين يفرضون على الناس ما يفرضون، ويحرقونهم أحياء حين يرفضون! ومن الحق أن نذكر - كما ذكرنا من قبل - أن أوربا كانت قد أوشكت أن تدخل في هذا الدين، لولا عنف الكنيسة في محاربته، ومحاربة تأثيراته في نفوس الأوربيين وأفكارهم. ولكن الحصيلة النهائية على أي حال كانت نبذ الدين جملة وإقصاءه عن الهيمنة على واقع الحياة، أو - في أحسن الأحوال - تحجيمه حتى يصبح علاقة خاصة بين العبد والرب، مكانها القلب، ولا صلة لها بواقع الحياة السياسي أو الاقتصادي أو العلمي أو الأخلاقي أو الفكري أو الاجتماعي ... إلخ. مرة أخرى نقول إن أوربا حرة تفعل بدينها ما تشاء! أما العلمانيون الذين يحملون أسماء إسلامية فما الذي دهاهم حتى صاروا يتصايحون بما صاحت به أوربا من قبل، ويفرون من الدين، ويدعون إلى الفرار منه كما فرت أوربا من قبل، ودينهم غير ذلك الدين، وظروفهم غير تلك الظروف؟!

إنسان يعرج لأن في قدمه شوكة تؤلمه إذا اتكأ عليها، فيأتي إنسان سليم القدمين فيقول: أريد أن أعرج مثل هذا الرجل، لأن عرجته تعجبني!! ما علينا! إنما نتحدث هنا عن الفرحة الغامرة التي يتحدث بها العلمانيون عن العولمة، والترحيب الحار الذي يستقبلون به أنباءها، والبُشْرَيات التي يبثونها بالخير الذي سوف يغمرنا من جرائها! وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر: 45] من أشد ما يستبشرون به - كما صرح متحدثون منهم - القضاء على الدين! ولو قالوا إن الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم واقع سيئ غاية السوء، في جميع المجالات، وإنه لا بد من إصلاحه، لاتفقنا معهم بلا نزاع، فنحن لا نفتأ نردد هذه الحقيقة في كل مناسبة .. أما موضع الخلاف الجذري بيننا وبينهم فهو نظرتهم إلى السبب في هذه الحال، وبالتالي نظرتهم إلى طريقة العلاج. فهم يقولون إن "الدين" هو السبب في البلاء كله، وإن العلاج هو نبذ الدين أو تحجيمه - كما فعلت أوربا - ونحن نقول إن البعد عن حقيقة الدين هو السبب في البلاء كله، ومن ثم فالعلاج هو العودة الصادقة إلى هذا الدين. ونحن هنا لا نناقشهم في آرائهم .. إنما نناقش فرحتهم واستبشارهم .. هل هي قائمة على أساس حقيقي؟ أم هم يحلمون؟ أم هم يتمنون ثم يصدقون أمانيهم؟! ¤المسلمون والعولمة لمحمد قطب

رابعا: هل ستقضي العولمة حقيقة على المد الإسلامي؟!

رابعا: هل ستقضي العولمة حقيقة على المد الإسلامي؟! نرى نحن على العكس، أنها ستكون سببا قويا من أسباب انتشار الصحوة الإسلامية في كل الأرجاء! يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف: 9] من زمن بعيد، في أوائل الخمسينيات من هذا القرن، ألقى "توينبي" المؤرخ البريطاني الشهير محاضرة بعنوان "الإسلام والمستقبل" قال فيها: إن الإسلام الآن نائم نومة أهل الكهف. ولكن النائم قد يستيقظ إذا وجدت دواعي اليقظة. وقد أثبت الإسلام وجوده القوي مرتين تاريخيتين من قبل، الأولى حين اكتسح نصف الإمبراطورية الرومانية في سنوات قلائل، والثانية حين تغلب على الصليبيين في القرون الوسطى. واليوم توجد شعوب بروليتارية (يقصد الشعوب المستذلة الخانعة للإذلال، التي لا تثور ضده، ويقصد بها شعوب "العالم الثالث") يستغلها الغرب ويضغط عليها، فإذا اشتد الضغط فسوف تتحرك هذه الشعوب لتسترد كيانها المسلوب، وعندئذ قد يجد الإسلام الفرصة لتزعّم هذه الحركة، وقيادة هذه الشعوب في صراعها مع الغرب .. وفي الأخير قال: ونرجو ألا يحدث ذلك!! ولكن الذي كان يخشاه توينبي، ويرجو ألا يحدث، قد حدث بالفعل، وقامت الصحوة الإسلامية على الرغم من كل الحرب المصبوبة عليها، أو ربما بسبب هذه الحرب! واليوم تأتي العولمة لتشعل الموقف! إن العولمة هي أسوأ صورة من صور الاستعمار عرفتها الأرض حتى اليوم .. صورة عاتية غاشمة لا تريد فقط سلب أقوات الشعوب واستغلالها، إنما تريد محو شخصيتها، وتحويلها إلى أتباع وعبيد. ورد الفعل المتوقع - ولو بعد فترة من الوقت - هو ثورة هذه الشعوب لكيانها المسلوب، وتحركها لاسترداد ما سلب منها من خامات وأموال، وكرامات وعقول وقلوب .. وسيكون الإسلام هو قائد حركة التحرير! ولا شك في أن العلمانيين سيضحكون ملء أفواههم، وسيقولون لنا: إنكم تحلمون، ثم تصدقون أحلامكم، فقد جاءتكم الكاسحة الماسحة التي لا تبقي ولا تذر، ولا طاقة أمامها لأحد من البشر! فضلا عن الضعاف المهازيل، الرجعيين المتخلفين، الذين يعيشون بعقلية القرون الوسطى في عصر التنوير! ونقول نحن إنا واقعيون جدا، بصرف النظر عما تتمناه النفوس، فالنفوس دائما تتمنى ما ترغب، ولكن بعض الناس يتمنون وهم يحلمون، وآخرين يتمنون وهم واقعيون، يعرفون مواقع أقدامهم، ويدركون عقبات الطريق. ولنأخذ واقعة معينة، ولنستخرج منها دلالتها .. تلك الواقعة هي رواية "وليمة لأعشاب البحر" .. لقد كانت أمنية الذين قاموا بإعادة نشرها، أن يصل المجتمع إلى الحالة التي يُسَبّ فيها الله ورسوله، ويُهزأ بدينه، ويُسخر من مفاهيمه ثم لا يتحرك! ولكنهم - بحماقة - تجاوزوا الخطوط الحمراء! وعندئذ وقعت الواقعة التي لم تدر بخلد أحد، ولم تخطر على البال، فانفجر المكبوت الديني كله، وتحرك من لم يكن يُتَوقع أن يتحرك، واستنكر حتى من لم يكن يُتوقع أن يستنكر! تلك الواقعة لها دلالتها .. فقد أوغل العلمانيون في مهاجمة الدين زمنا، والناس ساكتون. وأغراهم سكوت الناس فزادوا إيغالا، مستندين إلى القوى التي تقدم لهم الحماية وهم يهاجمون الدين .. ولكنهم كانوا - في أبراجهم العاجية - يعالجون " قضايا " يختلط فيها الحق والباطل، وينفعل بها ولا لها إلا فريق محدود من الناس، وإن كانت في عمومها تثير اشمئزاز الناس واستنكارهم. أما حين مس الأمر ما هو "معلوم من الدين بالضرورة" من تقديس لله سبحانه وتعالى، وتوقير للرسول صلى الله عليه وسلم، واحترام للدين المنزل من عند الله .. فعندئذ انفجر المخزون كله، رغم كل المخاطر التي كانت تحيط بالانفجار! والعولمة ترتكب ذات الحماقة .. تتجاوز الخطوط الحمراء! وفي المؤتمرات الداعرة التي تدعو إلى الفوضى الحيوانية، وتدعو إلى إعطاء الشرعية للفسق والفجور والشذوذ والانحراف .. يتجاوز "المتآمرون" الخطوط الحمراء، ويمسون ما هو "معلوم من الفطرة بالضرورة" فينفجر المخزون! وذلك فضلا عن الضغط الاقتصادي والضغط السياسي الذي يصاحب العولمة، ويؤدي في النهاية إلى الانفجار .. إن العولمة - سواء كانت أمريكية بحتة، أو يهودية بحتة، أو خليطا متجانسا متعاونا من الأمريكية واليهودية - تعمل - بحماقة - ضد مصالحها في نهاية المطاف! ¤المسلمون والعولمة لمحمد قطب

خامسا: مستقبل العولمة

خامسا: مستقبل العولمة الغيب لله .. قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ [النمل: 65] ولكن هناك سننا ربانية تجري في حياة البشر، وهي سنن لا تتخلف ولا تتبدل، وهناك وعد ووعيد من عند الله، لا يتخلفان كذلك، وهناك واقع مشهود، يمكن رؤيته وتقدير احتمالاته على ضوء تلك السنن، وذلك الوعد والوعيد .. وكلها تقول إن هذه العولمة، سواء كانت - كما قلنا في نهاية الفصل السابق - أمريكية بحتة، أو يهودية بحتة، أو خليطا متجانسا متعاونا من الأمريكية واليهودية، لن تعيش طويلا كما يتمنى أصحابها! إنها بادئ ذي بدء مخالفة لقدر مسبق من أقدار الله، ألا يكون الناس أمة واحدة على الإيمان أو على الكفر: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 118]. .. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ .. [المائدة: 48] فكل محاولة لصبغ الناس كلهم صبغة واحدة، تفرضها القوة الغاشمة، هي محاولة فاشلة منذ البدء، وإن قدّر لها شيء من النجاح في بعض أرجاء الأرض لفترة محدودة من الزمان. فاشلة لأنها مخالفة لإرادة ربانية أزلية، والله هو الذي يقدر المقادير، وليس البشر، وإن ظنوا في لحظات غرورهم وتألههم أنهم قادرون! فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت: 16] .. أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [الأنبياء:44]. أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41] وهي فاشلة ثانيا لأنها مخالفة لسنة أخرى من سنن الله، وهي مداولة الأيام بين الناس (بمعنى النصر والهزيمة، والتمكين والزوال). إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140] ثم إنها - في الواقع المشهود الآن - تجد مجابهة ومعارضة في أكثر من مكان! ففرنسا وألمانيا في أوربا تستنكفان أن تصوغ لهما أمريكا طريقة حياتهما، وتقفان بشدة أمام كل محاولة لمحو شخصيتهما، وطبعهما بطابع غير طابعهما الذاتي، سواء في عالم اللغة أو الفكر أو الثقافة أو السلوك اليومي، فضلا عن السياسة والاقتصاد. وفي آسيا توجد الصين واليابان، وكلتاهما قوة راسخة في الأرض، لا يسهل محوها، ولا إخضاعها، ولا طمس معالمها، ولا إذابة شخصيتها كما تشتهي العولمة. وذلك فضلا عن الحركة الإسلامية، المكبوتة الآن بكل وسائل الكبت، ولكنها حية تستعصي على كل محاولة لوأدها، أو منعها من الانتشار. وعلى فرض أن العولمة أمريكية، فأمريكا ذاتها مهددة - من داخلها - بالانهيار! ولسنا نحن الذين نقول ذلك إنما تقوله صحفهم وكتابهم ومفكروهم.

حقا إن القوة المادية لأمريكا من الضخامة بحيث يصعب حتى على القوى العالمية الأخرى مجاراتها أو التصدي لها، ولكن القوة المادية ليست هي في النهاية التي تقرر مصاير الأمم، أو على الأقل ليست وحدها التي تقرر مصايرهم .. وحين يتفشى الترف، ويتفشى الترهل (مما نبه إليه كلنتون ذاته في كلمات وجهها إلى شعبه) وحين تتفشى الفوضى الجنسية والشذوذ والانحراف، ويتعالن الشواذ بشذوذهم ويطلبون من دستورهم وبرلمانهم أن يقر بشرعيتهم وشرعية سلوكهم المنحرف .. وحين تتفشى الخمر والمخدرات والجريمة .. فكل ذلك من عوارض الدمار، مهما كانت القوة المادية .. ولسنا نقول إن أمريكا ستنهار غدا صباحا! فإن ما لديها من عوامل القوة الإيجابية يمكن أن يمد لها فترة من الزمن بحسب سنة الله. ولكنا نقول - فقط - إن هذا الأمر لا يتوقع كثيرا أن يطول. وأما إن كانت العولمة يهودية، تعمل من خلال أمريكا، وهو الأرجح في نظرنا، فلليهود في كتاب الله وعد ووعيد: وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ... [الإسراء:6] ويستوي - كما أشرنا من قبل - أن تكون المرتان المذكورتان تاريخيتين، أو تكون إحداهما تاريخية والثانية هي الواقعة اليوم .. فقوله تعالى: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا فيه الفيصل فيما نحن بصدده. فالآيات تقول إنه كلما علا اليهود في الأرض وأفسدوا - سواء مرة أو مرات - جاء العقاب الرباني فأنزلهم من علوهم وأجرى عليهم وعيده: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف: 167] وهم اليوم في قمة العلو .. ولم يسبق لهم في تاريخهم كله أن علوا وسيطروا بمقدار ما لهم اليوم من العلو والسيطرة في أرجاء الأرض. والله هو الذي يقدر، وله حكمته في تقديره سواء عرفنا نحن الحكمة أم لم نعرفها. وله حكمة ولا شك في الإملاء لليهود وتمكينهم في الأرض: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ .. [آل عمران:112] فهم ممكنون بحبل من الله ابتداء، أي بتقدير من الله وإمداد، ثم بحبل من الناس الذين يعينونهم على تنفيذ مخططاتهم. أما الحكمة في ذلك فلا نعرفها، لأنها ليست مذكورة في كتاب الله ولا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ربما كان الله يعاقب البشرية التي كفرت اليوم كفرا لم تكفره من قبل، فأنكرت وجود الله (في جزء غير قليل منها) وشردت عن هديه (في الجزء الأكبر منها) ويعاقب الأمة الإسلامية بالذات على تفريطها وتقاعسها .. يعاقب الجميع بتسليط اليهود عليهم تحقيقا لقوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65] وأيًّا تكن الحكمة فالذي يهمنا هنا أن هذا العلو والإفساد في الأرض محدود بزمن معين يقدره الله، وليس طويل الأمد، لأنه استثناء من القاعدة، وليس هو القاعدة، وإن تكن القاعدة من تقدير الله، والاستثناء كذلك من تقدير الله .. وليس معنى هذا كله أن العولمة أمر هين ولا خطر منه، ولا يستأهل منا اهتماما ولا حركة .. إنه عاصفة جائحة هوجاء .. والعاصفة تهدأ بعد حين، ولكنها تكون قد دمرت ما دمرت، وخربت ما خربت، مما قد يحتاج في إصلاحه إلى عشرات السنين .. وإنما نقول للناس في العالم الإسلامي تحصنوا قدر الطاقة من العاصفة الهوجاء. تحصنوا أولا بالتمسك بدينكم وأخلاقكم وثوابتكم، ثم تحصنوا ثانيا ببذل أقصى الجهد في تحصيل العلم والتقنية وزيادة الإنتاج، لعلكم بذلك تقللون آثار الدمار الذي تخلفه العاصفة. ثم نقول لهم كما قال موسى عليه السلام لقومه وهم في أتون الابتلاء: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]. ¤المسلمون والعولمة لمحمد قطب

سادسا: الموقف الشرعي من العولمة

سادسا: الموقف الشرعي من العولمة يرفض قطاع عريض من البشر العولمة كما سلف، ولكن رفضه من قبل المسلمين أشد، وليس ذلك للتصور الذي يحاول أن يرسمه بعض الغربيين، فبعض مثقفيهم نمى إلى علمه أن الله هو الذي يشرع لعباده في نظر المسلمين فقرر متوهماً أنه "لا توجد، بالنسبة إلى المسلم سلطة تشريعية بشرية، اللَّه هو الوحيد مصدر القانون" (¬1)، وردّد قوله هذا (لوي غارديه) فقال: "اللَّه هو الشارع بامتياز" (¬2).ولاشك أن المسلمين يؤمنون بأن التشريع من خصائص الربوبية أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى:21]، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:26]، قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: "ولما كان التشريع وجميع الأحكام، شرعية كانت أم كونية قدرية، من خصائص الربوبية .. كان كل من اتبع تشريعاً غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع رباً، وأشركه مع الله" (¬3).ولكن ما يغفل عنه هؤلاء هو أن المقصود بهذا كل تشريع يتعبد به الناس، ولهذا قال (من الدين)، فكل ما شرعه الله ديناً لا تجوز مخالفته، وكل تشريع في الدين بغير دليل باطل يرد ولا يقبل ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (¬4)، ولا يعني هذا المنع من وضع قوانين تنظم الأمور الدنيوية والحياتية وتحكم الوسائل وفقاً للشرع فيما سُكت عن النص عليه، فضلاً عن عد ذلك مصادماً لتشريع الله كما قالت الكنيسة! ولكن يجب أن تكون تلك القوانين والنظم تحت إطار تلك التشريعات الربانية والموجهات العامة والخاصة، وهذا ما فهمه من أنزل عليهم الوحي، وخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا أشد هذه الأمة تمسكاً بما جاء به، ففي تاريخنا نجد أن أول من دون الدواوين، وجعلها على الطريقة الفارسية, لإحصاء الأعطيات وتوزيع المرتبات لأصحابها حسب سابقتهم في الإسلام، وأول من استحدث التأريخ الهجري، وأول من وضع وزارة للمالية (بيتاً للمال)، هو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فالشارع الحكيم وضع أحكاماً عامة وخاصة في كثير من الأمور الحياتية الدنيوية، وأوكل مهمة سن الآليات التنفيذية والقضايا التنظيمية إلى البشر، بحسب ما يتوفر لهم من وسائل قادتهم إليها مبتكرات عصرهم، ما لم تخالف الشرع، وفي صحيح مسلم عن عائشة وأنس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أنتم أعلم بأمر دنياكم)) (¬5). فلم يمنع الإسلام فيما يتعلق بأمور الدنيا وتنظيم المعاش من سن تشريعات ليست من الدين ولكنها تنظم أمر المعاش، شريطة أن تكون خاضعة للتشريعات الإلهية العامة والخاصة لا تناقضها، تقود إلى العمل بها لا تعارضها. ¬

(¬1) انظر ((المذاهب النقدية)) (ص71). (¬2) انظر ((المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية)) (104، 105). (¬3) ((الحداثة)) (269، 270). (¬4) ((الحداثة)) (269، 270). انظر ((الحداثة في منظور إيماني)) (ص79). (¬5) انظر ((الحداثة في منظور إيماني)) (81,80).

وبناء على هذا، فالإسلام يرفض العولمة لكونها غير خاضعة لتشريعاته السمحة، التي جاءت لهداية البشرية وإرشادها للطريق الأقوم، وهذا يعني أن رفض الإسلام للعولمة معللاً لاعتقاد المسلمين أن تشريع الخالق العليم أحكم، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، وليس هذا الرفض رفضاً مجرداً عن التعليل أو تقديم البديل، ولكنه رفض مع تبين الطريق الأرشد، كما أنه ليس رفضاً مطلقاً لكافة تفاصيل العولمة وآلياتها، ولكن لما خالفت فيه التشريعات الربانية، بحجة تحصيل المصلحة الشخصية أو المحدودة على حساب مصلحة الأمم والمجتمعات. والحقيقة التي لابد من الاعتراف بها، أن للعولمة قوانينها ونظمها، وهذه القوانين والنظم لابد لها من يحكمها، فمن يكون؟ لسان حال دعاة العولمة يقول: يحكمها الأقوى وفقاً للمصالح التي يراها، فيجيز ما أراد ويمنع ما أراد، ويقترح السبل والوسائل التنظيمية التي أراد. وهذا ما يرفضه قطاع عريض، وتيارات متباينة من البشر، فليست مصلحة الأقوى أولى، وليست شريعة الغاب، دستوراً يُرضى. أما المسلمون فيقولون: يحكمها الأصلح للبشرية جمعاء، وهذا له شقين، شق نزل من السماء، وأهل الإسلام يؤمنون بأنه الأصلح، فعلى الأقل ليس لغيرهم أن يلزمهم بسواه، ولهم أن يدعوا الناس لهداه، وشق آخر لا يعارض ما جاء به الأنبياء، فهو محل نظر وتقييم ولكل رأيه الذي من حقه أن يبديه، ولكل نظامه الذي يرتئيه. الفرق بين رفض العولمة والتعامل معها بسياسة الرفض: إن رفض العولمة، لا يعني الانزواء في ركن قصي، مع المبالغة في إغماض العينيين، فهذا أمر لا يليق بأمة الرسالة، التي بعثها الله لتخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. ومن الملحوظ على هذه الأمة في عصورها المتأخرة، مواقف السلب وعدم الإيجابية، فقد رضيت أن تكون في صفوف المتفرجين، وعلى هامش الحياة، فإذا ما وقع حدث ما أو كاد أن يقع، هبت تصرخ وتولول، وتنادي بالويل والثبور وعواقب الأمور. إن أمر هذه الأمة أمر عجب، فلم يكن هذا دأبها فيما مضى، وليست هذه سِمَتها، ولم يكن كذلك سَمْتها، بل كانت هي الأمة الرائدة، الأمة القائدة، فهل عقمت؟ أم ماذا حل بها؟ وما سر تغير حالها وتبدل شأنها؟ تأملت هذا الواقع فأزعجني ما أرى، وأقض مضجعي ما أشاهد، ثم ازددت يقينا أن سر قوة هذه الأمة، ومكمن عزها، ومنبع مجدها، هو في دينها وعقيدتها، ومدى التزامها بمبادئها. ولا يعود هذا إلى أصلها ونسبها ولغتها، كما تصور الواهمون ونادى المضللون. لذا فإننا سنظل عالة على الأمم، كالأيتام على موائد اللئام، والخدم في قصور الأسياد، ما لم نعد إلى ديننا، ونعرف حقيقة عزنا ومجدنا وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]. وهناك لن نقف مكتوفي الأيدي أمام مكائد الشرق ومؤامرات الغرب، بل سيهرع الشرق والغرب والشمال والجنوب يخطب ودنا، ويستجدي رضانا، ويتسول ما يفيض به كرمنا، مع أننا سنكون أكرم من أن ننتظر السائل حتى يسأل والمحتاج حتى يطلب، وسنجود بمهجنا وأرواحنا -فضلا عن أموالنا- في سبيل نشر عقيدتنا، وترسيخ مبادئنا، إذا أصر الظالمون إلا على الحيلولة بيننا وبين نشر الخيرية التي منحنا الله إياها. إن هذه الأمة لم تعقم، ولن تعقم بإذن الله، والطريق أمامنا مفتوح، والسبيل سالك والمنهج واضح، فعلينا أن ننبذ الكسل والخمول: لا تصحب الكسلان في حالاته ... كم صالح بفساد آخر يفسد عدوى البليد إلى الجليد سريعة ... كالجمر يوضع في الرماد فيخمد ولكن علينا أن ندرك أنه لا بد من تحمل الصعاب وبذل المهج والأرواح وإلا:

فمن يتهيب صعود الجبال ... يعش أبد الدهر بين الحفر وإذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام وبذلك يكون يصدق فينا قول الله عز وجل: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:110]. وحتى يتحقق هذا الأمل الموعود لابد من العمل على محاور ثلاثة: المحور الأول: تطوير النظم الإسلامية وآليات تفعيلها، ثم تطبيقها في المجتمعات الإسلامية، ومن ثم إخراجها للناس، ودعوتهم إليها. المحور الثاني: بيان ما في العولمة الوافدة من مثالب، وبيان الحلول الشرعية، والبرامج الإسلامية التي يمكن أن تحل محلها، مع توضيح الوجه الذي جعلها تفضل غيرها. المحور الثالث: تحصين المجتمع المسلم من مثالب العولمة، وما فيها من أخطاء. وجماع هذا كله، بناء المجتمع المسلم، المؤهل في كافة المجالات، وعلى أكتاف هذا المجتمع تقوم الدول التي إن قالت سمع لها. وقد شاركت في ندوة بجامعة أم القرى حول البث المباشر (¬1) وبعد انتهاء الندوة قام الأستاذ أحمد محمد جمال (¬2) فعلق على الندوة بكلام جيد، وكان مما قال: "إن الحل أو المواجهة ليست بأيدي الشعوب المستضعفة، كما لا يمكن ولا يجوز الانتظار حتى نصلح شأننا، ونقوم إعوجاجنا، ولكن الحل أو المواجهة بأيدي ولاة أمور المسلمين -على مد أقطارهم- فهم أصحاب السلطة المادية والسياسية والتنفيذية، وهم القادرون على التجمع والاتفاق على خطة للمواجهة الجماعية. ولاة أمور المسلمين هم القادرون على المواجهة بالأسلوب الذي يتفقون عليه، سواء أكان .... ، أم بمقاطعة دبلوماسية واقتصادية وسياسية للدول صاحبة هذه الأقمار المعادية، أو انسحاب جماعي من المنظمات الدولية، أم بأية وسيلة حاسمة يتفقون عليها، ويبادرون بتنفيذه دون إبطاء ولا استثناء" (¬3). ¤ رسالة المسلم في حقبة العولمة لناصر بن سليمان العمر ص87 ¬

(¬1) انظر ((معجم الأدب المعاصر)) (30،76) (¬2) ((المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية)) (ص188) وانظر ((الحداثة في منظور إيماني)) (ص84). (¬3) ((النار والجوهر)) (ص89).

المطلب الخامس والخمسون: الاشتراكية

تمهيد قامت الاشتراكية في القرن التاسع عشر الميلادي في البداية بسبب النزاع المرير بين العمال وأصحاب العمل في طلب العمال زيادة أجورهم وامتناع أصحاب العمل في الوقت الذي كان أصحاب العمل يستغلون العمال أسوأ استغلال دون رحمة بهم ثم ظهرت الآلات الصناعية الحديثة فإذا بأصحاب العمل يفضلونها على الأيدي العاملة لوفرة إنتاجها وقلة ما تحتاج إليه من العمال لتشغيلها فاستغنى أصحاب العمل عن كثير من العمال فنشأت البطالة ومشاكلها العديدة ومن هنا نشأت فكرة التوجه بالمطالبة بإصلاح هذه الأحوال الاقتصادية المضطربة والحد من التنافس بين الناس في الاستئثار بالمال وجمعه الذي يسبب الصراع بينهم وكان هذا في الوقت الذي أفلس فيه الدين النصراني عن حل أي مشكلة من هذا النوع بل كان عاملا قويا في ظهور اللادينية والمذاهب المنحرفة المختلفة التي قامت من أول يوم على محاربة كل الأوضاع السيئة التي كانت قائمة واستبدالها بأنظمة جديدة تكفل للناس حقوقهم وحرية معيشتهم وكان من بين تلك الأفكار ظاهرة القول بالاشتراكية ومحاربة الملكية الفردية وما جاء بعدها من أهوال الشيوعية. والواقع أن الاشتراكية أقبح مذهب عرفته البشرية وأشدها شرا على الإطلاق فقد ذهب ضحية تطبيقها مئات الملايين قتلا وجوعا وتشريدا في أوروبا البعيدة عن أراضي المسلمين وعن عقائدهم وتاريخ حضارتهم أيدتها اليهودية العالمية وبذلت كل ما استطاعته لتأييدها وتقوية نفوذ أتباعها لما عرفوه من عواقبها الوخيمة على الجوييم وتم لهم ذلك وانتشر هذا الفكر الذي يجعل الخراب والدمار وظل سنوات عديدة في أوج قوته إلى أن أذن الله في إذلاله وإذلال أتباعه فخرج عنه الكثير ممن أنعم الله عليهم بالعقل والتفكير السليم وداسوه بأقدامهم وتنفسوا الصعداء وهالهم ما كانوا فيه من الغبن الفاحش أيام جثومه على صدورهم وتيقنوا أنه مذهب جهنمي صاغه شياطين الإنس والجن بمباركة إبليس اللعين لهم على يد انجز وكارل ماركس ومن جاء بعدهما مثل لينين وستالين إلى أن بدأ عهد جورباتشوف برئاسة ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي ومن الغريب والعجيب والهول الشديد أن بعض البشر ممن هم أشباه القردة والخنازير لا يزالون ينادون به ويتبجحون بأنهم فرسان الاشتراكية لعنها الله ولعنهم وأركسهم في جهنم جميعا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]. وإذا كان لأهل أوروبا ظروفهم التي أنتجت الدعوة إلى الاشتراكية في القرن التاسع عشر الميلادي وما بعده فما بال الدول والشعوب التي تدعي الإسلام وأنه دستورهم، ما بالهم دخلوا تحت هذا اللواء الأحمر الذي يشير دائما إلى سفك الدماء وما هي الظروف التي ألجأتهم إلى المناداة بالاشتراكية الماركسية ألم يجدوا في الإسلام ما يسعدهم؟ بلى ولكنهم ما طبقوه إن لم نقل ما عرفوه أساسا. ويطول عتاب هؤلاء وخصامهم ولكن لا يمكن إغفال فريتهم الكبيرة التي تدل على مدى خبثهم وجهلهم، تلك الفرية التي ظهرت تنادي بأن الاشتراكية أساسها إسلامي وأنها تسير جنبا إلى جنب مع التعاليم الإسلامية بل وإن واضع أساسها في الإسلام – ليس هو كارل ماركس اليهودي الحاقد – بل إنه أبو ذر الغفاري وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد التي سميت عندهم " أم الاشتراكية" (¬1).بل وفي خطاب ألقاه جمال عبد الناصر زعم فيه بكل وقاحة أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو إمام الاشتراكيين (¬2). سبحان الله ما أعظم حلمه فأين الرسول صلى الله عليه وسلم وأين أم المؤمنين خديجة وأين أبو ذر الغفاري وأين الاشتراكية؟ إنها كذبة تكاد تهد الجبال وخدعة مكشوفة قبيحة أراد أصحابها تحبيب الوجه الكالح للاشتراكية إلى قلوب المسلمين لأنهم أرادوا وقد وقعوا فيها واصطلوا بنارها أن يجروا غيرهم إليها. وما أشبه حالهم بحال الثعلب الذي قطع ذيله فجاء إلى بقية الثعالب يحبب إليهم أن يقطعوا ذيولهم لينعموا بالخفة والرشاقة!! ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1022 ¬

(¬1) انظر كتاب ((الفكر السياسي)) (ص 173). (¬2) ((النظام الاقتصادي في الإسلام)) ـ (ص 42).

أولا: معنى الاشتراكية

أولا: معنى الاشتراكية اختلف دعاة الاشتراكية فيما بينهم وافترقوا إلى أحزاب في مفهومهم للاشتراكية وفي المقصود بها، إلى حد أنه بلغت معانيها المائتين في بريطانيا وحدها (¬1). وهذا يذكرنا بقول الأعرابي حينما سمع أسماء القط الكثيرة فقال: "قبحه الله ما أقل نفعه وما أكثر أسمائه" وأقول لك قبل أن أذكر أهم التعريفات لها لا يهولنك كثرة تلك الاختلافات فإن مصبها في النهاية واحد هو الإلحاد والتشريع للبشر من دون الله تعالى " تعددت الأسباب والموت واحد "، وإذا رجعنا بمعنى الاشتراكية إلى ما قبل " كارل ماركس " فإننا نجدها قد ظهرت في أماكن مختلفة في دعوات إلى إلغاء الملكية الفردية وإلى نبذ التقاليد والأعراف وشيوعية الأموال والنساء بين الجميع ويطلق على هذه الاشتراكية اسم الاشتراكية القديمة قبل مرحلة ظهور النظام الرأسمالي الذي يناقض الاشتراكية تماما في تقديس الملكية الفردية والأنانيات الأخرى التي تميز بها، بل وقبل ظهور الإسلام بمئات السنين على عهد "أفلاطون" ... فإطلاق الاشتراكية على الإسلام أوعلى العرب حين يقال الاشتراكية الإسلامية أو الاشتراكية العربية كذب محض، لأن الإسلام لم يقر الاشتراكية مع أنها كانت موجودة في صور شتى قبل الإسلام ومع ذلك لم يختر الله أن تكون ضمن تعاليم الإسلام لأنها تعاليم جاهلية والإسلام بريء من الجاهلية وأفكارها سواء ظهرت قبله أم بعده. وكذلك قولهم الاشتراكية العربية إن هو إلا كذب محض على العربية وعلى العرب الذين ما كانوا يعرفونها أو يتحدثون عنها لا في شعرهم ولا في نثرهم ومفاهيمها كلها غير مفاهيم الاشتراكية ونشأتها ليست في بلادهم فبأي حق تنسب إليهم؟ لولا إرادة الخداع والتضليل. وكذلك نسبتها إلى العلم هي نسبة زور وافتراء فقد قامت على التخمينات الماركسية وعلى التنبؤ بأمور كثيرة ظهر أنها كذب ولم تتحقق فنسبتها إلى العلم ظلم للعلم وأي ظلم؟ والإسلام والعرب والعلم والعقول السليمة كلها لا تعارض البيع والشراء والربح والملكية الفردية التي تحاربها الاشتراكية على أساس أن الربح ينتج عن الملكية الفردية وهي ممنوعة في الاشتراكية فمتى نادى الإسلام أو العرب أو العلم بذلك؟! وقد أحل الله البيع وحرم الربا. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1025 ¬

(¬1) انظر ((الموسوعة الميسرة)) (2/ 925).

ثانيا: أقسام الاشتراكية

ثانيا: أقسام الاشتراكية الاشتراكية كلمة بغيضة مهما قسمها زعماؤها ومهما تفننوا في خداع الناس في مفاهيمها المختلفة فهي على كل حال مذهب غريب على الناس وعلى أديانهم نشأ في أوروبا إثر أوضاع مختلفة وقد قسم بعض الباحثين الاشتراكية إلى قسمين: - الاشتراكية الماركسية. - الاشتراكية الفابية. والذي نحن بصدد دراسته هو مذهب الاشتراكية الماركسية التي تنتسب إلى "كارل ماركس" والتي هي المقدمة الأولى للشيوعية الحمراء، أما الفرق بين الاشتراكيتين فيظهر من خلال ما يلي: - الاشتراكية الماركسية نسبة إلى "كارل ماركس" بينما الاشتراكية الفابية نسبة إلى أحد قواد الرومان واسمه "فابيوس". - الاشتراكية الماركسية تميل إلى العنف والثورة، بينما الاشتراكية الفابية تميل إلى الإصلاح وإلى سعادة الناس كما يزعمون وإلى التدرج في التطور ولو أدى ذلك إلى تأخر تطبيق الاشتراكية زمنا طويلا. - إن الاشتراكية الماركسية تبطل الملكية الفردية وتحاربها، بينما الاشتراكية الفابية تعترف بالملكية العامة ولا تجيز تأميم الأرض دون مقابل وأن الملكية الخاصة يمكن تحويلها إلى ملكية الدولة بالطرق المشروعة. - خالف الفابيون آراء ماركس في نظرته إلى المجتمعات من أنها قائمة على الصراع الطبقي وقالوا بأن الصراع الطبقي ليس حتميا ولا ضرورة إليه لقيام حكومة العمال كما هو مذهب ماركس بل إن الدولة عند الفابيين ليس المقصود بها تسلط فئة على أخرى – كما يرى ماركس – وإنما الدولة عندهم هي قوة في صالح الجميع وأن التغيير الثوري العنيف الذي يراه ماركس فاشل في تحقيق السعادة للشعوب (¬1). ¬

(¬1) ((الموسوعة الميسرة)) (2/ 1450) ..

ثالثا: متى ظهرت الاشتراكية؟

ثالثا: متى ظهرت الاشتراكية؟ ذهب بعض الباحثين إلى أن التوجه نحو فكرة الاشتراكية مر بأطوار وفلسفات كثيرة قبل ظهور الدكتور "مردخاي كارل هزيك ماركس" وأنه لا يعرف على وجه التحديد أول من استعمل لفظ الاشتراكية إلا أنها ظهرت مطبوعة في سنة 1803م في إيطاليا ولكن مدلولها يخالف مدلولها الحالي إذ كان يراد بها في ذلك التاريخ الأفكار التي كانت تدور حول المشاكل الاجتماعية ثم ظهرت التسمية في عام 1832م في مجلة تسمى مجلة التعاون (¬1).ثم جاء بعد ذلك " ماركس " وعمق فكرة الاشتراكية وجادل من أجلها وأظهرها قوية فلم يكن هو المؤسس الحقيقي للفكر المادي وإنما كان لهذا الفكر مقدمات سبقت ظهور ماركس بقرون عديدة (¬2). ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1029 ¬

(¬1) ((النظام الاقتصادي في الإسلام)) ـ (ص 132). (¬2) ((النظام الاقتصادي في الإسلام)) ـ (ص 132).

رابعا: هل الاشتراكية هي الشيوعية؟

رابعا: هل الاشتراكية هي الشيوعية؟ اختلفت وجهات نظر الباحثين - فيما يظهر من كتاباتهم – حول العلاقة بين الاشتراكية والشيوعية وفيما يلي أذكر بين يدي القارئ حاصل ما قيل حول هذه العلاقة. 1 - لا فرق بين الاشتراكية والشيوعية بل هما اسمان لمسمى واحد وعن تعليل التسمية بالاشتراكية بدلا عن التسمية بالشيوعية يقال: إن الشيوعية من بعد ماركس اشتهرت بأنها شيوعية "مزدك" (¬1)، فنفر منها الناس، ومن هنا صارت كلمة الاشتراكية أقل استنكارا لهذا جعلت البذرة الأولى لشجرة الشيوعية الخالصة وإلا فالشيوعية والاشتراكية اسمان لمسمى واحد" (¬2).2 - إن الاشتراكية ترمي في النهاية إلى الشيوع وأن الفرق بينهما يكمن في الناحية العلمية، فالشيوعية ترى أن جميع الثروات الاجتماعية مجموع يستهلك الفرد منه بقدر ما يسد جميع حاجاته وليس فقط بقدر ما يناسب خدماته، على أن هذا الحق في الاستهلاك يتوقف عند الشيوعيين على واجب الإنتاج والعمل فمن لا يعمل لا يأكل على حد قولهم، وهي ما يعبر عنها بقولهم "من كل طبقا لكفايته ولكل طبقا لحاجته" أما الاشتراكية فتتفق مع الشيوعية في وجوب إنشاء المجموع العام من الثروات ولكنها تخالفها في طريقة التوزيع فتسمح لكل فرد من الثمرات العامة بما يناسب عمله وجهوده لا بما يناسب حاجته " ولهذا يذهب بعض الباحثين إلى أنه لا فرق بين الشيوعية والاشتراكية، "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته" (¬3). 3 - إن بين الاشتراكية والشيوعية من جهة وبين الفاشستية من جهة أخرى شبها قويا من حيث أن الاشتراكية والشيوعية ترميان كلتاهما إلى تقوية قبضة الدولة في توجيه الإنتاج والقضاء على حرية الفرد وكذا النظام الفاشستي وكلها صور من صور الديكتاتورية. 4 - اعتبر " لينين " الاشتراكية هي المرحلة التي تسبق الشيوعية مباشرة فهي مقدمة أو تمهيد لها معتبرا أن الاشتراكية مرحلة أولى بينما الشيوعية هي المرحلة الأخيرة العليا (¬4).5 - إن الاشتراكية تختلف عن الشيوعية (¬5)، ولكن ما معنى هذا التفريق إذا عرفنا أن "ماركس" هو الذي أنشأها وسماها أيضا الاشتراكية العلمية حتى تتميز عن الاشتراكية الخيالية التي أنشاها " سان سيمون "، و "لويس" ورفاقهما والتي لم يرتضيها "ماركس" حيث اعتبر اشتراكيته مرحلة حتمية لا تقبل الرفض لأنها نتيجة مضادة للرأسمالية التي تنبأ بأنها ستنتهي وتحل اشتراكيته محلها وأن الدول الكثيرة مثل بريطانيا وغيرها ستعود حتما إلى الأخذ باشتراكيته وستموت الأنظمة الرأسمالية فيها فكانت النتيجة على حد قول الشاعر: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يا مربع فقد احتضرت الاشتراكية في الشرق في الوقت الذي انتعشت فيه الرأسمالية في الغرب، وكذلك ظن "ماركس" ورفاقه الأغبياء. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1030 ¬

(¬1) بتصرف عن ((النظام الاقتصادي في الإسلام)) (ص 44). (¬2) في أكثر من بروتوكول (¬3) سمعت هذا الكلام من إذاعة الرياض في مقابلة مع د. غازي القصيبي. (¬4) ((النظام الاقتصادي في الإسلام)) (ص ـ 46) نقلا عن ((الإسلام والاقتصاد)) لعبد الهادي النجار (ص 647). (¬5) انظر: ((كواشف زيوف)) (ص 647).

خامسا: مزاعم الاشتراكيين ودعاياتهم

خامسا: مزاعم الاشتراكيين ودعاياتهم للاشتراكيين على اختلاف مفاهيمهم للاشتراكية قاسم مشترك يتفقون عليه في مغالطاتهم وخدعهم للناس وتحبيب الاشتراكية إليهم وقد تبدو الأمور التي يدعون إليها أنها فرصة ثمينة لإسعاد البشرية ولكنها سحابة صيف أو فقاقيع منفوخة بالهواء لقد انكشف زيفها واضمحل بريقها بعد التجارب المريرة التي مرت بالبشرية منذ تأسيسها إذ نقلتهم من سيء إلى أسوأ ومن طبقات متآلفة إلى طبقات متصارعة ومن فقر وغنى إلى فقر مدقع، وخلاصة تلك المزاعم تتمثل فيما يلي: 1 - المساواة الاقتصادية بين جميع الأفراد بلا تمييز بينهم في القومية أو الجنس أو السن. 2 - محو استغلال الفرد أو الجماعة أو الدولة للفرد. 3 - إلغاء الملكية الفردية للأرض بما عليها وما فيها من كنوز وثروات وجعلها بيد الدولة فقط يسمح بتحقيق العدالة في التوزيع بين الجميع. 4 - منح الحق لكل إنسان أن يستخدم كل وسائل الإنتاج علمية أو فنية. 5 - قيام الدولة الاشتراكية ذاتها لتتحول إدارة الجهود والإنتاج الفردية إلى إدارة موحدة وتصبح الدولة هي المالكة الوحيدة لجميع الثروات ووسائل الإنتاج وجميع المرافق الاقتصادية الأخرى وتتولى استثمارها (¬1)، وبالتالي تحصل السعادة المنشودة. تلك هي أهم الأمور التي تدور حول مفاهيم الاشتراكية وتحبيبها إلى الناس. أما المساواة الاقتصادية بين جميع الأفراد فقد حققها الاشتراكيون ولكن على الجانب الآخر فقد استطاعوا أن يساووا بين الناس في الفقر ولكنهم لم يستطيعوا أن يساووا بينهم في الغنى لأن الهدم دائما أسهل من البناء وحال الشعوب السوفياتية بعد انجلاء غمة الاشتراكية عنهم أقوى شاهد على ذلك. أما محو استغلال الفرد من قبل الأفراد الآخرين أو الجماعة أو الدولة فهي كذبة واضحة حيث أن الدولة استغلت الأفراد من اللحم إلى العظم حتى أصبح الفرد مثله مثل أي قطعة استهلاكية وأي استغلال أقوى من أن الفرد لا يأكل أي وجبة إلا ببطاقة ولا يملك سكنا ولا غيره إلا مع الجماعة بل وقد يقتل بكل بساطة أمام زملائه إذا اتضح قصوره في العمل. وكذا إلغاء الملكية الفردية للأرض نعم حققتها الاشتراكية حتى أصبح الناس كلهم لا يملكون شيئا وأصبحت الأرض ومن عليها من شجر وبشر ملكا للدولة وهو ما كان عليه الحال زمن الإقطاع تماما. وأما منح الحق لكل إنسان أن يستخدم كل وسائل الانتاج علمية أو فنية فنعم ولكن عمله ليس له إنما هو يعمل كما تعمل الآلة بلا كلل ولا ملل لحساب الدولة التي أممت كل شيء وسدت كل باب للملكية الفردية، وما دام المصب واحد فلا يضر اختلاف المجاري أو على حد ما قاله الخليفة العباسي للسحابة: "أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك". 6 - ومن أكبر مزاعمهم قولهم أن الاشتراكية إنما قامت في رد فعل ضد الرأسمالية إثر ظهور الثورة الصناعية التي أسهمت في شقاء العمال والكادحين حيث أدت إلى زيادة ساعات العمل وانخفاض الأجور مما تسبب في إلحاق كوارث بالعمال وخيمة وأنه لم يكن لهم مخرج من تلك الأوضاع ولا منقذ غير الانضواء تحت راية الاشتراكية الماركسية ونبذ النظام الرأسمالي الذي لا يرحم الفقراء ولا يعترف بحقوقهم ولكن وضع دعاة الاشتراكية هذا يصدق عليهم المثل القائل " إذا كان بيتك من زجاج لا تراجم الناس " إذ بإمكان أي رأسمالي أن يقول للاشتراكيين ألم تروا حال العمال والكادحين لديكم ومدى البؤس والشقاء الذي حل بهم؟ إضافة إلى أنكم حولتم العامل من إنسانيته إلى أن جعلتموه قطعة من أدوات الإنتاج لا قيمة له إلا من خلال سلوكه وعمله مع المجموعة. فظهر أن النظامين معا جائرين ظالمين لا خير فيهما ولا رحمة حقيقية فيهما على الفقراء. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1033 ¬

(¬1) انظر ((حركات ومذاهب في ميزان الإسلام)) (ص 42).

سادسا: قوانين الاشتراكية

سادسا: قوانين الاشتراكية قامت الاشتراكية على مبادئ جاهلية من تصورات الحقد اليهودي لتجعل من قادتها آلهة من دون الله تعالى ومن البشر عبيدا لهم ينفذون أحكامهم ويتبعون تشريعاتهم ومن خالف فالحديد والنار على رأسه لا رحمة لديهم ولا إنسانية ومن أهم تلك المبادئ الجاهلية: 1 - إظهار الإلحاد وإنكار وجود الخالق سبحانه وتعالى. 2 - إنكار الأديان وكل ما جاءت به من تشريع. 3 - إشعال الثورات والصراع الطبقي المرير بين جميع الفئات من البشر. 4 - إلغاء الملكية الفردية تماما وإحلال ملكية الدولة محلها. 5 - محاربة الأسرة وإحلال الإباحية محلها لتفتيت أوصال المجتمعات. 6 - محاربة الحريات الفردية. 7 - الالتزام بنظام التأميم. 8 - قيمة السلعة من قيمة العمل. 9 - فائض القيمة. 10 - قانون تكدس رأس المال. ومن الملاحظ أن الاشتراكيين قد تراجعوا بالنسبة للملكية الفردية نوعا ما فقد أخذت بالحافز الفردي بعد انهيار الإنتاج المؤمم، إما بملكية جزء من إنتاج الفرد لنفسه أو مكافآت خصوصا في المجالات الزراعية التي يصعب على الدولة مراقبتها بدقة لأن منع الملكية الفردية أمر يتنافى مع فطرة الإنسان وطموحه فقتلها مستحيل. والمقصود "بقيمة السلعة من قيمة العمل" أن العمل لا يبذل إلا في شيء له نفع اجتماعي يحدد قيمة تلك السلعة بمعنى أن قيمة العمل والجهد الذي يأخذه هو الذي يحدد قيمة السلعة هبوطا وارتفاعا. ولكن فاتهم أن العمل ليس هو العنصر الوحيد لقيمة السلع إذ أن ندرة الشيء تجعله غاليا كالذهب والماس وكذا الماء حين تشتد الحاجة إليه وغير ذلك من الضروريات التي قد يتضاءل العلم في قيمتها كما أنه قد يبذل العمل القليل في صناعة شيء يفوق في القيمة أضعاف ما يبذل في العمل الكبير. وأما فائض القيمة فيراد به "الفصل بين الأجر المستحق عن العمل المبذول وبين ما يحصل عليه العامل من الأجر أو هو الزيادة التي يبتزها صاحب العمل من العامل نتيجة إعطائه أجرا لا يساوي جهده المبذول فإن معدل ما يقدمه العامل من جهد هو أكبر مما يناله من الأجر"، أو المقصود بها الشيء الزائد عن قيمة السلعة الحقيقة التي هي حق للعامل بينما يأخذها الرأسمالي كجزء من القيمة وفائضها يذهب له لا للعامل ولكن نظرة ماركس هنا قاصرة وينقصها ما وقع بعد عصره من تشغيل الآلات التي لا يساوي عمل الفرد شيئا إلى جانبها، وهل عمل المهندس الفني الذي يدير مجموعة آلات يتساوى مع عامل فلاح بحيث يتساويان في الأجرة أو في قيمة الناتج؟!! ففائض القيمة اليوم هو حق الآلة التي تعمل ذاتيا أو أتوماتيكيا وليس حق العامل " وإذا كانت الماركسية تدافع عن فائض القيمة التي يبتزها الرأسمالي صاحب العمل فإن هذا الفائض في المذهب الاشتراكي يذهب تماما إلى الدولة التي أممت كل شيء فلم يحصل العامل على حقه الفائض لا في الرأسمالية ولا في الاشتراكية غير أن الاشتراكية تخدعه وتنميه بالكذب فالعامل فيها يكدح ويعمل طويلا في مقابل ما تعطيه الدولة من المأكل والمشرب والملبس والسكن المتواضع جدا وهو أقل مما يبذله من العمل. وأما قانون تكدس رأس المال فإنه يريد به حماية العامل في حال إقامة المصانع والمشاريع الكبيرة وسيطرة أصحابه على السوق بحيث تبقى المصانع الصغيرة أو المشاريع الصغيرة غير قادرة على منافسة الكبيرة وبالتالي يخسرها أصحابها فتتكدس الأموال بين فئة الأغنياء من جراء ملكيتهم لهذه المصانع وملكيتهم لفائض القيمة ويرد على هذه الفكرة أن المشاريع الصغيرة قد تصل إلى الأماكن النائية التي لا تستطيع المشاريع الكبيرة الوصول إليها ومنافستها فيها.

كما أن الأعمال الصغيرة قد تأخذ شهرة أكثر من الكبيرة من حيث الإتقان والجمال، ولهذا تجد العمل اليدوي في مجالات كثيرة لا يزال ذا قيمة أكبر في المجتمعات وفي أثمان السلع. كما أن المشروعات الكبيرة - في أغلبيتها – تأخذ شكل شركات مساهمة قد يسهم فيها مئات بل آلاف ومن ثم يتوزع رأس المال ولا يتكدس (¬1). وفوق ذلك كله يقال لهم إن الله تعالى – وإن لم يؤمنوا به – هو الذي قسم الأرزاق أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32]، ولهذا تجد أن الفقير والغني كلاهما يأكلان من فضل الله وصدق المتنبي حيث قال: ولو كانت الأرزاق تجري على الحجى ... هلكن إذا من جهلهن البهائم هل كان ماركس يهدف إلى الرحمة بالفقراء؟ كلا. إنما يهدف إلى تطبيق مبدئه الجهنمي في إثارة الأحقاد والصراع الطبقي والانتقام المتبادل بين فئات الناس والفتك ببعضهم بعضا. خداع الاشتراكيين في زعمهم أن الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلاميتظاهر كثير من المخادعين الاشتراكيين بأنهم إنما يؤيدون الاشتراكية لأنها تحمل الرحمة للفقراء وكبت الأغنياء ولأنها فوق كل اعتبار لا تتعارض مع الإسلام ولا مع الأديان ولذلك فهي تلتقي مع الإسلام في مبادئ كثيرة "مثل اشتراك الناس في الماء العام وفي الهواء وفي الكلأ النابت في الأراضي العامة ويسمى الكلأ المباح عند الفقهاء ومثل النفقة الواجبة في نظام الأسرة الإسلامي ومثل الزكاة المفروضة في الشريعة الإسلامية لصالح الفقراء والمساكين وبقية الأصناف الثمانية المذكورة في آية الزكاة إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60]، ومثل تدخل الدولة لحماية العمال والكادحين في حصولهم على الأجور العادلة دون ظلم ولا شطط ومثل تهيئة فرص العمل لكل قادر عليه ونحو ذلك " (¬2). ونقول بأنه وبغض النظر عن صحة هذه الدعاوى أو كذبها فإن مجرد التوافق في التسمية لا يكون توافقا في الحقيقة وإلا لكانت كل الاختلافات لا قيمة لها لأنه ما من مختلفين في قضية من القضايا إلا وتجد بينهم توافقا ما. فإقرار الإسلام لتلك الأمور هو غير إقرار الاشتراكية لها وترتيبه لها غير ترتيب الاشتراكية لها ومفهومه غير مفهوم الاشتراكية واشتراك الناس في تلك الأمور في الإسلام هو اشتراك مودة ورحمة وإخاء وتسامح بينما هو في الاشتراكية حق واحد للسبع الكبير – الدولة – تأخذ منها شبعها ثم تسمح بالباقي للآخرين في مقابل " من لم يحترف لم يعتلف " وفوق كل ما تقدم نقول لمخادعي الاشتراكية من أين جاء مصدر الإسلام ومن أين جاء مصدر الاشتراكية وهل يلتقي التشريع الإلهي والتشريع البشري على حد سواء. إن الإسلام لا يعترف بأي نظام جاهلي وضعي فكيف يقال إنه يعضده ويوافقه سواء أكان اشتراكيا أو رأسماليا أو شيوعيا إنه من الكذب والافتراء الفاحش القول بتوافق الإسلام مع هذه الأنظمة الجاهلية وغيرها. ¬

(¬1) ((حركات ومذاهب في تاريخ الإسلام)) (ص 43). (¬2) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (ص 142).

وإذا سلمنا جدلا بتوافق الإسلام مع تلك الأنظمة فما هو السبب في قتل الاشتراكيين الشيوعيين للمسلمين في الاتحاد السوفيتي قتلا لا يتصور العقل أهواله ودمارا لا حد له لقد حاربوا الإسلام حربا شعواء وهدموا المساجد وحاربوا وجود أي كتاب إسلامي على امتداد البلاد السوفيتية وأصبحت تهمة الشخص بأنه مسلم كافية لإباحة دمه وتدمير منزله حتى تناقص أعداد المسلمين وعدد مدارسهم وعدد مساجدهم تناقصا مذهلا فما هو جواب هؤلاء البهائم – بل هم أضل – ما هو جواب الاشتراكيين عن هذا السلوك ألم تنكشف خدعهم للعالم أجمع وتظهر الحقيقة لكل ذي رأي وعين أن العداوة بين الحق والباطل دائما على أشدها؟ ومن الأدلة الواضحة على بعد الاشتراكية عن الإسلام ما نراه من الفشل الذريع الذي منيت به في ديار المسلمين رغم ما يبذله أقطابها من مغريات جمة لإنعاشها بين المسلمين ذلك أن الإسلام والمسلمين ينفرون منها ويرفضونها جملة وتفصيلا، وثانيا أنها لم تنجح إلا في أوساط المتخلفين اقتصاديا وثقافيا ودينيا، أو متسلط متزلف إلى أقطاب الاشتراكية، أو كافر حاقد، أو إباحي مجرم، أو جاهل بحقيقة الاشتراكية (¬1). وما نسمعه من نجاحها في بعض البلدان العربية فإنما هي دعايات وزوبعات مؤقتة وراءها الحديد والنار ثم انجلت الغمة عن تلك البلدان فإذا بالاشتراكية وأقطابها في المزابل ولنا في دخولها البلدان ونهايتها فيها وفي دخول الإسلام البلدان المفتوحة وبقائه فيها خير شاهد على مدى الفرق الهائل بينهما. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1036 ¬

(¬1) ([399]) ((العولمة والعالم الإسلامي)) ((حقائق وأرقام))، لعبد سعيد إسماعيل، وقد عرض لتعاريف مختلفة للعولمة.

سابعا: كيف غزت الاشتراكية بلدان المسلمين؟

سابعا: كيف غزت الاشتراكية بلدان المسلمين؟ من المعروف أن الأفكار تنتقل وتتسرب من شخص لآخر ومن أمة لأمة دون أن تحدها حدود. فهي تتغلغل وتنتقل في الوقت الذي يتهيأ لها وكما يقال "لكل صائح صدى" مهما كان قبح صوت ذلك الصائح فقد وجدت الاشتراكية القبيحة طريقا إلى أذان بعض من تقبلها تحت أسباب متعددة وذرائع مختلفة وإغراءات براقة، والذين تقبلوها إما طلاب دنيا لهم أغراض في الوصول إلى الزعامة أو الثراء، أو أصحاب حقد شديد على الأغنياء يريدون النيل منهم، أو جهال ينعقون بما لا يفقهون ويصفقون لما لا يدركون حقيقته، أو إباحيون لا يريدون أن يحدهم دين أو شرع عن الوصول إلى شهواتهم. وهؤلاء العملاء قد يكونون تحت مسمى الإسلام ومن العرب أو من غيرهم ولكنهم أشد أعداء الإسلام والمسلمين باعوا دينهم وضمائرهم لأقطاب الاشتراكية الماركسية وكونوا من أنفسهم طابورا سريا وفي الصف الأول في الهجوم على الدين ومن يمثله من أبناء جلدتهم وبالإضافة إلى أن هؤلاء جواسيس على أمتهم ودينهم فهم كذلك دعاة ترغيب وتحسين لوجه الاشتراكية الكالح يرددون الشعارات تلو الشعارات والمدائح تلو المدائح إما تصريحا وإما تلميحا تحت دعاوى كثيرة باطلة. إما دعوى إنصاف الفقراء والمظلومين، وإما دعوى التحرر، وإما دعوى التقدم ونبذ الرجعية والجمود والتخلف ولحوق ركب الحضارة الغربية أو الشرقية وما غير ذلك من الشعارات البراقة والخطب الرنانة الفارغة بكل ما لديهم من قوة صاحب السلطة بسلطته وصاحب القلم والرأي بقلمه ورأيه وصاحب نشر الفحشاء والسوء بأسلوبه فكم ألصقوا من التهم الشنيعة بشرفاء هم أنظف من الزجاجة وشوهوا سمعتهم بما اختلقوه من التهم والألقاب المنفرة ضدهم، وكم قرب الاشتراكيون من صعاليك سفهاء وكم أبعدوا من أولي الحجى حتى صارت كلمة السفهاء وأصحاب الخنى هي المسموعة في وسائل إعلامهم المختلفة من مرئية ومسموعة ومكتوبة وأبعدت الكلمة الصالحة وجعلوا دون نشرها حجبا كثيرة وأبوابا مغلقة لئلا تفتح القلوب وتزيل غشاوة أبصار من افتتنوا بها. أما بالنسبة لغزو الاشتراكية البلاد العربية فقد بدأ ظهورها في مصر وسوريا ولبنان في صورة ليست قوية إلى أن تبناها رئيس مصر جمال عبد الناصر الذي طغى وبغى في وقته وتبنى الاشتراكية الماركسية ونشرها بأساليب شيطانية وأحيط بها له من التغطية حيث كاد أن يدعي ما ليس له بحق لولا أن الله عاجله بالعقوبة بهزيمته على يد اليهود أولا وموتة الفجاءة ثانيا بعد أن علا اسمه وصار يلقب بأبي الأحرار ورائد الأمة وما إلى ذلك من الأسماء المكذوبة وكان بعضهم يصرح بقوله لن نهزم وناصر بيننا فهزمهم الله في حرب سنة 1967م شر هزيمة عرفت في التاريخ الحديث. انتعشت الاشتراكية العلمية التي اختارها جمال عبد الناصر طريقا وقام الكتاب المتزلفون وأطروها مدحا وجاؤوا بخدع لا نظير لها لتحبيبها إلى قلوب المسلمين ومن الملفت للنظر أن دعاة الاشتراكية العربية تناقضوا مع أنفسهم تناقضا فاحشا فبينما هم ينادون بالاشتراكية العلمية إذا بهم يقولون إنها ليست الاشتراكية الماركسية وهل هناك اشتراكية غير اشتراكية ماركس التي سماها – كذبا وزورا – علمية.

وهؤلاء المغالطون يزعمون أن اشتراكيتهم علمية لكنها ليست هي الماركسية فأي اشتراكية علمية هذه التي ينادون بها؟ ولو على سبيل الافتراض قبلنا زعمهم أن اشتراكيتهم علمية ولكنها ليست ماركسية أليست هذه الاشتراكية أيضا التي ينادون بها هي نفسها مبادئ الاشتراكية الماركسية لا تختلف عنها اللهم إلا في اختيار بعض الألفاظ ليغالطوا بها الناس السذج (¬1). وأما كذبتهم الكبيرة التي يزعمون فيها أن اشتراكيتهم هي نفسها مبادئ الإسلام كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا [الكهف:5]، فأين الإسلام وأين مبادئ ماركس وهل يمكن أن يجتمع الليل والنهار في وقت واحد؟ وما تماسكوا به من أن مبادئ الاشتراكية الماركسية تتوافق مع كثير من مبادئ الإسلام فهو من باب تمسك الغريق أو حجة من لا حجة له، فما أكثر التشابه بين الآراء المتضادة ومع ذلك لا يصح القول إن هذا التشابه يجعلها متفقة غير مختلفة كما تقدم. وأن أول ما يكذبهم فيما زعموه هو أن الاشتراكية الماركسية تدعو إلى الثورات المتلاحقة والصراع الطبقي بكل شدة بينما الإسلام لا يدعو إلى شيء من ذلك بل يدعو إلى الهدوء والمحبة والعطف والبر والإحسان والصدقات فأين وجه الشبه بينهما؟ كما يكذبهم كذلك اعتقادهم أن الملكية الخاصة يجب أن لا يبقى لها أي مكان وإنما هي الملكية العامة التي تكون بيد الدولة فقط فالإسلام يحترم الملكية الخاصة والملكية العامة وينظم الجميع تحت لا ضرر ولا ضرار فأين وجه الشبه بينهما؟ كما أن الاشتراكية الماركسية تسلب حريات الناس وتكمم أفواههم وتفرض تعاليمها فرضا بالحديد والنار بينما الإسلام يحث على الحرية وعلى الجهر بالحق في حدود الشرع والمصلحة العامة فأين وجه الشبه بينهما؟ وإنك لتندهش حقا وتعجب أشد العجب من عملاء الماركسية حينما يزعمون أن الاشتراكية متوافقة مع الإسلام ومع فطرة كل شخص وأن الشعوب رضيت بها واعتنقتها ورأت فيها ضالتها المنشودة. قبح الله هؤلاء الكذابين الأفاكين أليست الشعوب التي يزعمون أنها تقبلتها تلعنهم ليلا ونهارا وأي شخص ارتاح إليها وهو يعلم أنها ستسلبه أرضه ومسكنه ويعيش على بطاقة تصرفها له الدولة يتغدى بها ويتعشى بها ثم يكون عودا ضمن الحطب، ما أشد جرأة هؤلاء الكذابين الذين يكذبون على الناس علانية دون حياء أو خجل فلو لم يكن للشعوب إلا تمسكهم بالإسلام لكان كافيا في ردها ولعنها كيف وقد انضاف إليهم الفقر الذي يتهدد معتنقيها بين عشية وضحاها؟ ولهذا تجد تلك الشعوب المسلمة تقول بكل حزم وعزم حينما تسمع أحد عملاء الاشتراكية الماركسية يقول إن الإسلام يؤيد الاشتراكية والاشتراكية تؤيده يقولون له: كذبت وافتريت أيها المخادع. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1043 ¬

(¬1) ([400]) ((العولمة والحياة الثقافية في العالم الإسلامي))، للدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري.

