نوازل الزكاة
الغفيلي، عبد الله بن منصور
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
نَوَازِلُ الزَّكَاةِ
طُبِعَ عَلَى نَفَقَةِ وَزَارَة الأَوْقَافِ وَالشُّؤُونِ الإِسْلَامِيَّة إِدَارة الشُّؤُون الإِسْلاميَّةِ - دَوْلَة قَطَر الطَّبعة الأُولى الدوحة 1430 هـ - 2009 م © حقوق الطّبع مَحْفُوظَة الميمان دار الميمان للنشر والتوزيع الرياض: هاتف: 14627336 (966) + & فاكس: 14612163 (966) + القاهرة: هاتف: 27949370 (202) + & فاكس: 27962730 (202) + بريد إلكتروني: [email protected] الموقع: WWW.arabia-it.com
أصل هذا الكتاب رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه في الفقه من كلية الشريعة بالرياض بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد نوقشت من اللجنة المكونة من: أ. د: صالح بن عثمان الهليل مشرفًا أ. د: عبد الله بن محمد الطيار مناقشًا أ. د: مساعد بن قاسم الفالح مناقشًا وقد أوصت اللجنة بمنح الباحث درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى، وذلك في 20/ 5 / 1428 هـ.
مقدمة
مقدمة الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشكره شكر عبد معترف بالتقصير عن شكر نعمه وأفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًّا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإنَّ الله خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وفرض عليهم فرائض عظيمة، منها فريضة الزكاة، وهي أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، تميزت بأحكام جليلة، ومسائل كثيرة، تتجدد صورها، وتتنوع وقائعها، مع تغير المعاملات المالية، وتطورات الحياة المادية، مما يستدعي العناية ببحث مستجدات هذه الفريضة العظيمة، وبيان أحكامها، فما كان مني إلا أن استعنت بالله، وخضت غمار البحث في نوازل الزكاة متطلّبًا الفائدةَ من مظانِّها، فألفيتُ تلك النوازل كثيرةَ الأصداف، متراميةَ الأطراف، ذاتَ غَوْرٍ بعيد، تستدعي الجهد الجهيد، فاجتهدت في بحثها، ولملمة شعثها، وحاولت - ما أمكن - العنايةَ بتأصيل النوازل، وتجنب الاستغراق في تفصيلات تطبيقاتها؛ لأن ذلك يحتاج إلى خوض العلوم الأخرى من اقتصاد ومحاسبة، فكان التركيز على التأصيل الفقهي دون التفاصيل التي يطول معها البحث، وينقطع بها نَفَس الباحث، لا سيما مع طول الرسالة وكثرة مسائلها الفقهية.
التعريف بالموضوع وبيان أهميته
وإن مما يجدر بيانه في هذه المقدمة الأمور التالية: التعريف بالموضوع وبيان أهميته: يُعنى البحث في هذا الموضوع بما يتعلق بفريضة الزكاة من مستجدات وقضايا واقعة طرأت على الناس ولم تكن في العصور السابقة، أو كانت موجودة إلا أنّه استجد ما يستدعي إعادة الاجتهاد فيها. وتتجلّى أهمية الموضوع في كونه متعلقًا بأحد أركان الإسلام ومبانيه العظام وهو الزكاة، وتتأكّد تلك الأهمية مع تجدد النوازل والقضايا المعاصرة والحاجة الماسة لمعرفة أحكامها الشرعية. أسباب اختيار الموضوع: 1 - أهمية الموضوع، وعظيم الفائدة العلمية المترتبة على بحثه لتعلقه بفريضة الزكاة، واتِّصاله بكثير من المعاملات الماليّة المعاصرة. 2 - رغبتي الجادَّة في بحث هذا الموضوع، النَّابعة من أهميّته، وإشارة كثير من أهل العلم عليَّ ببحثه. 3 - حاجة الموضوع إلى تحرير كثير من قضاياه المعاصرة ودراستها، وبيان الحكم الشرعي فيها. 4 - أنَّ كثيرًا من نوازل الزكاة - وإن بُحِثَتْ - تظل متفرقة بين الكتب والمجلات العلمية، مما تحتاج معه إلى جمع وتأليف وتحرير، وجَمْعُ المتفرق من مقاصد التأليف. 5 - أنّ بحث تلك النوازل يعتبر إسهامًا فاعلًا في سد الحاجة في المكتبة الفقهية.
6 - أثر فريضة الزكاة في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمجتمعات المسلمة؛ مما يدفع الباحثين لدراستها، وتقديم الحلول الشرعية للمشكلات التي تحول دون تطبيق الزكاة، وتفعيلها في المجتمعات المسلمة. 7 - حاجة كثير من أصحاب الأموال إلى بيان أحكام زكاة أموالهم، لاسيما مع كثرة المعاملات المالية المعاصرة. 8 - أنّ بحث النوازل ودراستها من أبواب حفظ الشريعة، وبيان صلاحيتها لكل زمان ومكان، وهو من المقاصد الشّرعية المهمَّة. ***
خطة البحث
خطة البحث تشتمل خطة البحث على مقدمة وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة. أما المقدمة: فتتكون من التعريف بالموضوع وبيان أهميته، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، ومنهج البحث، وخطته. وأما التمهيد ففيه خمسة مطالب: المطلب الأول: تعريف النوازل وبيان ضابطها. المطلب الثاني: الألفاظ ذات الصلة بالنوازل. المطلب الثالث: أثر النوازل في تغيير الاجتهاد. المطلب الرابع: تعريف الزكاة، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف الزكاة لغةً. المسألة الثانية: تعريف الزكاة اصطلاحًا. المطلب الخامس: مكانة الزكاة في الإسلام والمقاصد الشرعية منها، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: مكانة الزكاة في الإسلام. المسألة الثانية: المقاصد الشرعية من فريضة الزكاة.
الفصل الأول: النوازل في شروط الزكاة وفيه مبحثان: المبحث الأول: النوازل في ملك النصاب، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تأثير الديون الاستثمارية والإسكانية في بلوغ النصاب، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: منع الدَّيْن للزكاة في مال المدين. المسألة الثانية: تأثير الديون الاستثمارية المؤجلة في بلوغ النصاب. المسألة الثالثة: تأثير الديون الإسكانية المؤجلة في بلوغ النصاب. المطلب الثاني: أثر التَّضَخُّم النقدي في بلوغ النصاب، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: المراد بالتَّضَخُّم النقدي. المسألة الثانية: أثر التَّضَخُّم النقدي في بلوغ النصاب. المبحث الثاني: النوازل في الحول. وفيه مطلب: في اعتبار الزكاة بالحول الشمسي. الفصل الثاني: النوازل فيما يجب إخراجه من الأموال الزكوية وفيه ستة عشر مبحثًا: المبحث الأول: زكاة الزروع والثمار والماشية، وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: مقدار نصاب الزروع والثمار بالمقاييس الحديثة، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: مقدار نصاب الزروع والثمار بالمقاييس القديمة.
المسألة الثانية: مقدار نصاب الزروع والثمار بالمقاييس الحديثة. المطلب الثاني: المقدار الواجب إخراجه من زكاة فيما يُسقى بالآلات الحديثة. المطلب الثالث: زكاة الثمار المعدة للتجارة. المطلب الرابع: زكاة الحيوانات المتخذة للاتِّجار بنتاجها كالألبان ونحوها. المبحث الثاني: زكاة المصانع ومواد التصنيع، وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: حكم زكاة المصانع. المطلب الثاني: زكاة السلع المصنعة. المطلب الثالث: زكاة المواد الخام. المطلب الرابع: زكاة المواد المساعدة في التصنيع. المبحث الثالث: زكاة الأوراق النقدية، وفيه مطلبان: المطلب الأول: حقيقة الورق النقدي. المطلب الثاني: نصاب الورق النقدي. المبحث الرابع: زكاة الحساب الجاري، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تكييف الحساب الجاري. المطلب الثاني: زكاة الحساب الجاري. المبحث الخامس: زكاة أسهم الشركات، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: المراد بأسهم الشركات. المطلب الثاني: كيفية إخراج زكاة الأسهم. المطلب الثالث: الجهة الواجب عليها إخراج الزكاة. المبحث السادس: زكاة الشركات المتعددة الجنسيات، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المراد بالشركات المتعددة الجنسيات. المطلب الثاني: زكاة الشركات المتعددة الجنسيات. المبحث السابع: زكاة السندات، وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بالسندات. المطلب الثاني: زكاة السندات. المبحث الثامن: زكاة الصناديق الاستثمارية، وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بالصناديق الاستثمارية. المطلب الثاني: زكاة الصناديق الاستثمارية. المبحث التاسع: زكاة المال العام، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: المراد بالمال العام. المطلب الثاني: زكاة المال العام. المطلب الثالث: تطبيقات معاصرة لزكاة المال العام، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: زكاة الشركات التي تمتلكها الدولة. المسألة الثانية: زكاة نصيب الدولة في الشركات الاستثمارية. المبحث العاشر: زكاة مال التأمين، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف التأمين وأنواعه، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف التأمين. المسألة الثانية: أنواع التأمين. المطلب الثاني: زكاة مال التّأمين، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: زكاة مال التأمين التجاري.
المسألة الثانية: زكاة مال التأمين التعاوني. المسألة الثالثة: زكاة مال التأمين الاجتماعي. المبحث الحادي عشر: زكاة مكافأة نهاية الخدمة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بمكافأة نهاية الخدمة، وتكييفها، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: المراد بمكافأة نهاية الخدمة. المسألة الثانية: تكييف مكافأة نهاية الخدمة. المطلب الثاني: زكاة مكافأة نهاية الخدمة. المبحث الثاني عشر: زكاة الراتب الشهري. المبحث الثالث عشر: زكاة الحقوق المعنوية، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف الحقوق المعنوية، وأنواعها، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف الحقوق المعنوية. المسألة الثانية: أنواع الحقوق المعنوية. المطلب الثاني: تكييف الحقوق المعنوية. المطلب الثالث: زكاة الحقوق المعنوية. المبحث الرابع عشر: زكاة مال الإجارة المنتهية بالتمليك، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: التعريف الإفرادي، وفيها فرعان: الفرع الأول: تعريف الإجارة. الفرع الثاني: تعريف التمليك. المسألة الثانية: تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك باعتباره مركبًا.
المطلب الثاني: زكاة مال الإجارة المنتهية بالتمليك. المبحث الخامس عشر: زكاة مال الاستصناع. المطلب الأول: تعريف الاستصناع. المطلب الثاني: زكاة مال الاستصناع. المبحث السادس عشر: حكم احتساب الضريبة من الزكاة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الضرائب وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينها وبين الزكاة، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف الضرائب. المسألة الثانية: بيان أوجه الاتفاق والاختلاف بين الضريبة وبين الزكاة. المطلب الثاني: حكم احتساب الضريبة من الزكاة. الفصل الثالث: النوازل في مصارف الزكاة وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: مصرف الفقراء والمساكين، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: قدر الغنى المانع من أخذ الزكاة. المطلب الثاني: مقدار ما يعطاه الفقير والمسكين. المطلب الثالث: تطبيقات معاصرة لمصرف الفقراء والمساكين، وفيه خمس مسائل: المسألة الأولى: صرف الزكاة لحفر الآبار للفقراء. المسألة الثانية: صرف الزكاة لبناء أو شراء بيت للفقراء والمساكين.
المسألة الثالثة: صرف الزكاة في دفع قيمة التكاليف الدراسية للطلبة الفقراء. المسألة الرابعة: صرف الزكاة لتزويج الفقراء. المسألة الخامسة: صرف الزكاة لعلاج الفقراء. المبحث الثاني: مصرف العاملين على الزكاة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بالعاملين على الزكاة. المطلب الثاني: تطبيقات معاصرة للعاملين على الزكاة، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: صرف الزكاة من سهم العاملين عليها للموظفين في المؤسسات الزكوية. المسألة الثانية: صرف الزكاة من سهم العاملين عليها للنساء العاملات في المؤسسات الزكوية. المسألة الثالثة: صرف الزكاة من سهم العاملين عليها للقائمين على استثمار أموال الزكاة. المبحث الثالث: مصرف المؤلفة قلوبهم، وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بالمؤلفة قلوبهم، وحكم صرف الزكاة لهم، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: المراد بالمؤلفة قلوبهم. المسألة الثانية: حكم صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. المطلب الثاني: تطبيقات معاصرة لمصرف المؤلفة قلوبهم، وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: إعطاء الكافر من سهم المؤلفة قلوبهم، ليدفع المخاطر عن المسلمين.
المسألة الثانية: صرف سهم المؤلفة قلوبهم في إيجاد مؤسسات لرعاية المسلمين الجدد. المسألة الثالثة: إعطاء رؤساء الدول الفقيرة والقبائل الكافرة من الزكاة، لتأليف قلوبهم للإسلام. المسألة الرابعة: صرف سهم المؤلفة قلوبهم في القيام بحملات دعائية لتحسين صورة الإسلام والمسلمين. المبحث الرابع: مصرف الرقاب، وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بمصرف الرقاب. المطلب الثاني: تطبيقات معاصرة لمصرف الرقاب، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: صرف الزكاة من سهم الرقاب لفكاك الأسرى المسلمين. المسألة الثانية: صرف الزكاة من سهم الرقاب لفكاك الشعوب المسلمة المحتلة من الكافرين. المبحث الخامس: مصرف ((في سبيل الله))، وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بمصرف الزكاة ((في سبيل الله)). المطلب الثاني: تطبيقات معاصرة لمصرف ((في سبيل الله)). المبحث السادس: مصرف ابن السبيل، وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بابن السبيل. المطلب الثاني: تطبيقات معاصرة لابن السبيل، وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: المُبْعَدون عن بلادهم التي بها أموالهم. المسألة الثانية: المحرومون من المأوى في بلادهم لظروفهم المعيشية الصعبة.
المسألة الثالثة: المغتربون عن أوطانهم لطلب العلم أو العمل. المسألة الرابعة: المسافرون لمصلحة عامة يعود نفعها للمسلمين. الفصل الرابع: استثمار أموال الزكاة وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: استثمار أموال الزكاة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: استثمار أموال الزكاة من قِبَلِ مالك المال أو وكيله، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: حكم تأخير إخراج الزكاة. المسألة الثانية: حكم استثمار أموال الزكاة من قبل المالك. المسألة الثالثة: حكم استثمار أموال الزكاة من قبل وكيل مالك المال. المطلب الثاني: استثمار أموال الزكاة من قِبَلِ الإمام أو نائبه. المبحث الثاني: تكاليف استثمار أموال الزكاة. المبحث الثالث: زكاة مال الزكاة المستثمر. الفصل الخامس: نوازل زكاة الفِطر وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: توكيل الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية لإخراجها. المبحث الثاني: إخراج القيمة في زكاة الفطر. المبحث الثالث: حكم نقل زكاة الفطر للبلدان البعيدة. المبحث الرابع: صرف المؤسسة الزكوية لزكاة الفطر بالمبالغ المتوقعة قبل استلامها لها.
طريقة دراسة المسائل
وفيه مسألتان: المسألة الأولى: حكم اشتراط النية في أداء الزكاة. المسألة الثانية: حكم إخراج زكاة الفطر من أول شهر رمضان أو وسطه. الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج والتوصيات. الفهارس: وتشتمل على فهرس للمراجع والموضوعات. طريقة دراسة المسائل تتم دراسة المسائل على النحو التالي: 1 - تصوير المسألة المرادِ بحثُها قبل بيان حكمها؛ ليتّضح المقصود من دراستها. 2 - ذِكْرُ الحُكم بدليله إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق، مع توثيق الاتّفاق من مظانه المعتبرة. 3 - إذا كانت المسألة من مسائل الخلاف، أَتَّبع ما يلي: أ - تحرير محل الخلاف، إذا كانت بعض صور المسألة محل خلاف، وبعضها محل اتفاق. ب - ذِكْرُ الأقوال في المسألة، وبيان مَن قال بها من أهل العلم، ويكون عرض الخلاف حسب الاتّجاهات. ج - الاقتصار على المذاهب الفقهية الأربعة، مع العناية بذكر ما تيسر الوقوف عليه من أقوال السلف الصالح، وإذا لم أقف على المسألة في مذهب ما، أسلك بها مسلك التخريج.
د - توثيق الأقوال من كتب أهل المذهب نفسه. هـ - جمع أدلة الأقوال، مع بيان وجه الدلالة، وذكر ما يَرِدُ عليها من مناقشات، وما يجاب به عنها إن كان ثَمّ إجابة. و- التّرجيح، مع بيان سببه، وذكر ثمرة الخلاف إن وُجِدَت. 4 - الاعتماد على أمهات المصادر والمراجع الأصلية في التّحرير والتّوثيق والتّخريج والجمع. 5 - التّركيز على موضوع البحث وتجنب الاستطراد، وإن اقتضى البحث ذكر مسائل غير نازلة؛ فإن بحثها يكون مختصرًا بقدر الحاجة. 6 - العناية بضرب الأمثلة، خاصةً الواقعية. 7 - تجنب ذكر الأقوال الشاذة. 8 - العناية بدراسة ما جَدّ من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث. 9 - ترقيم الآيات وعزوها إلى مواضعها من المصحف. 10 - تخريج الأحاديث وبيان ما ذَكَرَهُ أهل الشأن في درجتها - إن لم تكن في الصحيحين أو أحدهما - فإن كانت كذلك اكتفيتُ حينئذ بتخريجها. 11 - تخريج الآثار من مصادرها الأصلية، والحُكم عليها. 12 - التعريف بالمصطلحات وشرح الغريب. 13 - ترجمة الأعلام غير المشهورين والمعاصرين. 14 - العناية بقواعد اللغة العربية والإملاء وعلامات الترقيم.
15 - تكون الخاتمة عبارة عن ملخص للرسالة، يعطي فكرة واضحة عما تضمنته الرسالة، مع إبراز أهم النتائج. 16 - إِتْبَاعُ الرّسالة بفهارس للمصادر والموضوعات. وفي الختام فإني أحمد الله الكريم على تيسيره وتوفيقه، فقد كانت مسائل البحث كثيرة ونوازله جليلة، لكنَّ الله يسَّر وأعان، فهو أهل الفضل والامتنان، وله - جل وعلا - الشكر أوّله ومنتهاه، وأجلّه وأزكاه، ثم إنّي أشكر والِدَيَّ الكريمين على ما بذلاه لي من تربية وتوجيه؛ ففضلهما عليَّ كبير، وإحسانهما إليَّ كثير، وأسأل الله أن يجزيهما خير الجزاء، ويسبغ عليهما النّعماء، وأن يوفقني لبرِّهما والإحسان إليهما. وإني في مقام الوفاء أزجي الشكر والثناء إلى فضيلة شيخي المشرف على الرّسالة الأستاذ الدّكتور صالح بن عثمان الهليّل - حفظه الله - فقد غمرني بفضله وعلمه، منذ أن كان البحث فكرة، حتى أتمَّ الله أمره فكان نعم المرشد عِلمًا ومنهجًا وخُلقًا، ولم يأل جهدًا في النّصح والتّوجيه، والتّقييم والتّقويم، باذلًا وقته وعلمه، مع كثرة أعبائه العلمية والعملية، مما كان له الأثر الإيجابي الكبير على البحث والباحث، فأسأل الله أن يرفع قدره، ويجزل أجره، وببارك له في علمه وعمله. ولا يفوتني شكر كل من الأستاذ الدكتور عبد الله الطيار، والأستاذ الدكتور مساعد الفالح عضوي لجنة المناقشة على ما بذلاه من جهد في تقييم الرسالة وتقويمها، والشكر موصول لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على جهودها المباركة في نشر العلم والتعليم، وأخص كلِّيتها العريقة كلّية الشّريعة محضن هذا البحث وأمثاله من البحوث الفقهية والأصولية التي أَثْرَتِ المكتبة العلمية، جزى الله القائمين عليها خير الجزاء.
ويمتد حبل الشكر والعرفان لكل من أفاد وأعان في هذا البحث، لا حرم الله كل مجتهد أجره، وأسبغ عليه كرمه وفضله. ثم إني قد بذلت جهدي في هذا البحث، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وله الشكر والامتنان، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، ولا إخال تلك الدراسة لهذا الموضوع العظيم إلا بحاجة إلى استكمالها، وتحرير ما لم يحرر من مسائلها، وذلك من خلال تواصل القراء ونقدهم الهادف لكل ما يستدعي النقد والتقويم، سائلا المولى الكريم أن يبارك في البحث، ويغفر لكاتبه وقارئيه، وأن يجبر الزلل ويصلح العمل، ويجعله خالصا لوجهه الكريم، إنه سميع عليم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وكتبه عبد الله بن منصور الغفيلي ص. ب 271138 مدينة الرياض 11352 البريد الإلكتروني [email protected]
التمهيد
التمهيد وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: تعريف النوازل وبيان ضابطها المطلب الثاني: الألفاظ ذات الصلة بالنوازل المطلب الثالث: أثر النوازل في تغيير الاجتهاد المطلب الرابع: تعريف الزكاة المطلب الخامس: مكانة الزكاة في الإسلام والمقاصد الشرعية منها
المطلب الأول تعريف النوازل وبيان ضابطها
المطلب الأول تعريف النوازل وبيان ضابطها النوازل لغةً: جمع نازلة، وهي اسم فاعل من نزل، قال ابن فارس (¬1): "النون والزاي واللام كلمة صحيحة تدل على هبوط الشيء ووقوعه، وأكثر ما تطلق على نزول أمر فيه شِدَّة" (¬2). فهي تطلق على المصيبة الشديدة من شدائد الدهر التي تنزل بالناس. واصطلاحًا: لم أقف على تعريف للنوازل عند المتقدمين يصلح أن يكون حدًّا لها (¬3)، وأمّا المعاصرون فقد عرّفوا النوازل بعدة تعريفات منها: 1 - " الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد" (¬4). ومما يؤخذ عليه إخراج كثير من مسائل النوازل التي سبق فيها اجتهاد من المعاصرين. ¬
2 - "الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي".
ولذا فقد عرفت بتعريف أعم وهو: 2 - " الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي" (¬1). وعلى هذا الإطلاق كثير من الفقهاء والأصوليين المتقدمين (¬2) وقد يؤخذ عليه أن من الحوادث ما لا يكون جديدًا في حقيقته ولا صورته؛ إذ الحوادث لفظ عام يصدق على ما يحدث ويقع، ولذا فلو قيدت بالحادثة الجديدة لكان أدق، فيكون التعريف: "الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي". شرح التعريف: الحادثة الجديدة: هي ما يجدُّ من الوقائع والمسائل، وذلك بحصول الواقعة بعد أن لم تكن، أو بحدوث ما يستدعي إعادة الاجتهاد فيها. التي تحتاج إلى حكم شرعي: لإخراج الحوادث التي لا تحتاج إلى حكم شرعي، كالبراكين والزلازل ونحوها، أو الحوادث التي قد استقر الرأي فيها، واتفقوا على حكمها (¬3). ¬
ويتبين مما تقدم أن ضابط النازلة هو
ويتبين مما تقدم أن ضابط النازلة هو: كون المسألة حادثة على المجتمع تحتاج لبيان حكمها الشرعي، إما لكونها لم تبحث ويستقر الاجتهاد فيها قبل ذلك، أو لكونها بحثت واستجد ما يستدعي إعادة الاجتهاد فيها. ... ¬
المطلب الثاني الألفاظ ذات الصلة بالنوازل
المطلب الثاني الألفاظ ذات الصلة بالنوازل يستعمل الفقهاء ألفاظًا متعددة، منها ما يرادف النوازل، ومنها ما له صلة به، ومن تلك الألفاظ: 1 - الحوادث: جمع حادثة. قال الأزهري (¬1) -رحمه الله -: "الحدث من أحداث الدهر شبه النازلة" (¬2) ويطلقها كثير من الفقهاء والأصوليين على ما يجد من الوقائع التي تحتاج لحكم شرعي (¬3)، وهي بهذا المعنى مرادفة للنوازل، ولذا فقد عرفت اصطلاحا: بأنها الواقعة تحتاج إلى فتوى (¬4). 2 - الوقائع: جمع واقعة، قال في اللسان: "الواقعة: الداهية، والواقعة النازلة من صروف الدهر" (¬5) وهي اسم فاعل من وقع الأمر إذا حصل. ¬
3 - المستجدات
وتُطلق الوقائع عند الفقهاء على الحوادث التي تحتاج إلى استنباط حكم شرعي لها (¬1) وهي كالحوادث في كثرة استعمالها في معنى النوازل عند الفقهاء والأصوليين (¬2). كما تطلق الواقعات على الفتاوى المستنبطة للحوادث المستجدة (¬3) فتكون بهذا المعنى إطلاقًا على حكم النازلة، لا على النازلة ذاتها. 3 - المستجدات: جمع مستجدة، ويراد بها الوقائع الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي، وهي مرادفة للنوازل بهذا المعنى، ويكثر إطلاقها عند المعاصرين على النوازل المعاصرة (¬4). 4 - القضايا: جمع قضية، وتطلق القضية على الحكم، والأمر المتنازع عليه (¬5) وهي بمعنى المستجدات عند المعاصرين، فتكون مرادفة للنوازل (¬6). 5 - المسائل: جمع مسألة وهي مصدر سأل، وتكون عن القضية المطلوب ¬
6 - الفتاوى
بيانها (¬1) وعن الحادثة يُسْأَلُ عن حكمها الشرعي، ويستعملها المتقدمون في الدلالة على الفروع الفقهية التي تتطلب بيانًا لحكم الشرع، ولا تطلق على النوازل بمعناها الخاص المتقدم، إلا إذا دل الدليل عليها؛ لكونها أعم من النوازل، فهي تصدق على المسائل القديمة والجديدة والواقعة وغير الواقعة. 6 - الفتاوى: جمع فتوى وفتيا وهي إبانة الحكم (¬2) ويغلب إطلاق الفتوى اصطلاحًا: على الإخبار بحكم الشرع لمن سأل عنه (¬3) ومنه يتبين أن بين الفتوى والنوازل فروقًا؛ فالفتوى هي الحكم، والنازلة هي المحل، كما أن الفتوى تشمل الجواب عن المسائل القديمة والجديدة والواقعة والمفترضة، بخلاف النوازل، فإنما هي الوقائع الجديدة (¬4). ... ¬
المطلب الثالث أثر النوازل في تغير الإجتهاد
المطلب الثالث أثر النوازل في تغير الإجتهاد (¬1) يتغير الاجتهاد في الأحكام الشرعية لأسباب عديدة منها: 1 - ظهور دليل لم يظهر للمجتهد سابقًا، أو لم يكن صحيحًا عنده ثم صح، أو اختلف فهمه له، فأثبت الحكم بموجب اجتهاده الأخير في الدليل (¬2). 2 - تغيّرُ العادات والأعراف، فلا بد من مراعاة العرف المتغيِّر، كما قال القرافي (¬3): "إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلافُ ¬
3 - تغير المصلحة التي بني عليها الحكم مع مراعاة مقاصد الشريعة بتحقيق المصالح ودرء المفاسد،
الإجماع، وجهالةٌ في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة المتجددة" (¬1). ويلتحق بهذا اختلاف أحوال الناس ووسائل الجياة ومستجدات العصر، مما يترتب عليه تغير الاجتهاد في مثل تلك الأحكام المبنيَّة على ذلك، بسبب النازلة المتمثلة بتغير العرف وأحوال الناس ووسائل حياتهم، مما يبين أثر النوازل في تغيير الاجتهاد (¬2). 3 - تغير المصلحة التي بني عليها الحكم مع مراعاة مقاصد الشريعة بتحقيق المصالح ودرء المفاسد، قال ابن القيم: "الأحكام نوعان: نوع لا يتغيَّر عن حالة واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه. والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكانًا وحالًا، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإنّ الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة" (¬3). فمتى تبدلت المصلحة الشرعية من إثبات حكم اجتهادي، استدعى ذلك تغيير الاجتهاد؛ لتقرير حكم يتوافق ومقاصدَ الشريعة ويلاقي تلك الحال الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي جديد، مما يؤكد أثر النوازل في تغير الاجتهاد (¬4). ¬
ومما تقدم يتبين أن الحوادث المستجدة المحتاجة لحكم شرعي تُسَدُّ حاجتها ويبين حكمها بالاجتهاد الشرعي من أهله، سواء كانت المسألة نازلة في حقيقتها وصورتها، فيستأنف لها اجتهاد خاص بها، أو كانت المسألة نازلة في صورتها أو في بعض الأحوال الطارئة عليها، فيستدعي ذلك تغيير الاجتهاد الأول في أصل المسألة ليوافق حالها الحادثة. ولذا فإن للنّوازل أثرًا جَليًّا في تغيير الاجتهاد وتجديده، وذلك بإيجاب بذل الاجتهاد من المجتهدين لملاقاة تلك النوازل بالأحكام الشرعية؛ لئلا يترك الناس بلا بيان فيقعوا في المحظور، كما قال الشّاطبي (¬1): "إن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة؛ لذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد في القياس وغيره، فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصًا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، وعند ذلك فإما أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو اتباع للهوى، وذلك كله فساد" (¬2). فهذا كله من الأسباب التي تؤدي إلى تغيير الاجتهاد في الأحكام الشرعية، وكذلك قد يتغير الاجتهاد بتغير موجب الحكم. ¬
المطلب الرابع تعريف الزكاة
المطلب الرابع تعريف الزكاة وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف الزكاة لغة هي اسم من الفعل زكا، يزكو، والمصدر منه زكاء وزكوا، أي: نما، يقال: زكا الزرع إذا نما، والزكاة الصلاح، ورجل تقيّ زكيّ، أي: زاكٍ من قوم أتقياء أزكياء، ومنه قوله تعالى: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)} (¬1) أي: صلاحًا، وقوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (¬2) أي: ما صلح. وزكّى نفسه تزكية: مدحها، ومنه قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (¬3)، وتطلق الزكاة ويراد بها التطهير، ومنه قوله تعالى: {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬4)، أي: تطهرهم، وكذا قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)} (¬5) أي: تطهر. ¬
المسألة الثانية: تعريف الزكاة اصطلاحا