ثامنا: بعض أساليب الدعوة إلى الاشتراكية

ثامنا: بعض أساليب الدعوة إلى الاشتراكية بيان بعض أساليبهم في الدعوة إلى الاشتراكية. 1 - إذا وجدت مرحلة كان الاشتراكيون فيها أقل عدد من أهل الدين وكانت القوة للدين فلا حرج على الاشتراكي أن يتظاهر بكلمات التدين مع بقائه على العداء الشديد للدين وأهله وقد أوصاهم بذلك كبار رؤسائهم. 2 - أن تتركز جهود دعاة الاشتراكية على محاربة كل الروابط الدينية وخصوصا الجوانب الروحية والتقليل من شأنها وأن الحياة الصحيحة هي المادة التي أمامك لاغير. 3 - أن يعاد تفسير كل ما قاله الدين بتفسير اشتراكي سواء ما يتعلق منها بالقصص أو المواعظ أو الأحداث بل وتفسير كل شيء في الاشتراكية الماركسية بأنه من الدين أو لا يتعارض مع الدين. 4 - تجنيد بعض رجال الدين أو كلهم وجعلهم في مقدمة دعاة الاشتراكية إذا أمكن ذلك لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أغصانها وهؤلاء يجب أن يكونوا على اقتناع بالاشتراكية الشيوعية ولا حرج عليهم أن يجاهروا بعد ذلك بالتدين لأن النفاق فضيلة إذا أريد به تقوية الاشتراكية الماركسية؟! 5 - استمرار النداءات بأن الاشتراكية هي التحرر وهي رفع معيشة الشعوب وهي نصرة الفقراء والمظلومين، وهي النور الذي لا يستغني عنه أحد .. إلى آخر هذه الدعايات الرنانة الجوفاء في حقيقتها. 6 - شدة مراقبة أهل الدين وتسجيل كل ما يتفوهون به في المدارس أوفي المساجد أوفي اجتماعاتهم وتخويفهم من عاقبة أي خطأ يرتكبونه ضد الاشتراكية العلمية وأن عليهم إذا أرادوا الحياة أن يسايروا الركب. 7 - التهجم على الأثرياء وأنهم طبقة مستعبدة وأن الإسلام لا يجيز للشخص أن يمتلك الأموال الكثيرة وغيره جياع والغرض من هذا تصحيح ما تقوم به الاشتراكية من تأميم الأموال دون وجه شرعي، ومعلوم أن الإسلام لا يمنع أن يكون بعض الناس أثرياء مهما بلغ ثراؤهم ما داموا يؤدون حق الله فيه فالفقر والغنى كله بتقدير الله تعالى. 8 - يجب على الجميع أن يأتوا بالتبريكات وبالتبريرات لأي عمل تقوم به الدولة الاشتراكية وأن كل ماتفعله هو الحق والخير وكل ما تعاديه هو الشر والضرر. 9 - ترديد الشعارات التي تخدم الاشتراكية في كل مناسبة وبالتالي ترديد الذم لكل من يخالفها وإلقاء النعوت المنفرة لمخالفيها كالرجعية والجمود والتخلف وإرادة إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء إلى غير ذلك من الأكاذيب التي يجيدها خدم الاشتراكية. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1049

المطلب السادس والخمسون: الشيوعية

أولا: التعريف الشيوعية مذهب فكري يقوم على الإلحاد وأن المادة هي أساس كل شيء ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي. ظهرت في ألمانيا على يد ماركس وإنجلز، وتجسدت في الثورة البلشفية التي ظهرت في روسيا سنة 1917م بتخطيط من اليهود، وتوسعت على حساب غيرها بالحديد والنار. وقد تضرر المسلمون منها كثيراً، وهناك شعوب محيت بسببها من التاريخ، ولكن الشيوعية أصبحت الآن في ذمة التاريخ، بعد أن تخلى عنها الاتحاد السوفيتي، الذي تفكك بدوره إلى دول مستقلة، تخلت كلها عن الماركسية، واعتبرتها نظرية غير قابلة للتطبيق. وقد ذكر في الموسوعة العربية الميسرة (¬1): "أن الشيوعية مصطلح يصعب تحديد معناه "، وبعد أن ذكرت تلك الموسوعة أن الشيوعية نظام اجتماعي تكون فيه الملكية في يد المجتمع قالت: "والشيوعية بهذا المعنى قديمة قدم المجتمع نفسه (¬2) ".وهذا كذب محض فإن هذا التعبير من الدسائس التي احتوت عليها هذه الموسوعة متأثرة بما لفقه زعماء الشيوعية من أن المجتمعات في القديم كانت بدائية وكانت الملكية فيها مشاعة بين الجميع في شكل اكتفاء ذاتي يتقاسم أفراده السلع والخدمات نظرا لظروفهم الخاصة القاسية التي تحتم عليهم ذلك كما هو الحال على الخصوص في المجتمعات التي تعيش على قنص الحيوان، بزعمهم. (¬3) لقد قامت الشيوعية الماركسية كالمارد الجبار تريد أن تقيم مجدا زائفا على أنقاض الديانات الإلهية كلها وإحلال الديانات الوضعية البشرية مكانها شعارهم "لا إله والحياة مادة" هدفهم هدم الأديان وإعلاء اليهودية، ومع أن شعارهم " لا إله " فهو شعار كاذب فقد أحل طغاة الشيوعية أنفسهم محل الإله العظيم وأحلوا تعاليمهم الإلحادية محل الدين وقوانينهم محل الشريعة فقد احتوت الشيوعية على جميع نواحي الحياة من ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية بل وكل ناحية في حياة البشر بدلا عن الإله وعن الأديان وكافة النظم البشرية. وإذا كانت السمة الظاهرة للناس أن الشيوعية لا شأن لها بأية ناحية غير الناحية الاقتصادية وأن مهمتها خدمة الشعوب لكي تعيش في جنة عالية قطوفها دانية إذا طبقوا التعاليم الماركسية الجهنمية التي زعم أقطابها أن البشر سيعيشونها في يوم ما وسيحكمون أنفسهم بأنفسهم، لا عداوة، ولا فقر، ولا جهل .. إلخ فإن هذه السمة الظاهرة هي ترهات الشيوعية وخدعها التي نجحت على كثير من البشر فأصبحوا ضحايا خاسرة للشيوعية ومبادئها الجوفاء. ¬

(¬1) ([401]) رهانات العولمة، وهي مقالة للدكتور برهان غليون. (¬2) ([402]) ((جريدة الحياة)) , العدد (12962). (¬3) ([403]) ((تنمية التخلف وإدارة التنمية)) د. أسامة عبد الرحمن.

ولقد تظاهرت الشيوعية بذلك لتعمل في الخفاء وبعيدا عن الأنظار لما قامت من أجله من تحقيق أحلام اليهود وليس تحقيق أحلام الفقراء فزعموا للناس أنهم ركبوا كل صعب وذلول للاهتمام بالنواحي الاقتصادية أولا وأخيرا وأن كل ما يصدر عن هذا الفكر من سلوك وتقنين إنما هو تابع لتحقيق هذا الجانب لا غيره وسيتبين إن شاء الله أثناء الرد عليهم أن هذا الزعم أصبح سرابا كاذبا وهباء في مهب الريح ويعبرون عن هذه الظاهرة بالمادة، التي صارت هي المعبود والنظام والتاريخ وأقطاب الشيوعية كما هو معروف كانوا نصارى في الأساس وأغلبهم يهود وقد وصفوا نظريتهم الإلحادية " بالمادية " وجعلوها محور كل شيء في الوجود والتاريخ أقاموه على " التفسير المادي للتاريخ " فكل مظاهرهم إنما هي تابعة لتصورهم المادي كما أن مظاهر الفرويدية كلها متوجهة نحو الجنس وكلتا النظريتين موجهتين بدقة من قبل الماسونية اليهودية للقضاء على كل ما عند الجوييم – كما يسميهم اليهود – ليصبحوا حميرا لشعب الله المختار كما تمنيهم بذلك تعاليم التوراة المحرفة والتلمود الجهنمي المملوء حقدا على جميع البشر ما عدا اليهود. وكان "ماركس" قد تضلع من دراسة الحضارة الإغريقية الرومانية في الوقت الذي كانت فيه تعاليم المسيحية المحرفة تتهاوى إلى الحضيض وتداس تحت أقدام أولئك الذين خرجوا عن طغيانها الذي لا حد له وعن صلاحيات البابوات ورجال الدين التي لا نهاية لها وفي الوقت الذي نشط فيه دهاة الماسونية ومنهم كارل ماركس لتحطيم كل حضارات العالم وإقامة هيكل سليمان الذي هو نصب أعين اليهود كلهم. ظهرت الماركسية لتجعل الإنسان هو مصدر كل سلوك ومعرفة هو الإله المشرع وهو الخالق المبدع وهو كل شيء وليس وراءه أي شيء فلا وجود للإله الذي مارس طغاة الكنيسة كل جبروتهم باسمه ولا أديان تضطهد اليهودية واليهود ولا حياة أخرى هي مصدر الخلاص إذا كان الشخص يملك صك غفران عن البابا، بل الإنسان هو الإله والدنيا هي غاية الإنسان عليها ليسعد أو يشقى ولا عبرة بما قالته الأديان الإلهية من وجود قوة أخرى غير الإنسان أو حياة أخرى غير هذه الحياة، بل إن ما وراء الطبيعة من المغيبات إن هو إلا سراب يجب أن يختفي أمام الحضارة اللادينية العاتية عالم المحسوسات التي لا تؤمن الشيوعية الملحدة إلا به وحده معللة لوجود هذا الكون ونشأته. ونشأة التدين عند الإنسان بخرافات كاذبة خيالية لا يسندها عقل ولا منطق، الكون تجمع من ذرات والإنسان أصله قرد .. الخ. ومن العجيب أنهم يسمون هذه التخيلات المفتراة على البشرية التي تنافي ما أكرمهم به الله من حفظ ورعاية ومعرفة بأمور دينهم ودنياهم العجيبة، أنهم يسمونها حقائق ويدافعون عنها كأنهم عايشوها من أول يوم عرفت فيه البشرية ومن كذبهم في هذا فإن نبزه بالرجعية والتخلف أمر جاهز في قواميسهم التي لا تتورع عن هدر أعراض الناس ودماءهم أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:19]. وهو رجم بالغيب وظلم للبشرية وتصديق لأقوال الكذابين أمثال "ماركس"، و "دارون"، و "فرويد" وغيرهم من أشرار البشر الحاقدين.

وقد ساعد على تعميق الإلحاد الشيوعي تلك النظريات الكثيرة والشبه التي سموها حقائق لمعرفة هذا الكون وقيامه على القوانين التي عرفت أخيرا مثل قانون الجاذبية الذي أرسى كل شيء في الوجود في مكانه وقانون تجمع أجزاء المادة التي انفجر عنها هذا الكون وغير ذلك مما زعموه مؤيدا لنظريتهم الملحدة فحجبت تلك المفاهيم – الخاطئة للشيوعية والنصرانية – العقل عن التعلق بموجد لهذا الكون، وأن مجرد التفكير فيه يعد رجعية ولهذا – كما سمعنا – أن الروس قتلوا العائدين من سطح القمر في أول رحلة فضائية لأنهم أيقنوا أن لهذا الكون موجدا وما إن أطل القرن التاسع عشر الميلادي إلا وقد ظهر قرن الشيطان وساد القول بسيادة الطبيعة على الدين والعقل فهي الحاكم المطلق والإله الذي لا ينازع وقد تولى كبرها "أوجست كونت "، و "فرباخ"، و "ماركس"، و "انجلا" بدافع قوي من الحقد الشديد على رجال الدين الكنسي الذي يمثل حسب تعليلهم قوة ما وراء الطبيعة من الأمور المغيبة والروحية التي اعتبروها وهما وخداعا لا حقيقة له لعدم اندراجها تحت قوة الإحساس والإدراك المباشر وأن الالتجاء إلى ذلك الغيب إنما نتج عن الوراثة والبيئة والحياة الاجتماعية في تلك الأزمان المختلفة بزعم دعاة الإلحاد. ولقد ظلت الشيوعية قرابة سبعين عاما في صولة وجولة قوية مزبدة يحسب لها حسابها إلى أن أذن الله بزوال قوتها بقدرته وحده إذ ما كان أحد يفكر في النيل منها، فإذا بها يأتيها حتفها بظلفها على يد آخر زعيم لما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي وهو " ميخائيل جورباتشوف " وأفل نجمها وجبروتها وثارت الشعوب واقتصوا من كل الظالمين. والآن وبعد أن تبين المصير النهائي للماركسية الشيوعية أقول: إنه من الغريب جدا أن تموت الشيوعية في عقر دارها – الاتحاد السوفيتي سابقا – وأن تكشف الشعوب أن هذا المذهب فاشل باطل لا يجر إلى خير، بل إلى الخراب والدمار وإثارة البغضاء وانتشار البطالة والفواحش، وأن الجنة الأرضية التي وعد بها " كارل ماركس " إن هي إلا سراب خادع وآمال كاذبة وأن تعاليمه إن هي إلا جحيم لا يطاق وتعاسة وشقاء. وأن الشعوب كانوا يساقون إلى الموت وهم ينظرون طائعين أو مكرهين وإن في التخلص من هذا المذهب راحة لا تعدلها راحة وفوزا لا يعدله فوز فهبت تلك الشعوب المظلومة لتنفض عنها غبار تلك السنين العجاف ثم داسوا مبادئ " ماركس " ونظرياته تحت نعالهم ويتنفسوا الصعداء وبعضهم قام بشنق تمثال بعض طغاة الشيوعية القدماء وبعض الحكماء الحاليين وقالوا: لا رجعة للشيوعية هنا (¬1). أقول من الغريب أن يحصل هذا وأكثر منه في تلك البلدان التي ذاقت مرارة التعاليم الشيوعية وفرحت بانقشاعها عنها ثم تقوم بعض الأحزاب في البلدان العربية الإسلامية بالمناداة باعتمادها كحزب شيوعي شرعي وأين الشرع من تعاليم " ماركس " ثم تقوم بعض الحكومات باعتماد تلك الأحزاب والترخيص لهم بدخول المجالس النيابية والبرلمانية وما إلى ذلك كما سمعته من دولة إسلامية عربية في إذاعتهم المسموعة. إن الأمر يدعو إلى العجب – قبح الله تلك الأحزاب وقبح الله من يسمح لهم - أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]. ولقد قيل في المثل: العاقل من اتعظ بغيره "، فلماذا لا يتعظ هؤلاء بمن قد ذاق الحياة الشيوعية البائسة وضاق بها ذرعا أليس لهؤلاء قلوب يعقلون بها وأعين ينظرون بها وآذان يسمعون بها فيكفون عن التعلق بالشيوعية الحمراء وبتقديس زعمائها الذين لا يساوون قيمة نعالهم. إن الأمر واضح وجلي ولولا أن مؤامرة جديدة أيضا تهدد العالم في ثوب جديد وبأسلوب جديد قد يشعر الناس به وقد لا يشعرون. وما أكثر النكبات التي يدبرها شياطين الإنس والجن للمغلوبين على أمرهم تحت مختلف الشعارات البراقة الخادعة من دعاة الماسونية اليهودية العالمية الحاقدة على الجوييم وما يمتلكونه من حضارات وقيم ومرور الأيام والليالي كفيلة بإيضاح كل ما يبيتون والله لهم بالمرصاد. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي ¬

(¬1) ([404]) ا ((لعولمة الحركات الاجتماعية والأمميات الجديدة))، لبيتر وتر مان.

ثانيا: تعريفات إلحادية

ثانيا: تعريفات إلحادية 1 - الإنسان التقدمي الإنسان التقدمي أو المتطور قيل في تعريفه إنه هو الإنسان المهذب في سلوكه، والواقعي في حكمه، والصادق في التعبير عنه (¬1). وإذا كان هذا التعريف صحيحا فإنه لم يقف تفسير التقدمي عند هذا المفهوم فقد أصبح يطلق على نواح مختلفة عند الناس هي أبعد ما تكون عن هذا المفهوم ففي جانب العقائد يطلقون التقدمية على الإنسان الذي ينبذ التدين والتقاليد وانفلت من كل ارتباط بالفضائل الدينية واتخذ الإلحاد مذهبا مثل الأحزاب التي أطلقت على نفسها صفة التقدمية في البلاد العربية وفي غيرها وفي جانب المظاهر صاروا يطلقون على الشخص أنه متقدم حينما يهتم بمظهره الشخصي خصوصا حينما يقلد الإفرنج في لباسهم وسلوكهم وصار عند الكثير من المغفلين أن البنطلون الضيق، ورباط العنق "الكرفتة " كما يسمونها وجمع المرأة لأنواع المكياجات ولباسها إلى نصف الفخذين وكشفها الرأس وترديد بعض عبارات الغربيين يعتبر تقدما، وهي من الأمور التي انعكست الحقائق فيها وقد نجح الغربيون في الإيحاء إلى الرجل والمرأة أنه ليس بينهم وبين التقدم إلا ركوب تلك المسالك، وليت شعري أي تطور أو تقدم في هذه المظاهر المنفرة القائمة على الفجور وتقليد أعداء الدين ولهذا صارت هذه التسمية – تقدمي – عند العقلاء منفرة لما علق بها من هذه المفاهيم الخاطئة فأي تقدم في أنواع القصات وجميع أنواع المكياجات ومحاكاة الساقطين في الحضارة الغربية ونبذ الحياء والحشمة ومحاربة الله ودينه. 2 - الرجعية والجمود أما الرجعية فقد قيل في تعريفها: إنها هي الميل في السير إلى الوراء والعزوف عن متابعة الحركة نحو اليقظة التي يتم عندها تكامل استعدادات الإنسان الطبيعية. وأما الجمود: فهو الوقوف في الحركة عند مرحلة من مراحل تطور الإنسان في كماله وتمام نمو طاقاته البشرية (¬2). هكذا قيل في تعريفهما ولكن ماذا كان يقصد بها أعداء الأديان؟ ¬

(¬1) [405])) نقل الدكتور معن زيادة في كتابه: ((معالم على طريق تحديث الفكر العربي)) (ص30) وما بعدها العديد من تعريفات الغربيين لمصطلح الثقافة. (¬2) ([406]) وما يزال الغربيون يروجون لفرضية فوكوياما ويمجدونها حتى أن كتابه نال جوائز باعتباره كتاب الساعة وروج له العديد من مشاهير الثقافة الأمريكية على صفحات أشهر الصحف، وعلى العموم ما يزال ينشر فكرته هذه ويكتب حولها بين الفينة والأخرى.

لقد اتخذ الملاحدة ومن تبعهم هذا المصطلح نقطة إنطلاق في سبهم للإسلام والمسلمين ولقد قالوا منكرا من القول وزورا فالإسلام والمسلمون بريئان من هذا الوصف بل أعداء الإسلام أحق به وسلوكهم وأفكارهم هي عين الرجعية والجمود فإن المتتبع لأقوالهم عن نشأة الإنسان وتطوره لو قارنها بأقوالهم اليوم عن تمدحهم بالتطور لرأى العجب في تناقضهم وكذلك ما يرمون به المسلمين من الرجعية والجمود يكذبهم حال المسلمين الذين يطبقون الإسلام قولا وعملا كيف كانت سعادتهم وسعادة شعوبهم في تطبيقهم لأحكام الشريعة الغراء التي أنزلها الله كاملة شاملة صالحة إلى يوم القيامة لا تحتاج إلى أحد ينقص منها أو يزيد فيها وفي العقوبات المقدرة كحد السرقة والزنا والقتل والقذف وغير ذلك خير شاهد على أن الإسلام شريعة كاملة شاملة متطورة يمتد ظلها إلى يوم القيامة. وحينما كان الملك فيصل – رحمه الله – ينادي بالتضامن الإسلامي (¬1)، وعودة المسلمين إلى تحكيم شرع الله عز وجل والتمسك بسنته رماه أعداء الإسلام عن قوس واحدة بالسب والشتم بالرجعية والتخلف فكان يقول في خطبه المؤثرة: " إن كان التمسك بالإسلام رجعية فنحن نفتخر بأننا رجعيون " ولقد اتضح ولله الحمد بعد أن انجلت الحقيقة عن زيف الشيوعية والدعوة إلى القومية أو الوطنية أو سائر النعرات الجاهلية أن الإسلام هو الذي سيبقى على امتداد تاريخ البشر، وأن الميل في السير إلى الوراء والعزوف عن متابعة الحركة التي توصلهم إلى تكامل استعداداتهم الطبيعية هو أخص صفات المذاهب الفكرية الضالة الجامدة بخلاف الإسلام فإنه دين شامل ومتطور بين كل ما يتعلق بوجود الإنسان منذ أن أوجد الله آدم إلى خلق ذريته وما يمرون به من المراحل المتطورة في حياتهم منذ استقرار أحدهم نطفة في بطن أمه إلى خروجه إلى الدنيا ثم انتقاله منها إلى أن يصل إلى الجنة أو النار مع بيان كل ما يحتاج إليه في صلاح دينه ودنياه وتعامله مع نفسه ومع الآخرين في أدق تنظيم وأعدله. 3 - الخرافة والتقاليد الخرافة هي الاعتقاد بما لا ينفع ولا يضر ولا يلتئم مع المنطق السليم والواقع الصحيح (¬2). ولكن أصحاب المادة يريدون بالخرافة المعاني الروحية ومبادئ الدين وتعاليمه خلف ظهورهم قال أحدهم: أبعث ثم حشر ثم نشر ... حديث خرافة يا أم عمرو وظنوا أن ما هم فيه من الإلحاد هو الطريق الصحيح بينما الدين في نظرهم المعكوس من الخرافة وسموا خرافاتهم في خلق الإنسان وفي وجود هذا الكون علما مع أنها نظريات أثبت الواقع بطلانها ولا ينكر أحد أنه يوجد خرافات كثيرة في العالم وأن على العاقل أن يميز فيها بين الخرافات الفعلية والدعايات المغرضة المضللة. ¬

(¬1) تفسير ابن كثير 3/ 581. (¬2) رواه البخاري (438) ومسلم (521)

أما التقاليد: فهي جملة العادات التي هي لمجتمع معين وهي إما تقاليد خيرة طيبة وإما تقاليد سيئة باطلة ولا تعرف التفرقة بين هذين المسلكين إلا بعرضهما على الشرع الشريف، فما كان موافقا للشرع فهو الحق وهو المطلوب، وما كان مخالفا للشرع فهي تقاليد جاهلية يجب الحذر منها وما أشد معركة التقاليد وما أوسع انتشارها تموت تقاليد وتحيا أخرى على تعاقب الأجيال ومر الدهور وعلى المسلم أن يكون متزنا في تقبل مختلف التقاليد فكم من تقليد قضى على نور العلم والمعرفة وأفسد الأخلاق والعقائد وكم من حق سمي خرافة، كما أنه يجب عليه الانتباه إلى ما يلقيه أعداء الإسلام من الهجوم على الشريعة الإسلامية تحت ما يسمونه محاربة التقاليد البالية تنفيرا للناس عنها كما أنه يجب على المسلم أن يعلم أنه لا مكان في الإسلام للخرافات ولا للتقاليد السيئة الباطلة إذ أن الإسلام إنما جاء لمحاربة كل أنواع الجاهليات والخرافات والتقاليد الباطلة الضارة. 4 - الحرية والكبت الحرية هي الإنطلاق في الرأي والاعتقاد في القول وفي الفعل في حدود طاقة الإنسان (¬1). والكبت: هو الحد من الإنطلاق في الرأي والاعتقاد والقول والفعل والاتصال بالغير. حقيقتهما عند الماديين وأما عند أصحاب المادية فالحرية يراد بها الإنطلاق من كل قيود القيم والمثل والمبادئ التي دعى إليها الدين وهي عودة إلى الحياة البهيمية من أوسع الأبواب ولكن تحت تسمية التطور والتجديد وكذلك الكبت عندهم إنما يراد به تحطيم كل أنظمة الشريعة والانفلات عن الآداب والأخلاق التي دعا إليها الدين أما موقف الدين منهما فمما لا ريب فيه أن جميع الأديان – وخصوصا الإسلام – قد دعت إلى الحرية وحرمت الذلة والخضوع وإحناء الجباه إلا لمن خلقها وأوجدها، وفي كتاب الله تعالى تأكيد شديد على كرامة الإنسان وأن جميع ما في هذا الكون إنما خلق له ومن أجله قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70]. أما الحرية في الإسلام: فلا يجوز لأحد أن يجهل أن الإسلام بخصوصه دعا إلى الحرية وجعل إليها منافذ عديدة ورغب في تحقيقها بما جعل الله من الأجر الجزيل لمن حققها ونهى عن الكبت الذي يكون سببه طغيان القوي ضد الضعيف وتسلط الطغاة على المستضعفين دون وجه شرعي. إن الحرية لها مفهومها الخاص ومجالها الخاص بها في الإسلام كما أن للجاهليات مفهومها ومجالها الخاص بها، وبين المفهومين مسافات مديدة وفروق عديدة. ¬

(¬1) ([409]) رواه أبوداود في سننه (4031) من حديث ابن عمر وسكت عنه أبو داود (وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح) وقال الحافظ في ((الفتح)) (10/ 282) ثابت (و) إسناده حسن.

فالحرية في الإسلام هي أن تتصرف في كل أمر مشروع لك وليس فيه تعد على حقوق الآخرين ويكون داخلا ضمن عبوديتك لربك وامتثالك لأمره ونهيه، ومادام الإنسان لم يخرج عن إطار الشريعة الربانية فهو يعيش الحرية بتمامها سواء أكانت تلك الحرية فيما يتعلق بنفسه أو جسمه أو ماله أو عرضه يتصرف فيها في حدود ما شرعه الله له أو كانت فيما يتعلق بغيره في معاملاته الدنيوية: من بيع، وشراء، ونصيحة، ونقد وتوجيه، وأمر ونهي. أو الدينية: من تعليم، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر .. وغير ذلك. أو كانت فيما يتعلق بعقل الإنسان وتفكيره حيث جعل الله للعقل مطلق الحرية في الارتفاع بصاحبه عن الخضوع والذل لغيرربه وفي وجوب إعمال الفكر فيما يحتوي عليه هذا الكون من بدائع وعجائب. فالإسلام يمنحه مطلق الحرية في تنظيم بديع فيه سعادة الإنسان أولا، ثم سعادة المجتمع الذي يعيش فيه ثانيا سواء أكان ذكرا أم أنثى. والذي خلق الإنسان وسائر الأنعام جعل لكل منها حرية تخصه فإن الأنعام لها مطلق الحرية دون تمييز بين الضار والنافع، ولكن الإنسان الذي كلفه الله وميزه بالعقل له حرية إذا تجاوزها صار كالأنعام فإذا تجاوزها أيضا صار أضل من الأنعام كما قال تعالى: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]. الحرية في مفهوم الجاهليات أما الحرية في مفهوم الجاهليات قديما وحديثا فهي الظلم في القديم كما قال الشاعر: والظلم من شيم النفوس ... فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم والجنس كما هو حال الأمم التي أعرضت عن الدين، وكما عبر عنه الصينيون في تظاهراتهم المشهورة حينما قالوا: " إنه لا حرية عندنا إلا في الجنس ". ولقد فهم الكثير من الذين ينادون بشعار الحرية أنها هي أن يعمل الإنسان ما يشاء، وأن يرتكب من المنكرات ما يلذ له، وأن يقول كل ما يريد قوله، وأن لا يكون للمجتمع أي تأثير عليه. إنه يفهمها على أنها الانفلات من كل القيود ثم الفوضى وإشاعة الفساد والوصول إلى الإلحاد تحت هذه التسمية ولقد ظهرت جحافل من دعاة الحرية خدعوا الناس وأوهموهم أنهم يجب أن يكونوا أحرارا لا قيود عليهم من دين أو مثل أو عرف بل هي الانطلاق التام. دون أن يفطن هؤلاء المخدوعون بأنها مصيدة يهودية ماسونية أوحوا بها إلى الدهماء من الجوييم كما يسمونهم ليملئوا بها فراغا في أذهانهم بينما هم يعلمون تماما أن لا حرية حقيقة سيصل إليها الجوييم وجاء دعاة الإباحية والوجودية والشيوعية بما زاد الطين بلة والنار اشتعالا وملؤوا أذهان الشباب والشابات بطنين الحرية الشخصية والحرية الجنسية والحرية الكلامية .. الخ، فإذا بتلك الحريات كلها تصب في مصب واحد هو القضاء على الأديان والعفة والشريعة الإسلامية وفتح الباب على مصراعيه لدعاة الفجور والفحش باسم الحرية، ومنع المصلحين من الإصلاح بدعوى عدم التدخل في شؤون الغير أو كبت حريتهم. جاء في كتاب (الحرية في الدول الاشتراكية) أنه لو قام مجتمع من النساء الحريصات على استقلال جنسهن بتكوين جماعة تدعوا أو تمارس بين النساء أنفسهن نظرية التناسل بدون رباط زواج فليس من حق الدولة أن تتدخل في أعمال تلك الجماعة " (¬1). ¬

(¬1) ((الحاجة إلى تنسيق وتكامل إعلامي)) - حمود البدر (ص 19).

وأي مصلح ينادي بالكف عن المنكرات والإقصار عنها صاحوا به: إنه يريد كبت حريات الناس، إنه متزمت ومتشدد، وما إلى ذلك من الدعايات الباطلة ضده. وحينما تعرف الحريات بأنها الإنطلاق في الرأي استغل دعاة الحرية اللادينية هذا المفهوم ونادوا بما يسمونه باحترام الرأي والرأي الآخر. وهم يريدون الانطلاق في الرأي الذي يؤدي في النهاية إلى انتكاسة البشرية وفرض آرائهم العلمانية والعقلانية والشعوبية والقومية وكل النعرات الجاهلية، وكذا تعريف الحرية بأنها الانطلاق في الاعتقاد في القول وفي الفعل. فإن دعاة تلك الحرية الباطلة لا كابح لجماحهم انطلقوا في الاعتقاد في القول والفعل إلى الرذائل والآراء السقيمة والنظريات السخيفة بحكم حرية الاعتقاد في القول فملؤوا إذاعاتهم وصحفهم ونشراتهم بما يستحي صاحب العقل والذوق أن يقوله أو يفعله دون أي حياء لديهم أو وازع من ضمير، وصدق عليهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) (¬1). ولن يجد الإنسان الحرية الصحيحة إلا في عبادة ربه والخضوع له وحده لا شريك له كما أنه لا حرية مع عدم طاعة الله تعالى فإن من لم يذل لله أذله الله لغيره. أسماء الإلحاد ومن الجدير بالذكر أن للملاحدة أسماء كثيرة اخترعوها من واقع عقيدة كل مجموعة مع الأخذ في الاعتبار أن الملاحدة كلهم متفقون على اعتقاد الإلحاد ولكنهم يختلفون بعد ذلك حسب الآراء والأهواء فتأتي التسمية من ذلك الواقع. فالماديون: أخذت تسميتهم من اعتقادهم أن وجود جميع هذا الكون إنما هو تابع لوجود المادة التي ليس وراء وجودها أي وجود مؤثر في الإيجاد. وقسم منهم يسمون " الطبيعيون " بسبب اعتقادهم بأن التغيرات التي تحصل على المادة إنما تحصل بأسباب ذاتية يرجع إلى طبيعة المادة. وبعضهم يعتقد أن تلك التغيرات إنما تحصل بالآلية في حركة ذرات المادة فقيل لهم أصحاب المذهب الآلي. وبعضهم يعتقد أن المادة ترجع إلى ذرات صغيرة جدا متجانسة، والتغيير إنما يرجع فيها إلى شكل التأليف والتركيب بينها، فسموا أصحاب المذهب الذري. وبعضهم لم يعتقد إلا بما يحسه فقط فقيل لهم "حسيون". وبعضهم يردد كلمة الواقع المدرك بالحس، أو الواقع المدرك، أو الواقع الملموس، وأشباه هذه العبارات فقيل لهم "الواقعيون". وبعضهم اتخذ اسم " الوضعية ". وبعضهم زعم أن الأشياء توجد أولا ثم تصنع الأفكار ماهيتها فسموا بالوجوديين (¬2). وهكذا تعددت الأسماء، والهدف النهائي واحد هو الإلحاد ويبقى الاختلاف بينهم لفظيا لتسهيل مغالطاتهم الناس من وراء كثرة تلك الأسماء ليحتدم الخلاف حولها بين الناس وإشغالهم بها فقبحهم الله ما أكثر أسماءهم وما أقل نفعهم. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1182 ¬

(¬1) ([411]) ((مجلة رابطة العالم الإسلامي)) (290). (¬2) ([412]) الصحيح أن يقول: النصراني، لأن هذا هو الاسم الصحيح لهم في القرآن الكريم.

ثالثا: نبذة عن تاريخ الشيوعية عموما ([413]) ((مجلة البيان)) عدد (34).

ثالثا: نبذة عن تاريخ الشيوعية عموماً (¬1) الشيوعية فكرة قديمة، ظهرت في التاريخ أكثر من مرة؛ فقد جاء في كتاب (الجمهورية) لأفلاطون الأثيني الإغريقي (427 - 347) ق. م. ما يدل على نشأة هذا المذهب، حيث أقام في كتابه نظاماً يقوم - بالنسبة للحكام - على شيوعية المال، والنساء، وشرع لهذا منهجاً مفصلاً؛ فهناك أمثلة خيالية، ولمحات عن الاشتراكية أثبتها أفلاطون في كتابه، تصور حقيقة أن القرن الخامس قبل الميلاد - وهو الذي وجد فيه أفلاطون- كان فيه مبادئ اشتراكية لم تزل في مهدها. يقول أفلاطون في كتابه الآنف الذكر ما فحواه: يجب أن يشتمل النظام على اشتراكية النساء والأولاد، فليس لأحد حق بإنشاء أسرة مستقلة، كما ليس له الحق بتربية الأولاد؛ لأن الجميع ملك الدولة، وهي وحدها تشرف على تنشئة العضو الصالح كما تشرف على إنجاب النسل المختار (¬2). هذا وقد قسم أفلاطون المجتمع إلى ثلاثة أقسام: 1 - الحكام. 2 - رجال الحرب. 3 - الخدم والعمال. وقال: إنه يجب أن تكون الزوجات والأموال، والمآكل مشاعة بين أفراد الفئة الأولى والثانية، أما الثالثة فإنها تعيش على النظام الأسري المعهود. وكذلك قال بالشيوعية أكزينوف (425 - 352 ق. م) من فلاسفة الإغريق (¬3).وقال بها - أيضاً - مزدك عام (487م)، حيث دعا إلى الشيوعية واشتراك الناس في الأموال، والأعراض، وتسمى حركته بالمزدكية، وظهرت هذه الحركة في بلاد فارس (¬4). كما دعا إلى الشيوعية كثير من أرباب النزعات الإباحية، كالباطنية المتأثرين بالمزدكية، ومنهم حمدان قرمط وقومه، ومنهم علي بن الفضل الذي صور مذهبهم بقوله: خذي الدفَّ يا هذه واضربي ... وغني هزاريك ثم اطربي تولى نبي بني هاشم (¬5) ... وهذا نبي بني يعرب لكل نبيٍّ مضى شرعة ... وهذي شريعة هذا النبي فقد حط عنا فروض الصلاة ... وفرض الصيام فلم نتعب أباح البنات مع الأمهات ... كذاك أباح نكاح الصبي إذا الناس صلوا فلا تنهضي ... وإن صوَّموا فكلي واشربي ولا تطلبي الحج عند الصفا ... ولا زورة القبر في يثرب ولا تمنعي نفسك المعرسين ... من الأقربين أو الأجنبي بماذا حللت لهذا الغريب ... وصرت محرمة للأب أليس الغراس لمن ربَّه ... وغذَّاه في الزمن المجدب وما الخمر إلا كماء السماء ... أبيحت فقدِّست من مذهب (¬6) ثم توالت بعد ذلك الدعوات إلى الشيوعية على يد عدد من الأشخاص، منهم توماس مور -1478 - 1535م- حيث وضع نظاماً لمدينته الفاضلة الخيالية ضمن شيوعية مالية. ثم جاء بعده كامبانيلا الإيطالي -1568 0 1639م- في كتابه مدينة الشمس، حيث ضمنه نظاماً اشتراكياً لمدينته هذه أغفل فيه الملكية الفردية والزواج. ومن الذين دعوا إليها فرنسيس بيكون -1626م-وهاريخ تون -1677م- وجان جاك روسو -1787م 0 والكاتب الفرنسي مورللي -1817م- وباييف الذي أعدم أمام الناس عام -1797م- هذه نبذة عن تاريخ الشيوعية عموماً. وبعد هذه الدعوات ظهرت الشيوعية الماركسية الحديثة على يد كارل ماركس، وزميله فريدريك إنجلز ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص 356 ¬

(¬1) ([413]) ((مجلة البيان)) عدد (34). (¬2) ((المجتمع))، العدد 1495، 23 - 29 محرم 1423هـ، الموافق 6 - 12 أبريل 2002م. (¬3) [415])) وكيل جامعة الملك سعود سابقاً، وأمين مجلس الشورى السعودي حالياً. (¬4) ([416]) ((الحاجة إلى تنسيق وتكامل إعلامي)) (ص 13). (¬5) عن موقع أخبار أوس: http://news.awse.com/09-Feb-2003/Technology/31176-ar.htm.9/ فبراير/2003. (¬6) زاعمه هو (برنارد لويس) وهو كما يقول عنه فهمي هويدي: "صاحب الموقع المشهود في معسكر الخصوم الذين يتحدثون عن الأمة باحتقار وازدراء شديدين".

رابعا: نشأة الشيوعية الماركسية)) الحياة الاجتماعية والسياسية في المدينة الإسلامية))، مجلة المقاصد، العدد 12، (ص137).

رابعا: نشأة الشيوعية الماركسية (¬1) ظهرت الشيوعية الماركسية الحديثة في القرن التاسع عشر الميلادي، فقد خرج كارل ماركس (1818 - 1883م) بآرائه التي تعد حجر الزاوية في المبادئ الشيوعية، وقد بسطها في كتابه (رأس المال). وقد شاركه في صياغة أفكاره ونظرياته وتابع ذلك من بعده - صديقه الألماني فريدريك إنجلز. وقد اندفع الرجلان بقوة ومن ورائهما ثقل الكيد اليهودي يعملان في نشر الشيوعية. ثم جاء من بعد ماركس أتباع له يدعون بدعوته أهمهم وأوضحهم أثراً لينين، فعلى يده قامت الشيوعية عملاً واقعياً ماثلاً للعيان بعد أن كانت أشبه بنظرية على ورق؛ ففي عهد لينين زادت الشيوعية، وامتدت، واشتهرت. وفي مطالع القرن العشرين أضاف لينين إلى آراء ماركس تعاليم جديدة، وجمع حوله شباب الروس والعمال الفقراء مكوناً منهم الحزب الشيوعي الروسي. ومن بعد ذلك ثارت روسيا سنة 1917م على الحكم القيصري، واستولى البلاشفة - الأكثرية - بزعامة لينين على الحكم، وأعدموا القيصر وآله وأعوانه، وأزالوا جميع النظم القائمة وأحلوا محلها النظام الشيوعي الذي أصبحت روسيا بعد ذلك مصدره ومورده. وبعدما مات لينين خلفه ستالين، وبعده جاء خروتشوف، ومن بعده بريجينف، ومن بعده أندربوف، ومن بعده جورباتشوف، وعلى يده انهارت الشيوعية، حيث انفرط عقدها، وسُلَّ نظامها. هذه باختصار هي قصة نشأة الشيوعية الماركسية الحديثة. وإذا أمعنت النظر في نشأة الشيوعية وجدت أنها لم تنشأ من فراغ؛ فهناك إرهاصات مهدت لقيامها. وإذا أردت معرفة الخيوط التي كانت نواةً لقيام الشيوعية وجدت أنها نشأت في حِجْرِ الماسونية اليهودية. فالذين كتبوا عن الماسونية في مرحلتها الثالثة حددوا أنها بدأت عام 1770م وأن بَدْأها كان إرهاصاً قوياً لقيام الشيوعية الماركسية. يقول وليم كار صاحب كتاب (الدنيا لعبة إسرائيل): كان آدم وايزهاويت أحد رجال الدين المسيحي أستاذاً لعلم اللاهوت في جامعة (انغولت شتات) الألمانية بيد أنه ارتد عن المسيحية ليعتنق الإلحاد، وتقمصت فيه روح الشر الإلحادي بشكل خبيث. وفي عام 1770م اتصل به رجال الماسونية في ألمانيا، وقد وجدوا فيه بغيتهم، فكلفوه بمراجعة (بروتوكولات حكماء صهيون) القديمة وإعادة تنظيمها على أسس حديثة. (¬2). والهدف من وراء ذلك في هذه المرة ليس محاربة الديانة المسيحية، ووضع أيديهم على اقتصاديات ومقدرات العالم كما حدث سابقاً. إن الأمر في هذه المرة أكبر من ذلك، وهو وضع خطة للتمهيد للسيطرة على العالم، وعن طريق فرض عقيدة الإلحاد والشر على البشر جميعاً. (¬3). يقول وليم كار: وقد أنهى وايزهاويت مهمته خلال عام 1776م، ويقوم المخطط الذي رسمه على ما يلي: 1 - الهدف الأول: تدمير جميع الحكومات الشرعية، وتدمير وتقويض جميع الأديان السماوية. 2 - تقسيم (الجوييم) (¬4) إلى معسكرات متنابذة تتصارع فيما بينها بشكل دائم حول عدد من المشاكل تتولى المؤامرة توليدها وإثارتها باستمرار ملبسة إياها ثوباً اقتصادياً، أو اجتماعياً، أو سياسياً، أو عنصرياً. 3 - تسليح هذه المعسكرات بعد خلقها، ثم تدبير حادث في كل مرة يكون من نتيجته أن ينقض كل معسكر على الآخر. ¬

(¬1) ((الحياة الاجتماعية والسياسية في المدينة الإسلامية))، مجلة المقاصد، العدد 12، (ص137). (¬2) ((أضواء البيان)) (7/ 169). (¬3) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718). (¬4) رواه مسلم (2363).

4 - بث سموم الشقاق والنزاع داخل البلد الواحد وتمزيقه إلى فئات متناحرة، وإشاعة عقلية الحقد والبغضاء فيه، حتى تتقوض كل دعاماته الأخلاقية، والدينية، والمادية. 5 - الوصول شيئاً فشيئاً إلى النتيجة بعد ذلك، وهي تحطيم الحكومات الشرعية، والأنظمة الاجتماعية السليمة، وتهديم المبادئ الدينية الأخلاقية، والفكرية والكيانات القائمة عليها؛ تمهيداً لنشر الفوضى والإرهاب، والإلحاد (¬1). هذا هو المخطط الذي وصفه وايزهاويت، والذي يهدف الماسونيون من خلاله إلى تحقيق ما يريدون. والمتتبع لأحوال العالم يشاهد آثار ذلك التخطيط. ولما انتهى وايزهاويت من وضع مخططه السابق كُلِّف - أيضاً - بتنظيم المحفل (النوراني) نسبة إلى الشيطان الذي كان مخلوقاً نورانياً - كما يقولون - وسمي ذلك المحفل بهذا الاسم؛ تذكيراً بالرابطة التي تربط جماعة الماسون والشيطان. وهكذا استمرت المحافل في أداء رسالتها الشيطانية في جميع البلاد التي تحل بها، بل واستطاعت أن تغزو بعض البلاد الإسلامية عن طريق شعاراتها البراقة: الحرية، والإخاء، والمساواة، فخدعت الكثير من الناس بهذه الشعارات. وفي عام 1830م فوجئت المحافل الماسونية بوفاة آدم وايزهاويت الرأس المفكر عندهم، والمخطط لأعمالهم بعد حياة طويلة سخر خلالها عبقريته الشريرة لخدمة أتباع الشيطان. حينئذٍ فترت أعمال المحافل، وخمدت أنشطتها، وأوشكت أن تشل حركتها بالكامل بعد أن علمت بعض الحكومات بما تدبره وتعمل له، وبعد أن أحاطت بآراء تلك المحافل وأهدافها البعيدة، لكن الاجتماع المفاجئ الذي دعت له المحافل عام 1834م والذي تقرر فيه اختيار الزعيم الإيطالي (مازيني) خلفاً لآدم وايزهاويت - مكَّن هذه المحافل من تنفيذ برامجها في إثارة الفوضى والتخريب في ربوع العالم. وفي عام 1840م استطاع المحفل الماسوني العالمي النوراني أن يضم إلى عضويته شخصية جديدة هو الجنرال الأمريكي (ألبرت بايك) الذي سُرِّح من الجيش الأمريكي ومعه قواته من الجنود الحمر؛ لارتكابهم فظائع وحشية تحت ستار الأعمال الحربية. ونجحت الماسونية في استغلال حقده، وغضبه لما حل به من جراء تسريحه لخدمتها ولم تمض إلا فترة وجيزة على انضمام هذا الرجل للمحفل حتى أصبح المشرف الأول، والمخطط لهم في تنفيذ برامجهم. لقد عمد النورانيون إلى بايك بالناحية التخطيطية، واختاروا له مقراً للعمل في بلدة صغيرة هادئة في الولايات المتحدة الأمريكية في (ليتل روك). وفي هذه البلدة استقر (بايك) في قصر هادئ واعتكف فيه من عام 1859 - 1871م وفي خلال هذه الأعوام قام بدراسة مستفيضة لمخططات (وايزهاويت) ثم وضع مخططاته الجديدة على ضوئها (¬2). والذي يعنينا في هذا الصدد أن بايك أقرَّ ونظم تبني النورانيين لحركات التخريب العالمية الثلاث المبنية على الإلحاد وهي: 1 - الشيوعية. 2 - الفاشستية (¬3).3 - الصهيونية (¬4). فالأولى: وهي الشيوعية للإطاحة بالحكم الملكي في روسيا، وبعد الإطاحة بالحكم تجعل هذه المنطقة من العالم هي العقل المركزي للحركة الشيوعية الإلحادية، تم تأتي بعد ذلك مرحلة الانطلاق بالشيوعية إلى كل أرجاء العالم، بغية تدمير المعتقدات الدينية والأخلاقية. ¬

(¬1) وذلك في 15 - 8 - 1410هـ وقد شارك في الندوة كل من د/ عبد القادر طاش ود/ أحمد البناني وذلك بدعوة من رئيس اللجنة الثقافية د/ عبد العزيز العقلا (¬2) الأستاذ بجامعة أم القرى والكاتب المعروف. (¬3) انظر ((مجلة التضامن الإسلامي)) عدد شوال 1410 هـ حيث نشر هذا الكلام، وقد اقتصرت على مكان الشاهد. (¬4) انظر ((التضليل الاشتراكي)) (ص66).

والثانية: وهي الفاشستية تُؤَمِّن الحرب العالمية الثانية واجتياح الحركة الشيوعية العالمية لنصف العالم مما يمهد للمرحلة القادمة هى إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين. والثالثة: وهي الصهيونية تتصدى للزعماء الإسلاميين، وتشن حرباً على الإسلام الذي يعد القوة الأخيرة التي تجابه القوة الخفية - الماسونية -حتى تتوصل إلى تدمير العالم وعقيدته (¬1). والذي يعنينا من هذه الحركاتِ الشيوعيةُ، فلقد اختارت المؤامرة العالمية روسيا لتكون مقراً لقيام الشيوعية؛ لكثرة أقطاب اليهود القاطنين فيها. ففي القرن التاسع عشر وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا تحكم بالقيصرية - بلغ يهود روسيا ذروة السيطرة المالية والمهنية، وكان اتجاه القياصرة الروس أن يصهروا اليهود في المجتمع الروسي؛ حتى لا يكون لهم انفصال متميز. إلا أن اليهود كانوا يرفضون ذلك بدافع عرقي وديني. ثم كانت محاولة اغتيال اسكندر الثاني، فَبَدَّل هذا سياسته تجاه اليهود بعد أن كانت سياسة انفتاح وتسامح شديد. عندئذٍ نقم اليهود على القيصر، وأسسوا جمعية سرية إرهابية هي جمعية (نارود نايافوليا) أي إرادة الشعب، وظلوا يأتمرون بالقيصر؛ ليقتلوه، حتى نجحت مؤامرة اغتياله في آذار سنة 1881م، وكان رؤوس المؤامرة جميعهم من اليهود، وفي مقدمتهم اليهودية (هيسيا هيلفمان). وكان لاغتيال اسكندر الثاني رد فعل روسي معادٍ لليهود، وعندئذٍ نشطت الحركتان الشيوعية والصهيونية نشاطاً كبيراً في صفوف اليهود. واتجهت الخطة اليهودية لتقويض القيصرية، وإقامة النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية، فأخذ اليهود يدبرون المكائد، ويحيكون الدسائس، وينظمون الجمعيات السرية اليهودية لذلك الشأن، فكان من تلك المنظمات فرقة أطلق عليها (فرقة تحرير العمل). وكانت مهمتها نشر أفكار كارل ماركس وآرائه وذلك عام 1883م. وقد حققت تلك الفرقة -بما توفر لديها من عون- التنظيمات اليهودية في داخل روسيا - بعض مهمتها، واعتبر لينين وستالين أن ما حققته هذه الفرقة الماركسية كان النواة الأولى، وأنها أدت مهمة خطيرة جداً. كما قامت المنظمات الأخرى كمنظمة (اتحاد العمال اليهود) بنشاطات واسعة في تأجيج الثورة ضد القيصرية، وببث النظرية الشيوعية الماركسية، وبالاتصال بكبار أصحاب الأموال الضخمة في العالم من الرأسماليين لتمويل حركتهم الشيوعية اليهودية. وفي عام 1893م ذهب لينين إلى (بطرسبرغ) فأقام فيها، وأنشأ حلقة ماركسية انضم إليها عدد واسع من اليهود، ثم قام بمهمة توحيد الحلقات الماركسية في المدينة، وكان يزيد عددها على العشرين، فجمعها في (اتحاد النضال لتحرير الطبقة العاملة). وظل الاتحاد يعمل بقيادة لينين في اتجاه آرائه حتى اعتقل عام 1895م. ثم تابع اليهود في الولايات الغربية من روسيا مسيرة لينين، فأنشأوا حزب (البوند) أي الاتحاد العام للحزب الاشتراكي اليهودي، ولم يحضر لينين هذا المؤتمر بسبب نفيه إلى سيبيريا. وفي عام 1903م انعقد في بروكسل عاصمة بلجيكا مؤتمر التوحيد بهدف جمع الحركات الماركسية كلها تحت حزب العمال الاشتراكي، وكان برنامج الحزب الذي وضعه لينين هو الثورة الاشتراكية وقلب سلطة الرأسمالية وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا (¬2). ¬

(¬1) انظر ((التضليل الاشتراكي)) (ص 104). (¬2) ([428]) انظر ((التضليل الاشتراكي)) (ص12) نقلا عن " نورمان ماكنزي " في كتابه عن الاشتراكية (ص7 - 8).

ثم عاشت روسيا فترة طويلة من الاضطرابات التي كان لها أكبر الأثر على الإنتاج العام الذي منيت به البلاد، والذي ظهر أثره عندما دخلت روسيا الحرب ضد ألمانيا؛ فمع بداية القرن العشرين الميلادي كانت روسيا مسرحاً لنشاط ثوري أسسه اليهود، واستطاعت تنظيماتهم السرية اغتيال عدد من الزعماء الروس. وفي عام 1905م قامت في روسيا أول ثورة شيوعية نظمها اليهود إلا أنها أخفقت ولم يتمكن اليهود من فرض الماركسية في روسيا. وفي كانون الثاني من عام 1917م بدأت الاضطرابات في موسكو ضد نظام الحكم القيصري؛ نتيجة ضعفه، وكثرة المؤامرات ضده، والحرب التي يخوضها على الجبهة الألمانية. وظلت هذه الاضطرابات تستفحل وتنتشر حتى بلغت حد الثورة التي استطاعت أن تسقط نظام الحكم القيصري في شباط سنة 1917م. وكانت الثورة في بدايتها ديمقراطية ذات اتجاه إصلاحي ولم تكن شيوعية، ولم يظهر الشيوعيون على الساحة، وقامت الحكومة المؤقتة برئاسة الأمير لفوف، واتخذت هذه الحكومة المؤقتة بعض التدابير الأولية للتهدئة؛ ظناً منها أن ذلك لمصلحة روسيا، فأصدرت قراراً بإعادة جميع المنفيين في سيبيريا والسماح لمن كان يقيم في الخارج أن يعود إلى البلاد. وفي نيسان عام 1917م عاد إلى موسكو قادة المنظمات اليهودية الماركسية؛ فعاد لينين من سويسرا، وعاد ستالين من سيبيريا، وعاد تروتسكي من نيويورك مع مئات الشيوعيين اليهود الحمر. وفي شهر نيسان نفسه من عام 1917م اجتمع البلشفيك برئاسة لينين، ووضعوا مخططاً لتحويل الثورة لمصلحتهم، ومصادتها بأية وسيلة. وفي تشرين من عام 1917م استطاع البلشفيك الاستيلاء على السلطة المؤقتة، فصارت بأيدي الشيوعيين: لينين وأتباعه. وبعد ذلك اتحدت المنظمات الماركسية، وخضعت لجهاز مركزي واحد، وفرض على روسيا حكم شديد العنف والصرامة مستخدماً كل وسائل القمع بالحديد والنار. وبهذا يتبين لنا كيف قامت الشيوعية، ومدى العلاقة بينها وبين اليهودية العالمية (¬1). بل لقد كشفت اليهودية عن عملها ومخططها في نجاح الثورة، حيث صرح جاكوب شيف المليونير اليهودي بأن الثورة الروسية نجحت بفضل دعمه المالي. وقال: إنه عمل على التحضير لها مع رفيقه تروتسكي. (¬2).وفي استكهولم كان اليهودي (ماكس واربورج) ينفق بسخاء على هدم النظام القيصري، ثم انضم إلى هذه المجموعة من أصحاب الملايين اليهود - (والف اشبورغ) (وجيفولوفسكي) الذي تزوج ابنة (تروتسكي) (¬3). وتقول إحدى الصحف الفرنسية القديمة الصادرة في عددها 115 عام 1919م: المعروف أن الحركة البلشفية ليست سوى حركة يهودية سرية يربطها ويوجهها التمويل اليهودي، فضلاً عن القيادات اليهودية فكراً وتنظيماً (¬4). ونتساءل كيف يتفق أصحاب رؤوس الأموال في العالم مع دعوة (البروليتاريا) أصحاب الطبقة الفقيرة أيكون هذا دعاية من الدعايات التي تطلقها الدول الرأسمالية ضد النظام الشيوعي وأتباعه؟ إن الصحيفة الفرنسية تحسم هذه التكهنات والتناقضات عندما تكشف شيئاً من مخطط اليهود بقولها: إن الهدف من تمويل الثورة الشيوعية من قبل الرأسمالية اليهودية هو إقامة دولة إسرائيل في فلسطين (¬5). يؤيد ما قالته الصحيفة الفرنسية أن من أول القرارات التي أصدرها لينين عقب توليه السلطة: هو قراره المعروف بتأييد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. والعجيب في الأمر أن قرار لينين هذا تزامن مع وعد بلفور الإنجليزي لهذا الغرض. وهكذا التقت الشيوعية مع الرأسمالية عام 1917م (¬6). ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 361 ¬

(¬1) ([429]) بتصرف عن ((التضليل الاشتراكي)) (ص18 - 24). (¬2) ([430]) انظر ((التضليل الماركسي)) (ص 38 - 39) نقلا عن ((موقف الإسلام من نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ)) (ص103). (¬3) ([431]) ((موقف الإسلام من نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ)) (ص105). (¬4) ([432]) نسبة إلى " مزدك " الذي ظهر في فارس أيام حكم الإمبراطور " قباذ " حيث جمع " مزدك " حوله الصعاليك ومن انضم إليه وكون منهم قوة كبيرة بل واعتنق " قباذ " هذه الفكرة وقامت شيوعية الأموال والنساء حتى ما كان الرجل يعرف له أبا أو أما واشتد شرها وضررها على الناس حتى أنقذهم الله على يدي " أنوشروان " ولد " قباذ " فقتل منهم جموعا غفيرة إذ كان من أشد أعدائهم وقتل " مزدك " شر قتله. (¬5) ([433]) انظر ((هذه هي الاشتراكية)) (ص15). (¬6) ([434]) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (ص191).

خامسا: التأسيس وأبرز الشخصيات

خامسا: التأسيس وأبرز الشخصيات أولاً: مؤسس الشيوعية الحديثة - كارل ماركس (¬1) 1818 - 1883م -: مؤسس الشيوعية الحديثة، والرجل الأول فيها هو كارل هنريك ماركس، فالعالم يعرفه بأنه أبو الشيوعية، وأنها إليه تنسب، فيقال: الشيوعية الماركسية. وتلامذة ماركس يغالون في حبه، ويعدونه رجل الثورة والحرية؛ فهو - بزعمهم - ذلك الرجل الرقيق الذي يحمل قلباً مليئاً بالعطف والحنان، وأنه ذلك الرجل الذي يكره الاستبداد، ويتدسس في مخازن الأغنياء، فيفتح صناديقهم المليئة بحثاً عن لقمة عيش يسد بها جوعة فقير أو مسكين، أو يتيم أو شيخ كبير، أو عامل كادح. هذه هي الصورة الخادعة والدعاية البراقة عن كارل ماركس. أما الحقيقة والوثائق فتقول غير ذلك، فتقول: إنه حبر يهودي، إنه ذلك الألماني المولود عام 1818م، فهو يهودي ابن يهودي، وجده هو الحاخام اليهودي الكبير (مردخاي)، بل إن أجداده من جهة أمه يهود، كما أنه ولد في حي اليهود المسمى (غيثو). ولقب أسرته الحقيقي (لاوي) أو (ليفي) واللاويون من بني إسرائيل ينتسبون إلى لاوي بن يعقوب - عليه السلام -؛ فماركس - إذاً - يهودي الوجه واليد واللسان. أما عن تعليمه فقد وجهه والده إلى الفكر الفلسفي، كما درس له شيئاً من الأدب الكلاسيكي، ثم دخل ماركس جامعة بون، ثم جامعة برلين. وكان أبوه يريد أن يدرس ابنه القانون، ولكنه بعد فصلين دراسيين تحول إلى دراسة الفلسفة، ثم تركها ليدرس الاقتصاد. وكانت حالة أبيه متدهورة ولكن كارل ماركس لم يقدر ذلك، فساءت العلاقات بينهما، فلم يكن باراً بأبيه حتى بعد موته؛ فحين نعي إليه أبوه وهو في السنة النهائية من دراسته الجامعية - لم يذهب إلى بلدته؛ ليواسي أمه وإخوته، وما كان منه إلا أن بعث إلى أمه يطلب نصيبه من ميراث أبيه، ثم ظل بعد استيفاء ميراث أبيه يرهق أمه بمطالب مالية، غير مبال بحاجة إخوانه وضعفهم. ومما يذكر عنه أنه لم يكن حميد السيرة لما كان في الجامعة، فكان على مستوى عالٍ من الفساد الخلقي، وشرب المسكرات، واستعمال المخدرات، وكان يسترسل في سهراته مع غواة العربدة واللهو، وكان يترك بلدة بون لما كان في جامعتها، ويذهب إلى بلدة كولون يبتغي ما فيها من ملاهي السهر مما لم يكن ميسوراً له تحت الرقابة الجامعية. ولما كان في برلين ضبط أكثر من مرة وهو سكران. وكان جباناً رعديداً يخاف من الشرطة خوفاً شديداً، فكان يذهب إلى قرية قريبة من برلين؛ ليشرب فيها كما يريد، ولقد كان ذا طبيعة ميالة إلى الهدم والتدمير، كما وصفه بذلك والده. ومما يذكر في سيرة ماركس أنه كان مُنَفِّراً لمن حوله، مفرطاً في أنانيته وسوء خلقه، وبذاءة لسانه. وكان معجباً بنفسه متعالياً على غيره، ولا يتحرج من قذف المخالفين له بالشتائم القذرة، وألفاظ الازدراء والسخرية ولو كان المخالف ممن يقول بفكرته، وينادي بما ينادي به. ومما يذكر عنه أنه كان قذراً يهمل نظافة جسمه، وترجيل شعره، والعناية بملابسه ومظهره. وكان منظر القروح التي تملأ وجهه وما ظهر من جلده يزيده قذارة إلى قذارته. ومما ذكر عنه أنه كان كثير الاستدانة من معارفه، حتى لقد مَلُّوا من كثرة طلباته، وعدم وفائه. ثم إن هذا الرجل الذي يحارب الملكية الفردية ويعدها سرقة أخبث من سرقة اللصوص وقطاع الطريق - رد خطيب ابنته (لورا) ريثما يتحقق من صحة ميراثه، ومن كفاية ذلك الميراث؛ للتعويل عليه في طلباته. كما أنه كان معروفاً باستخدام الغش، والمكر والخداع، وسرقة الكتب والمقالات وغيرها. ¬

(¬1) ([435]) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (ص165).

ومما مَرَّ بماركس في حياته من أحداث - موت ابنتيه منتحرتين، فالأولى (النيورا) انتحرت بعد أن عاشت في الحرام مع عشيق لها ثم اكتشفت سبق زواجه، والثانية (لورا) وقد انتحرت؛ خوفاً من أن تدركها الشيخوخة، مما كان له أثر في نفسه. هذه لُمَعٌ من سيرة هذا الرجل، وإذا كان هناك من شيء يدعو للعجب فهو حال أتباعه ومريديه، ومحبيه، فكيف يكون له أتباع ومريدون ومحبون وهو بهذه الحال الغريبة المنفرة؟! ولكن إذا عرف السبب بطل العجب؛ فالأرواح جنود مجندة، والطيور على أشكالها تقع، و: إذا لم يكن للمرء عين صحيحة ... فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر ثم إن أصابع اليهود من وراء ذلك - كما مر - فاليهودية هي حاضنة الشذاذ، وفاتحة المجال أمام المجرمين المفسدين. على أن في حياة ماركس زاوية لم يلق عليها الضوء إلا مؤخراً؛ ذلك أن ماركس قد اتصل عام 1862م بفيلسوف الصهيونية الأول، وواضع أساسها النظري (موشيه هيس) وعن هذا أخذ هرتزل (¬1).وقد بلغ من إعجاب ماركس وتأثره بـ (هيس) أن كتب فيما بعد يقول: لقد اتخذت هذا العبقري لي مثالاً وقدوة؛ لما يتحلى به من دقة التفكير، واتفاق آرائه مع عقيدتي وما أؤمن به، إنه رجل نضالي الفكر والسلوك (¬2).و (موشيه هيس) هذا هو صاحب كتاب (الدولة اليهوية) ولم يزد هرتزل على أفكار هيس سوى أن بسطها، وأقام لها تنظيمها السياسي، فيما يعرف بالحركة الصهيونية تماماً كما كان لينين من ماركس، فماركس صاحب النظرية، ولينين منفذها، وموضح عويصها بالإضافة إلى ما زاد عليها (¬3). ثانياً: أشهر شخصيات الشيوعية الماركسية: هناك شخصيات مهمة وذات أثر في نشأة الشيوعية والتمكين لها، وأشهر هذه الشخصيات لينين، وتروتسكي، وستالين. وفيما يلي نبذة عن هذه الشخصيات (¬4): 1 - لينين: اسمه الحقيقي فلاديمير ألتيش بوليانوف، وهو قائد الثورة البلشفية الدامية، ودكتاتورها المرهوب، فهو الذي قاد الثورة على القيصرية الروسية عام 1917م وتولى زمام الحكم الشيوعي إلى أن مات عام 1924م. وهناك دراسات تقول بأنه يهودي الأصل وأنه كان يحمل اسماً يهودياً ثم تسمى باسمه الذي عرف به، وربما كان من سلالة التتار الوافدين على روسيا. وأما أمه (ماريا الكسندر) فيقال: إنها ألمانية الأصل من سلالة يهودية، ولم يطلع لينين على الأفكار الشيوعية إلا في العشرين من عمره، وقد اتصل بالثوريين فقبض عليه عام 1897م وظل في السجن مدة عام، ثم نفي إلى سيبيريا، وفي منفاه عكف على التأليف. وفي سنة 1900م سُمِح له بالعودة فهاجر إلى سويسرا وهناك أسس أهم صحيفة ثورية (القبس) ثم انتقل إلى لندن؛ ليتصل بالاشتراكيين هناك، ومكث فترة ثم استطاع بعدها أن يدخل روسيا سراً سنة 1905م. وفي عام 1917م تولى قيادة الثورة ضد القيصرية، واستطاع القبض على زمامها لصالح الحزب البلشفي كما مر عند الحديث عن نشأة الشيوعية. وهكذا تبوأ لينين مقعد الرئاسة منفذاً ما كان يريد لا ما كانت الثورة تريد. ولئن كان ماركس هو المؤسس الأول للشيوعية بأفكاره النظرية - فإن لينين هو المنفذ لهذه الأفكار؛ فهو الذي وضع الشيوعية موضع التنفيذ. ¬

(¬1) ([436]) انظر ((مقدمة في الفكر السياسي)) (ص180). (¬2) ([437]) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (ص162) نقلا عن ((المذاهب الاجتماعية الحديثة)) لـ " محمد عنان " (ص51). (¬3) ([438]) بتصرف عن ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (ص193). (¬4) ([439]) انظر ((كواشف زيوف)) (ص245).

ومما ذكر عن لينين أنه كان مُعَقَّداً عنيفاً قاسي القلب مستبداً بالرأي، حاقداً على البشرية. ومن صفاته أنه كان كالح الوجه، دائم العبوس، سيء الظن بكل من حوله، يفترض أن العداوة كامنة في كل نفس؛ فمن كلامه للأديب الروسي مكسيم جورجكي: ينبغي أن يحذر الإنسان من التربيت بيده على رؤوس الناس؛ لأنها قد تصادف هناك عضة تستأصلها (¬1). وكان ذا شخصية شاذة، فله شذوذات كثيرة، منها أنه لا يقبل أن يكون في مكتبه مقعد مريح للجلوس عليه. وكان خطيباً بارعاً، وقد اتخذه الروس صنما معبوداً وأضفوا عليه ألقاباً كثيرة، فيصفونه بأنه سلس منقاد، بسيط كالحق، رقيق كالنسيم. وهي في الحقيقة - صفات أملاها الرعب، ولم يملها الحقائق والواقع؛ ذلك أن الشعب يبغضه بشدة، والدليل على ذلك كثرة المؤامرات التي دبرت لقتله، غير أنه لم يمت إلا في يناير عام 1924م. أما الريبة التي أحاطت بموته فهي حقيقة تناولها الناس بعد مدة من وفاته؛ فقد ألزمه المرض فراشه في أواخر أيامه، وكان الفالج يعاوده بالإلحاح بين الفينة والأخرى. وفي تلك الأثناء تغير رأيه في ستالين وكان إذ ذاك سكرتير الحزب، وكان قد أفضى إلى بعض رفاقه أنه لا يطمئن إليه، وأن في عزمه أن يخلعه من سكرتارية الحزب. ويقال إن ذلك نما إلى علم ستالين، فدس له سماً قضى عليه (¬2).2 - تروتسكي (¬3): وهو من الشخصيات البارزة في الحزب الشيوعي بروسيا، وكانت مكانته تلي مكانة لينين، فلقد كان تروتسكي من المصطفين والموثوق بهم لدى لينين. وقد ولد سنة 1879م واغتيل سنة 1940م في المكسيك. وليس هذا هو اسمه الحقيقي، بل اسمه بروستالين، وهو ابن لرجل يهودي من الطبقة المتوسطة. وفي عام 1898م كان له نشاط ثوري فقبض عليه وحكم عليه بالسجن أربعة أعوام ونصف، ثم رحل منفياً إلى شرق سيبيريا، ولكنه في عام 1902م تمكن من الهرب إلى إنجلترا باستعمال جواز سفر مزيف، وكان صاحب الجواز يدعى تروتسكي، فاستولى على الجواز والاسم جميعاً، وظل ينادى بذلك الاسم طيلة حياته. وأقام عقب هربه في لندن، وهناك اتصل بالحزب الديمقراطي الاشتراكي؛ وكان حينئذ في الثالثة والعشرين من عمره. ورغم حداثة سنه أصبح عضواً بارزاً، وكان من رفاقه في هذا المجتمع لينين، وليمنانوف. وقد شارك في تحرير جريدة لينين (القبس) التي تعد أشهر صحيفة اشتراكية، وعاد إلى روسيا سنة 1905م وأجري انتخابٌ لاختيار مندوبين عن العمال في مدينة (بطرسبرج) عقب عودته، فاختير عضواً، ثم اختير رئيساً. وفي إحدى الجلسات هجم عليهم رجال الشرطة فاعتقلوا جميعاً، ونفي تروتسكي مرة ثانية إلى سيبيريا. ومرة ثانية تمكن من الهرب عقب وصوله مباشرة، فاتخذ طريقه هذه المرة إلى النمسا، ثم ظل يراسل ويكتب للصحف الروسية. وفي سنة 1913م عمل مراسلاً حربياً، وتنقل في العواصم بين باريس وزيورخ، وبذل نشاطاً مع الثوار الاشتراكيين، وأخرج في هذا الوقت كتاباً عن أسباب الحرب العالمية الأولى، ثم حكم عليه بالسجن ثمانية شهور وكان ذلك -أيضاً- بسبب نشاطه الثوري وخطورته أيام الحرب. ¬

(¬1) ([440]) انظر ((هذه هي الاشتراكية)) (ص26). (¬2) إذا أردت المزيد من الشواهد فاقرأ كتاب ((التضليل الاشتراكي)) للدكتور صلاح الدين المنجد لترى فيه عجبا من بعض الكتاب في مصر في ثنائهم على الاشتراكية والماركسية وأن الدين الإسلام هو أساسهما؟! وكتابه ((بلشفة الإسلام)) واقرأ ما كتبه الدكتور عمر حليق في كتابه ((دور الماركسية في الاشتراكية العربية)). (¬3) ([442]) وهي موسوعة فيها دس خطير يجب الانتباه له.

وفي سنة 1916م والحرب قريبة من نهايتها طردته الحكومة الفرنسية من بلادها، فسمح له بالذهاب إلى بلاده، ووصل إلى بطرس جراد بعد وصول لينين إليها بيومين، واستفاد من معرفته السابقة بلينين، ولهذا اختير في يوليو سنة 1917م عضواً في الحزب، ولأسباب غامضة قبض عليه واعتقل. وفي معاهدة الصلح التي أجريت بين روسيا وألمانيا وهي معاهدة (بريست ليتوفسك) كان تروتسكي أبرز مندوبي روسيا فيها. وفي عام 1920م نظم فرقاً من جماعات العمال، وهو صاحب فكرة التجنيد الإجباري في المصانع، وفي الحرب الروسية البولندية كان تروتسكي يعارض بشدة دخول الجيش الروسي وارسو، وكان دخوله يتصف بالقوة والعنف وتحطيم كل ما يقابله، ولكن لينين أصر على رأيه، ولم يكن أحد يجرؤ على معارضته. وفي سنة 1923م تعرض لهجوم عنيف من حملة الشيوعية القدامى وتزعم الحركة ضده ستالين، وعندما مات لينين كان تروتسكي مريضاً فأرسل إلى القوقاز، للاستشفاء وليخلو الجو لستالين. وظلت الحملة ضده مدة، وانتهت بتجريده من منصبه كرئيس للقوى الحربية، وعندما عاد من القوقاز أسند إليه عمل أقل أهمية، إذ عين رئيساً لفرقة تعمل لتنمية القوى الكهربائية. وفي سنة 1925م استقال أو أقيل من هذا المنصب، وعين رئيساً لإحدى اللجان المركزية ولم يظل في المنصب طويلاً. وفي نوفمبر سنة 1927م فصل من الحزب الشيوعي متهماً بنشاط وأعمال ضد الحزب وفي سنة 1928م نفي إلى تركستان، وفي سنة 1929م ذهب إلى القسطنطينية، فأمضى بها مدة أطول. وفي سنة 1936م اتخذ النرويج مقاماً له، وفي سنة 1937 رأى أن يذهب إلى المكسيك، ليقيم هناك، فاتخذ له بيتاً في العاصمة. وفي سنة 1940م وبينما هو آمن في بيته بالمكسيك فوجئ بشخص يهجم عليه؛ ليغتاله، فضربه ضربة مميتة وهرب القاتل، ومات تروتسكي في اليوم التالي، وكان القاتل أحد أصدقائه. وأَصَرَّ المنتمون إليه في منفاه أن القاتل مندوب من ستالين، ولا يوجد من يعارض هذا القول. الجدير بالذكر أن هناك حدثاً مهما، وانقلاباً كبيراً في حياة تروتسكي قلما يذكره من يتحدث عنه ألا وهو خبر اعتناقه للإسلام، فقد جاء في جريدة الأهرام في عددها،19الصادر في إبريل سنة 1929م، ونقلته عنها مجلة الهداية الإسلامية في الجزء السابع من المجلد الأول - ما يلي: تروتسكي يعتنق الإسلام في بيئة تجهل على الإسلام وتحت هذا العنوان قالت مجلة الهداية الإسلامية نقلاً عن الأهرام ما يلي: "نقلت الصحف خبر اعتناق تروتسكي الزعيم البلشفي للإسلام وهو منفي في تركيا، وجاء في حديث إسلامه: أنه على إثر شفائه من مرضه في الأستانة دعا مفتي الأستانة، فأجاب دعوته، وشهد اجتماعهما مندوب جريدة وقت التركية، فقال تروتسكي: كنت يهودياً غير أن مبادئي لم ترق لبعض الحاخامين، فحرموني من ديانتي، ولكني لم أعر حرماني هذا اهتماماً كثيراً؛ لأن مبادئ الدين الإسرائيلي لم تكن لتروقني، فلم أَحْتَجَّ ولم أعارض. وأما الآن وأنا أتقدم في السن فإني أشعر كغيري من الناس بأني في حاجة إلى إيمان ودين سماوي، ففكرت في وقت ما أن أصبح مسيحياً غير أني عدلت عن ذلك؛ لكرهي اعتناق دين القياصرة، والمستبدين، وراسبوتين (¬1) الراهب الشرير، فلم يبق أمامي غير الدين الإسلامي الذي دققت النظر في البحث في شرائعه فوجدت فيه مزايا حسنة، منها أنه يحض على المناقشة، والمباحثة في أصوله، ولذا سأعتنق الإسلام. وسيتناول فضيلة المفتي العشاء معي، ثم يبدأ بتلقيني الشرائع الإسلامية (¬2). ¬

(¬1) ([443]) ((الموسوعة العربية الميسرة)) (2/ 1110). (¬2) ([444]) ((الموسوعة العربية الميسرة)) (ص1111).

3 - ستالين (1879 - 1954م): هو أحد أساطين الشيوعية، وأكابر مجرميها، واسمه الحقيقي جوزيف فاديونوفش زوجاشفلي، وهو سكرتير الحزب الشيوعي ورئيسه بعد لينين. اشتهر بالقسوة، والجبروت، والطغيان والاستبداد، وشدة الإصرار على رأيه، وكان يعتمد في تصفية خصومه على القتل والنفي، وكان بمناوراته وألاعيبه شيطاناً مريداً. فمن أجل أن يحقق أهدافه في التصفية كان يبدأ بالخلاف مع بعض العناصر، ثم يوجه أنصاره للقيام بأشرس الحملات الدعائية ضده مع تظاهره هو بمظهر الاعتدال والحياد. وبعد ذلك يدفع خصمه حتى يتورط بعمل ما، ثم يقوم بتصفيته بأي وسيلة، وكان أشدها المحاكمات الصورية التي كان يجريها. ولقد كان يجمع حوله أنصاراً ثم يرفعهم إلى مراكز عالية في الحزب والقيادة، لكنه يختار من لا يملك القدرة على أن يبصر إلا ما يمليه عليه الزعيم الأوحد (ستالين). وكان مستعداً لأن يضحي بالشعب كله، وبأي أحد في سبيل شخصه، وقد ناقشته زوجته مرة فقتلها (¬1). وكان بارعاً في تلفيق الاتهامات فيمن يريد تصفيتهم ولو كانوا أقرب الأقربين إليه. وكانت وسائل التحقيق في وقته مقرونة بالتعذيب الذي لا يحتمل، بحيث تجعل المعذب يعترف على نفسه بأي شيء؛ ليتخلص من آلام التعذيب، الذي ينزل به على أيدي المحققين وجلاديهم. وكان من وسائل انتزاع الاعترفات الإكراهية - التحقيقات المتواصلة ليلاً ونهاراً؛ حيث تكرر الأسئلة دون سأم؛ حتى تتحطم إرادة المتهم. ومما يمهد للاستجواب من قبل رجال المباحث - تعريض المنكوب لسلسلة من الإرهاب النفسي والتعذيب مع الإرهاق الجسدي الطويل، مع ما يصحب ذلك من امتهان الكرامة، وإثارة الحمية التي تحركها المبادئ والمعتقدات؛ حتى يجد المنكوب نفسه أمام عذاب لا قبل له بتحمله. ومن الصور التي تتم بها عمليات الإرهاق في سجون ستالين الحجز الطويل في غرفة صغيرة حارة توقد فيها المدافئ في الصيف، أو في غرفة شديدة البرودة كأنها الثلج في الشتاء البارد، أو حمام أرضه ماء ولا شيء يمكن الجلوس عليه إلا الماء والأرض الرطبة الباردة. ومنها الوقوف على رؤوس الأصابع إلى جانب جدار عدة ساعات والمنع من النوم، والإيقاظ السريع بعد النوم، كل ذلك من غير ما جريمة أو بيِّنة. وبمواصلة هذه الأساليب يعترف المنكوب على نفسه، ولو كان كاذباً (¬2). ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 371 ¬

(¬1) ([445]) سمعت من إحدى الإذاعات أن دولة أوروبية أمرت بإخراج تمثال لينين وشنقه أمام الناس، وقد شنقوا بعض رؤسائهم مثل تيتو وزوجته أمام الناس. (¬2) ([446]) ((التطور والدين))، (ص14).

سادسا: أسباب قيام الشيوعية

سادسا: أسباب قيام الشيوعية لقد قامت الشيوعية الحديثة، ونشرت مذهبها الإلحادي، فامتد رواقه إلى كثير من بلدان العالم، وذلك يعود لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالمجتمع الذي نشأت فيه، ومنها ما يتعلق بشخصية مؤسسيها ومنفذيها، ومنها أسباب خارجة عن ذلك. وفيما يلي تفصيل لتلك الأسباب التي أدت إلى قيام الشيوعية (¬1). 1 - الطغيان الكنسي: الذي حارب العلم والعقل ومكن للجهل والخرافة، وأعان الحكام الظلمة، وفرض على الناس الضرائب والعشور وما إلى ذلك مما قامت به الكنيسة الأوروبية فكان أن قامت الشيوعية كردة فعل لذلك الطغيان. 2 - مظالم النظام الرأسمالي: حيث طغى الرأسماليون وأفسدوا واستبدوا؛ فقام الشيوعيون - بزعمهم - بمحاولة الإصلاح. 3 - غياب المنهج الصحيح عن أوروبا: فلما قصَّر المسلمون في أداء رسالتهم، في تبليغ الدعوة وقوامة البشرية - غاب الإسلام عن ساحة أوروبا، فمكن ذلك لنشأة الشيوعية وغيرها من الاتجاهات والنظريات والمبادئ. 4 - الخواء الروحي: إذ الكنيسة لا تقدم منهجاً يزكي النفس، ويجلب السعادة والطمأنينة للأفراد والمجتمعات، مما جعل النفوس تهفو إلى ما ينقذها مما هي فيه من القلق والاضطراب والحيرة. 5 - الاستعمار وما خلفه من دمار: فلذلك أثره الواضح في انحطاط الشعوب المُسْتَعْمَرة، وذلك عن طريق الكبت وقفل باب الحرية، مما أفسح المجال لنشر الشيوعية. 6 - المكر اليهودي: فاليهود يتآمرون على العالم ويخططون لإفساده؛ تمهيداً للسيطرة عليه، ومما يقومون به في ذلك السبيل استغلال المذاهب الهدامة والتمكين لها. 7 - الجهل بدين الإسلام: فهذا من أكبر أسباب الإلحاد، وإلا فمن عرف ما جاء به الإسلام - ولو معرفة يسيرة - استحال أن يقع منه الإلحاد؛ فإن الدين بطبيعته وما اشتمل عليه من البراهين يضطر صاحبه إلى الاعتراف بوحدانية الله، وبطلان ما ناقض ذلك؛ فلا تجد ملحداً إلا وهو معرض، أو مكابر، أو معاند (¬2). 8 - الهالة الإعلامية والدعاية القوية: فمما ساعد على قيام الشيوعية ما قام به أربابها من دعاية وهالة لتحسين ضلالتهم، وترويج مذهبهم، فإذا سمع الجاهل عن ذلك هاله الأمر، واغتر بالشيوعية، وظن صدقها مع أن كل عاقل منصف يعلم بطلانها وزيفها. فالشيوعيون زعموا أن ما جاؤوا به هو الرقي والتقدم والتجديد وما أشبه ذلك من العبارات الفضفاضة. ولولا أن باطلهم زُخْرِفَ ورُوِّجَ له من قبل الدعايات المضللة، والدول المنحرفة - لم يقبله، ولم يصغ إليه أحد؛ لأن حججهم أوهن من حبل القمر ومن بيت العنكبوت. 9 - الانقلاب الصناعي: فما يقوم به الشيوعيون من بحث علمي جاد مستند على أدلة مغرية صار سبباً لاغترار كثير من الخلق بهم؛ حيث ظنوا - بجهلهم - أن الترقي الدنيوي دليل على أن أهله على حق وصواب في كل شيء. فإذا رأى الجاهل حال المسلمين وما هم عليه من الضعف والهوان، ورأى حال الكفار وما هم عليه من القوة والتفنن في الصناعة، ورأى أمم الأرض تذعن وتسلم لهم - صار ذلك فتنة له، فظن أن الكفار على حق، وأن المسلمين على ضلال. ¬

(¬1) ([447]) ((التطور والدين))، (ص19). (¬2) ([448]) قد كانت الدعوة إلى التضامن الإسلامي بمثابة جريمة كبرى عند الثائرين من العرب وغيرهم وكانت أكثر الإذاعات العربية وغيرها تتفكه بالنيل من تلك الدعوة. واليوم وبعد أن ظهرت حقيقة ضعف المسلمين وهوانهم على الأمم بدؤوا يتكلمون عن اتحاد المسلمين وتضامنهم وأنه لا قيمة لهم إلا من خلال إثبات وجودهم الإسلامي كما حدث في المؤتمر الذي يعقد في ماليزيا الآن، وعسى أن يفيق المسلمون ويراجعوا دينهم بصدق وإخلاص خصوصا وقد كشر النصارى عن أنيابهم على المسلمين وتصريحاتهم بسب الإسلام وحضارته.

ولقد جهل هؤلاء، بل لقد ضلوا ضلالاً مبيناً بذلك الزعم؛ لأنه لا تلازم بين التقدم الصناعي وصحة المعتقد والمبدأ؛ فقد يكون الإنسان من أمهر الناس في أمور الطبيعة وهو أجهل من حمار أهله في الدين والأخلاق، والأمور النافعة في العاجل والآجل؛ فمسألة التقدم المادي مسألة همة ودأب، وجد ليس إلا. ولهذا لما خلت بحوثهم ومخترعاتهم من روح الدين وحكمته صارت نكبة عليهم، وعلى البشرية جمعاء؛ بسبب ما ترتب عليها من الحروب التي لم يشهد لها نظير. ولقد عجز ساستها ونُظَّارها أن ينظموا للبشر حياة مستقرة عادلة طيبة. 10 - ملذات الحياة ومباهج الحضارة: فلقد فتح العالم المادي أبواباً عظيمة من أبواب الرفاهية والترف؛ فالمراكب الفخمة الفارهة؛ من سيارات، وقطارات، وبواخر، وطائرات. وكذلك الملابس والمطاعم، ووسائل التسلية والترفيه، كل ذلك مكَّن للغفلة، وجعلها تستحكم على النفوس، ولا تشعر بالعاقبة، مما فتح المجال لترويج أي مبدأ. 11 - شذوذ مؤسِّسيها وانحرافهم: فهذا كارل ماركس مؤسس الشيوعية كان حبراً يهودياً، وكان مخفقاً في شؤونه الخاصة، وكان ذا طبيعة ميَّالة للهدم والفساد، كما كان على مستوى عال من الفساد الخلقي والسلوكي. أضف إلى ذلك موت ابنتيه منتحرتين. كل هذه العوامل وغيرها تحركت في نفس هذا المجرم، فأخرجت أكلها النتن النكد. وقل مثل ذلك في شأن بقية زعماء الشيوعية ومنفذيها كلينين، وستالين، وغيرهم. وبالجملة فأقل ما يقال عن الشيوعية أنها عقوبة إلهية للبشرية بسبب تماديها في الغواية والضلال. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 383

سابعا: رد زعم الملاحدة أن البشرية قامت على الشيوعية الأولى

سابعا: رد زعم الملاحدة أن البشرية قامت على الشيوعية الأولى مما يجب التسليم به أن ما زعمه الملاحدة من أن المجتمع قام على الشيوعية في بدايته ما هو إلا افتراض وظنون لا يملكون على صحتها أي دليل صحيح، بل كل شيء يكذبهم كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا [الكهف:5].

فقد تصوروا في أخيلتهم أن البشر البدائيين أقاموا فيما بينهم شراكة في كل شيء قبل أن يتطوروا ويعرفوا الملكية الفردية رادين بهذا كل ما جاءت بذكره الشرائع وخصوصا الإسلام وما شهد به التاريخ وما تواتر نقله في كل الأجيال وما شهد به الواقع على مر السنين من أن الله تعالى هو الذي رتب حياة الإنسان وطريقة تعامله منذ أن أهبطه الله إلى الأرض وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وأن ما من أمة إلا خلا فيها نذير، وأن الإنسان هو الإنسان من بدايته إلى نهايته لم يتغير لا في هيئته ولا في طبيعته ولا في حبه للملكية الفردية منذ وجوده على الأرض وما تصوره الملاحدة من انعدام الملكية الفردية وذوبان الشخص في القبيلة إنما كان يصدق على بعض عهود الجاهلية من التعصب الشديد للقبيلة لكن في غير الملكية الفردية مع أن تصور عدم ميل كل شخص إلى الملكية الفردية افتراضي بعيد الوقوع ومحال، نعم وجد بين أفراد القبيلة الواحدة تعاون قوي وتعاضد وشراكة في السراء والضراء وتلاحم بين كل أفراد القبيلة إلى حد أن الفرد لا يتصور وجوده وكيانه وانتماءه وما يأخذه وما يتركه إلا من خلال قبيلته يفعل كل ما تفعله قبيلته ويترك كل ما تتركه دون أن يكون له أي رأي في مخالفة عرف القبيلة ولكن هذا الحال لا يصلح أن يكون دليلا للملاحدة على شيوعية البشر على الطريقة التي قررها ماركس وأتباعه بل إن اعتقاد أن البشر كانوا بمنزلة البهائم في بدايتهم هو الظلم بعينه والكذب على البشرية بعينه ورد صريح لكل ما يثبت في الأديان السماوية من تكريم الله للبشر ورفعهم عن منزلة الحيوانات البهيمية التي تصورها الملاحدة في تفسيرهم لنشأة البشر وقيام أمورهم على الناحية الاقتصادية والقبلية فقط كما زعموا ثم على فرض المستحيل أن بعض المكتشفين وجدوا قبائل تعيش على الفوضى في كل شيء بما فيها الجنس ألا يصح أن يوصف هؤلاء بأنهم شواذ لا قيمة لهم فاسدي الفطرة وأن وصف البشرية كلهم بتلك الوصمة الشنيعة لأجل ما وجدوه هؤلاء عند تلك القبائل الهمجية يعتبر تطاولا على تاريخ البشر؟ هذا إن صح أنهم وجدوا بشرا بتلك الحال مع أن كذبهم وافتراءهم وارد ذلك أن ما من إنسان يرضى بالفوضى الجنسية في أهله بل إنها حالة لا ترضى بها حتى الحيوانات البهيمية فضلا عن الإنسان، فقد أخبر الله عز وجل عن فطرة الإنسان وعن الغيرة الموجودة فيه منذ أن وجد أبناء آدم على هذه الأرض وقتل أحد ابني آدم أخاه. وليت شعري لماذا يحرص الشيوعية على إشاعة الجنس أكثر من غيره فإن الشيوعية يحرصون أشد الحرص على إشاعة الجنس بالطريقة المشتركة لعله ترغيبا لمن يتوق إلى ذلك من الشباب والشابات الساقطين ولظنهم أن الشيوعية ستبني وتنهض بسبب هذه الدعايات الرخيصة ولكنهم فوجئوا باستحقار الناس لهم واستهجانهم لهذا السلوك الشائن فعادوا وزعموا أن شيوعية النساء ليست قاصرة على المذهب الشيوعي وإنما هي قضية شائعة بين كل الطبقات خصوصا الأغنياء بصور مختلفة، ولكن هذا الدليل هو واه كبيت العنكبوت لم يخرجهم أيضا من استحقار الناس لهم في مناداتهم بالفوضى الجنسية العارمة لأن الباطل لا يستدل له بالباطل وذلك أن استدلالهم بالمنحرفين لا يعطيهم المبرر لدعواهم فهو تبرير باطل بباطل ويكفي أن يقال عن الجميع أنها أوضاع فاسدة جاهلية يجب أن تصحح ولا تستحق أن تكون قدوة أو دليلا يظلمون به فطر الناس ويخدشون كرامتهم سواء كانوا من الأغنياء أو من الفقراء فهو عمل لا تقره حتى الحيوانات.

وأما زعم الملاحدة أن الناس في الشيوعية الأولى كانوا يعيشون عيشة متساوية لا فرق بينهم فهو افتراض ينقصه الدليل فمن أين لهم أنهم ما كانوا يشعرون بالفوارق فيما بينهم وأقل ما فيها فوارق في الذكاء، فوارق في إتقان العمل، فوارق في القوة الجسدية والنفسية، وفوارق في الشجاعة، وفوارق في المال .. إلى آخر الفوارق التي لا يجهلها أي إنسان سليم العقل وحتى الملاحدة لا يجهلونها لولا أنهم يريدون تحبيب الشيوعية إلى الناس وخصوصا الناس الذين يشعرون بانتقاص المجتمع لحقوقهم أو أنهم مغلوبون على أمرهم ويتمنون أي فرصة لإثبات وجودهم الذي يحلمون به فانتهز الملاحدة وجود هذه الفوارق الحتمية بين الناس للمناداة بالقضاء عليها وأنى لهم أن يطبقوا ذلك فعلا وهو مخالف لما أراده الله تعالى في سنته ذلك أن الله تعالى هو الذي أراد للناس أن يكونوا بهذه الحال منهم الذكي ومنهم البليد ومنهم الغني ومنهم الفقير إلى آخر الصفات المعلومة بالضرورة من أحوال البشر فكيف يقضون على ما أراد الله بقاءه والحاصل أنه لا دليل لهم على كل ما زعموه من تلك المساواة المكذوبة وكذلك زعمهم أن الناس كانوا يعيشون حياة ملائكية في منتهى السعادة إن هو إلا خيال فارغ تكذبه طبيعة البشر منذ وجودهم إلى اليوم إضافة إلى أنه لا دليل لهم إلا محض أخيلتهم المنكوسة وإلا فأي زمن خلا عن الحرب والتنافس بين القبائل على أمور كثيرة أقلها المرعى والحمى والغنائم وما إلى ذلك من الأمور التي لابد من وقوعها ضرورة في كل أجيال البشر. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1072

ثامنا: الأسس التي قامت عليها النظرية الشيوعية

ثامنا: الأسس التي قامت عليها النظرية الشيوعية قامت الشيوعية الماركسية من أول أمرها لمناهضة الأديان والأخلاق والثقافات والمعاملات وسائر ما يتصل بالجوييم وإقامة دولة شيوعية عالمية تحت زعامة أقطاب الشيوعية ومن ورائهم الأطماع اليهودية في إقامة الدولة اليهودية الكبرى التي يرتقبها اليهود بفارغ الصبر ممثلة في إعادة بناء هيكل سليمان وتتويج ملكهم الذي يحلمون بأنه سيحكم جميع البشر من اليهود ومن سائر الجوييم. وما الشيوعية إلا حلقة من جملة الحلقات التي يحيكها اليهود للوصول إلى ما خططه حكماؤهم من تدمير العالم دينيا وثقافيا واقتصاديا .. الخ، ولقد أسهمت الشيوعية في كل تلك المؤامرات وكان لها حظ الأسد في تحطيم الجوييم في تصفيات جسدية لم يشهد لها التاريخ مثيلا وفي إشاعة الفواحش وسائر المفاسد والشرور حيث فاقوا فيها الشيطان وأراحوه مهمة تحقيق كل تلك الرزايا التي حلت بسائر الأمم في دينهم وفي دنياهم على أيدي الملاحدة ومظاهر الشيوعية الماركسية كثيرة من أبرزها: أولا: المادية المادية نسبة إلى المادة، قيل في تعريفها أنها هي الموجود الذي يدرك بإحدى الحواس مما يخضع لتجربة الإنسان وملاحظاته، وقد ادعت المادية أنها صنو الواقعية نسبة إلى الواقع الذي لا ينكر ولا يكذب (¬1). ¬

(¬1) ([449]) ((التطور والدين))، (ص22).

لقد أصبحت عبادة المادة هي الأساس المشترك لجميع الملاحدة على اختلاف مذاهبهم ابتداء من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين إبان قيام التيارات الفكرية الجامحة في أوربا ضد الكنيسة وضد القائمين عليها واستبدالها بالمادة المهيمنة على كل شيء إذ يزعمون أن الكون وما فيه إنما وجد من أصل المادة وبنوا عليها إلحادهم في إنكار وجود الله تعالى فخرجوا بذلك عن مفهوم هذا التعريف للمادة وتجاوزوه فإن الأمور الغيبية وأمور الدين لا تخضع لتجربة الإنسان ولا تدركها حواسه كما بنوا عليها تفسيرهم التاريخي لحياة الإنسان وتطوراته. وكان الماديون الشيوعيون قد أقاموا هذه الفكرة في مضادة أي شيء يتعلق بعالم الروح والغيب حيث لا يؤمنون بوجود الروح لأنها تباين المادة التي إذا وجدت في شيء أعطته الحياة ضرورة فالمادة هي كل شيء وجعلوها البديل عن الله عز وجل بزعم أن معاملهم أعطتهم الدليل المادي على ذلك ولقد كذبوا وتناقضوا وظهر جهلهم وتخبطهم في نظرياتهم المتضاربة المتناقضة، فالطبيعة عندهم هي قبل كل شيء ولا نهاية لها ومنها انبثق كل مخلوق على وجه الأرض وأنها موجودة بذاتها قبل كل ذات وهي الخالق لكل شيء بقوانينها " وأن العالم في حركة تغير مستمر، وأن هذا التغير يأتي عن طريق تناقض الأضداد وكل فكرة تؤدي إلى نقيضها والفكرة ونقيضها تؤديان إلى نتيجة جديدة (¬1) " كلها ناتجة عن ترابط الأشياء بعضها ببعض ولا يمكن أن يكون أي حادث منفصلا بنفسه عن البيئة المحيطة به في حركة دائبة يسمونها " الحركة في الطبيعة " أي أن كل موجود إنما هو نتيجة لحركة المادة وتطورها بدءا وانتهاءً تنشأ ثم تضمحل أبد الدهر في تطوير يسمونه أيضا " التطور في الطبيعة " ويتم هذا في حركات سريعة ضرورية وأحيانا تحصل فجأة تنتقل معها الأشياء من البسيط إلى المركب ومن الأدنى إلى الأعلى في تطور متلاحق طول الوقت مما ينتج عنه ما يسمونه " التناقض في الطبيعة " وهذا التناقض هو الذي ينتج عن تطور الحوادث وتفاعلها فيما بينها لينتج من التناقض بين القديم والجديد وبين ما يموت وما يولد وبين ما يفنى وما يتطور مصادر تطورية جديدة مختلفة بمعنى أنه يحدث الشيء حتما ثم يحدث ما يضاده لتأتي النتيجة الحتمية الصحيحة ومن هنا تؤيد الشيوعية التصادم والتضاد بين الأمور لتصل إلى النتيجة من وراء كل تضارب وتصادم (¬2). وكل ذلك إنما هوس فكري وتخبط مقيت وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39]، وكلها افتراضات يريدون من وراءها أن تحل المادة محل الإله سبحانه وتصريفه الأمور حسب مشيئته وقدرته وتلك التعليلات العقيمة لوجود الأمور بعد أن لم تكن إنما هو لصرف الذهن عن قدرة الخالق على الإنشاء والإيجاد وإلا فأي منطق يقتنع بأن الأمور تتطور لمصلحة الإنسان أو لمضرته من تلقاء نفسها لتنتج أمورا لابد منها بزعمهم لتستقيم الحياة ويبقى الكون. لقد حاول الماديون وهم ينكرون موجد هذا الكون أن يلفقوا شبهات كثيرة ليدللوا بها على إلحادهم ولكن ما من شبهة من شبههم إلا وهي تصفع وجوههم وتكسر قلوبهم وتقول لهم معاذ الله أن أكون دليلا على عدم وجود الذي أوجدني فما إن يجدوا أدنى شبهة يكتشفونها إلا وطاروا فرحا وزعموا أن كل ما اكتشفوه يدل على عدم وجود موجد حقيقي غير المادة وطبيعة المادة الحتمية بزعمهم. ¬

(¬1) ([450]) ((التطور والدين))، (ص26). (¬2) ([451]) ((الحرية في الدول الاشتراكية)) (ص135)، نقلا عن ((الاتجاهات الفكرية))، (ص83).

وكم حملوا هذه المادة التي تعادل في تصرفاتها عند الملاحدة تصرفات خالق الكون عند المؤمنين وكم ظهرت لهم من حقائق حيرتهم في دقة موجدها ولكن قلوبهم التي أشربت حب الكفر والتمرد على طريقة أستاذهم إبليس أبت أن ترجع إلى الحق فمثلا قانون الجاذبية الذي أوجده الله وثبت به هذا الكون العلوي والسفلي هو أكبر من السماء وما فيها من مختلف الأجرام وهو أكبر من الأرض وما عليها حين اكتشفوه قالوا عرفنا الآن أنه لا خالق ولا ممسك لهذا الكون إلا الجاذبية وحين فاجئهم المؤمنون بالله بهذا السؤال ومن خلق هذه الجاذبية؟ هل خلقتها السماء لحاجتها إليها لتمسك بأجرامها أن تقع على الأرض؟ أم أن الأرض خلقتها لحاجتها إليها ليستقر عليها من فوقها؟ أم أنها هي بنفسها أدركت حاجة السماء والأرض إليها فأوجدت نفسها؟ سبحان الله عما يفترون. وحينما أنكروا وجود الله تعالى قيل لهم هذا الكون العجيب المتناسق المحكم الذي لا يطغى بعضه على بعض لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: 40] من هو هذا القوي القهار الذي جعله بهذه الصفة قالوا المادة وكأنهم هربوا من ذكر اسم الله تعالى إلى اسم يوافق هواهم فإذا كانت هذه المادة هي التي أحكمت هذا الكون فهي الإله الحق فلا يبقى أمامهم إلا النطق باسم الله الكريم ويتركوا روغان الثعالب والتكلفات الباهتة. فكل ما قالوه من شبهات تافهة مهما اختلفت أسماؤها فإنما تدل على انقطاعهم وأنهم مثل الغريق الذي يمسك بكل شيء يقع في يده لينجو من الغرق. وكم خسارة الملاحدة الشيوعيون حينما أنكروا خالق هذا الكون في مقابل التعصب لآراء ذلك اليهودي "ماركس" الثائر النفس الحاد المزاج المتعصب لقومه اليهود والذي سعى إلى الانتقام من العالم كله بسبب مواقفهم من اليهود الحاقدين على الله تعالى وعلى كل البشر لأنهم لم يجعلوهم سادة العالم وحكامه كما وعدهم الله بذلك حسب افتراءات واضعي التوراة فآلوا على أنفسهم أن يقفوا جنبا إلى جنب مع الشيطان لإغواء البشر وتحطيم دياناتهم وإفساد أخلاقهم ليتمكنوا من استحمارهم جميعا في النهاية ولن يتم الله بحوله وقوته لهم ذلك والله تعالى غيور على دينه فليموتوا بغيظهم وحقدهم وسيزيلهم الله هم والمادة التي عبدوها من دونه عز وجل. ثانيا: الجدلية " الديالكيتك " لقد أصبحت المادة عند الشيوعيين هي كل شيء وليس وراءها شيء وأنها تتطور صعودا وفق قانون " الجدلية الديالكيتك " والتاريخ نفسه يسير حسب هذا القانون حتما بزعمهم. وتكون هذه المادة وفق ما تقترن به فتسمى المادية الجدلية في الكون إذا كانت تتعلق بتغيرات الكون وأحداثه وإذا كانت تتعلق بسلوك الناس سموها المادية الجدلية في التاريخ. فالجدلية: في المذهب الماركسي تعتبر بمثابة ركن من أركانه وأنها هي قانون حركة الوجود كله، ويعود أساس فكرة الجدلية عند "ماركس" إلى تأثره بالفيلسوف " هيجل "، واسمه جورج ولهلم فريدريك هيجل "، وهو ألماني كان يؤمن بوجود إله يصفه بأنه غير متناه أو هو الوجود المطلق أو العقل المطلق ومنه ظهرت الطبيعة، وقد خالفه " ماركس " في مفهوم هذه الجدلية فعكس الأمر تماما حتى تبجح "ماركس" بأنه قد أوقف آراء " هيجل " على قدميها بعد أن كانت واقفة على رأسها بزعمه بسبب أن " هيجل " كان يرى في جدليته أنها منطلقة من الله إلى كل الأكوان وأن الفكرة هي الأصل والمادة ناتجة عنها بخلاف جدلية " ماركس " التي تقول أن الله تعالى هو من اختراع الفكر الإنساني وخيالاته وليس عن حقيقة. وأن الأساس هي المادة والفكر ناتج عنها (¬1). ¬

(¬1) ([452]) رواه البخاري (3484).

وهذه الجدلية تلاحظ دائما أن هذا الكون دائم التغير والتطور في فعل ورد فعل أشبه ما يكون بحركة المتجادلين وقد أرجع "ماركس" هذا التجادل إلى المادة وتأثيراتها بينما كان "هيجل" يرى أن تلك التغيرات هي للقوة الغيبية المؤثر الحقيقي فيها كما عرفت مما تقدم. جدلية هيجل: وقد تصور هيجل – حسب خياله – أن تلك الحركة في التغيير والتطور في الكون تسير وفق دورات لولبية صاعدة دائما وكل دورة قسمها إلى ثلاث مراحل هي: - المرحلة الأولى: سماها الطريحة أو أطروحة أو الدعوة – أي الأمر. - المرحلة الثانية: سماها الجمعية أو نفي النفي أو جامع الدعوى – أي النتيجة. فمثلا: البرعم يسميه الطريحة ونقيضه الزهرة ثم تأتي الجمعية التي هي الثمرة وهي أرقى من البرعم والزهرة في تطور متصاعد دائما وبعضهم يسمي هذه المراحل "الوضع ونقيضه" ومؤتلف الوضع ونفيه وكلها افتراضات خيالية تصورها "هيجل" في تضاد دائم بين الشيء ونقيضه والنتيجة النهائية لهذا النقيض الذي يمشي صاعدا في تطور هو نهاية كل نقيضين. وغاب عنه أنه لا يمكن اجتماع النقيضين في وقت واحد وعلى شيء واحد لأنه مستحيل إلا في خيال الفلاسفة الفارغين. وما زعمه "هيجل" من أن الأشياء كلها في تطور متصاعد فكر غير صحيح في كل الأمور فإذا صح في بعض الحالات فإنه غير صحيح في كلها. فمثلا الإنسان وهو حي يسمى حسب نظريته طريحة ثم يأتيه الموت فيسمى نقيضة ثم يتحول إلى تراب فيمسى جميعة فأين التطور التصاعدي في هذا حسب نظرية "هيجل"؟ أو مثل الغريزة الجنسية هي الطريحة والكبت هو النقيضة والتسامي هو الجميعة أي المحصلة النهائية الحتمية الوقوع لكل من الطريحة والنقيضة ولكن لنفرض أن الأمور لم تسر إلى نهايتها وهي الجميعة بأن حصل معوق للشخص بعد ظهور النقيضة بأن مات أو جن أو حصل له أي أمر خطير وانتهى فأين التصاعد في هذا وغيره من الأمثلة التي تكذب حتمية التطور التصاعدي في كل شيء (¬1). وهذه الجدلية عند " ماركس " أو ما يظهر منها عدم إيمانه بالله تعالى وإيمانه بدلا عنه بالمادية الجدلية وتطورها وأنها هي التي أنشأت الدين والسياسة والقانون والأخلاق، بل والإنسان نفسه إنما هو من نتاج تلك المادة وفكره أيضا كذلك بل وجود الله تعالى إنما هو من صنع الإنسان المادي وفكره في عقيدة " ماركس " وهو بهذا قد قلب جدلية " هيجل " التي قامت على الإيمان بالغيب الإلهي إلى المادة وحدها عند " ماركس " ويصح أن نقول أن " ماركس " قد قلب نظرية " هيجل " على رأسها بعد أن كانت على رجليها المعوجتين هي الأخرى. فحينما تسأل ماركسيا عن سر وجود هذا الكون تجده يجيبك بجواب سخيف تافه فيقول أن الكون قد تطور بنفسه إلى أن أصبح على ما هو عليه اليوم في هذا التناسق البديع. ويجيب عن سريان الحياة في الكون بأنه بعد أن اكتمل وجود الكون تطور تلقائيا إلى أن وجدت الحياة على ظهر الأرض ومن ضمنها حياة الإنسان الذي وجد ضمن حركة التطور الديالكتيكي دون أن يكون لها أي مؤثر خارج عن نطاقها غير التناقضات والتضاد الكامن في المادة، كما أنه قد احتدم الخلاف جدا بينهم في قضية العقل والفكر والمادة أيهما السابق والمؤثر في الآخر فالمثاليين منهم – أي المؤمنون بالإله الغيبي – ومنهم "هيجل" يرون أن العقل هو الأساس والمتقدم على المادة وما ينتج عنها بينما الماديون – منكروا الخالق – "ماركس" وأتباعه يرون أن لا شيء في الإيجاد سوى المادة وهي المتقدمة والمنشئة حتى للإنسان وأفكاره. - ويتلخص الجدل الماركسي في ثلاثة قوانين: ¬

(¬1) ([453]). بتصرف عن ((كواشف زيوف)) (ص510).

1 - قانون التغيير من الكم إلى الكيف وهو ما يحدث بطريق المفاجأة كتحول الماء الساخن إلى بخار بزيادة النار عليه. قانون صراع الأضداد الذي يأتي من داخل الأشياء من بذرة النقيض التي توجد في داخل كل شيء وليس من الخارج. قانون نفي النفي أي كل مرحلة تحدث تنفي سابقتها ثم تنفيها مرحلة تالية وهكذا (¬1)، وهما المراحل المشار إليها سابقا. تعقيب: لقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، لقد انجلت الغمة عن الناس وظهر الحق لذي عينين فإذا بالماركسية في العراء في أقبح صورة وأتعس حال وإذا بأكاذيبها وخزعبلاتها تداس بالأرجل، لقد راهن الملاحدة أن نظريتهم الإلحادية ستعم الأرض كلها وسيصبح البشر كلهم ملاحدة كافرين بالذي خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم سواهم أشخاصا في غاية الخصومة لربهم وقاهرهم متنكبين الحق متعالين على الناس محتقرين كل نواميس هذا الكون ومحتقرين كل الشرائع والكتب المنزلة والأنبياء الكرام في جدال بالباطل لا يملكون على كل نظرياتهم أي دليل حقيقي إلا ما زخرفوه من شبهات باطلة ونظريات زائفة لا تثبت أمام الحقائق حتى وإن صوروها على أنها حقائق لا تقبل الجدال وأن كل ما عداها محل شك مستندين إلى ما تم لهم من اكتشافات تجريبية كلها تصرح بعظمة الباري جل وعلا ولكنهم قلبوا الحقائق وجعلوها أدلة على إلحادهم وكل ما هو لله سبحانه وتعالى جعلوه للطبيعة التي عبدوها من دون الله وزعموا أنها تُسيّر الكون في تناسق عجيب محكم وترابط متشابك وكان هذا يكفي دليلا على وجوب الإيمان بوجود خالق مهيمن على كل ذرة في هذا الكون يسيره على نسق واحد دون اختلاف حسب سننه في الكون ولكن الشيطان حال بينهم وبين التفكير الصحيح فقلبوا هذه الحقيقة وزعموا أن هذا التناسق إنما هو من شأن الطبيعة والمادة التي وصفوها بأنها لا بداية لها ولا نهاية لها حتى لكأن الخلاف بينهم وبين المؤمنين بالله تعالى خلافا لفظيا المؤمنون يسمون هذه الطبيعة إلها وهم يسمونها مادية. قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] وكان يجب أن يسميهم الناس مجانين حينما زعموا أن الكون وجد بدون موجد وحدث بعد أن لم يكن حادثا دون محدث له غير ما توهموه من تجمع ذرات هذا الكون وتطورها إلى أن أحدثت هذا العالم والكون وما فيه من أجرام علوية وسفلية وكلها عن طريق الصدفة والارتقاء ولو قلت لأحدهم: إن عمودا كهربائيا وجد بذاته وأصبح ينير للناس الطريق لضحكوا من قائله ونسبوه إلى الجنون بينما هذه الشمس وهذا القمر وهذه الكواكب وهذه الثمار في الأرض والأنهار والجبال كلها وجدت بدون خالق؟! إن الملاحدة يعترفون بعجزهم التام عن معرفة سر وجود الحياة لأي كائن مهما كان صغر حجمه أو كبر وأنهم لا يستطيعون إرجاع الروح لصاحبها إذا بلغت الحلقوم فأين المادة التي يتشدقون بأنها هي الموجدة لهذا الكون ولماذا لا يتوسلون إليها لإرجاع الروح بعد أن يصبح الجسد مادة هامدة؟ ¬

(¬1) انظر ((الشيوعية في موازين الإسلام))، لـ: لبيب السعيد (ص 11 – 12)، و ((نقد أصول الشيوعية)) للشيخ صالح بن سعد اللحيدان (ص 18).

أما ما يرددونه من أن كل الأشياء تحوي تناقضات داخلية مجتمعة في وحدة يسمونها وحدة الأضداد أو وحدة المتناقضات تتصارع فيما بينها ثم ينتج عن ذلك الصراع تطور في صعود دائم لا ينتهي فهو افتراض سخيف إذ لا يوجد إلا في الذهن والذهن قد يتصور أن المستحيلات ممكنة أحيانا ذلك أن اجتماع النقيضين أمر غير ممكن إلا إذا صدقنا بأن الحرارة والبرودة تجتمع في النار أو الحياة والموت يجتمع في الشخص في وقت واحد وليس من هذا ارتفاع الضدين في وقت واحد فإنه ممكن كقول الناس: هذا لا هو أبيض ولا هو أسود، أي على لون غير هذين اللونين أصفر أو أحمر، أما أن يقال هذا أبيض وأسود أو ساكن ومتحرك في وقت واحد فهو مستحيل. لقد غلا الشيوعيون في تقديس المادة وعتوا عتوا كبيرا إلى حد أنه تنطبق عليهم المقالة المشهورة " إذا حدث الشخص بما لا يعقل فصدق فلا عقل له " فأي عقل سليم وأي فطرة سليمة تصدق أن المادة الصماء هي الخالقة وهي الرازقة وهي المدبرة لجميع أمور هذا الكون علوية وسفلية، ظاهرة وخفية مع اعترافهم هم أيضا بأن تلك المادة لا حياة لها ولا فكر ولا تدبير في البدايات الأولى لها غير ما تخيلوه أنها بعد ذلك تطورت حتى أوصلت هذا الكون على ما هو عليه الآن ثم يقولون هي أزلية لا بداية لها ولكنهم يتوقفون حينما يقال لهم أنها حادثة ولا يستطيعون الجواب لأنهم متناقضون وإذا أفحمهم العقلاء عن سر وجود هذا الكون قالوا بأن الكون وجد من العدم ولا يبالون بسخف واستحالة هذا القول، والقول الآخر بأن المادة هي التي تسير العقل وتوجد الفكر لا أن العقل هو الذي يوجد المادة ويكيفها كما يريد مكابرة منهم وجهلا شنيعا حيث صار المصنوع صانعا على حسب مفهومهم فالطائرة هي التي كونت فكرة الإنسان لصناعتها وما الذي يمنعهم من هذا وقد زعموا أن الحياة كلها ظهرت صدفة دون مدبر عليم نتيجة تفاعلات المادة الناتجة عن حركتها الذاتية المستمرة لا أن هناك ربا خالقا لها وهي مكابرات لعلهم أول من استيقن بطلانها لولا العناد والاستكبار وتنفيذ خطط ماكرة (¬1) أملتها الأحقاد اليهودية على مر السنين. ثالثا: التطورهذه الكلمة تتردد على ألسنة كثير من الناس بعضهم يدرك المدلول والمغزى الأساسي لها وبعضهم يعرفها بصورة مجملة ويرددها على هذا المفهوم، وهي في ظاهرها كلمة جميلة توحي بالتجديد والنشاط والحيوية المطلوبة إلا أنه ينبغي أن ندرك أن كثيرا من أصحاب الأفكار الهدامة قد استغلوها استغلالا فاحشا وبنوا عليها آراءهم التي يهدفون من ورائها إلى تغيير المفاهيم السليمة والمعتقدات المستقيمة والحياة الاقتصادية تغييرا جذريا يتفق مع ما بينوه لقلب الحياة الاجتماعية. وسيتضح ذلك من خلال دراستنا لهذه المادة وحسبنا هنا أن نذكر مفهوم التطور بصورة موجزة وهل التطور الذي يريده الشيوعيون هو تطور حقيق أم خرافات وهمية تخيلوها لتأييد ما يهدفون إليه من الإلحاد؟ والتطور بحد ذاته يراد به كما عرفه بعضهم بقوله هو: " الانتقال من مرحلة إلى مرحلة والتغيير من حال إلى حال" (¬2). والواقع أنه إما يكون التطور في خلق الإنسان وتركيبه، وإما أن يكون في أصل نشأة الكون وما فيه. ¬

(¬1) ((نقد أصول الشيوعية)) (ص 18). (¬2) [456]- انظر ((الشيوعية في موازين الإسلام)) (ص 12).

1 - فأما التطور بالمفهوم الأول: فهو حق، وهو ما جاء ذكره في كتاب الله تعالى في بيانه لخلق الإنسان والمراحل التي يمر به في قوله تعالى: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح:14]، أي أوجدكم طورا بعد طور وهو ما فسره الله تعالى بقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون: 1 - 16]. هذه هي أهم الأطوار التي يمر بها الإنسان في حياته الجسمية وهي خاصة ببني آدم، أما آدم فإن هذه التطورات لا تشمله، فقد خلقه الله بيده من تراب الأرض ثم نفخ فيه الروح فكان بشرا سويا. 2 - أما التطور بالمفهوم الثاني فإنه ينقسم إلى قسمين: قسم نشأة هذا الكون والمراحل التي مر بها في تطوره إلى أن وصل إلى ما هو عليه. والقسم الثاني يتعلق بمعرفة أصل نشأة الكائنات الحية والمراحل التي مرت بها في تطورها، وفي أولها الإنسان وكيف نشأ وكيف تطور في وجوده وفي تفكيره وفي معيشته وفي عبادته حسب تفكير أصحاب نظرية التطور وفي أولهم "أراسموس دارون"، وحفيده "جارلس روبرت دارون"، ومن جاء بعدهما على هذه الفكرة الباطلة الخرافية التي أصبح دعوى التطور فيها من أهم خصائص المذهب الشيوعي حيث يقصدون بالتطور أن كل أمر في هذا الوجود يتطور ويتقدم إلى الأمام في خطوات متتابعة إلى ما لا نهاية بزعمهم ويستدلون على ذلك بما قرره من أن الإنسان كان مائيا ثم برمائيا ثم بريا ثم عرف الرق ثم الإقطاع ثم الرأسمالية إلى أن عرف الشيوعية الماركسية وسيتطور فيما بعد – ولا يغيب عن القارئ - وضع الشيوعية اليوم حيث أقر الله عيون أهل الإيمان بموتها في عقر دارها وهذا من الأدلة الدالة على كذب أحلام الملاحدة فيما تصوروه عن التطور المزعوم وأبديته وانتشار المذهب الشيوعي تلقائيا، كما أن هذا المفهوم الذي قرره الملاحدة لتطور الأشياء لم يكن صحيحا فإن تطور الإنسان لم يقم على المادة – كما يريده الملاحدة – بل قام الإنسان نفسه وعلى حسب ما تمليه عليه حاجته إلى الأمور أما المادة الصماء فإنها عاجزة عن تطور نفسها فكيف تعمل لتطوير غيرها. فوجود المادة لا يطور أحدا وليس وجودها كافيا لتطور الإنسان ومعلوم أن الماديين – وهم جاهدون وجادون - في محو كل القيم الإنسانية أو أي شيء يؤدي إلى احترام إنسانية الإنسان، معلوم أنهم يعرفون تلك الحقيقة ولكنهم يتحاشون البوح بها لئلا يؤدي ذلك إلى احترام القيم والمثل والتهذيب الديني للإنسان يجعل كل الفضائل للمادة خير من جعلها للإنسان في ميزان الملاحدة إذ المادة لا خطر من ورائها ولا يؤدي احترامها إلى فرض القيم الدينية التي يخافونها والتي تذكرهم استبداد الدين النصراني المحرف.

إن تطور الإنسان في حياته المادية في معيشته وفي طريقة سكنه وملبسه ومركبه أمر واقع فقد كان الناس يركبون الحمير والجمال والبغال والخيل واليوم أصبحوا يركبون السيارات والطائرات والسفن وغير ذلك من الوسائل التي تطور فيها الناس وهذا التطور بهذا المفهوم أمر حقيقي لا يجهله أحد إلا أنه لم يكن نتيجة لتصادم الحاجات كما أن وجود القيم الإنسانية والأخلاق والدين وسائر الفضائل التي امتاز بها الإنسان عن الحيوانات البهيمية لم تنشأ عن صراع وتناقض ولم يكن فيها الإنسان كالحيوان في المعايير والقيم والسلوك كما قرره الملاحدة حسب ما استخلصوه من نظرية "دارون"، و "فرويد". التفسير المادي للتاريخ والأطوار المزعومة له والرد عليها ومثل وجود هذا الكون وما فيه عن طريق تطور المادة في مفاهيم الملاحدة كذلك أوجدت هذه المادة تاريخ الإنسان على طريقة الجدل المادي الديالكتيكي في تاريخ الإنسان على أساس أن قانون المادية الجدلية هي التي تصنع تاريخ الإنسان دون أي تدخل من الإنسان، بل إن حياة أي مجتمع هو ثمرة واقعهم المادي وحياتهم العقلية هي إنعكاس هذا الواقع وليست الحياة الاجتماعية ثمرة أفكار سابقة، بل الحياة الاجتماعية للناس هي التي تحدد إدراكهم فالمادة سابقة للفكر ومسيرة له بزعم الملاحدة وتاريخ الناس كذلك تصنعه المادة المتطورة بغير إرادة جماعية منهم لأن طلب كل فرد تحقيق غايته وما ينشأ أثر ذلك من تباين الإرادات وتأثير تلك الإرادات على العالم الخارجي هو بالضبط ما يشكل التاريخ لكل المجتمعات التي تنشأ وفق أحوالهم المادية والتاريخ ذاته يمر بمراحل هي في مذهب الملاحدة الماركسيين تتمثل فيما يلي: المشاعية البدائية. الرق. الإقطاع. الرأسمالية. الاشتراكية الممهدة للشيوعية. الشيوعية الأخيرة (¬1). وهي التي تلغي فيها الطبقات كلها كما يدعون وقد ذكر الباحثون أنه من الصعوبة تصور الفضل للمادية الجدلية عن المادية التاريخية ذلك لأنهم أقاموا دراسة تاريخ البشرية على الأسس المادية وقد استقر في مفاهيم الملاحدة كما عرفت أن المادة هي أساس كل المخلوقات والتي منها الإنسان والفكر وأنها هي التي تحكم أيضا حياة البشر الاجتماعية وتكيف حياتهم وسلوكهم وجميع معاملاتهم ومشاعرهم. وهي في تطور دائم وما ينتج عنها من سلوك البشر هو أيضا في تطور دائم تبعا للأصل وهو الوضع الاقتصادي في تطور دون أن يكون للإنسان فيه أي قدرة. وحينما ظهر " دارون" بنظريته حول تاريخ الإنسان وأصل نشأته قرر أن تاريخ الإنسان إنما هو امتداد للكائنات الحية السابقة لوجوده وأنه نتيجة عمل الطبيعة الهوجاء التي تعمل ما تعمل عن خبط عشواء لا عن تخطيط ودقة لتلقي بالإنسان بعد ذلك إلى مصيره عن طريق المادة التي تكيف الإنسان وحياته وتطوره وكل ما يتصل بسلوكه وتاريخه فيها. والملاحظ أن التفسير المادي للتاريخ لا ينفي القيم والأخلاق التي تصدر عن البشر إلا أنه ينفي أن تكون لتلك القيم أو الأخلاق أو سائر السلوك وجود قبل وجود المادة والأوضاع الاقتصادية أو أن تكون تلك القيم والأخلاق لها ثبات دائم أو أنها من الله تعالى بل إن تطور تاريخ المجتمعات البشرية هو قبل كل شيء مرهون بتطور الإنتاج البشري المادي وتاريخ البشر يرتكز أساسا على المصالح المادية التي تربط الناس بعضهم ببعض لا على أساس ديني أو سياسي أو أخلاقي ثابت إذ القيم كلها في مفهومهم سراب لا قيمة لها والغايات تبرر الوسائل على امتداد تاريخ البشر حسب تفسيرهم. مدى صحة الأطوار التي تزعمها الشيوعية ¬

(¬1) [457]- انظر ((الملل والنحل للشهرستاني)) (1/ 249 - 250).

ما زعمه ماركس من أن تاريخ البشر وما يمرون به في حياتهم من أمور مختلفة إنما هو نتيجة لطريقتهم في الإنتاج إن هو إلا كذب محض فإن حياة الناس ومعايشهم والتغييرات التي يمرون بها لا تتوقف فقط على الإنتاج والواقع خير شاهد على أن الذي يغير المجتمعات قد يكون أشياء كثيرة غير وفرة الإنتاج أو قلته، فالفرق المختلفة وأصحاب المذاهب الوضعية واستعمار الناس بعضهم بعضا والحروب التي تشتعل بينهم والغنى والفقر الذي يمرون به وغير ذلك كلها من العوامل التي تحدث التغيير في المجتمعات ولا سبيل إلى إنكار هذا مما يدل على أن قضية الإنتاج إنما هي جزء من الأجزاء الكثيرة التي تحدث التغيير في المجتمعات وليس المال فقط كما قرره الملاحدة وكذلك ما زعمه الماركسيون من أن تاريخ البشر مر بالمراحل السابقة إلى أن وصل إلى الشيوعية هي في الحقيقة كلها مزاعم فارغة كاذبة وقد ظهر كذبها فإن " ماركس " زعم أن العالم الغربي المتطور سيترك الرأسمالية ويتحول حتما إلى الاشتراكية الشيوعية فكان العكس هو الصحيح إذ رفض العالم المتطور فكرة الشيوعية وتقبلتها الدول المتخلفة نسبيا كروسيا والصين وقد بدأت تظهر في تلك البلدان العودة إلى الرأسمالية رويدا رويدا خصوصا بعد أن بدأت الشيوعية تحتضر كما أن ما يتنبؤون به من أحداث ستحصل في المستقبل يدل على تناقضهم لأنهم لا يؤمنون بأي شيء في المستقبل يدل عليه العقل بل يؤمنون بما يدل عليه الواقع المشاهد الذي تفرزه الطبيعة فقط إلى أن ماتت الشيوعية دون أن ينتقل الناس إلى الشيوعية الأخيرة التي زعموا أنها ستقضي على جميع الطبقات فتبين كذب الشيوعية جملة وتفصيلا. 1 - المشاعية البدائية أما بالنسبة للمشاعية البدائية التي زعم الملاحدة أن الإنسان نشأ بدائيا كقطيع من الحيوانات ثم أخذ يتطور إلى أن استطاع إنتاج أدوات العمل في تطوره التدريجي البطيء وأنه اكتمل بفضل التعاون الذي قام بين أفراد البشر وأنهم استطاعوا انتزاع حياتهم من الطبيعة التي كانت تغالبهم ويغالبونها ثم أضافوا إلى هذا الافتراء افتراءا آخر وهو أن ذلك التطور قد اكتمل في الناس من غير إرادتهم ووعيهم وأنهم انتصروا على الطبيعة بفضل تعاونهم المشاعي في الزراعة والصناعة وغيرهما إلا أنه حينما انصرف بعض أفراد البشر إلى الإنتاج الفردي لا المشاعي ظهر التناقض بين الملكية الاجتماعية والطابع الفردي لعملية الإنتاج فاصطدم هذا الوضع وتناقض مع الرغبة في الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ونتج عن ذلك القضاء على النظام البدائي المشاعي كحتمية طبيعية للتطور المستمر في الحياة قاطعة بذلك خطر سيره، ثم نشأ بعد ذلك الصراع الطبقي على المصالح المادية فبدأ من هنا تاريخ الصراع الطبقي في المجتمعات نتيجة للتطورات المتلاحقة وحياة الإنسان فاصطدمت بالنظام الرأسمالي الذي يمثل سيادة أصحاب رؤوس الأموال على الفقراء وعلى الأفكار عموما. ثم نتج عن ذلك أيضا قيام قضية الرق الآتية. 2 - الرق

زعم الملاحدة أن قضية الرق نشأت إثر صراع طبقي بين المنتصرين في الحرب والمهزومين من جهة، وبين أصحاب الأموال الدائنين وبين الفقراء المدينين من جهة أخرى ولأسباب مادية أيضا انهار أمر الرق تدريجيا لأنه لم يعد تجارة رابحة وأيضا فإن أولئك المنهزمين والفقراء حينما أحسوا في فترة من فترات تاريخهم للرق والعبودية التي يعانونها أرادوا أن يثأروا لأنفسهم كما هو الحال في بقية الحيوانات الأخرى التي شاركتهم في النشأة الأولى وحصل الصراع الطبقي العنيف بين الفقراء المعوزين والأغنياء انتصر فيها الفقراء وجعلوا الأغنياء في النهاية عبيدا ليبدأ الصراع أيضا على أشده كأنهم قطعان الثيران المتصارعين وهنا تدخل الدين ليكون أداة روحية لاستعباد الجماهير وإقامة كل الأشكال الراهنة للوضع الاجتماعي بما يعدهم به أن صبروا على ما هم فيه من البلاء والذل؟! وازداد النظام الاستعبادي ضراوة وصراعا فنشأ الإقطاع، هكذا تعليلهم لنشأة الرق وظهور التدين ونهاية الرق وهذه كلها كما يلاحظ القارئ اللبيب افتراضات خرقاء وليس لهم أي دليل إلا آراؤهم التي تخيلوها في نشأة الرق والإقطاع وغيرها من التقسيمات التي أحدثوها بأفكارهم الإلحادية، ولأنهم لا يعلمون أن حكمة الله تعالى اقتضت أن لا يكون الأنبياء من أصحاب الثروة أو الجاه فظنوا والظن أكذب الحديث أن الأنبياء إنما أتوا بما أتوا به محافظة منهم على حفظ أموالهم وتجاراتهم وليبقى الكادحون أرقاء لهم دائما إن هم صبروا على ما هم فيه، وأنت تعلم أيها القارئ أن هذه الخدعة لا مكان لها إلا رأس إبليس ومن اتبعه من الملاحدة أصحاب الخيالات السقيمة. 3 - الإقطاع علل الملاحدة لظهورالإقطاع بأن العالم كانوا على طبقتين هما طبقة كبار الملاك، وطبقة رجال الدين. وبقية الناس مسخرين مستعبدين لهاتين الطبقتين وحينما ظهرت أدوات الإنتاج المتطورة كالمحراث الحديدي وغيره من الأدوات الجديدة ظهر الإقطاع بشكل قوي وصار المستعبدون تحت رحمة الملاك وأصحاب الجاه يعملون لحسابهم ولا ينالون إلا ما تجود به أيدي أولئك الأثرياء في الوقت الذي كان فيه الأثرياء ورجال الدين قد تمالأوا على إبقاء تلك الطبقة الفقيرة في معزل عن التفكير السليم لحالهم ولكن بعد وقت أفاق الفلاحون ورأوا ما حل بهم من الغبن فثاروا ضد تلك الطبقات الثرية والدينية لرفع الظلم الفاحش عنهم ولكن ثورتهم كانت أضعف من إزاحة تلك الطبقات الثرية والدينية لما يأتي: أولا: لأنها ثورة غير منظمة. وثانيا: لحاجة الفقراء الشديدة. وثالثا: للقوة المتينة التي كان يتحصن بها الأثرياء وأصحاب الدين. إلا أن تطور الأمور الاقتصادية أخذت تحط من كبرياء أصحاب الثروة من الإقطاعيين لتحل الرأسمالية بدل الإقطاع في حركات تطورية متلاحقة تتمشى مع خيالات واضعي الماركسية، وبغض النظر عن صحة هذا التعليل أو عدم صحته فإن الإسلام يعتبر تلك الأوضاع كلها باطلة وجاهلية بغيضة ما أنزل الله بها من سلطان، على افتراض وجود تلك الأحوال على الصورة التي تخيلها " ماركس " وأتباعه، فلا يجوز رد الحق بالخطأ والتخمين. الرأسمالية " البرجوازية ": لقد ظهرت الرأسمالية – أو البرجوازية كما يسميها الشيوعيون – لعدة عوامل من أهمها: - استحواذهم في الأساس على مصادر المال واستقراره في أيديهم. - اختراع الآلات الحديثة التي حلت محل الأيدي العاملة من طبقات الإقطاع والرق لعدم إنتاجهم بالكثرة التي تنتجها تلك الآلات فصارت حالة الرق متناقضة مع حالة الإقطاع فألغت بدورها حالة الإقطاع التي كانت قائمة على استعباد الكادحين للعمل للإقطاعيين النبلاء وبحث الجميع عن رأس المال. - ازدياد حجم التجارة في أوروبا بدلا عن الزراعة.