والزكاة: صفوة الشيء وما أخرجتَه من مالك لتطهره به (¬1). قال ابن فارس: "الزاي والكاف والحرف المعتل أصل يدل على نماء وزيادة، وقال: والأصل في ذلك كله راجع إلى معنيين، وهما النماء والطهارة" (¬2). والزكاة والتزكية في قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)} (¬3). والتركيب يدل على الطهارة، وقيل على الزيادة والنماء، ويقال: زكت النفقة إذا بورك فيها (¬4)، ومما تقدم يتبين أن الزكاة تطلق على معانٍ، منها: النماء والبركة والطهارة والتطهير والصلاح والمدح وصفوة الشيء (¬5). ويتبين أن تسميتها بذلك؛ لأنها سبب لزيادة المال وتنميته بالخلف في الدنيا، والثواب في الآخرة (¬6)، قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (¬7)؛ ولأن الزكاة يزكو بها المال بالبركة، ويطهر بالمغفرة (¬8)، وقد تقدم الاستدلال على ذلك. المسألة الثانية: تعريف الزكاة اصطلاحًا اختلفت تعاريف الفقهاء للزكاة اصطلاحًا، مع اتفاقهم على المعاني الرئيسة، ¬
فمن تعاريف الحنفية
وسأذكر بعض تعاريفهم مكتفيًا بتعريفٍ واحد في كل مذهب؛ لكون أكثر التعاريف الأخرى مقاربة. فمن تعاريف الحنفية: تمليك جزء مالٍ عيّنه الشَّارع من مسلم فقير غيرِ هاشمي ولا مولاه، مع قطع المنفعَة عن الملك من كل وجه لله تعالى (¬1). ومن تعاريف المالكية: جزء من المال، شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصابًّا (¬2). ومن تعاريف الشافعية: اسمٌ لأخذ شيء مخصوص، من مال مخصوص، على أوصاف مخصوصة، لطائفة مخصوصة (¬3). ومن تعاريف الحنابلة: حقٌّ واجبٌ، في مال مخصوص، لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص (¬4). ومما تقدم من تعاريف يلاحظ اتفاق الفقهاء على ما يلي: 1 - ذكر القدر المعين المخرجِ زكاةً وهو النصاب. 2 - تعيين المال الذي يجب إخراج الزكاة منه، وهو النصاب. 3 - تعيين مصرف الزكاة وهم المستحقون. ¬
ويتميز تعريف الحنفية بالقيود التالية: 1 - تمليك مال الزكاة للفقير. 2 - استثناء الهاشمي ومولاه من الفقراء المستحقين. 3 - التقييد بقطع المنفعة من كل وجه. ويؤخذ على القيد الأول: أنَّ التّمليك ليس مطلقًا في جميع مصارف الزكاة، وإنما هو في الأصناف الأربعة الأولى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} (¬1). ولذا دخلت لام الملك على الأصناف الأربعة الأولى، ولم تدخل على الأربعة الأخرى، وإنما دخلت في الظرفية، وسيأتي بيان هذه المسألة تفصيلًا - إن شاء الله - في مصارف الزكاة (¬2). كما يؤخذ على القيد الأول: أنه عيّن المستحقين بالفقراء، وهم أحد الأصناف الثمانية، فالأَوْلى التعميم، إلا أن يُرَادَ التعريف بالمثال، والتعميم أَوْلى. ويؤخذ على القيد الثاني: ما تقدمت الإشارة إليه من أنه تفصيل، يمكن إجماله بكون المستحقين طائفة مخصوصة، فيخرج الهاشمي ومولاه بلا حاجة للتنصيص. أما القيد الثالث: وهو قطع المنفعة من كل وجهٍ، فيراد به بيان منع تقديم الزكاة لمن ينتفع المزكي بإعطائه إياها، كما لو دفعها لفروعه أو أصوله أو إلى زوجه، فهو قيد في مَحلِّه، إلَّا أن بعض التعاريف الأخرى تضمنت هذا القيد وغيره، وذلك بالتقييد بأصناف مخصوصة (¬3). ¬
ولذا فإن الأقرب في تعريف الزكاة أن يقال
ويتميز تعريف المالكية: بالتنصيص على سبب الوجوب وهو ملك النصاب، إلا أنه لم يستوفِ الشروط؛ ولذا فإنَّ التعبير بأوصاف مخصوصة أو على وجه مخصوص أشمل. ويتميز تعريف الشافعية والحنابلة بالتعميم والاختصار، وقد نُصَّ فيهما على قيد الأوصاف المخصوصة، وهو ما خلت منه أكثر تعاريف الحنفية والمالكية، مع اشتماله على شروط الزكاة وانتفاء موانع إتيانها. ولذا فإن الأقرب في تعريف الزكاة أن يقال: نصيب مُقَدَّر شرعًا في مال معين لأصناف مخصوصة على وجه مخصوص. أو يقال: إخراج نصيب مقدر شرعًا (¬1). لأن الزكاة تُطلق على المال المخرج، وعلى فعل الإخراج (¬2). توضيح التعريف: نصيب مقدر شرعًا: يُراد به بلوغ المال المزكي نصابًا، وهو الحد الشرعي الذي لا تجب الزكاة في المال دونه، ويختلف باختلاف المال. ¬
في مال معين
في مال معين: يُراد به الأموال الزكوية، وهي سائمة الأنعام، والنقدان، وعروض التجارة، والخارج من الأرض، وخرج به ما كان للقُنية، فلا تجب زكاته، وما وجب في كل الأموال كالديون والنفقات. لأصناف مخصوصة: يراد بها أصناف الزكاة الثمانية الواردة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} (¬1). كما يخرج بهذا القيد الهاشمي ومولاه؛ لأنه قد صح استثناؤهم وحرمانهم منها (¬2)، ويَخرج به من يجب عليه نفقتهم، كالفروع والأصول. على وجه مخصوص: يراد بهذا القيد توفر شروط الزكاة كالإسلام والحرية والملك التّام وحولان الحول، كما يراد به اشتراط النية في إخراج الزكاة، بأن تكون زكاة خالصة لله تعالى. ... ¬
المطلب الخامس مكانة الزكاة في الإسلام والمقاصد الشرعية منها
المطلب الخامس مكانة الزكاة في الإسلام والمقاصد الشرعية منها وفيه مسألتان: المسألة الأولى: مكانة الزكاة في الإسلام هي ثالث أركان الإسلام، وإحدى مبانيه العظام لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بني الإسلام على خمسٍ؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا" (¬1). وقد جعلها الله شعارًا للدخول في الدين، واستحقاق أخوة المسلمين، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)} (¬2). ¬
وجعلها الله من أسباب النصر والفلاح، والتمكين في الأرض، كما قال: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} (¬1). وقال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} (¬2). وقرنها الله بالصلاة في كتابه في ثمانية وعشرين موضعًا (¬3)، مما يدل على أهميتها البالغة ومكانتها السامقة، ثم إنّ ذكر الصلاة في مواضع كثيرة يرد مقرونًا بالإيمان أولًا، وبالزكاة ثانيًا، وقد يقرن الثلاثة بالعمل الصالح وهو ترتيب منطقي، فالإيمان هو الأصل وهو عمل القلب، والعمل الصالح هو دليل صدق الإيمان وهو عمل الجوارح، وأول عمل يطالب به المؤمن الصلاة، وهي عبادة بدنية، ثم الزكاة وهي عبادة مالية؛ ولذا فإنه بعد الدعوة للإيمان تُقَدَّم الصلاة والزكاة على ما عداهما من أركان الإسلام؛ لما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن، فقال له: "إنّك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم. . . " (¬4). ¬
وإنّما اقتصر عليهما لشدة اهتمام الشارع بهما، وتقديمهما على غيرهما عند الدعوة إلى الإسلام، وأَخْذًا بمبدأ التدرج في بيان فرائض الإسلام (¬1)، ولذا جاءت الأحاديث بالتغليظ الشديد على مانعي الزكاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آتاه الله مالًا فلم يؤدِّ زكاته، مُثّل له يوم القيامة شجاعٌ أقرع، له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - بشدقيه - ثم يقول: أنا مالُكَ، أنا كنزك"، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم الآية: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)} (¬2)، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَه، في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بين العباد، فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الجنة، وإما إلى النار. . . ولا صاحب بقر ولا غنم لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاء، تنطحه بقرونها وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِى يَوْمٍ كَان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. . . ". الحديث (¬3). بل لقد شرع الإسلام مقاتلة مانعي الزكاة، فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني ¬
المسألة الثانية: المقاصد الشرعية من فريضة الزكاة
دماءهم إلّا بحق الإسلام، وحسابهم على الله" (¬1). وما ذلك إلا لعظم شأن هذه الفريضة، ولما يترتب عليها من آثار عظيمة ومقاصد جليلة، سأذكر طرفًا منها في المسألة التالية. المسألة الثانية: المقاصد الشَّرعيَّة من فريضة الزكاة (¬2): لقد فرض الإسلام الزكاة وجعلها ركنًا من أركانه، وأثبت لها منزلة عليا ومكانة عظمى، وما ذلك إلّا لما يتحقق من تطبيقها والأخذ بها من مقاصد شرعية عظيمة، تعود على الغني والفقير ومجتمعهما بالخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن تلك المقاصد: أولًا: تحقيق التعبد لله بامتثال أمره والقيام بفرضه، فقد جاءت النصوص المتواترة بالأمر بأداء هذه الفريضة العظيمة، كما قال تعالى في أكثر من آية: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} (¬3). وبيَّن أنّ ذلك من صفة المؤمنين الطائعين، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)} (¬4). ¬
ثانيا: شكر نعمة الله بأداء زكاة المال المنعم به على المسلم،
فالمؤمن يتعبد الله بامتثال أمره بإخراج الزكاة بالقدر المطلوب شرعًا، وصرفها في مصارفها الشرعية. فليس ذلك ضريبة مالية، بل هي طاعة لله وقربة، يرجو بها العبد الأجر العظيم والثواب الجزيل، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)} (¬1). وقال تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)} (¬2). ثانيًا: شكر نعمة الله بأداء زكاة المال المنعم به على المسلم، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} (¬3)، فشكر النعمة فرضٌ على المسلم، وبه تتحقق دوام النعم وزيادتها، قال الإمام السبكي -رحمه الله - (¬4): "ومن معاني الزكاة شكر نعمة الله تعالى، وهذا أيضًا عام في جميع التكاليف البدنية والمالية؛ لأن الله تعالى أنعم على العباد بالأبدان والأموال، ويجب عليهم شكر تلك النعم؛ شكر نعمة البدن، وشكر نعمة المال؛ لكن قد نعلم أن ذلك شكر بدني، وقد نعلم أنه شكر مالي، وقد نتردد فيه، ومنه الزكاة" (¬5)، فأداء الزكاة ¬
ثالثا: تطهير المزكي من الذنوب،
اعتراف بفضل الله ونعمته، وشكرها، وصرف لتلك النعمة في مرضاة الله وطاعته. ثالثًا: تطهير المزكي من الذنوب، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} (¬1). قال النووي (¬2) -رحمه الله -: "إن وجوب أخذ الزكاة معلَّل في الآية بالتطهير من الذنوب" (¬3). وقد جاء في السنة ما يؤكد هذا المعنى كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" (¬4). ¬
رابعا: تطهير المزكي من الشح والبخل،
وقد جمعت الآية المتقدمة كثيرًا من المقاصد والحكم الشرعية في فرض الزكاة وذلك في كلمتين محكمتين في قوله: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}. وفي ذلك يظهر إعجاز القرآن بدلالته على المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة. رابعًا: تطهير المزكي من الشح والبخل، وفي ذلك يقول الكاساني -رحمه الله- (¬1): "إنَّ الزكاة تطهر نفس المؤدي من أنجاس الذنوب، وتزكي أخلاقه بخلق الجود والكرم، وترك الشّح والضّنّ؛ إذ النفس مجبولة على الضّنّ بالمال، فتتعود السّماحة، وترتاض لأداء الأمانات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها، وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} " (¬2) (¬3). فالشُّح مرض بغيض مذموم، ابتلي به الإنسان، فصار يسعى لحب التملك وحب الذات وحب البقاء والاستكثار، ونتج عن هذا الاستئثار بالمنافع، وفي ذلك يقول تعالى مبينًا هذه الحقيقة: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} (¬4). ويقول: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} (¬5). ولذا فإن الشّح من أعظم أسباب التعلق بالدنيا والانصراف عن الآخرة، فهو سبب للتعاسة التي دعا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - على عُبَّاد المال والدنيا بقوله: تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِي، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، ¬
تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ. . . " (¬1). فحب الدنيا والمال أصل من أصول الخطايا والذنوب، ومتى نجا المرء منهما ووقي الشّح فقد استحق الفلاح، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (¬2). وأما الأشِحَّاء البُخلاء، فقد قال تعالى فيهم: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)} (¬3). يقول الفخر الرازي (¬4): "والاستغراق في حب المال يذهل النفس عن حب الله، وعن التأهب للآخرة، فاقتضت حكمة الشرع تكليف مالك المال بإخراج طائفة من يده؛ ليصير ذلك الإخراج كسرًا من شدة الميل إلى المال، ومنعًا من انصراف النفس بالكلية إليه، وتنبيها لها على أن سعادة الإنسان لا تحصل بالاشتغال بطلب المال؛ إنما تحصل بإنفاق المال في طلب مرضاة الله تعالى، فإيجاب الزكاة علاج صالح متعين؛ لإزالة حب الدنيا عن القلب، فالله سبحانه أوجب الزكاة لهذه ¬
خامسا: تطهير مال الزكاة،
الحكمة، وهو المراد من قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] (¬1). أي: تزكيهم وتطهرهم عن الاستغراق في طلب الدنيا" (¬2). . خامسًا: تطهير مال الزكاة، وذلك: بأداء ما تعلق به من حقوق المستحقين وما لزمه من واجبات، فتعلق حق الغير بالمال يجعله ملوَّثًا مشوبًا لا يطهر إلا بإخراج هذا الحق من المال، كما يشير إلى ذلك تعليل النبي - صلى الله عليه وسلم - عدم مشروعية صرف الزكاة لآل البيت بأنَّها أوساخ الناس (¬3)، فبالزكاة يحصل التطهير، وتزول تلك الأوساخ (¬4). سادسًا: تطهير قلب الفقير من الحقد والحسد على الغني، وذلك أن الفقير إذا رأى من حوله ينعمون بالمال الوفير وهو يكابد ألم الفقر، فلرُبما تسبَّب ذلك في بثّ الحسد والحِقد والعداوة والبغضاء في قلب الفقير على الغني، وبهذا تضعف العلاقة بين المسلم وأخيه، بل ربما تقطعت أواصر الأخوة وشبَّت نار الكراهية. فالحسد والحقد والكراهية أدواء فتاكة، تهدد المجتمع وتزلزل كيانه، وقد سعى الإسلام لمعالجتها ببيان خطرها وتشريع الزكاة، وهي أسلوب عملي فاعل لمعالجة تلك الأدواء، ولنشر المحبة والوئام بين أفراد المجتمع المسلم (¬5). سابعًا: ومن مقاصد فرض الزكاة مضاعفة حسنات معطيها ورفع درجاته، وهو مقصد شرعي مهم، وفيه يقول الله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ¬
ثامنا: مواساة الغني للفقير،
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} (¬1). ثامنًا: مواساة الغني للفقير، فمن المقاصد المهمة التي شُرِعت لأجلها الزكاة، مواساة الفقير وسد حاجته، قال الكاساني -رحمه الله -: "إن أداء الزكاة من باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف، وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عز وجل عليه من التوحيد والعبادات، والوسيلة إلى أداء المفروض مفروضة" (¬2). وقال ابن القيم -رحمه الله -: "اقتضت حكمته أن جعل في الأموال قدرًا يحتمل المواساة ولا يجحف بها، ويكفي المساكين ولا يحتاجون معه إلى شيء، ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء" (¬3). تاسعًا: نماء مال الزكاة، فمن مقاصد مشروعية الزكاة نماء المال بكثرته وحلول البركة فيه، وقد تقدم أنَّ من معاني الزكاة في اللغة: النماء (¬4)، وقد جاء الشرع بما يؤيد هذا المعنى، ويثبته في فريضة الزكاة، وذلك أن من مقاصد مشروعيتها وآثارها، نماء المال وكثرته وحلول البركة فيه. وقد دل على هذا الكتاب والسنة كما في قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)} (¬5). أي: ينميها ويكثرها (¬6). ¬
عاشرا: تحقيق الضمان والتكافل الاجتماعي،
وقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (¬1)، أي: فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب (¬2)، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا" (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما نقصت صدقة من مال" (¬4). عاشرًا: تحقيق الضمان والتكافل الاجتماعي، فالزكاة جزء رئيس من حلقة التكافل الاجتماعي، التي تقوم على توفير ضروريات الحياة، من مأكل، وملبس ومسكن، وسداد الديون، وإيصال المنقطعين إلى بلادهم، وفك الرّقاب، ونحو ذلك من أوجه التكافل، التي قررها الإسلام، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (¬5)، فالزكاة وسيلة كبرى للتعاون والتراحم والتضامن بين الناس، وبها تندفع آفات خطيرة عن المجتمع، كالحسد والبغضاء، مما يمكِّن المسلمين من التعاون على البر والتقوى، وتحقيق الغاية التي خلقوا لها وهي عبادة الله (¬6). ¬
حادي عشر: تنمية الاقتصاد الإسلامي
حادي عشر: تنمية الاقتصاد الإسلامي: فللزكاة أثر إيجابي كبير في دفع عجلة الاقتصاد الإسلامي وتنميته، وذلك أن نماء مال الفرد المزكي كما تقدم، يعود على اقتصاد المجتمع بالقوة والازدهار، كما أنَّ فيها منعًا لانحصار المال في يد الأغنياء، كما قال تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬1)، فوجود المال في أيدي أكثر المجتمع يؤدي لصرفه في شراء ضروريات الحياة، فيكثر الإقبال على السلع، فينشأ من هذا كثرة الإنتاج، مما يسهم في كثرة العمالة والقضاء على البطالة، فيعود ذلك على الاقتصاد الإسلامي بالفائدة (¬2). ثاني عشر: الدعوة إلى الله: فمن مقاصد الزكاة الأساسية الدعوة إلى الله ونشر الدين وسد حاجة الفقراء والمحرومين، ممَّا يهيئهم للإقبال على دينهم وتحقيق طاعة ربهم، كما أن تأثير الزكاة في الدعوة يتبين من خلال فرض أصناف أهل الزكاة، وذلك أن صرفها للمؤلفة قلوبهم -وهم كفار يرجى إسلامهم، أو مسلمون يرتجى ثباتهم - (¬3) إنما ذلك لدعم الدعوة إلى الله وتقويتها، ويتأكد ذلك الهدف المهم بصرف الزكاة في سبيل الله وهو مصرف يختص بالجهاد عند جماهير العلماء، ووسَّعه بعضهم ليشمل الدعوة إلى الله باعتبارها نوعًا من الجهاد (¬4). ¬
الفصل الأول النوازل في شروط الزكاة
الفصل الأول النوازل في شروط الزكاة وفيه مبحثان: المبحث الأول: النوازل في ملك النصاب المبحث الثاني: النوازل في الحول
المبحث الأول النوازل في ملك النصاب
المبحث الأول النوازل في ملك النصاب وفيه مطلبان: المطلب الأول: تأثير الديون الاستثمارية والإسكانية في بلوغ النصاب المطلب الثاني: أثر التضخم النقدي في بلوغ النصاب
المطلب الأول تأثير الديون الاستثمارية والإسكانية في بلوغ النصاب
المطلب الأول تأثير الديون الاستثمارية والإسكانية في بلوغ النصاب يقوم كثير من الناس بتمويل مشاريعهم التجارية والسكنية بالديون التي تنشأ من عقود المعاوضات التقسيطية، مما يستدعي بيان حكم خصم تلك الديون من قدر المال الزكوي، مما قد يترتب عليه عدم وجوب الزكاة، لعدم بلوغ باقي المال نصابا، أو قد ينشأ عنه نقص القدر الواجب إخراجه زكاة، وإنما يتضح تقرير ذلك وتأصيله ببيان المسألة التالية: المسألة الأولى: مَنْعُ الدَّيْنِ الزكاة في مال المدين (¬1) اتفق الفقهاء على أنّ الدَّيْن لا يمنع وجوب الزكاة إذا ثبت في ذمة المدين بعد وجوب الزكاة (¬2)، كما اتفقوا على أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة إذا لم ¬
القول الأول: إن الدين يمنع وجوب الزكاة مطلقا،
ينقص النصاب (¬1)، واختلفوا في منع الدين لوجوب الزكاة في مال المدين فيما عدا ذلك على أقوال: القول الأول: إن الدين يمنع وجوب الزكاة مطلقًا، في الأموال الظاهرة والباطنة، حالًّا كان الدَّيْن أو مؤجلًا، سواء كان لله أو للعباد، وسواء كان من جنس المال الذي تجب فيه الزكاة أو لا، وهو القول القديم للشافعي (¬2)، والرواية الأصح عند الحنابلة (¬3)، وقد اشترط بعض الشافعية والحنابلة حلول الدين لمنع الزكاة (¬4). القول الثاني: إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة مطلقًا، وهو الأظهر عند الشافعية (¬5) ورواية عند الحنابلة (¬6). القول الثالث: إن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة دون الظاهرة (¬7)، إذا كان له مطالب من العباد، كدين القرض والسلم والنفقة، حالًّا كان ¬
أدلة الأقوال
أو مؤجلًا، وهو مذهب المالكية (¬1)، وقول عند الشافعية (¬2) ورواية عند الحنابلة (¬3). أدلة الأقوال: أدلة القول الأول: 1 - ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه" (¬4). قال ابن قدامة: هذا نص (¬5). أي في إسقاط الزكاة بالدين المستغرق للنصاب. يناقش بأنَّ الحديث لا يثبت مسندا. ¬
2 - ما جاء عن عثمان رضي الله عنه أنه كان يقول: هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدوا منها الزكاة (¬1). وقد قال ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكروه فدل على اتفاقهم عليه (¬2). وجه الدلالة: أن عثمان رضي الله عنه أمر بأداء الدّين قبل إخراج الزكاة، ليكون إخراجها فيما بقي ممّا لم يستغرقه الدين، ولمَّا لم ينكر الصحابة ذلك دل على اتفاقهم عليه. ونوقش بما قال الشافعي: حديث عثمان يشبه أن يكون إنما أمر بقضاء الدين قبل حلول الصدقة في المال في قوله: هذا شهر زكاتكم. يجوز أن يقول هذا الشهر الذي إذا مضى حَلَّت زكاتكم، كما يقال شهر ذي الحجة، وإنما الحجة بعد مضي أيام (¬3). وأجيب: بأن هذا التأويل مخالف للظاهر، لما جاء في رواية أخرى عن عثمان أنه قال: فمن كان عليه دين فليقضه وزكوا بقية أموالكم (¬4). وهو دال على وجوب الزكاة عليهم قبل ذلك (¬5). ¬
3 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب الزكاة على الأغنياء وأمرهم بأدائها للفقراء، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم" (¬1). والمدين محتاجٌ لقضاء دينه كحاجة الفقير إلى الزكاة، فلم يتحقق فيه وصف الغنى الموجب للزكاة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" (¬2). بل يتحقق فيه وصف الفقر المجيز لأخذ الزكاة، لكونه من الغارمين (¬3). 4 - ضعف ملك المدين، لتسلط الدائن عليه، ومطالبته بالدين، واستحقاقه له (¬4). 5 - أن رب الدين مطالب بتزكيته، فلو زكاه المدين لزم منه تثنية الزكاة في المال الواحد بأن يزكيه الدائن والمدين، وهو لا يجوز (¬5). ¬
أدلة القول الثاني
ونوقش: بأنه لا تثنية؛ لأن الزكاة تتعلق بالمال، والدين يتعلق بالذمة، فتزكية الدائن لما في الذمة، وتزكية المدين لعين المال (¬1). ويجاب: بأننا لو سلمنا بتعلق الزكاة بالعين، فلها تعلق بالذمة، وعندئذ يجتمع في المال زكاتان. 6 - القياس على الحج، فكما يمنع الدين وجوب الحج، فكذا يمنع وجوب الزكاة. ونوقش: بأنه قياس مع الفارق، لوجوب الزكاة على الصبي والمجنون، وعدم وجوب الحج عليهما، ووجوب الحج على الفقير بمكة، وعدم وجوب الزكاة عليه (¬2). 7 - أن الزكاة إنما وجبت مواساة للفقراء، وشكرًا لنعمة الغنى، والمدين محتاج إلى قضاء دينه، وليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك لدفع حاجة غيره، ولم يحصل له من الغنى ما يقتضي الشكر بالإخراج (¬3). أدلة القول الثاني: 1 - عموم الأدلة الموجبة للزكاة في المال كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} (¬4). ونوقش: بأن هذا العموم مخصوص بأدلة منع الدين للزكاة، وقد تقدمت (¬5). ¬
أدلة القول الثالث
2 - لا دليل من كتاب أو سنة أو إجماع يدل على إسقاط الزكاة عن المال المشغول بالدين (¬1). ونوقش: بأنه قد جاء الدليل من السُنّة، كما جاء النظر المعتبر بإسقاط الزكاة عن المال المشغول بِدَيْنٍ، كما تقدمت الإشارة لذلك (¬2). 3 - نفوذ مالك النصاب فيه، فإذن هو له، ولم يخرجه عن ملكه ما عليه من دين، فتكون زكاته عليه (¬3). ونوقش: بأن ملكه ناقص لتسلط الدائن عليه ومطالبته بالدين واستحقاقه له (¬4). أدلة القول الثالث: استدلوا بما استدل به أصحاب القول الأول، واستثنوا الأموال الظاهرة من منع الدين إيجاب الزكاة فيها، وعللوا ذلك بما يلي: 1 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث السعاة والخُرَّاص، لأخذ الزكاة من المواشي والحبوب والثمار، ولم يكونوا يسألون أصحابها عن الدين، وهذا يدل على أن الدين لا يمنع الزكاة فيها (¬5). ¬
ويناقش من وجهين: الوجه الأول: بأنّ الأصل انتفاء الدين وبراءة الذمة، وعلى من دفع وجوب الزكاة عليه بكونه مدينًا أن يثبت دعواه، فلا يصدق قوله إلا ببينة (¬1)، كما أن الأصل في المال الذي تحت يد حائزه أنه له، فلا حاجة لسؤاله عن ملكه له، أو استحقاقه لغيره بالدين (¬2). الوجه الثاني: بأننا لو قررنا لزوم السؤال مع عدم نقله، فإنَّ ذلك دال على أن الزكاة تتعلق بالمال دون الذِّمة، وهذا لا فرق فيه بين الأموال الظاهرة والباطنة، فإذا كان الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة فكذا لا يمنع في الأموال الباطنة، لا سيما والعمومات شاملة للنوعين (¬3). 2 - أنَّ تعلّق أطماع الفقراء بالأموال الظاهرة أكثر، فتكون الزكاة فيها أوكد (¬4). ونوقش: بأنّ هذا التعليل لا يقاوم عموم الأدلة السابقة، وأن الدين يمنع وجوب الزكاة في سائر الأموال، لا سيما وأن البطون والظهور في المال أمر نسبي، فربما أصبحت عروض التجارة في عصرنا أشد ظهورًا من الماشية، وتعلق الفقراء بها أعظم، فلا ينبغي التعويل على الظهور والبطون في مثل ذلك لكونه نسبيًّا (¬5). ¬
الترجيح
3 - أن الحرث والماشية ينموان بأنفسهما فكانت النعمة فيهما أتم، فقوي إيجاب الزكاة شكرًا للنعمة، فلا يؤثر في سقوطها الدين بخلاف النقد (¬1). 4 - واستدل الحنفية على استثناء الخارج من الأرض: بأن زكاتها حق الأرض فلا يعتبر فيه غنى المالك، ولا يسقط بحَق الآدمي وهو الدين (¬2). ويناقش: بأن أدلة اشتراط الغنى فيمن تجب في ماله الزكاة عامَّة، ولم تفرق بين مال المدين إذا كان خارجا من الأرض أو غير ذلك (¬3). أما اشتراطهم في الدين المانع من وجوب الزكاة أن يكون له مطالب من العباد. فيناقش: بأنه لا دليل عليه، بل الدليل بخلافه، فدين الله من كفارة ونذر ونحوه كدين الآدمي في منعه لوجوب الزكاة، وذلك لوجوب قضائه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "دين الله أحق أن يقضى" (¬4) (¬5). الترجيح: يترجح القول بأن الدين يمنع الزكاة بالشروط التالية: 1 - أن يكون الدين حالًّا، لا يستطيع المدين أداءه، فلا يمنع المؤجل وجوب ¬
الزكاة في مال المدين، وهو قول لبعض الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة (¬1)؛ لأن تمام الملك ينتفى بالحلول، وذلك لاستحقاق المطالب (الدائن) للدين، ولا ترد هذه العلّة مع الإلزام بالأجل، إلا على القسط المستحق، ويبقى ما عداه في ملك المدين التام. 2 - ألا يكون عند المدين عروض قنية (أصول ثابتة)، مما لا يحتاجه حاجة أصلية، وذلك كعروض القنية التي تباع لوفاء دينه عند إفلاسه، وهو قول لبعض الحنفية، ومذهب المالكية وقول عند الحنابلة، وقد رجحه أبو عبيد (¬2) (¬3)، وذلك لما يلي: ¬
أ - أَنَّ تلك العروض من مال المدين المملوك له. ب - أنَّ لها قيمة مالية تمكِّن صاحبها من بيعها، والتصرف فيها عند الحاجة. ج - أنَّ لغريمِه المطالبة ببيعها لوفاء دينه إذا لم يمكن سداده من غير تلك العروض. د - أنَّ القول بعدم اعتبار تلك العروض مقابل الدين المانع من وجوب الزكاة، يؤدي لتعطيل الزكاة عن الأغنياء، الذين يستثمرون أموالهم في عروض القنية، أو المستغلات كالمصانع، فمن يملك مصنعًا تفي غلته بحاجته الأصلية، واشترى مصنعًا آخر بالدين، وكان الدين مستغرقًا لغلة المصنعين فلا زكاة عليه، مع كونه غنيًّا بما يملك من العروض والمصانع (¬1). 3 - ألّا يكون المدين مليئًا مماطلًا، فإن كان كذلك فإن الدين لا يمنع من وجوب الزكاة عليه، وهو ما يدل عليه قول عثمان رضي الله عنه، فإما أن يؤدي الدين لمستحقه أو يزكي المال، ولا ينقص الدين النصاب عندئذ، وبذلك يجمع بين الأدلة، ولا تسقط الزكاة باحتساب الدين من نصابه، مع انتفاعه بالمال، وامتناعه من أدائه لأهله. ¬
المسألة الثانية: تأثير الديون الاستثمارية المؤجلة في بلوغ النصاب
سبب الخلاف: قال ابن رشد (¬1): "والسبب في اختلافهم هل الزكاة عبادة أو حق مرتب في المال للمساكين؟ فمن رأى أنّها حق قال: لا زكاة في مال مَن عليه الدين؛ لأن حق صاحب الدين متقدم بالزمان على حق المساكين، وهو في الحقيقة مال صاحب الدين، لا الذي المال بيده، ومن قال: هي عبادة، قال: تجب على من بيده مال؛ لأنّ ذلك هو شرط التكليف وعلامته المقتضية الوجوب على المكلف، سواءً كان عليه دينٌ أو لم يكن، وأيضًا فإنه قد تعارض هنالك حقان: حق الله، وحق الآدمي، وحق الله أحق أن يقضى، والأشبه بغرض الشرع إسقاط الزكاة عن المدين لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ". . . صدقة تؤخذ من أغنياكم وترد على فقرائهم. . ." (¬2)، والمدين ليس بغني" (¬3). اهـ. المسألة الثانية: تأثير الديون الاستثمارية المؤجلة في بلوغ النصاب المراد بالدين الاستثماري: ما ينشأ من عقد المعاوضة بين الدائن والمدين، فيستفيد المدين من الأجل، ويستفيد الدائن من زيادة ثمن السلعة نتيجة الأجل، ¬
ومحل البحث هو عن تأثير الدين الناشئ من المعاوضة على نصاب المدين الزكوي، وهل يخصم منه؟ أم يكتفى بإنقاص ما حل من الدين على المدين؟ يمكن بناء هذه المسألة على ما تقدم بيانه في منع الدين لوجوب الزكاة في مال المدين إذا كان حالًّا، وليس عند المدين عروض قنية زائدة عن حاجته الأصلية تقابل الدين، وبناء عليه يمكن تقسيم هذه المسألة الأقسام التالية: 1 - إذا كانت الديون لتمويل أصول ثابتة بقصد الاستثمار وزيادة الأرباح وكانت زائدة عن الحاجات الأصلية للمدين، فإن هذه الديون تجعل في مقابل تلك الأصول، ولا تُنقص من الأموال التي في يده والغلة المستفادة له، ومثال ذلك: تاجرٌ يملك مبلغ مليون ريال، واشترى مصنعا بمليون ريال، على أن يسدد ثمنه في عشر سنوات مقسطًا، وغلة المصنع مائة ألف ريال سنويًّا، فإذا حل قسط من الدين جعله في مقابل قيمة المصنع، ويزكي ما بيده من أموالٍ زكوية؛ لأن الديون عوض عن المصنع، ولأن له قيمة مالية يباع عليه عند إفلاسه، ويسدد منها ديونه، ويتبين بذلك أن هذه الديون لا تؤثر على نصاب ما بيد المدين من أموالٍ زكوية، إلا إذا لم تف قيمة الأصول الثابتة بسداد الديون الحالة. 2 - إذا كانت الديون لتمويل أصول ثابتة ضرورية لا تزيد عن حاجته الأصلية، فيُنقص الدين الحال وهو القسط السنوي من دخل المدين، ولا يُنقص الدين المؤجل لما تقدم (¬1)، ومثال ذلك: من اشترى سيارة أجرة لنقل الركاب -وهي مصدر دخله- بمبلغ خمسين ألف ريال على أن يسدد ثمنها مقسطًا في كل سنة عشرة آلاف، فيخصم من وعاء الزكاة القسط الحال من الدين، ويزكي ما بقي من مال المدين إن بلغ نصابًا وإلا لم تجب فيه الزكاة. ¬
المسألة الثالثة: تأثير الديون الإسكانية المؤجلة في بلوغ النصاب
وبذلك يتبين أثر هذه الديون على نصاب ما بيد المدين من أموالٍ زكوية، وأنَّ الديون تُنقص من تلك الأموال، ثم ينظر ما بقي، فإن كان نصابًا زكي، وإلا فلا. 3 - إذا كانت الديون لتمويل عمل تجاري فاضل عن حاجته الأصلية، كمن استدان من البنك مبلغ مليون ريال لاستثمارها تجاريًّا، مع التزامه بسدادها خلال عشر سنوات مقسطة، في كل سنة مائة ألف ريال، فيُنقص القسط السنوي عندئذٍ من قيمة العروض والأموال التي في يده، ويزكي ما تبقى، أما المؤجل من الأقساط فلا ينُقص كما تقدم (¬1). المسألة الثالثة: تأثير الديون الإسكانية المؤجلة في بلوغ النصاب (¬2) لا تختلف هذه المسألة كثيرًا عن سابقتها، وإنما أفردت بالحديث لأهميتها وعموم البلوى بها، ولأنَّ كثيرًا من الديون الإسكانية لتلبية الحاجة الضرورية المتمثلة في إيجاد مسكن للمستدين، مع وجود بعض تلك الديون لأغراض استثمارية، ولذا فإنَّ تأثير الديون الإسكانية المؤجلة في بلوغ النصاب لا يخلو من أحوال: الحال الأولى: أن تكون الديون الإسكانية لبناء بيت يسكنه المستدين بلا إسراف، ويكون الدين مقسطًا، فيُنقص القسط السنوي من الأموال الزكوية التي في يده، ويزكي ما بقي إن بلغ نصابًا، وبذلك يتبين أن لهذه الديون أثرًا في المال الذي يخضع للزكاة، فقد يستغرق الدَّينُ الحالُّ النصاب، أو ينقص المال الزكوي عن ¬
الحال الثانية
بلوغ النصاب فتسقط الزكاة عنه (¬1). ويمكن تطبيق هذه الصورة على القروض الإسكانية الحكومية، حيث تعطي بعض الدول -كالمملكة العربية السعودية- قرضا لمواطنيها بما يقارب ثلاثمائة ألف ريال، ويكون سداده مقسطًا على خمس وعشرين سنة تقريبا، ولو قيل بتأثير الدين المؤجل في مال المدين الزكوي لسقطت الزكاة عن كثير من الناس، ولحق بالفقراء مشَقَّة وعَنَت. الحال الثانية: أن تكون الديون الإسكانية المؤجَّلة لبناء بيت يزيد عن حاجته أو فيه إسراف وتبذير، فإنَّ هذا الدَّين يُجعل في مقابل القسم الزائد عن حاجته من العقار، فإن استغرق الدين ما زاد من العقار السكني، ولم يفضل الدين على العقار فإنه يزكي ما بيده من أموال زكوية ولا يتأثر المال الذي يخضع للزكاة بالدين، وإن فضل الدين على العقار، فينقص القسط الحالّ في سنة الدين من أمواله الزكوية، ويزكي ما بقي إن بلغ ماله نصابًا. الحال الثالثة: أن تكون الديون الإسكانية المؤجلة لغرض استثماري، كأن يقترض مالًا لبناء وحدات سكنية لبيعها أو تأجيرها والاسترباح منها، فإنَّ الدَّين الإسكاني في هذه الحال استثماري، فينطبق عليه ما تقدم في القسم الثالث من المسألة السابقة، فينقص قسط الدين الحالّ من قيمة الوحدات السكنية، ولا ينقص مما بيده من أموال زكوية إلا إذا استغرق الأصول الثابتة (الوحدات السكنية)، أما الأقساط المؤجلة من الدين فلا تؤثر على المال الذي يخضع للزكاة لما تقدم ترجيحه (¬2). ¬
وبنحو ذلك صدرت فتوى الندوة الثانية لقضايا الزكاة المعاصرة، ونص المقصود منها: "الديون الإسكانية وما شابهها من الديون التي تمول أصلًا ثابتًا لا يخضع للزكاة ويسدد على أقساط طويلة الأجل يسقط من وعاء الزكاة ما يقابل القسط السنوي المطلوب دفعه فقط إذا لم تكن له أموال أخرى يسدده منها" (¬1). ¬
المطلب الثاني أثر التضخم النقدي في بلوغ النصاب
المطلب الثاني أثر التضخم النقدي في بلوغ النصاب وفيه مسألتان: المسألة الأولى: المراد بالتَّضَخم النقدي التَّضَخُّم مصدر للفعل تضخَّم من الضخامة، وأصله الثلاثي ضخم، دال على العِظم في الشيء، فالضخم العظيم من كل شيء، أو العظيم الجرم (¬1). ولم أقف على تعريف للتَّضخُّم النقدي في كتب الفقهاء، لجدَّة المصطلح وحداثة استعماله (¬2). أما علماء الاقتصاد فقد عرفوه بعدَّة تعريفات، منها: ارتفاع مطرد في المستوى العام للأسعار (¬3)، وهذا التعريف هو الأكثر شيوعًا، وفيه تقييد لمعنى التَّضَخُّم بالارتفاع المستمر في الأسعار، أما الطارئ فلا يعد تضخمًا. حركة صعودية للأسعار، تتصف بالاستمرار الذاتي تنتج عن فائض الطلب ¬
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في بلوغ النصاب
الزائد عن قدرة العرض (¬1). وهذا التعريف أشمل من سابقه، ويزيد عليه بيان سبب التَّضَخُّم، وهو زيادة الطلب على العرض، مِمَّا يؤدِّي لارتفاع الأسعار وحدوث التَّضَخُّم (¬2). المسألة الثانية: أثر التَّضَخُّم النقدي في بلوغ النصاب لا أثر للتَّضَخُّم النقدي في المقدَّرات بالنّص الشرعي من الأموال الزكوية، ¬
كالنقدين وسائمة الأنعام والحبوب والثمار، فمتى بلغ المال الزكوي النصاب المحدد وجبت الزكاة فيه على كل حال، ولو كانت قيمته باهظة، كما هو الحال عند التَّضَخُّم النقدي. وأمَّا الأوراق النقدية، فإنه لمّا كان المقصود منها ماليتها، أي قيمتها التبادلية لا أعيانها، فإن المعتبر في نصابها هو القيمة، وإنما يعرف ذلك بتقويمها بالنقدين (الذهب والفضة)، وليس للتَّضَخُّم النقدي أثر على نصابهما كما تقدم، وإنما يؤثر على نصاب الأوراق النقدية من جهة انخفاض قيمتها التبادلية وقوتها الشرائية عند التَّضَخُّم النقدي، فيرتفع مقدار نصابها، لتغير قيمة النصاب الذي تعتبر به وهو نصاب الذهب والفضة، فيصبح نصاب الأوراق النقدية الذي أوجبنا الزكاة عند بلوغه قبل التَّضَخُّم مما لا تجب الزكاة فيه، لانخفاض قيمة الأوراق النقدية بسبب التَّضَخُّم، ومثال ذلك: لو أن شخصا يملك (800) ريال، وقيمة أدنى نصابي الذهب والفضة هو (500) ريال، فيكون قد وجبت عليه الزكاة، فإذا طرأ تضخم نقدي وانخفضت به قيمة النقود التبادلية وقوتها الشرائية، فصارت أدنى قيمة نصابي الذهب والفضة (1000) ريال، لا لارتفاع قيمة أدنى النقدين -وهي الفضة غالبًا- وإنما لانخفاض قيمة النقود الورقية، فلا تجب الزكاة على من ملك (800) ريال، لعدم بلوغه النصاب، مع كونها قد وجبت عليه قبل التَّضَخُّم. وبه يتبين أن التَّضَخُّم النقدي قد يؤدي إلى عدم وجوب الزكاة، فيما إذا كان التَّضَخُّم سببًا في نقصان الأوراق النقدية عن أقل النصاب (¬1). ¬
المبحث الثاني النوازل في الحول
المبحث الثاني النوازل في الحول (¬1) وفيه مطلب: في اعتبار الزكاة بالحول الشمسي (¬2): ذهب عامة أهل العلم إلى اشتراط مضي الحول لإيجاب الزكاة فيما عدا الخارج من الأرض من الأموال الزكوية (¬3)، وذلك لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" (¬4). ¬
ولاتفاق الخلفاء الأربعة على ذلك وانتشار العمل بذلك بين الصحابة رضي الله عنهم (¬1). ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال، فلا بد لها من ضابط، كي لا يفضي عدم ذلك إلى تكرر الوجوب في زمن واحد، فكان مضى حول هو المناسب لذلك؛ لأنه مظنة نماء المال (¬2). وقد استجد فيما يتعلق باشتراط الحول لوجوب الزكاة، اعتبار السنة الشمسية حولا زكويًّا، لاعتماد كثير من الناس في معاملاتهم على التاريخ الميلادي القائم على السنة الشمسية. فهل يجوز اعتبار الزكاة بالحول الشمسي، أم يجب الاعتماد في ذلك على الحول القمري المتمثل في السنة الهجرية؟ (¬3) ¬
فنقول: إن التوقيت الشرعي يكون بالحول القمري (¬1) لا الشمسي، لما يلي: أولًا: دلالة النصوص الشرعية على وجوب الأخذ بالتوقيت القمري المتمثل بالتاريخ الهجري وطرح التوقيت الشمسي المتمثل بالتاريخ الميلادي، ومن ذلك: أ - قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (¬2). ¬
وجه الدلالة: أن الله جعل الهلال علمًا على بداية الشهر ونهايته، فتكون الأهلة، مواقيت بهذا المعنى، كما يصح أن يكون الشهر بذلك قمريًّا، لارتباطه بالأهلة، وهي منازل القمر. قال الشافعي -رحمه الله -: "إن الله حتم أن تكون المواقيت بالأهلة فيما وقت لأهل الإسلام"، فقال تبارك وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}، إلى قوله: "فأعلم الله تعالى بالأهلة جمل المواقيت، وبالأهلة مواقيت الأيام من الأهلة، ولم يجعل علمًا لأهل الإسلام إلا بها، فمن أعلم بغيرها، فبغير ما أعلمَ الله أعلم" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - تعليقًا على الآية: "فأخبر أنها مواقيت للناس، وهذا عامٌّ في جميع أمورهم"، إلى قوله: "فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة بالشرع، ابتداء أو سببًا، من العبادة، وللأحكام التي ثبتت بشروط العبد، فما ثبت من الموقتات بشرع أو شرط، فالهلال ميقات له، وهذا يدخل فيه الصيام، والحج، ومدة الإيلاء والعدة وصوم الكفارة. . . وكذلك صوم النذر وغيره، وكذلك الشروط من الأعمال المتعلقة بالثمن، ودين السلم، والزكاة والجزية والعقل والخيار والأَيْمان وأجل الصداق ونجوم الكتابة والصلح عن القصاص، وسائر ما يؤجل من دين وعقد وغيرهما" (¬2). ب - قول الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (¬3). ¬
وجه الدلالة: أن الأصل الذي وصفه الله هو التوقيت بالهلال، وأن المعتبر في الإسلام هو الحول القمري المكون من اثني عشر شهرًا كما ذكر الله. قال القرطبي -رحمه الله - (¬1): "هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها، إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط". إلى قوله: " {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. أي: الحساب الصحيح والعدد المستوفي" (¬2). وقال الفخر الرازي: "قال أهل العلم: الواجب على المسلمين بحكم هذه الآية أن يعتبروا في بيوعهم، ومدد ديونهم، وأحوال زكواتهم، وسائر أحكامهم بالأهلة، لا يجوز لهم اعتبار السنة العجمية والرومية" (¬3). وقال: "الشهور المعتبرة في الشريعة مبنية على رؤية الهلال، والسَّنَة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية" (¬4). ج - قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} (¬5). وجه الدلالة: أن الله جعل السنين والحساب معلقًا بمنازل القمر، ولا يكون ¬
ذلك إلا باعتبار الأشهر القمرية المعلقة بطلوع الهلال دخولًا وخروجًا (¬1). د - قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يومًا" (¬2). وجه الدلالة: أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - علق دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال، ورتب الحكم الشرعي -وهو الصوم هنا - على ذلك. ثانيًا: أنَّ الاعتداد بالحول القمري والبناء عليه يتفق مع يسر الدين وسهولته ومخاطبته لجميع الناس، ذلك أن حسابه ومعرفة أيامه وأشهره في متناول الناس، ولا يحتاج فيه إلى متخصص. قال ابن القيم -رحمه الله -: "ولذلك كان الحساب القمري أشهرَ وأعرفَ عند الأمم، وأبعد عن الغلط، وأصح للضبط من الحساب الشمسي، ويشترك فيه الناس دون الحساب الشمسي" (¬3). وبذا يكون الحول القمري صالحا لكل الناس، العالم والجاهل، الحضري والبدوي، في القديم والحديث، مما يؤكد أن الأخذ به متعين دون الحول الشمسي، لما في الأول من عالمية تتناسب مع عالمية هذا الدين، لا سيما مع حاجة الناس كافة للاعتداد بتقويمٍ تسير عليه حياتهم على مختلف الأمكنة والأزمنة، فلم يكن إلا التقويم القمري الذي يحسب الحول القمري (¬4). ¬
أولا: لما تقدم من النصوص والنقول الدالة على وجوب اعتبار الحول القمري
وقد أفتت اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية بأنّ السَّنة المعتبرة في إخراج الزكاة هي السَّنة الهجرية والأشهر القمرية، ولا يؤخذ بالسَّنة الميلادية ولا الأشهر غير القمرية (¬1). وذهب بيت الزكاة في الكويت إلى مراعاة الحول القمري في إخراج الزكاة، إلا إذا تعسّر ذلك بسبب ربط الميزانية للشركة أو المؤسسة بالسَّنة الشّمسية، فإنَّه يجوز مراعاة السَّنة الشمسية، وتزداد النسبة المذكورة بنسبة عدد الأيام التي تزيد بها السنة الشمسية على القمرية فتكون السنة عندئذ (2. 575 %) (¬2). وعند التأمل يبدو الخلاف بين الاتجاهين أشبه باللفظي، إذ الجميع متفقون على اعتبار الحول القمري، وإنما أجاز بيت الزكاة احتساب الزكاة وفق الحول الشّمسي مع معادلته بالقمري، لإخراج القدر الزائد من المال الزكوي المقابل للزمن الزائد من الحول الشمسي، وقيدوا ذلك عند تعسُّر إخراجه بالحول القمري، إلا أنّ الأصل المتفق عليه هو احتساب الزكاة وفق التاريخ الهجري، ولا ينبغي الاعتداد بالتاريخ الميلادي في ذلك إلا مع المشقَّة المعتبرة لما يلي: أولًا: لما تقدم من النصوص والنقول الدالة على وجوب اعتبار الحول القمري دون الشمسي، لا سيما والحول الشمسي وضعي من وضع طوائف قبل الإسلام يزيدون فيه وينقصون، فهو لا يقوم على معيار منضبط بل على محض تحكم. ثانيًا: ولأننا قررنا عدم جواز الأخذ بالتقويم الشمسي المتمثل بالتاريخ الميلادي واحتساب المواقيت والأحوال عليه، ويترتب عليه عدم الاعتداد به. ¬
ثالثا: أن اعتبار الحول الشمسي في الزكاة المتمثل بالتاريخ الميلادي يؤدي لتأخر دفع الزكاة
ثالثًا: أن اعتبار الحول الشمسي في الزكاة المتمثل بالتاريخ الميلادي يؤدي لتأخر دفع الزكاة قرابة أحد عشر يوما، لزيادة الحول الشمسي عن الحول القمري أحد عشر يومًا، مما يترتب عليه ترك المسلم لزكاة سنة كاملة كل ثلاثين سنة تقريبًا، مما يعني تفويت ملايين المسلمين لزكاة عام مرة أو مرتين في أعمارهم، وهذا بلا شك يلحق الضرر بمصالح الأمة العامة والخاصة المنبثقة من مصارف الزكاة الثمانية (¬1). رابعًا: أن الاعتداد بالحول الشمسي يترتب عليه عدم تعلق الزكاة بذمة مزكيها في حال نقصان نصابه أو وفاته بعد تمام الحول القمري وعدم تمام الحول الشمسي، أي عدم وقوع ذلك في المدة الفارقة بين الحولين، وهي أحد عشر يومًا تقريبًا، وفي ذلك مفسدة لا تخفى، وتضييع لحق الله وحق عباده. فإن شقَّ احتسابها بالتاريخ الهجري مشقَّة معتبرة، فيجوز احتسابها بالتاريخ الميلادي بناء على جواز تأخير الزكاة عند الحاجة لذلك (¬2)، لا سيما أنَّه تأخير يسير (¬3)، والمشقَّة تجلب التيسير (¬4)، مع التقييد بما يلي: ¬
1 - أن تعلقها بذمة المزكي يثبت من تمام الحول الهجري، وتكون دينا عليه حتى يؤديها، فلو مات أخرجت من تركته قبل قسمتها. 2 - وجوب احتساب الفرق الناتج عن التأخر المذكور، وهو ما نصت عليه فتوى بيت الزكاة المشار إليها. وبذلك يتبين أن نهاية الحول الميلادي أصبح زمنا للإخراج وليس وقتًا للوجوب.
الفصل الثاني النوازل فيما يجب إخراجه من الأموال الزكوية
الفصل الثاني النوازل فيما يجب إخراجه من الأموال الزكوية وفيه ستة عشر مبحثًا: المبحث الأول: زكاة الزروع والثمار والماشية المبحث الثاني: زكاة المصانع ومواد التصنيع المبحث الثالث: زكاة الأوراق النقدية المبحث الرابع: زكاة الحساب الجاري المبحث الخامس: زكاة أسهم الشركات المبحث السادس: زكاة الشركات المتعددة الجنسيات
المبحث السابع: زكاة السندات المبحث الثامن: زكاة الصناديق الاستثمارية المبحث التاسع: زكاة المال العام المبحث العاشر: زكاة مال التأمين المبحث الحادي عشر: زكاة مكافأة نهاية الخدمة المبحث الثاني عشر: زكاة الراتب الشهري المبحث الثالث عشر: زكاة الحقوق المعنوية المبحث الرابع عشر: زكاة مال الإجارة المنتهية بالتمليك المبحث الخامس عشر: زكاة مال الاستصناع المبحث السادس عشر: حكم احتساب الضريبة من الزكاة
المبحث الأول زكاة الزروع والثمار والماشية
المبحث الأول زكاة الزروع والثمار والماشية وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: مقدار نصاب الزروع والثمار بالقاييس الحديثة المطلب الثاني: المقدار الواجب إخراجه من الزكاة فيما يسقى بالآلات الحديثة المطلب الثالث: زكاة الثمار المعدة للتجارة المطلب الرابع: زكاة الحيوانات المتخذة للاتجار بنتاجها كالألبان ونحوها
المطلب الأول مقدار نصاب الزروع والثمار بالمقاييس الحديثة
المطلب الأول مقدار نصاب الزروع والثمار بالمقاييس الحديثة وفيه مسألتان: المسألة الأولى: مقدار نصاب الزروع والثمار بالمقايس القديمة وفيها تمهيد وثلاثة فروع: التمهيد: ذهب جماهير العلماء إلى أن نصاب الزكاة في الزروع والثمار هو خمسة أوسق (¬1)، ولا زكاة فيها إذا لم تبلغ ذلك (¬2)، استدلالًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون ¬
الفرع الأول: مقدار المد النبوي
خمسة أوسق صدقة" (¬1). ولأجل معرفة مقدار هذا النصاب بالمقاييس الحديثة كان لا بد من معرفة مقدار الصاع النَّبوي (¬2)؛ لأنَّ النصاب مُقَدَّر بالأوسق، والوسق مقدر بالصاع، ويتبين مقدار الصاع بمعرفة المدّ لأنَّه مُقَدَّر به، فقد اتفق العلماء على أنَّ الصاع النبوي أربعة أمداد بِمُدِّه - صلى الله عليه وسلم - (¬3). الفرع الأول: مقدار المُدّ النبوي قدَّر جماعة من العلماء المُدَّ بأنه أربع حفنات بحفنة الرجل الوسط، أو بملء كفي الإنسان المعتدل إذا مدَّ يديه بهما (¬4). ¬
وذلك بالنظر إلى أنّ المدّ وحدة كَيل يقاس بها حجم ما يوضع فيها كما هو الحال في الصاع أيضًا، وقد عمد الكثير من العلماء إلى تحديد المدّ والصاع بالوزن، ليحفظ مقداره وينقل، لعدم وجود مقاييس متعارف عليها يضبط بها الحجم سابقًا، كما ذكر ذلك ابن قدامة -رحمه الله- فقال: "والأصل فيه -أي الصاع- الكيْل وإنما قدر بالوزن ليحفظ وينقل" (¬1). ولذا فقد قدر الفقهاء المد النبوي بالأرطال (¬2)، فذهب جمهورهم إلى أن المد النبوي هو رطل وثلث (¬3). مستدلين على ذلك بما جاء من الآثار الدالَّة أنَّ المعتمد في الكيل مكيال المدينة، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزانُ أهل مكة" (¬4)، وهو مجمع عليه عند أهل الحجاز كما قال أبو عبيد -رحمه الله-: "وأما أهل الحجار فلا اختلاف بينهم فيما أعلمه أنَّ ¬
الفرع الثاني: في مقدار الرطل
الصاع خمسة أرطال وثلث، يعرفه عالمهم وجاهلهم، ويباع في أسواقهم ويحمل، علمه قرنٌ عن قرن" (¬1). وقال ابن حزم -رحمه الله-: "فلم يسع أحدًا الخروج عن مكيال أهل المدينة ومقداره عندهم، ولا عن موازين أهل مكة، ووجدنا أهل المدينة لا يختلف منهم اثنان في أن مُدّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي تؤدى به الصدقات ليس أكثر من رطل ونصف، ولا أقل من رطل وربع، وقال بعضهم: رطل وثلث، وليس هذا خلافًا، ولكن على حسب رزانة المكيل، من البر والتمر والشعير" (¬2). وقال: "والاعتراض على أهل المدينة في صاعهم ومدهم كالمعترض على أهل مكة في موضع الصفا والمروة" (¬3). وقال ابن قدامة -رحمه الله-: "روى جماعة عن أحمد أنه قال: الصاع وَزَنْتُه فوجدته خمسة أرطال وثلث حنطة" (¬4)، ومنه يتبين أن المد يساوي رطلًا وثلثًا. الفرع الثاني: في مقدار الرطل والمقصود بالرطل المذكور في تحديد المد: هو الرطل البغدادي، وهو قول ¬
الفرع الثالث: مقدار وزن الدرهم
عامة الفقهاء (¬1)، وقد اختلفوا في تحديد مقداره على أقوال متقاربة، أقربها أنه يزن مائة وثمانية وعشرين درهمًا وأربعة أسباع الدرهم، وهو الأصح عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة، وقولٌ للمالكية، ورجحه ابن تيمية (¬2) وابن قدامة -رحمهم الله - وقال الأخير: "والرطل العراقي: مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع الدرهم، ووزنه بالمثاقيل: تسعون مثقالًا، ثم زيد في الرطل مثقال آخر، وهو درهم وثلاثة أسباع درهم، فصار إحدى وتسعين مثقالًا، فكملت زنته بالدراهم مائة وثلاثين درهمًا، والاعتبار بالأول قبل الزيادة" (¬3). الفرع الثالث: مقدار وزن الدرهم (¬4) اختلف المعاصرون في زنة الدرهم بالموازين الحديثة، وسبب خلافهم، هو اختلاف الفقهاء في زنة الدراهم بحبَّات الشعير، واختلافهم في أنواع الدراهم، فأما اختلافهم في زنة الدراهم بحبات الشعير فعلى أقوال، أبرزها قولان: القول الأول: إن وزن الدرهم الشرعي خمسون وخمسا حبة شعير، وهو قول الجمهور من المالكية (¬5) والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). ¬
القول الثاني: إن وزن الدرهم الشرعي سبعون حبة شعير، وهو قول الحنفية (¬1)، ولم أقف على أدلة للفريقين، إلا أنَّ الأرجح هو رأي الجمهور، وذلك لموافقة ذلك لما وجد من دنانير قديمة كما سيأتي بيانه. ويمكن الجمع بين القولين بأنَّ وزن الدرهم يتراوح بينهما لاختلاف حبة الشعير (¬2). وأما اختلافهم في أنواع الدراهم، فقد ذهب بعض الباحثين المعاصرين، كعلي باشا مبارك ومحمود الخطيب -رحمهما الله- إلى أن الدراهم نوعان: دراهم نقد، ودراهم كيل (¬3)، ولا دليل بَيِّنٌ على ذلك، بل الأظهر أنَّ الدرهم نوع واحد، وهو الدرهم النقدي الشرعي، فإذا استعمل في المكاييل كان درهم كيل، وإذا استعمل في المعاوضات كان درهم نقد، وقد أشار إلى ذلك أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- ولم ينص أحد من المتقدمين -فيما وقفت عليه- على خلاف ذلك (¬4). ¬
بل قال ابن الرفعة -رحمه الله- (¬1): "وقد صرح به الرافعي في الظهار، فقال: اشتهر عند أبي عبيد القاسم بن سلَّام أن درهم الشريعة خمسون حبة وخمسا حبة، وسمي ذلك درهم الكيل؛ لأنّ الرطل الشرعي منه يتركب، ويتركب من الرطل المد ومن المد الصاع" (¬2). قال محمد نجم الدين الكردي -رحمه الله-: "لم يثبت عند أحد الفقهاء الشرعيين أنّ هناك درهمًا للكيل مغايرًا في الوزن لدرهم الأموال" (¬3)، ولذا فإن المعاصرين اختلفوا في زنة الدرهم بالجرام على أقوال أبرزها قولان: القول الأول: إنّ الدرهم الشرعي يعادل 2. 97 جرام (¬4). ¬
والأرجح
القول الثاني: إنّ الدرهم الشرعي يعادل 3. 17 جرام (¬1). والأرجح هو القول الأول، وذلك أنه أمكن الوقوف على وزن الدينار الشرعي المسكوك في الدولة الأموية (¬2)، مع كون السبعة من الدنانير تساوي عشرة دراهم، فالنسبة بينهما سبعة إلى عشرة بلا خلاف، وقد قام بعض الباحثين بجمع الدنانير الإسلامية المسكوكة في عهد عبد الملك بن مروان (¬3) من بعض المتاحف وذلك على النحو التالي: اسم المتحف أو الكتالوج ... عدد الدنانير ... مجموع أوزانها ... وزن الدينار المتحف الفني الإسلامي المصري ... 19 ... 79. 955 جم ... 4. 2081 جم المتحف العراقي ... 4 ... 17. 017 جم ... 4. 2435 متحف لندن ود لجادو 7 ... 29. 705 جم ... 4. 2435 جم كتالوجات متاحف أجنبية 3 ... 12. 706 جم ... 4. 2353 جم المجموع 33 ... 139. 437 جم ... 16. 9549 ¬
فمتوسط الدينار من هذه المتوسطة هو 4. 2386 جرام وبالتقريب يكون: 24. 4 جرام ويكون وزن الدرهم بناء على ذلك 4. 24 × 0. 7 = 2. 968، وبالتقريب يكون 2. 97 جرام (¬1)، وقد وافقت هذه النتيجة بعض التجارب على حبات الشعير، حيث بلغ وزن اثنتين وسبعين حبة شعير ممتلئ ما يقارب 4. 25، وهو وزن الدينار الشرعي، وبما أنّ نسبة درهم النقد الشرعي إلى مثقال النقد الشرعي هي 7: 10 فيكون وزن الدرهم 2. 975 جرام، وبالتقريب 2. 97 فيكون موافقًا لما تقدم تقريبًا (¬2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والوسق ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمد خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، والرطل البغدادي ثمانية وعشرون درهما، والدراهم هي هذه التي هي من زمان عبد الملك، كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل، فمبلغ النصاب بالرطل البغدادي ألف وستمائة رطل، وتقديره بالدمشقي ثلاثمائة رطل واثنان وأربعون رطلًا وستة أسباع رطل" (¬3). ¬
المسألة الثانية: مقدار نصاب الزووع والثمار بالمقاييس الحديثة
المسألة الثانية: مقدار نصاب الزووع والثمار بالمقاييس الحديثة وفيها فرعان: الفرع الأول: مقدار النصاب بوحدة قياس الوزن [الجرام] (¬1): وبناءً على ما تقدم من وزن الدراهم يتبين لنا وزن المد النبوي بالجرام وذلك، أن الرطل يساوي 128 درهمًا. والمد يساوي رطلًا وثلثًا، فنعرف وزن المد بالطريقة التالية: 2. 97 × 128 × 1. 3 - 508. 75 جرام. ولما كان الصاع يساوي أربعة أمداد، علمنا أن وزنه يتبين بالطريقة التالية: 508. 75 × 4 - 2035 جرامًا. أي: كيلوان وخمس وثلاثون جرامًا من الحنطة الرزينة (¬2). وقد ذهب بعض المعاصرين (¬3) إلى أن وزن الصاع يساوي 2173 جرامًا وذلك اعتمادًا على أن وزن الدرهم هو 3. 17 جرام، كما تقدم بيانه واستبعاده (¬4). ¬
وقد خلصت هيئة كبار العلماء في السعودية إلى أنّ مقدار الصاع بالكيلو، وكان البحث معتمدًا على أنّ صاع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أربعة أمداد، والصاع يساوي: 2600 جرام، وأن المدّ ملء كفي الرجل المعتدل، وكان تحقيق وزن المد في البحث لديهم هو 650 جرامًا تقريبًا، فيكون الصاع: 650 × 4 - 2600 جرام (¬1)، وقد صدرت الفتوى منهم بأكثر من ذلك حيث قدروا الصاع بما يقارب ثلاثة كيلو، وهو يعادل (3000) جرام، (¬2) إلا أنه يشكل على ذلك تفاوت الأيدي تفاوتًا كبيرًا، مع تفاوت المادة المكيلة أيضًا، مما يدفع للنظر في طريقة أدق مع تحديد نوع المكيل أيضًا (¬3). ومما تقدم يتبيَّن، أن الأرجح هو القول الأول، الذي حدد وزن الصاع بـ (2035 جرامًا)، أي: كيلوان وخمسة وثلاثون جرامًا (¬4). وبناء عليه: يكون وزن النصاب المكون من خمسة أوسق، بمعرفة أن الوسق ستون صاعًا فتكون النتيجة: 300 × 2035 = 610. 5 كيلوجرام. ¬
الفرع الثاني: معرفة النصاب بوحدة قياس الحجم بالمليلتر
الفرع الثاني: معرفة النصاب بوحدة قياس الحجم بالمليلتر (¬1) تقدم تقدير الصاع بالوزن بوحدة قياس الكتلة والثقل وهي (الجرام)، مع كون الصاع يقوم على قياس الحجم، إلا أنَّ الفقهاء صنعوا ذلك لعدم وجود مقياس يمكن به قياس المكيل وضبطه، وقد استخدم وحدة قياس للحجم وهي (اللتر)، مما يحقق نتائج أدق من القياس بالجرام (¬2)، وإن كنا سنحتاج إلى نتيجة الوزن؛ لمعادلتها بقياس الحجم في إحدى الطرق الاستنتاجية؛ ولذا فإنه يمكن معرفة النصاب باللتر في أحد الطرق التالية: الطريقة الأولى: تحديد حجم الصاع بالمللتر عن طريق قياس حجم وزنه بالجرام؛ وهو (2035 جرامًا) من الحنطة الجيدة المتوسطة، وقد قام أحد الباحثين بوزن ذلك بإناء يقيس الحجم في إدارة المختبرات التابعة لهيئة المواصفات والمقاييس، وكانت النتيجة (2430) مللتر من البر الجيد المتوسط، أي: لتران وأربعمائة وثلاثون مليلتر، ويكون النصاب عندئذٍ 2430 × 300 = 729 لترًا تعادل خمسة أوسق (¬3). الطريقة الثانية: قياس حفنة الرجل المعتدل الخلقة وقد قام بعض الباحثين في الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس بقياس حفنة أربعين رجلًا معتدل الخلقة، فكان المتوسط هو 628 مليلترًا (¬4)، وهو ما يعادل مدًّا، فيكون الصاع 628 × 4 = 2512، فيكون الفارق بين هذا الطريق والذي ¬
الطريقة الثالثة
قبله 82 مليلترًا، وهو فارق يسير، لا سيما مع صعوبة التحديد الدقيق لوزن الصاع وحجمه، علمًا بأن النصاب يكون 753. 600 لترًا. الطريقة الثالثة: قياس حجم الصاع بالوقوف على أصواع أو أمداد نبوية أثرية من عصور متقدمة، فلمّا لم يكن ذلك، تيسرت لي إجازة مدّ نبوي، حيث عدلت حجم مدّي بمدّ شيخي (¬1)، وعدل هو مدّه بمدّ شيخه، وهكذا عدل كل واحد في الإسناد مدّه بمدِّ شيخه حتى عُدِل المدّ بمدّ زيد بن ثابت، الذي كان يؤدي به زكاة الفطر للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبمعايرة المدّ الموجود لديَّ بالماء في إدارة مختبرات هيئة المواصفات والمقاييس تبين أن سعته هي 786 مللترًا، فيكون حجم الصاع 786 × 4 = 3144 مليلترًا، ويكون الفرق بينه وبين الطريق الذي قبله 632 مليلترًا، كما أن بينه وبين الطريق الأول 714 مليلتر، وهو فارق كبير، ويكون النصاب بناءً على النتيجة الأولى 943. 200 لترًا، وقد وجدت أمدادًا أخرى مسندة، إلا أن الفارق بينها وبين المد المذكور ليس كبيرًا (¬2). ¬