والملاحظ أن أولئك الذين كانوا يطلبون العمل بأيديهم لم يكن دورهم كافيا لملأ ما تحتاج إليه الحركة الصناعية القوية كما هو الحال بالنسبة للآلات الحديثة، وهذا أحدث بدوره رد فعل لدى العمال لتحطيم الإقطاع المستند إلى الآلات الحديثة بسبب التناقض مع القوى المنتجة النامية من جهة وحاجة العمل من جهة أخرى إلى العمل والكسب وهذا بدوره قد هيأ الجو لتصاعد قوة الرأسمالية التي تسعى دائما لزيادة الإنتاج والمكاسب الوفيرة وما نشأ بين أفرادها من تعاون مثمر في شتى المجالات وقد جعلوا استغلال طبقة من الناس لطبقة أخرى هو أساس الحضارة لكي يحصل التناقض الذي يوصل طبقة إلى الاستعلاء على طبقة أخرى فما من شر لطبقة أخرى إلا وهو خير لطبقة أخرى وهكذا صراع دائم من أجل البقاء، كما أن تجمع الشعوب واتحادها إنما يعود حسب تفسيرهم إلى المصالح الاقتصادية التي قامت عليها الرأسمالية غير أن الرأسمالية أصبحت مناقضة لمصالح طبقة البروليتاريا – أي طبقة العمال – فكان لزاما على هؤلاء العمال أن يصارعوا طبقة الرأسمالية وأن يطيحوا بها بالطرق الثورية وأن يستبدلوها بالنظام الشيوعي الذي يستوعب تلك التناقضات ويصفيها في مجتمع ليس فيه طبقات يستغل بعضهم بعضا، وإنما فيه طبقة واحدة يكون الإنتاج فيها ملكا مشتركا بين الدولة – خدعة شيوعية بارعة – ولكن هذا الصراع لا ينقل الناس مباشرة من الرأسمالية إلى الاشتراكية بل يمر بمراحل تدريجية قبل انتقالهم من الرأسمالية إلى الاشتراكية ثم إلى الشيوعية التي تحقق لهم مبدأ "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته" والتي تتم بجهود ضخمة من العمل المتواصل لزيادة الإنتاج لتتحقق تلك القاعدة "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته". وهكذا يتضح بجلاء أن التعليلات الشيوعية كلها قائمة على مجرد خيالات وتصورات ليس لها ما يسندها، بل هي ضد العقل والمصالح كلها دينية، ودنيوية، وأن ما تصوروه عن بداية المجتمع المشاعي وظهور الرق والإقطاع والرأسمالية ثم الاشتراكية الممهدة للشيوعية كل هذه الحلقات افتراضات وتخمينا وأول ما يدل على كذبهم فيها أنهم لا يستطيعون أن يحددوا بداية كل مرحلة وظهور التي تليها تحديدا دقيقا مع أنه حتى ولو حددوها لا يقبل منهم لعدم وجود أدلة على ذلك يقبلها العقل. وقد سلسلوا تلك الأحداث ليصلوا إلى النتيجة التي يهدفون إليها وهي إظهار الشيوعية بمثابة الثمار الشهية اليانعة التي نضجت بعد الجد والاجتهاد وتطور الأحوال من حال إلى حال ولإظهارها كذلك بمظهر المنقذ لتعاسة الإنسانية على مدى تاريخ الحياة البشرية على وجه الأرض، وكم علت تلك الأصوات، وكم أخذت في طريقها من ضحايا قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة في أيام "جورباتشوف" الذي تولى رئاسة الإتحاد السوفيتي بعد "يوري أندروبوف"، و"بريجنيف" وللباطل صولة ثم يضمحل وقد مزق الله الإتحاد السوفيتي كل ممزق ويتلوه إن شاء الله الرأسمالية الأمريكية وغيرها من مذاهب الكفر والضلال. فلا يوجد عند العقلاء أدنى شك في أن تفسير الملاحدة لتاريخ البشر هو ضلالة كبرى من ضلالات الشيوعية وهضم واضح لتاريخ البشرية وطمس للوجه المشرق من تاريخهم في مختلف الأزمنة حينما لا يعترف هذا التفسير بأية قيمة خلقية، أو دينية، أو ثقافية، أو اجتماعية قبل ظهور عبادة المادة الصماء فهو قائم على النظرة الاقتصادية البحتة فلا قيمة لأي شيء إلا من خلال هذه النظرة الضيقة الباطلة التي لا يعرفون سواها.

إن تاريخ البشر مملوء بالأحداث المختلفة على مر الليالي والأيام بعضها تكون أحداث كبيرة، وبعضها صغيرة، وبعضها يكون للمادة تدخل ما فيه، وبعضها لا تمت إليه المادة بأدنى سبب. ولقد سجل التاريخ أعظم حدث في هذا الوجود في فترة زمنية قصيرة ولا تزال آثارها واضحة قوية وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فما هو هذا الحدث؟ إنه الإسلام بتعاليمه السامية ونظمه العادلة، فكيف نشأ وما هي الأسباب التي أدت إلى تغييره للمفاهيم التي قبله رأسا على عقب وأي حالة اقتصادية اقتضت ظهوره على تلك الحال؟ والجواب عند المؤمنين بالله تعالى لا يحتاج إلى إعمال الفكر ولا إلى الاجتهاد فإن الجواب يأتي تلقائيا أن الله هو الذي أنشأه وأظهره في الوقت الذي اقتضته حكمته دون أي صراع مادي، ولهذا فإن التفسير الإسلامي لتاريخ الإنسان ونشأته في هذا الكون من البدهي أن يختلف اختلافا جذريا عن التفسير المادي له عند الملاحدة ذلك أن الإسلام يقرر أن للإنسان مفهومه الخاص به وأنه متميز عن بقية المخلوقات التي تساكنه في هذه الدنيا فهو مفكر وله عقل وتمييز يدبر الأمور ويصرفها وفق مصالحه وإرادته وهو الذي يسير المادة وليس المادة هي التي تسيره وتتصرف فيه – كما في المفهوم الشيوعي – ففي الإسلام ينبع تاريخ الإنسان من حياته وتفكيره وعمله وتوجهاته وما يتلقاه من التعاليم الإلهية على أيدي رسل الله عليهم الصلاة والسلام وليس من المادة. يبدأ تاريخ الإنسان في الإسلام من خلق الله له من طين الأرض، ثم نفخ الروح فيه، ثم إهباطه إلى الأرض واستخلافه فيها وقيامه أو عدم قيامه بأوامر الله ونواهيه وسلوكه الخير والشر، وما يسطره الإنسان في صفحات كتابه الذي سيقرؤه يوم القيامة، وما يتبع ذلك من الحساب والثواب والعقاب. ولا شك أن هذه المفاهيم بعيدة كل البعد عن تاريخه المادي في مفهوم الشيوعية التي تهبط بالإنسان إلى الحضيض ولا تعترف له بتلك المنزلة العالية التي يشابه فيها الملائكة في علو روحه إن أطاع الله تعالى واتقاه، هذا الجانب أغفلته الشيوعية ولم تنظر إليه إلا على أنه حيوان بهيمي لا هم له إلا بطنه وفرجه، ولا ذكر لروحه ومزاياه العديدة، وليس فيها أن الله كون الإنسان من جسد وروح وأن كلا منهما يطالب بحقه وغذائه المادي والروحي مطالبة حثيثة، وليس فيها أنه لا يجوز أن يغلب جانب منهما على آخر إلى حد الإهمال كما قررته الشيوعية فهذا التوازن لا يوجد إلا في الإسلام لكي يتم التوازن الحقيقي بينهما، فإن الإسلام لا يقدس الجسد وشهواته الحسية فقط ولا يقدس الروح إلى حد الغلو فيها وإنما الإسلام يوازن بينهما ويجعلهما شريكين متماسكين لا متصارعين كما هو حال الأنظمة الجاهلية المادية. ويمكننا القول بأنه إذا كان ظهور الشيوعية كنتيجة مادية قامت بالعنف والجبروت فقد رأينا نهايتها المخزية، بينما الإسلام وقد قام على العقيدة الصحيحة والعدل التام انتصر وتأثر به الناس وأحبوه وأحدث في أنفسهم قوة جبارة كانت كامنة ففجرها الإسلام وأثار الأرض كلها ولم يقم على العنف ولا الصراع المادي والطبقي لاستناده إلى عناية الله تعالى به لأنه حق والحق دائما هو الباقي وأما الزبد فيذهب جفاء، فلو أن الإسلام كان ظهوره بسبب عوامل مادية لانتهى بانتهاء تلك الحال أو لوجب أن تنشأ قوة مثله كلما تكررت تلك الحال التي افترضها الملاحدة لظهور الأنبياء والمرسلين والشرائع التي أتوا بها وهم لا يقولون بذلك ولا يقرونه فظهر تناقضهم واضحا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور:40]. التفسير المادي للإنسان

لقد أفادت النظرية الداروينية الكاذبة أن الإنسان حيوان يعود إلى نسل القردة ثم تطور بفعل المادة إلى أن أصبح إنسانا وجاء الملاحدة فأكملوا خيوط هذه المؤامرة النظرية وزخرفوا فيها القول لإثبات تشويه صورة الإنسان الذي كرمه الله تعالى وجعل فيه النبوة والعقل وشرفه بالتكليف فصوره على أنه حيوان تطور عن جماعة القردة لا فرق بينه وبين بقية المخلوقات ليسهل لليهود في النهاية استحمار البشرية وسوقهم إلى حظيرة اليهود الذين يعتبرون – كل الجوييم – حيوانات خلقت على صور اليهود لتسهيل خدمة أسيادهم اليهود شعب الله المختار بزعمهم. ويذكر الباحثون أن دارون وإن كان قد أرجع أصل الإنسان إلى القردة لكنه لم يرجعه إلى المادة الصماء كما قرره الملاحدة من بعده فإن الإنسان عند دارون أرفع رتبة منه من رتبته عند الملاحدة الماركسيين وقد جعل مجال الحديث عن الإنسان وسائر الكائنات الحية هو علم الحياة الذي يختلف اختلافا بينا عن علم المادة. ومع هذا الهبوط بالإنسان في نظرية دارون إلا أن الملاحدة لم يكتفوا بذلك بل أضافوا له دفعات إلى الأسفل في الهبوط فاعتبروا فكر الإنسان الذي يميزه عن سائر الحيوانات جعلوه ناتجا عن المادة المحضة لا قيمة له عن الجسم المادي نعم إن الله أوجد الإنسان من مادة هذا الكون ولكن حصل له تشريف عظيم أخرجه تماما عن صفته المادية وهذا التشريف هو نفخ الله فيه الروح فصار عظيما مشرفا بهذا ولم يبق على مادته الترابية هنا يظهر تناقض الملاحدة إذ يزعمون أن الإنسان أفضل المخلوقات بينما يثبتون أنه من المادة فكيف ساغ لهم أن يفاضلوا بين مادة ومادة دون مبرر؟ وكيف ساغ لهم أن يقولوا أن الإنسان سيد هذا الكون ما دام الإنسان مخلوقا منه بفعل المادة لقد تضاربت أفكار الملاحدة دون أي اكتراث منهم بذلك. ويظهر أن القصد الأخير لهم هو الدفع بالجوييم إلى القناعة بحقارة أصلهم وبالتالي فلا يحق لأحد منهم أن يفخر بأنه إنسان مكرم بينما اليهود لا يدخلون في تسمية "إنسان" لأن عنصرهم من عنصر الله وأنهم شعبه المختار إلخ أوصاف التلمود لهم ولقد أراد الملاحدة طمس إنسانية الإنسان وإلحاقه بالجمادات أو الحيوانات الدنيا إلا أنهم واجهتهم حقائق تكذبهم علنا وتعلن بوضوح أن الإنسان كائن أسمى مما تصوروه لا فرق بين إنسان وإنسان في المزايا الآتية: 1 - الإنسان مفكر بينما لا توجد هذه الصفة في أي مخلوق آخر من الحيوانات. 2 - الإنسان يتكلم ويفصح عما في ضميره بكل فصاحة وهذه الصفة لا توجد إلا في الإنسان. 3 - الإنسان له تقاليد وعادات لا توجد إلا فيه وحده تقاليد وعادات في العشرة وفي سائر السلوك في الكرم والشجاعة والإيثار والحزن والفرح وغير ذلك. 4 - الإنسان ينتج بأفعاله مختلف الأشياء فهو يبني ويهدم ويصنع ويحرث ويتفنن في كل أموره حسب تفكيره واختياره. 5 - الإنسان يتطور ويستفيد من أخطائه ومن تجاربه فيحذر الوقوع في نفس الخطأ الذي وقع فيه ويقارن بين الأمور. 6 - الإنسان هو سيد كل الحيوانات التي تعايشه في الأرض وقد استخدمها وانتفع بها بكل مهارة وريضها على فعل كل ما يريده بطريقة توحي بأن الإنسان كائن متميز عجيب فمن الظلم إلحاقه بما تصوره عنه الملاحدة من أنه من فصيلة القردة ثم تطور. 7 - الإنسان له قدرة عجيبة على كبح جماح نفسه وتهذيب طباعه وكبت غرائزه بصورة لا تقبل أي شك في تميزه. 8 - الإنسان له قدرة على التعلم والتعليم والقراءة والكتابة وهي صفات لا توجد في أي مخلوق في الأرض سواء اللهم إلا أن يكون الجن.

9 - الإنسان يستحسن أشياء كثيرة ويستقبح أشياء كثيرة ويسن لنفسه ولغيره قوانين وأنظمة يسير بموجبها وهي صفات خاصة به تدل على سموه وشرفه. 10 - للإنسان خيال واسع وإدراك قوي يخطط للحاضر وللمستقبل وهذا الخيال الخصب لديه ميزة خاصة به يختار أمورا ويترك أخرى وينظم مساراته للمستقبل وفق ما يريده وكأنه على معرفة مسبقة به (¬1). إن كل هذه الصفات وغيرها مما تحلى به الإنسان لهي صفعة في وجوه الملاحدة الذين سلبوه صفاته التي ميزه الله بها وشرفه بالتكليف والعمل لدنياه ولآخرته وجعله مستخلفا في الأرض لإحيائها فهل يصح أن يقال بعد ذلك أن الإنسان مادة مجردة عن أي اعتبار أو أنه حيوان تطور بفعل مرور الزمن أو غير ذلك من نظرياتهم الفاسدة وأنى لمادة صماء أن تخلق إنسانا تتوفر فيه تلك الصفات العالية والفضائل الرفيعة والتركيب العجيب، وأنى لفاقد الشيء أن يعطيه فهل يفيق الملاحدة وهل يتركون استهتارهم بهذا الكائن العظيم؟ ويحترمون روحه وفكره وأصله الذي شرفه الله تعالى بخلقه بيده تشريفا وتكريما له وأسجد له ملائكته المسبحة بقدسه؟ التفسير المادي للقيم الإنسانية وحينما قرر الملاحدة أن الإنسان مادة أصبح مفهوم القيم من الأمور التي لا قيمة لها إذ المادة لا تتصف بأي قيمة روحية أو نفسية أو خلقية وهذا هو الواقع الذي قرروه وأن القيم كلها ليس لها صفة ثابتة وإنما هي إنعكاس للأحوال الاقتصادية فلا حقيقة لها إطلاقا إلا أنه لم يكن بإمكان الملاحدة أن يتجاهلوا وجود هذه القيمة التي يتمثلها الناس قديما وحديثا في حياتهم وفي تعاملهم في أمور ظاهرة فاخترع الملاحدة لها تفسيرا يشوهها ويهون من مكانتها المرموقة، بل ويقضي عليها في النهاية قضاء تاما. وهذا التفسير المادي للقيم يتمثل في الأمور الآتية: 1 - تضخيم العامل المادي والاقتصادي وجعله أساس كل شيء في حياة الإنسانية وجعلوا الأخلاق والقيم كلها تابعة لحالة الإنسان الاقتصادية، وتبادله المنافع مع الآخرين وأن الوضع الاقتصادي هو الذي يحدد مشاعر الناس وأفكارهم وعقائدهم وكل قيمهم. 2 - زعموا أن كل القيم لا ثبات لها أي لم تنشأ عن دين أو توجيه إلهي وإنما هي تابعة لتطور الإنسان في المادة هبوطا وارتفاعا، خيرا وشرا، وأن كل القيم المعنوية إنما هي انعكاس للوضع الاقتصادي لكل أمة. 3 - جعلوا الدين هو المصدر الفياض للأخلاق والقيم جعلوه محل سخرية واستهزاء وإن كل تلك القيم إنما نشأت عن عوامل اقتصادية لا عن الدين الذي تذكره الكتب السماوية والذي يصورونه كعدو لدود للقيم الإنسانية. 4 - ونشأ عن ذلك الاستهزاء بالحق والعدل الإلهي الذي أكدت عليه جميع الشرائع الإلهية فزعموا أن ذلك لا حقيقة له إلهية وإنما هو تابع للأحوال الاقتصادية التي أوجدته وهي التي تمليه على الناس في أحوالهم المختلفة من فقر وغنى وكثرة وقلة وحب وكراهية. لقد أرجع الملاحدة الشيوعيون كل القيم إلى حال الناس بالنسبة للمادة فقسموا المجتمع إلى قسمين: 1 - المجتمع الزراعي. 2 - المجتمع الصناعي. ¬

(¬1) [458]- يقصد بالذي تولى: نبينا محمد.

ثم زعموا أن الأخلاق والقيم والإيمان بالقدرة الغيبية وتماسك الأسرة والحفاظ على العادات القبلية وما إلى ذلك إنما سادت في المجتمع الزراعي لما يشعرون به من حاجة إلى قوة عليا تنبت لهم البذور في الأرض أو لبعضهم بعضا خصوصا وهم يشاهدون الأخطار الطبيعية من حولهم كالصواعق والبراكين وهيجان البحار ونحو ذلك فاحتاجوا إلى التعلق بإله قوي يحميهم وينفعهم. بينما تلك الأمور كلها لا مكان لها في المجتمع الصناعي، وذلك أن المجتمع الزراعي البدائي في الشيوعية الأول كان بينهم تعاون وفيهم استقرار وهدوء وسعادة بسبب عدم وجود الملكية الفردية التي ظهرت بعد ذلك بفعل التطور الاقتصادي وزعموا أن الأولاد في هذه المرحلة كانوا يتبعون الأمهات – أي كالحيوانات تماما – ثم تحول نظام التبعية من الأم إلى الأب باستيلاء الأب على كل السلطة بفعل ظهور الملكية وظهور التحسن في الجوانب الزراعية وتعاون الأسرة جميعا في القيام بها تابعين لأبيهم الذي سيورث لهم كل ما يملكه بعد موته فتمت الطاعة للأب وعمل الجميع تحت أمره واعتبار تلك الأمور من باب الاحترام الواجب للأب فلم يكن لذلك سبب إلا الرغبة في امتلاك ما تحت يده بعد موته والاستفادة منه في حياته – انظر إلى هذا العقوق – وتناسي العاطفة والحنان المتبادل بين الأسرة. ثم نتج عن ذلك بفعل التطور نظام الرق الذي سببه في الدرجة الأولى التحسن في الزراعة واكتشاف نزعة الملكية الفردية فمالت الجهات القوية على الضعيفة تستعبدها وتسخرها في العمل لزيادة الإنتاج للأغنياء وسد حاجة الفقراء الضرورية فقط ثم نتج عن ذلك الوضع – حسب التطور – نظام جديد هو نظام الإقطاع، الذي سببه اكتشاف الآلات التي تفيدهم في حراثة الأرض كالمحراث وغيره فاحتاج الأغنياء إلى الفقراء ليقوموا بحراثة الأرض وجباية محاصيلها لهم فنشأ عن ذلك خلق حب الاستعباد والقهر للغير وحب السيطرة الذي أنتج بدوره نظاما جديدا وهو ما بدا ظاهرا في النظام الرأسمالي الجشع الذي حول الملكية من ملكية زراعية إلى ملكية رأسمالية جعلت الفقراء عبيدا وذللتهم للأغنياء ونشأ عن ذلك حب الذلة والمسكنة والاستهانة بالنفس بسبب قوة المادة الاقتصادية عند كبار الأغنياء واستحواذهم على مصادر العمل والكسب وهذا لا شك أنه أمر يغضب طبقة الفقراء ويوجد فيهم حب الرغبة في الانتصاف ورفع الظلم وثورة كامنة في نفوسهم كمون النار في عود الكبريت. ثم نتج عن ذلك صراع مرير فيما بعد لينبثق عنه بعد ذلك العودة إلى الشيوعية إثر الصراع بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال على ملكية الإنتاج وانتصار العمال بقضائهم على طبقة الرأسمالية لتعود الملكية جماعية كما كانت في البداية هذا حسب تعليل زعماء الشيوعية وقد سبق أن أشرت إلى أن هذه الأفكار كلها خيالات كاذبة تفتقر إلى الدليل وإلى العقل الذي يصدق بها، إنها افتراضات تدل على مدى النفسية الخبيثة لـ "كارل ماركس" وما كان يعاني من ضيق الخلق والأنانية الشريرة ومحاربته لكل الفضائل والسمو الأخلاقي والرغبة في تدمير الأغنياء وليت شعري هل الأولاد لا يحبون أباهم إلا ليرثوه فقط؟ وهل المال والحصول على المادة كافية لسمو الأخلاق؟!! أليس الإنسان يطغى أن رآه استغنى إلا من وفقه الله تعالى، بل أليس من التناقض أن يقال إن المجتمعات الزراعية القديمة كانوا يعيشون في وئام تام وهدوء وأخلاق عالية بينما يصف المتأخرون اليوم أنفسهم بأنهم في تقدم شامخ ووعي كامل وحضارة راقية وهم يحملون في صدورهم قلوبا حاقدة عدوانية ولا يلوي أحد على أحد فكان يجب أن يعكس الأمر تماما على حسب ما قرره في هذه التناقضات. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1081

تاسعا: أهداف قيام الشيوعية [459]- انظر ((كشف أسرار الباطنية)) للشيخ محمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي اليمني (ص 55)، و ((الحركات الباطنية)) د. محمد بن أحمد الطيب الخطيب (ص 66).

تاسعا: أهداف قيام الشيوعية (¬1) مرَّ بنا أن اليهودية العالمية هي التي صنعت الشيوعية الماركسية، وأنها جعلتها وسيلة لتحقيق أهدافها للسيطرة على العالم، وتسخير المواد والمنتجات لخدمة أغراضها الدنيئة، وأهوائها المنحطة. ثم إن دراسات ماركس ليست وليدة بحث علمي أو تفكير منطقي يهدف إلى إصلاح العالم، بل كان البحث الذي قام به في هذا الصدد بمثابة الدفاع أو التسويغ لتلك النظرية التي اعتنقها من قبل؛ لكي تلبس لبوس العلم والبحث. وكان من الأهداف التي ترمي إليها الشيوعية ما يلي: 1 - بث الأحقاد والفرقة والعداوة بين المجتمع العالمي عن طريق التآمر والصراع بين الطبقات. 2 - معارضة الدين، والملكية الفردية، وحرية الرأي. 3 - نشر الإلحاد، والفساد والإباحية. 4 - القضاء على الأديان الموجودة عدا اليهودية. 5 - القضاء على الحياة الأسرية، وجعل الولاء مقصوراً على السلطة الحاكمة، مع تخويل السلطة الحاكمة بألاَّ تحكم وفق قوانين ثابتة، وإنما تتغير القوانين حسب مصالح الحاكم الخاصة، وأهوائه الذاتية المتقلبة من وقت لآخر. 6 - وبالجملة فأهداف الشيوعية تتفق كثيراً مع أهداف اليهودية العالمية التي مضى ذكر لبعضها ضمناً عند الحديث عن أسباب قيام الشيوعية وعن معتقداتها، وأخلاقها. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 400 ¬

(¬1) [459]- انظر ((كشف أسرار الباطنية)) للشيخ محمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي اليمني (ص 55)، و ((الحركات الباطنية)) د. محمد بن أحمد الطيب الخطيب (ص 66).

عاشرا: الوسائل التي توصل بها الشيوعيون إلى تحقيق أهدافهم

عاشرا: الوسائل التي توصل بها الشيوعيون إلى تحقيق أهدافهم لقد دأب الشيوعيون وساروا سيراً حثيثاً في سبيل تحقيق أهدافهم والوصول إلى مآربهم، وقد سلكوا في ذلك السبيل طرقاً شتى، ومن ذلك ما يلي (¬1): 1 - إقامة المنظمات الشيوعية في مختلف بلدان العالم وفق أرقى التنظيمات الحزبية، معتمدة في ذلك على إرضاء الشهوات، وإثارة الأحقاد، وسلخ جذور الدين والأخلاق من أعماق النفوس. 2 - اعتماد وسيلة الثورات الدموية العنيفة لقلب أنظمة الحكم، واستيلاء الشيوعيين عليه. 3 - بعد الوصول للحكم يتجه الشيوعيون لتصفية كل العناصر المضادة، ثم العناصر ذات الولاء المشوب، ثم العناصر التي يمكن أن تنافس أو تضاد في المستقبل. 4 - محاربة جميع الأديان لاسيما الإسلام - باستثناء اليهودية - فإن لليهود في معظم أنظمة الحكم الشيوعي تمكيناً سرياً، ومعاملة خاصة، وحماية وحصانة، وتركاً لقضاياهم الدينية الخاصة. 5 - القضاء على علماء الدين والدعاة إليه، ولاسيما المسلمين منهم ومحاربتهم بالتشريد، والنفي، وتشويه السمعة؛ حتى يتسنى للشيوعيين تحقيق ما يريدون دون أن ينتبه أحد لخطرهم وخططهم. 6 - فرض الضرائب الباهظة على أفراد الشعب؛ لإذلالهم، وإرهاقهم كي يقبلوا الشيوعية طوعاً، أو كرهاً. 7 - القضاء على الملكية الفردية، وجعل الزراعة تحت إدارة الحكومات الشيوعية. 8 - امتلاك المصانع، وجعلها تحت سيطرة الدولة. 9 - الاستيلاء التام على التجارة. 10 - القضاء المبرم على الأخلاق الفاضلة، وفتح الأبواب للفساد، وإقامة الأخلاق الحزبية التي تخدم مصالح الحزب، وتتوجه أين توجهت ركائبه. 11 - إشاعة الإباحية الجنسية، ودفع المرأة للتحلل التام من ضوابط العفة، ومبادئ الشرف، مع نزع النخوة والغيرة من نفوس الرجال. 12 - تقسيم الشعب إلى طبقتين: أ - طبقة السادة: وهم الشيوعيون، ومن تابعهم وخضع لهم. ب - طبقة المنبوذين: وهم الذين لم ينتظموا في الحزب ولم يقبلوا نظام حكمه، أو لم يخضعوا له، ولم يعلنوا له ولاءهم التام. 13 - السيطرة التامة على التعليم؛ فلا يسمح لأي شيء إلا عن طريقهم، ووفق خططهم، ومناهجهم، ويمنع بذلك التعليم الديني تماماً حتى في البيوت والكتاتيب. 14 - إحكام السيطرة على الإعلام - فلا ينشر في وسائل الإعلام إلا ما يمليه الحزب، وما يوافق هواه. 15 - القضاء على المعابد الدينية قضاءاً شبه كلي إلا قليلاً منها يترك للدعاية الخارجية، بل لم يكتفوا بهدم المعابد، وإنما حولوها إلى مباءات فسق، ومنتديات خناً وفجور. 16 - إقامة السياسة الدكتاتورية المستبدة بكل شيء، وبهذه السياسة تصادر جميع الحريات، الفردية والجماعية، باستثناء الحرية الشخصية الضيقة، والتي منها الحرية الجنسية. 17 - إقامة شبكة تجسس واسعة النطاق، وتكليف كل فرد - قانوناً - بأن يبلِّغ عن كل ما يراه مخالفاً لقانون الدولة وسياستها، حتى ولو كان المخالف ابنه أو أمه أو أباه، أو أخاه، أو قريبه، أو صديقه أو زوجه. وإلا عُدَّ مجرماً بجرم السكوت عن التبليغ، ويستحق بذلك الجزاء والعقاب بالسجن فما فوقه، وقد يكون بمثابة شريك في الجرم. 18 - نشر الشيوعية بمختلف وسائل الترغيب والترهيب بين أفراد الشعب، وفي الشعوب غير الخاضعة للحكم الشيوعي. 19 - العمل على تحويل العالم إلى دولة شيوعية واحدة خاضعة للأيدي القابضة على الأنظمة الشيوعية من وراء الستار. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 400 ¬

(¬1) انظر ((الشيوعية في موازين الإسلام)) (ص 15).

حادي عشر: أسباب انتشار الشيوعية في العالم الإسلامي

حادي عشر: أسباب انتشار الشيوعية في العالم الإسلامي لقد دخلت الشيوعية الماركسية كثيراً من بلاد المسلمين، وما كان ذلك ليتم لها؛ لأن مسوغات انتشارها في أوربا وروسيا كثيرة؛ وأبرزها غياب المنهج الصحيح وهو الإسلام. أما بلاد المسلمين فإنها تنعم بالدين الحق، فما حاجتها - إذاً - للشيوعية؟!. وكيف تسمح لمثل هذه المذاهب الباطلة أن تنخر في جسم الأمة وقد أغناها الله - عز وجل - بوحي السماء عن زبالة أفكار أهل الأرض؟! والجواب عن ذلك أن الشيوعية دخلت بلاد الإسلام لأسباب عديدة منها (¬1): 1 - انحراف كثير من المسلمين، وجهلهم بعقيدتهم: فما كان للشيوعية أن تنتشر في بلاد المسلمين إلا عندما انحرف كثير من المسلمين عن دينهم، وجهلوا عقيدتهم، ونسوا حظاً مما ذكروا به. وإلا لما كانت العقيدة سليمة، والإيمان قوياً راسخاً، والتمسك بأمر الله قائماً - لم يجد الأعداء منفذاً ينفذون من خلاله، وإن وجدوا منفذاً فلن يجدوا مكاناً يؤثرون فيه، وإن وجدوا مكاناً ففي أندر الأحوال يقع ذلك، ثم سرعان ما يقاوم ويعالج. 2 - الهزيمة النفسية الداخلية: فلما انحرف المسلمون عن دينهم أصابهم الوهن، وداخلتهم الهزيمة، ففقدوا العزة، وتدثروا الذلة، فسهل دخول المذاهب الهدامة ومنها الشيوعية. وإلا فالأمة العزيزة هي التي تعرف مقدار ما تأخذ، ومقدار ما تعطي، ونوع ما تأخذ، ونوع ما تعطي، وهي التي تعد نفسها بكل ما أوتيت من قوة حتى تحمي رأيها، فيما تأخذ وما تدع، وما تعطي وما تمنع؛ فالأمة التي تُشْرَب في نفوسها العزة يشتد فيها الحرص على أن تكون مستقلة بشؤونها، غنية عن أمم من غيرها، وتبالغ في الحذر في أن تقع في يد من يطعن في نحر كرامتها، ولا يستحيي الإنسانية أن تراه مهتضماً لحق من حقوقها. 3 - هزيمة العالم الإسلامي أمام الهجمة الأوربية: فما كاد الأوربيون يمتلكون القوة المادية، ويستخدمون الآلة، ويعملون المصانع - حتى اتجهوا إلى دول العالم الثالث؛ بحثاً عن الأسواق؛ لبيع منتجاتهم الصناعية، وجلباً للمواد الخام اللازمة للصناعة. ولما كانت هذه الدول تطمع في الحصول على ما تريد بأبخس الأثمان، أو بلا ثمن أصلاً - فإنها استخدمت قوتها العسكرية. ولما كان العالم الإسلامي في غاية التخلف عسكرياً، وسياسياً، وصناعياً - لم يصمد أمام تلك الهجمة، وكان للهزيمة العسكرية أثرها في زعزعة العقيدة والشعور بالنقص، وتقليد الغالب، والتشبه بأخلاقه؛ ظناً منهم - لفرط جهلهم - أن أوربا لم تتطور إلا عندما اعتنقت الإلحاد، ورفضت الدين. 4 - الاستعمار وما خلَّفه من دمار: فلقد عانى المسلمون من الاستعمار، وويلاته، حيث امتص المستعمرون دماء المسلمين، وخيراتهم، وأوطانهم، كما فرضوا عليهم أفكارهم ومذاهبهم الباطلة. 5 - حال المسلمين المتردية: فَتَفَرُّق المسلمين، وتخلُّفهم، وتشتت كلمتهم - صار فتنة للكفار والمنافقين، والجهال؛ حيث استدلوا بذلك على بطلان الدين، كما سيأتي في الفقرة الآتية. 6 - جعل واقع المسلمين في العصور المتأخرة هو الصورة التي تمثل الإسلام: فيروج الشيوعيون، وأذنابهم من الزنادقة المنتسبين للإسلام أن دين الإسلام دين تخلف، وانحطاط، وتأخر عن مواكبة الأحداث، ويستدلون على ذلك بواقع المسلمين في العصور المتأخرة، ويوهمون الناس بأنه لو كان ديناً حقاً لما انحدر المسلمون، وصاروا في ذيل الركب. ¬

(¬1) ((الدنيا لعبة إسرائيل)) وليم كار (ص 11)، وانظر ((المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها)) د. عبدالرحمن عميرة (ص 45).

7 - انتشار الخرافات والبدع: حيث شاعت في بلاد الإسلام بدع، وضلالات، وخرافات تروج لها المذاهب الباطلة والطرق الصوفية التي تقوم على الدجل، وعبادة القبور، والمبالغة في قصص الكرامات. كل ذلك اغتنمه الشيوعيون، وسددوا من خلاله سهامهم نحو الدين؛ ليروجوا أن الدين خرافة ودجل. 8 - سقوط الخلافة الإسلامية: فلقد كانت تجمع المسلمين وترهب أعداء الله، مع ما كانت عليه في أواخر عهدها من انتشار البدع، ونخرها في جسد الخلافة. 9 - التقصير في الدعوة إلى الله: ذلك أن كثيراً من المنتسبين إلى علوم الشريعة - فرطوا في جانب الغيرة على الحق، بل ربما كان منهم من يواد الملاحدة، ويتملقهم بالإطراء، ويغض الطرف عن إلحادهم، بل ربما شهدوا لهم بالإخلاص للدين. يفعلون ذلك رجاء متاع الحياة الدنيا، أو خشية أن يوصفوا بالتشدد والانغلاق أو رغبة بأن يوصفوا بالانفتاح وسعة الأفق، وهم يعلمون أنهم إنما يوالون طائفة تفسد على الأمة دينها وأخلاقها. ومن العلماء من أخلدوا إلى الأرض، فلا ينكرون على الناس شركهم بالله، وطوافهم حول الأضرحة، ولا يبينون الحق، ولا ينصحون للأمة، وربما زينوا للطواغيت باطلهم، وسوغوا لهم أعمالهم الإجرامية. 10 - ترك الجهاد في سبيل الله: حيث ركن أكثر المسلمين إلى ملذات الحياة الدنيا، فدبت إلى الجفون غفوة، فلم تكد الأمة تستفيق منها إلا ويد أجنبية تقبض على زمامها، وتديرها كما تشاء. 11 - تركيز الغرب على إفساد التعليم والإعلام والمرأة: فشوه الإعلام صورة الإسلام وعلمائه، وروج للعري والإباحية والفوضى الجنسية، فغرق كثير من الشباب في هذا المستنقع الآسن، والشيوعية لا تُفَرِّخ إلا بمثل ذلك الجو. ثم إن الطعنة النجلاء، والخنجر المسموم - هو فساد التعليم، ومناهجه الدراسية، حيث قطعت صلة الطلاب برب الأرباب، وأصبحت مناهج الدين في زاوية ضيقة محدودة، فانفتح المجال على مصراعيه للشيوعية؛ حيث زاحمت علومها علوم الدين، بل أقصتها جانباً، ونَحَّتْها عن مجال التأثير؛ فشاع الجهل بالدين، وسهل دخول الأفكار المضللة إلى العقول. 12 - الابتعاث وما فيه من مفاسد: حيث يبتعث إلى بلاد الكفر مَنْ هو خالي الوفاض - في الغالب - فلا علم لديه، ولا ورع يزمُّه، ولا تقوى تردعه ولا عزة تمنعه، فيعيش في تلك البلاد فترة من الزمان، فيتأثر بما فيها من انحلال، وفساد، وكفر، وربما رجع بشهادة الدكتوراه بعد أن يفقد شهادة أن لا إله إلا الله، فيصبح بذلك معول هدم لأمته، وربما تولى زمام التأثير في المجالات المهمة؛ فيفرغ فيها كُثبة من سمومه، وفساده. 13 - خيانات العملاء والمنافقين: فلهؤلاء دور كبير في نشر الشيوعية، والتمكين لها، ولا أدل على ذلك من خيانة الأحزاب الشيوعية العربية للقضايا العربية والإسلامية؛ فذلك أمر تؤيده الحقائق المشهورة؛ فحيثما وُجِدَتْ مصلحة الاتحاد السوفييتي أو مصلحة إسرائيل فإن تلك الأحزاب تنحاز إلى تلك المصالح ضد المصالح الإسلامية والعربية. وأوامر الحزب الشيوعي اليهودي أوامر مقدسة عند الأحزاب الشيوعية العربية، حيث تنفذها دونما اعتراض. وحركات التحرر التي قامت ضد فرنسا، وبريطانيا تعد - في نظر الأحزاب الشيوعية العربية - حركات بورجوازية انتهازية لا تستحق الدعم والتأييد، بل تستحق المعارضة، والكفاح. وكل وجهة نظر سوفياتية تتعلق بالقضايا العربية أو الإسلامية هي الوجهة التي لا يجوز العدول عنها عند تلك الأحزاب. 14 - سوء التربية: وذلك بأن ينشأ الشخص في بيت خالٍ من آداب الإسلام ومبادئ هدايته، فلا يرى فيمن يقوم على أمر تربيته من نحو أب، أو أم، أو أخ - استقامةً، ولا يتلقى ما يَطْبَعُه على حب الدين، ويجعله على بصيرة من حكمته؛ فأقل شبهة تمس ذهن هذا الناشئ تنحدر به في هاوية الضلال. 15 - مصاحبة الملاحدة: فمن أسباب اعتناق الإلحاد أن يتصل الفتى الضعيف النفس بملحد يكون أقوى منه نفساً، وأبرع لساناً، فيأخذه ببراعته إلى سوء العقيدة، ويفسد عليه أمر دينه. 16 - قراءة الناشئ مؤلفات الملاحدة: فالملاحدة يدسون سموماً من الشبه تحت ألفاظ منمقة، فيصغى إليها فؤاد الناشئ، وتضعف نفسه أمام هذه الألفاظ المنمقة، والشبه المبهرجة، فلا يلبث أن يدخل في زمرة الملاحدة الألدَّاء. 17 - غلبة الشهوات: فقد تغلب الشهوات على نفس الرجل، فتريه أن المصلحة في إباحتها، وأن تحريم الشارع لها خالٍ من كل حكمة، فيخرج من هذا الباب إلى إباحية وجحود. هذه بعض الأسباب لانتشار الشيوعية في العالم الإسلامي سواء على مستوى أفراده، أو شعوبه، أو دوله. ثم إن بعض أسباب نشأة الشيوعية الحديثة تشترك مع أسباب دخولها في بلاد الإسلام. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 423

ثاني عشر: أخلاق الشيوعية ((المذاهب المعاصرة)) (ص 46).

ثاني عشر: أخلاق الشيوعية (¬1) لا ريب أن عقيدة الإنسان ترسم له طريقه، وتحدد له معالم سلوكه ومعاملاته فالناس توجههم عقائدهم وأفكارهم، والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خلل في الاعتقاد. ولهذا فلا غرو أن تفسد أخلاق الشيوعيين؛ لأن الأصل لديها منهار، وإذا انهار الأصل تداعت الأركان والفروع. بل إن عقائدهم أحط العقائد، فلا تسل - إذاً - عن فساد أخلاقهم، وما يتبع ذلك من انحطاط سلوكهم. فالشيوعيون على أتم الاستعداد لعمل أي شيء مناف للأخلاق، من غش وكذب، وخداع، في سبيل تحقيق مكاسبهم، والوصول إلى غاياتهم؛ فهم يأخذون بالمبدأ الميكافيلي: الغاية تسوغ الوسيلة. يقول إنجلز: إذا لم يكن المناضل الشيوعي قادراً على أن يغير أخلاقه وسلوكه وفقاً للظروف مهما تطلب منه ذلك من كذب، وتضليل، وخداع - فإنه لن يكون مناضلاً ثورياً حقيقياً. ولهذا فالشيوعيون لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم، وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم. يقول لينين في رسالة بعث بها إلى الأديب الروسي مكسيم جوركي: إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء، إنما الشيء المهم هو أن يصبح الربع الباقي شيوعياً (¬2). ولقد طبقوا هذه القاعدة في روسيا أيام الثورة، وكذلك في الصين، حيث أبيدت ملايين من البشر، كما أن اكتساحهم للجمهوريات الإسلامية كبخارى وغيرها، واكتساحهم لأفغانستان - ينضوي تحت هذه القاعدة. ومما تؤمن به الشيوعية من أخلاق - العنف، والسعيُ في إثارة الحقد والضغينة في نفوس العمال. ومن ذلك القسوة المتناهية؛ فلا يَتَصوَّر الفكر، ولا يتوهم الخيال لوناً من ألوان التعذيب الهمجي، والقمع الإجرامي، والإبادة الجماعية للمجموعات البشرية دون أية عاطفة إنسانية مع التفنن العجيب في وسائل التعذيب - إلا ويمارسه الشيوعيون بأقبح صوره، وأبشع مستوياته. بل لم يتورع القادة الشيوعيون - عن الاعتراف بتلك الأفاعيل ضد كل من خالفهم ولو كانوا رفقاء العمل الثوري، ومن حملة الفكرة الشيوعية. بل ربما كان هؤلاء أحق بأن يعاقبوا بأشد أنواع العذاب؛ فكأن الرحمة نزعت تماماً من قلوب هؤلاء القساة العساة العتاة. ومما تؤمن به الشيوعية وتدعو إليه من أخلاق - أنها تشجع على الفساد، والانحلال الخلقي، من شرب للخمور إلى ممارسة البغاء وسائر الفواحش إلى غير ذلك من طرق الفساد. ولقد صرح الرئيس اليوغسلافي الهالك - تيتو - في إحدى خطبه للشعب قائلاً: لقد تركنا لكم الخمر والنساء فخذوها، واتركوا لنا السياسة. (¬3). ولهذا أصبحت المرأة في المجتمع الشيوعي أرخص سلعة في البلاد، فكانت ترمي بنفسها على الرجل ولاسيما الغريب، وقصارى ما تطلبه منه أن يتزوجها ولو مؤقتاً؛ لتفر خارج البلاد من جحيم الشيوعية. وصفوة المقال أن المجتمع الشيوعي هو أحط المجتمعات البشرية المعاصرة، سواء من الناحية الأخلاقية أو العقيدية، أو من ناحية الطمأنينة النفسية، والسعادة الاجتماعية؛ فهو مجتمع منحل، مذعور يخيم عليه كابوس الشقاء المطبق، إلى حد أن الإنسان في ذلك الوضع لا يكاد يفكر في أمل حقيقي للخلاص. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 397 ¬

(¬1) ((المذاهب المعاصرة)) (ص 46). (¬2) الجوييم: كلمة عبرية، معناها الأ صلي شعب. أو (قوم) لكن دلالتها عند اليهود أصبحت تعني الشعوب من غير اليهود. انظر ((المغني الوجيز))، و ((موسوعة المصطلحات الأجنبية الشائعة)) لمنذر الأسعد (1/ 130 - 131). (¬3) ((الدنيا لعبة إسرائيل)) (ص11) وانظر ((المذاهب المعاصرة)) (ص 46).

ثالث عشر: القضاء على الأسر

ثالث عشر: القضاء على الأسر يزعم الملاحدة أن نظام الأسرة إنما هو ناشئ عن أوضاع اقتصادية مثله مثل سائر القيم والأخلاق، وليس هناك نظام إلهي بشأنه، ولهذا فهو قابل للتطور حسب الأحوال الاقتصادية لأن الأسرة في النظام الشيوعي حسب تصوراتهم إنما نشأت عن تطورات متلاحقة حسب تفسيرهم المادي للحياة كانت بدايتها على الأقسام الآتية (¬1): 1 - أسرة الجيل. 2 - أسرة الشركاء. 3 - الأسرة الزوجية. 4 - الأسرة الوحدانية. 1 - أما أسرة الجيل – كما تصوروها – فيزعمون أن العلاقات الجنسية كانت مباحة بين أبناء الجيل الواحد بين الإخوة والأخوات ومحرمة فيما دون ذلك أي أن بين جيل الآباء وجيل الأبناء، واستمر في هذه المرحلة تصنيف المجموعات الزوجية تبعا للأجيال؛ الأبناء جيل والآباء جيل والأجداد جيل والأحفاد جيل، كل جيل لا يتزوج إلا من جيله ولا يصح التبادل بين الأجيال. ثم حدث تطور جديد فحرمت فيه العلاقة الجنسية بين الإخوة والأخوات بطريقة تدريجية أي كان التحريم أولا بين الإخوة والأخوات من الأم الواحدة ثم شمل التحريم بعد ذلك جميع الإخوة والأخوات الأباعد ثم زعموا أن أسرة الجيل هذه قد انقرضت. 2 - أما أسرة الشركاء فقد كانت العلاقات الجنسية فيها مباحة للجميع في شراكة تامة بحيث أصبح الولد لا يعرف له أبا أكيدا. ومن هذه الأسرة انبثقت أسرة العشيرة. 3 - أما الأسرة الزوجية فقد عرفت بمباشرة الرجل لزوجة واحدة في رباط زوجي ولكن تعدد الزوجات والخيانة الزوجية ظلتا من امتياز الرجل وأما المرأة فتطالب أن تكون على إخلاص تام للزوج فإذا زنت عوقبت عقابا شديدا وعند اختلاف الزوجين يرجع الأولاد إلى أبيهم كما كان الحال في السابق. 4 - أما الأسرة الوحدانية فهي الأسرة التي تقوم على سيطرة الرجل لإنتاج أولاد لا يشك في صحة أبوتهم لكي يحصلوا على إرث مال أبيهم بعد وفاته، وفي هذه الأسرة يكون تسريح الزوجة أو عدمه بيد الرجل فقط وليس برضى الطرفين كما في رباط الزوجية السابق. وكانت الزيجة الوحدانية تقدما تاريخيا عظيما وزعموا أن الأسرة الوحدانية لم تقم على الأحوال الطبيعية التي كانت الأحوال الجنسية مشاعة بين الجميع، بل قامت على الأحوال الاقتصادية وانتصار الملكية الخاصة على الملكية العامة المشاعة. ولا شك أن القارئ يدرك تماما أن هذا التقسيم وهذا التنظيم إن هو إلا محض خيال وافتراء ومن العجيب أنهم يعترفون أن الناس في ذلك الزمن ما كانوا يعرفون الحضارة ولا التقدم ولا القراءة ولا الكتابة فمن أين لهم هذه السجلات التي استقوا منها هذه المعلومات الموغلة في القدم. ومن يصدق مثل هذه الترهات قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111]. والإنسان في مفهومهم مرة يجعلونه بدائيا تافها بل حشرة من الحشرات ومرة يجعلونه أساس التطور حينما كان يعيش على نظام كل شيء مشاع ولهذا فهم يريدون أن يرجعوا الناس إلى تلك الحال التي يعبرون عنها بالحال السعيدة للمجتمع البشري والباطل لابد وأن يتناقض أهله فيه. فالأسرة في ظل الشيوعية كما عبر عنها "إنجلز" لا تسعد إلا في حال إلغاء الملكية الخاصة وذوبان الأفراد وكل مصالحهم في المجتمع العام وظهور شيوعية الجميع في الأموال والنساء والأطفال الذين تنتقل العناية بهم من الآباء والأمهات إلى المجتمع كله متمثلا في الدولة – أي إذا سادت الحياة البهيمية -. ¬

(¬1) انظر ((المذاهب المعاصرة)) (ص 51 - 52).

يقول "إنجلز":"إن العلاقات بين الجنسين ستصبح مسألة خاصة لا تعني إلا الأشخاص المعنيين والمجتمع لن يتدخل فيها وهذا سيكون ممكنا بفضل إلغاء الملكية الخاصة وبفضل تربية الأولاد على نفقة المجتمع ونتيجة ذلك يكون أساسا الزواج الراهنان قد ألغيا فالمرأة لن تعود تابعة لزوجها، ولا الأولاد لأهلهم هذه التبعية التي ما تزال موجودة بفضل الملكية الخاصة". وقال أيضا:"فبانتقال وسائل الإنتاج إلى ملكية عامة لا تبقى الأسرة الفردية هي الوحدة الاقتصادية للمجتمع وينقلب الاقتصاد البيتي الخاص إلى صناعة اجتماعية وتصبح العناية بالأطفال وتربيتهم من الشؤون العامة فيعني المجتمع عناية متساوية بجميع الأطفال سواء أكانوا شرعيين أم طبيعيين وبذلك يختفي القلق الذي يستحوذ على قلب الفتاة من جراء العواقب التي هي في زماننا أهم حافز اجتماعي – اقتصادي وخلقي – يعوقها عن تقديم نفسها بلا حرج لمن تحب أفلن يكون هذا سببا كافيا لازدياد حرية الوصال الجنسي شيئا فشيئا ومن ثم لنشوء رأي عام أكثر تساهلا فيما يتعلق بشرف العذارى وعار النساء" (¬1). فانظر هذا الكلام الساقط كيف أراد أن يضحي بكل شيء في تغيير حياة البشر ويقلبها رأسا على عقب في سبيل أن يمحي من الأذهان شرف العذارى وعار النساء هذا هو الحل الذي اقترحه المجرم "إنجلز" في قضائه على الشرف والحياة والحشمة عند المرأة وهذا هو مبلغه وأشباهه من العلم وكأن الحياة كلها متوقفة على وجود حرية الاتصال الجنسي شيئا فشيئا إلى أن يتحول إلى رأي عام أكثر تساهلا فيه وعندها تتم السعادة ويمحى شيء اسمه العار أو الحياء أو الحشمة؟! وإذا كان يحصل هذا في المجتمع المتحرر عن الملكية الفردية فلا يرد عليه - في مفاهيم – المجتمع الزراعي وتعاون أهله فيما بينهم للضرورة إلى هذا الترابط الأسري لأن ترابط الأسرة في المجتمع الزراعي أمر بدهي يتطلبه الرغبة في إتقان العمل وزيادة الإنتاج الذي يحتاج بدوره إلى تكاتف الأيدي العاملة فهذا يحرث وذاك يحصد وهذا يقوم بعملية الري وذاك بتحسين المزروعات وآخر بتخزينها وهكذا تفرض عليهم هذه الحالة تكاتفا أسريا قويا ولكن حينما جاء المجتمع الصناعي تفكك أمر الأسرة وذلك لعدم الحاجة إلى ذلك التكاتف الذي نشأ في العهد الزراعي. فإن العمل في الصناعة يقوم على الفردية واستقلال كل شخص بعمله دون اشتراط وجود آخرين إلى جانبه فعمله خاص به وهو مسؤول عنه وحده ويأخذ أجره على العمل وحده كذلك، وهذا يشمل أيضا المرأة حينما تعمل. ¬

(¬1) الفاشستية ويقال: الفاشية: هي نظام، أو حركة أو فلسفة سياسية تمجد الدولة، والعرق، وتدعو إلى إقامة حكم أوتوقراطي مركزي على رأسه زعيم دكتاتوري، وإلى السيطرة على كل شكل من أشكال النشاط القومي. ومن أبرز زعماء هذه الحركة الزعيم الإيطالي موسوليني.

وبالتالي فالمجتمع هنا يصبح كل فرد فيه حر ليس له علاقة بغيره إن أراد الرجل بقاء صداقته مع زوجته فله ذلك وإن أراد تركها فله بكل يسر والمرأة كذلك لها أن تقطع علاقتها الزوجية في أي وقت شاءت فعملها ووظيفتها وما تملكه من المال يجعلها لا تكترث بأي علاقة دائمة مع أي شخص سواء أكان الزوج أو الأولاد أو الأقارب أو الأجانب عنها وبالتالي فالعلاقات الجنسية الحرة هي السمة البارزة لهذا المجتمع الصناعي – أي الإباحية والفجور – وهذه هي النتيجة التي يعيشها العالم المادي الملحد حالة من التفكك الأسري والإباحية المطلقة والتمرد على كل شيء، مجتمع نزعت منه الرحمة وصلة ذوي القربى والعاطفة نحو الآخرين والعفة والحياة ولهذا أصبحوا أحط من الأنعام قال تعالى: إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44]، لأن الأنعام يعطف بعضها على بعض أقل شيء في مرحلة الصغر فالدابة ترفع حافرها عن ولدها بينما هؤلاء يرمون بأولادهم في المحاضن الحكومية وبعضهم يرمونهم من الأدوار العلوية لبيوتهم أو يحبسونهم في البيوت حتى الموت كما سمعنا وقرأنا في المجلات والنشرات وهي صور لا يطيق العاقل سماعها لبشاعتها وهولها. والمحسنون منهم يرمون أولادهم في الحضانات الحكومية ولا يفكرون فيهم بعد ذلك وهذا هو ما كان يريده الشيطان الرجيم "كارل ماركس". تعقيب: لقد داس هؤلاء الملاحدة كل القيم إذ لا وجود لها عندهم إلا من خلال ما تمر عليه الظروف الاقتصادية التي هي المؤسس الحقيقي بزعمهم لكل القيم والأخلاق والأسرة والدين وسائر العلاقات كما عرفت سابقا، ومن هنا ساغ لهم القول بأن الملكية الجماعية الشيوعية في زمن الشيوعية الأولى البدائية كانت صوابا لأنها كانت هي الوضع الحتمي لذلك الوقت ثم تغيرت بفعل التطور إلى ملكية فردية وكانت كذلك مرحلة مرت ثم نشأ الرق والإقطاع والرأسمالية فكانت كل منها صوابا في وقتها يحصل التناقض الحتمي ومع القول بحتمية وقوع كل مرحلة إلا أنهم يقولون إن كل مرحلة جديدة تجعل السابقة خطأ يجب تركه ومحاربته بعد تجاوزها إلى أن تصل إلى الشيوعية الماركسية فتستقر حينئذ الأوضاع ويدخل الناس في السعادة الشيوعية؟! وكذلك سائر القيم من العفة وسيطرة الأب والتدين وترابط الأسرة والتعاون الجماعي كل ذلك كان صوابا في وقته، ولكن بعد سرعة التطور والوصول إلى الشيوعية الماركسية يجب أن تعتبر تلك القيم كلها باطلة ويجب محاربتها لأنها لم تعد مناسبة للأحوال الاقتصادية للمجتمع الشيوعي الجديد – أي بعد تلك التطورات الخيالية – التي تصورت في أذهانهم عن نشأة الكون وما فيه وكذا القيم والأخلاق وسائر أنواع السلوك وهكذا وقف الملاحدة ضد الأسرة كما وقفوا ضد الدين إذ الأسرة لا تبعد في الواقع عن التدين ولأن معنى قيام الأسرة منع الفوضوية الجنسية التي ينادي لها الملاحدة وقيام الأسرة يحد من ذلك بطبيعة الحال.

كما أنها كذلك تثير مشاعر الأثرة في الوالدين وتقوي حب التملك من أجل توريث الأولاد ما يملكه الوالدان. ومعنى هذا العودة إلى نشوء الملكية الفردية وهو ما تحاربه الشيوعية بكل ضراوة وتبعا لبغضهم الملكية الفردية فإنه يجب أن يبغض كل شيء يمت لها بصلة ومن جهة أخرى فإن البديل للأسرة في النظام الشيوعي هو الولاء للدولة والذوبان في النظام والحزب والزعيم والوطن وليس غير ذلك بينما نظام الأسرة يشكل ارتباطا آخر غير هذا الارتباط العام الذي لا تسمح الشيوعية إلا به لأن النظام الشيوعي ومثله النظم المتجبرة – تريد أن يكون الشعب كله في طاعة عمياء للحزب وولاء مطلق لهم وجواسيس على بعضهم بعضا لا يخرج عنهم أحد ونظام الأسرة لا يسمح بتنفيذ هذا كما يريدون فالأسرة لا تسمح بأن يخل بنظامهم الاجتماعي أي أذى وهذا يحد من نشاط الجاسوسية الدقيقة على كل فرد من أفراد المجتمع، كما أنه يحد من استعباد الدولة للشعب والقضاء على الأسرة من الضمانات التي يعتمد عليها النظام الشيوعي في تربية الأولاد منذ نعومة أظفارهم على الولاء الكامل للدولة والحزب والزعيم وليس وراء ذلك أي ولاء لأحد. ومن العجيب أنهم يسمون الجهل والتخبط القائم على غير دليل صحيح يسمونه نظريات علمية أو أبحاثا علمية، فترى الكثير من الناس يسارع إلى تقبل تلك النظريات دون أن يكلف نفسه السؤال عن مدى صحة تلك الدعايات وهل هي فعلا نتجت عن علم حقيقي أم عن تخطيط مدروس للإجهاز على القيم والأخلاق والتدين باسم العلم والتقدم. إن كل ما جاء به الملاحدة من مزاعم عن بدء الأسر وتكونها وأنها مرت بفترات أولها الشيوعية الأولى ثم بدأت الأسر تتكون بفعل التطور الاقتصادي كما يزعمون إن هو إلا كذب وجرأة على تشويه تاريخ الأمم لا يستندون فيه إلا على ما تخيلوه في أذهانهم المريضة وما يزعمونه أيضا من وجود تلك الشيوعية في بعض القبائل المتأخرة التي عثر عليها في آسيا وإفريقيا واستراليا في القرنين السابقين، إن صدقوا، ولكن هل انحراف هؤلاء يكفي دليلا لتلطيخ تاريخ البشرية كله بسبب انحراف جماعة هنا أو هناك؟ إن تفسير الملاحدة لقيام الأسرة بأنه عن دافع اقتصادي فقط هو قول باطل وقصور واضح مع العلم أن للأوضاع الاقتصادية جانب مهم في حياة الناس ولكن ليس هي كل شيء في حياتهم بل هي أحد العوامل في حياتهم الواسعة الشاملة التي لا يمكن أن تنحصر في جانب واحد وكذلك فإن قيام الأسرة لم يكن سببه فقط الدوافع الجنسية والاقتصادية بل له أسباب كثيرة تتطلبها فطرة الإنسان وما جبلت عليه من حب الهدوء والألفة وبناء الحياة والأنس بالآخرين وحب التكامل وحب تربية الأطفال التي لا يمكن أن تتكامل تكاملا صحيحا جسديا وعقليا في غياب الأمهات عن أولادهن وترك الأولاد للمحاضن الجماعية التي هي أشبه ما تكون بتربية قطعان الحيوانات دون شعور بالحب والعطب والراحة النفسية التي يجدها الطفل في حضن أمه. ومما تقدم فإنما هو إشارة إلى أن تكوين الأسرة لم يكن ناتجا عن الفطرة الاقتصادية فقط كما زعم الملاحدة بل لأسباب نفسية كثيرة أرادها الله عز وجل وفطر النفوس عليها ومن شذ عن هذا السلوك فهو شاذ ولهذا لا يشعر الإنسان بتلك السكينة والطمأنينة التي يجدها في بيته وبين أطفاله مهما وجد من المتع الجنسية عن طريق الحرام ومهما ملك من الأموال كما أنه لن يجد حلاوة ذلك التنظيم الإلهي لتكوين الأسرة وتكافلها فيما بينها وقيام الرجل بواجباته خارج البيت وقيام المرأة بواجباتها داخل البيت وتصريف الأولاد في الأمور التي يطيقونها وما ينشأ عن ذلك من الهدوء والسكينة والتعاون الذي حرم منه أولئك المعاندون للفطرة وللعقل ولأحكام الله عز وجل.

لقد نسي أولئك الملاحدة أو تناسوا عمدا أن الذين أقبلوا على الفوضى الجنسية وقطع العلاقات الأسرية نسوا أن هؤلاء يعيشون عيشة ملؤها القلق والاضطراب والأمراض العصبية مع توفر كل ما يطلبونه من المتع الجنسية ومن المال أيضا وإلا لماذا يبادر أولئك إلى الانتحار المتتابع – وما أكثره في أوروبا – بين الرجال والنساء والأحداث وما أكثر ما يتأوه عقلاؤهم من أوضاعهم التي تزداد سوءا كلما ازداد تفكك الأسر وفشت الجرائم تحت تسمياتهم الخادعة (حرية، مساواة، ديمقراطية .. الخ) ما خدعوا به الناس وأخرجوهم عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها إلى الشقاء وتأنيب الضمير. ومثل ذلك التفسير السخيف بقيام الأسر تجده تماما في تفسيرهم للحفاظ على الأمور الجنسية والقيم والعادات المتعلقة بذلك من العفة وغض النظر وحفظ الفرج بأنها عقبات وأن السبب في كل هذه العقبات أمام شيوعية الجنس إنما يعود إلى المجتمع الزراعي حيث أن الرجل يغار على زوجته وابنته بدافع سيطرته وامتلاكه لأمور البيت الاقتصادية فهو المكتسب وهو الذي يتعامل مع الحياة كلها في خارج البيت بينما تكون المرأة حبيسة البيت ليس بيدها أي مصدر إلا عن طريق الرجل وهنا فرض الرجل على المرأة العفة قبل الزواج وبعده وأن تكون له وحده حين يتزوج بها ومن هنا أصبحت العفة فضيلة خلقية واجتماعية مهمة في مثل هذه المجتمعات، ولكن حينما ظهر المجتمع الصناعي لم يعد الرجل يفرض على المرأة تلك العادات والأخلاق الجنسية بسبب انقلاب الأمور الاقتصادية حيث دخلت المرأة ميدان التكسب والعمل والوظيفة وصارت تملك المال الذي حررها من قبضة الرجل فلم يعد يملك مطالبتها بالعفة لا قبل الزواج ولا بعده ولا أن يطالبها بأن تكون له وحده فهي زميلة في العمل وقد تملك من المال أكثر مما يملك ولها حق التصرف بحرية تامة في مالها وفي نفسها دون أي اكتراث بالعفة أوالفضيلة فقد تحررت في المجتمع الصناعي لتغير الأحوال الاقتصادية فلم تعد كما كانت في المجتمع الزراعي عالة على الرجل في كل شيء وبهذا التفسير الإلحادي الشيوعي لا يبقى مجال للقول بأن العفة والأخلاق نشأت عن أمر إلهي أو ديني بل عن أمر اقتصادي والقارئ يدرك تماما أن هذه الافتراضات إنما هي أكاذيب وخيالات، فإن أمر الحفاظ على العفة وسائر القيم أمر فطري في الإنسان وفي سائر الحيوانات التي لا تهتم بالأمور الاقتصادية فترى ذكر الحيوان يغار على أنثاه ويدافع عنها وترى الأنثى تحترم الذكر وتعطف على أولادها سواء أكانت تملك قوتها أو لا تملكه، وقد أخبر الله عز وجل عن وجود هذه الأمور في نفوس الناس منذ أن أوجدهم ولهذا لا يمكن أن تجد امرأة مستغنية عن الرجل مهما كان مالها ولا الرجل كذلك يستطيع أن يستغني عن المرأة مهما كان ماله، فطرة الله التي فطر الناس عليها، فالسعادة ليست فقط في وجود المال بل قد يكون المال مصدر شقاء لصاحبه ولك أن تسأل ماذا حصل للرجل والمرأة حينما دخلا معترك الحياة وصار كل يحتطب لنفسه من المال ما يستطيع الحصول عليه، ومباح لكل منهما أن يعاشر من يريد عن طريق الإباحية الجنسية، أليس كل واحد منهما أحس بأن الحياة في هذا السلوك رخيصة لا تساوي شيئا فرجعا إلى رباط الزوجية ليجدا فيه الأنس والراحة النفسية التي فقداها عن طريق الإباحية أو المال؟

وكأن أولئك القساة القلوب لم يسمعوا بشكاوى من غرتهم المدنية وجمع المال ولا أنين تلك المرأة التي منعت نفسها من الزواج وجمعت من المال والشهادات ما أحبت فلما أحست بتجاوزها مرحلة الإنجاب بدأت تبكي وتقول للناس خذوا هذه الشهادة وخذوا أموالي وأعطوني طفلا يقول لي يا أمي أشعر بالأنس إلى جانبه، أزيلوا عني آلامي وما أحس به من وحشة هذا المجتمع الذي لا يرحم ولا يحترم إلا الأقوياء فقط ولكن أنى لأصحاب الأهواء آذان صاغية تسمع أو قلوب تعقل. محاربة الدين يزعم الماديون أن الدين إنما هو انعكاس وهمي في أذهان البشر نحو قوة خارجية تسير الكون لا أنه حقيقة منزلة من الله كما هو إيمان جميع المؤمنين بالله تعالى، ثم زعموا أن هذا التوهم نشأ في أزمنة موغلة في القدم عند البدائيين حيث كانت البداية هي توهم أن الإنسان له روح تسكن في جسده وتفارقه لحظة الموت ومن هنا اضطروا إلى اصطناع أفكار تتوافق في العلاقة مع هذه الأرواح التي تطور أمرها بعد ذلك إلى توليد الآلهة الأولى وفي غير الأرض ثم نشأ بفعل التولد في عقول الناس أن يتطور أمر هذه الآلهة إلى إله واحد كما في الديانات التي تعبد إلها واحدا وعلى هذا فإن الدين إنما تولد عن نظريات الإنسان المحدودة التي نجمت عن عجزه المطلق أمام الطبيعة العاتية التي كان يخافها ولا يفهمها فتصور أن ذلك إنما نتج عن إرادة سامية عليا فسرت بعد ذلك بإسنادها إلى الآلهة وقوتها وجبروتها المطلق والتي أصبحت هذه الآلهة في شكل إله واحد قوي جبار عند الكثير، ثم زعموا أن هذه المعتقدات في الإله إنما تعود عند الإنسان في الأساس إلى ما قبل التاريخ. وحينما جاء العهد التاريخي وجدها هكذا فالتقطها بغباء دون فهم وقد أرجعوا السبب في ذلك إلى الحالة الاقتصادية التي كان يعيشها الإنسان في عهد ما قبل التاريخ وهو اقتصاد ضعيف وفي صورة بدائية تعتمد على الاشتراك في الصيد والماء والمراعي وتعاون الجميع. هذا في عهد ما قبل التاريخ وأما حينما نشأ التطور الاقتصادي على نحو أقوى بداية بعهد الرق والإقطاع والكنيسة فقد استغل هؤلاء الوجهاء هذا الجانب الإلهي لتخديرالكادحين حتى لا يشعروا بالظلم الواقع عليهم وأن عليهم الرضوخ إذا أرادوا نعيم الجنة في مقابل عذاب الدنيا بطاعة أولئك ولهذا باركت الكنيسة الرق وأوصت الكنيسة الأرقاء بطاعة أسيادهم وهددتهم بالنار الأبدية إن لم يمتثلوا، وكان لهذه التعليمات أثر جيد في إنقاذ الحياة الزراعية الضرورية لحياة المجتمع وفي حفظ المجتمع من الفقر ومن اندلاع نار الثورات وفي الوقت الذي اشتد فيه كابوس الإقطاع في أوروبا قويت في المقابل السلطة الدينية للكنيسة، وليس فقط السلطة الدينية، بل والفلسفة والأدب والفنون على نفس النهج الذي يريده الإقطاعيون، ولم تكن الكنيسة وحدها في هذه القوة بل ساندتها قوة السلطة التي كانت هي الأخرى سيدة الإقطاع وحاميته والمستفيد الحقيقي من تخدير الشعوب بالدين، ولهذا وقف الحكام ورجال الكنيسة ضد كل من تسول له نفسه الخروج عن قبضتهم بوصفه بالاسم الذي يبيحون به دمه وهو إطلاق "الهرطقة" عليه. وما اشتعال الحروب التي خاضها البشر باسم الدين إلا صراعا طبقيا في حقيقته نجم عن الحالات الاقتصادية فحسب، وحينما ظهرت الرأسمالية ضعف أمر الدين لتطور الاقتصاد وانتعاشه ولكن البرجوازية أحست بأن نبذها للدين خطر عليها فعادت إلى احتضانه وتسخيره لمصالحها وهذا هو السبب في تعلق البرجوازية بالدين لكي تظل على قوتها الرأسمالية.

هكذا علل الملاحدة لنشأة التدين عند الإنسان، وحينما جاءت الشيوعية في روسيا أعلنت الحرب الضروس على الدين وأهله باعتبار أنه أفيون الشعوب وأن الدين إنما كان في روسيا وغيرها بسبب الضعف الاقتصادي وعدم وجود حول ولا قوة للطبقة الفقيرة إلا بالاستناد إلى الدين كعزاء بديل لذلك الشقاء والفقر. ولكن بعد مجيء الشيوعية التي هيأت موارد للإنتاج لم يعد الفلاح في حاجة إلى الالتجاء إلى القوة الإلهية ليتسلى بها عن شقائه وعليه حينئذ أن يتخلى عن الاعتقاد بوجود الإله وعن الدين كذلك ليسعد في ظل النظام الشيوعي؟! أما المجتمع الزراعي فكان تمسكهم بالدين أمر واضح لوجود المقتضيات الكثيرة لازدهاره في أوساطهم كما تذكر الشيوعية الماركسية في تعليلاتها الخرافية كقولهم: إن الإنسانية في هذا المجتمع يضع البذور في الأرض ويغذيها ويحوطها بعنايته ولا يملك أكثر من هذا فهو لا يستطيع أن ينبتها كما يريد ولا أن يجعلها تثمر أو لا تثمر وهنا اضطر إلى التعلق بوجود قوة خارجية غيبية – الإله – وإلى استرضائه والتعلق به لإنجاح زراعته وتحبب إليه بأنواع الطقوس - العبادات – وهذا بخلاف المجتمع الصناعي فإنه لم يعد الإنسان في حاجة إلى التعلق بتلك القوة الغيبية لأن أمر الصناعة ظاهر يسيطر عليه الشخص ويصرفه كما يريد فهو صنع يده وطوع أمره بخلاف الجانب الزراعي وهذا هو تعليلهم ومبلغ علمهم لقوة التدين في العهد الزراعي وضعفه في العهد الصناعي – كما يزعمون – وهو تعليل يدل على سخافتهم وضحالة أفهامهم، كما أن هذا التفريق بين المجتمع الزراعي والمجتمع الصناعي إن هو إلا محض افتراء سخيف وهضم للإنسان، بل وإنكار لحق الله على عباده، ولا يملكون على ذلك أي دليل صحيح، ثم أليس الإنسان يواجه مشكلات وتعقيدات وأخطارا في المجتمع الصناعي كما هو في المجتمع الزراعي، وأن قدرة الإنسان هي نفس القدرة في المجتمعين، فكيف احتاج إلى الله والتدين في المجتمع الزراعي واستغني عنه في المجتمع الصناعي، وماذا فعلت الشيوعية في المجتمع الزراعي والصناعي أليس أتباعها الآن يتكففون الغرب الزراعي الصناعي وهم مقرون بالخالق عز وجل مما يدل على خسارة الشيوعية دينهم ودنياهم. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1119

رابع عشر: من الذي غذى اشتداد العداوة للدين؟

رابع عشر: من الذي غذى اشتداد العداوة للدين؟ لقد واجه الدين عدوين لدودين: هما المخطط اليهودي، والمخطط المادي الشيوعي الناتج في البداية عن المخطط اليهودي والمتمم له. أما المخطط اليهودي فلا شك أن اليهود وهم يريدون استحمار الجوييم يعرفون تماما أنه لا سبيل لهم إلى استعباد البشر إلا بمحو دينهم وسلخهم من عقائدهم وأخلاقهم لأن اليهود عرفوا أنه لا سبيل لهم إلى تحقيق مآربهم ما دام للبشر دين وأخلاق وتراث يرجعون إليها واليهود أعدى أعداء البشرية على امتداد تاريخهم وحروبهم معهم لا تنقطع ومؤامراتهم ضدهم لا حد لها فهم سراق العقائد والأخلاق والأموال. وأما العداء الشيوعي فهو امتداد طبيعي لعداء اليهود مضافا إليه الحقد على الدين وأهله وعلى سائر البشر الذين لم يستسلموا لطغيانهم وحينما وقفت الكنيسة في صف الإقطاعيين والرأسماليين ضد النفوذ الشيوعي جاعلين الدين شعارا لهم في حرب الشيوعية تضاعف حقد الملاحدة على الدين وعلى كل من يمثله واستفاد الملاحدة فوائد كثيرة من وقفة الكنيسة إلى جانب الاستبداديين حيث أغروا الناس بعداوة الدين وأهله. واشتد حقدهم على نسبة أي حق أو عدل أو خير إلى الله عز وجل فقد سخروا من كل من يعتقد ذلك ورموه بأنواع السباب إذ ليس هناك – في ميزانهم – حق وعدل وخير وتوجيه من الله تعالى. إذ أن كل ما يصدر عن الناس من تصرفات إنما هي نتيجة للأحوال الاقتصادية وتغيراتها المتلاحقة دون أن يكون هناك توجيه غيبي يسير الكون أو تظهر الأخلاق عن طريقه. وهم يرتاحون لنسبة الحق والعدل إلى الشيوعية ولكنهما محرمان نسبتهما إلى الله تعالى ولكن الله عز وجل متم نوره ولو كره الكافرون وقد أذلهم الله تعالى أيما ذل. ومن الجدير بالذكر أن الملاحدة قد يتظاهرون أحيانا بذكر كلمات الدين والتدين فيظن من لا يعرف أهدافهم أنهم يريدون ذكر الدين والرضى به بينما هم في الواقع في غاية البعد عن هذا الفهم السليم ولهذا يقول المفكر المسلم وحيد الدين خان: "إنه على الرغم من أن كلمة "الدين" موجودة في التفسير الجديد للدين ولكن الدين هنا في صورته الحقيقية والعملية لا يختلف عن الإلحاد الكامل في شيء". " في ضوضاء هذه الدراسة الاجتماعية والتاريخية المزعومة يضيع أصل الدين في هذا التفسير المستحدث فيصبح الدين مجرد ظاهرة اجتماعية ويفقد قيمته الحقيقية في توجيه الحياة والمجتمع وهداية الإنسان لما فيه خيره في الدنيا والآخرة" (¬1). وتارة يرجع أولئك الملاحدة تفسير الدين حسب خرافاتهم إلى قابلية الشخص واستعداده الذهني لإدراك شتى الصور التي يتخيلها بعد ذلك دينا، كالشاعر الذي يتصور أشياء في خياله اللاشعوري وهذه تسمى نبوة عند بعض كبارهم. ¬

(¬1) الصهيونية: هي منظمة يهودية سياسية أسسها اليهودي تيودورهرتزل، وتهدف إلى تجميع اليهود في فلسطين وإلى تنفيذ المخططات المرسومة لإعادة مجد بني إسرائيل وبناء هيكل سليمان، ثم إقامة مملكة إسرائيل ثم السيطرة على العالم من خلالها تحت ملك اليهود المنتظر المزعوم.

ويرى محرر دائرة معارف العلوم الاجتماعية أنه يمكن تشبيه الدين بالفن من حيث أن الفنان يتمتع بذوق غير عادي في الأمور الفنية فكذلك رجل الدين يتمتع بنظرة قوية وأذن صاغية فيصل بتجاربه إلى معرفة الدين. مع أنهم قد أقروا بأن الدين لا تدخل معرفته تحت التجارب – كما تقدم – وهم يهدفون من وراء هذا السخف إلى إنكار النبوات الإلهية ويقرر "ت. ر. مايلز": أن الدين إذا قصد به ما بعد الطبيعة، أي القول بأنه وحي من الله تعالى فإنه حينئذ يفقد معناه الحقيقي أما إذا أريد بالدين معنى مجازيا بمعنى قوة الذكاء والإلهام فإنه حينئذ يكون معناه مقبولا لدى الأشخاص الذين يتصفون بقابليتهم للتدين. ويرى "اليكسيس كاريل" أن التدين إنما يصل إليه الإنسان بجهوده الشخصية وتطلعه إلى ذلك مثله مثل الشخص الذي يريد أن يصبح مصارعا فيستعد لتقوية بدنه بالرياضة وترويض أعضائه فكذلك المتدين يصل بصقل روحه وتهذيبها إلى التدين الذي يقتنع به (¬1). وهذا التفسير للدين خرافة وسذاجة وذلك لأنه يعتبر مصدر الدين قوة تخيل البشر وسمو ذكائهم لا أنه من الله تعالى أو عن وحيه إذ لا وجود لذلك في قاموس إلحادهم فكيف يكون الدين من خيال البشر وله هذه المكانة في النفوس منذ أن وجدت البشرية إلى أن تنتهي؟ ألم تظهر روايات وقصص وكتابات خيالية لا حدود لها؟ ثم تنتهي في مدة وجيزة ولم يعد أحد يتأثر بها مع أنها أحيانا نابعة من أعماق كبار الشعراء الذين يسميهم الملحدون أنبياء ومن أعماق كبار أصحاب الفكر والأدب ثم كيف تجمع البشرية على احترام التدين إلى هذا الحد لو كان ما يقوله الملحدون صحيحا من أن التدين خيالات وفن؟ ولماذا نجح الأنبياء على طول الأزمنة وبقي ما خلفوه حيا في قلوب الناس بينما تموت أفكار البشر وتنسى، بل وتمل على مر الزمان رغم تفنن أصحابها في الفصاحة كذلك يقال لهم لو كان التدين يرجع إلى الذكاء لكان لكل شخص دين يخصه يتوافق مع ذكائه وذوقه لاختلاف الناس في الذكاء وفي الرغبات ولما أمكن التفريق بين من يعمل الخير ومن يعمل الشر لأن الخير والشر يصبحان لا ضابط لهما لاختلاف العقول والأديان من فرد إلى فرد. وهل الواقع يدل على هذا؟ أم أنه يدل على أن الناس يشتركون في دين حتى ينسخه الله بغيره كما هو الحال في الأديان المنزلة على امتداد تاريخ البشر؟ كما أن هذا التفسير الإلحادي للدين يجعل كلمة النبوة أو ختم النبوة أمر لا معنى له لأن النبوة إنما هي مجموعة صور خيالية جميلة لا أن هناك إلها هو الذي يختار لها الشخص الذي يريده وهو مفهوم شاذ بالنسبة لما أطبق عليه عامة الناس وهل يصح أن يلتفت إلى كلام ملحد في آخر الأزمان ويغفل إطباق تلك الملايين التي لا يعلم عددها إلا الله وحده فاتضح أن كل تفسيرات الملاحدة للدين أو استعمالهم لكلمة دين إنما يراد بذلك إما المغالطة أو النفاق، وأما أن نسميها سذاجة لبعدهم عن معرفة الدين وجهلهم بكل حقائقه فهم لا يفرقون بين الاتجاه الخاص بالدين وبين الاتجاهات الجاهلية التي أفرزتها عقول جاهلة ادعت معرفة كل شيء ومن أعجب الأمور أن يسموا الدين الذي أطبقت البشرية على تقبله خيالات ويسمون إلحادهم وخيالاتهم التي يردها العقل والواقع يسمونها علمية وأين الثرى من الثريا؟ ¬

(¬1) انظر ((الدنيا لعبة إسرائيل)) (ص26)، و ((المذاهب المعاصرة)) (ص53 - 54).

إن تفسير الملاحدة للتدين عن الإنسان كله كذب وافتراض وهمي خيالي فقد تصوروا في خيالهم أن نشأة الإنسانية وظهور التدين عنده ونشأة القيم والأخلاق إنما قامت على المادة وحدها ومن المعلوم بداهة أنه مرت قرون عديدة والبشرية كلهم على التدين وعلى التعلق بإله قادر مهما اختلفت عباداتهم وعقائدهم وعبارتهم فهل يلغي كل ذلك الاتفاق في تلك القرون السحيقة التي لا يعلمها إلا الله ويؤخذ فيها برأي الملاحدة الشاذين، هذا ليس بمنطق صحيح أبدا وهل ما تصوروه من تطور الإنسان بسبب المادة يعضده دليل عقلي – إذ لا يوجد لهم دليل شرعي – إنه مجرد تحكم أن يقسموا البشر إلى مجتمعات بدائية ومجتمعات زراعية ومجتمعات صناعية وأن التدين في كل مرحلة كانت له أسبابه المادية، إنه تحكم كاذب فمن أين لهم صحته، وهل شهدوا خلق السموات أو الأرض أو خلق أنفسهم؟!! لقد جازف هؤلاء الملاحدة وافترضوا ما لم يحيطوا بعلمه وطرقوا ما لا مجال لهم فيه وكذبوا البشر قاطبة. وكذبوا الواقع الذي يشهد بتفاهة تفسيرهم للتدين ولكل القيم الإنسانية الثابتة بما فيها التدين الصحيح ومن يصدقهم في أن الصفات الثابتة في الإنسان سببها الجوانب الاقتصادية ومن يصدقهم أن الرغبات الجنسية وحب الانتقام والثأر والإحساس بالرحمة والحزن والفرح والبخل والكرم إنما يعود إلى الناحية المادية فقط دون أن تكون تلك الصفات وغيرها صفات أساسية في فطرة الإنسان. تلك الفطرة التي حاربتها الشيوعية اليهودية لكي يسهل عليهم استعباد البشر وإخراجهم الجوييم عن شريعة الله تعالى إلى شريعتهم الحاقدة على جميع البشر. نعم إن الإنسان حينما يقف عاجزا عن معرفة سر هذا الكون ويتفكر في خلق الله والأرض والنجوم وسائر الأفلاك وتتابع الليل والنهار والحياة والموت وسائر ما أوجده الله في هذا الكون إذا فعل الإنسان ذلك يجد نفسه عاجزا عن إدراك كل هذا، وحينئذ يعرف بفطرته أن هناك موجد عظيم لهذا الكون هو أقوى منه يستحق أن يخضع له وأن يعبده ويرجو ثوابه ويخاف عقابه، لا أن يعتقد أن المادة خلقته فإن التفكر في كل ذلك يهدي إلى الاعتراف بخالق عظيم قدير حكيم لا شأن للمادة معه بل هي مخلوقة له حدثت بعد أن لم تكن، وهذا هو ما اعترف به الملاحدة في أنفسهم وجحدوه ظاهرا تعصبا لنظرياتهم الفاسدة وقد ذكر الله عز وجل كثيرا من عجائب هذا الكون ورغب الناس في التفكر فيه واستخلاص العبر فذكر سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164]

ويقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل:10 - 18] ويقول تعالى: أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَأَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:58 - 74] ويقول تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:35 - 37]

وهذه الآيات وغيرها تجعل الإنسان يقف على حقيقة وجوده ووجود من حوله ووجود هذا الكون كله وما فيه توقفه على مصدر التدين ومستحق العبودية وتشبع فطرته عن كل تساؤلاته حول هذه الحياة وما بعدها في العالم الآخر وتثير في فطرته ما كان كامنا في التوجه إلى خالق هذه الحياة وإلى الرغبة الكامنة في الالتجاء إليه والخضوع والعبادة له، وهذه الفطرة هي التي يشعر الإنسان بواسطتها عظمة الله والرغبة في الخضوع له والدليل على ذلك أنه لم يخل جيل من الأجيال على امتداد التاريخ من التدين والتوجه إلى الله وهذا ما أخبر الله عز وجل عنه: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِير [فاطر:24] وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15] وهذا هو الحق ولا اعتبار لكلام الشاذين الساقطين الملاحدة الممسوخين الذين: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]، الذين حاربوا الدين النصراني ظانين أنه الدين الصحيح ثم غمرتهم النشوة بانتصارهم عليه وما علموا أنهم إنما حاربوا دينا مزيفا كاذبا من وضع الطغاة المشركين عباد الصليب وأحبار الشيطان ولهم أن يحاربوا كل الجاهليات ومن ضمنها هذا الدين ولكنهم انحرفوا عن مكان المعركة الحقيقية فحاربوا النور وغيروا الحقائق لينفسوا عن غيظهم وحقدهم الشديد على طغاة الكنيسة الذين أذاقوهم ألوان الذل وشر الاستعباد وليحققوا أيضا ما تطمح إليه اليهودية العالمية ويجب أن يعلم أولئك الأشرار أنه ما من فترة مرت من فترات حياة البشر إلا وكان توحيد الله نورا وضاء لم يخل منه مجتمع في يوم من أيام حياة البشر لم يكن للفن ولا للفنانين فيه أي شيء يذكر ولا للفكر أو التجربة أي دخل كما يدعون. وأما ما يذكره الملاحدة من أن الإقطاعيين والرأسماليين كانوا يستخدمون الدين كمخدر للجماهير ليرضوا بالذل والظلم عليهم في مقابل أن يعيشوا في جنة الله في الآخرة فهذا أمر قد يكون وقع كذلك. ولكن ما هي العلاقة بين الدين الحق وبين فجور طغاة الكنيسة وجشع الرأسماليين المرابين، بل كان الأولى أن يوجه اللوم إلى أولئك الذين رضوا بهذا الحال ولم يبحثوا عن مخرج لهم أو عن صحة تلك الوعود من أولئك المنتفعين أو أن يخاصموا أولئك الأشرار الجشعين ويصلحوا الأمور لا أن يحاربوا الله ورسله وهل يجب أن يلغى الدين لمجرد استغلال أولئك الأشرار له، وما هو ذنب الدين إن لم يحكم ولم يستشر بل وضع في قفص الاتهام دون رحمة أو لين ولماذا يحمل تبعة أخطاء الآخرين بل أخطاء أعدائه، وما هو السر في أن الملاحدة لم يرجعوا إلى الدين حتى بعد أن تبين لهم أن طغاة الكنيسة والرأسماليين والإقطاعيين سلبوا الناس عقولهم وتفكيرهم باسمه وهو منهم بريء. إن الجواب واضح وهو أن الملاحدة قد بيتوا النية لمحاربة الدين ليستغلوا الناس هم أيضا باسم الإلحاد الذي سموه تقدما ورفاهية وغير ذلك من الأسماء الكاذبة وقدسوه ليحل محل الكنيسة والكل ظالمون ومخادعون. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1133

خامس عشر: الأفكار والمعتقدات

خامس عشر: الأفكار والمعتقدات إنكار وجود الله تعالى وكل الغيبيات والقول بأن المادة هي أساس كل شيء وشعارهم: نؤمن بثلاثة: ماركس ولينين وستالين، ونكفر بثلاثة: الله، الدين، الملكية الخاصة، عليهم من الله ما يستحقون. فسروا تاريخ البشرية بالصراع بين البرجوازية والبروليتاريا (الرأسماليين والفقراء) وينتهي هذا الصراع حسب زعمهم بدكتاتورية البروليتاريا. يحاربون الأديان ويعتبرونها وسيلة لتخدير الشعوب وخادماً للرأسمالية والإمبريالية والاستغلال مستثنين من ذلك اليهودية لأن اليهود شعب مظلوم يحتاج إلى دينه ليستعيد حقوقه المغتصبة!! يحاربون الملكية الفردية ويقولون بشيوعية الأموال وإلغاء الوراثة. تتركز اهتماماتهم بكل ما يتعلق بالمادة وأساليب الإنتاج. إن كل تغيير في العالم في نظرهم إنما هو نتيجة حتمية لتغيّر وسائل الإنتاج وإن الفكر والحضارة والثقافة هي وليدة التطور الاقتصادي. يقولون بأن الأخلاق نسبية وهي انعكاس لآله الإنتاج. يحكمون الشعوب بالحديد والنار ولا مجال لإعمال الفِكر، والغاية عندهم تبرر الوسيلة. يعتقدون بأنه لا آخرة ولا عقاب ولا ثواب في غير هذه الحياة الدنيا. يؤمنون بأزلية المادة وأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأول للأفراد والجماعات. يقولون بدكتاتورية الطبقة العاملة ويبشرون بالحكومة العالمية. تؤمن الشيوعية بالصراع والعنف وتسعى لإثارة الحقد والضغينة بين العمال وأصحاب الأعمال. الدولة هي الحزب والحزب هو الدولة. تكون المكتب السياسي الأول للثورة البلشفية من سبعة أشخاص كلهم يهود إلا واحداً وهذا يعكس مدى الارتباط بين الشيوعية واليهودية. تنكر الماركسية الروابط الأسرية وترى فيها دعامة للمجتمع البرجوازي وبالتالي لا بد من أن تحل محلها الفوضى الجنسية. لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم. قال لينين: "إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء إنما الشيء الهام هو أن يصبح الربع الباقي شيوعيًّا". وهذه القاعدة طبقوها في روسيا أيام الثورة وبعدها وكذلك في الصين وغيرها حيث أبيدت ملايين من البشر، كما أن اكتساحهم لأفغانستان بعد أن اكتسحوا الجمهوريات الإسلامية الأخرى كبُخاري وسمرقند وبلاد الشيشان والشركس، إنما ينضوي تحت تلك القاعدة االإجرامية. يهدمون المساجد ويحولونها إلى دور ترفيه ومراكز للحزب، ويمنعون المسلم إظهار شعائر دينية، أما اقتناء المصحف فهو جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة سنة كاملة. لقد كان توسعهم على حساب المسلمين فكان أن احتلوا بلادهم وأفنوا شعوبهم وسرقوا ثرواتهم واعتدوا على حرمة دينهم ومقدساتهم. يعتمدون على الغدر والخيانة والاغتيالات لإزاحة الخصوم ولو كانوا من أعضاء الحزب. الجذور الفكرية والعقائدية: لم تستطع الشيوعية إخفاء تواطئها مع اليهود وعملها لتحقيق أهدافهم فقد صدر منذ الأسبوع الأول للثورة قرار ذو شقين بحق اليهود: - يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامي يعاقب عليه القانون. - الاعتراف بحق اليهود في إنشاء وطن قومي في فلسطين. يصرح ماركس بأنه اتصل بفيلسوف الصهيونية وواضع أساسها النظري هو موشيه هيس أستاذ هرتزل الزعيم الصهيوني الشهير. - جدُّ ماركس هو الحاخام اليهودي المشهور في الأوساط اليهودية مردخاي ماركس. تأثرت الماركسية إضافة إلى الفكر اليهودي بجملة من الأفكار والنظرات الإلحادية منها: - مدرسة هيجل العقلية المثالية. - مدرس كونت الحسية الوضعية. - مدرسة فيورباخ في الفلسفة الإنسانية الطبيعية. - مدرسة باكونين صاحب المذهب الفوضوي المتخبط. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

سادس عشر: إنكار وجود الله تعالى وتقدس

سادس عشر: إنكار وجود الله تعالى وتقدس لولا حلم الله عز وجل لما استطاع أحد أن يبحث قضية وجود الله تعالى أو عدمها وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فوجوده سبحانه وتعالى يتمثل بوضوح في كل هذ الوجود من أصغر مخلوق إلى أكبره بل الإنسان نفسه من أكبر الأدلة على وجود الله الحكيم الخبير وإلا فأي موجود يستطيع أن يزعم أنه هو الذي أوجد نفسه وعلى الصورة التي أرادها أو قدر لنفسه رزقها وأجلها ومصيرها بعد ذلك. لقد أقدمت فئة شاذة استهواهم الشيطان وماتت قلوبهم وإن كانوا أحياء يرزقون فذهبوا يعترضون على وجود الله تعالى وهم الملاحدة وقد مهد لهم الطريق علماء الكلام الذين وصفوا ربهم بأنه ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا داخل العالم ولا خارجه ولا يحس ولايشم ولا يشار إليه .. الخ، ولقد كثرت الردود على الملاحدة وعلى علماء الكلام الباطل في هذه القضية الخطيرة بما لا يكاد يحتاج إلى زيادة. إنني أتضايق كثيرا من سرد الأدلة على وجود الله تعالى وهو ما أعتقد حصوله في قلب كل إنسان مؤمن بالله سليم الفطرة لم تنحرف به شياطين الإنس والجن، إن الله عز وجل أجل وأعظم من أن يحتاج وجوده إلى شخص من الناس يثبته أو يجادل خصومه لإثبات وجوده. وفي اعتقادي أن الذي يبحث في إثبات وجود الله تعالى دون حاجة ملحة أنه يجب أن يؤدب تأديبا بليغا ومن ابتلي بالخوض في ذلك فعليه أن يستشعر عظمة الله تعالى وأن لا يخوض في هذه القضية الهائلة إلا بقدر الحاجة، والله المستعان ونعوذ بالله من وساوس الشيطان. وما دمنا في دراستنا للشيوعية وتكذيب مزاعمها فإنني أحب أن يقف القارئ على الحقائق التالية واللبيب تكفيه الإشارة. هل البشر في حاجة إلى أدلة لإثبات وجود الله تعالى؟ تقدم أنه لا يمكن أن نجد إنسانا سليم العقل والفطرة يعتقد أن الله سبحانه وتعالى يخفى على عباده فالعقل والكون كله وجميع المخلوقات من نام وجماد، وساكن ومتحرك، كلها تدل على وجود الله سبحانه وتعالى وتشهد بقدرته وحكمته ولطفه وعظمته جميع ذرات هذا الكون ولهذا فلسنا في حاجة إلى الإتيان بحشود الأدلة على وجوده فهو أمر فطري، وفي كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يشفي ويكفي لمن عنده أدنى شك في وجود المولى عز وجل، ومن العجيب أن يستدل الملاحدة على إنكار وجود الله تعالى بأدلة هي أقوى الأدلة على وجوده وخلقه لهذا الكون وتدبيره له، ولعل الذين جرؤوا فنفوا وجود الله عز وجل إنما حملهم على هذا ما وجدوه من أوصاف الإله سبحانه في التوراة والأناجيل من أنه شاخ وكبر وينسى ويأكل ويشرب ويمشي ويجلس ويحزن ويندم ويهم بالشيء ثم لا يفعله. نعم إن مثل هذا الإله من السهل جدا إنكاره خصوصا إذا أضفنا إليه الصفات التي وردت له في التلمود من تعلقه ببني إسرائيل وتدليله لهم وغضبه أحيانا عليهم ثم يضرب وجهه ويندم ويبكي ويلعب مع الحوت الكبير ويعقص شعر حواء .. إلى آخر تلك الصفات التي تدل على سقوط المتصف بها فضلا عن اعتقاد احترامه. ولكننا لا نبحث عن هذا الإله ولا عن الإله الذي اعتقدت الشيوعية فيه أنه يحابي الظلمة أو أنه لا وجود له إلا في أذهان الرجعيين لأنه غير منظور وغير موجود متجاهلين أنه ليس كل موجود حتما يرى، كوجود الهواء الذي نحس به ولا نراه، ووجود العقل في الإنسان، إذ نفرق بين المجنون وبين العاقل، ووجود الروح إذ نفرق بين الحي والميت وأمثلة لا تحصى، إننا نؤمن بإله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إله يعلم السر وأخفى إله خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، إننا نؤمن بهذا الإله الحق ونكفر ونلعن من يشك في وجوده.

ولقد تيقن كل إنسان أنه لم يخلق نفسه، وأن فاقد الشيء لا يعطيه فلا المادة ولا الطبيعة خلقت أحدا إذ هي مخلوقة مقهورة، كما أنه لا يجرؤ أحد على أن يقول أنه يخلق شيئا ما أو أنه خلق نفسه أو غيره وقد استيقن بهذا حتى أكابر الملاحدة وما جحد من جحد منهم وجود الله إلا عنادا واستكبارا وبغضا للكنيسة ورجالها ولقد صاح المفكرون في أوروبا وشهدوا على النصرانية والإلحاد بالضلال وهذه الشهادة الصادرة على ضلال هذه الطوائف من أهلها لهي أكبر دليل على أن الإلحاد لا استقرار له ولا مكان له وإنما هو زوبعة عارضة ستنتهي إن شاء الله تعالى كما انتهت سائر الأفكار الباطلة ومن الذين شهدوا على ذلك:

"رسل تشارلز أرنست" أستاذ الأحياء والنبات بجامعة فرانكفورت بألمانيا حيث قال: "لقد وضعت نظريات عديدة لكي تفسر نشأة الحياة من عالم الجمادات فذهب بعض الباحثين إلى أن الحياة قد نشأت من البروتوجين، أو من الفيروس، أو من تجمع بعض الجزيئات البروتينية الكبيرة، وقد يخيل إلى بعض الناس أن هذه النظريات قد سدت الفجوة التي تفضل بين عالم الأحياء وعالم الجمادات ولكن الواقع الذي ينبغي أن نسلم به أن جميع الجهود التي بذلت للحصول على المادة الحية من غير الحية قد باءت بفشل وخذلان ذريعين ومع ذلك فإن من ينكر وجود الله لا يستطيع أن يقيم الدليل المباشر للعالم المتطلع، على أن مجرد تجميع الذرات والجزيئات من طريق المصادفة يمكن أن يؤدي إلى ظهور الحياة وصيانتها وتوجيهها بالصورة التي شاهدناها في الخلايا الحية، وللشخص مطلق الحرية في أن يقبل هذ االتفسير لنشأة الحياة فهذا شأنه وحده ولكنه إذ يفعل ذلك فإنما يسلم بأمر أشد إعجازا وصعوبة على العقل من الاعتقاد بوجود الله الذي خلق الأشياء ودبرها. "إنني أعتقد أن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقد درجة يصعب علينا فهمها وأن ملايين الملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرته شهادة تقوم على الفكر والمنطق ولذلك فإنني أؤمن بوجود الله إيمانا راسخا" (¬1).ويقول "إيرفنج وليام" الحاصل على الدكتوراة من جامعة أيوا، وأخصائي وراثة النباتات، وأستاذ العلوم الطبيعية بجامعة ميتشجن: "إن العلوم لا تستطيع أن تفسر لنا كيف نشأت تلك الدقائق الصغيرة المتناهية في صغرها والتي لا يحصيها عد، وهي التي تتكون منها جميع المواد كما لا تستطيع العلوم أن تفسر لنا – بالاعتماد على فكرة المصادفة وحدها – كيف تتجمع هذه الدقائق الصغيرة لكي تكون الحياة" (¬2).ويقول "ألبرت ماكومب ونشستر" المتخصص في علم الأحياء: "ولقد اشتغلت بدراسة علم الأحياء وهو من الميادين العلمية الفسيحة التي تهتم بدراسة الحياة وليس بين مخلوقات الله أروع من الأحياء التي تسكن هذا الكون، انظر إلى نبات برسيم ضئيل وقد نما على أحد جوانب الطريق فهل تستطيع أن تجد له نظيرا في روعته بين جميع ما صنعه الإنسان من تلك العدد والآلات الرائعة؟ إنه آلة حية تقوم بصورة دائبة لا تنقطع آناء الليل وأطراف النهار بالآلاف من التفاعلات الكيميائية والطبيعية ويتم ذلك تحت سيطرة البروثو بلازم، وهو المادة التي تدخل في تركيب جميع الكائنات الحية، فمن أين جاءت هذه الآلة الحية المعقدة، إن الله لم يصنعها هكذا وحدها ولكنه خلق الحياة وجعلها قادرة على صيانة نفسها وعلى الاستمرار من جيل إلى جيل مع الاحتفاظ بكل الخواص والمميزات التي تعينها على التمييز بين نبات وآخر إن دراسة التكاثر في الأحياء تعتبر أروع دراسات علم الأحياء وأكثرها إظهارا لقدرة الله" (¬3). وهناك عشرات بل مئات الأدلة على خالق هذا الكون ومدبره، وشهادة هؤلاء العلماء، كل في مجال تخصصه، شهادة حق والحق مقبول من أي شخص كان. والملاحدة وهم ينكرون وجود الله تعالى ولا يعترفون بأنه هو الخالق المدبر لهذا الكون وما فيه هم أقل وأذل من أن يصلوا إلى قناعة بإنكارهم وهذا إجرام شنيع ولم يكتفوا به بل أضافوا إلى هذا الإجرام زعمهم أن العلم هو الذي دل على هذا، وأن البديل عن الله تعالى هي الطبيعة التي قالوا عنها بأنها هي التي خلقت السموات والأرض والإنسان والنبات وسائر المخلوقات فكيف تم ذلك حسب تعليلهم؟ ¬

(¬1) البروليتاريا: الطبقة العاملة. (¬2) انظر في تفاصيل ذلك ((المذاهب المعاصرة)) (111 - 113)، و ((الكيد الأحمر)) (84 - 94). (¬3) ((المذاهب المعاصرة)) (ص 112).

قالوا: "إن وجود هذا الكون وما فيه إنما هو نتيجة حركة أجزاء المادة وتجمعها على نسب وكيفيات مخصوصة بوجه الضرورة بدون قصد ولا إدراك. وبسبب تلك الحركة أخذت تتجمع أجزاء المادة المختلفة الأشكال على كيفيات وأوضاع شتى فنتجت تلك المتنوعات"، هذا هو مبلغهم من العلم، إن كل شيء وجد بطبيعته عن طريق الصدفة والحركة التطويرية دون قصد ولا إدراك على أن هذه الطبيعة التي يزعمون أنها تفعل كل ما تريد نجد أن بعضهم لا يحترمها بل يتعمد الإساءة إليها وإهانتها بأنواع السباب واللمز في إرادتها وقوتها ووفاءها. وإليك ما قاله وزير خارجية أكبر دول العالم وأقواها في عتابه المرير وتهكمه بالطبيعة حينما لم تحقق لهم آمالهم وما يطلبونه منها فقد قال "كولن باول"، و"ريتشارد باوتشر": "إننا ندين تخلف الثلج عن موسم الأعياد راجيا الطبيعة الأم أن تعالج هذه المسألة" إلى أن قال: "لا يمكن لشيء أن يبرر إفساد هذا الحدث الهائل، إننا ندعو الطبيعة إلى القيام بمبادرة فورية" وقال: إننا نعتبر استمرار الطبيعة في رفض القيام بواجباتها حيال الدول المتحضرة عملا استفزازيا وغير إيجابي لذلك ندعو الطبيعة إلى اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية بغية تساقط كمية مناسبة وذات مصداقية من الثلوج" وإذا أردت التعليق على هذا الكلام السخيف المملوء بالكبرياء والعنجهية فاقرأ ما كتبه عبد الرزاق السيد عيد بعنوان: "أمريكا تكشف عن وجهها القبيح وتعلن الحرب على الطبيعة" في مجلة التوحيد (¬1). فيا ترى ماذا يقصد بالطبيعة الأم؟!! إنه إلحاد وكفر وسخف فما هي الطبيعة الأم التي يتحدث عنها هؤلاء ويقولون إنها هي التي تخلق وتحيي وتميت وترزق من تشاء وتمنع من تشاء، وتخاطب بتلك اللهجة الحارة المفتقرة إلى الأدب؟!! فمن المعروف أن الطبيعة لا تخلو عن: 1 - إما أن تكون هي نفس الذوات الموجودة في الكون، من الحيوان والنبات والجماد، وهذه كما يرى القارئ لا يصح الاستغاثة بها ليتساقط الثلج في موسم الأعياد ليلهو ويلعب بها طغاة اليهود. 2 - وإما أن تكون هي صفات الأشياء الموجودة في العالم من حركة وسكون وحرارة وبرودة وليونة ويبوسة وغير ذلك، وهذه أيضا كذلك لا تملك لنفسها وجودا ولا عدما. ومهما كان الجواب فإنه خطأ وجهل شنيع حين يسند إيجاد هذا الكون البديع عن طريق طبيعة لا تعقل ولا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا. فهل يتصور أحد أن من لا يعقل يخلق من يعقل؟ وهل يستطيع شيء لا إرادة له ولا غاية له أن يخلق كائنا له إرادة وغاية. إن الإنسان كائن عاقل مدبر وله إرادة وهدف وغاية والطبيعة ليست لها تلك الصفات فهي ناقصة فهل يمكن للناقص أن يوجد الكامل؟ إن هذا الكون محكم متقن لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:40] الكواكب محكمة بإتقان، والبحار لا يطغى بعضها على بعض، والحيوانات لا تلد إلا نفس الحيوان من جنسها، والشجرة لا تنبت إلا نفس الشجرة، وقس على هذا سائر ما تراه في هذا الكون، فالإنسان هو الإنسان، والبقرة هي البقرة، والكبش هو الكبش أينما اتجهت في هذه الأرض مما يدل على أن الخالق واحد فكيف تستطيع الطبيعة أن تدبر هذا الكون بهذه الدقة المعجزة التي تشهد آياتها في كل ما حولنا من شؤون الكون والحياة أن لها خالقا قاهرا؟!!، ثم يقال للملاحدة أيضا: هل لأجزاء المادة إرادة وقصد في تنويع المخلوقات في العالم من نجوم وكواكب ومعادن ونباتات وحيوانات وبشر؟ كيف يفترض إنسان أن يكون كل هذا وجد بفعل ذرات الطبيعة الصماء؟ ¬

(¬1) ((انظر المذاهب المعاصرة)) (111 - 112).

إن المادة لا عقل لها ولا بصر كي ترتب المخلوقات وتنظم شؤونها، ولا منطق لها كيف تفكر في مستقبل الأشياء وما تحتاجه وهذا يعني أن "القول بخلق الطبيعة للوجود لا يخرج عن تفسير الماء بالماء فالأرض خلقت الأرض والسماء خلقت السماء والأصناف صنعت نفسها والأشياء أوجدت ذواتها. فهي الحادث والمحدث وهي المخلوق والخالق في الوقت ذاته. وبطلان هذا القول بين" وهو لا يخرج عن أمرين: 1 - إما الادعاء بأن الشيء وجد بذاته من غير سبب وهذا قول فاسد. 2 - وإما إزدواج الخالق والمخلوق في كائن واحد، فالسبب عين المسبب، وهو مستحيل وهو تهافت وتناقض لا يحتاج لشرح. لو كانت الطبيعة هي الخالق كما يقولون لكانت قوانينها واحدة المريض لابد أن يموت والصحيح لا يمرض والنبات الذي يسقى بماء واحد لا يختلف طعم ثمره لكننا نرى العكس أحيانا نرى المريض يشفى والصحيح يموت بدون مرض أو علة ونرى الزرع والنبات في ساحة واحدة يمتص غذاء في الأرض من تراب واحد ويسقى بماء واحد ولكن الثمر قد يختلف في المذاق والألوان والروائح والمنافع والمضار. فهل هذا كله من صنع الطبيعة الصماء أو المادة العمياء وهل هذا هو العلم الذي يقولون به؟ إن هذا هو الجهل بعينه وليس بالعلم ثم تأمل قول الله تعالى: وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد 4:]. وقوله تعالى: وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ [النحل:13]. وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ [الحج:65 - 66]. وقوله تعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل:60 - 64] تأمل هذه الآيات ودلالتها إذا أردت أن تخرج من ظلمات الجهل إلى نور العلم واليقين فهذا هو الحق وهذا هو البرهان الذي يجب أن نطأطأ له الرؤوس والعقول إجلالا وخضوعا، وأين هذه البراهين من ترهات المنحرفين الضالين عباد المادة. ومما يجدر بك الإطلاع عليه ما سجله العلماء التجريبيون من الإيمان بالله تعالى عن قناعة ويقين من خلال بحوثهم وتجاربهم في اكتشافاتهم العلمية.

وإليك أمثلة رائعة تدين الإلحاد القائم كذبا على ما سموه علما من واقع ما كتبه بعض العلماء التجريبيين: جاء في كتاب) الله يتجلى في عصر العلم (ثلاثون مقالة لمجموعة من كبار العلماء الأمريكيين في تخصصات علمية مختلفة في علوم الكون والحياة من كيمياء وفيزياء وتشريح وأحياء، تذكر كلها أنواعا من الأدلة العلمية على وجود الله بعد أن أدهشهم ما توصلوا إليه من ملاحظات وما شاهدوه من عجائب خلق الله. لكن يجب قبل أن نسوق شواهد من أقوال هؤلاء العلماء أن نؤكد في البداية أننا نسوق هذه الشواهد لا لحاجتنا إليها فعندنا في كتاب الله ما يكفي ويشفي ولكننا نسوقها لنرغم بها أنوفا فتنها التقدم العلمي في هذا العصر فظنوا أن العلم يقتضي عدم الإيمان بالله تعالى. ولنرد بها على الذين يزعمون أن علماء الطبيعة – أو كثيرا منهم – ملحدون لأن الإيمان يجافي العلم، بزعمهم، وإليك تلك النماذج الرائعة: يقول "فرانك ألن" عالم الطبيعة البيولوجية: إذا سلمنا بأن هذا الكون موجود فكيف نفسر وجوده ونشأته؟ هناك احتمالات أربعة للإجابة على هذا السؤال: 1 - فإما أن يكون هذا الكون مجرد وهم وخيال. وهذا يتعارض مع ما سلمنا به من أنه موجود. 2 - وإما أن يكون هذا الكون قد نشأ من تلقاء نفسه من العدم وهذا مرفوض بداهة. 3 - وإما أن يكون هذا الكون أزلي الوجود ليس لنشأته بداية وهذا الاحتمال يساوي ما يقوله المؤمنون بالله من أزلية الخالق. لكن قوانين الكون تدل على أن أصله وأساسه مرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة فهو إذاً حدث من الأحداث ولا يمكن إحالة وجود هذا الحدث المنظم البديع إلى المصادفة عقلا، ولذلك فهذا الاحتمال باطل. 4 - وإما أن يكون لهذا الكون خالق أزلي أبدعه وهو الاحتمال الذي تقبله العقول دون اعتراض. وليس يرد على إثبات هذا الاحتمال ما يبطله عقلا. فوجب الاعتماد عليه. وقال "جون كليفلاند كوثران" عالم الكيمياء والرياضيات: تدلنا الكيمياء على أن بعض المواد في سبيل الزوال أو الفناء، ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة والآخر بسرعة ضئيلة، وعلى ذلك فإن المادة ليست أبدية. ومعنى ذلك أيضا أنها ليست أزلية إذ أن لها بداية وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أن بداية المادة لم تكن بطيئة ولا تدريجية بل وجدت بصورة فجائية. وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه المواد وعلى ذلك فإن هذا العالم المادي لابد أن يكون مخلوقا وهو منذ أن خلق يخضع لقوانين وسنن كونية محددة ليس لعنصر المصادفة بينها مكان. فإذا كان هذا العالم المادي عاجزا عن أن يخلق نفسه أو يحدد القوانين التي يخضع لها فلابد أن يكون الخلق قد تم بقدرة كائن غير مادي متصف بالعلم والحكمة. وقال "ادوارد لوثر كيسيل" أستاذ الأحياء ورئيس القسم بجامعة سان فرانسيسكو: يرى البعض أن الاعتقاد بأزلية هذا الكون ليس أصعب من الاعتقاد بوجود إله أزلي، ولكن القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية يثبت خطأ هذا الرأي. فالعلوم تثبت بكل وضوح أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليا ولا يقتصر ما قدمته العلوم على إثبات أن لهذا الكون بداية، فقد أثبت فوق ذلك أنه بدأ دفعة واحدة منذ نحو خمسة بلايين سنة (¬1)، ولو أن المشتغلين بالعلوم نظروا إلى ما تعطيهم العلوم من أدلة على وجود الخالق بنفس روح الأمانة والبعد عن التحيز الذي ينظرون به إلى نتائج بحوثهم، ولو أنهم حرروا عقولهم من سلطان التأثر بعواطفهم وانفعالاتهم، فإنهم يسلمون دون شك بوجود الله وهذا هو الحل الوحيد الذي يفسر الحقائق، فدراسة العلوم بعقل متفتح تقودنا دون شك إلى إدراك وجود السبب الأول الذي هو الله (¬2). وإذا كان وجود الله تعالى يتجلى بهذا الوضوح فما الذي حمل الملاحدة على إنكاره؟!! وما هي الشبهات التي تعلقوا بها؟ ¬

(¬1) ((المذاهب المعاصرة)) (ص 112). (¬2) ((المذاهب المعاصرة)) (ص 112)

سابع عشر: شبهات الملاحدة في إنكارهم وجود الله تعالى

سابع عشر: شبهات الملاحدة في إنكارهم وجود الله تعالى 1 - دليل الجاذبية من شبههم على نفي وجود الإله الخالق الحافظ لهذا الكون ما زعموه بعد اكتشاف نظام الجاذبية في علم الفلك من أن هذا الكون محفوظ بقانون الجاذبية ومتماسك بسببها لا بقدرة إله خالق ولا شك أن هذا الفهم تافه سخيف إذ يقال لهم هل نظام الجاذبية ينفي وجود إله خالق قادر، أم أنه على العكس يدل على وجود الإله سبحانه وتعالى الذي خلق الجاذبية ذاتها لتعمل وفق ما أراد وقدر لا وفق ما تريد هي، إذ لا إرادة لها ولا وجود لها من نفسها فهي قد وجدت بعد أن لم تكن، وهذا الترتيب العجيب في الكون يفوق كل قدرة ويفوق كل تدبير لقد حير العقول وتضاءلت دون إدراكه الأفهام، فكيف ينسب هذا كله إلى الجاذبية المحدثة المخلوقة؟ كما أن كثيرا من الملاحدة – كما تقدم – يعترفون بعجزهم عن الوصول عن طريق الأبحاث والتجارب إلى معرفة أسرار كثير من الحقائق المشاهدة في هذا الكون وهذا الإقرار يلزمهم أن يقروا أيضا بحقيقة الإله، بل وحقيقة الدين لأنه يشتمل على كثير من الحقائق التي لا يصل العقل إلى معرفتها لا عن طريق البحث ولا عن طريق التجارب فكيف ساغ لهم الإيمان بأن لبعض الحقائق المشاهدة حقائق باطنية عجز العلم عن معرفتها بينما ينفون وجود الإله وحقيقة الدين بحجة أن الدين قائم على أمور لا تدرك حقيقتها الباطنية عن طريق البحث والتجربة، هذا تناقض واضح وتفريق بلا مستند. 2 - دليل الارتقاء من شبههم التي استندوا عليها في إلحادهم في الله تعالى قضية الارتقاء. أي ارتقاء المخلوقات وتطورها في خلقها تلقائيا وهذه القضية رغم وضوحها في الدلالة على وجود الله تعالى وقدرته ومشيئته ورحمته بخلقه إلا أنهم نظروا لها من جانب آخر بعيد عن الفهم السليم والعقل المستقيم فزعموا أن أنواع الحياة قد وجدت نتيجة لعمل الارتقاء لافتراضهم أنه على فرض وجود خالق لهذه الحياة بزعمهم فلا يمكن أن يخلقهم على هذا الترتيب من الصغر إلى الكبر في الإنسان والنبات بل يخلقه دفعة واحدة كل صنف في كمال شكله بدون ترتيب يخضعها لعمل تطوري طويل الأمد حسب زعمهم وأن المخلوقات تطورت بنفسها بفعل المادة وأنها تولدت عن بعضها للتشابه بينها وأن بقاءها يعود إلى قدرتها على التكيف مع الظروف التي تحيط بها. والواقع أنه ما من مؤمن بالله عز وجل إلا وهو يعلم أن وجود الخلق على هذه الحالة إنما يعود إلى مشيئة الله وقدرته ولتنظيم الحياة على سنة واحدة ولن تجد لسنة الله تبديلا. وأن ما يزعمونه من تطور المخلوقات بنفسها بفعل المادة إن هو إلا خرافات سخيفة ولو كان ذلك صحيحا لأدى التطور إلى أن تصبح الذرة جملا أو فيلا ضخما فما الذي يمنعها وقانون التطور يجيز ذلك لها؟ وقد مرت ملايين السنين ولا تزال الذرة هي الذرة والجمل هو الجمل والإنسان هو الإنسان لم يتطور من قرد إلى إنسان إلا عند " داروين " الملحد الذي أصبحت نظرياته محل سخرية العقلاء من الناس وضحكهم منها وإذا كان الارتقاء بمعنى أن الإنسان والحيوان يكون في أوله صغيرا ثم يكبر شيئا فشيئا إلى أن يكتمل فهذا أمر حقيقي مشاهد وهو يدل على قدرة قوية تربيه إلى أن يصل إلى درجة الاكتمال ولا يدل هذا على أنه ليس له إله رحيم مدبر.

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على التطور والارتقاء في حياة الإنسان والحيوان والنبات ولو كان للطفل المولود أسنانا حادة من أول يوم لما أرضعته أمه ولو ولد شابا لما وجد ذلك الحنان بينه وبين أمه وأبيه وأهله ولو كانت الشمس تسطع حرارة منذ بزوغها لما وجد لها هذا الحب في استقبالها وفي غروبها كل يوم ولكن الملاحدة قلبوا الأمر فجعلوا ما كان دليلا واضحا على قدرة الله تعالى ووجوده جعلوه دليلا على إنكار وجوده لأن قلوبهم غلف وقد طبع الله عليها. وأما ما زعموه من أن الكائنات الحية نشأت عن التولد وأن تكيفها مع الظروف هو الذي أبقاها فإنه يقال لهم إن هناك حقائق مسلمة لا يعارضها عقل ولا دين بحال، بل يؤكدها الدين والعقل بدلالتها على الخالق العظيم ولا يصح أن يقال أنها دليل على صحة نظرية التطور التي يثبتها الملاحدة وهي: 1 - الكائنات الأدنى كالنبات وجدت قبل الكائنات الأرقى كما يذكر الباحثون فالإنسان هو أرقى الكائنات الحية وجد متأخرا بينما النباتات وجدت أولا فإن الله عز وجل خلق السموات والأرض وخلق الأرض وقدر فيها أقواتها وما يحتاج إليه البشر حين يوجدون عليها. 2 - يوجد كثير من أوجه الشبه بين الكائنات الحية كالإنسان والقرد ومع ذلك بقي كل كائن كما هو على طول المدى لم يتحول القرد إلى إنسان ولا الإنسان إلى قرد. 3 - الكائنات الحية تملك قدرة على التكيف مع الظروف "ظهور المناعة لمقاومة الأمراض، تغير لون الجلد لمقاومة الحرارة وأشعة الشمس .. الخ (¬1). ويقال لهم في توجيه ذلك: إن كل هذه الثوابت لا يعارضها الدين أو العقل وهي من أوضح الأمور على قدرة الله تعالى الذي منحها هذه الصفات فإن ترتيب وجود الكائنات يعود لمشيئة الله تعالى كذلك ولا يلزم من وجود الكائن الأول أن الكائن الذي يليه تولد عنه، فإن الإنسان مع وجوده متأخرا لا يصح أن يقال أنه تولد عن النبات الذي سبقه في الوجود، وإلاّ لزم التسلسل فإنه يقال لمن يريد إثبات ذلك والنبات أيضا عن أي شيء تولد؟ فلو قال من اجتماع أجزاء المادة يقال له وأجزاء المادة أيضا من أي شيء تولدت؟ وهكذا فلا يجد جوابا في النهاية إلا التسليم رغم أنفه شاء أم أبى. وأما وجود التشابه بين الكائنات الحية فلا يعني هذا أيضا أن كل كائن تولد عن شبهه فلا يصح أن يقال أن القرد تولد عن الإنسان أو الإنسان تولد عن القرد لما بينهما من تشابه لا يمكن هذا إلا في نظرية "دارون" وقد عرفت سخافتها، بل إن العلم والدين كلاهما يثبتان أن التشابه بين الكائنات الحية مع بعضها البعض أو مع بعضها وأخرى ليست من جنسها إنما هو دليل قاطع على أن مصدر الإيجاد واحد وهو الله تعالى ولو أن الكائنات كلها تولد بعضها عن بعض لما كان هناك فرق، في مفاهيم العقلاء بين أن تقول لإنسان أنت قرد أو كلب أو شجرة وبين أن تقول له أنت إنسان أو قمر أو وردة لحصول التولد الذي زعمه الملاحدة بنظرياتهم السخيفة إذ ما دامت الكائنات كلها تولدت عن بعضها البعض فلا يبقى بينهم أي فارق حقيقي. ¬

(¬1) انظر ((المذاهب المعاصرة)) (112 - 113).

وأما وجود القدرة للكائنات الحية على التكيف مع الظروف التي تحيط بها فإن العلم والدين يثبتان ذلك ويرجعان السبب إلى قوة مدبرة رحيمة هي قوة الله تعالى وقدرته ورحمته فإن تلك القدرة على التكيف إنما هي رحمة من الله تعالى لبقاء ذلك الكائن حيا منتفعا بذلك التكيف على مقاومة انقراضه إلى الوقت الذي يشاء له موجد تلك القدرة فأي دليل للملاحدة في هذا على عدم وجود الله تعالى الخالق لهذه الكائنات والموجد لها هذه القدرة على التكيف في معيشتها أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46]. 3 - قانون العلة أو المعلول أو التفسير الميكانيكي للكون من المسلم به عند العقلاء وكل المؤمنين بالله تعالى أن الله تعالى يوجد الأشياء عند وجود أسبابها في أغلب الأمور إلا إذا أراد عدم وجود تلك الأسباب وحينما اكتشف علماء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أن الكون يسيره قانون العلة والمعلول طار الفرح بمفكري الملاحدة وظنوا أنهم وجدوا ضالتهم المنشودة في التدليل على عدم وجود الله تعالى لأن كل الأشياء ناتجة عن علة ومعلول فلا ضرورة حينئذ إلى القول بوجود إله موجد لأن جميع ما يجري في هذا الكون إنما يحدث بسبب علل مادية دون تدخل خارجي غير وجود العلة والمعلول التي تغني عن القول بوجود الله عز وجل وهو ما يسميه بعض الباحثين " التفسير الميكانيكي للكون " ومن الطريف أن العلماء الذين اكتشفوا هذا القانون لم يزعموا أنه بديل عن الله تعالى بل صرحوا بأنه سنة الله في الخلق أن تجري الأمور بواسطة أسباب وعلل فقد قال "نيوتن" "هذا هو أسلوب الله في العمل، فالله يجري مشيئته في الكون بواسطة أسباب وعلل" (¬1). ¬

(¬1) انظر: ((الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام)) للعقاد (24 - 25 ,28 - 67)، و ((المذاهب المعاصرة)) (185 - 191)، و ((الكيد الأحمر)) (74 - 75)، و ((الموسوعة الميسرة)) (309 - 310)، و ((الشيوعية وموقف القرآن الكريم منها)) د. عبدالباقي أحمد عطا الله (41 - 49)، و ((أيها الشيوعيون هؤلاء قواد ثورتكم)) لمحمد الصوياني.

ولكن الملاحدة وهم في نشوة فرحهم ببناء مذهبهم الإلحادي جعلوا هذا ضمن أدلتهم على تقوية إلحادهم ونظريتهم إلى الدين بعين البغضاء وأنه بزعمهم ينافي العلم، وأنى لهم أن يكون هذا الاكتشاف دليلا على عدم وجود الإله الخالق الذي قدر الأسباب وضرب الآجال وفق سننه في هذا الكون التي هي أجلى من الشمس لولا عناد الملاحدة واستكبارهم وقد أشار الله تعالى إلى هذا في القرآن الكريم حينما أمرت مريم بأن تهز النخلة وهي في حالة تمام الإعياء والتعب في وقت الولادة ليفهم الناس أن الله تعالى يجري الأمور بأسبابها. وقد وجد الفلاسفة الملاحدة صفعة أبطلت نشوتهم بهذا الاكتشاف الميكانيكي وذلك حينما عجز العلماء عن الإتيان بتفسير للأسباب الكامنة في بعض القضايا مع وضوح آثارها دون أن يعرفوا وجه العلة والمعلول فيها وعلى سبيل المثال فإن الراديوم عنصر مشع وإليكتروناته تتحول إلى حطام تلقائيا بعمل الطبيعة وقد أجرى العلماء تجارب لا حصر لها لكي يصلوا إلى سبب إشعاع الراديوم ولكن كل التجارب انتهت إلى الإخفاق. ونحن نجهل حتى اليوم سبب تحطم إلكترون ما وخروجه عن نظامه النووي في الراديوم وأيضا فنحن نشاهد المغناطيس وهو يشد نحوه الحديد. وقد أقام العلماء نظريات كثيرة لشرح هذه الظاهرة ولكن أحدهم كتب يعلق على هذه النظريات قائلا: " إننا لا نعرف لماذا يشد المغناطيس الحديد نحوه ربما لأن الله أصدر إلى المغناطيس أمرا بذلك " (¬1). ولقد علل العلماء في الماضي لبعض القضايا بتعليل ظنوا أنه صواب فإذا به عند التحقيق تعليل سطحي، بل لا يعرف الإنسان إلى الآن لماذا ينام حين يستلقي في الليل على سريره ما هو السبب لذلك. ولقد اعترف الملاحدة بعد طول جدل بأن قانون التعليل ليس حقيقة مطلقة بالمفهوم الذي افترضوه في القرن التاسع عشر، بل لقد قرروا أخيرا " أن نظام العالم لا يخضع لقانون العلة والمعلول الناتج عن الصدفة المحضة، وإنما هناك عقل ذو وعي يدبر شؤون العالم بالإرادة ". وكان سائدا عند الجهال في القرون الأولى أن هناك آلهة مشتركة في تدبير هذا الكون وهي تخضع في النهاية لإله واحد هو أكبرها فقد تغيرت هذه النظرة الشركية إلى ما هو أقبح منها وهو الإلحاد المادي الحديث القائم على القول بالصدفة وطبيعة أجزاء المادة وانتظامها وانفجارها مما لم يقل به المشركون قديما. 4 - دليل المادة ¬

(¬1) هرتزل: هو مؤسس الصهيونية الحديثة.