فيشكل على هذا الطريق التفاوت الكبير بينه وبين الطرق الأخرى، لا سيما مع تطرق الخطأ في صناعة الأمداد ومعادلتها، حيث يتكرر ذلك أكثر من عشرين مرة تقريبًا، مما ينتج عنه زيادة أو نقص في الأمداد بلا شك، لا سيما مع عدم توفر المقاييس في العصور السابقة. ولذا فإن الأخذ بنتيجة هذا الطريق يكون متى غلب على الظن سلامة الأمداد من التفاوت الكبير، كما لو وجد أحد الأمداد أو الأصواع يرجع إلى زمن قديم، وتأكد لنا من إسناده ودقة رجاله، أمَّا والأمر كذلك، فالذي يظهر لي الأخذ بالطريقين الأوليين، وأدقُّهما هو الطريق الأول، وبه يتحقق اليقين لكونه الأقل، مع أن الأمر على التقريب لا على التحديد، ذلك أنه لا يمكن ضبط الصاع النبوي على التحديد لعدم وجوده بعينه، أما وزنه ثم نقله فإنه لا يسلم من التفاوت مهما دق الموزون وتماثل (¬1) كما أنَّ الحسابات مهما بلغت، فلا بدَّ فيها من الخلل نتيجة اختلاف المآخذ والأقيسة، وهذا هو الموافق لمقاصد الشريعة القائمة على التيسير، والذي يتأكد مراعاته هنا لا سيما مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" (¬2). فما كان من جنس تلك المسائل، وشق ضبطه على التحديد فيكون الأمر فيه على التقريب، ولا يعني ذلك التفريط، بل يجب الاجتهاد في الوصول للحق مع عدم اطراح التقادير الأخرى، لا سيما المقاربة والقائمة على أساس معتبر (¬3). ¬
المطلب الثاني المقدار الواجب إخراجه من الزكاة فيما يسقى بالآلات الحديثة
المطلبْ الثاني المقدار الواجب إخراجه من الزكاة فيما يسقى بالآلات الحديثة اتفق العلماء على وجوب إخراج العشر في زكاة الزروع والثمار إذا لم تُسْق بكلفة ومؤونة، ونصف العشر فيما سُقي بكلفة ومؤونة (¬1)، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا (¬2) العشر، وفيما سُقِي بالنضح نصف العشر" (¬3)، فإن قيل: هل يتغير الواجب الزكوي المخرج زيادة أو نقصًا، نظرًا لزيادة التكاليف والإنتاج أو لا؟ فالجواب: بأنه لا تأثير لنفقات الري بالوسائل الحديثة على القدر الواجب إخراجه زكاة لا زيادة ولا نقصًا، وذلك لأن الوسائل الحديثة وإن كانت باهظة التكاليف إلا أنه يترتب على ذلك زيادة في الإنتاج، فلا ينقص الواجب المخرج عن المقدر شرعًا، وهو نصف العشر لما سقي بمؤونة، كما أنه لا تأثير لزيادة الأرباح ¬
باستخدام تلك الوسائل في زيادة القدر المخرج زكاة ورفعه عن نصف العشر. ولأن هذا الربح تقابله كلفة زائدة، ولا يمكن ضبط الأمر بغير ما ضبطه به النص؛ للتفاوت في أنواع الكلفة والمؤونة والأرباح (¬1). ¬
المطلب الثالث زكاة الثمار المعدة للتجارة
المطلبْ الثالث زكاة الثمار المعدة للتجارة (¬1) يجتمع في الثِّمار المعدَّة للتجارة سببان للزكاة: أولهما: كونها عروض تجارة ويجب فيها ربع العشر. وعروض التجارة: هي كل ما أُعد للبيع والشراء من العقارات والسيارات والسلع، فإذا حال عليها الحول من نيتها للتجارة وبلغت نصابا فإن الزكاة تجب فيها، فتقوّم عند تمام الحول، ويخرج ربع عشر قيمتها، ويدل على ذلك ما رواه سمرة بن ¬
جندب رضي الله عنه قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أمرنا أن نخرج الصدقة من الذي تعد للبيع (¬1). وثانيهما: كونها زروعًا وثمارًا، ويجب فيهما العشر أو نصفه أو ثلاثة أرباعه. فقد اتفق الفقهاء (¬2) في زكاة الزروع والثمار على أن ما سقي بالأمطار وماء الأنهار بلا آلة وجب فيه العشر، وأما المسقي بآلة، كالدلو والدولاب والساقية والناقة ونحو ذلك فيجب فيه نصف العشر، لأن المؤنة تكثر فيه وتقل فيما يسقى بالسماء أو السيح. وقد نقل أبو شجاع من الشافعية عن البيهقي الإجماع على ذلك، كما حكاه صاحب البحر الزخار من الزيدية، وقال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافًا، وفي صحيح مسلم: "وفيما يسقي بالساقية نصف العشر" (¬3). ولا يشترط الحول في زكاة الزروع والثمار اتفاقًا لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]؛ لأن الخارج نماء في ذاته فوجبت فيه الزكاة فورًا كالمعدن، بخلاف سائر الأموال الزكوية، فإنما اشترط فيها الحول ليمكن فيه الاستثمار. ¬
وقد اتفق الفقهاء أنه لا تجب فيها الزكاة مرتين للسببين المذكورين إذا تحققت فيها شروط الوجوب، واستدلوا على ذلك بما رُوِي من حديث فاطمة بنت حسين (¬1) مرفوعًا: "لا ثناء في الصدقه" (¬2)، وإنما يجب إحدى الزكاتين، على خلاف بينهم أي الزكاتين هي الواجبة؟ وذلك على قولين: القول الأول: تجب فيها زكاة التجارة، وهو قول الحنفية (¬3) والشافعية في القديم (¬4)، والمذهب عند الحنابلة (¬5). القول الثاني: تجب فيها زكاة العين، وهو قول المالكية (¬6) والشَّافعية ¬
في الجديد (¬1)، وقولٌ عند الحنابلة (¬2). الأدلة: دليل القول الأول: استدلوا بأن زكاة التجارة أنفع للفقراء؛ لأنها تجب فيما زاد بالحساب، وتزداد بزيادة القيمة (¬3). ويناقش: بأنه لا يلزم أن تكون أنفع للفقراء بكل حال، فقد يكون المقدار المخرج زكاة زروعًا وثمارًا أكثر؛ لكونه يعادل العشر أو نصفه أو ثلاثة أرباعه، بينما زكاة عروض التجارة تعادل ربع العشر، كما أن تقويمها إذا كانت عروضًا قد يقل لانخفاض قيمتها فتقصر عن النصاب، أو يكون نصابها متدنيًا بخلاف زكاة الزروع فهي ثابتة؛ لاعتمادها على الكيل. أدلة القول الثاني: 1 - أن زكاة العين أقوى؛ للإجماع عليها ولتعلقها بالعين (¬4). 2 - أن نصابها يعرف قطعا بالعدد والكيل، بخلاف زكاة التجارة فإنما يعلم نصابها بالتقويم وهو ظني (¬5). ¬
يناقش: بأن استعمال الظن وارد في زكاة العين أيضًا عند الخرص لتقويم النصاب. 3 - أن زكاة العشر أحظّ للفقراء من زكاة ربع العشر. يناقش: بأن زكاة العشر أحظّ من وجه، وزكاة التجارة أحظّ من وجه، كما تقدم (¬1). الترجيح: يترجح القول الثاني لما يلي: أولًا: عموم الأدلة القاضية بإيجاب زكاة العين في الزروع والثمار. ثانيًا: أن زكاة العين أقوى؛ للإجماع عليها، وتعلقها بعين المال المزكى. ثالثًا: أن الشارع لم يكن ليخفى عليه عند إيجاب زكاة الزروع والثمار أن كثيرًا من زارعيها أرادوا بها التجارة، ومع ذلك اكتفى فيها بتقرير زكاة الزروع والثمار. رابعًا: أننا لو قلنا بتساوي الأدلة، فليس إيجاب زكاة التجارة فيها بأولى من إيجاب زكاة الزروع والثمار، فنبقى على الأصل وهو المتعلق بعين المزكى، وهو زكاة الزروع والثمار. ولتنزيل حكم الثمار المعدة للتجارة على الواقع فإنها لا تخلو من حالين: الحال الأولى: أن يكون مالكها يزرعها ثم يبيعها، فإنَّه يجري في هذه المسألة الخلاف السابق، ويترجح ما سبق وهو زكاتها زكاة العين بإخراج العشر أو نصفه من الزروع والثمار، والمتعين غالبًا في هذه الأزمان هو نصف العشر، لوجود الكلفة في الزراعة والتخزين ونحوها من متطلبات الزراعة الحديثة. ¬
الحال الثانية: أن يكون مالكها يشتري المحصول بعد حصاده ليبيعه، فتجب فيها زكاة التجارة؛ لأنها عروض تجارة، ولم تصدق عليها أحكام زكاة الزروع والثمار؛ لأنها إنما تكون عند الحصاد؛ لعموم الآية: {وَكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (¬1). ولذلك قال الإمام مالك -رحمه الله-: "والأمر عندنا في الرجل يشتري بالذهب أو الورق حنطة أو تمرًا أو غيرهما للتجارة، ثم يمسكها حتى يحول عليها الحول، ثم يبيعها، أن عليه فيها الزكاة حين يبيعها إذا بلغ ثمنها ما تجب فيه الزكاة، وليس ذلك مثل الحصاد يحصده الرجل من أرضه، ولا مثل الجداد". وقال في المنتقى معلقًا على كلام الإمام مالك: "وهذا كما قال، أنه إذا اشترى حنطة أو تمرًا للتجارة ثم باعه بعد الحول، فإنَّه يزكي ثمنه زكاة الأثمان، ولا يزكيه زكاة الحبوب؛ لأنَّ الحبوب إنَّما تزكى زكاتها عند تنميتها على وجه الحرث وهو الزراعة، والتنمية بالتجارة إنَّما هي تنمية الذهب والفضة، والذي يراعى في ذلك جهة التنمية، فإن كانت من جهة الزراعة روعي فيها نصاب الحب، وكانت الزكاة في عينه، وإذا كانت التنمية بالتجارة روعي نصاب الثمن، وكانت الزكاة في قيمة الحب دون عينه" (¬2). علمًا بأنَّ القدر الواجب في الحالين المذكورتين إنَّما يجب إخراجه بعد تحقق ما يلي: ¬
أولًا: بلوغ المال الزكوي نصابًا وهو خمسة أوسق في زكاة الزروع والثمار (¬1)، وقد تقدمت معادلتها بالمكاييل والأوزان الحديثة (¬2)، أما في زكاة التجارة فيكون النصاب هو نصاب النقدين بعد تقويم العروض، وسيأتي بيانه تفصيلاً إن شاء الله (¬3). فإن بلغت إحدى الزكاتين نصابًا دون الأخرى، فإنَّه يجب إخراج الزكاة مما بلغ نصابًا، سواءً كانت زكاة تجارة، أو زكاة زروع وثمار، لوجود مقتضيها من غير معارض (¬4). ثانيًا: يتم حساب المال الذي يخضع للزكاة بعد استخراج الأصول الثابتة المستخدمة في إنتاج وبيع تلك الثمار، مثل الأبنية والأجهزة كالثلاجات والمعدات الزراعية ونحوها، لكونها عروض قنية، وليست للتقليب والنماء، فلا يجب فيها زكاة التجارة، وهي ليست من الزروع والثمار فزكاتها إنما تؤخذ منها (¬5). ثالثًا: مضي الحول، ويتحقق ذلك بالحصاد في زكاة الزروع والثمار، وبتمام سنة قمرية على العروض من حيث نية التجارة فيها، فإن سبق حول إحداهما الأخرى ¬
وجبت زكاة ما مضى عليه حول، سواء كانت زكاة تجارة أو زكاة زروع وثمار؛ لوجود مقتضيها من غير معارض (¬1). ¬
المطلب الرابع زكاة الحيوانات المتخذة للاتجار بنتاجها كالألبان ونحوها
المطلبْ الرابع زكاة الحيوانات المتخذة للاتجار بنتاجها كالألبان ونحوها (¬1) فإن مما لا يخفى تنوع التجارات في هذه الأزمنة وكثرتها، ومن تلك التجارات التي نمت، وكثر طلابها وارتفعت أرباحها؛ تجارة المنتجات الحيوانية كالألبان والبيض ونحوها، مع عدم بحث تلك المسألة عند متقدمي الفقهاء؛ لندرة وقوعها قديمًا، مما يستدعي بحث المسألة ببيان أقسامها وأحكامها (¬2)، وقد تعرَّض لها بعض الفقهاء المعاصرين، إلا أنها ما زالت تحتاج إلى البحث والتحرير؛ لذا فإنه يمكن تقسيم تلك المنتجات الحيوانية إلى قسمين - وذلك بحسب الحيوانات المنتجة - على النحو التالي: ¬
القسم الأول
القسم الأول: أن تكون الحيوانات المنتجة مما تجب الزكاة في عينه، كسائمة بهيمة الأنعام من إبل وبقر وغنم، فقد اختلفوا في حكم الزكاة فيها، وفي منتجاتها على أقوال ثلاثة وهي: القول الأول: وجوب تزكية السوائم مع إنتاجها زكاة التجارة، وقال بذلك الدكتور أحمد الكردي (¬1)، والدكتور محمد رأفت عثمان، حيث قال: ما تنتجه هذه الحيوانات من ألبان، وما يستخرج منها، كالجلد والزبد والقشدة، وكذلك لحوم ما يذبح منها وجلودها، فإن الموجود منه في نهاية العام يجب أن تقومه الشركة وتضيف القيمة إلى ثمن الحيوانات نفسها المنتجة له، إذا بلغ ذلك كله نصاب زكاة الأثمان وجب أن يخرج منه ربع العشر، وهذا ما صرَّح به الفقهاء القدامى، حيث يقول جلال الدين المحلِّي (¬2) في شرحه لمنهاج الطالبين للنووي بعد أن ذكر الرأي الجديد والقديم للشافعي القائل بتزكية الحيوانات زكاة التجارة: "تقوَّم مع دَرِّها ونسلها، وصوفها، وما اتخذ من لبنها، بناء على أن النتاج مال تجارة" (¬3). القول الثاني: تزكى الحيوانات المنتجة زكاة السائمة (¬4)، وتزكى غلتها زكاة ¬
القول الثالث
التجارة، وقال بذلك الدكتور محمد بن عبد الغفار الشريف (¬1). القول الثالث: تُزَكَّى الغَلَّة زكاة النقود، ويكون ذلك عند استفادته أو بعد حولان حول على ذلك، وقال بذلك الدكتور الخضر علي إدريس (¬2)، وعليه العمل في ديوان الزكاة بالسودان (¬3)، ومال إليه الشيخ عبد الله بن منيع، مع جعل زكاة الغلة بعد حولان الحول (¬4). الأدلة: دليل القول الأول: أن الحيوان ونتاجه مال قصد به التجارة فيجب تزكيته زكاة التجارة. ونوقش: بأنه لا يُسَلَّمُ بأن المال في هذه الصورة هو عروض تجارة، وذلك لأنَّ العروض هي التي تُعدُّ للتقليب في البيع والشراء، وليس الأمر كذلك هنا، ¬
دليل القول الثاني
فالحيوانات لا يقصد الاتجار ببيعها وشرائها، وإنما ببيع نتاجها (¬1). دليل القول الثاني: أن الحيوانات المنتجة مما تجب الزكاة في عينه؛ لكونها سائمة أنعام، أما نتاجها كالألبان ونحوها فهي مال آخر تجب فيه زكاة التجارة، فهما مالان تجب في كُلٍّ منهما زكاة تختلف عن الأخرى لاختلاف سببها، ففي سائمة الأنعام تجب الزكاة بسبب السَّوم، وفي الغلة أو النتاج تَجِب الزكاة بسبب الاتجار به. ونوقش: بأن وصف التجارة يزيل سبب زكاة السوم، وهو الاقتناء لطلب النماء، كما أَنَّهما في الحقيقة مال واحد، فالغلّة ناتجة عن الحيوان، ولا يجوز تثنية الزكاة في الملك الواحد (¬2). دليل القول الثالث: أن هذه الحيوانات مستغلات تجب الزكاة في غلتها، لأنَّ الغلة مال نامٍ قائم تجب تزكيته، وليس هو عرض تجارة ولا زرع، وهو آيل لأثمان يقبضها صاحبها، فتجب تزكيتها زكاة النقود (¬3). ونوقش: بأنه لا يُسَلَّم اعتبارها مستغلات؛ لكون الأصل الذي نتجت عنه الغلة تجب الزكاة في عينه، وأما الغلَّة فإن بقيت وحال عليها الحول فهي مال تجارة لا أثمان، وإن بيعت فالزكاة واجبة في قيمتها بعد حولان الحول وما نتج عنها من أرباح (¬4). ¬
الترجيح
كما أن زكاة المستغلات مسألة خلافية بين أهل العلم، ولا يصح الاستدلال بمحل النزاع ولا القياس على أصل مختلف فيه (¬1). الترجيح: لا يخلو الأمر من حالين: 1 - أن تكون تلك الحيوانات سائمة، فالأقرب هو القول الثاني، وهو إيجاب الزكاة فيها إذا بلغت نصابًا وحال حولها، وذلك للنَّص على وجوب زكاة السائمة، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة شاة" (¬2)، وقوله: "في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون. . . " (¬3)، وللإجماع على زكاة السائمة، ولأن الاستفادة مما تنتجه لا يلغي وصف السوم الموجب للزكاة فيها، ولا تعارض به الأدلة الشرعية، ويعتبر إنتاجها من الألبان ونحوها مالًا آخر تجب الزكاة فيه إذا اتخذ للتجارة، وحال الحول عليه وبلغ نصابًا، فيزكى زكاة التجارة، فإن بيع فيزكى ثمنه وأرباحه بعد حولان الحول على إنتاجه وبلوغه النصاب، فإن تعسّر ذلك فيمكن تحديد يوم في السنة لتزكية جميع ما لدى المزكي من النصاب. 2 - ألا يتحقق فيها وصف السوم - وهو الغالب - فالراجح هو القول الثالث، وهو تزكية غلتها بعد حولان حول عليها. ¬
القسم الثاني
سبب الخلاف: اجتماع أكثر من وصف في المال المراد زكاته، وهي وصف السوم في الأنعام، ووصف التجارة في الغَلّة، مع خلافهم في المراد بالمستغلات وفي حكم زكاتها، فمن اعتبر وصف السوم وقدمه على وصف التجارة قال بزكاة السائمة، ومن ألغى وصف السوم لوجود وصف التجارة فإنه يقول بزكاة التجارة، ومن اعتبر الحيوانات وغلتها مالَيْن، فقد أوجب الزكاة في كُلٍّ منهما، لوجود مقتضيها وانتفاء المانع منها، ومن اعتبر الحيوانات من المستغلات أجرى فيها الخلاف في زكاة المستغلات وسيأتي (¬1). القسم الثاني: أن تكون الحيوانات المنتجة مما لا تجب الزكاة في عينه كالغزلان والطيور والوحوش ونحوها، فقد اختلفوا في حكم زكاتها وزكاة غلتها على أقوال أبرزها: القول الأول: وجوب تزكية الحيوانات مع غلتها زكاة التجارة، وقال بذلك الدكتور أحمد الكردي (¬2)، والدكتور محمد رأفت عثمان (¬3)، ويمكن تخريج هذا على قول عند المالكية، ورواية الحنابلة في إيجاب زكاة حلي الكراء (¬4)، فقد خرَّج ابن عقيل (¬5) على هذه الرواية وجوب تزكية العقار المعد للكراء، وكل سلعة تؤجر وتعد للإجارة (¬6). ¬
القول الثاني
القول الثاني: وجوب تزكية الغلة زكاة النقود، عند استفادتها أو حسب ما يراه الإمام، وقال به الدكتور الخضر إدريس (¬1)، ومال الشيخ عبد الله بن منيع إلى ذلك، ولكن بعد حولان الحول على استفادة الغلة (¬2). القول الثالث: وجوب تزكية غلة الحيوانات، كالألبان والبيض ونحوها زكاة العسل وهو قول الدكتور يوسف القرضاوي (¬3). أدلة الأقوال: تقدمت الإشارة إلى دليل القولين الأولين، ومناقشتهما في المسألة السابقة، حيث إن القائلين بهما يعممون القول، سواءً فيما وجبت الزكاة في عينه، أو فيما لم تجب (¬4). أما دليل القول الثالث: فهو قياس ألبان البقر ونحوها على عسل النحل بجامع أن كُلًّا منهما خارج من حيوان لا تجب الزكاة في أصله، ولما كان مقدار الزكاة في ¬
الترجيح
المقيس عليه هو العشر، ثبت أن ذلك هو مقدار الزكاة في المقيس، وهو العشر من صافي إيراد منتجات الحيوانات من الألبان والبيض ونحوها (¬1). ونوقش: بأن المقيس عليه وهو العسل لم تثبت الزكاة فيه، فليس في زكاة العسل شيء يصح، فقد حكم كثير من المحدثين على أحاديثه بالانقطاع أو الإرسال أو الحمل على معنى غير وجوب الزكاة فيه (¬2). الترجيح: يتبين مما تقدم أنه لا يتوجه إيجاب الزكاة في الأصل وهو الحيوان؛ لأنه مما لا تجب الزكاة في عينه، فليس نقدًا ولا سائمة ولا زروعًا وثمارًا، كما أنه ليس عرض تجارة يقلب في البيع والشراء، وإنما هو مال يستفاد من غلته لبيعها لغرض التجارة، فيترجح القول بزكاة الغلة زكاة عروض تجارة من عينها أو ثمنها عند حولان الحول على استفادتها وبلوغها النصاب. وأما القول بتزكية الغلة زكاة العسل، فلا يستقيم الاستدلال به على المخالف في إيجاب الزكاة في الأصل المقيس عليه وهو العسل، ومن المعلوم أن من شروط الأصل في القياس كونه متفقًا عليه بين الخصمين (¬3). ¬
المبحث الثاني زكاة المصانع ومواد التصنيع
المبحث الثاني زكاة المصانع ومواد التصنيع وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: حكم زكاة المصانع المطلب الثاني: زكاة السلع المصنعة المطلب الثالث: زكاة المواد الخام المطلب الرابع: زكاة المواد المساعدة في التصنيع
المطلب الأول حكم زكاة المصانع
المطلبْ الأول حكم زكاة المصانع (¬1) تحدث الفقهاء عن زكاة المستغلات (¬2)، وذلك بذكر حكم زكاة صور منها، وإلا فإنَّ إطلاق لفظ المستغلات والحديث عنها عمومًا حادث في القرون المتأخرة، أفاض فيها فقهاء العصر الحاضر، لا سيما في الهيئات والمؤتمرات الفقهية (¬3)، ¬
القول الأول
ومن الأمثلة البارزة لمسألة المستغلات: المصانع، وذلك لكونها نشأت حديثًا وتطورت سريعًا، مما جعلها من أكبر قنوات الاستثمار في العصر الحاضر بضخامة رؤوس أموالها وأرباحها مع تنوع أنشطتها وأشكالها (¬1)، مما يدعو لتركيز البحث عليها وتوجيه الجهد إليها، ولذا فإنني سأعرض خلاف الفقهاء في زكاة المستغلات، وأُنزِّل هذا الخلاف على مسألتين، حيث جرى الخلاف في زكاة المستغلات على الأقوال التالية: القول الأول: عدم وجوب الزكاة في المستغلات، وإنما تجب الزكاة في الغلة بعد مضي حول على إنتاجها وبلوغها نصابًا، واختاره الشوكاني (¬2) (¬3) وصديق حسن (¬4) (¬5)، وهو رأي مجمع الفقه الإسلامي (¬6)، ويتخرج على قول جمهور الفقهاء ¬
القول الثاني
من الحنفية (¬1) والمالكية في المشهور (¬2) والشافعية (¬3)، والمذهب عند الحنابلة (¬4) فيما أعد للكراء، بأنه لا زكاة في أصله، وإنما في غلَّته بعد مضي الحول. قال الشافعي: "والعروض التي لم تشتر للتجارة، والأموال ليس فيها زكاة بأنفسها، فمن كانت له دور أو حمامات لغلة أو غيرها، وثياب كثرت أو قلت ورقيق كثر أو قل لا زكاة فيها، ولذلك لا زكاة في غلاتها حتى يحول عليها الحول في يد مالكها" (¬5). القول الثاني: وجوب زكاة التجارة في قيمة أعيان المستغلات وغلتها، وهو قول الدكتور رفيق المصري (¬6) والدكتور منذر قحف (¬7)، فيجب تزكية أصول المصانع وإنتاجها بتقويمها وإخراج ربع العشر بعد مضي حول على الإنتاج، وقد نسب بعضهم هذا القول لابن عقيل الحنبلي (¬8) تخريجًا على إيجابه زكاة التجارة في العقار المعد للكراء، وقد خرج ذلك على روايةٍ في المذهب في إيجاب الزكاة في حلي الكراء (¬9)، وتقدم بيان ذلك (¬10). ¬
القول الثالث
القول الثالث: وجوب تزكية الغلة زكاة الزروع والثمار، وهو قول لأبي زهرة والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ عبد الرحمن حسني (¬1)، والدكتور القرضاوي (¬2)، والدكتور مصطفى الزرقا (¬3). فيجب تزكية غلة المصانع عند استفادتها بإخراج العشر أو نصفه. الأدلة: أدلة القول الأول: 1 - عدم وجود نص من كتاب أو سنة في وجوب الزكاة في أعيان المستغلات والأصل براءة ذمة الناس من هذه التكاليف، وحفظ أموالهم، ولا يجوز مخالفة ذلك إلا بنص صريح ولا وجود لذلك، قال الشوكاني في تعليقه على زكاة المستغلات: "هذه مسألة لم تطنّ على آذان الزمن، ولا سمع بها أهل القرن الأول، الذين هم خير القرون ولا القرن الذي يليه، وإنما هي من الحوادث اليمنية، والمسائل التي لم يسمع أهل المذاهب الإسلامية على اختلاف أقوالهم، وتباعد أقطارهم، ولا توجد عليها آثار من علم، لا من كتاب ولا سنة ولا قياس، وقد عرفناك أن أموال المسلمين معصومة بعصمة الإسلام، لا يحل أخذها إلا بحقها، وإلا كان ذلك من أكل أموال النَّاس بالباطل" (¬4). ¬
ونوقش: بأنَّ عدم وجود نص في زكاة المستغلات لا يدل على عدم وجوب الزكاة فيها، فإنما نصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأموال النامية التي كانت منتشرة في المجتمع العربي في عصره وقيس عليها غيرها. وأجيب: بأنَّ المستغلات كانت منتشرة في المجتمع العربي في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد كان الناس في زمنه - صلى الله عليه وسلم - يستأجرون ويؤجرون ويقبضون الأجرة ويدل على ذلك: أ - ما روي عن طاوس (¬1) أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أكرى الأرض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم على الثلث والربع فهو يعمل به إلى يومك هذا (¬2). ب - وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يكري مزارعه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية رضي الله عنهم (¬3). ج - وعن رافع بن خديج رضي الله عنه (¬4) قال: حدثني عمَّاي أنهم كانوا ¬
يكرون الأرض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ينبت على الأربعاء (¬1) أو شيء ينبته صاحب الأرض، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لرافع: فكيف هي بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار والدرهم (¬2). فهذه النصوص تدل على انتشار الأجرة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كانوا يستأجرون ويؤجرون ويقبضون الأجرة، ولم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال بوجوب الزكاة في أعيان المستغلات. 2 - قياس المستغلات على عروض القنية المعفاة من الزكاة بجامع الحبس في كلٍّ منهما (¬3). ونوقش: بأنه قياس مع الفارق، لأن عروض القنية مشغولة بحاجات الفرد الأصلية كالبيت المعد للسكنى، بخلاف المستغلات، فهي مشغولة بحوائج التجارة كالبيت المعد للإيجار (¬4). وأجيب: بأن هذا الفرق غير مؤثر، لأن كلًّا منهما غير معد للبيع فلا تجب الزكاة فيها، كما أن المستغلات مشغولة بحاجة أصلية والتزام اقتصادي أساسي لاستبقائها والاحتفاظ بها لقيام الإنتاج الصناعي عليها. ¬
أدلة القول الثاني
ثم إنه يمكن التفريق بينهما بإيجاب الزكاة في الغلة؛ مع عدم إيجابها في الأصول الثابتة (المستغلات) (¬1). أدلة القول الثاني: 1 - عموم الأدلة القاضية بوجوب الزكاة، كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬2)، فهي عامَّة تشمل جميع الأموال، بما فيها أعيان المستغلات وغلتها (¬3). ونوقش: بأنَّ هذا العموم مخصوص بالأحاديث الواردة في إعفاء الحاجات (¬4) الأصلية من الزكاة، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" (¬5). 2 - قياس المستغلات على عروض التجارة بجامع النماء والربح في كُلٍّ، فالنماء هو علة وجوب الزكاة في عروض التجارة وغيرها من الأموال الزكوية، وهذه العلة موجودة في المستغلات، فتجب الزكاة في أعيانها وغلتها لتحقق علة النماء فيها (¬6). ونوقش: بعدم التسليم بأن النماء علة وجوب الزكاة، بل هو شرط لوجوبها، ¬
ووجود الشرط لا يلزم منه وجود المشروط، ولذا لم تجب الزكاة في الحمُرُ ولا في الغنم المعلوفة مع أنَّها نامية (¬1). ثم إن القياس مع الفارق لما يلي: 1 - أنَّ عروض التجارة معدة للبيع، فهي تتقلب في البيع والشراء، بخلاف المستغلات، فليست معدة للبيع، وإنما ينتفع بغلتها. 2 - أنَّ دوران رأس المال في عروض التجارة أكبر من دورانه في المستغلات لتقلُّب المال في العروض التجارية عدة مرات، مما يؤدي لزيادة الأرباح، أمَّا حركة رأس المال في المستغلات فهي أقل، لتعلق جزء كبير منه بأعيان المستغلات، مما يلزم منه اختلاف الزكاة فيهما، وقصرها في المستغلات على الغلة دون أعيان المستغلات. 3 - أنَّ تحويل عروض التجارة إلى نقود أسهل بكثير من تحويل المستغلات، فبيع المصانع ونحوها أصعب من بيع العروض التجارية، ففرض الزكاة في أصولها يزيد من التكاليف ويضاعف الخسائر (¬2). فيتبين مما تقدم اتساع الفرق بين عروض التجارة والمستغلات، مما يمتنع معه إجراء القياس. ¬
أدلة القول الثالث
أدلة القول الثالث: قياس المستغلات على الأرض الزراعية، بجامع أن كلًّا منهما يدر غَلّةً وربحًا، فيكون حكم زكاة غلالها كحكم زكاة الزروع والثمار، فيجب فيها العشر أو نصفه (¬1). ونوقش من وجهين: أولًا: بأنه قياس مع الفارق لما يلي: أ - أنَّ الأرض الزراعية لا تبيد بسبب كثرة الاستعمال وطول الزمان، بخلاف أعيان المستغلات فإنها تفنى، وتتأثر بكثرة الاستعمال وطول الزمان (¬2). وأجيب: بأنَّه يمكن تعويض ما يهلك من أعيان المستغلات بحسم نسبة الاستهلاك من غلة كل سنة على مدى العمر التقديري لأعيان المستغلات. وأجيب عنه: بأن الحسم يكون بحسب القيمة الحالية، وقد يرتفع سعرها بعد ذلك إلى أضعاف ما حُسِم من الغلة (¬3). ب - أن غلة الأرض الزراعية تفوق بكثير غلة المستغلات، مما يستبعد معه إلحاق إحدى الغلتين بالأخرى في نصاب الزكاة (¬4). جـ - أن الزكاة إنما تؤخذ من الخارج من الأرض مرة واحدة، وإن بقي الخارج عنده عدة سنين، بخلاف غلة المستغلات، فإنها تزكى كل سنة، فإن قيل بإيجاب ¬
الترجيح
العشر فيها كل سنة كان ذلك إجحافًا بحق أصحابها (¬1). ثانيًا: أن تلك المستغلات موجودة في عصر التشريع، ومع ذلك فإن النص القرآني والنبوي إنما خص الخارج من الأرض دون غيره بزكاة العشر أو نصفه عند حصاده، فلمَّا لم يُتعرض للمستغلات مع وجودها، دل على مفارقتها لزكاة المزروعات، وأن لها حكمًا آخر كما بيَّنا. كما أنَّ هذا القول لم ينقل عن الفقهاء على مر العصور مع وجود تلك المستغلات في كل عصر بما يناسبه (¬2). ثالثًا: أن الله تعالى قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} (¬3). ووجه الاستدلال منه: أن الله عطف الأمر بالإنفاق من الخارج من الأرض على الأمر بالإنفاق من الخارج من طيبات الكسب، والعطف يقتضي المغايرة، مما يستبعد معه قياس أحدهما على الآخر لعدم إمكان التحقق من العلة، ولأن معنى التعبد وارد هنا، لا سيما أن الزكاة من العبادات. الترجيح: يترجح مما تقدم القول الأول، وهو عدم وجوب الزكاة في المستغلات ومنها ¬
المصانع، وذلك لعدم الدليل الموجب لزكاتها، مع وجودها في عصر التشريع، ولأن الأصل حفظ أموال الناس، فلا يجوز الأخذ منها إلا بدليل شرعي؛ لئلا يكون أكلًا لأموال الناس بالباطل وهو محرم، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ} (¬1). وإنما تجب الزكاة في غلة المستغلات إذا بلغت نصابًا (¬2)، وحال عليها الحول من حين ابتداء إنتاجها؛ لأنها مال واحد يتقلب، والربح فيه تابع لأصله في نصابه وحوله (¬3). ومن ذلك يتبين أن زكاة المصانع إنَّما تكون بتزكية صافي غلالها بعد حولان الحول على بداية إنتاج المصنع، وبذلك أفتت الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة (¬4). ¬
المطلب الثاني زكاة السلع المصنعة
المطلبْ الثاني زكاة السلع المصنعة يراد بالسلع المصنعة: ما تم تصنيعه من بضائع معدة للبيع قد حال عليها الحول ولم تبع (¬1). وقد قدمنا في المسألة السابقة أن تلك السلع هي عروض تجارية، فيجب تزكيتها زكاة التجارة، باحتساب قيمتها السوقية إذا استكملت حولًا ونصابًا. وذهب بعض المعاصرين إلى أنه إذا لم يتم بيع السلع المصنعة أثناء الحول، وحال عليها الحول وهي عند مالكها فإنه يتم تقويم المادة الخام فيها، دون احتساب قيمة الصنعة - وهو ما زاد في قيمة البضاعة بسبب التصنيع - وعللوا ذلك بأن مال التجارة هو ما اشتراه ليبيعه، وأما قيمة الصنعة فهي من كسب الصانع، ولا تجب زكاته إلا بعد مضي حول عليه (¬2). والأظهر هو الأول؛ لكون البضاعة مال تجارة، وما زاد في قيمتها بعد ذلك بسبب التصنيع فهو محتسب من قيمتها، وتابع لها حولا ونصابا، ومالكها إنما ¬
اشتراها ليصنعها، فيزكي قيمتها بحسب حالتها الراهنة عند حولان الحول من بداية التصنيع (¬1). ¬
المطلب الثالث زكاة المواد الخام
المطلبْ الثالث زكاة المواد الخام يراد بالمواد الخام: المواد الأولية التي تتركب منها السلع المصنعة، مثل الحديد للسيارات، والقطن والصوف للمنسوجات، ونحو ذلك (¬1)، فهي من العناصر الرئيسة في عملية التصنيع، ولذا كان من المهم بيان حكم زكاتها إذا حال عليها الحول وهي على حالها، ولم يتم بيعها، فقد اختلفوا عند ذلك على قولين: القول الأول: وجوب زكاتها بعد تقويمها وبلوغها نصابًا وهو قول جمهور العلماء (¬2). ¬
القول الثاني
واختاره أكثر المعاصرين، وبه أفتت الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة (¬1). القول الثاني: عدم وجوب الزكاة فيها، وهو قول المجد ابن تيمية (¬2) (¬3)، واختاره الشيخ عبد الله بن منيع (¬4). أدلة القولين: دليل القول الأول: أن المواد الخام من عروض التجارة، فقد تمَّ شراؤها بقصد تصنيعها وبيعها مصنَّعة، فتجب زكاتها لعموم الأدلة الدالة على وجوب زكاة مال التجارة (¬5). ¬
دليل القول الثاني
دليل القول الثاني: أن المواد الخام غير معدة للبيع، وإنما هي معدة للتصنيع (¬1). ويناقش: بأن تلك المواد معدة للبيع، حيث اشتراها بنية التجارة بتصنيعها ثم بيعها، كما أنَّها محبوسة لأجل التجارة (¬2). الترجيح: يترجح القول الأول لقوة دليله، وإمكان الإجابة عن دليل القول الثاني، فتقوَّم عندئذ وتخرج منها زكاة التجارة. ¬
المطلب الرابع زكاة المواد المساعدة في التصنيع
المطلبْ الرابع زكاة المواد المساعدة في التصنيع يراد بالمواد المساعدة في التصنيع: ما لا يدخل في تركيب المصنوع مما يحتاج إليه في التصنيع كمواد التشغيل والصيانة كالوقود والزيوت ومواد التنظيف ونحوها، وهي التي أردنا الحديث عنها هنا، لا الأصول الثابتة التي تقدم الحديث عنها، ولا مواد التعبئة (الأوعية) واللف والحزم التي تباع مع السلع المصنعة، فهي من عروض التجارة (¬1)؛ فالعملية التصنيعية تتكون من أصول ثابتة كالآلات، ومواد تصنيع؛ منها ما تتركب منه السلع المصنعة، ومنها ما لا تتركب منه، مع كونه مساعدًا في التصنيع، وقد أشار الكاساني لهذه المسألة فقال في المواد التي يحتاجها الصباغ والدهان ونحوه: "وإن كان شيئا لا يبقى أثره في المعمول فيه مثل الصابون ¬
والأشنان والقلي والكبريت فلا يكون مال التجارة؛ لأن عينها تتلف ولم ينتقل أثرها إلى الثوب المغسول حتى يكون له حصة من العوض، بل البياض أصلي للثوب يظهر عند زوال الدرن، فما يأخذ من العوض يكون بدل عمله لا بدل هذه الآلات فلم يكن مال التجارة" (¬1)، فالظاهر أنها لا تقوَّم ولا تجب زكاتها، وهو قول عامة أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين (¬2)؛ وذلك لأن تلك المواد آلة في عمله، وهي تفنى مع الصناعة فليست معدة للنماء، ولا يقصد بها التجارة بل الاستهلاك، فلا تجب زكاتها كأموال القنية (¬3). ¬
المبحث الثالث زكاة الأوراق النقدية
المبحث الثالث زكاة الأوراق النقدية وفيه مطلبان: المطلب الأول: حقيقة الورق النقدي المطلب الثاني: نصاب الورق النقدي
المطلب الأول حقيقة الورق النقدي
المطلبْ الأول حقيقة الورق النقدي (¬1) تمهيد: كان الناس في بداية الحياة البشرية يتبادلون الأشياء بالمقايضة (¬2)، ثم تركوا ذلك لما فيه من صعوبات، واختاروا بعض السلع لتكون أثمانًا لمعظم عقود المبادلة ممَّا تشتد الحاجة إليها كالمواد الغذائية والجلود، ثم انصرفوا عن ذلك لحاجتها للنقل ¬
والحمل، فبحثوا عما هو أخف من تلك السلع، فكان أن تعاملوا بالنقدين - الذهب والفضة - فصارت هي الأثمان، ثم سبكت فصارت قطعًا متساوية حجمًا ووزنًا، وختمت بما يدل على سلامتها، ثم إنّ الناس - لا سيما التجار منهم - أصبحوا يودعون تلك النقود الذهبية والفضية عند الصيارفة والصاغة خوفًا عليها من السرقة، ويأخذون وثائق وإيصالات بإيداعها، فلما ازدادت ثقة الناس بهؤلاء الصيارفة صارت هذه الإيصالات تستعمل في دفع الثمن عند المبايعات، وكانت هذه بداية استعمال الورق النقدي، فلم تكن لها صورة رسمية ولا سلطة تلزم الناس بقبولها، ثم لمّا كثر تداول تلك الإيصالات تطورت تلك الأوراق إلى صورة رسمية تسمى (البنكنوت) وكانت مغطاة بالذهب غطاء كاملاً، وكان البنك يلتزم بألا يصدر من الأوراق إلا بقدر ما عنده من ذهب، كما جعلتها الدول ثمنًا قانونيًّا، وألزم الناس بقبولها عام 1254 هـ الموافق 1833 م، ثم لما احتاجت الدول للنقود طبعت كميات كبيرة منها تفوق ما عندها من الذهب، وراجت عند الناس لثقتهم بأن مصدرها يستطيع تحويلها إلى ذهب، إلا أن تلك الأوراق صارت أضعاف مقدار الذهب الموجود في البلاد، فشرعت الحكومات بتنفيذ شروط قاسية على من يريد تحويل تلك الأوراق إلى ذهب، وفي سنة 1325 هـ الموافق 1931 م منعت الحكومة البريطانية من تحويل الأوراق إلى الذهب إطلاقًا، وألزمت الناس بقبول تلك الأوراق بديلًا للذهب، ثم تبعتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1355 هـ الموافق 1934 م، إلَّا أن الدول كانت ملتزمة بتحويل عملتها إلى الذهب عند التعامل مع دولة أخرى وهو ما يسمى (بقاعدة التعامل بالذهب)، وقد ظل العمل بتلك القاعدة إلى سنة 1392 هـ ¬
القول الأول
الموافق 1971 م، حيث اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف ذلك لنقص الذهب فيها، وبهذا قُضِي على آخر شكل من أشكال دعم الأوراق النقدية بالذهب (¬1). وإزاء تلك التغيرات المرحلية للنقود الورقية نشأ خلاف بين فقهاء العصر في تكييفها الفقهي وذلك على خمسة أقوال: القول الأول: إنَّ الأوراق النقدية سند بدين على مصدرها، ويمثل هذا الدين الرقم المكتوب عليها، وقال بذلك أحمد الحسيني ومحمد الأمين الشنقيطي وغيرهم (¬2). القول الثاني: إنَّ الأوراق النقدية عرض من العروض لها ما للعروض من أحكام، وليس لها صفة الثمنية، وإنما هي بمنزلة السلع والعروض، وهو قولٌ للشيخ عبد الرحمن السعدي والشيخ حسن أيوب (¬3). القول الثالث: إنَّ الأوراق النقدية كالفلوس في طروء الثمنية عليها (¬4)، وقال به ¬
القول الرابع
الشيخ أحمد الخطيب والشيخ أحمد الزرقا، والشيخ عبد الله البسام، والدكتور محمود الخالدي والقاضي محمد تقي العثماني، وغيرهم (¬1). القول الرابع: الأوراق النقدية بدل عن الذهب والفضة تقوم مقامها، وهو قول الشيخ عبد الرزاق عفيفي (¬2). القول الخامس: إنَّ الأوراق النقدية نقد مستقل قائم بذاته، يجري عليه ما يجري على الذهب والفضة من أحكام نقدية، ويعتبر كل نوع جنسًا مستقلًّا، وهو قول أكثر العلماء، وبه أفتت هيئة كبار العلماء في السعودية والمجمع الفقهي بمكة، ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي (¬3). أدلة الأقوال: أدلة القول الأول: 1 - المسجل على الأوراق النقدية بتسليم قيمتها لحاملها، والتزام الحكومات بذلك دالٌّ على أنها وثائق بالديون التي في ذمة مصدرها. 2 - وجوب تغطيتها بالذهب والفضة مما يدل على أنهما المقصودان، وإنما الأوراق سند بهما (¬4). ¬
دليل القول الثاني
ونوقش: بأن التعهد المذكور كان حقيقيًّا في أحد مراحل إصدار الورق النقدي التي تقدمت الإشارة إليها، أما في هذه الأزمنة فلا يلتزم المصدر لهذه الأوراق بهذا التعهد، وإنما يقصد من استبقائه بعد إلغائه تأكيد المسؤولية على جهات الإصدار للحد من الإفراط دون إحلال أسباب الثقة. وأما وجوب تغطيتها بالذهب أو الفضة، فإنه لا يسلم لمخالفته الواقع وذلك أن الغطاء ليس لكل الأوراق النقدية وإنما لجزء محدود منها، مع كونه لا يلزم أن يكون ذهبًا أو فضةً، بل قد يكون عقارًا، ويبقى كثير من تلك الأوراق بلا تغطية، ولذا فإن هذا القول إنما يتوجه الأخذ به في إحدى مراحل تطور الورق النقدي، أما الآن فلا وجه له (¬1). دليل القول الثاني: 1 - إن الورق النقدي مال متقوم مرغوب فيه، يباع ويشترى، وليس ذهبًا ولا فضةً ولا مكيلاً ولا موزونًا، فتعين أن يكون عروضًا (¬2). ونوقش: بأنَّ الأوراق النقدية ليس لها قيمة ذاتية، وإنما قيمتها اصطلاحية قائمة على اعتبار الدولة لها، وإلا فلو ألغي هذا الاعتبار وأبطل التعامل بها لأصبحت قصاصات ورقية لا قيمة لها (¬3). ثم إنه يلزم على هذا القول لوازم تدل على ضعفه واستبعاده، وذلك مثل: عدم جريان الربا في تلك الأوراق، لكونها عروض تجارة وليست من الأصناف الربوية، مما يجوّز التفاضل فيها والنَّساء، مع كونها عملة الناس التي يتعاملون بها، ¬
دليل القول الثالث
فيؤدي ذلك إلى ضرر كبير على اقتصادهم وغلاءٍ في معاشهم، ومفاسد عظيمة هي من أعظم أسباب تحريم الربا. عدم وجوب الزكاة فيها ما لم تعد للتجارة، وفي هذا إسقاط للزكاة عن الأموال الطائلة بتعليلات واهية (¬1). دليل القول الثالث: إن الأوراق النقدية عملة رائجة تُقوَّم بها الأشياء، وليست ذهبًا ولا فضة، وأقرب الأشياء إليها الفلوس، فكلاهما نقدٌ اصطلاحي فتلحق بها (¬2). ونوقش: بأنه قياس مع الفارق، وذلك أن الأوراق النقدية تفارق الفلوس في أمور عديدة، مما يمنع إلحاقها بها، ومن ذلك: أ - أن الأوراق النقدية أكثر قبولًا ورواجًا في المعاملات من الفلوس. ب - أن الأوراق النقدية ليس لها قيمة في ذاتها، بخلاف الفلوس، فإنها لو أبطلت ثمنيتها فلها قيمة في نفسها كسائر العروض. جـ - أن الأوراق النقدية في غلائها كالنقدين، بل بعضها أغلى بكثير من قطع الذهب والفضة، أما الفلوس فإنّها تستخدم في المحقّرات لتفاهة قيمتها (¬3). 2 - وعلى التسليم بإلحاق الأوراق النقدية بالفلوس، فإن العلماء مختلفون في ¬
دليل القول الرابع
تكييف الفلوس، عروضًا أو أثمانًا، فبعضهم اعتبر أصلها وهو العروض، ففرَّق بينها وبين النقدين، وبعضهم اعتبر ما انتقلت إليه وهو النقدية، وأثبت لها أحكام النقدين، من جريان الربا فيهما ووجوب الزكاة ونحوهما، وهو الأرجح لقيامها مقامهما (¬1). دليل القول الرابع: إن الأوراق النقدية تكسب قيمتها مما استندت إليه من غطاء الذهب، فهي بدل عما استعيض بها عنه وهو الذهب والفضة، وللبدل حكم المبدل، ويؤيد ذلك أنها إذا زالت عنها الثمنية أصبحت مجرد قصاصات ورق لا تساوي شيئًا (¬2). ونوقش: بأن هذا الرأي بناء على افتراض تغطية الأوراق النقدية بالذهب أو الفضة غطاء كاملًا، وحيث إن الواقع خلاف ذلك، وأن الغطاء ليس لكل تلك الأوراق؛ وإنَّما لقليل منها، ولا يلزم كونه ذهبًا أو فضةً، فقد يغطى بعقار ونحوه، وأن الأوراق إنما تستمد قوتها من اعتبار الدولة لها قوة شرائية ووسيطًا في التبادل. كما أنَّه يلزم على هذا القول اعتبار جميع الأوراق جنسًا واحدًا، مما يجب معه المماثلة عند الصرف، وفي هذا مشقة على الناس لا موجب لها، لا سيما مع اختلاف جهات إصدارها وتفاوت أسباب الثقة والقوة بينها (¬3). دليل القول الخامس: اشتمال النقود الورقية على وظائف النقود، وذلك أنها مقاييس للقيم، وموجب ¬
للإبراء، ومستودع للثروة يمكن اختزانه عند الحاجة، وثقة الناس الكبيرة في التعامل بها، لقانونيتها وحماية الدولة لها، فليست الصفة النقدية مختصة بالذهب والفضة، بل هي ثابتة لكل ما يتخذه الناس نقودًا ويؤدي وظائف النقود، ومن ذلك تلك الأوراق (¬1). وهذا القول هو الراجح لوجاهة دليله، مع كونه سالمًا من المناقشة واللوازم، وبذلك صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، ونَصُّه كالآتي: أولًا: إنه بناء على أنّ الأصل في النقد هو الذهب والفضة، وبناء على أنّ علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة، وبما أنّ الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل، وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوّم الأشياء في العصر، لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمويلها وادخارها، ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمرٍ خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سر مناطها بالثمنية. وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر أنّ العملة الورقية نقد قائم بذاته له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها ويجري عليها الربا بنوعيه، فضلًا ونسيئة، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تمامًا باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسًا عليهما، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها. ¬
ثانيًا: يعتبر الورق النقدي نقدًا قائمًا بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناسًا مختلفة تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلًا ونسيئةً، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان. وهذا كله يقتضي ما يلي: (أ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهبٍ أو فضةٍ أو غيرهما نسيئةً مطلقًا، فلا يجوز مثلًا بيع ريال سعودي بعملة أخرى نسيئة بدون تقابض. (ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلًا، سواء كان ذلك نسيئة أو يدًا بيد، فلا يجوز مثلا بيع عشرة ريالات سعودية ورقًا بأحد عشر ريالًا سعوديًّا ورقًا نسيئة أو يدًا بيد. (جـ) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا، إذا كان ذلك يدًا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية، بريال سعودي ورقًا كان أو فضة أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يدًا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة، بثلاثة ريالات سعودية ورقًا، أو أقل من ذلك أو أكثر يدًا بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة. ثالثًا: وجوب زكاة الأوراق النقدية، إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة.
رابعًا: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال بيع السلم والشركات. والله أعلم وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم (¬1). كما هو رأي مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي (¬2) وفتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية (¬3). ¬
المطلب الثاني نصاب الورق النقدي
المطلبْ الثاني نصاب الورق النقدي اختلف الفقهاء المعاصرون في وجوب زكاة الأوراق النقدية في أول ظهورها، وذلك بناءً على اختلاف أقوالهم في تكييف الأوراق النقدية، إلا أن هذا الاختلاف انحسر كثيرًا مع شيوع التعامل بهذه الأوراق وقيامها بوظائف النقود، حتى لا يكاد يعرف أحد لا يقول بزكاتها (¬1)، وهو لازم أكثر التكييفات المتقدمة، ولذا فإن المقصود هنا هو معرفة نصاب زكاتها، لا سيما مع عدم ورود نص خاص به؛ لحدوث تلك الأوراق بعد زمن التشريع، لكن لما كان المقصود من هذه الأوراق النقدية ماليتها، أي قيمتها التبادلية، لا أعيانها، فإن المعتبر في نصابها قيمتها، وإنما يعرف ذلك بتقويمها بالنقدين - الذهب أو الفضة - على خلاف بين الفقهاء المعاصرين في المعتبر منها في تقويم الأوراق النقدية على ثلاثة أقوال: القول الأول: إنَّ نصاب الأوراق النقدية ببلوغها نصاب الفضة (¬2). القول الثاني: إنَّ نصاب الأوراق النقدية ببلوغها نصاب الذهب (¬3). ¬
القول الثالث
القول الثالث: إنَّ نصاب الأوراق النقدية ببلوغها أدنى النصابين من الذهب أو الفضة (¬1). أدلة الأقوال: توجيه القول الأول: 1 - إن التقدير بالفضة مجمع عليه؛ لثبوت نصاب الفضة بالأحاديث الصحيحة (¬2). ويناقش: بأن التقدير بالذهب ثابت أيضًا (¬3)، ولا يؤثر في اعتباره وجود الخلاف في إثباته. 2 - إن التقدير بالفضة أنفع للفقراء؛ لأن نصاب الفضة أقل من نصاب الذهب (¬4). ¬
توجيه القول الثاني
ويناقش: بأن في ذلك مراعاة لجانب الفقير دون المزكي، فنصاب الفضة غالبًا لا يحصل به الغنى الموجب للزكاة. توجيه القول الثاني: 1 - إن قيمة الذهب ثابتة لا تتغير لثبات وزنه، بخلاف الفضة فهي تتفاوت (¬1). ويناقش: بأن التقدير كما يرد علي الفضة، فإنه يرد على الذهب أيضًا، وأنَّه لا تأثير لذلك إذا عرفنا أن نصاب الذهب هو (85) جرامًا؛ وأن نصاب الفضة هو (595) جرامًا (¬2). 2 - إن نصاب الذهب أقرب الأنصبة المذكورة في أموال الزكاة كخمس من الإبل، أو أربعين من الغنم (¬3). ويناقش: بأن ذلك لا أثر له في تعيين أحد النصابين من الذهب أو الفضة، وذلك للتفاوت الكبير بين الأنصباء، ولأن الأنصبة ثابتة بالتوقيف لا بالقياس (¬4). توجيه القول الثالث: إن الأدلة الصحيحة جاءت بإثبات النصابين (الذهب والفضة)، فيكون المعتبر منهما في تقويم النقد الورقي هو الأحظ للفقير وهو الأقل نصابًا (¬5). ¬
الترجيح
الترجيح: يترجح القول الثالث؛ لما تقدم من ثبوت كلا النصابين، ومع التفاوت يجب الأخذ بالأقل منهما؛ لأنه الأحظ للفقير، والأبرأ لذمة المزكي، وفيه إعمالٌ للنصوص وجمع بين القولين. وبناء عليه، فإننا نحسب ثمن نصاب الذهب، وثمن نصاب الفضة، ثم نأخذ بالنصاب الأقل، ونخرج زكاته من الورق النقدي. ومثاله: إذا كان سعر الذهب (40) ريالًا للجرام، فنصاب الذهب بالريال السعودي يكون بضرب سعر جرام الذهب بوزن النصاب، فإذا كانت قيمة جرام الذهب (40) ريالًا مضروبًا في نصاب الذهب، وهو (85) جرامًا، فتكون قيمة نصاب الذهب بالريال السعودي (3400). وكذا الحال في الفضة، فإذا كانت قيمة جرام الفضة هي ريالًا واحدًا مضروبًا في نصاب الفضة من الجرامات، وهو (595) جراما، فتكون قيمة نصاب الفضة هي (595) ريالًا. فالنصاب في هذه الحالة هو ما يبلغ خمسمائة وخمسة وتسعين ريالًا سعوديًّا؛ وهو قيمة نصاب الفضة، وربطنا نصاب الزكاة به؛ لأن قيمته أقل من قيمة نصاب الذهب (¬1). ¬
المبحث الرابع زكاة الحساب الجاري
المبحث الرابع زكاة الحساب الجاري وفيه مطلبان: المطلب الأول: تكييف الحساب الجاري المطلب الثاني: زكاة الحساب الجاري
المطلب الأول تكييف الحساب الجاري
المطلبْ الأول تكييف الحساب الجاري (¬1) اختلف الفقهاء المعاصرون في تكييف الحساب الجاري على أقوال، أبرزها قولان: القول الأول: إنه قرض، فالمودع هو المقرض، والمصرف هو المقترض، وقال به أكثر الفقهاء المعاصرين (¬2)، وقرره مجمع الفقه الإسلامي (¬3). ¬
القول الثاني
القول الثاني: تكييفه بأنه وديعة بالمعنى الشرعي، وممن قال به الدكتور حسن الأمين، والدكتور عبد الرزاق الهيتي (¬1). أدلة القولين: أدلة القول الأول: 1 - أن المصرف يمتلك الحسابات الجارية، ويكون له حق التصرف فيها، ويلتزم برد مبلغ مماثل عند الطلب، وهذا معنى القرض، ولو سمي ذلك وديعة، فإنها ليست بمعناها الشرعي، إذ لو كانت كذلك لما جاز التصرف فيها من قبل المصرف أو البنك؛ لأن الوديعة تقوم على الحفظ، ويشترط فيها رد عينها (¬2) ونوقش: بأن تصرف المصرف في المال إنما هو بإذن المالك عرفا، وهذا لا يخرج الوديعة عن معناها وهو طلب الحفظ، مع وجوب رد مثلها؛ لأن مثل الشيء كعينه (¬3). وأجيب: بعدم التسليم؛ لأن التصرف في الوديعة يخرجها عن كونها وديعة، ولو كان بإذن المالك، فإن تصرف بمنافعها مع بقاء عينها صارت عارية، وإن تصرف بعينها بحيث يستهلكها صارت قرضًا، يجب رد بدلها (¬4). ¬
أدلة القول الثاني
2 - أن المصرف يلتزم برد مثل المبلغ المودع عند الطلب، ويكون ضامنًا للمال إذا تلف، سواء فرط أو لم يفرط، وهذا مقتضى عقد القرض، بخلاف الوديعة، فيجب ردها بعينها، ولا يجب ضمانها عند تلفها، إلا إذا كان ذلك بتعد منه، أو تفريط (¬1). ونوقش: بأن لزوم رد الوديعة على المصرف ولو تلفت بغير تعد أو تفريط، إنما يجب بحسب مجرى العرف المصرفي، وهو مخالف لطبيعة الوديعة الشرعية باعتبارها أمانة لا تضمن في حال عدم التعدي والتفريط (¬2). وأجيب: بأن الحقائق الشرعية لا تخالف بالأعراف المصرفية ولا تتغير بها، وإنما وقع هذا بسبب التكييف بأن تلك المبالغ النقدية هي وديعة (¬3). أدلة القول الثاني: 1 - أن الحساب الجاري تحت طلب العميل، فهو يملك سحب كامل رصيده متى شاء، دون أن يتوقف ذلك على شيء من الشروط، وهذا هو معنى الوديعة (¬4). ونوقش: بأن الوديعة كما يقصد بها ردها عند الطلب، فإنه يقصد بها أيضًا عدم التصرف بها، والحسابات الجارية يتصرف بها المصرف، ويرد بدلها، ¬
وهذا يعتبر قرضًا (¬1). 2 - أن المودع لا يقصد أن يقرض ماله للمصرف، ولا أن يشاركه في الربح أو الفائدة، وإنما يريد إيداع ماله في المصرف لحفظه، وحيث لم يقصد المودع الإقراض فلا يسمى إقراضا (¬2). ونوقش: بأن كون المودع لم يقصد القرض لا يؤثر في حقيقة العقد؛ لأن عامة المودعين لا يعرفون الفرق بين معنى القرض والوديعة، ولاتهمهم المصطلحات، وإنما تهمهم النتائج العملية، فهو لا يرضى بإيداعها إلا مع ضمانها، ويد الضمان إنما تثبت بالقرض لا بالوديعة، والمصرف لا يقبلها إلا لأجل التصرف فيها، وهذا هو القرض، فثبت أنهم يقصدون الإقراض لا الإيداع بمعناه الفقهي، والعبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني (¬3). 3 - أن المصرف لا يتسلم المال على أنه قرض، بل على أنه وديعة، ويدل على ذلك أنه يتقاضى أجرًا على حفظه لها، مع حذره الشديد في التصرف في المال، ومبادرته الفورية برد المال عند طلبه (¬4). ونوقش: بعدم التسليم، وذلك أن المصرف إنما يتقاضى أجرًا؛ لأجل الخدمات التي يقدمها للمودع، كإصدار دفتر شيكات وبطاقات الصرف الآلي ونحوها، وليس من أجل حفظ الوديعة، وأما ادعاء الحذر الشديد من المصرف في استعمال المال، فإنه لا يسلم، لقيامه بخلطها بماله ومال العملاء الآخرين، ويتصرف فيها كما لو كانت ملكا له. ¬
الترجيح
ولو سلمنا بالحذر الشديد في تصرفه بها، فلِمَا يترتب على عدم ذلك من أضرار، وأما كونه يبادر بردها عند طلبها، فذلك لطبيعة العقد بين الطرفين، وحفاظا على سمعة المصرف، وتحفيزا للتعامل معه (¬1). ثم إن للمقرض طلب بدل القرض في الحال؛ لثبوت ذلك في ذمة المقترض حالا، فكان له طلبه كسائر الديون الحالة، ولأنه سبب يوجب رد المثل أو القيمة فكان حالا (¬2). الترجيح: يترجح مما تقدم تكييف المبالغ النقدية المودعة في الحساب الجاري بأنها قرض، وذلك لما يلي: 1 - أن الحقيقة الشرعية لتلك المبالغ موافقة لحقيقة القرض المتمثلة في تعريفه بأنه "دفع مال إلى الغير؛ لينتفع به ويرد بدله" (¬3)، فالمقرض يدفعها للمصرف الذي يتملكها وينتفع بها، مع التزامه برد بدلها، وهذا هو معنى القرض. 2 - التزام المصرف بالضمان مطلقا، فرط أو لم يفرط، وهذا يتفق وعقد القرض، ويخالف الوديعة التي تقوم على أن المستودع أمين، فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط (¬4). ¬
المطلب الثاني زكاة الحساب الجاري
المطلبْ الثاني زكاة الحساب الجاري لم أقف على بحث لزكاة المال المودع في الحساب الجاري (¬1)، وقد تبين مما تقدم تكييف المال المودع في الحساب الجاري بأنه قرض من مودع المال للمصرف وهو مليء باذل (¬2)، فيكون الحكم في زكاته كالحكم في زكاة الدين إذا كان على مليء باذل، حيث اختلفوا فيه على أقوال أرجحها وجوب الزكاة على المقرض (الدائن) كلما حال عليه حول ولو لم يقبضه (¬3)؛ وذلك لأنه في حكم المال الذي في يده ولا مانع من قبضه، فلا يؤثر كونه في يد غير مالكه، لا سيما في مثل القرض في ¬
الحساب الجاري، فتحصيله أيسر من تحصيل غيره من القروض، فكان له وَجْهُ شَبَهٍ بالوديعة من تلك الجهة، مما يؤكد وجوب زكاته عنها إذا حال عليه الحول. وإنما تجب زكاة هذا المال إذا توفرت فيه شروط الزكاة بأن يملك المزكي من هذا المال نصابًا، ويحول عليه الحول، فإن تعسر ضبط هذا لكثرة حركة المال في الحساب الجاري على مدى العام، فإنَّ المزكي يعيِّن يومًا في السنة ويزكي فيه المال المودع في الحساب الجاري، ولا يؤثر على ذلك زيادة المال بعد يوم الزكاة؛ لأنه سيزكيه بعد حول من الزكاة الأولى، فإن بقيت الزيادة زكاها، وإن نقص المال لم تجب زكاته لعدم حولان الحول عليه. ¬
المبحث الخامس زكاة أسهم الشركات
المبحث الخامس زكاة أسهم الشركات وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: المراد بأسهم الشركات المطلب الثاني: كيفية إخراج زكاة الأسهم المطلب الثالث: الجهة الواجب عليها إخراج الزكاة
المطلب الأول المراد بأسهم الشركات
المطلبْ الأول المراد بأسهم الشركات تطلق أسهم الشركات ويراد بها: الحصة التي يملكها الشريك في شركات المساهمة (¬1) ويمثل السهم جزءًا من رأس مال الشركة، كما يعرف السهم بأنه: صك يمثل نصيبًا عينيًّا أو نقديًّا في رأس مال الشركة، قابل للتداول، يعطي مالكه حقوقًا خاصة (¬2). ¬
ومن هذين التعريفين يتبين أن السهم يراد به نصيب الشريك المشاع في الشركة، كما يراد به الصك المثبت لهذا النصيب. ويتميز السهم بخصائص، منها: 1 - تساوي قيمة السهم في الشركة المساهمة. 2 - تساوي مسؤولية الشركاء. 3 - عدم قابلية السهم للتجزئة. 4 - قابلية السهم للتداول (¬1). ¬
المطلب الثاني كيفية إخراج زكاة الأسهم
المطلبْ الثاني كيفية إخراج زكاة الأسهم اختلف فقهاء العصر في كيفية إخراج زكاة الأسهم على أقوال متعددة، أبرزها أربعة: القول الأول: وجوب زكاة التجارة على الأسهم بحسب نشاط الشركة، فإن كانت صناعية فتجب الزكاة في ربحها، وإن كانت تجارية فتجب الزكاة في أسهمها، ويخصم من قيمة السهم قيمة الأصول الثابتة، وهو قول الشيخ عبد الرحمن عيسى (¬1)، والشيخ عبد الله البسام (¬2) والدكتور وهبة الزحيلي (¬3). القول الثاني: وجوب الزكاة في الأسهم بحسب نية المساهم ونوعية الأسهم: 1 - فإن كان المساهم تملَّك الأسهم للإفادة من ريعها فيزكيها بحسب نوع الشّركة، فإن كانت زراعية فتجب فيها زكاة الزروع، وإن كانت صناعية، فإنَّ زكاتها تكون زكاة تجارة من صافي أرباحها، وإن كانت تجارية، فإنَّ الزكاة تجب في قيمة الأسهم الحقيقية (¬4) بعد حسم الأصول الثابتة والمصاريف الإدارية. ¬
القول الثالث
2 - وإن كان المساهم تملَّك الأسهم للمتاجرة فيها بيعًا وشراءً، فيزكيها زكاة العروض التجارية بقيمتها السوقية مهما كان نوع الشّركة المساهمة، وقال بذلك الشيخ عبد الله بن منيع (¬1)، والدكتور أحمد الحجي الكردي، إلا أنه سوَّى بين الشركات التجارية والصناعية في إيجاب زكاة التجارة على قيمة الأسهم (¬2). ويلاحظ أن من أبرز فروق هذا القول عن الذي قبله اعتبار نية المساهم عند اتخاذه الأسهم للمضاربة (¬3) بها فتجب فيها زكاة التجارة مطلقا. القول الثالث: وجوب زكاة التجارة في الأسهم، سواء كانت أسهم شركات تجارية أم صناعية أم زراعية، وسواء تملكها للاستفادة من ريعها (¬4) أم للتجارة بها، ¬
القول الرابع
وهو قول الشيخ أبي زهرة وعبد الرحمن حسن، وعبد الوهاب خلاف، والدكتور عبد الرحمن الحلو (¬1)، والدكتور رفيق المصري (¬2)، والدكتور حسن الأمين (¬3)، وقال به الدكتور القرضاوي: إن كان المزكي هو الفرد المساهم، فإن كانت الشركة فأوجب زكاة التجارة في أسهم الشركات التجارية بعد خصم الأصول الثابتة، وأما الشركات الصناعية فتجب الزكاة في صافي ريعها بمقدار العشر كما في زكاة المستغلات (¬4). ويتبين من هذا القول اعتبار الأسهم عروضًا تجارية مطلقًا بغض النظر عن نشاط الشركة ونية المساهم. القول الرابع: إن كان المزكي هو الشركة، فتخرج الزكاة كما يخرجها الشخص الطبيعي، فتعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة مال شخص واحد، من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، والنصاب والمقدار الواجب أخذه، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الواحد، فإن كان المزكي هو المساهم فيخرج الزكاة إذا عرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، وإن لم يستطع معرفة ذلك، فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة فإنه يزكيها زكاة مستغلات، فيخرج الزكاة من ريع السهم بعد دوران الحول من يوم القبض، وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حَوْلُ زكاته وهي في ملكه، زكَّى قيمتها السوقية، وإذا لم يكن لها سوق زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة للسهم وربحه، وبنحوه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي (¬5)، وصدرت به الندوة ¬
أدلة الأقوال
الحادية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة (¬1)، ورجحه الدكتور الضرير (¬2)، مع كونهم يوجبون الزكاة على المساهم، وإنَّما تخرجها الشركة نيابة عنه كما سيأتي بيانه. أدلة الأقوال (¬3): دليل القول الأول: إن الزكاة لا تجب في أدوات القنية، وقيمة أسهم الشركات الصناعية موضوعة في الآلات الصناعية والمنشآت ونحوها، مما يوجب الفرق بينها وبين الشركات التجارية في الحكم. كما أن تلك الآلات والمنشآت ليست معدة للبيع، وإنَّما للاستغلال، وبينهما فرق كبير، فلذا افترق الحكم في زكاة كل منها (¬4). ونوقش: بأنَّ التفرقة بين الشركات الصناعية والتجارية بحيث تعفى الأولى من الزكاة دون الثانية، تفرقة ليس لها أساس ثابت من كتاب ولا سنة ولا إجماع ¬
دليل القول الثاني