ومن أدلتهم على نفي الإله واعتبار الدين خطرا يضاد العلم قولهم أن أساس هذا الكون كان مادة شبه غبار منتشر ثم حدث أن تحرك حركة لم تنته إلا بتكوين هذا الكون وما فيه في انفجار هائل، ولكن يقال لهم إن هذا التفسير مضحك سخيف فهل تستطيعون أن تثبتوا من الذي كون ذلك الغبار ومن الذي جمعه ومن كان السبب في تلك الحركة التي جعلت الكون كله يتفجر ويتكون على نحو ما هو عليه؟ إنهم لا يجدون لهم جوابا غير أن الصدفة هي التي فعلت ذلك وهو افتراض بدون أساس ناتج عن خيال كاذب وفهم قاصر، ويقال لهم: إذا كان وجود هذا الكون عن طريق الصدفة أليس من الممكن والحال هكذا أن توجد صدفة أخرى تقضي على هذا الكون كله وتتعطل كل هذه المصالح من شمس وقمر ونجوم وغير ذلك مما في هذا الكون المترابط المنتظم بصورة تضمن استمرار الحياة سليمة عن الخراب والتداخل إذ الشمس تجري لمستقر لها والنجوم زينة للسماء والقمر ضياء والرياح لواقح والسحب تحمل المطر والليل في وقته والنهار في وقته، كلها تجري لصالح الإنسان ولبقاء الحياة هذه الدهور التي لا يعرف لها وقت إلا الله تعالى، بل والإنسان نفسه أعظم آية، كيف أوجدته الصدفة من العدم وكيف وجد الإنسان الحي من مادة ليس لها حياة. " إن التفسير الميكانيكي يعجز هنا عن إقرار أن سببا واحدا خلق الكون. وأن هذا السبب نفسه يقوم بتدبير شؤونه في نفس الوقت، إن هذا التفسير نقيض وجود إلهين اثنين. فمن ناحية يقدم لنا هذا التفسير نكتة قانون الصدفة لشرح الحركة الأولى التي وقعت في المادة الراكدة، ولكن هذا التفسير من ناحية أخرى يعجز عن تقديم تفسير مقنع لتسلسل الحركة بواسطة تلك الصدفة نفسها التي وقعت "صدفة " للمرة الأولى لذلك وجب البحث عن إله آخر لشرح هذا الجزء الأخير من التفسير الميكانيكي" (¬1). وقد وجدوه بزعمهم في مبدأ التعليل الذي زعموا فيه أن الكون ابتدأ في الوجود إثر حكة المادة وانفجارها الذي سبق ذكره وعرفت سخافته وبطلانه. وحينما قام الإلحاد ونكران الإله على أساس أن الكون خاضع لتلك القوانين المعنية وأن كل حدث له سبب وأن قوانين الارتقاء قد تكفلت بإتمام كل موجود وأن الكون كله تكون من مادة حسب سخافاتهم فلا حاجة إلى القول بوجود إله خالق مدبر لهذا الكون، وبالتالي أخذ عظماء الكفر والإلحاد يتبجحون بما توصلوا إليه في اكتشافاتهم من تلك القوانين الطبيعية فراحوا يتفنون في إطلاق كلمات الإلحاد وأنه بإمكانهم أن يخلقوا الإنسان والكون لو توفرت لهم المواد والتي زعموا أن الكون خلق منها فقال الفيلسوف الألماني " كانت ": " ائتوني بالمادة وسوف أعلمكم كيف يخلق الكون منها " (¬2).وقال "هيجل": "إنني أستطيع خلق الإنسان لو توفر لي الماء والمواد الكيماوية والوقت " (¬3).وقال "نيتشه": "لقد مات الإله الآن" (¬4). ¬

(¬1) ((المذاهب المعاصرة)) (ص 120). (¬2) انظر ((المذاهب المعاصرة)) (ص 120). (¬3) انظر ((المذاهب المعاصرة)) (185 - 191) و ((الموسوعة الميسرة)) (309 - 310) , و ((الشيوعية ومواقف القرآن الكريم منها)) (41 - 49) و ((أيها الشيوعيون هؤلاء قواد ثورتكم)). (¬4) ((المذاهب المعاصرة)) (ص191) , و ((الشيوعية وموقف القرآن الكريم منها)) (ص 47).

وهكذا زعموا أن العلم أوصلهم إلى أن الكون إنما وجد من مادة وأنه لا أثر للخالق فيه، وبالتالي فلا حاجة مع وجود هذه العلوم والاكتشافات إلى القول بالخالق وسبحان العليم الحليم. وقالوا متعالين: لقد كان الإنسان القديم يعتقد أن خروج الكتكوت من البيضة إنما كان بقدرة إلهية أما اليوم فقد علمنا أن الكتكوت بعد 21 يوما يظهر على منقاره قرن صغير يستعمله في تكسير قشرة البيضة فيخرج منها ثم يزول هذا القرن بعد بضعة أيام من خروجه من البيضة (¬1). إنهم حين يقفون عند هذا الحد في خلق الكتكوت تفوتهم أمور كثيرة لا يستطيعون الجواب عنها هي أشد من تكسير البيضة، إذ يقال لهم: كيف يظهر هذا القرن؟!!، ومن الذي منحه هذا القرن الضروري لخلاصه من البيضة؟!!، فإذا قالوا: إنها الطبيعة، فيمكننا أن نقول لهم: إن هذه الطبيعة التي تقولون بها هي سنة الله تعالى في تكوين خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وأنها هي الله تعالى الخالق المدبر، فيصبح الخلاف في وجود الله بين المؤمنين والملحدين خلافا لفظيا. ومهما اكتشف العلماء من اكتشافات، فإنها تبقى في حاجة إلى بيان القوة المؤثرة الخفية فيها الذي حاد عنها الملاحدة وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]. وكلام الله هو الدليل القاطع، فقد أثبت الله تعالى أن الإنسان مهما كابر عقله، فإنه يعلم في قرارة نفسه أن الشيء لا يوجد نفسه، وأن العدم لا يوجد الموجودات المشاهدة المنتظمة في أكمل وأدق نظام، والمادة التي جعلت إلها في نظرهم هي نفسها مخلوقة مربوبة حتى وإن وصفوها بصفة الإله. ومن الملفت للنظر أن هذا الإله المختلق – المادة – لا يصفونه بالحكمة ولا القصد ولا التدبير وهذا ما أكده " دارون "، و " أنجلز " و " ماركس " ومن سار على منهجهم في زعمهم فوضوية المادة على أن هذا الإلحاد الذي قرره " دارون "، و " ماركس " و " أنجلز " لم يكن وليد أفكارهم وإنما أنشأته ظروف كثيرة قبلهم ومنها الحياة الدينية في أوروبا حينما انفصلت عن كل شيء يشير إلى الدين الصحيح وحل محله طغيان رجال الدين الكنسي الذي نتج عنه بغض الدين وبغض مصدره وهو ذلك الإله المنحاز إلى الطبقات الثرية وإلى رجال الدين والحكام ولا شأن له بالفقراء والمغلوبين على أمرهم. ومما لا ريب فيه أن هذا المفهوم الباطل للدين والإله أمر لابد أن يولد عنه الإلحاد متى اقتنع الشخص بصحته، كما أن استغلال الطبقات القوية للفقيرة وإذلالهم باسم ذلك الإله الذي صوروه قوة عاتية إلى جانبهم فقط يعذب من أغضبهم ويرضى عن من أرضاهم من شأنه أن يساعد على نشأة الإلحاد أيضا. ومن هنا شعر الجميع بوجوب الهرب من وجه هذا الإله المتصف بتلك الصفات إلى إله آخر له كل صفات الإله الأول إلا أنه لا يعترف بالكنيسة ولا يبارك ظلم طغاتها ولا يلزم الناس تجاهه بأي التزام وعباده أحرار فيما يصنعون بأنفسهم لا سلطان لأحد عليهم إلا الهوى والشهوات لقد استراح من أراد الهرب من إله الكنيسة إلى الإله الجديد المسمى " الطبيعة " مادام بينهما هذا الفارق الكبير في السلوك وتفنن بعد ذلك هؤلاء الهاربون في إضفاء الصفات على هذا الإله الذي تخيلوه وأحبوه وسموه الطبيعة. ولكنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه إله وهمي متخيل لا حقيقة له إلا من خلال أنه ملاذ وجداني أرحم من إله الكنيسة حتى وإن كان غيبيا وكانوا كلما وقفوا على شيء يدل على الإله العظيم رب العالمين سارعوا إلى تفسيره لصالح هذا الإله المتخيل مخافة أن يقعوا مرة أخرى في قبضة رجال الكنيسة وصدق عليهم قول الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]. أو قول الشاعر: "كالمستجير من الرمضاء بالنار" إن الملاحدة هربوا عن اسم الله والإعتراف به إلى اسم آخر أعطوه نفس القدرة ونفس صفات الإله الحقيقي دون أي مبرر إلا الهرب من إله الكنيسة دون أن يرجعوا إلى عقولهم وإلى سؤال أنفسهم بصراحة وصدق هل هذا الإله الذي جعلته الكنيسة ستارا لطغيانها هو فعلا الإله الحقيقي أم أنه إله مخترع وورقة رابحة في أيدي الطغاة. إنهم لو طلبوا الحقيقة سيجدونها واضحة صريحة وسيجدونها في مكان لا يقل كراهتهم له عن كراهيتهم للكنيسة إنه الإسلام الذي سيبين لهم، لو أرادوا، الحق الصحيح الإله الحقيقي الرحيم العادل بين عباده. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1166 ¬

(¬1) انظر: ((المذاهب المعاصرة)) (191).

ثامن عشر: الرد على مزاعم الشيوعية

ثامن عشر: الرد على مزاعم الشيوعية لقد اتضح من خلال ما مضى أن الشيوعية الماركسية مذهب إلحادي، لا يؤمن إلا بالمادة، ولا يعترف إلا بالمحسوس. ومرَّ بنا كيف كان الشيوعيون ينظرون إلى الحياة من خلال المنظور المادي، وكيف كانوا يفسرون التاريخ تفسيراً مادياً، إلى غير ذلك من مبادئ الشيوعية وأعمالها. والرد على مبادئ الشيوعية لا يحتاج إلى كبير جهد؛ ففسادها يغني عن إفسادها، وتصورها كافٍ في الرد عليها، وأدلة الشرع والعقل، والفطرة والواقع تنقض مبادئ الشيوعية. ولقد مرَّ شيء من الرد على مبادئ الشيوعية من خلال عرضها، وفيما يلي ذكر لبعض التفصيل في الرد على مزاعم الشيوعية، ومبادئها، يتبين من خلاله بطلان هذا المذهب. 1 - الشرع: فأدلة الشرع أكبر برهان على بطلان الشيوعية، فهي تدل على وحدانية الله - عز وجل - وعلى صدق رسله - عليهم السلام -. فالله - عز وجل - أرسل الرسل من لدن نوح إلى محمد - عليهم السلام - بالتوحيد الخالص فكلهم يدعون إلى عبادة الله وحده، وإفراده بالعبادة دون من سواه. قال -تعالى-: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وهذه الدعوة التي جاء به الرسل الكرام - عليهم السلام - توضح العلاقة بين العبد وربه، وتكفل للبشرية أن تعيش بسعادة وهناء. ثم إن عبادة الله -عز وجل- هي الغاية التي خلق من أجلها الجن والإنس، قال -تعالى-: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. ثم إن القرآن بإعجازه وببلاغة أسلوبه، وشدة تأثيره، وإخباره عن الغيوب الماضية والمستقبلة، وتضمنه لمصالح العباد في دنياهم وأخراهم، وصلاحه لكل زمان ومكان وأمة - لأكبر برهان على بطلان الشيوعية التي تدعو إلى الإلحاد، وتكفر بكل دين. إضافة إلى ذلك فالحقائق العلمية تشهد للقرآن والسنة بالصحة؛ فمع اتساع علوم الطبيعة وما استجد من العلوم العصرية لم يأت علم صحيح ينقض شيئاً مما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، مع أن الذي جاء بتلك الحقائق نبينا محمد الأمي " (¬1).فالعلم الصحيح لا يناقض النقل الصحيح، بل يتفق معه تمام الاتفاق، كما لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وإذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة - فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؛ لأن صريح القرآن وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً (¬2). وهذا ما قرره العلماء في القديم والحديث ولقد بنى شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) على هذه القاعدة. بل لقد صرح كثير من الكتاب الغربيين بهذه الحقيقة، ومنهم الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم). ¬

(¬1) انظر: ((المذاهب المعاصرة)) (192 - 194). (¬2) راسبوتين: هو جريجوري يفيمتش راسبوتين، راهب روسي فاجر 1872 - 1916م. كان أمياً، وبرغم ذلك سيطر على القيصر وزوجته عن طريق شعوذته، وقد استغل نفوذه الطاغي بصورة شريرة، وتلاعب بالساسة، واتسم سلوكه الشخصي بالتهتك، إلى أن اغتاله فريق من طبقة النبلاء بزعامة الأمير يوسوبوف. انظر ((المغني الوجيز)) (1/ 179).

حيث قرر في ذلك الكتاب أن التوراة والإنجيل المحرفين الموجودين اليوم - يتعارضان مع الحقائق العلمية، في الوقت الذي سجل فيه هذا الكاتب شهادات تفوق للقرآن الكريم سبق بها القرآن العلم الحديث. وأثبت من خلال ذلك أن القرآن لا يتعارض أبداً مع الحقائق العلمية، بل يتفق معها تمام الاتفاق (¬1).وبالجملة فالكتاب والسنة كلاهما رد على الشيوعية والمقام لا يستدعي الإكثار من ذكر الآيات والأحاديث؛ فالحديث مع من يعظم الكتاب والسنة شيء، ومع من لا يراهما شيء آخر (¬2). أما ما يروج له الشيوعيون من عزو التخلف الذي حل بالمسلمين إلى تمسكهم بالدين، ومن نسبة انحرافات المنتسبين للإسلام إلى نفسه؛ إرادة الطعن فيه، والتنفير عنه - فتلك فرية عظمى، ويُرَدُّ عليها بما يلي: ¬

(¬1) وبعد أن نقلت مجلة الهداية الإسلامية هذا الخبر علق مصدر المجلة الشيخ محمد الخضر حسين - رحمه الله - قائلاً: يحدثنا تروتسكي أنه اعتنق الإسلام بعد أن دقق البحث في حقائق شريعته الغراء، ومن نظر إلى أن تروتسكي نشأ في منبت غير إسلامي، وأشرب مذهباً ذا مبادئ لا تلائم طبيعة الدين الحنيف، ثم وقع في بيئة أخذ مترفوها يفسقون على الإسلام علانية - وثق بأن تروتسكي إنما يسلم على سلطان من الحجة مبين. ولا عجب أن يهتدي تروتسكي إلى الإسلام، ويزيغ عنه نفر ترددوا على معاهد شريعته بضع سنين؛ فإن هؤلاء النفر لم ينظروا في حقائقه نظر الباحث النبيه، وما كان تعاليمه إلاَّ كالصور تقع على ظاهر قلوبهم دون أن تخالط سرائرها؛ فما هم من أولئك الذين يتجافون عنه بجهاله مطلقة ببعيد. ولنا الأمل في أن تصلح طرق التأليف والتعليم؛ فيسهل على كل ناشئ يدرس حقائق الشريعة أن يصل إلى لبابها، وينفذ إلى بالغ حكمتها. ولو عنيَ القائمون على شؤون الدين بترجمة محفوفة بالاستدلال وبيان الحكمة - لأصبح عدد المعتنقين للإسلام من أمثال تروتسكي غير قليل ((الهداية الإسلامية)) لمحمد الخضر حسين (ص163). (¬2) فقد ذُكر في سيرته أن زوجته ناديوتشكا. سمعت أثناء وجودها بصحبة زوجها ستالين في إحدى الحفلات أن أحد زملائها في الدراسة قد أودع السجن، وأنه قد صدر الحكم ضده بالإعدام رمياً بالرصاص فطلبت عقب عودتها للمنزل من زوجها أن يصدر أوامره بالعفو عنه وإطلاق سراحه بعد أن تأكدت من براءته، ولكن ستالين عدّ ذلك تدخلاً من الزوجة لا يليق به أن يسمعه، فانفجر في وجهها غاضباً على جرأتها في مخاطبته في مثل هذه الأمور فصاحت في وجهه قائلةً: إنك بهذا تعذب ابنك الذي من لحمك ودمك، وها أنت تعذب زوجتك، وإنك اليوم تعذب الشعب الروسي كله، وتقلِّبه على الجمر، ثم تابعت حديثها قائلة: إنني ذاهبة عنك، رضيت بذلك أو لم ترض. فأجابها ستالين بصوت رصين هادئ - وكانت تلك عادته عندما يواجه مثل تلك الثورات، وعندما يضمر الشر لمن أمامه - وقال لها: أنت منهوكة القوى، مضطربة الأعصاب قال ذلك، وتوجه إلى حجرته الخاصة؛ كي يحضر شراباً لها، وعاد وبصوت أكثر هدوءاً ورصانة، قائلاً: اشربي من هذا الكأس وستهدئين بعده. ومرت بعد ذلك دقائق، فسمع صوت ارتطام جسم على الأرض, واندفع رجال الحرس الخاص إلى داخل مسكن ستالين على صوت الزجاج الذي تهشم, فوجدوا الزوجة جثة هامدة. ورغم من أن الوفاة قد كتمته الأجهزة الرسمية عن الشعب في بداية الأمر إلا أن الإشاعات قد انتشرت فيما بعد، ويُقال: إن ستالين بعد وفاة زوجته هرع إلى شلة اللعب، يرقص ويمرح، وكأن شيئاً لم يحدث. انظر ((المذاهب المعاصرة)) (175 - 176)، و ((حرب الأكاذيب)) لعامر العقاد (30 - 31).

أ - أن حال المسلمين في عصورهم المتأخرة لا تمثل الإسلام حقيقة: فعلى من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف - أن ينظر إلى دين الإسلام نفسه، وما هو عليه من الإحكام والحسن، وما فيه من الهداية إلى كل خير، والتحذير من كل شر. ب - أن انحرافات المنتسبين للإسلام لا يعاب بها الإسلام، ولا تحسب عليه: فالشيوعيون يطعنون بالدين من خلال ما يرونه من انحرافات بعض المنتسبين للإسلام، كبدع الرافضة، وشطحات المتصوفة، وغيرهم ممن ينحرف به المسار، وينسب انحرافه إلى الدين. ولاريب أن الدين براء من هذه التهم، فمن أراد الإسلام الحق فليطلبه من مصادره الصحيحة. ج - النظر في حال القائمين بالدين الحق: فالعدل يقتضي بأن ينظر في حال القائمين بالدين حق القيام، المنفذين لأوامره وأحكامه في أنفسهم وفي غيرهم كما كان الصدر الأول ومن تبعهم بإحسان. فإن ذلك النظر يملأ القلب إجلالاً، والعين هيبة ووقاراً لهذا الدين وأهله المتمسكين به، العاملين بتعاليمه، مما يسر الناظرين، وتقوم به الحجة على المعاندين. أما مجرد النظر إلى حال المسلمين التاركين لدينهم، الناكبين عن صراطه، الناكثين عهده فليس من العدل في شيء، بل هو الظلم بعينه؛ فالدين بريء من تبعة المنتسبين إليه دون أن يعملوا بما جاء به. د - أن تأخر المسلمين ليس بسبب التمسك بالدين: بل إن العكس هو الصحيح؛ فلم يتأخر المسلمون عن ركب الحضارة إلا عندما فرطوا في دينهم، ونسوا حظاً مما ذكروا به؛ فهبطوا من عليائهم، ولقوا ذلاً بعد عز، وضعة بعد رفعة، وهبوطاً بعد شمم، وجهلاً بعد علم، وخمولاً بعد نباهة؛ فمن له أدنى بصيرة يعلم أن الإسلام يدعو إلى الصلاح والإصلاح في أمور الدين والدنيا، ويحث على الاستعداد في تعلم العلوم النافعة، ويدعو إلى كل ما من شأنه تقوية العزائم، وإنهاض الهمم؛ كي تقوى الأمة، وتتبوأ مكانها اللائق بها. وإنه لمن الظلم، والتعصب المقيت، وقصور النظر أن ينظر إلى حال المسلمين في هذه الأوقات، فيظن أنها هي الصورة التي تمثل الإسلام. فإذا أراد المرء أن ينظر بعدل فلينظر إلى الصدر الأول وما يليه من عصور العز؛ عندما دانت أمم الأرض للمسلمين، فنشروا فيها الرحمة، ورفعوا في سوحها لواء العدل والحكمة، فهفت إليهم القلوب قبل الأبدان، وخضعت لهم الدنيا من مشارقها إلى مغاربها. وهل رقت أمم الغرب الآن، وبزت غيرها في الصناعات والاختراعات المذهلة إلا بعد أن استنارت عقولهم بعلوم المسلمين بعد الحروب الصليبية؟ ألم تكن تلك الأمم في غابر الأزمان، وفي القرون التي يسمونها القرون المظلمة في غاية الجهل والوحشية والهمجية؟ ألم يكن المسلمون وقت قيامهم بهذا الدين هم سادات الخلق؟ ألم تكن مدنية الإسلام هي المدنية الزاهرة الحقيقية؟ حيث كان روحها الدين، والعدل والرحمة والحكمة، وقد شملت بظلها الظليل وإحسانها المتدفقِ الموافِقَ والمخالفَ والعدو والصديق؟ فهل أَخَّرهم دينهم، وهل منعهم الرقي الحقيقي؟ وهل نفع الآخرين كفرهم بالله في تلك القرون الطويلة؛ إذ كانوا هم الأذلين المخذولين؟ ثم لما قصَّر المسلمون في الاستمساك بدينهم، وتفرقوا شيعاً، وارتقى الكفار في علوم المادة وفنون الصناعات، ووصلوا إلى شأن لم يسبق له مثيل - هل أغنت عنهم تلك المدنية، وذلك الترقي فتيلاً؟ ألم تكن حضارتهم قائمة على الظلم، والجشع، والاستبداد، والاستبعاد، والقتل، والنفي، والتشريد؟ فهذا أكبر برهان على أن الرقي المادي ينقلب ضرراً إذا خلا من الدين الحق؛ لأن من انفرطت عليه مصالح دينه انفرطت عليه مصالح دنياه تبعاً لذلك.

ثم إن الملاحدة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من الرقي بسبب نبذهم للدين، وإنما أوصلهم إلى ذلك جدهم، واجتهادهم، وأخذهم بالأسباب التي مَنْ أخذ بها وصل إلى غايته. وبهذا يُرَدُّ على من زعم أن نَبْذَ الدين سبب للترقي. 2 - العقل الصحيح: فالعقل الصحيح يدل دلالة قاطعة على بطلان الشيوعية؛ فأهل العقول الصحيحة متفقون على أن أفضل المغانم والمكاسب ما اكتسبته القلوب، واستنارت به العقول من العلوم الصحيحة، والمعارف النافعة والإيمان الصادق، والأخلاق العالية، التي من اتصف بها كمل سؤدده وتناهى فضله إن كان فرداً والتي تسعد بها الأمة، ويرتفع شأنها، ويهاب جنابها. ومعلوم أن الشيوعية تناقض العقل الصحيح في أعظم القضايا، ألا وهي قولها بالإلحاد، وإنكار الخالق، ودعوى أن الطبيعة مُوْجِدَةٌ لنفسها، أو أنها وجدت صدفة. ومن نظر إلى هذا العالم، وما أودع الله فيها من المخلوقات المتنوعة، والحوادث المتجددة أدرك أن لهذا الكون خالقاً مُحْدِثاً وهو الله - عز وجل -. فالقسمة العقلية في هذا الصدد لا تخرج عن ثلاثة أمور: أ - إما أن تُوْجَدَ هذه المخلوقات صدفة من غير مُحدث ولا خالق. وهذا محال ممتنع يجزم العقل ببطلانه؛ لأن كل من له عقل يعلم أنه لا يمكن أن يوجد شيء من غير مُحْدِث، ولا موجد، ولأن وجودها على هذا النظام المتسق البديع المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات، وبين الكائنات بعضها مع بعض - يمنع منعاً باتاً أن يكون وجودها صدفة. ب - وإما أن تكون هي المحدثة لنفسها الخالقة لها، وهذا محال ممتنع - أيضاً - فكل عاقل يجزم أن الشيء لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم؛ فكيف يكون خالقاً؟! وإذا بطل هذان القسمان تعين الثالث: ج - وهو أن هذه المخلوقات لها خالق خلقها، ومُحْدِثٌ أحدثها، وهو الرب العظيم الخالق لكل شيء، المدبر للأمور كلها. وقد ذكر الله هذا التقسيم العقلي القاطع في سورة الطور، قال - تعالى -: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُون [الطور:35]. يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولاهم الذين خلقوا أنفسهم؛ فتعين أن يكون خالقهم هو الله - تبارك وتعالى -.

فالمخلوق لابد له من خالق، والأثر لابد له من مُؤَثِّر، والمحدَثُ لابد له من مُحْدِث، والمُوْجَدُ لابد له من مُوجِد، والمصنوع لابد له من صانع، والمفعول لابد له من فاعل. هذه قضايا واضحة تُعرف في بداهة العقول، ويشترك في العلم بها جميع العقلاء، وهي أعظم القضايا العقلية؛ فمن ارتاب بها فقد دل على اختلال عقله، وبرهن على سفهه وفساد تصوره (¬1).ومن نظر في كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) الذي كتبه ثلاثون من علماء الطبيعة والفلك ممن انتهت إليهم الرياسة في هذه الأمور، وكتاب (الإنسان لا يقوم وحده) لكريسي موريسون رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك، وتُرجم إلى العربية بعنوان: (العلم يدعو إلى الإيمان) - يدرك أن العالِم الحقيقي لا يكون إلا مؤمناً، وأن العامي لا يكون إلا مؤمناً، وأن الإلحاد والكفر لا يكون إلا من المكابرين المعاندين، ومن بعض أنصاف العلماء وأرباع العلماء، ممن تعلم قليلاً من العلم المادي وخسر بذلك الفطرة المؤمنة ولم يصل إلى العلم الذي يدعو إلى الإيمان (¬2). وبهذا يتبين لنا أن العقل يدل على وحدانية الله، وعلى بطلان دعاوى الشيوعية، وسفاهة عقولهم. إن الشيوعية خرافة، وشرط الخرافة أن تلغي عقلك تماماً، وتستسلم لتعاليم سادتها. يقول ريتشارد كروسمان في مقدمة كتاب (الصنم الذي هوى) (¬3): فإن من يدخل الشيوعية يُخْضِع روحه لشريعة الكرملين (¬4) ويحس في ذلك شيئاً من الخلاصِ. وإذا تم هذا فإن العقل - بدلاً من أن يعمل ويفكر بحرية- يصبح عبداً للغاية التي لا تناقش، ولا تعارض، ويصبح إنكار الحقائق الواضحة شعيرة وعبادة (¬5). 3 - الفطرة: فالفطرة تدل على بطلان الشيوعية؛ فكل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه. ¬

(¬1) انظر تفصيل ذلك في ((المذاهب المعاصرة)) (173 - 177) و ((الكيد الأحمر)) (276 - 332). (¬2) انظر ((نقد أصول الشيوعية)) (ص40)، و ((الإسلام والشيوعية)) د. عبد العزيز كامل (3 - 4)، و ((حكم الاشتراكية في الإسلام)) للشيخ عبد العزيز البدري (ص58) , و ((الشيوعية خلاصة ضروب الكفر والموبقات)) للأستاذ أحمد عبد الغفور عطار (ص31 - 32) , و ((الإلحاد أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها)) للشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق (10 - 18) , و ((بعض أسباب الإلحاد)) د. عبد الحليم أحمدي, و ((رسائل في العقيدة)) للكاتب (44 - 46). (¬3) انظر ((الأدلة والقواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين)) للشيخ عبد الرحمن ابن سعدي ضمن مجموعة الشيخ ابن سعدي (الجزء الخامس المجلد الثاني/ ص 374). (¬4) ([490]) ((التطور والدين))، (ص22). (¬5) ([491]) ((مقدمة في الفكر السياسي)) (ص184).

فالفطرة تدل على أن البشر جميعاً فطروا على عقيدة التوحيد، والاتجاه إلى الله - سبحانه وتعالى - ولم يفطروا على ماركسية، أو رأسمالية، أو داروينية، أو غيرها. ثم إن الله - عز وجل - بعث الرسل، وأنزل الكتب لتقرير الفطرة؛ فصلاح العباد وقوامهم بالفطرة المكمَّلَةِ بالشِّرْعَة المنزلة (¬1).قال النبي " ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) (¬2).وفي حديث عياض بن حمار يقول - تعالى -: في الحديث القدسي: ((وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)) (¬3). ثم إن الإنسان مفطور على اللجوء إلى ربه - تبارك وتعالى - عند الشدائد؛ فإذا ما وقع الإنسان - أي إنسان حتى الكافر الملحد - في شدة أو أحدق به خطر - فإن الخيالات تتطاير من ذهنه، ويبقى ما فطر عليه؛ ليصيح بأعلى صوته، ومن قرارة نفسه، وعميق قلبه منادياً ربه؛ ليفرج كربته. وصدق الله إذ يقول: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]. ثم إنه لو قدِّر لأي إنسان أي يتجرد من كل عقيدة، ويصير قلبه خالياً من كل حق وباطل، ثم ينظر في العقائد بحق وعدل وإنصاف - لَعَلِمَ علم اليقين أن عقائد الشيوعيين أحط العقائد وأخسها، ولاتَّضح له الفرق العظيم، والبون البعيد بين عقائد الإسلام الصحيحة وبين سائر العقائد وخصوصاً عقائد الملاحدة الشيوعيين، فمتى علم المنصف ذلك عرف أنه ليس بعد الحق إلا الضلال. وهكذا تشهد الفطرة على بطلان الشيوعية في أعظم القضايا وهي مسألة الإيمان بالله. إضافة إلى ذلك فإن بقية دعاوى الشيوعية تنافي الفطرة، ومن ذلك - على سبيل المثال - قولهم بإلغاء الملكية الفردية. يقول الشيخ عبد العزيز البدري: وأما إلغاء الملكية الفردية جزئياً وبعبارة - كما يقولون - تحديد التملك الفردي - فإن الدارس لهذا القول يجد أنه يعني تحديد التملك الفردي بالكمية والمقدار. وهذا - أيضاً - مناقض للفطرة البشرية، ومخالف للأحكام الشرعية كما تفهم من نصوص الشرع؛ حيث إن هذا التحديد والإلغاء الجزئي يَحُدُّ من نشاط الفرد، ويعطل جهوده، ويقتل عبقريته ومواهبه في حسن الإنتاج والإبداع فيه، وبالتالي يقلل من إنتاجه ويوقفه عند نشاط معين لا يتجاوزه. وبذلك يحرم من مواصلة نشاطه الذهني والجسمي، وعند ذاك تخسر الأمة بمجموعها كفاءة الأفراد المجدين (¬4). وقال الدكتور محمد محمد حسين بعد أن ذكر شيئاً من مساوئ الشيوعية: وليس ها هنا مجال الرد على دعاواهم، ويكفي أن نقول في إيجاز: إن دعوتهم تنزل بالنوع البشري إلى الحيوانية؛ لأنها تهمل الجانب الروحي في الإنسان؛ الذي هو به إنسان؛ فهي خرافة لا سبيل إلى تحقيقها؛ لأنها مخالفة للناموس؛ فالناس متباينون: قوة بدن، وذكاءاً، وخلقاً، وفطرة. والله - سبحانه وتعالى- يقول في محكم كتابه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:165]. ¬

(¬1) ([492]) بتصرف عن ((مذاهب فكرية)) (ص 175). (¬2) ([493]) سميت جدلية " هيجل " الجدلية المثالية لإيمانه بالإله. وسميت جدلية " ماركس " الجدلية المادية وكلمة " الديالكيتك كلمة يونانية أصلها " دياليغو " أو " أوديالكتيكوس " بمعنى المحاجة والنقاش ومجاذبة أطراف الحديث، ويراد بها في الشيوعية ما يظهر عن تناقضات الأشياء ونتائجها. (¬3) ([494]) انظر: ((الكيد الأحمر)) (ص354). (¬4) ([495]) بتصرف عن ((الفكر المادي في ميزان الإسلام)) (ص52).

ويقول - جلت قدرته -: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النحل:71]. ويقول: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:32 - 35] (¬1).وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي: دلت هذه الآيات الكريمة المذكورة هنا كقوله - تعالى – نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ [الزخرف:32] وقوله: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:74]، ونحو ذلك من الآيات - على أن تفاوت الناس في الأرزاق والحظوظ سُنة من سنن الله السماوية الكونية القدرية، لا يستطيع أحد من أهل الأرض البتة تبديلها ولا تحويلها بوجه من الوجوه، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43] (¬2). قال: وبذلك تحقق أن ما يتذرع به الآن الملاحدة المنكرون لوجود الله ولجميع النبوات، والرسائل السماوية إلى ابتزاز ثروات الناس ونزع ملكهم الخاص عن أملاكهم بدعوى المساواة بين الناس في معايشهم - أمر باطل، لا يمكن بحال من الأحوال. مع أنهم لا يقصدون ذلك الذي يزعمون، وإنما يقصدون استئثارهم بأملاك جميع الناس؛ ليتمتعوا بها ويتصرفوا فيها كيف شاؤوا تحت ستار كثير من أنواع الكذب والغرور والخداع، كما يتحققه كل عاقل مطلع على سيرتهم، وأحوالهم مع المجتمع في بلادهم. فالطغمة القليلة الحاكمة ومن ينضم إليها هم المتمتعون بجميع خيرات البلاد، وغيرهم من عامة الشعب محرومون من كل خير مظلومون في كل شيء، حتى ما كسبوه بأيدهم يعلفون ببطاقة كما تعلف الحمير. وقد عَلِم الله - جل وعلا - في سابق علمه أنه يأتي ناس يغتصبون أموال الناس بدعوى أن هذا فقير، وهذا غني، وقد نهى - جل وعلا - عن اتباع الهوى بتلك الدعوى، وأَوْعَدَ من لم ينته عن ذلك بقوله - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء:135] (¬3). 4 - أن الأمور المدركة لا تحصر بالمادة وحدها: فالملاحدة لما آمنوا بالمادة وحدها حصروا الأمور المدركة في دائرة ضيقة؛ فما أدركوه في حواسهم وتجاربهم أثبتوه، وما لم يدركوه نفوه وأنكروه. ومن أجل ذلك أنكروا علوم الغيب، وما جاءت به الرسل، وما أنزلت به الكتب. ¬

(¬1) ([496]) انظر: ((كواشف زيوف)) (511 - 515). (¬2) ([497]) ((التطور والدين)) (ص13). (¬3) ([498]) انظر ((كواشف زيوف)) (569 - 578).

وهذا الزعم باطل، شرعاً، وعقلاً، وتجربة؛ ذلك أن الأمور المدركة لا تقتصر على ما أثبته الحس؛ فهناك مدارك أخرى؛ فهناك الأخبار الصادقة، وأعلاها وأحقها خبر الله ورسله؛ ففي ذلك تبيان لكل شيء. وإذا نسبت العلوم المدركة بالحس إلى ما جاءت به الرسل من العلوم - كانت كقطرة في بحر لجي. ثم إن هناك أشياء يؤمن بها الناس وإن لم يشاهدوها كالروح مثلاً؛ فهي لا ترى ومع ذلك لو خرجت لأصبح الإنسان جماداً؛ فهل ينكر الروح أحد بحجة أنها لا تدخل في المحسوس؟ وكذلك الكهرباء؛ فهل شاهدها أحد؛ إنما يشاهد الناس أثرها، أتكون الكهرباء أيسر أن نؤمن بها وأقرب إلى أن نصدق بها من أن نؤمن بالله الذي أبدعها ضمن ما أبدع من أسرار هذا الكون؟ ثم إن الملاحدة ينقضون مبدأهم في حصر الإدراك بالمحسوس، والتجربة؛ فهم يثبتون تجارب ونظريات ثم تحصل تجارب ونظريات أخرى لهم تنفي ما أثبتوه، وتثبت ما نفوه (¬1). قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ضمن ردوده على الملاحدة: أن يقال لهؤلاء الملحدين المنكرين لأمور الغيب التي أخبر بها الله ورسوله: لم أنكرتموها؟ فيجيبون بأنها لم تدخل تحت علومنا التي بنيناها على إدراكات الحواس والتجارب، فيقال لهم: قدروا أنها لم تدخل في ذلك؛ فإن طرق العلم اليقينية كثيرة، وأكثرها لا تدخل تحت إدراكاتكم؛ فإن إدراكاتكم قاصرة حتى باعترافكم فإنكم تعترفون أن مدركاتكم خاصة ببعض المواد الأرضية وأسبابها وعللها، ومع ذلك لم تدركوها كلها باعترافكم وأعمالكم؛ فإنكم لا تزالون تبحثون وتعملون التجارب التي تنجح مرة، وتخفق مرات؛ فإذا كانت هذه حالكم في الأسباب والمواد الأرضية التي يشترك بنو آدم في إدراكها، ويفترقون في مقدار الإدراك - فكيف تنفون بقية العوالم عوالم السماوات وعوالم الغيب؟ وما هو أعظم من ذلك من أوصاف الرب وعظمته، وأنتم لم يتصل شيء من علومكم بذلك؟ فإن هذا النفي باطل بإجماع العقلاء، وإنما هذا مكابرة (¬2). 5 - كثرة التناقض: فالتناقض عند الشيوعيين لا يكاد يحصر وذلك أمر لا بد منه؛ فالمبدأ باطل من أساسه؛ فلابد من التناقض؛ فإذا تهاوى الأساس تداعت الأركان. فالحق يشبه بعضه بعضاً، ويشهد بعضه لبعض، أما الباطل فيتناقض، ويهدم بعضه بعضاً، وتجد أهله متناقضين مختلفين، بل تجد الواحد منهم متناقضاً مع نفسه، متهافتاً في أقواله (¬3). ومن الأمثلة على تناقضهم دعواهم محاربة الدين، وقولهم: إن الدين أفيون الشعوب. ومع ذلك فإن روسيا أول من اعترف بدولة دينية تحكمها التوراة المحرفة، وقامت على أساس ديني، وهي دولة إسرائيل. كذلك لما اشتد ضغط هتلر على روسيا إبان الحرب العالمية الثانية دعا ستالين إلى فتح المساجد والمعابد للصلاة، والعبادة فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]. ومن أمثلة تناقضهم قولهم بالحتميات، وأن الأشياء تتطور ثم تزول سواء كانت فكرة أو مبدأ، أو غير ذلك. وفي الوقت نفسه يزعمون بأن الشيوعية هي نهاية المطاف والفردوس المنتظر. فإذا كانوا يقولون بالحتميات فإن الشيوعية داخلة فيما يقولون؛ لأنها مبدأ وفكرة، ومصيرها الحتمي الزوال، وهو ما حدث بالفعل؛ فأين الفردوس المنتظر؟ ¬

(¬1) ([499]) بتصرف عن ((مذاهب فكرية معاصرة)) (ص314). (¬2) انظر ((الشيوعية)) للعقاد (20 - 25)، و ((الشيوعية وموقف القرآن)) (ص138). (¬3) انظر ((الكيد الأحمر)) (14 - 18).

ومن الأمثلة على تناقضهم زعمهم أنهم يحاربون الطبقية، ومع ذلك فإن الطبقية في المجتمع الشيوعي قائمة على أشدها، وقد مر بنا كيف كان العمال وعامة الناس في المجتمع الشيوعي يعيشون عيشة الشظف في الوقت الذي يتمتع أعضاء الحزب الشيوعي بأقصى درجات الترف والنعيم. 6 - الإخفاق في التطبيق: فهذا دليل على بطلانها، ولقد مر بنا كيف كان حال المجتمع الشيوعي بعد تطبيق الشيوعية. لقد عجز الشيوعيون عن تطبيق المساواة، وعجزوا عن إسعاد المجتمع، وحل مشكلاته؛ فكلما خرجوا من نفق دخلوا في نفق آخر أشدَّ حلوكة، وكلما حلوا مشكلة نتج عنها مشكلات، وكلما ولوا وجوههم وجهة تبين فيها النقص والخلل والاضطراب. وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82]. أين هذا من دين الإسلام، الذي هو الطريق الوحيد لحل جميع المشكلات، سواء مشكلات العلم، أو مشكلات الفقر، أو مشكلات السياسة أو غيرها من المشكلات. فمن المشكلات التي اضطرب فيها الخلق مشكلة العلم؛ فإنه إذا صح صحت العقائد والأفكار، وصلحت الأعمال المبنية عليه. وشريعة الإسلام حضت على العلم، بل فرضت على العباد أن يتعلموا جميع العلوم النافعة في أمور دينهم ودنياهم، وتكفلت مع ذلك ببيان العلوم وتفصيلاتها. أما علوم الدين فقد فصلتها تفصيلاً بعد ما أصلتها تأصيلاً، وأما العلوم الدنيوية فقد أسست لها الأصول والقواعد. وبهذا يسير العلم الصحيح على الطريق المستقيم؛ فيجتمع علم الدين إلى علم الدنيا، وما يتعلق بالروح إلى ما يتعلق بالجسد. قال - تعالى -: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ... [الإسراء:9]، وقال: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب:4]. فجمع - عز وجل - في هاتين الآيتين بين علم المسائل الصحيحة وهو الحق النافع، وبين علم البراهين وهو هداية السبيل الموصلة إلى كل علم، المبرهنة على جميع المعارف. وكذلك مشكلات الغنى والفقر؛ فالدين قد حلها حلاً تتم به الأمور، وتحصل الحياة الطيبة؛ فكما أمر بسلوك الطرق المشروعة في أسباب الرزق المناسبة لكل زمان ومكان وشخص - فكذلك أمر بالاستعانة بالله في تحصيلها، وأن تجتنب الطرق المحرمة، وأن يقوم العباد بواجبات الغنى المتنوعة من زكاة وصدقة، ونحوها. وكذلك عند حلول الفقر أمر بالصبر، وترك التسخط، مع السعي في طلب الرزق بأنواع المكاسب والأعمال ونهى عن الكسل المضر بالدين والدنيا. ومع أمره بالصبر وفعل الأسباب الدافعة للفقر - نهى عن ظلم الخلق في دمائهم وأعراضهم، وأخذ حقوقهم بغير حق كما هو دأب الفقراء الذين لا دين لهم. ومن ذلك مشكلات السياسات الكبار والصغار؛ فالشيوعية تقوم على البطش والاستبداد. أما الإسلام فقد أمر بحلها، وذكر الطرق الموصلة إلى ذلك بفعل ما توضحت مصلحته، وترك ما تبينت مفسدته، والمشاورة في الأمور المشكلة والمشتبهة. وبالجملة فما من مشكلة دقت أوجلت إلا وفي الشريعة الإسلامية المحضة حلها بما تصلح به الأحوال، وتستقيم في جميع الوجوه (¬1). 7 - قواعد الأخلاق العامة: فهي ترد على دعاوي الشيوعية وتبطلها؛ فأين الشيوعية من الصدق في الأقوال والأفعال؟ وأين هي من النصيحة والأمانة، والبر، والصلة، والقيام بحقوق الجيران، والأصحاب والمعامَلين، ومن يتصل الإنسان بهم على اختلاف طبقاتهم؟. ¬

(¬1) انظر ((رسائل الإصلاح)) للشيخ محمد الخضر حسين (1/ 125 - 126) و (215 - 216) , و ((السرطان الأحمر)) (99 - 106) , و ((الإلحاد أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها)) , و ((رسائل في العقيدة للكاتب)) (46 - 48).

وأين هي من العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء، والبغي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؟. وأين هي من الوفاء بالعهود، والحقوق، والعقود؟. إنها دعوة تقوم على العداوات بين الطبقات وتأليب بعضهم على بعض. والمجتمعُ الإنساني المطمئن لا يقوم إلا على التوادد والتراحم، والتآخي (¬1). ومن هنا يستحيل أن تتزكى النفوس، وتتهذب الأخلاق بعلوم المادة؛ فكل إناء بما فيه ينضح، والتجارب أكبر شاهد على ذلك؛ فمع تطور علوم الملاحدة عجزوا كل العجز عن تهذيب النفوس وإصلاحها. 8 - سيرة أرباب الشيوعية: فلقد مر بنا شيء من سيرة أرباب الشيوعية وأساطينها، وما كانوا عليه من الشذوذ والفساد، والتسلط والطغيان، فكم هدموا من فضائل، وكم أقاموا من شرور ورذائل، حتى هبطوا بالبشرية إلى أسفل سافلين، فَشَقُوا وأَشْقَوا، وضلوا وأضلوا؛ فماذا يرجى من مذهب هؤلاء أربابه ومُنَظِّروه؟ ثم إن أكبر الدلائل على رشد الرشيد، وسفه السفيه تصرفاتُه، ونتائج أعماله. وهذه آثار الشيوعيين تدل عليهم؛ فأين سير هؤلاء من سير الأنبياء - عليهم السلام - وأتباعهم؛ حيث هَدَوا البشرية إلى كل عقيدة صالحة، وإلى كل خلق جميل، ونهوا عن ضد ذلك؛ فانتشرت الرحمة، وعم الصلاح بسبب ما جاؤوا به، بعكس الشيوعيين تماماً بتمام. 9 - كثرة الخلافات بين الشيوعيين: سواء بين أرباب الشيوعية أو بين دول المعسكر الشيوعي، مما يدل على بطلانها، وزيفها وقد مر شيء من ذلك فيما سبق. 10 - رجوع كثير من كتاب الشيوعية عنها، واعترافهم ببطلانها: ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في كتاب (الصنم الذي (¬2) هوى) ذلك الكتاب الذي اجتمع على تأليفه - دون موعد - ستة من كبار كتاب الغرب، آمنوا بالشيوعية، ثم نفضوا أيديهم منها يوم أن انكشفت لهم حقيقتها. وإليك نماذج من بعض ما قالوه عن الشيوعية: أ - يقول آرثر كستلر - بعد تجربته مع الشيوعية ودخوله فيها بعد خروجه من السجن -: إن الدرس الذي يتعلم الإنسان من خبرة كهذه لا يكاد الإنسان يضعه في كلمات حتى يبدوا أمراً عادياً؛ لقد تعلمت أن الإنسان هو الحقيقة، أما الإنسانية فتجريد، وأن الناس لا يمكن أن يعاملوا على أنهم وحدات في عملية حساب سياسية؛ لأنهم يتصرفون كرموز الصفر، واللانهائي التي تعطل كل العمليات الرياضية، وأن الغاية لا تبرر الواسطة إلا في حدود ضيقة إلى أبعد الحدود، وأن علم الأخلاق ليس شيئاً تابعاً للمنفعة الاجتماعية، وأن البر ليس عاطفة بورجوازية تافهة، بل هو القوة الجاذبة التي تمسك المدنية في مدارها. لقد كان كل ما تعلمته يتناقض مع العقيدة الشيوعية التي آمنت بها. (¬3).ب - ويقول لويس فيشر (¬4) بعد تجربته مع الشيوعية: إن تأييدي السابق للنظام السوفيتي قادني إلى خطأ آخر حين ظننت أن نظاماً يقوم على قاعدة (الغاية تبرر الواسطة) يمكن أن يخلق عالماً أفضل، أو إنساناً أفضل؛ إن الواسطة الفاجرة لا تؤدي إلا إلى غاية فاجرة، وأفرادٍ فجرة سواء في النظام البلشفي أو الرأسمالي. إلى أن قال: إن الدكتاتورية ترتكز على نهر من الدماء، وبحر من الدموع، وعالم من الآلام. وكلها نتائج لوسائلها القاسية؛ فكيف تستطيع - إذن - أن تجلب الفرح، أو الحرية، أو السلام الداخلي أو الخارجي؟ ¬

(¬1) انظر ((الشيوعية)) للعقاد (202 - 220)، و ((الكيد الأحمر)) (ص249)، و ((الشيوعية وموقف القرآن منها)) (ص138)، و ((الموسوعة الميسرة)) (311 - 312)، و ((دعاة على أبواب جهنم للحصين)) (ص5). (¬2) ((المذاهب المعاصرة)) (ص173). (¬3) ((العلمانية)) د. سفر الحوالي (ص446). (¬4) ([506]) انظر لهذا التقسيم ((مذاهب معاصرة)) لمحمد قطب (ص 302).

كيف يمكن للخوف، والسطوة، والأكاذيب والبؤس أن تخلق إنساناً أفضل. إن السنوات التي قضيتها مؤيداً للنظام السوفيتي علمتني أنه لاينبغي لرجل يحب البشرية ويحب السلام أن يؤيد الدكتاتورية. (¬1).ج - وهذا ستيفن (¬2) سبندر يقول بعد انفصاله عن الحزب الشيوعي: إن الشيوعية هي الإيمان بأن في الإمكان تغيير المجتمع عن طريق تحويل الرجال إلى آلات تقوم هي بتغيير المجتمع (¬3). وهكذا يتبين لنا بطلان الشيوعية جملة وتفصيلاً. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 445 رد مزاعمهم في الملكية الفردية أما زعمهم أن الملكية الفردية ليست فطرية في الإنسان، فقد كابروا عقولهم وتعسفوا حين زعموا أنها لم تكن قضية فطرية في النفوس وإنما وجدت بعد أن عرف الإنسان كيفية الزراعة واستجلاب كثرة الدخل للفرد وما تلا الزراعة من قيام الصناعات وزيادة الدخل محتجين على هذا السخف بأن الشيوعيين الأوائل ما كانوا يعرفون الملكية الفردية وكانوا في أسعد حال فإن هذا الدليل رغم مصادمته للواقع وللفطر السليمة رغم ذلك وغيره هو قول بلا علم وتخرص بلا دليل، والإسلام يذكر أن الله عز وجل علم آدم كل شيء حتى علمه كيف يزرع وكيف يحصد فأي زمن كان الناس – حسب زعم الملاحدة – لا يعرفون الزراعة ولا العمل؟ وهذا ما أفادته الشريعة الإسلامية بل وسائر الأديان عن طبيعة البشر منذ وجودهم وأقرته ولم تلغه لأن الحياة لا تستقيم بدون النزعة إلى الملكية الفردية وحب التملك سنة الحياة الدنيا فمن خالف هذه السنة وزعم أن الناس لابد أن يكونوا في حال لا يملك فيه الشخص أي شيء لنفسه – كما تقضي بذلك التعاليم الشيوعية – فلا شك أن مصيره الفشل وهو ما حصل بالفعل حينما أقدم الثوار الشيوعيون الأوائل على تطبيقه فرؤوا بأعينهم هبوط أحوالهم الاقتصادية وكساد حركاتهم المعيشية مما جعلهم يضطرون صاغرين إلى الاعتراف بالملكية الفردية لو في أضيق نطاق لكن له دلالته على وجود نزعة الإنسان في حب التملك الفردي وأن القول بعدم وجود تلك النزعة إنما هو مكابرة وضيق فكري. فكان من أهم أسباب تراجع أقطاب الشيوعية عن تأميم الملكيات كلها هو ما لاحظوه من تردي الإنتاج الزراعي ومعرفتهم أن سبب ذلك إنما يعود إلى ضعف الحوافز على العمل وعدم تمكن الحكام من دقة معرفة المقصر من غيره في المجال الزراعي الذي تصعب مراقبته إلى حد كبير بخلاف المجال الصناعي الذي تم إخضاعه بدقة للملاحظة والمراقبة الصارمة بحيث يعهد لكل شخص بمهمة خاصة في العمل فإذا حصل خلل في أي قطعة من الصناعة عرف صاحبها فورا ونال عقابه الذي لا يعرف الرحمة بخلاف العامل الزراعي الذي أفلت من هذه المراقبة الصارمة فكانت النتيجة أن أخذت الدول الشيوعية تتكفف الدول الغربية القمح والحبوب وزعموا أن ذلك النقص في الجانب الزراعي إنما كان بسب الآفات الزراعية، ولكن الحل الذي عالجوا به تلك الآفات يفصح عن السبب الحقيقي حيث سمحوا بعد فوات الأوان بإتاحة الملكية الفردية لقسم من المحصول الزراعي يمتلكه المزارع تشجيعا لزيادة الإنتاج ولنشاط المزارعين وهو دليل واضح على فشل نظام منع الملكية الفردية وأنه أشد الآفات. رد مزاعمهم في نشأة الصراع الطبقي أما زعمهم أن الصراع الطبقي لم يكن له أي سبب غير معرفة الإنسان للزراعة والصناعة فهذا قول بالتخمين وهو أكذب الكذب ولن يجد القائلون به أي دليل لأنهم ادعوا شيئا هو أقدم منهم. ¬

(¬1) ([507]) انظر ((مذاهب فكرية معاصرة)) (304 – 305). (¬2) ([508]) ((الدين في مواجهة العلم))، (ص111). (¬3) ([509]) انظر ((الدين في مواجهة العلم))، (113 – 114).

كما أن هذا الأمر ليس هو السبب الوحيد للصراع بين الناس، وإنما هو واحد من عدة أسباب لا تكاد تحصر. كما أن هذا السبب قد يوجد في بعض المجتمعات وقد لا يوجد فليس هو أمر حتمي كما يدعي الملاحدة. ومن السذاجة والجهل القول بأن الملكية الفردية نشأت عن ظهور الصناعة والزراعة وأنها ليست فطرية في نفوس الناس بل وفي نفوس الحيوانات فإن الملكية الزراعية نفسها لم تقم إلا بسبب النزعة الملكية فردية كانت أو جماعية وإلا لما قامت الزراعة ولما عرف الإنسان طريقه إلى الجمع والادخار بين مقل ومكثر وبخيل وكريم. وأما زعمهم أن الإنسان منذ أن تركوا الشيوعية الأولى وهم في صراع طبقي مرير وأن ذلك سيستمر حتى يرجع الناس إلى الشيوعية الأولى وذلك بترك الملكية الفردية وتساوي الناس في كل شيء بزوال الطبقات التي أحدثتها الملكية الفردية وتكدس رؤوس الأموال في فئة دون فئة يقال لهم هل يتحقق ذلك في عالم الواقع، وهل يمكن أن يتساوى الناس وتزول الطبقات خصوصا في ظل النظم الجاهلية، وهل يمكن أن تتحقق هذه الأحلام البراقة في يوم من الأيام. إنها مجرد أوهام وخيالات لأن الحياة لا تقبلها ولا تنتظم بها. إن نظام الطبقات واستعلاء بعض الطبقات على البعض الآخر والظلم والحرمان واستعباد القوي للضعيف كلها إنما توجدها النظم الجاهلية كما حدث بالفعل على مسار تاريخ البشرية، فالمجتمع في العهد الهندوسي مقسم إلى طبقات هي البراهما والكاشتريا والشودري وأقسام فرعية أخرى كثيرة. وفي أوروبا عاش الناس طبقات متفاوتة أشد تفاوت: طبقة تسمى طبقة السادة، وأخرى تسمى طبقة العبيد وقد تمثلت هذه الأحوال السيئة الجاهلية في عهد الرق. أما في عهد الإقطاع فكان الناس ثلاث طبقات رئيسة هي طبقة الأشراف أمراء الإقطاع، وطبقة رجال الدين، وطبقة الشعب "المغلوبين على أمرهم". أما في عهد الرأسمالية فإن نظام الطبقات على أشده أيضا. طبقة تسمى طبقة أصحاب رؤوس الأموال وطبقة أخرى تسمى طبقة العمال "ناس في الثريا وناس في الثرى" وهكذا الحال في عهد الديمقراطية التي تظاهرت بأن الشعب هو صاحب السلطة فقد كان الصحيح هو أن الشعب لا يزال هو المستضعف المقهور وصاحب المال هو السيد الحاكم وهي نفس الكذبة التي كان يرددها الشيوعيون من أن طبقة البروليتاريا الكادحة هي التي ستملك وتحكم حينما تطبق الشيوعية وحينما تقضي طبقة البروليتاريا على جميع الطبقات المناوئة لها في صراع ثورة محتدم هذا هو حكم الجاهلية وشريعتها، ولكن حكم الله هو خلاف هذا. حكم الله أن المجتمع سيكون فيه أغنياء وفقراء ملكية فردية وملكية جماعية الأغنياء مؤتمنون على المال وللفقراء نصيب في ذلك المال، والكل عبيد لله تعالى لا طبقات ولا كبرياء يتنقل المال من يد إلى يد ومن شخص إلى آخر وقد يصبح الغني فقيرا وقد يصبح الفقير غنيا حسب تصريف الله للأمور ومعنى هذا أن المال في الإسلام ليس منحصرا في طبقة من الناس دون أخرى ولا في فئة من المجتمع بخصوصهم حتى وإن كانت تلك الفئة هم الحكام فإن الإسلام لا يعطي الحاكم حرية التملك كما يهوى بل شأنه شأن غيره غير ما يأخذه في مقابل جلوسه للحكم بين الناس ومن هنا نجد أن حكام الدولة الإسلامية في نشأتها كان الحاكم لا يتمتع بأي امتيازات مالية ولهذا كان الحكام يعتبرون تحمل المسؤولية أمانة عظيمة وخطرا جسيما لا فوزا كما يسميه الناس اليوم.

وينبغي التنبيه إلى أنه إذا وجد نزاع بين المسلمين فإنه لا يكون من أجل إسقاط طبقة لطبقة أخرى أو علو فئة على أخرى وإنما يكون ذلك في الغالب من أجل الوصول إلى الحق وإلى دفع الخطأ والخطر عن الناس وهذا أمر طبيعي فلا يجوز أن يفسر على أنه صراع طبقي كما يفسره الملاحدة حسب نظرياتهم المادية. وقد يكون النزاع إما أمر بمعروف أو نهي عن منكر وليس هو من قبيل الحرب الاقتصادية أو بسبب الملكية الفردية أو الجماعية كما يزعم الملاحدة أو أنه حرب طبقات. ومن أقوى ما يدل على كذب الملاحدة في زعمهم أن نزع الملكية الفردية ينهي الصراعات ويؤلف القلوب ويساوي بين طبقات المجتمع كلهم فيعيشون عيشة ملائكية من أقوى ما يدل على كذبهم هذه الصراعات التي لا نهاية لها بين مختلف معسكرات الشيوعية. مع أن الملكية الفردية لا وجود لها في دستورهم فلماذا إذن هذه الصراعات وعلى أي شيء؟ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43] (¬1). كما أن زعمهم أن الصراع هذا لا يزول إلا بزوال الملكية الفردية كلام كاذب فإن الصراع باق والملكية الفردية كذلك لن تزول من نفوس الناس والدليل على ذلك أن الصراع لم ينته مع وجود القمع الشديد للملكية الفردية في البلاد الماركسية، بل إن الصراع لا يمكن أن ينتهي ليس بين الناس فحسب بل والحيوانات كلها. وقد عاش الناس في ظل النظام الشيوعي حقبة من الزمن وهم ينتظرون تلك الجنة التي وعد بها "ماركس" بعد أن وضعت الحرب الطبقية أوزارها وبعد أن قضى النظام الماركسي على الملكية الفردية بكل وحشية عرفتها البشرية وهم ينتظرون ذلك اليوم الذي يزول فيه الصراع الطبقي بكل أشكاله فلا يبقى صراع ولا أحقاد ولا حاكم ولا جيش ولا سجون يعيشون كالخراف الأليفة ولكن ماذا كانت نتيجة هذه السخافة؟ لقد عاش المجتمع الشيوعي صراعا طبقيا مريرا سواء أكان على مستوى الأفراد أو على مستوى الدولة إلى أن هدأت عاصفة الشيوعية وكيف لا يحصل صراع بين جماعات قامت في الأساس على الصراع بل وعلى مشروعيته وضروريته لقيام حكم البروليتاريا بزعمهم حتى أصبح الصراع والثورات والقتل والاغتيال من أسس بناء الماركسية دون أن تظهر أدنى إشارة إلى تلك الجنة المزعومة الماركسية، ومثل هذه الكذبة وقعت أيضا الكذبة الأخرى وهي القول بأن الناس كلهم سيعيشون حياتهم في مستوى واحد وعلى طبقة واحدة بلا تفاضل بينهم عندما تكتمل الشيوعية وتطبق وفق ما قرره اليهودي "ماركس" عدو الجوييم – حسب تسمية اليهود لهم – وإذا سألت عن سر بقاء الحكومة في البلاد الشيوعية فإن جوابهم: إن هذه الحكومات القائمة إنما هي حكومات مؤقتة وستنتهي بانتصار الشيوعية على كل الأنظمة المناوئة لها (¬2). لأن الناس حينئذ سيعيشون دون مشكلات ولا صراع يتطلب تدخل قوة عليا ولا فقر يسبب المشكلات ولأن الناس حينئذ يكونون على مستوى رفيع في الأخلاق والسلوك الطيب والرقابة الذاتية التي هي أقوى من الرقابة الخارجية ولا ملكية فردية تسبب الخصومات والاستئثار بالمال والرغبة في جمعه. هكذا زعم الملاحدة ولكن السؤال المهم هو هل ستتحقق هذه الأحلام السخيفة في يوم من الأيام، أو هل تحققت في يوم من الأيام بالدليل المقنع (¬3)، أم أنها خدع كاذبة وتضليل أو أفيون للشعوب المغلوبة على أمرها كما هو الواقع. ¬

(¬1) ([510]) ((لله يتجلى في عصر العلم))، (ص 77). (¬2) ([511]) ((الله يتجلى في عصر العلم))، (ص 52). (¬3) ([512]) ((الله يتجلى في عصر العلم)) (105 – 106).

إن الإسلام يعتبر الفكر الماركسي في ناحيته الاقتصادية فكرا فاشلا مخالفا للعقل والفطرة السليمة وأنه قام على نظريات جاهلية أخطأت الطريق الصحيح للاقتصاد النافع وبدلا من أن توجه جهود المجتمع لمساعدة بعضهم بعضا إذا بها تحرم الملكية الفردية وتشمل مكامن البغضاء وتثير الصراعات الطبقية بحجة سخيفة وهي لترتفع الطبقة الكادحة بزعمهم ولكي لا تتكدس الأموال في ناحية دون أخرى وعند قوم دون آخرين وكل ذلك ليس هو الحل الصحيح ولا الحل الذي تستقيم به الحياة وتسعد الشعوب به فهو مرفوض جملة وتفصيلا ويعتبره الإسلام تدخلا فيما لا ينبغي للبشر سلوكه فالناس كلهم عبيد لله في الإسلام والمال مال الله والرزق بيد الله يؤتيه من يشاء لا يجره حرص حريص ولا ترده كراهية كاره. فالملكية الفردية حق اقتضته الفطرة والضرورة لصلاح الأحوال وعلى الجميع أن يعضد بعضهم بعضا بالتي هي أحسن فلا صراع ولا بغي ولا عدوان، ولم يجعل الإسلام للشخص مطلق الحرية في أمواله ينفقها بإسراف أو يمسكها كما يحلو له، بل هو محاسب عليها ومسؤول عنها وعليه حقوق فيها يجب أن يؤديها وإذا كان في الأغنياء من طغى وتجبر فهؤلاء لهم ما كسبوا وعليهم ما اكتسبوا وسينالون جزاءهم ولا يبرر فعلهم محاربة الملكية الفردية أو قيام الصراع الطبقي بين المجتمعات كما أن في أولئك التجار من اتصف بالعطف والتسامح ومساعدة المحتاجين دون منة ولا أذى والحكم على طبقة الأغنياء بأنهم احتكاريون وانتهازيون وأنهم هم العقبة الكؤود في طريق غنى الفقراء وارتفاع معيشتهم إن هي إلا خرافات سخيفة وأوهام باطلة وقد دلت التجارب الشيوعية على فشل هذه الفكرة الخاطئة حين أفقرت الأغنياء وأتعست الفقراء وملئت القلوب حقدا وغضبا وأتعست الحالة الاقتصادية ونشب الصراع الطبقي على أشده دون رحمة، وفي التاريخ الإسلامي أمثلة مشرفة للمجتمع حينما تصفوا القلوب وتزول البغضاء فقد كان في الصحابة رضوان الله عليهم أغنياء وفيهم فقراء. وكان أحدهم يقول لصاحبه عندي زوجتين انظر أعجبهما إليك فأطلقها وتتزوجها وعندي من الضياع كذا وكذا أتنازل لك عن نصفها فيقول له الصحابي الفقير المهاجر بارك الله لك في مالك وأهلك دلني على السوق فيذهب ويعمل ويرزقه الله تعالى وكان فيهم من يملك الأموال الكثيرة مثل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولم ينقم عليه أحد فيها وقد أنفق عثمان رضي الله عنه ألف بعير في سبيل الله وغير ذلك من الأمثلة المشرقة التي قام عليها الإسلام بعيدا عن الصراعات الطبقية البغيضة، ذلك أن الإسلام يعالج المشلكة القائمة دون النظر إلى أسبابها كما أنه يأتي بالحلول التي لا مضرة فيها على أحد إذ لا ضرر ولا ضرار، بينما الشيوعية الحمراء عالجت المصائب بمصائب أفدح منها. داويت متؤدا وداووا طفرة وأخف من بعض الدواء الداء مع إن ما أقدمت عليه الشيوعية في الأحوال الاقتصادية ليس فيه أي دواء، بل هو الداء بعينه وهو الذي خنق الحريات، فالسجون مملوءة والجواسيس منتشرون والمجاعة فاشية. إنه سجن كبير وقبضة حديدية فالشعوب غاضبة ولكن الويل لمن تفوه بكلمة نقد، وأين هذا السلوك من حرية الإسلام التي "كان الرجل يقول لمعاوية: "والله لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك فيقول بماذا؟ فيقولون بالخشب (¬1)، فيقول: إذا أستقيم" (¬2). ¬

(¬1) ([513]) ((مجلة التوحيد)) (ص 21) السنة الثلاثون العدد الثاني عشر ذو الحجة 1422هـ، وقد نقل النص المذكور عن ((جريدة الخليج)) في عددها الصادر بتاريخ 7/ 11/1422هـ نقلا عن وكالات الأنباء. (¬2) ([514]) من أين له هذا التحديد؟! ونحن نصدقه في أن للكون بداية لكن لا نعرف تحديدها.

فأي طاغوت من طواغيت الحكم في النظم الجاهلية يتحمل ما هو أدنى من هذا الكلام؟ وما يزعمون من أن الطبقات القوية هي التي تحكم وتشرع لبقية الطبقات وتستعبدها. هذا صحيح ولكنه لا يوجد إلا في النظم الجاهلية الذين يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله والذين يصبح الظلم عندهم من شيم النفوس، فإن وجد ذا عفة فلعله لا يظلم كما عبر ذلك أحد الشعراء الجاهليين قديما ولكن هل هذه هي الحقيقة التي لابد منها أو الخيار الذي لا آخر سواه؟ كلا. بل هناك عقيدة فيها الحل الصحيح دون المرور بتلك الطرق الظالمة المظلمة إنها العقيدة الإسلامية التي تجعل صاحب المال والفقير أخوة متساوين متضامنين. الله رب الجميع وحكمه ينفذ في الجميع، لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وليس هناك طبقات هم السادة الحاكمون المالكون وطبقات هم العبيد المستذلون إلا في النظم الجاهلية التي لا تقيم للإنسان وزنا إلا من خلال ما يملك من المال والجاه فيبدو المال بهذه الصورة هو السبب في الظلم والطغيان بينما الواقع الصحيح هو خلاف ذلك فإن المال والملكية الفردية من الظلم أن يحملا طغيان المنحرفين "ولا تزر وازرة وزر أخرى". إن الذي يطغيه المال وتطغيه الملكية الفردية هو شخص منحرف في الأساس فاسد الطباع سواء كان له مال أو لم يكن له مال ذلك أن المستقيم على الحق القائم بأمر الله لا يطغيه المال وإنما يستعمله في أعمال الخير ووجوه البر المختلفة مراقبا فيه ربه متيقنا أن المال ظل زائل وعارية مستردة وأن الدنيا شدة بعد رخاء ورخاء بعد شدة. أما مفهوم المساواة في الأجور في النظام الشيوعي الذي زعمت الماركسية أنه مكفول للجميع فقد حملهم على القول به ما زعموه من أن البشرية كانوا في أصل نشأتهم يعيشون عليه متساوين كلهم في الحقوق بلا ملكية فردية الكل للجميع في المأكل والملبس والمسكن والنساء لا فرق بين شخص وآخر، حتى جاءت الرأسمالية والملكية الفردية فقلبت تلك الأوضاع التي تريد الشيوعية إرجاعهم إليها مرة أخرى، وهذا لا يتحقق إلا بوضع الدولة يدها على كل وسائل الإنتاج والعمل ومن ثم يأخذ كل شخص ما يستحقه من قبل الدولة، وهذه الدعاية جذابة في ظاهرها. ولكن هل تحققت فعلا في النظام الشيوعي فأعادت إليهم سعادتهم التي كانت في الشيوعية الأولى بزعمهم؟!!، وهل ساوت بين العمال فعلا فلم يعد هناك تمايز بين شخص وآخر وحاكم ومحكوم؟!!. لاشك أن الواقع الذي انجلت عنه الشيوعية بعد اندحارها يكذب كل تلك الدعايات ويخبر أن الشيوعية إنما نجحت في مساواة الناس كلهم في الفقر والحاجة وليس في الغنى والسعادة لأنه لا يوجد أي حافز يجده الشخص حتى يبذل أقصى جهده في العمل ليجده مستقرا في يد الدولة التي لا تعطيه إلا بقدر حاجته الضرورية. وما الذي ينفعه أن يقال له إن جهدك وعملك حينما يذهب إلى الدولة إنما هو إسهام منك في تقوية الدولة لتتمكن من إظهار الشيوعية ولتقمع أعداءها إن فكروا في الاعتداء عليها. ما الذي ينفعه حين يقال له إنك بذلك الجهد في العمل مع أنك لا تأخذ إلا ما يكفي حاجتك الضرورية دليل على سلوكك الطيب وأنك غير جشع كالرأسمالي الغربي وأنك مواطن طيب، وما الذي تنفعه وعود الملاحدة بأنه سيعيش في جنة عالية بعد أن تتمكن الشيوعية من بسط نفوذها على كل الأرض وكيف تقتنع نفسه بهذه الحالة البائسة التي يعيشها في الوقت الذي يرى فيه وجهاء القوم وأصحاب السلطة يعيشون في ترف لا حد له. مساكن فاخرة وسيارات فارهة وبساتين نضرة وخدما وحشما. وهم يتظاهرون بالدفاع عن الطبقة الكادحة وبنضال الرأسمالية.

إن كل ذلك يدعو الشخص إن كان له عقل إلى القلق والاضطراب والثورة على تلك الأوضاع ومجازاة من كان السبب فيها وهو ما حصل بالفعل في الثورات المتتالية التي تمت في عهد "جورباتشوف" على الشيوعية ونظامها البغيض وإطاحتهم بأولئك الخبثاء والقضاء عليهم بكل شدة في كل البلدان التي تنفست الصعداء من الكابوس الماركسي وهكذا نجد أن زعمهم المساواة في الأجور إنما هو المساواة في الفقر وليس في الأجور. تعقيب: وفي الختام يتضح لنا مما سبقت دراسته أن الأسس التي تقوم عليها الاشتراكية الشيوعية هي: 1 - إلغاء الملكية الفردية واستبدالها بالملكية العامة المتمثلة في الطبقة الحاكمة للوصول إلى إلغاء الصراع الطبقي من المجتمع البشري بإلغاء الباعث عليه وهو الملكية الفردية. 2 - توزيع الناتج على الأفراد كل بحسب مساهمته في الإنتاج وحاجته وهو المبدأ الذي يعبرون عنه بقولهم "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته". 3 - الإشباع الجماعي للحاجات وليس الربح وهو مبدأ "المساواة في الأجور". 4 - التخطيط للنمو الاقتصادي. وكفالة الدولة لجميع المواطنين في مقابل تكليف القادرين منهم بالعمل رجالا ونساء. 5 - القضاء على الحرية الفردية. 6 - إلغاء الكثير من العلاقات الاجتماعية المتوارثة، كالإرث والهبة، بل وإلغاء كافة الطبقات بإقامة دكتاتورية البروليتاريا – الطبقة الكادحة -. 7 - إنكار الدين ومحاربته. 8 - إلغاء الحكومة في المستقبل وإقامة مجتمع متعاون متعاطف بغير حكومة "حكم الشعب نفسه بنفسه". هذه أهم الأسس التي قامت عليها الثورة الاشتراكية الشيوعية ولكن جاءت النتائج في التطبيق الفعلي لتلك الأسس على النحو الآتي بالإضافة إلى ما سبق بيانه: 1 - إنعدام الحرية الاقتصادية الفردية. 2 - إنعدام الحافز الفردي. 3 - عدم تجويزهم الملكية الفردية. 4 - حكم الشعوب بالحديد والنار. 5 - فشل مبادئ الاشتراكية فشلا ذريعا. 6 - محاربتها للأديان متأثرة بالعداء للدين النصراني. ظهور الكثير من المفاسد الاجتماعية كالرشوة والغبن واللاأخلاقية كتفشي الرذائل بكل صورها وأشكالها (¬1). والسر في ذلك أن المذهب الشيوعي ليس قاصرا فقط على الناحية الاقتصادية كما يذكر عنه. بل هو مذهب شامل لجميع النواحي عقدية كانت أو مادية كما هو حال الشيوعية حقيقة. فمن تصور أن الشيوعية مذهب اقتصادي بحت لا شأن له ببقية الأمور العقدية والتنظيمية فهو مخطئ خدعة زعم الملاحدة هؤلاء أن أصل كل الحياة بأنظمتها ومعتقداتها وجميع شؤون الإنسانية إنما كان أصلها المادة هو زعم كاذب بنوا عليه النظرية الشيوعية التي جعلوا واجهتها الكبيرة التركيز فقط على الناحية الاقتصادية خداعا للناس ونفاقا فإن أول ما يبطل هذا الزعم هو أن يقال لهم: إذا كانت الشيوعية لا شأن لها إلا بإصلاح الأمور الاقتصادية فقط فما بال الاضطهاد الديني هو الشاغل الأول لدول الشيوعية؟!!، ولماذا كثرت الضحايا التي لا يعلمها إلا الله في سبيل إعلاء العقيدة الشيوعية؟!!، فلقد كان الجانب الاقتصادي في الشيوعية هو أقل الجوانب أهمية، بل لا يكاد يقارن بما توليه الشيوعية من اهتمام بالجوانب العقدية الفكرية. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1212 ¬

(¬1) ([515]) انظر لتلك النصوص كتاب ((الله يتجلى في عصر العلم)) وهذه النصوص نقلا عن كتاب ((صراع مع الملاحدة حتى العظم)) (115 – 120) وانظر بقية المقالات في هذا الكتاب.

تاسع عشر: موقف الشيوعية من الإسلام

تاسع عشر: موقف الشيوعية من الإسلام مرَّ بنا أن الشيوعية تحارب الدين، وتعده مخدراً للشعوب، ومانعاً من التقدم. ومر بنا أن من أسباب قيام الماركسية طغيان الكنيسة النصرانية. فموقف الماركسية من الدين النصراني المحرف وأنه يقف في طريق العلم والتقدم - له حظه من الصحة والواقعية. أما موقفها من الدين الصحيح وهو الإسلام، ومحاربتها له، وزعمها أنه ينطبق عليه ما ينطبق على غيره من سائر الأديان - فذلك بهتان عظيم، وافتراء مبين؛ إذ لابد للشيوعية أن تنظر إلى مبادئ الإسلام، وعقائده، ومناهجه، وتكافله، وما يؤديه للبشرية من خير وفلاح. فالذي دفع الشيوعيين إلى ذلك الموقف من الإسلام هو الجهلُ بالإسلام، والكيد له، والتَرَبُّصُ بأهله. إن الماركسية لا تعرف عن الإسلام إلا أنه ذلك السد المنيع الذي يقف في طريق انتشارها، ويحول بين الناس وبين اعتناقها. لا يفعل الإسلام ذلك بالدعايات المضللة، أو الشعارات الزائفة كما تفعل الماركسية. وإنما بقواعده المحكمة، وعقائده الصحيحة الواضحة، وبنظامه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المتفرد في كل شيء، المتلائم مع النفس البشرية، ومع الجماعة الإنسانية في كل زمان ومكان؛ لأنه الدين الحق الذي ارتضاه رب العباد للعباد أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]. من أجل ذلك حاربت الشيوعية الإسلام حرباً لا هوادة فيها، وأطلقت على منهجه الشائعات الباطلة، والأراجيف المضللة، واتهمت أصحابه بالتخلف والجمود. ولم تقتصر المعركة على ذلك فحسب، بل قام جيشها الأحمر بحملات متتالية، وضربات موجعة متتابعة على المسلمين. ولكنه لم يحرز نصراً، ولم يعد بغنيمة كبيرة، مما جعل مولوتوف - أحد زعماء الشيوعية - يقول: لن تنتشر الشيوعية في الشرق إلا إذا أبعدنا أهله عن تلك الحجارة التي يعبدونها في الحجاز، وإلا إذا قضينا على الإسلام (¬1). ومن هنا جاء الكيد العظيم، والمكر الكبار بالإسلام من قبل الشيوعية، فوضعت الخطط الرهيبة المحكمة؛ لإبعاد الإسلام عن مجال التوجيه والإدارة؛ ليتسنى للشيوعيين تحقيق ما يريدون. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 405 ¬

(¬1) ([516]). ((الله يتجلى في عصر العلم)) (ص 38).

عشرون: طرق الشيوعيين في محاربة الإسلام

عشرون: طرق الشيوعيين في محاربة الإسلام لقد أدرك الشيوعيون أن للإسلام أثراً عجيباً في نفوس أهله؛ وأنه من الصعوبة بمكان أن يتخلوا عنه، أو أن يرضوا به بدلاً. كما أدركوا أن قوة الإسلام كامنة فيه، وفي ملاءمته للفطر القويمة، والعقول السليمة. تقول إحدى الوثائق الصادرة من جهات رسمية في الاتحاد السوفيتي (¬1): برغم مرور خمسين سنة تقريباً على الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وبرغم الضربات العنيفة التي وجهتها أضخم قوة اشتراكية في العالم إلى الإسلام - فإن الرفاق الذين يراقبون حركة الدين في الاتحاد السوفيتي صرحوا -كما تذكر مجلة (العلم والدين) الروسية في عددها الصادر في أول كانون الثاني من سنة 1961م- بما نصه: إننا نواجه في الاتحاد السوفييتي تحديات داخلية في المناطق الإسلامية، وكأن مبادئ لينين لم تتشرَّبْها دماء المسلمين. وبرغم القوى اليقظة التي تحارب الدين - فإن الإسلام ما يزال يرسل إشعاعاً، وما يزال يتفجر قوة، بدليل أن ملايين من الجيل الجديد في المناطق الإسلامية يعتنقون الإسلام، ويجاهرون بتعاليمه. ولهذا جاء في الوثيقة المذكورة بيان للبنود التي يجب على الشيوعيين محاربة الإسلام من خلالها، مع ما حورب به الإسلام من ذي قبل، ومع الحرب الضروس بالحديد والنار التي اصطلى بها المسلمون منذ قيام الشيوعية، مما سيأتي الحديث عنه في المبحث الثاني. ومما جاء في تلك الوثيقة ما يلي (¬2): 1 - مهادنة الإسلام؛ لتتم الغلبة عليه، والمهادنة لأَجَل؛ حتى نضمن السيطرة، ونجتذب الشعوب العربية للاشتراكية. 2 - تشويه سمعة رجال الدين، والحكام المتدينين، واتهامهم بالعمالة للاستعمار والصهيونية. 3 - تعميم دراسة الاشتراكية في جميع المعاهد، والكليات، والمدارس في جميع المراحل، ومزاحمة الإسلام ومحاصرته؛ حتى لا يصبح قوة تهدد الاشتراكية. 4 - الحيلولة دون قيام حركات دينية في البلاد مهما كان شأنها ضعيفاً، والعمل الدائم بيقظة لمحو أي انبعاث ديني، والضرب بعنف لا رحمة فيه لكل من يدعو إلى الدين ولو أدى إلى الموت. 5 - ومع هذا لا يغيب عنا أن للدين دوره الخطير في بناء المجتمعات؛ ولذا وجب أن نحاصره من كل الجهات، وفي كل مكان، وإلصاق التهم به، وتنفير الناس منه بالأسلوب الذي لا ينم عن معاداة الإسلام. 6 - تشجيع الكُتَّاب الملحدين، وإعطاؤهم الحرية كلها في مواجهة الدين، والشعور الديني، والضمير الديني، والعبقرية الدينية، والتركيز في الأذهان على أن الإسلام انتهى عصره - وهذا هو الواقع - ولم يبق منه اليوم إلا العبادات الشكلية التي هي الصوم، والصلاة، والحج، وعقود الزواج، والطلاق، وستخضع هذه العقود للنظم الاشتراكية. أما الصوم والصلاة فلا أثر لهما في الحياة الواقعية، ولا خطر منهما. وأما الحج فمقيد بظروف الدولة، ويمكن استخدام الحج في نشر الدعوة إلى الاشتراكية بين الحجاج القادمين من جميع الأقطار الإسلامية، والحصول على معلومات دقيقة عن تحركات الإسلام؛ لنستعد للقضاء عليه. 7 - قطع الروابط الدينية بين الشعوب قطعاً تاماً وإحلال الرابطة الاشتراكية محل الرابطة الإسلامية التي هي أكبر خطر على اشتراكيتنا العلمية. 8 - إن فصم روابط الدين ومحو الدين لا يتمان بهدم المساجد والكنائس؛ لأن الدين يكمن في الضمير، والمعابد مظهر من مظاهر الدين الخارجية، والمطلوب هو هدم الضمير الديني. ¬

(¬1) ([517]) ((الدين في مواجهة العلم)) (ص 42). (¬2) ([518]) ((الدين في مواجهة العلم)) (ص42).

ولم يصبح صعباً هدم الدين في ضمير المؤمنين به بعد أن نجحنا في جعل السيطرة والحكم والسيادة للاشتراكية، ونجحنا في تعميم ما يهدم الدين من القصص، والمسرحيات، والمحاضرات، والصحف، والأخبار والمؤلفات التي تروج للإلحاد، وتدعو إليه، وتهزأ بالدين ورجاله، وتدعو للعلم وحده، وجعله الإله المسيطر. 9 - مزاحمة الوعي الديني بالوعي العلمي، وطرد الوعي الديني بالوعي العلمي. 10 - خداع الجماهير بأن نزعم لهم أن المسيح اشتراكي، وإمام الاشتراكية؛ فهو فقير، ومن أسرة فقيرة، وأتباعه فقراء كادحون، ودعا إلى محاربة الأغنياء وهذا يُمَكِّننا من استخدام المسيح نفسه لتثبيت الاشتراكية لدى المسيحيين. ونقول عن محمد: إنه إمام الاشتراكيين؛ فهو فقير، وتَبِعَه فقراء، وحارب الأغنياء المحتكرين، والإقطاعيين، والمرابين، والرأسماليين وثار عليهم. وعلى هذا النحو يجب أن نصور الأنبياء والرسل، ونبعد عنهم القداسات الروحية، والوحي، والمعجزات عنهم بقدر الإمكان؛ لنجعلهم بشراً عاديين؛ حتى يسهل علينا القضاء على الهالة التي أوجدوها لأنفسهم، وأوجدها لهم أتباعهم المهووسون. 11 - إخضاع القصص القرآني لخدمة الشيوعية وذلك بتفسيرها تفسيراً مادياً تاريخياً. فقصة يوسف - على سبيل المثال - وما فيها من جزئيات يمكن أن نفيد منها في تعبئة الشعور العام ضد الرأسماليين، والإقطاعيين، والنساء الشريفات، والحكام الرجعيين. 12 - إخضاع جميع القوى الدينية للنظام الاشتراكي، وتجريد هذه القوى تدريجياً من مُوجِداتها. 13 - إشغال الجماهير بالشعارات الاشتراكية. 14 - تحطيم القيم الدينية والروحية، واصطناع الخلل والعيوب لها. 15 - الهتاف الدائم ليل نهار، وصباح مساء بالثورة، وأنها هي المنقذ الأول والأخير للشعوب من حكامها الرجعيين، والهتاف للاشتراكية بأنها هي الجنة الموعود بها جماهير الشعوب الكادحة. 16 - هدم الدين باسم الدين، وذلك باتخاذ الإسلام أداة لهدم الإسلام نفسه. ولا بأس من أداء الزعماء الاشتراكيين بعض الفرائض الدينية الجماعية؛ للتضليل والخداع على ألاَّ يطول زمن ذلك؛ لأن القوى الثورية يجب ألاَّ تُظهر غير ما تبطن إلا بقدر، ويجب أن تختصر الوقت والطريق؛ لتضرب ضربتها؛ فالثورة قبل كل شيء هدم للقيم والمواريث الدينية جميعها. 17 - الإعلان بأن الاشتراكيين يؤمنون بالدين الصحيح لا الدين الزائف الذي يعتنقه الناس لجهلهم، والدين الصحيح هو الاشتراكية. 18 - إلصاق كل عيوب الدراويش، وخطايا المنتسبين للدين بالدين نفسه؛ لإثبات أن الدين خرافة. 19 - تسمية الإسلام الذي تؤيده الاشتراكية لبلوغ مآربها وتحقيق غاياتها - بالدين الصحيح، والدين الثوري، والدين المتطور، ودين المستقبل؛ حتى يتم تجريد الإسلام الذي جاء به محمد من خصائصه ومعالمه، والاحتفاظ منه بالاسم فقط؛ لأن العرب إلا القليل منهم مسلمون بطبيعتهم؛ فليكونوا الآن مسلمين اسماً، اشتراكيين فعلاً؛ حتى يذوب الدين لفظاً كما ذاب معنى. 20 - باسم تصحيح المفاهيم الإسلامية، وتنقية الدين من الشوائب، وتحت ستار الإسلام يتم القضاء عليه بأن نستبدل به الاشتراكية. هذا بعض ما جاء في تلك الوثيقة، وهو يمثل شيئاً من أساليب الشيوعية في محاربة الإسلام. ومما قاموا به من أساليب في حرب الإسلام - دعايتهم ضد الإسلام عبر المحاضرات والكتب؛ فلقد أنشأ الشيوعيون اتحاداً سموه (اتحاد من لا إله لهم)، وبعد الحرب (جمعية نشر المعلومات السياسية) ومعظم عملها محاربة الإسلام. ففي الفرع القازاني نظمت الجمعية سنة 1946 - 1948م ما يقارب 30528 محاضرة، منها 23000 محاضرة ضد الإسلام. وفي أوزبكستان سنة 1951م نظمت أكثر من 10000 محاضرة ضد الإسلام. وفي تركمانستان سنة 1963م أكثر من 5000 محاضرة ضد الإسلام. وطبعت من الكتب ما بين سنة 1955 - 1957م 84 كتاباً في 800000 نسخة ضد الإسلام. وطبعت من الكتب ما بين سنة 1962 - 1964م 219 كتاباً ونشرة ضد الإسلام، وموجهة للمسلمين (¬1). ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 408 ¬

(¬1) ([519]) ((الدين في مواجهة العلم)) (ص47).

واحد وعشرون: أعمال الشيوعيين ضد المسلمين

واحد وعشرون: أعمال الشيوعيين ضد المسلمين بعد نجاح الثورة الماركسية البلشفية في روسيا، وقبل أن يستتب الأمر تماماً للشيوعيين - أرادوا استمالة المسلمين في البلاد، واستثارتهم ضد الحكم القيصري الذي كان يضطهدهم ويعتدي على حرماتهم؛ وذلك من أجل أن يساند المسلمون الشيوعيين الثائرين ضد المعارضة النصرانية الموالية للحكم السابق؛ فأصدر مجلس فوميسيري البلشفي نداءاً موجهاً للمسلمين سنة 1917م جاء فيه: إن إمبراطورية السلب، والعنف، والرأسمالية توشك أن تنهار، والأرض التي تستند عليها أقدام اللصوص الاستعماريين تشتعل ناراً. وفي وجه هذه الأحداث الجسام نتجه بأنظارنا إليكم أنتم يا مسلمي روسيا، والشرق، أنتم يا من تَشْقَوْن وتكدحون، وعلى الرغم من ذلك تُحرمون من كل حق أنتم أهل له. أيها المسلمون في روسيا، أيها التتر على شواطئ الفولجا وفي القرم، أيها الكرغيز والسارتيون في سيبيريا والتركمستان، أيها التتر والأتراك في القوقاز، أيها التشيشيين، أيها الجبليون في أنحاء القوقاز، أنتم يا من انتهكت حرمات مساجدكم، وقبوركم، واعتدي على عقائدكم وعاداتكم، وداس القياصرة والطغاة الروس على مقدساتكم. ستكون حرية عقائدكم، وعاداتكم، وحرية نظمكم القومية، ومنظماتكم الثقافية - مكفولة لكم منذ اليوم، لا يطغى عليها طاغٍ، ولا يعتدي عليها معتدٍ. هُبُّوا إذاً فابنوا حياتكم القومية كيف شئتم فأنتم أحرار لا يحول بينكم وبين ما تشتهون حائل، إن ذلك من حقكم إن كنتم فاعلين. واعلموا أن حقوقكم شأنها شأن حقوق سائر أفراد الشعب الروسي، تحميها الثورة بكل ما أوتيت من عزم وقوة، وبكل ما يتوافر لها من وسائل: جند أشداء، ومجالس للعمال، ومندوبين عن الفلاحين. وإذاً فشدوا أزر هذه الثورة، وخذوا بساعد حكومتها الشرعية. (¬1). إلى آخر ما جاء في ذلك النداء الخادع. وما كان من المسلمين حين سمعوا ذلك النداء إلا أن أسرعوا يجمعون قواهم؛ فبادرت شعوب إسلامية كانت مستعمرة مضطهدة تحت الحكم الروسي القيصري فأعلنت استقلالها، واستعادت سيادتها على أرضها. وقامت جمهوريات إسلامية عديدة، لكنها لم تكن شيوعية، ولم تكن خاضعة خضوعاً كلياً للشيوعيين الذين أقاموا الثورة في روسيا، وما كان باستطاعة هذه الدول - وهي ملتزمة بإسلامها وعقائدها ومفاهيمها الإسلامية - أن تتحول إلى الشيوعية؛ لأنها تتناقض مع الإسلام تناقضاً كلياً في جذورها الاعتقادية، وفي تطبيقاتها ونظمها. ولم تمض فترة وجيزة حتى ثبَّت الشيوعيون أقدامهم، وأحكموا قبضتهم. فلما تمكنوا، واستتب لهم الأمر - قلبوا ظهر المجن، وأسفروا عن حقيقتهم الكالحة، حيث توجهوا بجيشهم المعروف بالجيش الأحمر، فأعملوا أسلحتهم بالمسلمين، وحصدوا الجمهوريات الإسلامية حصداً. وكان هجوم الجيش الأحمر لها مباغتة لم تعدَّ لها بَعْدُ عدتها؛ فهي دول فتية ما زالت في طور نشأتها. وفي مدة ثلاث سنين استولى الشيوعيون على هذه الجمهوريات الإسلامية بعد أن قدم المسلمون تضحيات جسيمة، ولكن قواهم كانت أضعف من أن تقاوم جيشاً مدرباً مزوداً بأحدث الأسلحة من طائرات، ودبابات، وسيارات مصفحة، ومدافع بعيدة المدى، في حين أنها لا تملك شيئاً من مثل هذه الأسلحة؛ فلقد كانت شعوباً مستعمرة للحكم القيصري النصراني وما إن تخلصت من نيره حتى عاد المستعمرون السابقون بوجه شيوعي أكثر شراسة وعنفاً لفرض سلطانهم الأحمر (¬2). ولقد قام الشيوعيون إبان فترة حكمهم بأعمال وحشية، ومذابح رهيبة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في أحقابه المتطاولة، وسيتضح شيء من ذلك من خلال ما يلي: ¬

(¬1) ([520]) ((الدين في مواجهة العلم)) (ص64). (¬2) ([521]) ((الدين في مواجهة العلم)) (ص 64).

أولاً: نكبات المسلمين ومذابحهم على أيدي الشيوعيين (¬1): 1 - الإبادة الجماعية، أو نفي جزء من الشعب، أو الشعب كله من وطن آبائه وأجداده إلى سيبيريا، أو إلى مناطق أخرى حيث يفقدون الصلة بوطنهم الأصلي، ويضيعون بمرور السنين. وإليك هذه الوقائع دليلاً على أفعالهم: أ - أعمالهم في التركستان: قتل الشيوعيون في التركستان وحدها سنة 1934م مائة ألف مسلم من أعضاء الحكومة المحلية، والعلماء، والمثقفين، والتجار، والمزارعين. وفي ما بين سنة 1937 - 1939م ألقت روسيا القبض على 500 ألف مسلم، وعدد من الذين استخدمتهم في الوظائف الحكومية، ثم أعدمت فريقاً، وأرسلت فريقاً آخر إلى مجاهل سيبيريا. وقتلوا سنة 1950م سبعة آلاف مسلم، ونفوا من التركستان سنة 1934م ثلاثمائة ألف مسلم. وقد هرب من التركستان منذ سنة 1919م حتى اليوم مليونان ونصف مليون من المسلمين. وفي سنة 1949م هرب ألفان من التركستان الشرقية، ولاقى 1200 من هذا الفريق حتفه وهم في الطريق إلى الهند. وفي سنة 1950م هرب من التركستان 20000 من المسلمين والتجأوا إلى البلاد الإسلامية في الشرق الأدنى. ومن سنة 1932م إلى 1934م مات ثلاثة ملايين تركستاني جوعاً؛ نتيجة استيلاء الروس على محاصيل البلاد، وتقديمها إلى الصينيين الذين أدخلوهم إلى تركستان. ونتيجة لقانون مزج الشعوب في الاتحاد السوفياتي نفت روسيا 40000 مسلم تركستاني إلى أوكرانيا، وأواسط روسيا، فاندمجوا في تلك الشعوب، وفقدوا وطنهم الأصلي. وفي سنة 1951م ألقي القبض على 13565 مسلم في التركستان وأودعوا المعتقلات. ب - في القرم: أبادوا في القرم سنة 1921م مائة ألف مسلم بالجوع، وأرغموا خمسين ألف مسلم على الهجرة في عهد بلاكون الشيوعي الهنغاري الذي نصبوه رئيساً للجمهورية القرمية الإسلامية. وفي سنة 1946م نفوا شعبين إسلاميين كاملين، وهم شعب جمهوريتي القرم وتشيس إلى مجاهل سيبيريا، وأحلوا محلهم الروس. 2 - هدم المساجد وتحويلها إلى دور للهو، واستخدامها في غايات أخرى، وإقفال المدارس الدينية: أ - بلغ مجموع المساجد التي هُدِّمت أو حُوِّلت إلى غايات أخرى في التركستان وحدها 6682 جامعاً ومسجداً، منها أعظم المساجد الأثرية مثل (منارة مسجد كالان) في مدينة بخارى، و (كته جامع) في مدينة قوقان، و (جامع ابن قتيبة) و (جامع الأمير فضل بن يحيى) و (جامع خوجه أحرار) في مدينة طشقند. ومجموع عدد المدارس والكتاتيب التي أقفلوها في التركستان يبلغ 7052 مدرسة، منها: (ديوان بيكي مدرسة) في مدينة بخارى، و (بكلريك مدرسة) و (بران حان مدرسة) في مدينة طشقند، وغيرها من المدارس التاريخية التي كانت منهلاً من مناهل العلم والعرفان. ب - وفي القرم طمسوا معالم الإسلام بما فيها الجوامع الأثرية في مدينة (باغجة سراي) عاصمة القرم الجميلة، مثل (جامع حان) وجامع (طوزيازرا) وجامع (أصماقويو) وغيرها. ج - وهدموا في مدينة (زغرب) في يوغسلافيا جامعاً عظيماً شيد رمزاً لوحدة عنصري الشعب الكرواتي. وأغلقوا في مدينة (سراييفوا) الأكاديمية الإسلامية العليا للشريعة الإسلامية، وجميع المدارس الدينية باستثناء واحدة فقط، أبقوها للدعاية!. 3 - قتل علماء الدين أو نفيهم، أو الحكم عليهم بالأشغال الشاقة، أو منعهم من الحقوق السياسية، بل والحقوق الإنسانية، وإيجاد أية عقبة أخرى تحول بينهم وبين مزاولتهم لمهنتهم. وممن قتل من العلماء في تركستان الشيخ برهان البخاري قاضي القضاة، والشيخ خان مروان خان مفتي بخارى، والشيخ عبدالمطلب واملا، والشيخ محسوب متولي، والشيخ عبدالأحد وادخان، والشيخ ملا يعقوب، والشيخ ملا عبدالكريم، وغيرهم كثيرون. ¬

(¬1) ([522]) ((الدين في مواجهة العلم)) (ص 64).

وكذلك عملوا في القرم، وأضافوا إلى ذلك حرق المصاحف الكريمة في الميادين العامة. وفي يوغسلافيا قتلوا مفتي كرواتيا الشيخ عصمت مفتيش، والعالم الفاضل مصطفى يوصلولاجيتش. وحكموا بالأشغال الشاقة مدداً مختلفة على 12عالماً بعد محاكمة صورية في مدينة سراييفو، منهم الشيخ قاسم دوراجا شيخ علماء البوسنة والهرسك، والشيخ عبدالله دروبسيوفتش، وكلاهما من علماء الأزهر الشريف. 4 - قتل الزعماء السياسيين أو نفيهم: ومن أمثال ذلك أن الشيوعيين قتلوا في التركستان الشرقية سنة 1934م الحاج خوجه نياز رئيس الجمهورية، ومولانا ثابت رئيس مجلس الوزراء، وشريف حاج قائد مقاطعة (ألتاء) وعثمان أوراز قائد مقاطعة (كاشفر) ويونس بك وزير الدولة، والحاج أبو الحسن وزير التجارة وطاهر بك رئيس مجلس النواب، وعبدالله داملا وزير الأشغال، وغيرهم كثير ممن لا يتسع المقام لذكرهم. وكلما أحس الشيوعيون ببوادر أية حركة قومية أو إسلامية بين التركستانيين قاموا بحملة التصفية، وهي حملة يراد بها القضاء على كل من تحدثه نفسه بما قد يخالف تعاليم آلهة الشيوعيين: (ماركس)، و (لينين)، و (ستالين). 5 - منع المسلمين من التمتع بالنظم الإسلامية في دائرة الأحوال الشخصية: فقد ألغيت المحاكم الشرعية في جميع أنحاء الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا. ومعنى ذلك خروج الأسرة من دائرة توجيه الشريعة الإسلامية إلى دائرة القوانين الشيوعية، التي تنادي بالإباحية التامة، وبانحلال جميع الروابط الطبيعية بين أعضاء الأسرة الواحدة. هذا إلى جانب نهب الثروات، ونقلها إلى مقاطعات أخرى، وتمزيق أوصال كل بلد إسلامي واحد، وخلق قوميات مستقلة على أساس لهجات لغة واحدة؛ بقصد تشتيت المسلمين في نفس الجنس واللغة، وخلق منازعات مصطنعة بينهم، كما قسموا تركستان إلى ست جمهوريات على هذا الأساس الواهي. كما أنهم يقومون بشتى أنواع الدعاية اللادينية من غير أن يسمحوا بالدعاية الدينية. ومن أمثال ذلك قيام الشبيبة الشيوعية، وجماعة من الملحدين الرواد بمظاهرات لا دينية صاخبة في مواسم الأعياد، وإهانة كل ما يقدسه المسلمون. وإن ينسَ المسلمون فلن ينسوا ما حلَّ بأفغانستان وأهلها من مآس، وحروب، وتشريد، وكذلك ما حلَّ أخيراً بالشيشان وأهلها إلى حين كتابة هذه السطور. ثانياً: نماذج من صور التعذيب للمسلمين: ومن جرائم الشيوعيين التي أنزلوها بالمسلمين صور التعذيب، وأفانينه العجيبة، فمن ذلك ما حل بمسلمي تركستان الشرقية عندما رفضوا إلحادية ماركس. وفيما يلي ذكر لبعض صور التعذيب التي تقشعر منها الجلود، ويقِف لِهَوْلِها شعر الرأس (¬1). 1 - دقُّ مسامير طويلة في رأس المُعذَّب حتى تصل مُخَّه. 2 - صبُّ البترول على المُعذَّب، ثم إشعال النار فيه حتى يحترق. 3 - جعل المسجون المعذب هدفاً لرصاص الجنود الذين يتدربون على تسديد الأهداف. 4 - حبس المعتقلين في سجون لا تدخل إليها الشمس، ولا ينفذ منها هواء، وتجويعهم حتى الموت. 5 - وضع خوذات معدنية على رأس المعذب، وإمرار تيار كهربائي فيها؛ لاقتلاع العيون. 6 - ربط رأس المعذب في طرف آلة ميكانيكية، وربط باقي الجسم في آلة أخرى، ثم تحريك كلٍّ من الآلتين في تباعد وتقارب شداً وضغطاً على المُعذَّب، حتى يعترف على نفسه وغيره، أو يموت. ¬

(¬1) ([523]) ((الدين في مواجهة العلم)) (ص66) وقد قال " كرس موريسون " في بيان هذا اللغز (في كتابه المفيد ((العلم يدعو إلى الإيمان)) (ص147): " لقد حل لي الآن لغز أيتهما جاء قبل الآخر الدجاجة أم البيضة؟ إنه لم يكن هذه ولا تلك بل جاءت قبلهما خلية أولية والبيضة ليست إلا مجرد غذاء للجنين ".

7 - كيُّ كلِّ عضوٍ من الجسم بقطعة من الحديد المحمي إلى درجة الاحمرار. 8 - صبُّ زيتٍ مغليٍّ على الجسم. 9 - دقُّ مسامير حديدية، أو إبر في أجسام المُعذَّبين. 10 - إجلاس المعذبين جلساتٍ خاصةً فيها ألم شديد؛ إذ يستطيع المشرفون على التعذيب الضربَ على الأعضاء التناسلية. 11 - إدخال شعر الخنزير في الإحليل - فتحة العضو التناسلي -. 12 - إدخال قضيب من الحديد المحمي في مكان شديد الحساسية من الجسم. 13 - دقُّ المسامير في رؤوس الأصابع حتى تخرج من الجانب الآخر. 14 - ربط المسجون المُعذَّب على سرير حديدي ربطاً محكماً لا يستطيع معه التحرك، وذلك لعدة أيام قد يتفطر بها جسمه. 15 - إجبار المسجون المُعذَّب على أن يمد جسمه عارياً على قطع من الثلج أيام الشتاء والبرد القارس. 16 - وضع لوح من الخشب فوق رقبة المُعذَّب وكتفيه؛ ليظل منحنياً لا يستطيع الحركة. 17 - نتف خصل من شعر الرأس بعنف يسبب اقتلاع جزء من جلد الرأس. 18 - تمشيط جسم المُعذَّب بأمشاط حديدية حادة. 19 - صبُّ المواد الكيماوية الكاوية في أنوف المسجونين وفي أعينهم بعد ربطهم ربطاً محكماً. 20 - وضع صخرة ثقيلة على ظهر المسجون والمُعذَّب بعد ربط يديه وراء ظهره. 21 - ربط يدي المسجون وشدهما إلى أعلى، وتعليقه منهما حتى يكون متدلياً في الهواء بثقل جسمه، وتركه كذلك ليلة كاملة أو أكثر. 22 - ضرب المتهم بعصا بها مسامير حادة. 23 - سجن المتهم في سجن انفرادي ضيق. 24 - ضرب المعذب بالكرباج، وهو شيء يشبه أذناب البقر حتى يتفطر جسمه، وتسيل الدماء منه. 25 - تقطيع جسم المُعذَّب إلى قطع صغرى بالسكاكين. 26 - إحداث ثقب في مكان ما من الجسم، وإدخال حبل ذي عقد فيه، ثم استعمال هذا الحبل بعد يومين كمنشار لقطع أطراف الجلد المتآكل. 27 - تثبيت المُعذَّب واقفاً إلى جدار بمسامير تُدَقُّ في أذنيه على الجدار؛ ليظل واقفاً معذباً أطول مدة. 28 - وضع المسجون المُعذَّب في برميل مملوء بالماء في فصل الشتاء. 29 - خياطة أصابع اليدين والقدمين، ووصل بعضهما ببعض. إلى غير ذلك من فنون التعذيب المستحدثة التي لا تخطر على بال أخبث المجرمين. وعلى هذا قام نظام الشيوعيين في روسيا، خلافاً لما يعتقده كثير ممن انخرطوا في سلكها من بهائم العرب، إذ يعتقدون أنها قامت على الحق، والخير، وأنها قامت ضد المستعمرين، أو الغزاة، أو الملكية القيصرية. والحق أنها قامت على المكر، والخديعة، والخيانة، والإرهاب، والظلم، والاستبداد، والتسلط. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 413

اثنان وعشرون: الملكية في المذاهب الوضعية

اثنان وعشرون: الملكية في المذاهب الوضعية وفيه أمران: الأمر الأول: الملكية في الرأسمالية أما الملكية في الرأسمالية فهي مربوطة بالوصول إلى الأرباح قبل أي اعتبار، يقول محمود الخطيب: "يعتبر أنصار الرأسمالية جهاز الثمن هو المحرك الفعال القادر على حل كل ما يتعلق بالمشكلة الاقتصادية" (¬1).والرأسمالية كما سبق نسبة إلى رأس المال، ويراد بها منح الشخص كامل الحرية في جمع المال وفي إنفاقه بأي طريقة يكون جمعه أو إنفاقه سواء عن طريق الغش، أو الاحتكار، أو الربا، أو التحايل، ولا قيمة للرحمة والعاطفة الإنسانية أو المثل العليا أو الأخلاق في سبيل الحصول على المال و"كل هذا يؤدي إلى ظلم الأمة ويقوي معول هدمها بيدها لأن الأخلاق زالت والجانب الروحي معدوم مندثر فلم يبق إلا الركض وراء المصلحة الجشعة فأصبح الرأسمالي شرها متكالبا على المال" (¬2)، فالرأسمالي لا يهمه أن يموت المجتمع جوعا في الوقت الذي يرفع قيمة ما في يده إلى الأضعاف المضاعفة. فينظر المجتمع إليه وهو في غاية الشره نظرة حقد وكراهية، وهو ينظر إليهم أنهم حاسدين له يتمنون زوال ماله فينشأ عن ذلك إشاعة العداوة والبغضاء وانتزاع الرحمة من قلوب تلك المجتمعات الرأسمالية التي لا هم لها إلا عبادة المال وجمعه حسب التنافس في الإنتاج وفي الأسواق بحيث يهدف الرأسمالي إلى التحكم لو استطاع في الأسواق الاقتصادية وإبعاد أي مشروع يرى أنه سينافسه ثم طلب الربح بأي وسيلة مهما كانت ظالمة أو معيبة لا يهمه إلا الحصول على المال، وحال المجتمعات الرأسمالية أقوى شاهد. وفي المجتمعات الرأسمالية حرب على الفقر لكنها لا ترحم الفقير بل تحمله مسؤولية فقره وتنظر إليه بازدراء لأنه لم يحتل لنفسه للخروج من الفقر حيث يتهم بعدم الذكاء أو عدم الجد في العمل أو غير ذلك من الأسباب التي لا تشعر بالرحمة تجاهه ولقد عانى المجتمع الرأسمالي من هذه النظرة في بداية تكون المذهب الرأسمالي الأمرين واضطر كل فرد صغير أو كبير، ذكر أو أنثى إلى العمل بأي طريق كان للحصول على ما يسد رمقه وإلا انسحق دون أي صوت يلفت النظر إلى حاله والحكومة لا تتدخل لا في الانتاج ولا في التوزيع بل كان الحبل على الغارب، إلا أنه – وبعد فترة – شعر المجتمع الرأسمالي تحت الضغط والعنف والمواجهات الدامية بأن هذا الوضع البغيض لا رحمة فيه وأنه إنما نشأ عن ما يشعر به أغلبية المجتمع من الإحباط وعدم المبالاة بهم وجعلهم فريسة الهموم على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم فتطور الفكر الأوروبي إلى تعديل الحال والنظر بعين الجد إلى القضاء على هذا الشعور وبدأوا في تقنين الأنظمة التي تطوروا فيها إلى أن عرفوا ما يشبه نظام التكافل الاجتماعي الذي دعا إليه الإسلام منذ نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرض الزكاة التي يأخذ فيها العاجز ما يسد حاجته من بيت مال المسلمين دون أن يطالب بمقابل في ذلك، بينما نظام الغرب رغم ما يدعون له من التطور لازال متخلفا عن الوصول إلى نظام الإسلام في ذلك إذ لا يعطي الشخص فيه في حال عجزه إلا حسب نسبة ما كان يدفعه من الضرائب في حال صحته. ¬

(¬1) انظر ((الأدلة والقواطع والبراهين)) للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص350). (¬2) انظر ((مجموعة فتاوى)) فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين 3 (/77).

فإنه يطالب الشخص وهو صحيح بمبلغ يدفعه ضريبة من دخله حتى إذا عجز عن العمل أعطى مبلغا حسب ما كان يدفعه قليلا أو كثيرا فإنه يأخذ نسبته على حسب ما دفع وعيب هذا أن الغني يدفع له أكثر لأنه أخذ منه أكثر والمحتاج يدفع له أقل منه وهذا الحل لا يفي بحاجة الفقير فقد يكون لهذا الفقير أسرة كبيرة بينما الغني قد لا توجد له أسرة فليس هناك تكافئ في التوزيع ولا نظر إلى عمق القضية حسب الضرورة، بل إنهم لم يوجدوا هذه النقلة إلا للتخفيف من مساوئ هذا النظام الذي طعموه بما يسمونه التأمينات الاجتماعية والنقابات .. الخ. أما الإسلام فإنه لا ينظر إلى استحقاق الفقير من بيت المال إلى أنه كان يدفع أو لا يدفع لأنه ينظر إلى إزالة الضرر بغض النظر عن الأسباب فلا ضرر ولا ضرار، ولأن الفقر قد لا يدوم فقد يصبح الفقير غنيا فيستعفف بعد ذلك عن أخذ ما كان يصل إليه من بيت مال المسلمين وما يعطاه من المال إنما هو إعانة له إلى أن يغنيه الله من فضله ويستغني عن أخذه بعد ذلك دون منة عليه من أحد إذ الإسلام دائما يحث الشخص على الاعتماد على الله ثم على عمل يده والاستغناء عن الناس بانتظار ما يجودون به عليه، ويخبره دائما أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وأن من اعتمد على سؤال الناس يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم ... وغير ذلك من التوجيهات الإسلامية. وعلى ضوء ما سبق يمكن تلخيص الأسس التي قام عليها النظام الرأسمالي فيما تقدم بيانه فيما يلي: 1 - حرية الملكية الفكرية وحرية التصرف فيها دون تدخل الدولة غير الحماية. 2 - الحرية في ممارسة أي نشاط اقتصادي يريده الفرد انتاجا أو استهلاكا. تحقيق التوازن التلقائي عن طريق جهاز الثمن الذي هو المرأة التي تعكس رغبات المستهلكين إلى المنتجين. 4 - وجود حافز الربح الذي هو المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي والإقبال على العمل تحقيقا للربح. 5 - وجود حرية المنافسة الاقتصادية التي تحد من انتشار الاستغلال. وهذه الأسس وإن كانت تبدو للناظر أنها مفيدة وناجحة وتخدم التقدم الاقتصادي إلا أن لها مساوئ كثيرة من أهمها: 1 - سوء توزيع الثروة والدخل بين الناس، فمن عز بز. 2 - ما نادت به من الحريات إنما هي حريات ناقصة والعامل ليس حرا في اختيار عمله ولا في أجره فقد يضطر إلى أن يعمل بأجر أقل حينما لا يجد عملا مناسبا وكذلك المستهلك ليس حرا في استهلاكه بل يقيد مستوى دخله وما تسمعه من كثرة المظاهرات في الغرب لتحسين أجر العامل أقوى شاهد. 3 - ظهور البطالة والتقلبات الاقتصادية لعدم التوازن الحقيقي. 4 - وجود الاحتكارات والتي تعمل بشكل معاكس لجهاز الثمن. 5 - ظهور الآثار السلبية للمنافسة في الإسراف والتبذير في الإعلانات وغيرها (¬1). وعلى العكس من كل ما تقدم نجد في الأنظمة الاشتراكية والشيوعية التي لا تحفل بالفرد ولا بتشجيعه على زيادة الإنتاج السليم لسلبهم إياه حرية التملك وبالتالي إفلاسه الدائم واتكاله على الدولة ولا تسأل عما نشأ من المساوئ جراء هذا السلوك الأحمق. ¬

(¬1) انظر ((التوراة والإنجيل والقرآن والعلم)) لموريس بوكاي ترجمة الشيخ حسن خالد.

وكل تلك الاتجاهات لا يقرها الإسلام ولا تساير نظامه، فالمال في الإسلام إنما هو إحدى متع الحياة الدنيا ولا حرج على صاحبه أن يتمتع به كيفما أراد مادام في ذلك في حدود الشرع وتعاليمه وليس المال هو كل شيء، بل إن هناك حياة هي أسمى من هذه الحياة تنتظر الفقراء والأغنياء وكم من فقير في هذه الدنيا يصبح في تلك الحياة يفوق في ملكه الدنيا بحذافيرها أضعافا مضاعفة، كما أن الإسلام يفهم صاحب المال بأن ما بيده من المال ليس هو مالكه الحقيقي وإنما هو مستأمن عليه وسيتركه ويرجع كما بدأ حياته الدنيوية فلهذا لا يجوز له أن يتصرف في المال إلا وفق ما شرع له لا أن يتصرف فيه كما يشرعه هو لنفسه فيترك من يستحق الصدقة من الناس فيتصدق بثروته في غير محلها كأن يجعلها لكلبه مثلا كما يفعل في أوروبا. والإسلام لا يقر الرأسمالية على مساوئها ولا غير الرأسمالية من المذاهب الوضعية الجاهلية التي لم تقم على الدين الذي ارتضاه الله تعالى وأكمله فقد قامت الحجة على كل إنسان خصوصا في عصرنا الحاضر بانتشار وسائل الاتصالات المختلفة ولا يمكن أن تسعد البشرية ما دامت الأنظمة الوضعية هي المساندة ولنا فيمن طبق الشريعة الإسلامية أقوى حافز وأنبل مثال قديما وحديثا ولله الحجة البالغة. الأمر الثاني: الملكية الشيوعية الماركسية سبق أن قامت الاشتراكية الشيوعية في اتجاه معاكس عارم ضد الرأسمالية الغربية والديانة النصرانية، وما تلا ذلك من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقلق العام الذي ساد الدول الغربية الكبرى بفعل المخططات اليهودية ومؤامراتهم المختلفة ولقد كان للاشتراكية صولات وجولات ودعايات قوية ووعود خلابة بأن الناس كما زعموا سيعيشون في سعادة وهناء تشبه الجنة التي وعدت بها الديانات في الآخرة بزعمهم ولكنهم ربطوا الوصول إلى هذه الجنة الدنيوية بتطبيق الشيوعية الحمراء التي جاء بها "كارل ماركس" ومن تبعه من طغاتهم "لينين" و"ستالين" وأضرابهم، والانضواء تحت راية الثورة الصناعية والعمل للجميع فقام الاقتصاد في مذهب الشيوعية الاشتراكية على أساس أن الملكية العامة لكل وسائل الإنتاج هي للدولة وحدها والمناداة بإلغاء الملكية الفردية ومصادرة كل شيء وجعله باسم الدولة ولكن كثيرا من الدول الشيوعية أدركت انهيارها اقتصاديا وفطنوا إلى أن السبب وراء ذلك هو عدم السماح بالملكية الفردية حيث فترت همم العمال ولم يعد فيها الحافز الكافي لزيادة الإنتاج فاضطرت الحكومات إلى السماح بالملكية الفردية في نطاق ضيق ولكن أخذت الأمور تتطور وتتفاقم النقمة على تلك الأوضاع إلى أن أطيح بالماركسية في عقر دارها – روسيا – وتنفس الناس الصعداء مما جعل الدول التي لا زالت متمسكة بالنظام الماركسي تتوجس خيفة وتخفف قبضتها على الشعوب رويدا رويدا. وتبين لجميع الشعوب الغبن الفاحش حين خدعوا الفقراء بما سموه دكتاتورية البروليتاريا التي لا تتحقق إلا بقيام الصراع الطبقي والاستيلاء على السلطة ومصادر المال وقد تطلب ذلك قيام الحركات الثورية الدموية في كل مكان استطاعت أن تصل إليه براثن الشيوعية بحجة إقامة حكم البروليتاريا وإسعاد الفقراء ولم يكتفوا بنزع الملكية الفردية بل نزعوا معها كل ما يمت إلى الأخلاق والأسرة تماما لأن بقاء الأسرة معناه بقاء الملكية الفردية كما تقدمت الإشارة إلى هذا.

وقد وجدت الملكية الفردية حربا شعواء من قبل الملاحدة وحملوها كل أوزار المجتمع البشرية بعد تركهم الشيوعية الأولى التي كان الناس فيها على الملكية الجماعية يعيشون أسعد الأحوال بزعمهم دون صراع طبقي أو أحقاد، إلى أن عرف الناس الملكية الفردية وما تبعها من تطورات، إلى أن وصلوا إلى الرأسمالية التي سببت للبشرية أنواع الشقاء والصراعات الطبقية، إلى أن ظهرت الشيوعية الثانية لتعيد الناس إلى جنتهم السابقة حسب زعمهم، وقد تناقض الملاحدة هنا فبينما يزعمون أن الرأسمالية والملكية الفردية هي السابقة للاشتراكية لأنها جاءت كمنقذ إذا بهم يزعمون أن الاشتراكية البدائية هي السابقة للرأسمالية. ومما يجب أن يتنبه له الشخص هو معرفة ما هي الملكية الجماعية التي ينادي بها الشيوعيون وكيفية الرد عليها وأنها وهم خاطئ فإن الملكية الجماعية التي ينادي بها الملاحدة هي سلب كل شيء وجعله في يد الدولة التي هي نائبة للشعب أو نائبة عن طبقة البروليتاريا الكادحة ويزعم هؤلاء أن العدالة تقتضي أن تضع الدولة يدها على كل مرافق الإنتاج وهي بدورها تقوم بتوزيعه بالتساوي بين الناس وبذلك ينتهي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان الذي تمارسه الرأسمالية ومن هنا فقد نادوا بإلغاء الطبقات والانضواء تحت راية الشيوعية لتخليصهم من نظام الطبقات التي جاءت به الملكية الفردية وأن على جميع الشعوب أن تناضل الطبقات المالكة المتحكمة في مصالح الشعوب الذين بأيديهم الجاه والسلطة والمال وأن هذا النضال لا ينبغي أن يتوقف إلا بالقضاء التام على هذه الطبقات واستعلاء طبقة البروليتاريا التي ستحكم هي الأخرى حكما صارما لا رحمة فيه إلى أن يتحقق لهم ما يريدون من إقامة النظام الشيوعي بدون منازع حيث سيقوم نظام البروليتاريا على الدكتاتورية الشديدة ما دام يوجد أعداء للشيوعية ولهذا يطلقون عليهم "دكتاتورية البروليتاريا" أي حكم الفقراء وهذا الوصف سينتهي أيضا حينما تتمكن الشيوعية من بسط نفوذها في كل العالم فلا تبقى تلك الدكتاتورية إذ أن الشعب أصبح حاكما نفسه بنفسه وكلهم طبقة واحدة هي "البروليتاريا" وقد رأى العالم مدى صحة هذه الأحلام الفارغة حيث أصبحت تعاليم "ماركس" تحت النعال بعد أن أثبتت فشلها الحتمي شأنها شأن كل الأفكار والمعتقدات الباطلة. وهناك الكثير من المبادئ الماركسية التي تطرقت إلى كل جانب من جوانب الحياة، والذي يهمنا هو معرفة الفشل الذريع الذي لحق بالاشتراكية في معالجتها هي والشيوعية للحالة الاقتصادية، وكيف كانت النتيجة التي وصلت إليه النظريتان الجهنميتان فإنهما بعد أن عاثتا في الأرض فسادا طوال سبعين عاما من قيامهما المشؤوم وأتتا على الأخضر واليابس وقتل بسببهما ملايين لا يعلم عددها إلا الله ودنست الأخلاق ومزقت الأسر وعلا قرن الشيطان (¬1)، فأذن الله تعالى في إظهار فشل الشيوعية ذلك الفشل الذريع في سد الحاجات الضرورية لأتباعها من الموارد الزراعية إلى أن أصبحوا يتكففون الغرب الرأسمالي الذي تنبأ لهم "ماركس" بأنهم سيكونون أول من يتقبل الاشتراكية الشيوعية بصدر رحب بزعمه وكان الشيوعيون يصفون الغرب وغيرهم بالتخلف والجمود. وما أن قويت الثورة الصناعية عندهم حتى فاجأتهم بزيادة العمل وقلة المكاسب وتدني الحياة وتدني الأخلاق وزيادة الفقر وانخفاض المستويات الصحية وسلب الحريات في البلدان الشيوعية وكممت الأفواه واشتد الحكم بالحديد والنار وأصبح العامل يعمل لصالح الدولة لا لصالحه مقابل كفالة الدولة لطعامه وشرابه ببطاقته الشخصية بما يسد حاجته الضرورية فقط. ¬

(¬1) انظر ((تنزيه الدين وحملته ورجاله)) مما افتراه القصيمي في أغلاله (ص 474).

وتبين بوضوح تام بعد فوات الأوان أن مناداة الشيوعية بنزع الملكية الفردية وحصرها في الدولة أنه من أحمق الحلول وأبعدها عن مصالح الشعوب فهي تقتل الحوافز المشجعة على العمل والتفاني فيه والإخلاص في القيام به فأي إخلاص سيأتي للعامل الذي لا يملك من وراء كده وتعبه غير لقمة العيش والباقي لغيره ولقد أحس الملاحدة هذه الهوة قبل أن تكتسح الشيوعية في مهدها فشددوا قبضتهم على الناحية الصناعية إذ يعرف المقصر في أي قطعة فيعاقبونه عقابا صارما قد يؤدي إلى قتله أمام زملائه فانتظمت له الناحية الصناعية نوعا ما بينما فشلت مراقبتهم في الناحية الزراعية فشلا ذريعا لصعوبة مراقبة الفلاحين وظهر هذا واضحا في البلاد الشيوعية في تخلفها في مجال الزراعة، بل وفي مجال الصناعة إذ لا مقارنة بين الصناعات الغربية والشيوعية ومن المعلوم أن الملكية الفردية هي نزعة فطرية في كل إنسان لا يمكن أن يتجاهلها ولا يمكن أن يتغلب على فطرته في مقاومتها كي يتركها بطوعه، ولعل هذا الجانب كان من العوامل التي أسرعت بانهيار الشيوعية رغم قوتها التي ما كان أحد يحلم بأنها ستسقط جثة هامدة في تلك الفترة الوجيزة من صحوة الشعوب الأوروبية الشرقية في ولاية "جورباتشوف" الذي تولى رئاسة الاتحاد السوفيتي بعد "بريجينيف" و"يوري أندروبوف" كما تبين كذلك أن التحريش بين الفقراء وأصحاب الأموال إنما هي خدعة لصرف الأنظار عن مقارعة الشيوعية وضرب الناس بعضهم بالبعض الآخر بزعم أن طبقة البروليتاريا طبقة العمال أو الكادحين طبقة مظلومة يجب أن تأخذ حقها من الأغنياء بالقوة. فقد دعت الشيوعية إلى تأجيج الصراع الطبقي بين الملاك والفقراء وأوغرت صدور الفقراء على الأغنياء وأقنعتهم بأنه لا يمكن أن يصل الفقراء إلى العيشة الكريمة إلا بالإطاحة بطبقة الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال وسلبهم إياها عن طريق السلاح والقوة ليتم رفع مستوى الفقراء الكادحين – البروليتاريا – وتم لهم ذلك فبطش الفقراء بأصحاب الأموال وسلبوهم إياها وجاءت الدولة لتستولي على كل مصادر الحياة وتساوي بعد ذلك الأغنياء بالفقراء فلا بقي الأغنياء على غناهم ولا رفعوا الفقراء، وجنى الجميع بعد ذلك نار الحقد والبغضاء وتبخرت أماني الفقراء وذهبت أدراج الرياح كل ما وعدتهم به الطغمة الحاكمة الماركسية وبقي الجميع على همهم وغمهم إلى أن استطاعوا أن يتنفسوا الصعداء قبل ثلاث سنوات ومرغوا أنوف جبابرة الماركسية في الوحل وانتقم الله منهم وهو عزيز ذو انتقام وقد أدرك القارئ أنه لا مقارنة بين هذه الجاهلية الحمقاء وبين الإسلام ذلك أن الإسلام ليس فيه صراع طبقي ولا تأليب جماعة ضد جماعة أخرى بل الكل مؤمنون أخوة كالجسد الواحد والرزق بيد الله والعمل مشترك بين الجميع والتنافس المعتدل مطلوب وبهذا عاش الإسلام والمسلمون بخير ولم يعهد في أي حقبة من الزمن أن ثار المسلمون على الإسلام وطالبوا بإلغائه لما عهدوا فيه من الحق. فتميز المجتمع الإسلامي بالتوادد والتراحم وامتاز بالكرم والقناعة والرضا بما قسم الله لكل شخص من الرزق فلا يجد الفقير حقدا على الغني ولا يشعر الغني بأن له الفضل على الفقير فعاش الجميع في سلام كل فرد راض بما أعطاه الله ولك أن تقارن بين البلدان التي اقتنعت بالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبين البلدان الكافرة التي لا تؤمن بذلك، لك أن تقارن بين الجرائم التي تحصل في البلد المسلم الملتزم والبلد الكافر تجد فرقا هائلا خياليا وذلك لخلو الوازع الديني وغلبة حب المال وقسوة القلوب التي لم يدخلها نور الإسلام. وأما بقية التعاليم الشيوعية التي لا تتعلق بالجانب الاقتصادي فلا حاجة لنا بالتطويل بذكرها وذكر أشنع ما مر بالإنسانية في تاريخها الطويل في النظام الشيوعي الذي لا يبالي بقتل ثلاثة أرباع الشعب ليبقى الربع الأخير صالحا أي شيوعيا وهو ما طبقوه بالفعل في كثير من البلدان وكثير من البشر الذين لا يعلمهم إلا الله تعالى طبقوه حسب تعاليم "ماركس"، و "لينين"، و"ستالين" في أنه لا بأس بقتل ثلاثة أرباع الشعب ليبقى الربع الأخير على الشيوعية الماركسية ونظامها الإلحادي. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1200

ثلاث وعشرون: آثار الشيوعية

ثلاث وعشرون: آثار الشيوعية لقد قامت الشيوعية على أسس ومبادئ آمن بها الشيوعيون، وحاولوا تطبيقها على مجتمعاتهم، زاعمين بأن تلك الأسس والمبادئ ستخلِّص الشعوب من وطأة الرأسمالية وتوصلها إلى الفردوس المنتظر، وتقضي على جميع المشكلات وتنأى عن الطبقية والفردية. فماذا تم بعد قيام الشيوعية؟ وما الذي حدث من جراء تطبيقها؟ وما الآثار التي ترتبت على اعتناقها؟ وماذا كانت النتيجة؟ الجواب سيتضح - إن شاء الله - من خلال الحديث عن الشيوعية بعد التطبيق، وعن الآثار المترتبة على الإلحاد، ثم عن سقوط الشيوعية. أولاً: الشيوعية بعد التطبيق (¬1): لقد زعمت الشيوعية بأنها ستحقق العدل، وتنشره بين الناس؛ حيث ستلغي الفوارق بين الطبقات، وستجعل الناس يعيشون في مستوى اقتصادي واحد، وسيأخذ كل واحد منهم قدر حاجته من المال. وإذا تساوى الناس في مستواهم الاقتصادي والمالي فسيكون الطريق أمامهم مفتوحاً للمساواة في جميع المجالات سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو سياسية. هذه هي الدعوى، ولكن أي البينة؟ والدعاوى ما لم يقيموا عليها ... بيناتٍ أصحابها أدعياء إن الحقائق تكذب تلك الدعاوى، والواقع يقول بخلاف ذلك؛ فلقد حصل بعد تطبيق الشيوعية ما يلي: 1 - وقوع الشيوعيين في الطبقية: لقد ادعى الشيوعيون أن إلغاء الفوارق بين الطبقات أمر لابد منه، وأن السبيل إلى ذلك هو الصراع الدموي؛ فكل امتياز أو طبقية - بزعمهم - إنما هو أثر من آثار الأنانية وتحكيم المصلحة الذاتية. وإذا كان النظام الشيوعي يدعي تلك الدعوى فإن واقعه يكذبها؛ فما تلك الدعاوى سوى شعارات براقة، ووعود معسولة كاذبة يخدعون بها السذج دونما التزام بها، وإليك بعض الأمثلة: أ - تفاوت الأجور: فمعدل الأجر المتوسط للعامل في الاتحاد السوفيتي عام 1935م حوالي 1800 روبل سنوياً، في الوقت الذي بلغ فيه راتب الأمين العام للجنة الغزل والحرير الصناعي مبلغ 45 ألف روبل سنوياً. ثم إن أجرة الفلاح الروسي 300 روبل شهرياً، ويقتطع منها 150 روبلاً لتقوية الصناعات. في الوقت الذي يتقاضى فيه أهل الطبقة المثقفة - كما يزعمون - من الممثلين والفنانين والأدباء والراقصات أجوراً عالية تصل إلى 20 ألف روبل شهرياً. ب - تفاوت مستويات التعليم: فأبناء الطبقة المثقفة يتمتعون بالتعليم الجامعي المجاني وغير المجاني. أما أبناء الفلاحين فلا يستطيعون ذلك. ج - إقرار الحوافز: فهؤلاء الذين يرفعون شعار المساواة، والعدل ورفض الطبقية أقروا الحوافز والجوائز؛ فلقد أذاعت وكالة الأنباء السوفيتية - تاس - أن جائزة ستالين للموسيقى وقدرها مائة ألف روبل - قد منحت سنة 1947م لجوزيف كلينا من أجل أنه لَحَّنََ أغنية عن ستالين. وأن جائزة ستالين للتصوير - وقدرها مائة ألف روبل - قد منحت لأراكلي طويزر من أجل تصويره ستالين يخطب في احتفال الذكرى الرابعة والعشرين لثورة أكتوبر. أما الجائزة الثالثة - وقدرها خمسون ألف روبل - فقد منحت للرسام باراكر فتشنكو من أجل تصويره الأديب مكسيم جوركي يقرأ قصة أمام ستالين، ومولوتوف، وتورسيلوف. وأما جائزة ستالين للنحت - وقدرها مائة ألف روبل - فهي لنيقولا توسكي من أجل رسمه تمثال ستالين. بالإضافة إلى جوائز أخرى سلمت لموسيقيين، ورسامين، ونحاتين، من أجل أعمال قاموا بها لشخص ستالين. ¬

(¬1) انظر ((الرياض الناضرة)) لابن سعدي (ص 194)، و ((نبذة في العقيدة الإسلامية)) للشيخ محمد ابن عثيمين (11 - 15)، و ((رسائل في العقيدة)) للكاتب (15 - 20).