ولا قياس صحيح، فالأسهم هنا وهناك رأسُ مالٍ نامٍ يدر ربحًا سنويًّا متجددًا، وقد يكون ربح الثانية أعظم وأوفر من الأولى، وبهذا يمكن أن تمضي أعوام على المساهم في الشركة الصناعية بلا زكاة في أسهمه وأرباحها، بخلاف المساهم في الشركة التجارية، فالزكاة واجبة عليه كل عام في السهم وربحه، وهي نتيجة يأباها عدل الشريعة (¬1). وأجيب: بأن من الأصول المتفق عليها عدم إيجاب الزكاة في أدوات القنية ولو كبر حجمها وزاد إنتاجها، فهذا لا يغيّر الحكم الشرعي، ثم إنّ هذه المباني والمعدات المرصودة لاستعمال الشركة مما يستهلك ويتلف شيئًا فشيئًا، وليست مالًا ناميًا، بل هي مال مستهلك متناقص ذاتًا وقيمة، وإنما الزكاة في ربح الشركة الذي نتج من تلك الآلات والمعدات، فالتفريق بين الشركتين في الأحكام تابع للفروق التي بينهما في القصد والعمل، والشريعة كما لا تفرق بين متماثلين، كذلك لا تجمع بين الضدين (¬2). دليل القول الثاني: استدلوا على التفريق بين الشركات بما تقدم في دليل القول الأول، ولأن السهم حصة من الشّركة فيكون له حكم زكاتها صناعية أو تجارية أو زراعية، وأما إيجاب زكاة التجارة على من اشتراها للمتاجرة ببيعها وشرائها، فلأنها صارت عروضًا تجارية لها أسواقها وأنواعها وأسعارها التي تختلف عن قيمة الأسهم الحقيقية (¬3). دليل القول الثالث: إن الهدف من شراء الأسهم واحد، وهو الاتجار والاسترباح، وهذا متحقق فيمن اتخذ الأسهم لريعها، أو لتقليبها في البيع والشراء، ¬
دليل القول الرابع
فيصدق عليها أنها عروض تجارية (¬1). ونوقش: بالفرق بين اتخاذ الأسهم لأجل ريعها، وبين تقليبها في البيع والشراء، وذلك أن المتملك لها في النوع الأول لا يريد التجارة ببيعها وشرائها، وإنما استبقاءها للإفادة من ريعها، فلا يصدق عليها أنها عروض تجارية تقلب في البيع والشراء، بل هي من المستغلات، وقد تقدم بيان حكمها (¬2). وأما التفريق بين الشركات والأفراد في نصاب الزكاة فيستدل له بقياس الشركات الصناعية ونحوها من المستغلات على الأرض الزراعية؛ لشبهها به، فتأخذ حكم زكاتها، وأما الأفراد فإن الأوفق والأيسر لهم هو إخراج زكاة التجارة بدون تفرقة بين أسهم شركة وأخرى، مما يمكنه من حساب الزكاة وإخراجها (¬3). ويناقش: بأن القياس مع الفارق، وقد تقدم بيان ذلك (¬4)، وأما الأفراد فإنه يمكنهم معرفة ما يقابل أسهمهم من الموجودات الزكوية بالاستفسار من الشركة، مما يمكن معه تزكية الأسهم بحسب نوع الشركة. دليل القول الرابع: قد تقدم الاستدلال للتفريق في إيجاب الزكاة بحسب نوع الشركة، وبحسب نية المساهم، فأما اعتبار الشركة لأموال المساهمين بأنها كالمال الواحد نوعًا ونصابًا ومقدارًا فيدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجمع بين متفرق ولا يفرَّق بين مجتمع خشية الصدقة" (¬5)، ويؤخذ منه أن اختلاط المالَيْن يُصَيِّرهما ¬
الترجيح
كالمال الواحد (¬1). ونوقش: بأن الحديث وارد في الماشية؛ لأن الزكاة تقل بجمعها تارة وتكثر تارة أخرى، فلا تلحق الضرر المحض بصاحب الماشية، بخلاف سائر الأموال، فالخلطة فيها تلحق الضرر المحض بصاحب المال؛ لأن ما زاد على النصاب بحسابه، وفي الجمع زيادة للمقدار المخرج بكل حال (¬2). وأجيب: بأنَّ الحديث عام فيشمل كل شريكين قد اختلطت أموالهما، ولأن الخلطة إنما تثبت في الماشية للارتفاق، والحاجة قائمة إلى ذلك هنا (¬3). الترجيح: بالنظر للأقوال المتقدمة وأدلتها يتبين ما يلي: 1 - إن كان المزكِّي هو المساهم، فالراجح هو القول الثاني المتمثل في اختلاف كيفية الزكاة بحسب نوع الشركة ونية المساهم، مع ملاحظة ما يلي: أ - بلوغ أسهم المزكي نصابًا بنفسها أو بضمها لأمواله الزكوية إذا كان له حكمها، ويراعى في ذلك حسم قيمة الأصول الثابتة والمصاريف الإدارية، والديون المستحقة الحالّة على الشركة، وكذا على المساهم مما لم يتمكن من سدادها. ب - تطبيق زكاة النقود على الفوائض النقدية، وزكاة التجارة على البضائع ¬
التجارية الموجودة في الشركات الزراعية والصناعية. ج - في حال عدم تمكن المساهم من العلم بموجودات الشركة الزكوية لاحتساب زكاتها فإنه يخرج ربع عشر قيمة السهم الدفترية (¬1). 2 - فإن كان المزكي هو الشركة المساهمة، فالراجح هو القول الرابع المتمثل اعتبار أموال المساهمين كمال الشخص الواحد في وجوب الزكاة من حيث نوع المال وحوله ونصابه، مع ملاحظة ما يلي: أ - عدم أخذ الزكاة على أموال غير المسلمين لفقدهم أهم شروط الزكاة وهو الإسلام (¬2). ب - بالنسبة للمضارب بالأسهم، فإنه لا يكتفي بزكاة الشركة، بل يجب عليه إخراج الفرق بين زكاة الشركة بالقيمة الحقيقية للسهم وبين زكاته بالقيمة السوقية، كما أن الشركات الصناعية لا تزكي إلا ريع السهم الصافي، بينما يجب عليه أن يزكي كامل قيمته، مع حسم ما أخرجته الشركة إذا علم بمقداره، فإن شق معرفة ذلك على المضارب فإنه يخرج الزكاة بالنظر لقيمة الأسهم السوقية (¬3). ¬
سبب الترجيح ما يلي: أولًا: فيما يتعلق بتزكية المساهم لأسهمه، فقد ترجح ما تقدم؛ لأن السهم حصة شائعة من الشركة، فتجب فيه الزكاة بحسب نوع الشركة؛ فالجزء له حكم الكل، فإن قصد المساهم من تملك السهم المتاجرة به، فيكون له حكم العروض التجارية؛ لأنَّ الأعمال بالنيات، والنية تقلب الحكم في عروض القنية إلى عروض تجارية إذا نوى الاتجار بها، فالسهم المتخذ للاستثمار إذا نوى به الاتجار كان أولى بحكم العروض التجارية. ثانيًا: فيما يتعلق بتزكية الشركة للأسهم، فقد ترجح ما تقدم أخذًا بمبدأ الخلطة فيما عدا الماشية؛ لعموم النص الوارد وللحاجة إلى ذلك؛ ولما في عدم أخذ الشركة به من مشقة بالغة تمنعها من أخذ الزكاة؛ لما يترتب على ذلك من النظر في أسهم كل مساهم على حِدَة، ومعرفة ما يبلغ منها نصابًا، أو الاتصال بالمساهمين للتأكد من ملكهم للنصاب، وتحقق شروط الزكاة لديهم، مما يوقع في مشقَّة بالغة، والمشقة تجلب التيسير (¬1). ثالثًا: جعلنا احتساب الأسهم بالقيمة الحقيقية إذا كان المزكي هو الشركة أو المساهم المستثمر؛ لأنهم لا يستفيدون من القيمة السوقية للأسهم، بل تبقى الأسهم للاستفادة من ريعها الذي لا يتأثر بقيمة السهم في سوق المال. وأما فيما يتعلق باحتساب الأسهم بالفيمة السوقية بالنسبة للمضارب بها؛ فلأنها عروض تجارية، وهي تزكى بحسب قيمتها في السوق عند وجوب الزكاة. ¬
رابعًا: ورجحنا حساب الزكاة بربع عشر القيمة الدفترية عندما لا يتمكن المساهم المستثمر من معرفة موجودات الشركة، لأنه بذلك يتحقق إخراجه للقدر الواجب شرعًا، وما زاد فإنه صدقة، ولا يسلَّم القول بقياس الأسهم عندئذ على المستغلات وإخراج ربع عشر ريعها بعد حولان الحول على بعضها (¬1)، وذلك لأن السهم حصة شائعة من موجودات الشركة، ومن تلك الموجودات أموال زكوية تجب زكاتها عند حولان الحول على السهم ولا يُنظر حول آخر بعد قبض الريع، كما أن قيمة زكاة تلك الموجودات قد تكون أكثر بكثير من زكاة ربع عشر الريع، فكان يقين إخراج الزكاة أن تكون كما تقدم بيانه. ¬
المطلب الثالث الجهة الواجب عليها إخراج الزكاة
المطلبْ الثالث الجهة الواجب عليها إخراج الزكاة اختلف الباحثون المعاصرون في الجهة التي يجب عليها إخراج زكاة الأسهم على قولين: القول الأول: وجوب الزكاة على الشركات المساهمة، وهو قول الدكتور شوقي شحاتة (¬1)، والدكتور محمود الفرفور (¬2)، والدكتور أحمد مجذوب (¬3)، والدكتور علي القره داغي (¬4). القول الثاني: وجوب الزكاة على المساهمين، وقال به الدكتور الصديق الضرير (¬5)، والدكتور وهبة الزحيلي (¬6)،. . . . . ¬
والدكتور حسن الأمين (¬1)، وكثير من الباحثين (¬2). وصدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي (¬3)، وبيت الزكاة الكويتي (¬4) أدلة الأقوال: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن الشّركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة (¬5)، فهي تملك التصرف في المال، وبناء على أن الزكاة تكليف متعلق بالمال نفسه، فإنها تجب على الشخص الاعتباري حيث لا يشترط التكليف الديني، وأساسه البلوغ والعقل (¬6). ونوقش: بأن الزكاة إنما تجب على مالك المال، وهو المساهم لا الشركة، كما أنها عبادة لا بد لها من نية، ووجوبها في مال الصبي مقرون بنية إخراجها من وليه. وأما ملك الشركة للتصرف في المال فذلك بالنيابة عن المساهمين (¬7). ¬
الدليل الثاني: القياس على زكاة الماشية، حيث إن الخلطة فيها قد خصت بميزة تراجع الخلطاء فيما بينهم بالسويَّة، وأن الشركة في الماشية شركة أموال لا أشخاص، وهي على وجه المخالطة لا الملك، ومؤداها أن الزكاة تجب في مال الشركة المجتمع ككل، وليس في مال كل شريك على حدة (¬1). ويناقش: بأن قياس شركة المساهمة على شركة الماشية، لا يفيد إيجاب الزكاة على شخصية الشركة الاعتبارية ونفيها عن مالك المال، وإنما يفيد ضم مال الشريكين في النصاب. وإلا فملكية كل من الشريكين لمالهما تنفي الشخصية الاعتبارية، لإمكانية التصدق المطلق بنصيبهما من الشركة، كما أن ما تقدمت الإشارة إليه من كون الزكاة عبادة تحتاج إلى النية مما يستلزم وجوب إخراجها على المزكي أو من ينيب. الدليل الثالث: أن القول بوجوب الزكاة على المساهم يؤدي للإضرار بحق أهل الزكاة من جهة عدم بلوغ النصاب لأسهم كثير من المساهمين عند النظر لنصاب كل مساهم، بخلاف ما لو كان الواجب على الشركة إخراج الزكاة فإنها تخرجها عن كل المساهمين، ولا تنظر لنصاب كل مساهم على حدة (¬2). ونوقش: بأن للزكاة أحكاما وشروطا، ولا ينظر فيها لمقصد دون آخر، وكما يراعى فيها عدم الإضرار بالفقير فإنه يراعى عدم الإضرار بالغني (¬3). ¬
الترجيح
دليل القول الثاني: أن من شروط الزكاة تمام الملك، والمساهم هو المالك الحقيقي للأسهم، والشّركة إنما تتصرف في أسهمه نيابة عنه حسب الشروط المبيَّنة في قانون الشّركة ونظامها الأساسي، ولذلك فعندما تنحل الشّركة يأخذ كل مساهم نصيبه من موجودات الشّركة (¬1). الترجيح: يترجح مما تقدم القول الثاني، وهو وجوب زكاة الأسهم على المساهم بعد بلوغها نصابًا وحولان الحول عليها، وذلك لكونه هو مالك الأسهم، وإنما الشّركة المساهمة عبارة عن مجموعة من الأسهم المتساوية القيمة، القابلة للتداول، وتتولى الشّركة إدارة الأسهم ممثلة بمجلس إدارتها المفوَّض من المساهمين، مع بقاء ملك كل مساهم لنصيبه وأحقيته في بيعه، مع ثبوت الحصة في الشّركة، كما أنه عند التصفية يستحق المساهم حصته من موجودات الشّركة (¬2) وإنما تخرج الشّركة زكاة الأسهم نيابة عن المساهم في حالات أربع نص عليها قرار مجمع الفقه الإسلامي على النحو التالي: إذا نص في نظام الشّركة الأساسي، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية للشركة، أو ألزم بذلك قانون الدولة، أو فوض المساهم الشّركة بإخراج زكاة أسهمه (¬3). ¬
المبحث السادس زكاة الشركات متعددة الجنسيات
المبحث السادس زكاة الشركات متعددة الجنسيات وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بالشركات المتعددة الجنسيات المطلب الثاني: زكاة الشركات المتعددة الجنسيات
المطلب الأول المراد بالشركات المتعددة الجنسيات
المطلبْ الأول المراد بالشركات المتعددة الجنسيات (¬1) تطلق الشركات المتعددة الجنسيات أو القوميات وبراد بها: مجموعة من الشركات الوليدة (¬2) أو التابعة التي تزاول كل منها أنشطة إنتاجية في دول مختلفة، وتتمتع كل منها بجنسية مختلفة مع خضوعها لشركة واحدة هي الشركة الأم التي تقوم بإدارة هذه الشركات الوليدة كلها في إطار إستراتيجية عالمية موحدة (¬3). ¬
وتتخذ تلك الشركات في شكلها القانوني عادة شكل الشركة المساهمة (¬1)، سواء كان ذلك في الشركة الأم أو الشركات الوليدة، وذلك أن الشركة المساهمة هي الأقدر على تجميع رؤوس الأموال الضخمة الملائمة للمشروعات الكبرى، كما أن الشركة المساهمة تضمن استقلال الإدارة بالفصل بين المساهم وبين الشركة إداريًّا (¬2). ¬
المطلب الثاني زكاة الشركات المتعددة الجنسيات
المطلبْ الثاني زكاة الشركات المتعددة الجنسيات تقدم بيان المراد بتلك الشركات، وإن كان واقعها يحتاج لتفصيل طويل ليس هذا مقامه، كما أن البحث في حكم زكاتها لا يستلزم تلك التفصيلات؛ لذا فإن الذي ينبغي التركيز عليه هنا أن الشركاء في تلك الشركات من بلدان مختلفة، مما يستلزم وجود شركاء كفار مع مسلمين، وقد اتفقت المذاهب الأربعة على جواز مشاركة الكافر وصحتها، وذلك فيما إذا كانت شركة في حصص الملكية، يتولى التصرف فيها الشريك المسلم دون الكافر (¬1)، فأما إذا كان للشريك الكافر تصرف في الشركة فإن الجمهور على كراهة ذلك مع صحته عندهم (¬2)، خلافا للمالكية الذين يمنعون ابتداء ¬
العقد مع تصحيحهم له أيضًا (¬1). كما أن تلك الشركات في جملتها هي شركات مساهمة كما تقدم بيانه، لذا فإن حكم زكاتها لا يختلف عن زكاة أسهم الشركات التي تقدم بيانها، فكل منهما شركات مساهمة، بل إن حكم زكاة تلك الشركات إن لم تكن مساهمة لا يختلف كثيرا عن زكاة الشركات المساهمة، من جهة أن زكاة الشركات حكمها واحد إذا ما استثنينا المضارب؛ حيث إنه لا يتصور إلا في أسهم الشركات المساهمة؛ لذا فإنه يجب على كل شريك تزكية نصيبه من الشركة إذا حال الحول عليه بعد خصم قيمة الأصول والديون المستحقة على الشركة، ويكون ذلك بحسب التفصيل المتقدم في زكاة أسهم الشركات (¬2). وإن كان من وجه اختلاف فإنه يتضح في طريقة إخراج الزكاة إن قامت به الشركة على النحو الذي أشار إليه دليل الإرشادات لحساب زكاة الشركات، وفيه: "يبدأ بحساب زكاة الشركة التابعة على سبيل الاستقلال، ثم تخرج الشركة الأم زكاة نصيبها في الشركة التابعة بنسبة ملكيتها فيها. أما زكاة الباقي فتلزم بها الأطراف الأخرى المالكة في الشركة (الأقلية) وهذا إذا لم تقم الشركة التابعة بإخراج زكاتها مباشرة" (¬3). ¬
المبحث السابع زكاة السندات
المبحث السابع زكاة السندات وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بالسندات المطلب الثاني: زكاة السندات
المطلب الأول المراد بالسندات السندات جمع سند، وعرفت بتعريفات منها
المطلبْ الأول المراد بالسندات السندات جمع سند، وعرفت بتعريفات منها: قرض طويل الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبه أن تسدد قيمته في تواريخ محددة (¬1). كما عرفت بأنها: صكوك تمثل قروضًا تعقدها الشركة، متساوية القيمة، وقابلة للتداول، وغير قابلة للتجزئة (¬2). والتعريفان متقاربان، وأجمع منهما أن يقال في تعريفها: إنها صكوك تصدرها الدولة أو الشركات تمثل قرضًا عليها، وتلتزم بسداده بموجب تلك السندات لحاملها في تواريخ محددة وبفائدة ثابتة (¬3). ومن هذا التعريف يتبين أن السندات تتفق مع الأسهم في بعض الخصائص كتساوي قيمتها، وقبولها للتداول، وعدم قبولها للتجزئة، وإن كانت تختلف عنها في أمور جوهرية، منها: أ - أن السند يمثل دينًا على الشركة، ويعتبر صاحبه دائنًا للشركة، ¬
بخلاف السهم، فيمثل حصة من رأس المال، ويعتبر صاحبه شريكًا. ب - أن السند يستلزم فائدة ثابتة لحامله، بخلاف السهم فحامله معرض للربح والخسارة. ج - أن السند تستوفى قيمته عند انتهاء مدته المحددة، بخلاف السهم فلا تسترد قيمته ما دامت الشركة قائمة (¬1). ¬
المطلب الثاني زكاة السندات
المطلبْ الثاني زكاة السندات مما تقدم يتبين أن السند في حقيقته يمثل دينًا لحامله على مصدره، مع التزام الأخير بدفع فائدة محددة لحامله في وقت محدد، ويترتب على ذلك تحريم إصدار السندات والتعامل بها؛ لكونها قروضًا ربوية (¬1). ويتعين فبل النظر في حكم زكاته، تأصيل ذلك ببيان مسألتين: ¬
المسألة الأولى: حكم زكاة الدين
المسألة الأولى: حكم زكاة الدين فقد اختلف العلماء في حكم زكاة الدين على أقوال متعددة، ويحسن في مقام الاختصار تقسيم المسألة، والاكتفاء بأبرز الأقوال، وذلك أن الدين لا يخلو: إما أن يكون حالًّا أو مؤجلًا، فإن كان حالًّا فلا يخلو: إما أن يكون على مليء باذل، أو على غير مليء باذل. فأما القسم الأول من الحالة الأولى: وهو ما إذا كان الدين على مليء باذل معترف، فقد اختلفوا في حكم زكاته على أقوال عدة أهمها ما يلي: القول الأول: يجب الزكاة فيه وإن لم يقبضه، وقال به عثمان بن عفان وابن عمر وجابر رضي الله عنهم (¬1)، وهو مذهب الشافعي (¬2)، ورواية عن أحمد (¬3). القول الثاني: وجوب الزكاة فيه بعد قبضه لما مضى من السنين، وقال به علي وعائشة رضي الله عنهما، وهو المذهب عند الحنابلة (¬4). القول الثالث: وجوب الزكاة فيه بعد قبضه لسنة واحدة، وهو مذهب المالكية (¬5)، ورواية عند الحنابلة (¬6). ¬
القول الرابع
القول الرابع: عدم وجوب الزكاة فيه، وهو رواية عند الحنابلة (¬1)، ومذهب الظاهرية (¬2). أدلة الأقوال: أدلة القول الأول: الدليل الأول: قياس الدين على مليء باذل معترف على الوديعة، فكما يجب على صاحب الوديعة إخراج زكاتها مع كونها ليست في يده فكذا صاحب الدَّين المرجو الأداء (¬3). ونوقش: بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الوديعة بمنزلة ما في اليد، فالمستودع نائب عن المالك في الحفظ، ويده كيد المالك، بخلاف المستدين، فيده يد ضمان، ويجب عليه سداد الدين مطلقًا (¬4). الدليل الثاني: إن الدين على مليء باذل معترف به، لا مانع من قبضه، فلا أثر لكونه في يد غير مالكه، فتجب زكاته كلما مر الحول عليه (¬5). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: الآثار المروية عن علي بن أبي طالب، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم في عدم وجوب الزكاة في الدين حتى يقبض (¬6). ¬
ونوقش: بأنها أقوال الصحابة في هذه المسألة مختلفة، مع كونها - أيضًا- مختلفا في الاحتجاج بها (¬1). الدليل الثاني: إن الزكاة مبنية على المواساة، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به (¬2). ونوقش: بأن اعتبار المواساة في حق الغني ليس بأولى من اعتبارها في حق الفقير، حيث سيؤدي هذا القول إلى تأخير وصول الزكاة إليه، مع حاجته إليها (¬3). الدليل الثالث: قياس الدين المرجو على سائر الأموال الزكوية في وجوب الزكاة، وذلك أن الدين مال مملوك لصاحبه، يقدر على الانتفاع به، فلزمه زكاته على جميع ما مضى من السنين إذا قبضه كسائر أمواله (¬4). ونوقش: بأن مقتضى هذا القياس وجوب زكاة الدين في كل عام ولو لم يقبضه كما هو الحال في سائر الأموال الزكوية (¬5). ¬
دليل القول الثالث
دليل القول الثالث: أنه يعتبر لوجوب الزكاة إمكان الأداء، والدين لا يمكن أداؤه قبل قبضه، وإنما يمكن ذلك بعد القبض، فتجب زكاة السنة التي قبض فيها (¬1). ويناقش: بعدم التسليم فلا يعتبر في وجوبها إمكانية الأداء (¬2)، وعلى التسليم فإننا إذا لم نعتبر للدين حولًا قبل قبضه لعدم إمكانية الأداء فإن الحول إنما يبتدئ بعد القبض، فلا تجب زكاته إلا بعد حَوَلَانِ حَوْلٍ على قبضه. أدلة القول الرابع: الدليل الأول: أن الدين مال غير نامٍ فلم تجب زكاته كعروض القنية (¬3). ونوقش: بأنه قياس مع الفارق، وذلك أن الدين مال مملوك قابل للنماء إذا قبض، لا سيما إن كان عند مليء باذل معترف، بخلاف أموال القنية فهي معدة للاستعمال والفناء (¬4). الدليل الثاني: أن الدَّيْنَ في حكم المعدوم؛ إذ لصاحبه عند الغريم عدد في الذمة وصفة فقط، وليس عنده عين مال أصلًا (¬5). ونوقش: بأنه لا يسلم أن الدين في حكم المعدوم بل هو في حكم الموجود إذا كان على مليء معترف باذل (¬6). ¬
الترجيح
الترجيح: يترجح القول الأول وهو وجوب الزكاة في الدين المرجو إذا بلغ نصابًا وحال الحول عليه وذلك: 1 - لقوة أدلته، مع إمكان الإجابة على أدلة الأقوال الأخرى. 2 - لما صح في ذلك من آثار الصحابة (¬1)، وهي وإن سلمنا بعدم الاحتجاج بها إلا أنها مرجحة، لا سيما أنه أمكن حمل ما يخالفها على الدين المظنون [غير المرجو] كما سيأتي بيانه. 3 - ولأن الدين على مليء باذل معترف كالمقبوض، فمتى شاء صاحبه أخذه (¬2). 4 - ولأن تأخير زكاة الدين حتى القبضِ قد يؤدي لعدم سداد الدين كما لو سدده المدين متفرِّقًا مما يصعب معه ضبط ما مر على المال من أحوال، فتزكية المال كل حول أبرأ لذمة المزكي. 5 - أن في ذلك مواساة للفقراء والمساكين، ومن في حكمهم من مصارف الزكاة الأخرى، فإن لم يجد من ماله ما يزكي به دينه، فإن له تأخير الزكاة حتى يقبض دينه للحاجة لذلك، ولما ورد فيه من آثار الصحابة، وليس في ذلك إسقاط للزكاة، وإنما هو دين في ذمته يؤخر سداده إلى محل الإمكان وهو القبض. وأما القسم الثاني: وهو ما إذا كان الدين مظنونًا (وهو ما كان على غير مليء باذل ¬
القول الأول
كالمعسر والمماطل والجاحد) فقد اختلفوا فيه أيضًا على أقوال من أهمها ما يلي: القول الأول: لا زكاة في الدين المظنون وهو قول عند المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، ورواية عند الحنابلة (¬3) ومذهب الظاهرية (¬4)، واختاره شيخ الإسلام (¬5). القول الثاني: وجوب الزكاة فيه لما مضى من السنين بعد قبضها، وهو قول عند المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والمذهب عند الحنابلة (¬8)، واختاره أبو عبيد (¬9). القول الثالث: وجوب الزكاة فيه إذا قبضه لعام واحد، وهو مذهب المالكية، فيما إذا كان الدين عن عوض، فإن كان عن غير عوض فلا زكاة فيه (¬10). أدلة الأقوال: أدلة القول الأول: 1 - قول علي -رضي الله عنه -: لا زكاة في الدين الضمار (¬11) (¬12). ¬
أدلة القول الثاني
وجه الدلالة أنه بَيّن عدم وجوب الزكاة في الدين الذي لا يقدر على الانتفاع به مع قيام أصل الملك. 2 - وأنَّ الدين الضمار مال غير مقدور على الانتفاع به أشبه مال المكاتب، فلا تجب الزكاة فيه (¬1). أدلة القول الثاني: 1 - قول علي -رضي الله عنه - في الدين المظنون: إن كان صادقًا فليزكه إذا قبضه لما مضى. وكذا روي عن ابن عباس -رضي الله عنه - نحو ذلك (¬2). ونوقش: بأنها آثار قد عورضت بآثار أخرى في عدم وجوب زكاة الدين الضمار كما تقدم (¬3). 2 - أنَّ الدين المظنون مال مملوك يجوز التصرف فيه، فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء (¬4). ¬
دليل القول الثالث
ويناقش: بأنه قياس مع الفارق، فالدين على مليء يمكن الانتفاع به واستنماؤه، بخلاف الدين على معسر أو جاحد أو مماطل (¬1). دليل القول الثالث: لم أقف لهم على دليل في هذه المسألة، قال ابن رشد: وأما من قال الزكاة فيه لحول واحد، وإن أقام أحوالًا فلا أعرف له مستندًا في وقتي هذا (¬2)، كما أنه تقدمت الإجابة عليه في القسم الأول من المسألة (¬3). وأما الحالة الثانية: وهي ما إذا كان الدين موجلًا، فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال، أبرزها: القول الأول: عدم وجوب الزكاة في الدين المؤجل وهو وجه عند الشافعية (¬4)، ورواية عند الحنابلة (¬5)، ومذهب الظاهرية (¬6)، ورجحه ابن تيمية (¬7). القول الثاني: وجوب الزكاة في الدين المؤجل إذا قبضه لما مضى من السنين وهو الأصح عند الشافعية (¬8)، ورواية عند الحنابلة وهي المذهب (¬9)، ورجحه ¬
أبو عبيد القاسم بن سلام (¬1) وقد رجح هذا القول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية (¬2)، وهي فتوى الندوة الثانية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة (¬3). أدلة القولين: أدلة القول الأول: 1 - استدلوا بأدلة عدم وجوب الزكاة في الدين الحال على مليء، وقد تقدمت مع الإجابة عنها (¬4). 2 - كما استدلوا بأن الدين المؤجل لا يمكن قبضه، فأشبه الدين على معسر؛ لعدم استقرار الملك بالقبض (¬5). ويناقش: بأنه استدلال بمختلف فيه؛ وهو زكاة الدين على معسر، ثم إنه على التسليم بعدم وجوب الزكاة في الدين على معسر، فلا يسلم القياس للفارق بينهما، فالدين المؤجل قد علم أجل قبضه، بخلاف الدين على معسر فإنه لا يعلم متى يقبض، كما أنّ الدين المؤجل يكون برضا الدائن واختياره بخلاف الدين على معسر، فالقياس مع الفارق. ¬
أدلة القول الثاني: 1 - استدلوا بما تقدم في وجوب زكاة الدين على معسر، وقد تقدمت مع الإجابة عنها (¬1). 2 - أن البراءة تصح من المؤجل، ولولا أنه مملوك لم تصح البراءة منه، وبناء عليه فتجب الزكاة فيه (¬2). ونوقش: بأن الملك وإن ثبت في الدين المؤجل إلا أنه غير تام، وذلك لأن الملك المطلق يكون لليد والرقبة، وهذا غير موجود في الدين المؤجل، حيث إن الملك فيه لليد دون الرقبة (¬3). سبب الخلاف: هو عدم وجود نصوص من كتاب أو سنة في زكاة الدين، وإنما هي آثار أصحاب متباينة (¬4) -رضي الله عنهم - مع كون المسألة تتجاذبها أصول مختلفة كما يتضح من استدلالات أصحاب الأقوال. ¬
الترجيح
الترجيح: يترجح بعد عرض هذه الاقوال في الدين المظنون القول الأول الذي يذهب إلى أنه لا زكاة في الدين المظنون، وذلك لأن صاحب الدين وإن بقي على ملكه، فلا يد له عليه "فهو ملك ناقص، والملك الناقص ليس بنعمة كاملة، والزكاة إنما تجب في مقابلتها" إذ الملك التام هو ما كان بيده، لم يتعلق به حق غيره، يتصرف فيه على حسب اختياره، وفوائده حاصلة له، فمقتضى تمام الملك أن تكون له قدرة على الانتفاع بالمال المملوك بنفسه أو نائبه، ولم يتحقق ذلك هنا" (¬1). المسألة الثانية: حكم زكاة المال المحرم (¬2) اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: القول الأول: عدم وجوب الزكاة في المال المحرم، وهو قول عامة الفقهاء المتقدمين (¬3)،. . . ¬
القول الثاني
وأكثر الفقهاء المعاصرين (¬1)، وصدرت به فتوى الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة (¬2). القول الثاني: وجوب زكاة المال المحرم، وقال به الشيخ عبد الله بن منيع (¬3) ¬
الأدلة
والدكتور عبد الرحمن الحلو، (¬1) والدكتور رفيق المصري (¬2). الأدلة: أدلة القول الأول: 1 - الزكاة لا تجب إلا فيما يملكه المسلم، والمال الحرام غير مملوك لمن هو بيده، فيجب التخلص منه (¬3). ونوقش: بأن المال المحرم لا ينافي الملك إلا إذا كان محرما لذاته، فأما المحرم لوصفه المقبوض بعقد فاسد فيملكه حائزه بالعقد عليه (¬4). 2 - أن المال الحرام خبيث، ولا يقبل الله إلا الطيب، كما صح ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا" (¬5). أدلة القول الثاني: 1 - أنه لو أعفيت الأموال المحرمة من الزكاة لأقبل الناس عليها (¬6). ونوقش: بأننا لا نقول بإعفائها من الزكاة مع جواز أخذ تلك الأموال، بل يجب عليه التخلص منها كلها، ولا يكفي إخراج قدر الزكاة منها، ثم إن المطالبة ¬
بإخراج الزكاة من الأموال المحرمة قد تدفع الناس إلى التعامل بها، وتخفف من خبثها على النفوس، وهو نوع من الاعتراف بمشروعيتها (¬1). 2 - القياس على وجوب زكاة الحلي المحرم، فكما تجب زكاته يجب زكاة باقي الأموال المحرمة (¬2). ونوقش: بأن القياس مع الفارق، وذلك أن مادة الذهب والفضة قد اكتسبت بطريق حلال فهي مباحة، فالحرمة تتعلق بالاستعمال لا بالحلي ذاته. وما زاد في قيمة الحلي من صنعة محرمة لا قيمة له شرعًا فلا تجب زكاته مما يؤكد عدم وجوب زكاة المال المحرم؛ لأن الشرع أمر بالتخلص منه لا بزكاته (¬3). الترجيح: يترجح القول الأول؛ لقوة أدلته، وإمكان الإجابة عن أدلة القول الثاني، لا سيما وقد اتفق الفقهاء على عدم ملكية المال الحرام لمن هو بيده، وإن كان ذلك لا يتناول عندي ما كان تحريمه اجتهاديًّا، حتى لا يُدْفَع الحق الشرعي الثابت في المال يقينًا بالظن من المجتهد الذي يخالفه غيره فيه (¬4). وبناء على ما تقدم ندلف إلى بحث حكم زكاة السندات، حيث اتفق المعاصرون من الفقهاء على وجوب زكاة دين السند الأصلي، واختلفوا في حكم زكاة العائد الربوي من السند على قولين: ¬
القول الأول: إن الزكاة واجبة في أصل السند فقط، أما الفوائد الربوية فلا زكاة فيها، بل يجب التخلص منها، وهو قول الدكتور وهبة الزحيلي (¬1)، والدكتور أحمد الكردي (¬2)، والدكتور حسين شحاتة (¬3)، والدكتور أحمد الخليل (¬4) وهو قرار الندوة الحادية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة (¬5). القول الثاني: وجوب الزكاة في كامل قيمة السند مع فوائدها، إلا إذا اتخذت للتجارة فتزكى زكاة التجارة، وهو قول الدكتور يوسف القرضاوي (¬6)، والدكتور عبد الرحمن الحلو (¬7)، والدكتور شوقي شحاتة (¬8). الأدلة: أدلة القول الأول: 1 - إن السندات عبارة عن دين على مليء، فتجب الزكاة فيه (¬9). 2 - إن الفوائد الربوية مال محرم خبيث لا يملكه كاسبه؛ فلا يزكى (¬10). ونوقش: بأننا نسلم بان الفوائد الربوية محرمة، إلا أن ذلك لا يمنع وجوب ¬
الزكاة فيها، بل هو داع لفرض الصدقة عليها لا إلى إعفائها منها (¬1). وأجيب: بعدم التسليم، بل يجب التخلص من جميع المال المحرم، ولا يكون ذلك بإخراج نسبة منه فقط (¬2). أدلة القول الثاني: 1 - إن السّندات عبارة عن ديون متميزة عن غيرها؛ لكونها نامية، فتجب فيها الزكاة، وأما تحريمها فإنه لا يعطي صاحبها مزيَّةً على غيره (¬3). ونوقش: بأن جميع الديون الربوية نامية، وليس في السندات ما يميزها عنها، ثم إننا لم نبح له أكل الربا وإنما نوجب عليه التخلص منها، فلا مزية لصاحب السند على غيره بسبب المحرم (¬4). 2 - إننا لو أعفينا الفائدة التي تؤخذ على السندات من الزكاة؛ لأدى ذلك لتشجيع الناس على اقتناء السندات والتعامل بها (¬5). ونوقش: بما تقدم من أن إعفاءها من الزكاة لا يعني جواز أخذها، بل يجب التخلص منها، ولا يجوز أخذ الزكاة منها؛ لدلالة النصوص على ذلك، كما أن أخذ الزكاة هو الذي يشجع الناس على الإقبال على السندات؛ لظنهم أن ذلك كاف في إجازتها (¬6). ¬
الترجيح
3 - قياس فوائد السندات الربوية على الحلي المحرمة في إيجاب الزكاة فيها (¬1). وقد تقدمت مناقشة ذلك في المسألة السابقة (¬2). 4 - أما تزكيتها زكاة التجارة إذا أصبحت تباع وتشترى، فلكونها سلعة تجارية يقصد منها الاسترباح ببيعها وشرائها (¬3). ونوقش: بأنكم كيَّفتم السندات بأنها دين، فاعتبارها دينا في حال، وعروضًا في حال أخرى تناقض، كما أنه تسويغ للتعامل المحرم بها (¬4). الترجيح: يترجح لي القول الأول وهو وجوب الزكاة في أصل السند وعدم مشروعية زكاة الفوائد الربوية، بل يجب التخلص منها في مصارف خيرية مشروعة، وتكون زكاة مبلغ الدين كاملًا، وذلك بحسب قيمته الحقيقية، فإن لم يتخلص من تلك الفوائد الربوية فإنه يأثم ويجب عليه التخلص بإخراج نسبة الزكاة منها على أدنى الأحوال ولا تُعَدُّ زكاة، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "الأموال التي بأيدي هؤلاء الأعراب المتناهبين إذا لم يُعْرَفْ لها مالِكٌ معين فإنه يخرج زكاتها، فإنها إن كانت ملكا لمن هي في يده كانت زكاتها عليه، وإن لم تكن ملكا له ومالكها مجهول لا يعرف، فإنه يتصدق بها كلها، فإذا تصدق بقدر زكاتها كان خيرا من ألا يتصدق بشيء منها، فإخراج قدر الزكاة منها أحسن من ترك ذلك على كل تقدير" (¬5). ¬
وقد أوضحت ذلك فتوى الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة، ونص المقصود منها: "حائز المال الحرام إذا لم يرده إلى صاحبه وأخرج قدر الزكاة منه بقي الإثم بالنسبة لما بيده منه، ويكون ذلك إخراجا لجزء من الواجب عليه شرعا ولا يعتبر ما أخرجه زكاة، ولا تبرأ ذمته إلا برده كله لصاحبه إن عَرَفَه، أو التصدق به عنه إن يئس من معرفته" (¬1). * * * ¬
المبحث الثامن زكاة الصناديق الاستثمارية
المبحث الثامن زكاة الصناديق الاستثمارية وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بالصناديق الاستثمارية المطلب الثاني: زكاة الصناديق الاستثمارية
المطلب الأول المراد بالصناديق الاستثمارية
المطلبْ الأول المراد بالصناديق الاستثمارية عرفت صناديق الاستثمار بأنها: وعاء للاستثمار له ذمة مالية مستقلة، يهدف إلى تجميع الأموال واستثمارها في مجالات محددة، وتدير الصندوق شركة استثمار تمتلك تشكيلة من الأوراق المالية. اهـ (¬1). وأوسع منه تعريفها بأنها: وعاء مالي تُكوِّنه مؤسسة مالية متخصصة وذات دراية وخبرة في مجال إدارة الاستثمارات، وذلك بقصد تجميع مدّخرات الأفراد، ومن ثَمّ توجيهها للاستثمار في مجالات مختلفة، تحقق للمستثمرين فيها عائدًا مجزيًا، وضمن مستويات معقولة من المخاطرة عن طريق الاستفادة من مزايا التنويع (¬2). ¬
أولا: أن يكون عقد مضاربة، وذلك لأن عقد المضاربة يجمع بين طرفين
ويتبين من هذا التعريف أن الصناديق الاستثمارية تتسم بجمع مبالغ مختلفة المصدر لاستثمارها في مجالات متنوعة؛ ولذا أطلق عليها (صناديق) إشارة إلى معنى التجميع والاستقلالية عن غيرها، وقد بين هذا في التعريف الأول بقوله: "له ذمة مالية مستقلة" عن الجهة الاستثمارية المصدرة للصندوق. كما تتسم صناديق الاستثمار بأن الأصول المكونة لها مملوكة بشكل جماعي للمستثمرين فلكل منهم حصة مشاعة من صافي تلك الأصول، كما تقدم تقريره في أسهم الشّركات؛ لذا فإنه يتم تقسيم الصندوق الاستثماري من حين الاكتتاب إلى وحدات متساوية القيمة تسمى (وحدات استثمارية)، ومجموعها يكون الأصول الصافية للصندوق (¬1). ويتبين عند النظر في حقيقة العلاقة بين المكتتب المالك للمال وإدارة صندوق الاستثمار أن تكييف العقد بينهما لا يخلو من أحد حالين: أولا: أن يكون عقد مضاربة، وذلك لأن عقد المضاربة يجمع بين طرفين: أحدهما صاحب المال، والآخر: صاحب العمل، ويشتركان في الربح بحسب ما يتفقان عليه (¬2)، وهذه هي حقيقة العلاقة بين المكتتب وإدارة صندوق الاستثمار، ويتأكد ذلك بما يلي: 1 - أن نصيب الطرفين من الأرباح يمثل حصة شائعة من الربح. ¬
2 - أن البنك لا يضمن سلامة المال، ولا الأرباح. 3 - أن الأرباح تقسم بحسب ما يتفقان عليه في العقد، أما الخسارة فيتحملها صاحب المال فقط، في ماله المكتتب فيه (¬1). وبناء على هذا التكييف فإنه يجب مراعاة شروط المضاربة، لا سيما المتفق عليها، وهي: 1 - أهلية المتعاقدين. 2 - أن يكون رأس المال معلومًا. 3 - أن يكون نصيب كل منهما من الربح معلوما شائعًا (¬2). ولا يؤثر على هذا التكييف مساهمة الجهة المصدرة لتلك الصناديق بجزء من رأس مال الاستثمار؛ لاتفاق الفقهاء على جواز هذه الصورة إذا كانت بإذن صاحب المال أو تفويضه، وإنما اختلفوا فيما إذا لم يأذن صاحب المال بذلك (¬3). ¬
ثانيا: تكييف العقد بأنه وكالة بأجر من المستثمر للجهة المديرة للصندوق،
ويتحقق هذا الإذن في العقد المبرم بين الطرفين المتضمن لشروط الاستثمار، ومنها مساهمة الجهة المصدرة بجزء من رأس مال الصندوق. ثانيًا: تكييف العقد بأنه وكالة بأجر من المستثمر للجهة المديرة للصندوق (¬1)، إذا كان عمل المدير بمبلغ مقطوع مستحق في جميع الأحوال (¬2) أو نسبة محددة من أصل المال المودع، مقابل إدارته، سواء ربح المال أو خسر، وهذه هي الصورة الثانية في إدارة الصناديق الاستثمارية، ويترتب عليها وجوب مراعاة شروط الوكالة، وهي كما يلي: 1 - أن يكون كل من الوكيل والموكل جائز التصرف، وهما هنا المستثمر والجهة المديرة للصندوق. 2 - أن يكون الموكّل به -وهو هنا استثمار الأموال والمتاجرة بها- مما يصح إتيانه شرعًا. 3 - أن يكون الموكّل به مما يقبل النيابة. 4 - أن يكون الموكّل به معلومًا (¬3). 5 - وينضاف لذلك في الوكالة بأجر: أن يكون العوض معلومًا، سواء كان مبلغًا مقطوعًا، أو نسبة محددة من رأس المال. ¬
ويعتبر هذا العوض إجارة لا جعالة؛ لاشتراط كونه معلومًا، وجواز استحقاقه بمجرد التعاقد على إدارة استثمار الأموال، مع كون العقد فيه لازمًا، بخلاف الجعالة، فهي عقد جائز، وتجوز بعوض مجهول، لا يستحق إلا بعد الفراغ من العمل المتعاقد عليه (¬1). ¬
المطلب الثاني زكاة الصناديق الاستثمارية
المطلب الثاني زكاة الصناديق الاستثمارية لا تخلو تلك الصناديق من إحدى حالين: الحال الأولى: أن تكون استثماراتها في نشاط معين مثل النشاط الصناعي أو الزراعي، فلها حكم زكاة هذا النشاط كما تقدم بيانه وتفصيله في زكاة الأسهم (¬1). الحال الثانية: أن تكون استثماراتها في النشاط التجاري بتقليب المال بيعًا وشراء، وهو الغالب، فلا يخلو ذلك من أحد حالين: الحال الأولى: أن تكون حقيقة العلاقة بين الطرفين المتعاقدين هي المضاربة التجارية، فيتبين حكم زكاة تلك الصناديق ببيان حكم زكاة مال المضاربة، وهي كما يلي: تحرير محل النزاع: اتفقوا على وجوب زكاة مالك المال لماله في المضاربة أصلًا وربحًا (¬2)، واختلفوا في زكاة ربح العامل في مال المضاربة على أقوال: ¬
القول الأول: وجوب زكاته على العامل، وذلك عند المقاسمة، وهو قول الحنفية والمالكية والمذهب عند الشافعية (¬1). القول الثاني: وجوب زكاة ربح العامل على رب المال، وذلك عند ظهور الربح، وهو قول عند الشافعية (¬2). القول الثالث: عدم وجوب زكاته، وهو قول عند الشافعية، ومذهب الحنابلة (¬3). أدلة الأقوال: استدل أصحاب القول الأول: أن المضارب شريك لمالك المال في الربح، فكما يملك صاحب المال نصيبه من الربح، فكذلك المضارب؛ لأن مطلق الشّركة يقتضي المساواة، ويدل على كونه شريكا أنه يملك المطالبة بالقسمة، ويتميز به نصيبه، ولا حكم للشركة إلا هذا، فوجبت في حصته الزكاة (¬4). ويناقش: بأنه لم يثبت محل الشّركة وهو الربح إلا بعد القسمة، وتميز مال المضارب عن رب المال؛ لاحتمال جبران الخسارة بالربح قبل القسمة، وعندئذ لا بد من استئناف حول لإيجاب الزكاة. ¬
استدل أصحاب القول الثاني: بأن الأصل لرب المال، والربح نماء ماله، فوجبت الزكاة عليه (¬1). ونوقش: بأن حصة المضارب له، وليست ملكًا لرب المال، بدليل أن للمضارب المطالبة بها، ولو أراد رب المال دفع حصته إليه من غير هذا المال، لم يلزمه قبوله (¬2). استدل أصحاب القول الثالث: بأن ملك المضارب غير تام لاحتمال نقصان قيمة الأصل أو خسرانه فيه، والربح وقاية للأصل، ولهذا منع من الاختصاص به، والتصرف فيه لحق نفسه كمال المكاتب، فثبت أن ملكه إنما يكون بعد قسمة المال وحولان حول عليه (¬3). الترجيح: يترجح مما تقدم القول الثالث، وهو عدم إيجاب الزكاة على العامل إلا بعد استحقاقه لنصيبه، ويكون ذلك بعد القسمة (¬4)، وحولان حول عليه إن كان نصابًا، ¬
وذلك لعدم استقرار ملكه قبل القسمة، ولم تجب الزكاة عند القسمة؛ لعدم حولان الحول من حين استقرار الملك، فتعين ابتداء حول من حين قسمة نصيبه من الربح سواء قبضه أو لم يقبضه. وبناء عليه تجب الزكاة في الصناديق الاستثمارية بالنسبة لرب المال بعد حولان حول زكاته على نصابه، فيحتسب ماله وأرباحه، وتخرج زكاته، وأما زكاة الجهة الاستثمارية المديرة للصندوق فيكون باحتساب حول على استحقاقها للربح. الحال الثانية: أن تكون حقيقة العلاقة بينهما هي الوكالة بأجر، فتكون زكاة الصندوق الاستثماري، بالنسبة لرب المال هي زكاة مال التجارة، فيحتسب رأس ماله وربحه، ويزكيه بإخراج ربع عشره، إن بلغ ما له نصابًا، وحال حول زكاته. وأما زكاة أجرة العامل في هذه الصورة، فحكمها كحكم زكاة المال المستفاد، إذا كان من جنس نصاب عنده، وليس من نمائه، وقد تقدم ترجيح القول فيه باشتراط حولان الحول عليه بعد استفادته إن كان نصابًا لإيجاب الزكاة فيه. فيحسب العامل -وهو إدارة الصندوق الاستثماري- ماله فإن كان نصابًا ابتدأ حوله من حين استحقاقه للمال. فإن كانت الأجرة معجلة فقد اختلف الفقهاء في ابتداء حول زكاتها على قولين: القول الأول: وجوب زكاتها على المؤجر من حولان حول على قبضها، وهو قول عند الحنفية (¬1)، والأظهر عند المالكية (¬2)، ومذهب الشافعية (¬3). ¬
القول الثاني: وجوب زكاة الأجرة المعجلة من حولان حول على العقد، وهو المذهب عند الحنفية (¬1) وقول عند المالكية (¬2) والشافعية، (¬3) والمذهب عند الحنابلة (¬4). أدلة القولين: دليل القول الأول: أن ملك المؤجر للأجرة لم يتحقق إلا بانقضاء مدّة الإجارة؛ لأنها كانت بمثابة الوديعة عنده (¬5). دليل القول الثاني: أن المؤجر ملك الأجرة من حين العقد، بدليل جواز تصرفه فيها، فابتدأ الحول من حين العقد (¬6). ويناقش: بأن ملكه حصل بالعقد؛ لاستحقاق العوض به، فابتدأ الحول منه، ويتأكد ذلك باشتراط تعجيل العوض (¬7). الترجيح: الراجح ابتداء الحول من حين العقد لاستحقاق العوض به، وتحقق الملك للمال بذلك، ولو لم يقبض، كالدين إن كان على مليء، فإن كان معسرًا أو مماطلًا فحَولُه من قبضه، كما تقدم تقريره في زكاة الدين، فإن كان استحقاق الأجرة مؤجلا بتمام العمل، فالحول من حين حلول وقت الاستحقاق. ¬
سبب الخلاف: اختلافهم في وقت استحقاق أجرة الإجارة، أيكون بالعقد أم بانقضاء مدّة الإجارة واستيفاء المنفعة؟ فمن قال باستحقاقها باستيفاء المنفعة وتمام العمل المتعاقد عليه، قال بابتداء الحول من حين استيفاء المنفعة وانقضاء مدّة الإجارة (¬1)، ومن قال باستحقاقها بالعقد، فَحَوْلُ زكاته من حين التعاقد قبض أم لم يقبض (¬2). وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخلاف المذكور إنما هو في حال إطلاق العقد وعدم تقييد الأجرة بوقت معجل أو مؤجل، فأما عند التقييد -كما هو الحال في صناديق الاستثمار- فهم متفقون على أن الاستحقاق معلق بالشرط، (¬3) وهو الذي تشهد له قواعد الشريعة وأدلتها من مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (¬4). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون على شروطهم" (¬5). ¬
وقول الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه: (مقاطع الحقوق عند الشروط) (¬1)، وقد تحقق التراضي بين المتعاقدين في التأجيل أو التعجيل، وانبنى البيع على ذلك، فكان العدل تحقيق ذلك. وبناء عليه فإن حول زكاة أجرة المدير للصندوق الاستثماري في هذه الحالة يبدأ من حين استحقاقه للأجرة، وذلك من العقد في واقع الاستثمارات المصرفية، فإن تخلف ذلك فمن حين الاستحقاق كما تقدم (¬2). * * * ¬
المبحث التاسع زكاة المال العام
المبحث التاسع زكاة المال العام وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: المراد بالمال العام المطلب الثاني: زكاة المال العام المطلب الثالث: تطبيقات معاصرة لزكاة المال العام
المطلب الأول المراد بالمال العام
المطلبْ الأول المراد بالمال العام لم يكن مصطلح المال العام شائعًا عند الفقهاء المتقدمين، وإنما كانوا يعبرون عنه بمال بيت المال (¬1)، فقد استخدم لفظ المال العام عند قلة من المتقدمين (¬2)، وكثرة من المتأخرين (¬3)، وقد عُرِّف بأنه: "المال المرصد للنفع العام، دون أن يكون مملوكا لشخص معين، أو جهة معينة، كالأموال العائدة إلى بيت مال المسلمين. . " (¬4). وأشمل منه أن يعرف بأنه: المال الذي استحقه المسلمون بطريقة مشروعة، ولم يتعين مالكه، ويتولى ولي أمر المسلمين -نيابة عنهم- صرفه في مصالحهم العامة (¬5). ¬
ويتضح أن من أبرز سمات المال العام ما يلي: 1 - مستحقه المسلمون بلا تعيين. 2 - المباشر للتصرف فيه هو ولي أمر المسلمين، نيابة عنهم. 3 - مصارفه هي مصالح المسلمين العامة (¬1). * * * ¬
المطلب الثاني زكاة المال العام
المطلب الثاني زكاة المال العام تبين من تعريف المال العام بأنه غير مملوك لمعين، مما يستلزم بيان حكم اشتراط ملك المال التام بالنسبة للمزكي، حيث اتفق الفقهاء على أن الملك (¬1) التام للمال شرط لإيجاب الزكاة على مالكه (¬2)، واختلفت أقوالهم في المراد بهذا الشرط، إلا أنه يمكن إجمالها وصياغتها في قولين (¬3): القول الأول: ملك الرقبة واليد، وذلك بأن يتمكن من التصرف فيما يملك بحسب اختياره، وهو قول الجمهور من الحنفية (¬4). . . . . . . . . . . . . . . ¬
والمالكية (¬1) وقول عند الشافعية (¬2)، والمذهب عند الحنابلة (¬3). القول الثاني: ملك الرقبة فقط، وهو المذهب عند الشافعية (¬4) الحنابلة (¬5). الأدلة: أدلة القول الأول: 1 - قول علي رضي الله عنه: "لا زكاة في مال الضمار". وجه الدلالة: أن المال الضمار لا يقدر صاحبه على الانتفاع به، فلا يتحقق فيه الملك (¬6). ¬
2 - أن المال الذي لا يمكن صاحبه الانتفاع به، لا يتحقق به الغنى الموجب للزكاة (¬1). 3 - أن المال الذي لا يمكن صاحبه الانتفاع به، لا يتحقق فيه معنى النماء، فيأخذ حكم أموال القنية التي لا تجب فيها الزكاة (¬2). أدلة القول الثاني: 1 - أن الملك فيما ضل أو غصب مما لا يقدر على الانتفاع به، باق على حكم الأصل، فوجب أن تلزمه الزكاة على حكم الأصل (¬3). ويناقش: بعدم التسليم ببقائه على حكم الأصل؛ لأن المقصود من الملك هو القدرة على الانتفاع، وهو غير متحقق هنا، لعدم استقرار الملك، لاحتمال فقده، لا سيما مع غيابه. 2 - لأن جنس المال إذا كان ناميًا وجبت فيه الزكاة وإن كان النماء مفقودًا، قياسًا على ما لو حبس ماله عن طلب النماء فعدم الدَّرّ والنسل، ولم تربح تجارته، فإنها تجب زكاته (¬4). ويناقش: بأن النماء المقصود هو النماء الحقيقي أو الحكمي، فإن كان المال مقدورًا على الانتفاع به، والتصرف فيه، ولم يكن من أموال القنية والحاجة الأصلية، فإنه يعتبر ناميًا، لقابليته للنماء، بخلاف المال الضال والمغصوب ونحوهما مما لا يقدر على الانتفاع بها، فليست نامية، حقيقة ولا حكمًا، فالقياس مع الفارق. ¬
الترجيح: يترجح القول بتفسير تمام الملك بأنه القدرة على التصرف بالمملوك، إلا أن ذلك لا يلزم منه إمكان التصرف فيه حالًا، وإنما يقصد منه استقرار الملك وثباته، بإمكان التصرف حالًا أو مآلًا من مالك معين، وذلك لما يلي: 1 - قوة ما استدل به القول الأول، مع الإجابة عن أدلة القول الثاني. 2 - أن تطبيقات الفقهاء القائلين باشتراط ملك اليد والرقبة تؤكد ذلك، وأن المقصود هو استقرار الملك، وإمكان التصرف حالًا أو مآلًا، فقد أوجبوا الزكاة في الدين المؤجل (¬1)، وفي المال الذي نسي مكانه سنين ثم وجده (¬2)، فيزكيه لما مضى من السنين، مع عدم! مكان التصرف حالًا في المال المذكور، إضافة إلى موافقة ذلك المعنى لما استدل به أصحاب القول الأول. 3 - كما أن مقتضى تمام الملك أن يكون المالك معينًا، وهذا ما تؤكده نصوص الفقهاء، حيث لم يوجبوا الزكاة فيما أوقف أو أوصي به على غير معين (¬3)، ونص ¬
الشافعية على اشتراط تعيين المالك لإيجاب الزكاة (¬1) مع كونهم لا يشترطون إمكان التصرف لوجوب الزكاة كما تقدم، مما يؤكد اتفاق الفقهاء على ذلك. ومما يدل على اشتراط تمام الملك للمال، وكونه مملوكا لمعين، لإيجاب الزكاة فيه، ما يلي: 1 - قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (¬2). وجه الدلالة: أنه أضاف الأموال إليهم، في قوله: {أَمْوَالِهِمْ}. مما يدل على ملكهم إياها، واختصاصهم بالتصرف والانتفاع بها، وقد أمر بأخذ الزكاة منها، مما يدل على أن محل الزكاة هو ما يملكون من الأموال، كما أن الخطاب في هذه الآية موجه للرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ ليأخذ الزكاة من مُلّاك الأموال المعينين؛ ولذا أضافها إليهم، ولو كانت أموالا لغير معينين، لما أضافها إليهم، وأمره بأخذ الزكاة منهم. 2 - قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: "أَعْلِمْهم أنْ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" (¬3). وجه الدلالة: أن قوله: "من أغنيائهم". دال على ملكهم التام للمال، إذ الغنى لا يحصل إلا بذلك، كما أن وصفهم بالغنى المقتضي لأخذ الزكاة منهم دال على تعيينهم. 3 - أن الزكاة تمليك للمستحقين، والتّمليك فرع عن الملك لمعين؛ فغير المالك المعين لا يمكنه التصرف والتّمليك المطلق للغير (¬4). ¬
4 - أن الملك التام المقتضي لتعيين المالك، القادر على التصرف المطلق في المال والانتفاع به، هو الذي تحصل به النعمة، التي تستوجب الشكر بأداء الزكاة (¬1). فبناء على ما تقدم لا بد من تحقق ثلاثة شروط لتأثير سبب الملك في وجوب الزكاة، واعتباره ملكًا تاما، وهي: استقرار الملك، والقدرة على التصرف المطلق في المال المملوك، وكون المالك معينًا. وقد تعرض الفقهاء لمسألة زكاة مال بيت المال، وهو مال المسلمين العام، وقرروا عدم وجوب زكاتها؛ لعدم تعين مالكها، ولكونها تصرف في مصالح المسلمين (¬2). كما أن بعض نصوصهم الفقهية الدالة على عدم وجوب الزكاة في أموال الغنائم قبل قسمتها (¬3)، تفيد القول بعدم وجوب زكاة المال العام أيضا؛ لكون مال الغنائم من الأموال العامة، مما يجعلنا نقول باتفاقهم على ذلك (¬4). وقد اتفق المعاصرون على ذلك أيضا (¬5)، وإنما وقع الخلاف لديهم في زكاة المال العام إذا استثمر، وذلك على قولين: ¬
القول الأول: وجوب زكاته، وهو قول محمد بن الحسن الحنفي (¬1) (¬2)، واختاره لدكتور محمد نعيم يا سين (¬3)، والدكتور رفيق المصري (¬4)، والدكتور عبد الحميد لبعلي (¬5)، والدكتور حسن البيلي (¬6)، وهو ما أخذ به قانون الزكاة السوداني (¬7). القول الثاني: عدم وجوب زكاته، ويتخرج عليه اتفاق الفقهاء المتقدم في زكاة المال العام (¬8)، وهو قول جماهيرهم فيما يستثمر من هذا المال (¬9)، واختاره أكثر المعاصرين، (¬10) وبه أفتت الندوة الثالثة عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة بالأكثرية (¬11). ¬
أدلة القولين: أدلة القول الأول: 1 - أن مصرف المال العام مختلف عن مصرف الزكاة، مما يوجب الزكاة فيه (¬1). ويناقش: بأن اختلاف المصرف لا يلزم منه إيجاب الزكاة في المال العام، فتلك عبادة لا بد لإيجابها من دليل، كما أن لكل نوع من المال مصرفه المقصود شرعا، مع اتفاق تلك الأموال في بعض المصارف (¬2). 2 - أن سبب وجوب الزكاة في المال كونه ناميًا، فإذا اتخذ المال للاستثمار فقد تحقق فيه هذا السبب، فوجبت زكاته (¬3). ويناقش: بأن نماء المال وحده لا يكفي لإيجاب الزكاة، فلا بد من تحقق سبب الوجوب الآخر وهو الملك. 3 - أن المال العام أنواع؛ فمنه ما يكون مخصصا للمصالح العامة كالتعليم والصحة والمواصلات ونحوها، فلا تجب عندئذ زكاته، ومنه ما يكون مملوكا ملكية ¬
خاصة للدولة بجهاتها التنظيمية والتنفيذية، كالمال العام المستثمر، فتجب عندئذ زكاته؛ لكون ملكيته تامة (¬1). ونوقش: بأنه لا يسلم هذا التقسيم، فالمال العام ليست ملكيته خاصة، لا للدولة ولا للناس، وإنما هو ملك للمسلمين عمومًا، بلا تعيين، ويصرفه الإمام بالنيابة عنهم في مصالحهم، سواء كان ذلك مما يصرف مباشرة في مصالحهم، أو مما يستبقى أو يستثمر، فتصرفات الدولة إنما هي باعتبار كونها نائبة عن المسلمين لا مالكة؛ ولذا فيجب عليها مراعاة المصلحة في التصرف في المال العام (¬2). 4 - أن الزكاة أصبحت لا تفي بحاجات المسلمين الضرورية، لا سيما مع تقاعس كثير من الأغنياء عن إخراجها، إضافة لعدم تخصيص كثير من الدول نصيبا للفقراء يسد حاجاتهم من الأموال العامة، مما يؤكد القول بوجوب زكاة الأموال العامة، لا سيما المخصصة للاستثمار (¬3). ونوقش: بأن فاقة المسلمين، وعدم تخصيص الحكام ما يكفي للفقراء من المال العام، لا يسوّغ إيجاب الزكاة في مال لم يستكمل أسباب الوجوب؛ فالزكاة عبادة، يقتصر في إيجابها على ما ورد به النص، وأمَّا حاجة المسلمين فتستدفع بأسباب أخرى كالوقف والصدقة (¬4). ¬
أدلة القول الثاني: 1 - أن الزكاة لا تجب في المال إلا إذا تحقق سبب وجوبها، وهو الملك التام، فلما لم يتحقق ذلك في المال العام، لم تجب فيه الزكاة (¬1). ونوقش: بأن ذلك لا يصدق على جميع الأموال العامة، وذلك أن المقصود من تمام الملك هو القدرة على التصرف في المال من المالك أو نائبه، وهذا متحقق في المال العام الذي يتمكن الإمام من تنميته باستثماره بالنيابة عن المسلمين المستحقين؛ فتجب زكاته عندئذ (¬2). وأجيب: بعدم التسليم؛ لأن تمام الملك لا يتحقق بمجرد إمكان تصرف الإمام في المال، وذلك لأن تصرفه مقيد بمصلحة المسلمين، وليس مطلقا، كما أن المنوب عنهم، لا يستطيعون التصرف في المال المذكور، لكونهم غير معينين، مما يتبين معه نقصان الملك (¬3). 2 - أن الزكاة لا تجب في المال إلا باعتبار الغنى، وملك المسلمين للأموال العامة لا يحقق لهم الغنى، فلا تجب فيها الزكاة (¬4). 3 - القياس على المال العام غير المستثمر، في عدم وجوب زكاته، بجامع عدم تمام الملك في كل منهما، فلا تجب فيهما الزكاة (¬5). ¬
الترجيح: يترجح لي القول الثاني، وهو عدم إيجاب الزكاة في المال العام المستثمر؛ لكونه غير مملوك ملكا تاما، لا سيما مع اتفاقهم على عدم وجوب زكاة المال العام غير المستثمر، فيكون حكمهما واحدا؛ لتحقق العلة المتقدمة فيهما، ولكون الناتج من الاستثمار تابعًا للأصل في الحكم، والتابع تابع ولا يفرد بحكم (¬1)، فضلا عن أن يكون ناقلا لحكم الأصل. مع كون الزكاة عبادة، لا بد لها من نية، ولا يمكن هذا مع عدم تعين المالك. وهذا لا يعني عدم جواز الصرف من المال العام في مصارف الزكاة عند الحاجة لذلك، بل يجب على الإمام الاجتهاد في سد حاجة المحتاجين، وتحقيق المصلحة العامة للمسلمين، إلا أن تقصيره في ذلك ليس مبررا لإيجاب الزكاة في مال لا تجب فيه. * * * ¬
المطلب الثالث تطبيقات معاصرة لزكاة المال العام
المطلبْ الثالث تطبيقات معاصرة لزكاة المال العام وفيه مسألتان: المسألة الأولى: زكاة الشركات التي تمتلكها الدولة (¬1) تقدم بيان حكم زكاة الأموال العامة المستثمرة (¬2)، ومن صور ذلك التطبيقية: استثمار الدولة للأموال العامة في شركات في مختلف المجالات، سواء كان ذلك في القطاع العام أو الخاص (¬3). ¬
المسألة الثانية: زكاة نصيب الدولة في الشركات الاستثمارية
وتأسيسًا على ما تقدم من أن الأموال العامة تفتقد لشرط الملك التام؛ لعدم تعين مالكها، فإنه لا تجب زكاة أموال تلك الشّركات، مهما اختلف نشاطها، أو كثرت أرباحها (¬1). المسألة الثانية: زكاة نصيب الدولة في الشّركات الاستثمارية يعتبر نصيب الدولة في الشّركات الاستثمارية -مساهمة كانت أو غير مساهمة- مالًا عاما مستثمرًا، كما تقدم، إلا أنه لما كان هذا النصيب مختلطًا بمال خاص لمستثمرين آخرين، استدعى ذلك النظر في تأثير خلطة المال العام بالخاص على إيجاب الزكاة في المال العام، وقد تقدم تقرير تأثير الخلطة في جميع الأموال الزكوية، (¬2) إلا أن ذلك لا يلزم منه إيجاب الزكاة على من لا تجب عليه، كما هو الحال في نصيب الدولة في الشّركات المساهمة؛ لعدم أهلية الدولة للزكاة؛ لكونها لا تملك المال العام ملكًا تاما، ولذا فإن الفقهاء الذين عمموا تأثير الخلطة في الأموال الزكوية استثنوا من ذلك الأموال العامة (¬3). كما قال في نهاية المحتاج (¬4): "نبه بقوله: أهل الزكاة، على أنه قيد في الخليطين، فلو كان أحد المالين موقوفا أو لذمي أو مكاتب أو لبيت المال لم تؤثر الخلطة شيئا، بل يعتبر نصيب من هو من أهل ¬
الزكاة إن بلغ نصابا زكاه زكاة المنفرد، وإلا فلا زكاة". وإنما تجب الزكاة على باقي الشركاء ممن تحققت فيهم موجبات الزكاة، من ملك تام لنصاب، وحولان حول (¬1). * * * ¬
المبحث العاشر زكاة مال التأمين
المبحث العاشر زكاة مال التأمين وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف التأمين وأنواعه المطلب الثاني: زكاة مال التأمين
المطلب الأول تعريف التأمين وأنواعه
المطلبْ الأول تعريف التأمين وأنواعه وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف التّأمين لم يكن التّأمين من المعاملات المعروفة في الأزمان المتقدمة (¬1)، لذا فإننا لا نجد له تعريفًا إلا في كتب المعاصرين مع خلاف بينهم في تعريفه لكثرة أنواعه وعناصره؛ لذا فإنني سأسوق جملة من التعريفات، ثم أختار ما أراه منها مناسبًا، فمن ذلك تعريف التّأمين بأنه: 1 - نظام تعاقدي يقوم على أساس المعاوضة، غايته التعاون على ترميم أضرار المخاطرة الطارئة، بواسطة هيئات منظمة تزاول عقوده بصورة فنية قائمة على أساس ¬
وقواعد إحصائية (¬1). ويناقش: بأن التعاون غاية للتأمين التعاوني والاجتماعي، أما التجاري فغايته الربح، كما أن هذا التعريف هو للتأمين باعتباره نظامًا، والأشمل هنا تعريفه باعتباره عقدًا. 2 - عقد يلتزم المؤَمِّن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤَمَّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التّأمين لصالحه مبلغا من المال، أو إيرادا مرتبا، أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبيَّن بالعقد، وذلك نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن (¬2). ونوقش: بأنه لم يذكر أن الخطر احتمالي، وهو من سمات التّأمين المهمة، مع ما فيه من طول (¬3). ويُردّ على ذلك بأن الاحتمالية لا توجد في جميع صور التأمين؛ مثل التأمين على الحياة، فالموت ليس احتماليا وإنما واقع حتمًا. 3 - عقد بين طرفين يلزم أحدهما بمقتضاه أن يدفع للثاني مبلغا من المال، ترميمًا لضرر لحق به بسبب حادث مبين في العقد، وذلك مقابل القسط الذي يدفعه الطرف الثاني (¬4). ¬
ويناقش كذلك بعدم بيان احتمالية الخطر. 4 - التزام طرف لآخر بتعويض نقدي يدفعه له أو لمن يعينه، عند تحقق حادث احتمالي مبين في العقد، مقابل ما يدفعه له هذا الآخر من مبلغ نقدي في قسط أو نحوه (¬1). ويلحظ أن التعاريف متقاربة، ولعل أقربها الأخير، وهو تعريف للتأمين بصورته العامة، وأما تعريفه باعتبار أنواعه فسيأتي عند ذكر تلك الأنواع. وقد اشتمل التعريف المختار على أهم سمات التّأمين، كما في البيان التالي: فقوله: (التزام): فيه بيان أن التّأمين عقد لازم. (طرف لآخر): المؤمن والمؤمن له، وهما من أركان التّأمين. (بتعويض نقدي): وهو مبلغ التّأمين، وفيه إشارة للمعاوضة، إلا أن المعاوضة الربحية قد لا تكون مقصودة كما في التّأمين التعاوني والاجتماعي. (أو لمن يعينه): وذلك عند كون مبلغ التّأمين مشروطا لغير المؤمن. (حادث احتمالي): ليعم الخطر وغيره مما حدد في العقد، مع كونه احتماليا؛ فليس متعين الوقوع. (مقابل ما يدفعه له هذا الآخر): ويراد به المؤمن له، وفيه الإشارة للمعاوضة. (مبلغ نقدي في قسط أو نحوه): ويراد به المبلغ الذي يدفعه المؤمن له، سواء كان قسطًا، أو دفعة غير قسطية (¬2). ¬