ولما رأوا أن العمال لا يمكن أن يعملوا بجد وإخلاص طالما أن جهدهم يتمتع به غيرهم، لجأوا إلى الحوافز، واضطروا إلى الاعتراف بها لتشجيع المنتجين من فلاحين ورعاة، وعمال مصانع؛ فأخذت الدولة تُمَلِّكهم شيئاً من إنتاجهم؛ فأين المساواة؟ وأين محاربة الملكية الفردية؟! د - سحق العمال تحت نظام السخرة في المصانع: والسخرة هي العمل المجاني، حيث يقوم العمال بالعمل دون أن يكون لأحد من نصيب إلا حد الكفاف لا الكفاية. فالعامل الفرد في ظل هذا النظام يجبر على أن يحشر هو وكل أفراد أسرته في غرفة واحدة، هي غرفة جلوسهم، ونومهم ومطبخهم. ثم هي غرفة في مجمع سكاني ضخم غير متجانس، ويشترك سكان الشقة في دورة مياه واحدة، وقد تكون تلك الدورة بنيت بلا أبواب منذ إنشائها. وإذا كانت الغرفة لا تحتوي إلا على سرير واحد فردي - فإن الأبوين ينامان عليه حين ينام الأولاد صغارهم وكبارهم، وذكورهم وإناثهم على المنضدة متلاصقين. وتلك المنضدة هي التي تستعمل في النهار للطبخ، وربما كان الزوجان والثلاثة يعيشون في غرفة واحدة يفصل بينهم حبل من حبال الغسيل تثبت به قطعة من القماش. ثم إن الطعام الذي توزعه المزارع الجماعية لا يكاد يسد الرمق. أضف إلى ذلك غلاء الأسعار الفاحش، فثمن الكيلو غرام الواحد من الزبدة في السوق الحرة يوازي الأجر الشهري للعامل العادي، وثمن زوج الأحذية يوازي أجر شهرين وإذا مرض أحد من عامة الناس لم يُهتم بعلاجه. هـ - إغراق الطبقة الحاكمة في الترف والنعيم: ففي الوقت الذي يسحق فيه عامة الناس، ويعانون من شظف العيش، وضيقه - إذا بالطبقة الحاكمة تغرق في النعيم والترف إلى الأذقان؛ فأعضاء الحزب الشيوعي يتمتعون بالملذات والمساكن الراقية الفسيحة، والمراكب الفارهة التي تستورد من الغرب الرأسمالي. وإذا مرض واحد من أعضاء الحزب بُودر في علاجه بأرقى أنواع العلاج. ويكفي شاهداً على ترفهم ذلك القصر الباذخ الذي كان يتخذه الرئيس خروتشوف مشتىً له على ضفاف البحر الأسود الدافئة. ولقد وصف الصحفي المصري محمد حسنين هيكل ذلك القصر وصفاً مذهلاً وذلك في ملحق الأهرام بتاريخ 22مايو سنة 1964م فذكر الأثاث الفاخر، والحدائق الغناء، وحمام السباحة المثير المغطى بقبة من البلور الشفاف، المُكَيَّف بدرجة حرارة مناسبة تتغير آليا حسب الجو، إلى آخر ما وصف به ذلك القصر. 2 - تسلط الحزب الحاكم واستبداده: فبالرغم من أن الاتحاد السوفيتي يتكون من 15 ولاية رئيسة فُرِض عليها الاتحاد فرضاً وفي كلٍّ منها مجلس وزراء - إلا أن سلطاتها تنحصر في الأمور العادية. أما الحل والعقد والبت في الأمور فيملكه الحزب في موسكو، ولا يناقشه أحد بذلك. 3 - البطش والإرهاب: حيث اتسمت سياسة الشيوعية بعد التطبيق بالبطش والإرهاب والتدمير والتعذيب، والتنكيل الذي لم يسبق له على مدى التاريخ مثيل، ولقد مرَّ بنا قبل قليل نماذج من ذلك. 4 - انقسام المعسكر الشيوعي على نفسه: حيث توالت الخلافات بين الدول الشيوعية، بل داخل الدولة الواحدة وبين أعضاء الحزب الواحد؛ فلا يكاد يجمعهم سوى خوف كل طرف من الطرف الآخر فهناك خلافات لينين مع ستالين والتي كان لينين بسببها ينوي إقصاء ستالين من مكانته، وهناك الخلافات بين ستالين وتروتسكي، والتي أدت بستالين إلى تدبير اغتيال تروتسكي.

وكلما وصل رئيس إلى سدة الحكم ندد بسلفه، وأقذع في شتمه وسبه. ومن ذلك ما حصل في المؤتمر الخمسين للحزب الشيوعي عندما وقف الرئيس خروتشوف يندد بستالين، ويقول عنه: إنه ديكتاتور سفاح، مجرم سافل دنيء، وإنه غلطة لا ينبغي أن تتكرر، وإنه ارتكب من الجرائم البشعة ما تقشعر له الأبدان (¬1). وفي مؤتمر الحزب الشيوعي الذي عقد في موسكو في 28/ 6/1988م دعا جورباتشوف إلى إصلاحات جذرية في الشؤون السياسية والاقتصادية للاتحاد السوفيتي، كما انتقد سياسة ستالين وبريجنيف التي حجرت على الفكر في الاتحاد السوفيتي - وصدق الله إذ يقول: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38]. 5 - التجسس والرقابة الصارمة: فالتحركات في المجتمع الشيوعي مراقبة، والاتصالات الهاتفية مسجلة، والزيارات - وخاصة من الغرباء - مراقبة تماماً ولقد روى ذلك كثير من الزائرين لروسيا بعد أن لاحظوا من يراقبهم ويرصد تحركاتهم. ولذلك يتحاشى الروسيون الحديث عن السياسة، وكثيراً ما يرددون عبارات جاهزة مكررة في مدح سياسة بلادهم بمناسبة أو بغير مناسبة؛ فقد يكون جزاء المقصر أو المتجاوز النفي إلى سيبيريا؛ حيث البرد القارس والأعمال الشاقة. وقد قال أحد الكتاب: إن نصف سكان موسكو جواسيس على النصف الآخر، فقال له صاحبه: ولكن النصف الآخر جواسيس أيضاً على النصف الأول، وتلك فكاهة ليست ببعيدة عن واقع المجتمعات الشيوعية. ويدل على ذلك ما حصل في ألمانيا الشرقية عندما سقطت الشيوعية؛ حيث ذهب بعض الناس لأقسام الشرطة والمباحث؛ ليتسلم ما كتب عنه من تقارير؛ ففوجئ كثير منهم بأن الذي تجسس عليه أمه، أو زوجته، أو أخوه، أو أقرب الناس إليه. 6 - السرية والغموض: فمعظم الأمور هناك أسرار غامضة؛ فلا دليل للهاتف ولا مخطط للمدينة، ولا كتب عن مشاهير الناس. أما أعضاء الحكومة فحياتهم وأماكن سكناهم، واجتماعاتهم وتحركاتهم - سر مغلق، لا يُعلن عنه، ولا يُتحدث فيه. بل من الصعب أن تقابل روسياً عادياً على انفراد. ومما اعتاده الناس هناك اختفاء بعض الناس في ظروف غامضة، سواء كانوا مسؤولين أم من عامة الناس، ثم إنه لا يجرؤ أحد على السؤال عنهم أو الاستفسار. يقول آرثر كستلر (¬2) عن مجتمع الحزب الشيوعي:"كان عالماً يسكنه أناس يعرفون بأسمائهم الأولى فقط، أما أسماء أسرهم، أو عناوين سكناهم فلم يكن لها وجود، كان الجو متناقضاً؛ فهو خليط من الزمالة الأخوية، والارتياب المتبادل. ويمكن أن نقول: إن الشعار هنا هو: أحبب رفيقك ولكن لا تثق فيه أنملة لصالحك؛ لأنه يشي بك ولصالحه؛ إذ من الخير له ألا تعرضه للإغراء والوشاية. (¬3). 7 - غياب شموس الحرية عن الحياة الفكرية: فجميع الصحف ودور النشر خاضعة تماماً لرقابة الدولة، ومهمتها كيل المديح الأجوف الممل لقادة الحزب مع تسويغ أعمالهم وحماقاتهم. وأبرز مثال على ذلك دائرة المعارف الروسية التي ملئت بالتشويهات وقلب الحقائق؛ إرضاء لهوى المتسلط. ¬

(¬1) انظر كتاب ((الله يتجلى في عصر العلم)) تأليف نخبة من العلماء الأمريكيين بمناسبة السنة الدولية لطبيعات الأرض، أشرف على تحريره جون كلوفر مونسيما ترجمة د. الدمرداش عبدالمجيد سرحان، راجعه وعلق عليه د. محمد جمال الدين الفندي. وانظر إلى كتاب ((العلم يدعو للإيمان)) تأليف كريسي موريسون، ترجمة محمد صالح الفلكي. والكتابان من منشورات دار القلم بيروت. (¬2) سيأتي تعريف بالكتاب بعد قليل. (¬3) الكرملين: يطلق على قصر الحزب الشيوعي الحاكم، ويطلق على الحكومية الروسية.

وبالجملة فإن البلاد التي ساد فيها النظام الشيوعي قد تحولت إلى سجن كبير لا مكان فيه لحرية الرأي، ولا يستطيع الفرد أن يفصح عما يدور في خلده تجاه النظام؛ فهو يعيش في رعب دائم، وقلق مستمر. 8 - إهدار كرامة المرأة: فالمرأة في النظام الشيوعي أداة من أدوات الإنتاج للأطفال، وما دامت أدوات الإنتاج الأخرى على الشيوع فينبغي أن تكون المرأة كذلك. ولقد تحققت شيوعية المرأة في مجتمعهم بصورة مستترة، لكنهم يريدون أن يتحول الواقع إلى نظام علني. لقد أراد ماركس بمخططه أن تكون كل أنثى لكل ذكر، أو أن تتحول كل امرأة في مجتمعه إلى أنثى من إناث الدولة، وكل رجل من رجال مجتمعه إلى فحل من فحول الدولة، فيجمعهم الفراش ثم يذهب كل منهما إلى عمله وإنتاجه؛ فلا يجوز - في نظرهم - أن يختص أحد بالمرأة؛ لأنهم يرون أن الزواج قيد لحريتها. وبذلك تكون المرأة كلأً مباحاً للأعين والأيدي، وتتحول البشرية إلى حياة الغاب والقطيع. ولقد لجأ الشيوعيون في سبيل إفساد المرأة إلى أساليب ماكرة؛ حيث ألقوا في روعها أنها إذا تحررت من تبعيتها الاقتصادية للرجل فستكون حرة طليقة، كما أفهموها أن الدين شيء صنعه الرجل؛ لتظل المرأة تحت سلطانه؛ فإذا خلعت ربقة الدين، وتحررت من قيود الأخلاق - فستنعم بالحرية، والحياة السعيدة. فما الذي حصل؟ لقد تحقق لهم ما يريدون. ولكن هل تحققت السعادة للمرأة؟ وهل كانت النتائج في صالحها وصالح المجتمع؟ الجواب: لا؛ فلقد لاحظوا نذر الكارثة؛ إذ انتشرت الأمراض، وكثر الإجهاض، وبدأ الشعب الروسي يتناقص؛ فَحَرَّموا الإجهاض، فأخفقوا؛ لأن الشباب اعتاد الزنا والفواحش فأباحوا الإجهاض، ووزعوا حبوب منع الحمل مجاناً، وكافأوا الأم براتب عن كل مولود بِغَضِّ النظر عن شرعيته من عدمها. كما اضطربوا في الطلاق؛ حيث أباحوه، ثم حرموه، ثم حدَّدوه، وهكذا أصبحت المرأة ميداناً لتجاربهم وتخبُّطهم. 9 - تخبط نظام الأسرة: فمن أهداف نظام الشيوعية القضاء على نظام الأسرة؛ فالكيان الأسري الذي يربط أفراد الأسرة بروابط لها قوتها وقدسيتها - يتعارض في نظر الماركسية - مع الرابطة المقدسة الكبرى - الأم - التي هي الدولة. فهي تطلب من الفرد أن يفنى في الأمة فناء تاماً يتلاشى فيه كل انتماء لدين، أو رحم، أو وطن، ويحل محل ذلك الانتماء للدولة بنظمها الماركسية. ومن هنا قَوَّضت الشيوعية كل التقاليد والشرائع المُرَغِّبة في الزواج حتى أصبح الأمر فوضى لا حد لها. وتهدف من وراء ذلك أن ينشأ الأطفال نشأة ماركسية تقوم فيها الدولة بدور الحضانة والتربية والتعليم دونما حاجة ماسة إلى أبوة، أو أمومة، أو بُنُوَّة؛ فالرجال رجال الدولة والنساء نساؤها، والأطفال الذين هم ثمرة هذه العلاقات الجنسية - المشروعة أو غير المشروعة - هم أبناء الدولة - ومعلوم أن الفرد في النظام الشيوعي ليس ملكاً لنفسه، ولكنه ملك للدولة؛ ولهذا فهم لا يحبذون الترابط الأسري؛ لأجل أن يكون الولاء خالصاً للدولة. ثانياً: الآثار المترتبة على الإلحاد: لقد اعتنقت الشيوعية الإلحاد، وقام عليه أكبر الدول في الشرق وهي روسيا، حيث حملت في بنودها رفض الغيب، والنظر إلى الحياة كلها من منظور مادي بحت. ولقد أصبح الإلحاد ظاهرة عالمية؛ فالعالم الغربي في أوروبا وأمريكا - وإن كان وارثاً في الظاهر للعقيدة النصرانية - إلا أنه ترك هذه العقيدة تقريباً، وأصبح إيمان الناس هناك بالحياة الدنيا، وأصبحت الكنيسة مجرد تراث تافه، وأصبح الإلحاد هو الدين الرسمي المنصوص عليه في دساتير البلدان الأوروبية والأمريكية، ويعبر عن ذلك بالعلمانية تارة، وباللادينية تارة أخرى.

والإلحاد له آثاره السيئة، وثمراته المنتنة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات؛ فالأمم الكافرة تعيش حياة صعبة معقدة لا يجدون حلاً لأكثر مشكلاتهم؛ نظراً لغياب المنهج الصحيح وهو دين الإسلام، فهم يعاقبون في هذه الدنيا أشد أنواع العقوبات، وإن ماتوا على كفرهم وإلحادهم فالخلود في النار بانتظارهم. ولقد مرَّ بنا في الصفحات الماضية ذكر لما تعانيه تلك الأمم بسبب كفرها وإلحادها، وبعدها عن الله، وفيما يلي إجمال للآثار المترتبة على الإلحاد زيادة على ما مضى (¬1): 1 - القلق والاضطراب: فالملاحدة محرومون من طمأنينة القلب، وسكون النفس، قال الله - تعالى -: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]. كيف لا يصيب الملاحدة القلق والهم والغم وفي داخل كل إنسان أسئلة محيرة؟ من خلق الإنسان؟ ومن خلق الحياة؟ وما نهايتها؟ وما بدايتها؟ وما سر هذه الروح التي لو خرجت لأصبح الإنسان جماداً؟ من يجيب عن تلك التساؤلات؟ آلشيوعية؟! أنى لها؟ ثم إن هذه الأسئلة قد تهدأ في بعض الأحيان بسبب مشاغل الحياة، إلا أنها ما تلبث أن تعود، ملحة على صاحبها. وما نراه اليوم من كثرة الانتحارات، وإدمان المخدرات إلا هروب من ذلك الواقع المؤلم. 2 - الأثرة والأنانية: فلا رحمة، ولا شفقة، ولا بر بالوالدين، ولا صلة للأرحام، ولا إحسان إلى الجيران وسائر الناس؛ فكل فرد معني بنفسه فحسب؛ فالإلحاد لا يعير هذه الروابط أدنى اهتمام. 3 - حب الجريمة: فالملحد يجد في نفسه حباً للجريمة، وإرادة الانتقام، ورغبة في التشفي من كل موجود. كما أن الثقة بين الناس في المجتمع الملحد شبه مفقودة؛ فكلٌ يخاف من أقرب الناس إليه. 4 - الانطلاق في الإباحية: فالملحد لا يحافظ على عرض أحد، ولا يؤتمن على مال، أو حرمة إلا أن يعجز عن الوصول إلى شيء من ذلك. ومتى ساعدته الفرصة، وظن أنه بمأمن من العقوبة - عاث في الأعراض والأموال غير متحرج من انتهاك حرماتها. وقد يقع انتهاك الأعراض، وغشيان الحرمات، ونحوها من غير الملحد بدافع الشهوة، أما الملحد فإنه يأتيها مستبيحاً لها. وضرر الطائفة التي ترتكب الفسوق مستبيحة له أشد من ضرر من يفعله معتقداً أنه يأتي أمراً محرماً. 5 - الإجرام السياسي: وهذا من أعظم آثار الإلحاد؛ ذلك أن الأخلاق المادية الإلحادية ملأت قلوب أصحابها بالقسوة والجبروت مما دفعهم إلى تطبيق ذلك عملياً؛ ولذلك ترى الدول الكبرى كيف تفعل بالدول المستعمرة من الإهانة، والقتل، والإذلال، والتشريد. هذا شيء من الآثار المترتبة على الإلحاد، وقد جاء القرآن بما يدل على ذلك. قال تعالى: فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125]. وقال - عز وجل -: حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31]. وقال - سبحانه وتعالى -: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55]. ولقد عبر عن ذلك العذاب النفسي والهلع الذي لا يهدأ فريق من كبار فلاسفة الملاحدة، فمنهم على سبيل المثالث: ¬

(¬1) ((الصنم الذي هوى)) (ص 9).

أ - الفيلسوف الإنكليزي - هربارت سبنسر: فلما نظر إلى الوجود بالمنظار المادي المحدود الذي لا يفسر الحياة تفسير المؤمنين بالله واليوم الآخر - بدت له الحياة تافهة حقيرة لا تستحق البقاء؛ حيث قال ذلك في خاتمة كتابه المبادئ الأولى .. ولما دنا الموت منه نظر وراءه يستعرض حياته، فإذا هي في نظره أيام كلها تنقضي في كسب الشهرة الأدبية، دون أن يتمتع بشيء من الحياة نفسها؛ فَسَخِر من نفسه، وتمنى لو أنه قضى أيامه الدابرة حياة يسيرة، سعيدة. ب - الفيلسوف الملحد (شوبنهور): وهو فيلسوف التشاؤم، قال: إننا لو تأملنا الحياة المصطخبة لرأينا الناس جميعاً يشتغلون بما تتطلبه من حاجة، وشقاء، ويستنفذون كل قواهم لكي يرضوا حاجات الحياة التي لا تنتهي، ولكي يمحو أحزانها الكثيرة .. والسبب في تشاؤمه أنه عزل عن تصوره مسألة الإيمان بالله، واليوم الآخر. ج - الفيلسوف الفرنسي الوجودي (جان بول سارتر): ذلك الملحد الذي أبصر الوجود كله من خلال دوائر القلق، والغثيان، والمتاعب والآلام، وكتب في ذلك جملة قصص ومسرحيات ضمنها آراءه الفلسفية الوجودية، التي تتقيأ المكاره، والتي أبرز فيها الحياة تافهة، حقيرة، مملوءة بالمشقيات، مشحونة بالآلام ثالثاً: سقوط الشيوعية: لقد أخفقت الشيوعية في التطبيق أيما إخفاق، وقادت البشرية إلى ويلات إثر ويلات، ونزلت بالمستوى البشري إلى أحط الدركات. وبعد ذلك كله سقطت الشيوعية وهوت من عليائها؛ حيث تفككت دولها، وانفرط عقدها، وسُلَّ نظامها. ولم يكن سقوط الشيوعية مفاجأة لمن سبر أغوارها، وعرف أطوارها؛ ذلك لأنها قامت على أسس لا يمكن أن تدوم وتخلد، حيث أسست على شفا جرف هار فانهار بأصحابه. هذا وقد تكلم كثير من الكتاب المسلمين على نهاية الشيوعية المحتومة قبل أن تسقط بسنوات عديدة، وذلك لأن المسلمين يعتقدون بيقين ثابت أن الشيوعية مبدأ ولد ميتاً، وحكمهم عليها - منذ عرفوها - ليس من باب التنبؤ، والضرب بالرمل، أو علم الغيب. وإنما هو حكم منتزع من وحي عقيدتهم، وهدي دينهم. إنها مبدأ أرضي، والمبادئ الأرضية لا تثبت للمبادئ الربانية. ولئن حُرست هذه المبادئ الباطلة بالقوة الغاشمة فترة ما - فلن تظل محروسة إلى الأبد؛ لأن حراسها سيدركهم التعب، وسوف ينتابهم ما يرخي قبضتهم الحديدية. وقد ينخدع بالكذب أناس على أمل أن يُحَقَّق لهم شيءٌ، فإذا اكتشفوا أنه كسراب بقيعة كفروا به (¬1). ثم إن سنة الله - عز وجل - لا تتبدل ولا تتحول؛ ومن تلك السنن أن الزبد يذهب جفاءاً، وما ينفع الناس يمكث في الأرض، والشيوعية زبد؛ فلا بد أن تذهب جفاء. يقول الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار مبيناً مصير الشيوعية المحتوم، وذلك قبل أن تسقط بسنوات: ومهما كان الأمر فمصير الشيوعيين المحتوم معروف، ولن يكون هذا المصير إلا الفناء نهاية مذاهب الهدم والتخريب. وستتبدل الشيوعية على أيدي أتباعها قبل أن تتغير على أيدي أعدائها، ثم تلقى المصرع الذي يسلمها إلى القبر، فترتاح الإنسانية من هذا المذهب الباطل الهدام (¬2).ويقول الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني متحدثاً عن ذلك المصير: وإذا كان لنا أن نتنبأ عن المستقبل فإن لنا أن نقول: إن الشيوعية وأنظمتها ستتساقط في كل أرجاء العالم طال الزمن أو قصر متى وهنت القبضة الحديدية الخانقة لرقاب الشعوب المحكومة بها، أو متى استنفد الذين دفعوا إليها وأقاموا أنظمتها أغراضهم منها وغدت عبئاً عليهم، أو تعمل ضد مصالحهم (¬3). وهكذا صحت التوقعات، فتراجعت الشيوعية شيئاً فشيئاً، ثم سقطت ذلك السقوط المريع على يد الرئيس ميخائيل جورباتشوف فأين فردوس الشيوعية المنتظر! وأين تفسيرهم المادي للتاريخ؛ ليفسر لنا ذلك السقوط؟! ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 431 ¬

(¬1) انظر ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (8/ 371)، و ((شفاء العليل)) لابن القيم (57 - 75)، و ((نبذة في العقيدة الإسلامية) (ص11). (¬2) رواه البخاري (1358)، ومسلم (2658). (¬3) رواه مسلم (2865).

أربع وعشرون: حكم الانتماء إلى الشيوعية - فتوى المجمع الفقهي

أربع وعشرون: حكم الانتماء إلى الشيوعية - فتوى المجمع الفقهي وبعد أن تبين لنا أن الشيوعية مذهب كفري باطل، بل يعد أحط المذاهب الكفرية على مدار التاريخ- نأتي إلى حكم الانتماء إلى ذلك المذهب من خلال فتوى المجمع الفقهي الإسلامي، فلقد عرض موضوع الشيوعية على مجلس المجمع في دورته الأولى المنعقدة في 10 - 17/ 8/1398هـ. وبعد أن استعرض المجلس ذلك الموضوع أصدر فيه قراراً بيَّن فيه حكم الشيوعية والانتماء إليها، وهذا نصه (¬1): الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فإن مجلس المجمع الفقهي درس فيما درسه من أمور خطيرة (موضوع الشيوعية والاشتراكية) وما يتعرض له العالم الإسلامي من مشكلات الغزو الفكري على صعيد كيان الدول، وعلى صعيد نشأة الأفراد وعقائدهم، وما تتعرض له تلك الدول والشعوب معاً من أخطار تترتب على عدم التنبه إلى مخاطر هذا الغزو الخطير. ولقد رأى المجمع الفقهي أن كثيراً من الدول في العالم الإسلامي تعاني فراغاً فكرياً، وعقائدياً خاصة أن هذه الأفكار والعقائد المستوردة قد أُعِدَّت بطريقة نفذت إلى المجتمعات الإسلامية، وأحدثت فيها خللاً في العقائد، وانحلالاً في التفكير والسلوك، وتحطيماً للقيم الإنسانية، وزعزعة لكل مقومات الخير في المجتمع. وإنه ليبدو واضحاً جلياً أن الدول الكبرى على اختلاف نظمها واتجاهها قد حاولت جاهدة تمزيق شمل كل دولة تنتسب للإسلام؛ عداوة له، وخوفاً من امتداده، ويقظة أهله. لذا ركزت جميع الدول المعادية للإسلام على أمرين مهمين: هما العقائد والأخلاق؛ ففي ميدان العقائد شجعت كل من يعتنق المبدأ الشيوعي المعبر عنه مبدئياً عند كثيرين بالاشتراكية، فجندت له الإذاعات والصحف، والدعايات البراقة والكتّاب المأجورين، وسمَّته حيناً بالحرية، وحيناً بالتقدمية، وحيناً بالديمقراطية، وغير ذلك من الألفاظ. وسَمَّتْ كل ما يضاد ذلك من إصلاحات ومحافظة على القيم والمثل السامية والتعاليم الإسلامية - رجعية، وتأخراً وانتهازية، ونحو ذلك. وفي ميدان الأخلاق دعت إلى الإباحية، واختلاط الجنسين، وسمت ذلك -أيضاً- تقدماً، وحرية، فهي تعرف تمام المعرفة أنها متى قضت على الدين والأخلاق فقد تمكنت من السيطرة الفكرية والمادية والسياسية. وإذا ما تم ذلك لها تمكنت من السيطرة التامة على جميع مقومات الخير والإصلاح، وصرَّفتها كما تشاء، فانبثق ذلك الصراع الفكري، والعقائدي والسياسي، وقامت بتقوية الجانب الموالي لها، وأمدته بالمال، والسلاح والدعاية؛ حتى يتمركز في مجتمعه، ويسيطر على الحكم، ثم لا تسأل عما يحدث بعد ذلك من تقتيل وتشريد، وكبت للحريات، وسجن لكل ذي دين، أو خلق كريم. ولهذا لما كان الغزو الشيوعي قد اجتاح دولاً إسلامية لم تتحصن بمقوماتها الدينية والأخلاقية تجاهه، وكان على المجمع الفقهي في حدود اختصاصه العلمي والديني أن ينبه إلى المخاطر، والتي تترتب على هذا الغزو الفكري، والعقائدي والسياسي الخطير الذي يتم بمختلف الوسائل الإعلامية والعسكرية وغيرها - فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة يقرر ما يلي: يرى مجلس المجمع لفت نظر دول وشعوب العالم الإسلامي إلى أنه من المسلَّم به يقيناً أن الشيوعية منافية للإسلام، وأن اعتناقها كفر بالدين الذي ارتضاه الله لعباده، وهي هدم للمثل الإنسانية، والقيم الأخلاقية، وانحلال للمجتمعات البشرية. ¬

(¬1) ((حكم الاشتراكية في الإسلام)) (ص82).

والشريعة المحمدية هي خاتمة الأديان السماوية، وقد أنزلت من لدن حكيم حميد؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهي نظام كامل للدولة سياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، واقتصادياً، وستظل هي المعول عليها - بإذن الله - للتخلص من جميع الشرور التي مزقت المسلمين، وفتت وحدتهم، وفرقت شملهم، سيما في المجتمعات التي عرفت الإسلام، ثم جعلته وراءها ظهرياً. لهذا وغيره كان الإسلام بالذات هو محل هجوم عنيف من الغزو الشيوعي الاشتراكي الخطير؛ بقصد القضاء على مبادئه، ومثله، ودوله. لذا فإن المجلس يوصي الدول والشعوب الإسلامية أن تتنبه إلى وجوب مكافحة هذا الخطر الداهم بالوسائل المختلفة، ومنها الأمور الآتية: 1 - إعادة النظر بأقصى السرعة في جميع برامج ومناهج التعليم المطبقة حالياً فيها بعد أن ثبت أنه قد تسرب إلى بعض هذه البرامج والمناهج أفكار إلحادية وشيوعية مسمومة مدسوسة تحارب الدول الإسلامية في عقر دارها، وعلى يد نفرٍ من أبنائها من معلمين، ومؤلفين، وغيرهم. 2 - إعادة النظر بأقصى السرعة في جميع الأجهزة في الدول الإسلامية، وبخاصة في دوائر الإعلام والاقتصاد والتجارة الداخلية، والخارجية وأجهزة الإدارات المحلية من أجل تنقيتها وتقويمها، ووضع أسسها على القواعد الإسلامية الصحيحة التي تعمل على حفظ كيان الدول والشعوب، وإنقاذ المجتمعات من الحقد، والبغضاء وتنشر بينهم روح الأخوة، والتعاون، والصفاء. 3 - الإهابة بالدول والشعوب الإسلامية أن تعمل على إعداد مدارس متخصصة، وتكوين دعاة أمناء؛ من أجل الاستعداد لمحاربة هذا الغزو بشتى صوره، ومقابلته بدراسات عميقة ميسرة لكل راغب بالاطلاع على حقيقة الغزو الأجنبي ومخاطره من جهة، وعلى حقائق الإسلام وكنوزه من جهة أخرى. ومن ثمَّ فإن هذه المدارس، وأولئك الدعاة كلما تكاثروا في أي بلد إسلامي يرجى أن يقضوا على هذه الأفكار المنحرفة الغريبة. وبذلك يقوم صف علمي عملي منظم واقعي؛ من أجل التحصن ضد جميع التيارات التي تستهدف هذه البقية من مقومات الإسلام في نفوس الناس. كما يهيب المجلس بعلماء المسلمين في كل مكان، وبالمنظمات والهيئات الإسلامية في العالم أن يقوموا بمحاربة هذه الأفكار الإلحادية الخطيرة التي تستهدف دينهم، وعقائدهم، وشريعتهم، وتريد القضاء عليهم وعلى أوطانهم وأن يوضحوا للناس حقيقة الاشتراكية، والشيوعية، وأنها حرب على الإسلام. والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الرئيس/ عبدالله بن محمد بن حميد. نائب الرئيس/ محمد بن على الحركان. الأعضاء: 1 - عبد العزيز بن عبد الله بن باز. 2 - محمد محمود الصواف. 3 - صالح بن عثيمين. 4 - محمد بن عبد الله بن سبيل. 5 - محمد رشيد قباني. 6 - مصطفى الزرقاء. 7 - محمد رشيدي. 8 - عبد القدوس الهاشمي الندوي. 9 - أبو بكر جومي. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 464

خمس وعشرون: الانتشار ومواقع النفوذ

خمس وعشرون: الانتشار ومواقع النفوذ تنتشر الشيوعية في أماكن كثيرة من العالم فعلى مستوى الأفراد لا يكاد صقع من أصقاع العالم يخلو من معتنقين لها، إذ تنتشر عبر الوسائل والقنوات المختلفة. أما على مستوى الحكومات والأحزاب والتنظيمات فتنتشر في أماكن عديدة، فالشيوعية حكمت عدة دول منها: 1 - الاتحاد السوفياتي. 2 - الصين. 3 - تشيكوسلوفاكيا. 4 - المجر. 5 - بلغاريا. 6 - بولندا. 7 - ألمانيا الشرقية. 8 - رومانيا. 9 - يوغسلافيا. 10 - ألبانيا. 11 - كوبا. ومعلوم أن دخول الشيوعية لتلك الدول كان بقوة الحديد والنار والتسلط الاستعماري، ولذلك فإن جل شعوب تلك الدول أصبحت تتململ من قبضة الشيوعية بعد أن استبانت لها الحقيقة الواضحة، فلم تكن الشيوعية هي الفردوس المنتظر. وبالتالي فقد بدأت الثورات تظهر هنا وهناك كما حدث في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، كما أنك لا تكاد تجد دولتين شيوعيتين في وئام تام. أما على مستوى الأحزاب والتنظيمات فقد دخلت الشيوعية في أماكن شتى، ومنها بعض دول العالم الإسلامي؛ حيث استفاد الشيوعيون من جهل بعض الحكام، وحرصهم على تدعيم كراسيهم ولو على حساب الدين؛ فالشيوعية اكتسحت أفغانستان، وشردت شعبها المسلم، كما أنها تحكم بعض الدول الإسلامية بواسطة عملائها. كما أنها أسست أحزاباً لها في مصر، والعراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين والأردن، وسوريا، والجزائر، واليمن، وغيرها. ومواقف تلك الأحزاب العربية من قضايا العرب والمسلمين لا تخفى؛ فهي تعج بالخيانة، ويصدق ذلك ويشهد له الحقائق الدامغة لدى الباحثين والمتابعين. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 386

الخلاصة

الخلاصة - الشيوعية فكرة قديمة ظهرت في التاريخ أكثر من مرة على اختلاف في تطبيقها، والدعوة إليها؛ فلقد دعا أفلاطون إلى شيوعية المال والنساء، وقال بالشيوعية مزدك حيث دعا إلى اشتراك الناس بالمال والنساء، وتسمى حركته المزدكية، كما دعا إلى الشيوعية القرامطة الباطنية حيث دعوا إلى الإباحية والاشتراك في النساء، ثم توالت الدعوات على أيدي بعض الأفراد من الكتاب إلى أن ظهرت الشيوعية الماركسية الحديثة. - الشيوعية الماركسية حركة يهودية أسسها كارل ماركس في القرن التاسع عشر الميلادي وطبقها من جاء بعده من زعماء الشيوعية، وتقوم على الإلحاد، وإلغاء الملكية الفردية، وتنظر إلى الحياة من منظور مادي، وتسعى إلى تحقيق أهدافها بالحديد والنار، وبكل ما أوتيت من وسائل. - من أشهر شخصيات الماركسية كارل ماركس، وفريديك إنجلز، ولينين، وستالين، وتروتسكي، وخروتشوف، وبريجنيف، وأندربوف، وجورباتشوف، الذي انهارت على يده الشيوعية. - قامت الشيوعية لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالمجتمع الذي نشأت فيه، ومنها ما يعود إلى شخصية مؤسسيها، ومنها أسباب خارجة أخرى. - من أسباب قيام الشيوعية: الطغيان الكنسي، ومظالم النظام الرأسمالي، والخواء الروحي، والمكر اليهودي، والجهل بدين الإسلام، والهالة الإعلامية للشيوعية. - الشيوعية تنتشر في أماكن كثيرة من العالم سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدول. - تقوم الشيوعية على معتقدات باطلة، وأصول وأسس واهية، لايقرها عقل صحيح، ولا فطرة سليمة، فضلاً عن النقل الصحيح. - أخلاق الشيوعية تقوم على المصالح؛ فالغاية تسوغ الواسطة لديهم. - من أخلاقهم المنحطة: البطش، والجبروت والخيانة، والغدر، والظلم، والتفنن في التعذيب، والتعطش لسفك الدماء. - قامت الشيوعية لأهداف متعددة أهمها خدمة المصالح اليهودية، ونشر الإلحاد، وبث الإباحية، والقضاء على الحياة الأسرية، ومعارضة الملكية الفردية. - للشيوعية وسائل متعددة متنوعة توصلوا من خلالها إلى تحقيق أهدافهم. - الشيوعية تقف ضد الإسلام، وتعاديه أشد المعاداة، ولها طرق عديدة في حرب الإسلام وأهله، بهدف القضاء المبرم على الإسلام، أو الحد من انتشاره. - قامت الشيوعية بأعمال فظيعة، ومجازر رهيبة، وحصل للمسلمين بسببهم نكبات عديدة. - تسللت الشيوعية إلى بلاد المسلمين واعتنقها ودعا إليها فئام من المسلمين بسبب الدعاية القوية، وانحراف كثير من المسلمين عن دينهم، وتقصيرهم في الدعوة إليه، والجهادِ في سبيل الله، وبسبب الهزيمة النفسية، وكثرة الخلافات، وانتشار البدع والخرافات، وبسبب سقوط الخلافة الإسلامية، وخيانة العملاء، وتركيز الغرب على إفساد المرأة والتعليم والإعلام في بلاد الإسلام إلى غير ذلك من الأسباب. - لما قامت الشيوعية أسفرت عن وجهها الكالح، فلم تطبق ما دعت إليه من العدل والمساواة، وغير ذلك، وإنما كانت دعاواهم مجرد شعارات براقة يخدعون بها السُّذَّج؛ فلقد وقعوا في الطبقية، والتسلط، والاستبداد. - عاش المجتمع الشيوعي بعد التطبيق عيشة الخوف والرعب؛ حيث التجسس والرقابة الصارمة، وغياب شموس الحرية، وإهدار كرامة المرأة، وتخبط نظام الأسرة. - للإلحاد آثار وبيلة منها القلق، والأنانية، وحب الجريمة، والانطلاق في الإباحية. - لقد أخفقت الشيوعية في التطبيق وقادت البشرية إلى ويلات إثر ويلات، ونزلت بالمستوى البشري إلى أحط الدركات. - وبعد ذلك سقطت الشيوعية وهوت من عليائها. - لم يكن سقوط الشيوعية مفاجأة لمن سبر أغوارها، وعرف أطوارها. - فساد الشيوعية يغني عن إفسادها، وتصورها كافٍ في الرد عليها، وأدلة الشرع، والفطرة، والواقع تنقض مبادئ الشيوعية.

- الشيوعية مذهب فكري منافٍ للإسلام، واعتناقها كفر بالله، وبالدين الذي ارتضاه لعباده. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 468 فلما تبين بطلان الشيوعية ومدى ما أحدثته من بلايا، وما جرته على البشرية من رزايا - يتجلى لنا مدى حاجة البشرية، بل ضرورتها إلى الدين الحق، والمنهج القويم، الذي يكفل لها السير على طريق مستقيمة واضحة، تجد فيها السعادة، وتتحقق الراحة. ولا ريب أن ذلك لا يوجد إلا في الإسلام الذي أكمله الله وارتضاه لعباده؛ فلن تجد البشرية الراحة، ولن تتحقق لها السعادة إلا بالأخذ به، وتطبيقه على جميع مناحي الحياة. ومما يؤكد ذلك ويبرهن عليه - ما خص الله به دين الإسلام من الخصائص التي لا توجد في دين أو مذهب غيره. ومن تلك الخصائص التي تثبت تميز الإسلام، وتفرده، ومدى حاجة البشرية إليه ما يلي: 1 - أنه جاء من عند الله، والله عز وجل أعلم بما يصلح عباده أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]. 2 - أنه يبين للإنسان بدايته، ونهايته، والغاية التي خلق من أجلها، قال -تعالى-: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً [النساء:1]. وقال: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]. وقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. 3 - أنه دين الفطرة، فلا يتنافى معها، قال - تعالى -: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30]. قال العلماء فطرة الله: دين الإسلام (¬1). 4 - أنه دين العدل والأخوة الصادقة، فلا ظلم فيه، ولا عنصرية ولا طبقية، ولا تعصب للون، أو جنس، أو عرف إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم [الحجرات:13]. 5 - أنه يعترف بالعقل ويدعو لإعماله، وفي الوقت نفسه يضع له غاية يقف عندها؛ حتى لا يتيه فيما لا طاقة له به. 6 - أنه يعترف بالعواطف الإنسانية ويوجهها الوجهة الصحيحة. 7 - أنه لا ينافي العلم الصحيح، بل يأمر به، ويحث عليه. 8 - أنه يلبي حاجات الإنسان ويجمع بين مطالب الروح، والعقل، والجسد. 9 - أن الله تكفل لمن أخذ به بالسعادة والعزة والنصر، والتمكين فرداً كان أو جماعة، قال - تعالى -: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون [النحل:97]. وقال: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين [المنافقون:8]، وقال: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51]. وقال: وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ [الصافات:173]. 10 - أن فيه حلاً لجميع المشكلات، قال - تعالى -: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38]. 11 - اشتمال شريعة الإسلام بنصوصها وأصولها على أحكام ما لا يتناهى من الوقائع. 12 - أن شريعته أحكم ما تساس به الأمم، وأصلح ما يقضى به عند التباس المصالح، أو التنازع في الحقوق. 13 - عموم الإسلام وصلاحه لكل زمان، ومكان، وأمة، بل لا تصلح الأحوال إلا به. 14 - أنه دين المحبة، والاجتماع، والألفة والرحمة. 15 - أنه دين العمل، والجد، والحزم. ¬

(¬1) ((الإسلام والحضارة الغربية)) د. محمد محمد حسين (183 - 184).

16 - أنه أبعد ما يكون عن التناقض وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيرا [النساء:82]. 17 - أنه يحمي معتنقيه من الفوضى، والضياع والتخبط، ويكفل لهم الراحة النفسية والفكرية. 18 - أنه يزكي العلوم والعقول، والنفوس والأخلاق. وبالجملة فهو دين الكمال والرفعة، ودين الهداية والسمو؛ فهو يهدي العقول إلى ما تغفل أو تقصر عنه من وجوه الإصلاح، وهو الذي يقوي عزم الإنسان على القيام بالأعمال الجليلة، ويحثه على أن يتحرى بأعماله غاية ما يستطيع من الاتقان. وإذا رأينا من المنتمين إليه، وهناً في العزم، أو صغراً في الهمة، أو انحرافاً عن سواء السبيل - فالدين بريء من تبعة هذه النقائص، وإنما تبعتها على أصحابها. ورحم الله الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي إذ يقول: إنما مكنت للإسلام طبيعته ويسره، ولطف مدخله على النفوس، وملاءمته للفطر والأذواق، والعقول. ولو بقي الإسلام على روحانيته القوية، ونورانيته المشرقة، ولو لم يفسده أهله بما أدخلوه عليه من بدع، وشانوه به من ضلال - لطبَّق الخافقين، ولجمع أبناءه على القوة والعزة، والسيادة حتى يملكوا به الكون كله (¬1). ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 471 ¬

(¬1) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (7/ 246).

المطلب السابع والخمسون: الداروينية

أولا: التعريف تنتسب الحركة الفكرية الداروينية إلى الباحث الإنجليزي شارلز داروين الذي نشر كتابه أصل الأنواع سنة 1859م الذي طرح فيه نظريته في النشوء والارتقاء مما زعزع القيم الدينية، وترك آثاراً سلبية على الفكر العالمي. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات - شارلز داروين: صاحب هذه المدرسة ولد في 12 فبراير 1809م وهو باحث إنجليزي نشر في سنة 1859م كتابه أصل الأنواع، وقد ناقش فيه نظريته في النشوء والارتقاء معتبراً أصل الحياة خلية كانت في مستنقع آسن قبل ملايين السنين. وقد تطورت هذه الخلية ومرت بمراحل منها، مرحلة القرد، انتهاء بالإنسان، وهو بذلك ينسف الفكرة الدينية التي تجعل الإنسان منتسباً إلى آدم وحواء ابتداء. - آرثر كيت: دارويني متعصب، يعترف بأن هذه النظرية لا تزال حتى الآن بدون براهين فيضطر إلى كتابتها من جديد وهو يقول: "إن نظرية النشوء والارتقاء لا زالت بدون براهين، وستظل كذلك، والسبب الوحيد في أننا نؤمن بها هو أن البديل الوحيد الممكن لها هو الإيمان بالخلق المباشر وهذا غير وارد على الإطلاق". - جليان هكسلي: دارويني ملحد، ظهر في القرن العشرين، وهو الذي يقول عن النظرية: - "هكذا يضع علم الحياة الإنسان في مركز مماثل لما أنعم به عليه كسيد للمخلوقات كما تقول الأديان". - "من المسلَّم به أن الإنسان في الوقت الحاضر سيد المخلوقات ولكن قد تحل محله القطة أو الفأر". - ويزعم أن الإنسان قد اختلق فكرة الله إبان عصر عجزه وجهله، أما الآن فقد تعلم وسيطر على الطبيعة بنفسه، ولم يعد بحاجة إليه، فهو العابد والمعبود في آنٍ واحد. - يقول: "بعد نظرية داروين لم يعد الإنسان يستطيع تجنب اعتبار نفسه حيواناً". ليكونت دي نوى: من أشهر التطوريين المحدثين، وهو في الحقيقة صاحب نظرية تطورية مستقلة. د. هـ. سكوت: دارويني شديد التعصب، يقول: "إن نظرية النشوء جاءت لتبقى، ولا يمكن أن نتخلى عنها حتى لو أصبحت عملاً من أعمال الاعتقاد". برتراند راسل: فيلسوف ملحد، يشيد بالأثر الدارويني مركزاً على الناحية الميكانيكية في النظرية، فيقول: "إن الذي فعله جاليليو ونيوتن من أجل الفلك فعله داروين من أجل علم الحياة". ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

ثالثا: الأفكار والمعتقدات

ثالثا: الأفكار والمعتقدات نظرية داروين: تدور هذه النظرية حول عدة أفكار وافتراضات هي: - تفترض النظرية تطور الحياة في الكائنات العضوية من السهولة وعدم التعقيد إلى الدقة والتعقيد. - تتدرج هذه الكائنات من الأحط إلى الأرقى. - الطبيعة وهبت الأنواع القوية عوامل البقاء والنمو والتكيف مع البيئة لتصارع الكوارث وتتدرج في سلم الرقي مما يؤدي إلى تحسن نوعي مستمر ينتج عنه أنواع راقية جديدة كالقرد، وأنواع أرقى تتجلى في الإنسان، بينما نجد أن الطبيعة قد سلبت تلك القدرة من الأنواع الضعيفة فتعثرت وسقطت وزالت. وقد استمد داروين نظريته هذه من قانون الانتقاء الطبيعي لمالتوس. - الفروق الفردية داخل النوع الواحد تنتج أنواعاً جديدة مع مرور الأحقاب الطويلة. - الطبيعة تعطي وتحرم بدون خطة مرسومة، بل خبط عشواء، وخط التطور ذاته متعرج ومضطرب لا يسير على قاعدة مطردة منطقية. - النظرية في جوهرها فرضية بيولوجية أبعد ما تكون عن النظريات الفلسفية. - تقوم النظرية على أصلين كل منهما مستقل عن الآخر: 1 - المخلوقات الحية وجدت في مراحل تاريخية متدرجة ولم توجد دفعة واحدة وهذا الأصل من الممكن البرهنة عليه. 2 - هذه المخلوقات متسلسلة وراثيًّا ينتج بعضها عن بعض بطريقة التعاقب خلال عملية التطور البطيئة الطويلة. وهذا الأصل لم يتمكنوا من البرهنة عليه حتى الآن لوجود حلقة أو حلقات مفقودة في سلسلة التطور الذي يزعمونه. - تفترض النظرية أن كل مرحلة من مراحل التطور أعقبت التي قبلها بطريقة حتمية، أي أن العوامل الخارجية هي التي تحدد نوعية هذه المرحلة، أما خط سيرها ذاته بمراحله جميعها فهو خط مضطرب لا يسعى إلى غاية مرسومة أو هدف بعيد لأن الطبيعة التي أوجدته غير عاقلة ولا واعية، بل إنها تخبط خبط عشواء. الآثار التي تركتها النظرية: - قبل ظهور النظرية كان الناس يدعون إلى حرية الاعتقاد بسبب الثورة الفرنسية، ولكنهم بعدها أعلنوا إلحادهم الذي انتشر بطريقة عجيبة وانتقل من أوروبا إلى بقاع العالم. - لم يعد هناك أي معنى لمدلول كلمة: آدم، وحواء، الجنة، الشجرة التي أكل منها آدم وحواء، الخطيئة (حسب اعتقاد النصارى بأن المسيح قد صلب ليخلص البشرية من أغلال الخطيئة الموروثة التي ظلت ترزح تحتها من وقت آدم إلى حين صلبه). - سيطرة الأفكار المادية على عقول الطبقة المثقفة وأوحت كذلك بمادية الإنسان وخضوعه لقوانين المادة. - تخلت جموع غفيرة من الناس عن إيمانها بالله تخليًّا تامًّا أو شبه تام. - عبادة الطبيعة، فقد قال داروين: "الطبيعة تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق". ولكن لم يبين ما هي الطبيعة وما الفرق بين الاعتقاد بوجود الله الخالق ووجود الطبيعة؟ وقال: إن تفسير النشوء والارتقاء بتدخل الله هو بمثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة في وضع ميكانيكي بحت. - لم يعد هناك جدوى من البحث في الغاية والهدف من وجود الإنسان لأن داروين قد جعل بين الإنسان والقرد نسباً، بل زعم أن الجد الحقيقي للإنسان هو خلية صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين. - أهملت العلوم الغربية بجملتها فكرة الغائية بحجة أنها لا تهم الباحث العلمي ولا تقع في دائرة علمه. - استبد بالناس شعور باليأس والقنوط والضياع وظهرت أجيال حائرة مضطربة ذات خواء روحي، حتى أن القرد – جدهم المزعوم – أسعد حالاً من كثير منهم. - طغت على الحياة فوضى عقائدية، وأصبح هذا العصر عصر القلق والضياع.

كانت نظرية داروين إيذاناً لميلاد نظرية فرويد في التحليل النفسي، ونظرية برجسون في الروحية الحديثة، ونظرية سارتر في الوجودية، ونظرية ماركس في المادية، وقد استفادت هذه النظريات جميعاً من الأساس الذي وضعه داروين واعتمدت عليه في منطلقاتها وتفسيراتها للإنسان والحياة والسلوك. (فكرة التطور) أوحت بحيوانية الإنسان، و (تفسير عملية التطور) أوحت بماديته. نظرية التطور البيولوجية انتقلت لتكون فكرة فلسفية داعية إلى التطور المطلق في كل شيء، تطور لا غاية له ولا حدود، وانعكس ذلك على الدين والقيم والتقاليد، وساد الاعتقاد بأن كل عقيدة أو نظام أو خلق هو أفضل وأكمل من غيره، مادام تالياً له في الوجود الزمني. استمد ماركس من نظرية داروين مادية الإنسان وجعل مطلبه في الحياة ينحصر في الحصول على (الغذاء والسكن والجنس) مهملاً بذلك جميع العوامل الروحية لديه. استمد فرويد من نظرية داروين حيوانية الإنسان فالإنسان عنده حيوان جنسي، لا يملك إلا الانصياع لأوامر الغريزة وإلا وقع فريسة الكبت المدمر للأعصاب. استمد دور كايم من نظرية داروين حيوانية الإنسان وماديته وجمع بينهما بنظرية العقل الجمعي. استفاد برتراند راسل من ذلك بتفسيره لتطور الأخلاق الذي تطور عنده من المحرم (التابو) إلى أخلاق الطاعة الإلهية ومن ثم إلى أخلاق المجتمع العلمي. والتطور عند فرويد أصبح مفسِّراً للدين تفسيراً جنسيًّا: "الدين هو الشعور بالندم من قتل الأولاد لأبيهم الذي حرمهم من الاستمتاع بأمهم ثم صار عبادة للأب، ثم عبادة الطوطم، ثم عبادة القوى الخفية في صورة الدين السماوي، وكل الأدوار تنبع وترتكز على عقدة أوديب". · دور اليهود والقوى الهدامة في نشر هذه النظرية: لم يكن داروين يهوديًّا، بل كان نصرانيًّا، ولكن اليهود والقوى الهدامة وجدوا في هذه النظرية ضالتهم المنشودة فعملوا على استغلالهم لتحطيم القيم في حياة الناس. - تقول بروتوكولات حكماء صهيون: "لا تتصوروا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء ولاحظوا هنا أن نجاح داروين وماركس ونيتشه قد رتبناه من قبل، والأثر غير الأخلاقي لاتجاهات هذه العلوم في الفكر الأممي سيكون واضحاً لنا على التأكيد". · نقدها: - نقدها آغاسيرز في إنجلترا، وأوين في أمريكا: "إن الأفكار الداروينية مجرد خُرافة علمية وأنها سوف تنسى بسرعة". ونقدها كذلك العالم الفلكي هرشل ومعظم أساتذة الجامعات في القرن الماضي. - كريسي موريسون: "إن القائلين بنظرية التطور لم يكونوا يعلمون شيئاً عن وحدات الوراثة (الجينات) وقد وقفوا في مكانهم حيث يبدأ التطور حقاً، أعني عند الخلية". - أنتوني ستاندن صاحب كتاب العلم بقرة مقدسة يناقش الحلقة المفقودة وهي ثغرة عجز الداروينيون عن سدها فيقول: "إنه لأقرب من الحقيقة أن تقول: إن جزءً كبيراً من السلسلة مفقودة وليس حلقة واحدة، بل إننا لنشك في وجود السلسلة ذاتها". - ستيوارت تشيس: "أيد علماء الأحياء جزئيًّا قصة آدم وحواء كما ترويها الأديان، وأن الفكرة صحيحة في مجملها". - أوستن كلارك: "لا توجد علامة واحدة تحمل على الاعتقاد بأن أياً من المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر من غيرها، إن كل مرحلة لها وجودها المتميز الناتج عن عملية خلق خاصة متميزة، لقد ظهر الإنسان على الأرض فجأة وفي نفس الشكل الذي تراه عليه الآن". - أبطل باستور أسطورة التوالد الذاتي، وكانت أبحاثه ضربة قاسية لنظرية داروين. الداروينية الحديثة: - اضطرب أصحاب الداروينية الحديثة أمام النقد العلمي الذي وجه إلى النظرية، ولم يستطيعوا أمام ضعفها إلا أن يخرجوا بأفكار جديدة تدعيماً لها وتدليلاً على تعصبهم الشديد حيالها فأجروا سلسلة من التبديلات منها: - إقرارهم بأن قانون الارتقاء الطبيعي قاصر عن تفسير عملية التطور واستبدلوا به قانوناً جديداً أسموه قانون التحولات المفاجئة أو الطفرات، وخرجوا بفكرة المصادفة. - أرغموا على الاعتراف بأن هناك أصولاً عدة تفرعت عنها كل الأنواع وليس أصلاً واحداً كما كان سائداً في الاعتقاد. - أجبروا على الإقرار بتفرد الإنسان بيولوجياً رغم التشابه الظاهري بينه وبين القرد، وهي النقطة التي سقط منها داروين ومعاصروه. - كل ما جاء به أصحاب الداروينية الحديثة ما هو إلا أفكار ونظريات هزيلة أعجز من أن نستطيع تفسير النظام الحياتي والكوني الذي يسير بدقة متناهية بتدبير الحكيم (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى). ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية لقد عرفت هذه الفكرة قبل داروين، وقد لاحظ العلماء أن الأنواع المتأخرة في الظهور أكثر رقياً من الأنواع المتقدمة ومن هؤلاء: رأي باكنسون، لينو. قالوا: "بأن التطور خطة مرسومة فيها رحمة للعالمين"، ولكن نظريتهم وصفت بأنها لاهوتية فنسيت داخل معامل الأحياء. استوحى داروين نظريته من علم دراسة السكان، ومن نظرية مالتوس بالذات، فقد استفاد من قانونه في الانتخاب أو الانتقاء الذي يدور حول إفناء الطبيعة للضعفاء لمصلحة الأقوياء. استفاد من أبحاث ليل الجيولوجية حيث تمكن من صياغة نظرية ميكانيكية للتطور. صادفت هذه النظرية جواً مناسباً إذ كان ميلادها بعد زوال سلطان الكنيسة والدين، وبعد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية حيث كانت النفوس مهيأة لتفسير الحياة تفسيراً ماديًّا بحتاً، ومستعدة لتقبل أي طرح فكري يقودها إلى مزيد من الإلحاد والبعد عن التفسيرات اللاهوتية، مصيبة كانت أم مخطئة. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ

خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ بدأت الداروينية سنة 1859م، وانتشرت في أوروبا، وانتقلت بعدها إلى جميع بقاع العالم، وما تزال هذه النظرية تدرّس في كثير من الجامعات العالمية، كما أنها قد وجدت أتباعاً لها في العالم الإسلامي بين الذين تربوا تربية غربية، ودرسوا في جامعات أوروبية وأمريكية. والواقع أن تأثير نظرية داروين قد شمل معظم بلدان العالم كما شمل معظم فروع المعرفة الإنسانية من علمية وأدبية وغيرها. ولم يوجد في التاريخ البشري نظرية باطلة صبغت مناحي الفكر الغربي كما فعلت نظرية النشوء والارتقاء الداروينية. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الخلاصة

الخلاصة أن نظرية داروين دخلت متحف النسيان بعد كشف النقاب عن قانون مندل الوراثي واكتشاف وحدات الوراثة (الجينات) باعتباره الشفرة السرية للخلق واعتبار أن الكروموسومات تحمل صفات الإنسان الكاملة وتحفظ الشبه الكامل للنوع. ولذا يرى المنصفون من العلماء أن وجود تشابه بين الكائنات الحية دليل واضح ضد النظرية لأنه يوحي بأن الخالق واحد ولا يوحى بوحدة الأصل، والقرآن الكريم يقرر بأن مادة الخلق الأولى للكائنات هي الماء وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء [النور:45] وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ. [الأنبياء:30]. وقد أثبت العلم القائم على التجربة بطلان النظرية بأدلة قاطعة وأنها ليست نظرية علمية على الإطلاق. والإسلام وكافة الأديان السماوية تؤمن بوجود الله الخالق البارئ المدبر المصور الذي أحسن صنع كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من سلالة من طين ثم خلقه من نطفة في قرار مكين، والإنسان يبقى إنساناً بشكله وصفاته وعقله لا يتطور ولا يتحول وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات: 21]. ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

مراجع للتوسع

مراجع للتوسع - أصل الأنواع، تشارلز داروين - ترجمة إسماعيل مظهر - بيروت 1973م. - سلسلة تراث الإنسانية، مجموعة من الأساتذة - الهيئة العامة للكتاب مصر. - الطريق الطويل للإنسان، روبرت ل. ليرمان - ترجمة ثابت جرجس بيروت - 1973م. - معركة التقاليد، محمد قطب - مصر. - العلم وأسراره وخفاياه، هارولد شابلي وزميلاه - ترجمة الفندي وزميله - مصر 1971م. - تاريخ العالم، جمع جون أ. هخامرتن - ترجمة إدارة الترجمة - مصر. - مصير الإنسان، ليكونت دي نوي - ترجمة خليل الجر - المنشورات العربية - الديناميكا الحرارية، د. إبراهيم الشريف - مصر 1970م. - العلم يدعو إلى الإيمان، كريس موريسون - ترجمة محمود صالح الفلكي - مصر 1962م. - العلمانية، سفر بن عبد الرحمن الحوالي - مكة المكرمة 1402/ 1982م. - الإنسان والعلاقات البشرية، ستيوارت تشيس - ترجمة أحمد حمودة مصر 1955م. - معالم تاريخ الإنسانية، هـ. ج. ويلز - ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد - القاهرة - 1967م. - نظرية داروين بين مؤيديها ومعارضيها، قيس القرطاس - بيروت - 1391هـ. - التطور والثبات، محمد قطب. - اللامنتمي، كولن ولسون - ترجمة أنيس زكي حسن - بيروت 1958م. - أثر العلم في المجتمع، برتراند راسل - ترجمة تمام حسان - مصر. - منازع الفكر الحديث، تأليف حود - ترجمة عباس فضلي - العراق 1375هـ. - الإنسان بين المادية والإسلام، محمد قطب - مصر 1957م. - العقل والدين، وليم جيمس - ترجمة محمود حسب الله - مصر 1368هـ. - العقل والمادة، برتراند راسل - ترجمة أحمد إبراهيم الشريف - القاهرة - 1975م. - مذهب النشوء والارتقاء، منيرة علي القادياني - تقديم محمد البهي- مصر 1395هـ. - بروتوكولات حكماء صهيون، ترجمة محمد خليفة التونسي - مصر. - معالم التحليل النفسي، سيجموند فرويد- ترجمة عثمان نجاتي القاهرة 1966م. - ما أصل الإنسان، موريس بوكاي (إصدار مكتب التربية العربية لدول الخليج). ¤الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

§1/1