المسألة الثانية: أنواع التأمين
المسألة الثانية: أنواع التّأمين للتأمين أنواع متعددة أهمها: تنوعه باعتبار حقيقته وشكله، حيث يتنوع بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول: التأمين التجاري، ويسمى التّأمين بقسط ثابت. وهو النوع الذي ينصرف إليه لفظ التّأمين عند الإطلاق، وينطبق عليه التعريف العام المتقدم، فهو يقوم على المعاوضة، ويقصد منه تحقيق الربح، ولا يحق للمؤمن له استعادة القسط المدفوع للمؤمن في حال عدم تعرضه للخطر المحتمل، وبتنوع التّأمين التجاري بهذا المعنى إلى أنواع: 1 - تأمين الأشخاص: وهو التّأمين الذي يبرمه الشخص ضد الأخطار التي تهدد بدنه كالتّأمين على الحياة، والتّأمين ضد الحوادث، وغيره. 2 - تأمين الأموال: وهو التّأمين الذي يعقده الشخص لحماية الأموال ضد الأخطار، وهو يعم جميع الأموال والممتلكات العامة والخاصة، فهو أشمل أنواع التّأمين. 3 - تأمين المسؤوليات: وهو تأمين على كل ما ينشأ من مسؤوليات تجاه الفرد أو الجماعة للغير بسبب تصرفات خاطئة، أو إهمال أو إضرار بالغير بأي سبب كان من أسباب المسؤولية المدنية، فيكون التّأمين ضد رجوع الغير بالمسؤولية على المؤمن له، كتأمين السيارات والطائرات والقطارات، ضد المسؤولية المدنية، وكتأمين الأطباء والمهندسين والمقاولين ونحوهم ممن قد يلحق عمله ضررا بالآخرين (¬1). ¬
النوع الثاني: التأمين التعاوني، ويسمى التأمين التبادلي
النوع الثاني: التأمين التعاوني، ويسمى التّأمين التبادلي ويراد به اكتتاب مجموعة من الأشخاص يتهددهم خطر واحد بمبالغ نقدية على سبيل الاشتراك، يعطى منها تعويض لكل من يتعرض للضرر من هؤلاء (¬1). وقد تتولى إدارة عملية التّأمين التعاوني مؤسسة أو شركة بصفة الوكالة بأجر، فيكون التّأمين التعاوني مركبًا، ويراد به: عقد تأمين جماعي، يلتزم بموجبه كل مشترك فيه بدفع مبلغ معين من المال على سبيل التبرع؛ لتعويض المتضررين منهم على أساس التكافل والتضامن عند تحقق الخطر المؤمن منه، وتدار فيه العمليات التّأمينية من قبل شركة متخصصة على أساس الوكالة بأجر معلوم (¬2). النوع الثالث: التأمين الاجتماعي: وهو نظام إجباري تشرف عليه الدولة، بغرض تحقيق الضمان الاجتماعي، ويموله المؤمن عليه وصاحب العمل والدولة، بمساهمات دورية موحدة أو مختلفة في المقدار والنسبة؛ ليحصل المؤمن عليه أو من يعول على تعويض أو مكافأة أو راتب عند تحقق الخطر المؤمن ضده. ومن ذلك التّأمينات التقاعدية، والاجتماعية، والصحية، وغيرها من أنواع التّأمينات العامة (¬3). * * * ¬
المطلب الثاني زكاة مال التأمين
المطلب الثاني زكاة مال التأمين وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: زكاة مال التّأمين التجاري لم أقف على بحث في حكم زكاة مال التّأمين وكيفيتها، إلا ما يتعلق بزكاة المال في بعض صور التّأمين الاجتماعي (¬1)؛ لذا فإني سأتحدث عن كل نوع على حدة، مبتدئًا ببيان حكم زكاة التّأمين التجاري، حيث اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التّأمين التجاري على قولين: القول الأول: التحريم وهو قول أكثر الفقهاء المعاصرين (¬2)، وبه صدر قرار ¬
والقول الثاني
مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي (¬1)، والمجمع التابع لمنظمة المؤتمر (¬2)، وهو قرار هيئة كبار العلماء بالسعودية (¬3). والقول الثاني: الجواز، وقال به بعض المعاصرين، منهم الشيخ مصطفى الزرقا (¬4). وبناء على خلافهم هذا فإنه يتخرج قولان في وجوب زكاة أقساط أو دفعات التّأمين التجاري التي يدفعها المؤمَّن له للمؤمِّن، حيث إن القول بتحريم التّأمين التجاري يجعل حكم زكاته كحكم زكاة المال الحرام، وقد تقدمت الإشارة إليه، وبينت أن القول بعدم وجوب زكاته هو قول عامة الفقهاء المتقدمين والمعاصرين (¬5)، لِفَقْد شرط ملك المال الحرام بالنسبة لقابضه، لا سيما وأن القائلين بتحريم التّأمين التجاري لم يقل أحد منهم بوجوب زكاة المال الحرام فيما وقفت عليه، فيجب على المؤمن التخلص من هذا المال الذي يعتقد حرمته، فإن لم يفعل فإنه يخرج قدر الزكاة منه؛ لأن المال مملوك للمؤمِّن بعد قبضه، مع تأثيمه عند القائلين بالتحريم، ولو سلمنا بعدم استقرار الملك فيه، فإن ذلك لا يمنع مطالبته بإخراج القدر الزكوي من المال؛ إبراء للذمة، وإيصالا للحق لأهله، وفي مثل هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "الأموال التي بأيدي هؤلاء الأعراب المتناهبين إذا لم يُعرف لها مالك معين فإنه يخرج زكاتها، فإنها إن كانت ملكا لمن هي في يده كانت زكاتها عليه، وإن لم تكن ملكًا له ومالكها مجهول لا يعرف فإنه يتصدق بها كلها، فإذا تصدق بقدر زكاتها ¬
المسألة الثانية: زكاة مال التأمين التعاوني
كان خيرًا من ألا يتصدق بشيء منها، فإخراج قدر الزكاة منها أحسن من ترك ذلك على كل تقدير" (¬1). وتكون صفة زكاة التّأمين بالنسبة لشركات التّأمين التجارية بأن تحسب الشّركة رأس مالها وأرباحها، مع الديون المرجوة لها عند الغير، وتخصم الديون التي عليها، وقيمة أصول الشّركة من الوعاء الزكوي، وتخرج قدر زكاة التجارة (ربع العشر) من المال المتبقي بعد ذلك. المسألة الثانية: زكاة مال التأمين التعاوني يختلف التأمين التعاوني عن التجاري بأن القصد فيه ليس محض المعاوضة، فإنه نوع من أنواع التكافل الاجتماعي الذي شهدت بجوازه السنة النبوية كما جاء في الصحيح في حديث الأشعريين: أنهم كانوا إذا أرملوا في الغزو أو قلَّ طعامهم في المدينة جمعوا ما كان عندهم في إناء واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هم مني وأنا منهم" (¬2). وتلك الصورة أقرب ما تكون إلى التأمين التعاوني. لذا فقد ذهبت المجامع الفقهية وعامة الفقهاء المعاصرين إلى جوازه (¬3)، فأما حكم زكاته فإن الذي يظهر لي بعد التأمل في صورة التّأمين التعاوني بأنه لا زكاة في أقساطه أو دفعاته التّأمينية على المؤَمِّن والمؤمَّن له؛ فأما المؤَمِّن فإنه لا يملك ¬
المسألة الثالثة: زكاة مال التأمين الاجتماعي
المال، وإنما هو وكيل بأجر عن المؤَمَّن لهم، وأما المؤمن لهم فإن المال قد خرج من ملكهم فليس لهم حق استعادته، ولا المطالبة به بناء على العقد المتفق عليه بين الطرفين، إلا في حالة انقضاء السنة المالية وزيادة مبالغ التّأمين التعاوني بعد تغطيتها للأخطار المؤمن ضدها، فإن لهم الحق في استعادة الفائض المالي بالنسبة بين جميع الشركاء، ما لم يتفق على خلاف ذلك، كأن يكون هذا الفائض من نصيب شركة التّأمين التعاوني لقاء إدارتها لأموال التّأمين، فإنه والحالة هذه يجب تزكية المال الفائض وما نشأ عنه من أرباح بعد حول من تحققه لشركة التّأمين؛ لكونها لم يستقر ملكها له قبل ذلك، كما تقدم بيانه في زكاة ربح المضاربة على المضارب (¬1). المسألة الثالثة: زكاة مال التأمين الاجتماعي تبين مما تقدم أن التّأمين الاجتماعي يقوم على أساس التكافل الاجتماعي، فلا تقصد به المعاوضة بين الدولة وموظفيها، فهو يتفق مع التّأمين التعاوني في مقصده؛ لذا ألحق به في الحكم لدى المجامع الفقهية وعامة الفقهاء المعاصرين، (¬2) وإن كان يختلف عنه في بعض السمات، إلا أنها لا تؤثر في اختلاف حكمه عن التّأمين التعاوني، كما أنه مباين للتأمين التجاري من أوجه كثيرة، منها قيام التّأمين التجاري على الربح، بخلاف الاجتماعي فإنه يقوم على تحقيق التكافل والضمان الاجتماعي، وليس لإرادة المؤمن فيه أثرٌ في تحديد المستفيد منه، ولا في مقدار ما يستحقه؛ لكونه عقدًا إجباريًّا تقوم به الدولة أو من ينوب عنها (¬3). ومن أبرز صور التأمين الاجتماعي: نظام التقاعد: المتمثل في اقتطاع الدولة ¬
من راتب الموظف أثناء خدمته مبلغا ماليا حتى انتهاء خدمته، باستكمال مدّتها، أو بلوغ الموظف سِنًّا معينة، أو وفاته، أو عجزه، فتصرف له الدولة أو لمن عينه النظام ممن يعولهم الموظف راتبًا تقاعديا شهريًّا، أو مكافأة دفعة واحدة إذا لم يستكمل شروط الراتب التقاعدي، ويتم تمويل هذا النظام باقتطاع الدولة لنسبة معينة من راتب الموظف أثناء خدمته، مع مساهمة الدولة بنسبة تزيد أو تنقص عن نسبة الموظف، واستثمار هذه الأموال، (¬1) وهو بهذا يعد أحد صور التّأمين من جهة استكماله لأركانه، فالمؤَمِّن: هو الدولة، والمؤمَّن عليه: هو الموظف ومَن يعول، والقسط التّأميني: هو ما يُستقطع من راتب الموظف، ومبلغ التّأمين: هو ما يُدْفع للموظف أو مَن يقوم مقامه من راتب تقاعدي أو مكافأة، والخطر هو انتهاء خدمة الموظف بموته أو عجزه أو غير ذلك. وقد تقدم بيان حكمه والفرق بينه وبين التّأمين التجاري، وأما حكم زكاته فالذي يظهر فيه ما يلي: تبين مما تقدم أن طبيعة الراتب التقاعدي والمكافأة التقاعدية واحدة، فهي مبالغ مستحقة من الدولة للموظف عند انتهاء خدمته بموجب التزام الدولة بذلك طبقا لنظام التّأمين الاجتماعي، وتبعًا لذلك فإن تحديد ملك الموظف للمكافأة أو الراتب التقاعدي إنما يتحدد بتحديد أنظمة التّأمين الاجتماعي التي قررت هذا الحق للموظف، وعند النظر في تلك الأنظمة نجدها تتفق أن الموظف لا يستحق المكافأة التقاعدية إلا بعد انتهاء خدمته، كما لا يستحق الراتب التقاعدي إلا بنهاية كل شهر بعد انتهاء خدمته، فإذا أردنا تطبيق حكم الزكاة عليها بالنسبة للموظف وجدناها تفتقد لشرط مهم من شروط وجوب الزكاة وهو تمام الملك؛ فالموظف لا يحق له المطالبة بهذه الحقوق قبل نهاية خدمته، وحلول الوقت المتفق عليه بين الطرفين لاستحقاقها، ¬
مما يتبين به عدم وجوب زكاتها على الموظف، وأما الدولة فلا تجب زكاتها عليها كذلك؛ لأنها جهة عامة لا تملك، وقد تبين عدم وجوب زكاة المال العام (¬1). * * * ¬
المبحث الحادي عشر زكاة مكافأة نهاية الخدمة
المبحث الحادي عشر زكاة مكافأة نهاية الخدمة وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بمكافأة نهاية الخدمة وتكييفها المطلب الثاني: زكاة مكافأة نهاية الخدمة
المطلب الأول المراد بمكافأة نهاية الخدمة وتكييفها
المطلبْ الأول المراد بمكافأة نهاية الخدمة وتكييفها (¬1) وفيه مسألتان: المسألة الأولى: المراد بمكافأة نهاية الخدمة يكثر إطلاق هذا المسمى على المكافأة التي قررتها القوانين عند انتهاء عقد العمل، وقد عرفت من أهل الاختصاص بتعريفات، من أهمها: أنها التزام مصدره المباشر القانون، وسببه ما أداه العامل من خدمات لرب العمل نتيجة للعقد الذي تم بينهما (¬2). إلا أنه يلحظ أن في هذا التعريف إجمالًا؛ ولذا فإن الأوضح في تعريفها أن يقال: حق مالي أوجبه ولي الأمر بشروط محددة، على رب العمل لصالح العامل عند انتهاء خدمته، وذلك بأن يدفع رب العمل للعامل مبلغًا نقديًّا دفعة واحدة، ويكون مقدارها بحسب مدّة الخدمة وسبب انتهائها والراتب الشهري ¬
الأخير للعامل (¬1). ولهذه المكافأة شروط وأنظمة تفصيلية تختلف من بلد لآخر، وليس هذا موضع بسطها ومناقشتها، وإنما سأذكر أبرز خصائصها؛ لأتوصل بذلك إلى تكييفها، ولذا فإن من أبرز سمات مكافأة نهاية الخدمة ما يلي (¬2): 1 - أنها التزام فرضه ولي الأمر على رب العمل لصالح العامل (الموظف)، ولا يخضع في فرضه ولا في صفته إلى إرادة طرفي العقد (¬3). 2 - أن مقدار المكافأة يتحدد بناء على سبب انتهاء خدمته، ومدتها، ومقدار الراتب الأخير الذي كان الموظف يتقاضاه قبل انتهاء خدمته (¬4). 3 - أن وقت استحقاقها هو الوقت الذي تنتهي فيه خدمة الموظف، فلا يحق له المطالبة بها قبل انتهاء خدمته، كما لا يجوز له التنازل عنها (¬5). 4 - أنه لا يشترط استقطاع شيء من راتب الموظف أثناء مدّة خدمته، كما هو الحال في المكافأة التقاعدية (¬6). 5 - أن المستحق للمكافأة هو الموظف، إذا انتهت خدمته أثناء حياته، فإن ¬
المسألة الثانية: تكييف مكافأة نهاية الخدمة
انتهت خدمته بسبب الوفاة فيستحق المكافأة من يعولهم المتوفى من أهله وذويه، بدون تقيّد بقواعد الإرث الشرعي (¬1). 6 - أنه يحق لرب العمل حرمان الموظف من هذه المكافأة، في بعض الحالات التي نصت عليها القوانين المنظمة، كما لو ارتكب أخطاء ألحقت برب العمل خسارة مادية كبيرة (¬2). المسألة الثانية: تكييف مكافأة نهاية الخدمة يتوقف الحكم في زكاة مكافأة نهاية الخدمة على تكييفها الشرعي، حيث اختلف الباحثون في ذلك على الأقوال التالية (¬3): القول الأول: أجرة مؤجلة، وقال به الدكتور محمد ضناوي (¬4). القول الثاني: إنها تأمين من مخاطر انتهاء العقد، وقال به الشيخ عبد الله بن منيع (¬5). القول الثالث: التزام بالتبرع، وقال به الدكتور عبد الستار أبو غدة (¬6). ¬
القول الرابع
القول الرابع: حق مالي خاص أوجبته الدولة للعامل، وقال به الدكتور محمد نعيم ياسين (¬1)، وبنحو ذلك صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة عشرة، حيث عرفت بأنه: "حق مالي يوجبه القانون أو العقد للعامل أو الموظف بشروط، ويقدر بحسب مدة الخدمة، وسبب انتهائها، وراتب العامل والموظف، يدفع عند انتهاء الخدمة للعامل أو الموظف أو لعائلتهما" (¬2). أدلة الأقوال: دليل القول الأول: أن مقدار المكافأة ملاحظ من رب العمل عند التعاقد مع العامل على الأجر، مما يجعل لها أثرًا في مقدار الأجر زيادة ونقصًا، فتكون جزءًا مؤجلًا من الأجر (¬3). ونوقش: بأن ذلك غير مسلم؛ لأن اعتبارها أجرًا يؤدي إلى محاذير شرعية تفضي لبطلان عقد الإجارة منها: 1 - جهالة الأجر حيث لا يمكن العلم به إلا في نهاية عقد العمل لأنه يختلف بحسب المدة وأجرة الشهر الأخير وسبب انتهاء الخدمة وغير ذلك من الأسباب المؤثرة في الأجرة زيادة ونقصا. 2 - التعليق في العقد؛ لأن مكافأة نهاية الخدمة لا تستحق للعامل إلا بشروط لا يمكن التحقق منها إلا في نهاية العقد، وهذا من الغرر المؤثر في عقود المعاوضات. ¬
دليل القول الثاني
3 - أن عد المكافأة أجرًا يقتضي أن تدخل في ملك العامل بمجرد انتهاء المدة التي سلم نفسه فيها لرب العمل، أو بمجرد انعقاد العقد -حسب اختلاف الفقهاء- مما يقتضي عدم جواز حرمانه منها، كما أنها بوفاته تكون حقا للورثة يقتسمونه بموجب قواعد الإرث الشرعية، فلما لم يكن ذلك موجودا في مكافأة نهاية الخدمة، لم يصح تكييفها أجرًا (¬1). كما أنه يلزم عند الأخذ بهذا التكييف وجوب استحقاق المكافأة بكل حال، وهذا غير متحقق؛ لإمكان حرمان الموظف منها. دليل القول الثاني: أن هذه المكافأة تعتمد على جميع خصائص التّأمين من مؤمن ومؤمن عليه وقسط التّأمين ونتيجته (¬2). ونوقش: بأنه لا يسلم كونه تأمينًا؛ لأن التأمين عقد معاوضة بين طرفين، هما المؤمن والمؤمن له، ومقتضاه أن يأخذ كل منهما مقابل ما يدفع، فيدفع الأول أقساط التّأمين، ويلتزم الثاني مقابل ذلك بتحمل تبعة الخطر، ودفع مبلغ التّأمين في حالة وقوعه، وهذا ليس متحققا في مكافأة الخدمة؛ حيث إنها حق يلتزم رب العمل بسداده للعامل، مع عدم دفع الأخير لأي عوض مالي لرب العمل (¬3). دليل القول الثالث: لم أقف له على دليل، سوى توهينه لغير هذا التكييف. ونوقش هذا التكييف: بأنه يؤدي لضياع حق العامل في حال عدول رب العمل ¬
دليل القول الرابع
عن دفع المكافأة للعامل؛ بحجة أنها تبرع قد رجع عن إنفاذه، لا سيما مع وجود الخلاف القوي بين الفقهاء في الإلزام بالوعد (¬1). دليل القول الرابع: أن من صلاحيات ولي الأمر إنشاء بعض الحقوق والواجبات على الرعية إذا اقتضت المصلحة ذلك، ومن ذلك إلزامه بتلك المكافأة؛ حيث إن جانب العامل في عقود العمل ضعيف، لكون رب العمل يفرض شروطه عليه، فلا يملك العامل سوى الموافقة عليها إذا رغب العمل، فإلزام ولي الأمر لرب العمل بتقرير مكافأة نهاية الخدمة، هو حماية لحق العامل، وتحقيق لمصلحته، ومصلحة رب العمل في اطمئنان العامل واجتهاده في عمله، كما أن ذلك هو الأقرب لواقع تلك المكافأة، مما يخلصها من الإشكالات السابقة الواردة عليها؛ لعدم وجود معنى المعاوضة فيها (¬2). الترجيح: يترجح القول الرابع، وهو اعتبار مكافأة نهاية الخدمة حقا ماليا مفروضا من الإمام، سواء كان ذلك على بيت مال المسلمين، إذا كان الموظف يعمل لدى مؤسسات الدولة، أو كان على أرباب العمل من ملاك المؤسسات ورؤساء الشّركات، إذا كان العامل يعمل خارج مؤسسات الدولة، ومما يؤيد ذلك ما يلي: 1 - أن الطبيعة القانونية لمكافأة الخدمة تتنافى مع التكييفات الأخرى، وتتفق مع هذا التكييف، مع كونه لا مانع منه شرعًا، وتصحيح العقود بحسب الإمكان واجب (¬3). ¬
2 - أن من مقاصد الشريعة حفظ حقوق الضعفاء، وحمايتهم من ظلم الأقوياء، ومن وسائل ذلك: إثبات تلك الحقوق المالية للعامل على رب العمل، وذلك من واجبات ولي الأمر لما فيه من تحقيق للعدل، وهو ما يؤكده أبو عبيد القاسم بن سلام فيما رواه بسنده من كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة، حيث جاء فيه (... وانظر مَنْ قِبَلَك من أهل الذمة، قد كَبِرَت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأَجْرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلًا من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عِتْق، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك، ثم أجرى عليه في بيت المال ما يصلحه) (¬1). * * * ¬
المطلب الثاني زكاة مكافأة نهاية الخدمة
المطلبْ الثاني زكاة مكافأة نهاية الخدمة تقدم تكييف المكافأة بكونها حقًّا ماليًّا أوجبه ولي الأمر على أرباب العمل لصالح عمالهم؛ لذا فإنه لا بد لإيجاب الزكاة فيها من تحديد وقت استحقاق العامل لها وتملكها إياها، والذي يظهر أن تملك مكافأة نهاية الخدمة إنما يثبت بعد انتهاء خدمة العامل (الموظف)، وصرفها له، لما يلي: 1 - أن الحقوق المالية التي ينشؤها ولي الأمر يثبت وقت استحقاقها بتحديد المصدر لها، وقد حدد المصدر لتلك المكافأة وقت استحقاقها بانتهاء الخدمة. 2 - أن قوانين تلك المكافأة دالة على عدم تملك العامل لها ما دام على رأس العمل، حيث منعته من جميع أنواع التصرف بها قبل انتهاء خدمته. كما قصرت توزيعها في حال وفاة العامل على من يعولهم قبل وفاته، ولم تلتزم قواعد الإرث الشرعي، مما يؤكد أن تلك المكافأة لم تدخل في ملك العامل قبل ذلك، وإنما عند حصول موجب الاستحقاق من تقاعد أو استقالة أو وفاة (¬1). 3 - أننا لو سلمنا بملك العامل لها قبل انتهاء الخدمة لا سيما على تكييفها بأنها ¬
جزء من أجر العامل، فإن هذا الملك غير مستقر؛ لأن احتمال عدم استحقاق العامل لها قائم ما دام على رأس العمل، لربط الاستحقاق بشروط تختلف باختلاف الأنظمة، فمنها ما يتعلق بسبب انتهاء الخدمة، أو بمدتها، أو بسلوك العامل، وهي مع اختلافها في تعليق سبب الاستحقاق إلا أنها متفقة في كون استحقاق المكافأة معلقًا بأسباب قد تتحقق وقد تتخلف، مما يبين عدم استقرار ملك العامل لها (¬1). إذا تبين هذا فإن الزكاة لا تجب في مكافأة نهاية الخدمة قبل استحقاقها بنهاية الخدمة، وصدور قرار صرفها للموظف العامل (¬2)، حيث لم يتحقق فيها شرط الزكاة وهو ملك العامل للمال واستقراره، وإنما كانت قبل صدور قرار الاستحقاق مملوكة للجهة التي صدرت منها، سواء كانت الدولة، أو المؤسسات والشّركات الأهلية، ولا يتم ملكها بصدور قرار الاستحقاق فقط، بل لا بد من قبض المستحق لها، لما قد يعترضها من تأخير أو إلغاء، وقد اختلفوا بعد ذلك، هل تجب زكاتها بعد قبضها بضمها لماله من جنسها حولًا ونصابًا، أم لا بد من حولان حول عليها بعد القبض؟ قولان: القول الأول: وجوب زكاتها بضمها لماله من جنسها حولا ونصابا، وهو فتوى الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة (¬3). ¬
القول الثاني: عدم وجوب الزكاة في مكافأة نهاية الخدمة إلا بعد حولان حول على قبض المستحق لها. وهو رأي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬1). أَدلة القولين: دليل القول الأول: أن مكافأة نهاية الخدمة تعتبر مالًا مستفادًا، وحكمه أنه يضم لجنسه من المال في الحول والنصاب. ويناقش: بعدم التسليم بضم المال المستفاد إلى جنسه من ماله إذا لم يكن من ماله، بل الراجح فيه أن له حولًا ونصابًا مستقلين (¬2). دليل القول الثاني: أن مكافأة نهاية الخدمة مال مستفاد ليس من نماء ماله الذي عنده (¬3)، بل هو نشأ بسبب مستقل وهو الخدمة التي توفرت شروط استحقاق صاحبها للمكافأة (¬4). ¬
الترجيح: يتوقف الترجيح هنا على الترجيح في مسألة وقت وجوب زكاة المال المستفاد، ولذا فإني أعرضها مختصرًا كما يلي: اختلف الفقهاء في المال المستفاد إذا كان من جنس نصاب عنده وليس من نمائه (¬1) على قولين: القول الأول: لا يضم إلى حول نصابه، بل يستأنف له حول جديد وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية، واستثنى المالكية السائمة فإنها تضم إلى حول سائمته (¬2). القول الثاني: يضم المال المستفاد إلى حول ماله البالغ نصابًا وهو قول الحنفية (¬3). ¬
أدلة القولين: أدلة القول الأول: 1 - ما روي عن علي مرفوعًا: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" (¬1). وجه الاستدلال: أن عموم الحديث يشمل اشتراط الحول للمال المستفاد وغيره. ونوقش: بأنه على فرض صحته فإن الحديث عام يُخَصُّ منه المال المستفاد كما خصصنا النتاج والأرباح من عموم المال المستفاد لأنها من جنس الأصل وتبع له (¬2). ويجاب: بعدم التسليم، فالحديث على عمومه، ولم يخص منه إلا ما دل الدليل على تخصيصه، ومن ذلك الأرباح والنتاج فقد اتفقوا على ضمها لأنها تبع الأصل متولدة عنه، بخلاف المال المستفاد فهو مستقل عن الأصل ومتولد عن غيره، فالقياس مع الفارق (¬3). 2 - ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "من استفاد مالًا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه" (¬4). ¬
ونوقش: بأن الحديث ضعيف فلا يُسلَّم الاستدلال به (¬1). 3 - ولأنه مالٌ مملوك أصلًا فيعتبر فيه الحول شرطًا كالمستفاد من غير الجنس (¬2). 4 - واستدل المالكية على إيجاب ضم السائمة المستفادة إلى نصاب سائمته بأنها موكولة للساعي، فلو لم تضم لزم منه خروج الساعي أكثر من مرة خلال السنة الواحدة (¬3). ويناقش: بعدم التسليم، فلا يلزم الساعي الخروج إلا مرة واحدة، فما حال عليه الحول وجب على المزكي دفع زكاته للساعي، وما لم يَحُل حوله لا يجب عليه زكاته، والقول قوله: فإن قبل المزكي بتعجيلها أخذها الساعي منه، وإن امتنع، ورأى الساعي توكيل من يأخذها منه عند حولها فعل، أو أوكل إخراجها للمزكي إن وثق به، كما يخرج زكاة سائر ماله (¬4). أدلة القول الثاني: 1 - أنَّ المال المستفاد يضم إلى جنسه في النصاب، فوجب ضمُّه إليه في الحول؛ لأنه إذا ضم في النصاب وهو سبب، فَضَمُّهُ إليه في الحول وهو شرط أولى (¬5). ونوقش: بأنّ مقصود النصاب أن يبلغ المال حدًّا يدل على الغنى ويحتمل ¬
المواساة، بخلاف الحول، فإن مقصوده إرفاق الملك واستنماء المال، فلذا يجب الضم في النصاب، ولم يكن في الحول في مسألتنا هذه (¬1). كما أن عموم النص يدل على اشتراط الحول في هذه الصورة، ولا يمنع من ضم مال لآخر من جنس لإكمال نصاب زكوي. 2 - ولأنَّ إفراد المال المستفاد بالحول يفضي إلى حرج كبير ومشقة بالغة في ضبط أوقات وجوب إخراج الزكاة لتفويت إخراج بعض مقاديرها الواجبة، ولذا ضم النتاج والأرباح إلى ما كان حنسه دفعًا لهذه المفسدة (¬2). ونوقش: بأن ضم النتاج والأرباح إلى أصلها، لأنها تبع لها ومتولدة عنها، ولو سُلِّم بأنَّ عِلَّة ضمِّها ما ذكر؛ فإنه لا يُسلَّم بتحقُّقِه في مسألتنا؛ لأن الأرباح والنتاج تكثر وتتكرر ويشق ضبطها، بخلاف الأسباب المستقلة كالميراث والهبات، فيمكن ضبطها لقلة تكررها، فإن وجدت مشقة فهي دون المشقة في الأرباح والنتاج، فيمتنع القياس عليها، واليسر فيما ذكرنا أكثر، لأن الإنسان يتخيَّر بين التأجيل والتعجيل، والقول بوجوب الضم يتعين فيه التعجيل، ولا شك أن التخيير بين شيئين أيسر من تعيين أحدهما (¬3). الترجيح: يتبين مما تقدم رجحان القول الأول وهو اشتراط حول للمال المستفاد لقوة أدلته، والإجابة عن أدلة القول الثاني. ¬
إذا تقرر هذا فإن الراجح في مسألة وقت زكاة مكافأة نهاية الخدمة هو القول الثاني وهو بعد حولان حول من قبضها من مستحقها.
المبحث الثاني عشر زكاة الراتب الشهري
المبحث الثاني عشر زكاة الراتب الشهري
المبحث الثاني عشر زكاة الراتب الشهري (¬1) يطلق الراتب الشهري ويراد به: الأجر الذي يتقاضاه الأجير الخاص (¬2) مقابل عمله كل شهر، فهو مال مستفاد من جنس نصاب عنده وليس من نمائه، وقد تقدم بيان خلاف العلماء في ابتداء حوله، وهل يستأنف له حول جديد؟ أم يضم إلى حول النصاب عنده؟ ورجحتُ استئناف حول جديد (¬3)، وينسحب هذا الخلاف والترجيح على زكاة الراتب الشهري لكونه مالًا مستفادًا من هذا النوع، فيحسب حولًا لكل راتب من حين تملكه، ويزكيه إن بلغ نصابًا، إلا أنه لما كان ضبط ذلك مما يشق لتكرر الراتب كل شهر مع اختلاط أموال الرواتب وغيرها ببعضها؛ لذلك فإنه يشرع للمكلف تحديد يوم في السنة لزكاة رواتب السنة كلها؛ فينظر ما لديه من نصاب ¬
ويزكيه، فما كان منه قد حال عليه الحول وجبت زكاته، وما لم يحل حوله فإن زكاته تكون زكاة معجلة (¬1)، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، حيث جاء في الفتوى ما يلي: ¬
"من ملك نصابًا من النقود ثم ملك تباعًا نقودًا أخرى في أوقات مختلفة وكانت غير متولدة من الأولى ولا ناشئة عنها، بل كانت مستقلة كالذي يوفره الموظف شهريًّا من مرتبه، وكإرث أوهبة أو أجور عقار مثلًا، فإن كان حريصًا على الاستقصاء في حقه حريصًا على ألا يدفع من الصدقة لمستحقيها إلا ما وجب لهم في ماله من الزكاة فعليه أن يجعل لنفسه جدول حساب لكسبه، يخص فيه كل مبلغ من أمثال هذه المبالغ بحول يبدأ من يوم ملكه ويخرج زكاة كل مبلغ لحاله كلما مضى عليه حول من تاريخ امتلاكه إياه. وإن أراد الراحة وسلك طريق السماحة وطابت نفسه أن يؤثر جانب الفقراء وغيرهم من مصارف الزكاة على جانب نفسه؛ زكى جميع ما يملكه من النقود حينما يحول الحول على أول نصاب ملكه منها، وهذا أعظم لأجره وأرفع لدرجته، وأوفر لراحته وأرعى لحقوق الفقراء والمساكين وسائر مصارف الزكاة وما زاد فيما أخرجه عما تم حوله يعتبر زكاة معجلة عما لم يتم حوله. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" (¬1). وهذا القول هو الموافق للقواعد الشرعية لا سيما مع مشقة إخراج الزكاة ¬
للرواتب الشهرية باحتساب حول لكل راتب، فالمشقة تجلب التيسير (¬1)، كما أن به يتحقق المزكي من زكاة ماله؛ لأن ما لم يوجد من ماله عند الوقت المعين لإخراج الزكاة لا تشرع زكاته لأنه لم يحل عليه الحول وهو نصاب، فيكون مما لم يتحقق سبب وجوبه وهو ملك النصاب. * * * ¬
المبحث الثالث عشر زكاة الحقوق المعنوية
المبحث الثالث عشر زكاة الحقوق المعنوية وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف الحقوق المعنوية وأنواعها المطلب الثاني: تكييف الحقوق المعنوية المطلب الثالث: زكاة الحقوق المعنوية
المطلب الأول تعريف الحقوق المعنوية وأنواعها
المطلبْ الأول تعريف الحقوق المعنوية وأنواعها وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف الحقوق المعنوية (¬1) تطلق الحقوق المعنوية على كل حق لا يتعلق بمال عيني ولا بشيء من منافعه ¬
مثل حق القصاص والولاية والطلاق وغيرها (¬1). فهو مصطلح واسع يشمل جميع الحقوق غير المادية، إلا أن المقصود بها هنا: حقوق خاصة بأصحابها ذات قيمة عرفية، ترد على أشياء غير مادية من نتاج الجهد الذهني (¬2). مما يتبين به عموم التسمية المذكورة، ودخول ما ليس مرادا كحقوق القصاص والطلاق ونحوها؛ لذا فقد سماها بعض الباحثين بتسميات أخرى أدق، كحقوق الابتكار لكي يشمل ذلك الحقوق الأدبية، كحق المؤلف في استغلال كتابه، والحقوق الصناعية والتجارية كحق مخترع الآلة، ومبتكر العنوان الذي أحرز الشهرة ونحو ذلك، كما أن ذلك يمنع دخول غير المراد من الحقوق غير المالية، فهي تسمية أدق من غيرها (¬3). ¬
المسألة الثانية: أنواع الحقوق المعنوية
المسألة الثانية: أنواع الحقوق المعنوية وتتنوع هذه الحقوق إلى أنواع من أبرزها: أولًا: حق التأليف (¬1): والمراد به ما يثبت للعالم أو المؤلف من اختصاص شرعي بمؤلفه يمكّنه من نسبته إليه، ودفع الاعتداء عنه، والتصرف فيه، واستئثاره بالمنفعة المالية الناتجة عن إستغلاله استغلالًا مباحًا شرعًا (¬2). ثانيًا: حق الاختراع (¬3): ويعرف بقريب من سابقه: ما يثبت للمخترع من اختصاص شرعي بما اخترعه، يمكنه من نسبته إليه، ودفع الاعتداء عنه، والتصرف فيه، واستئثاره بالمنفعة المالية الناتجة عن استغلاله استغلالًا مباحًا شرعًا (¬4). ¬
ثالثا: حق الاسم التجاري
ثالثًا: حق الاسم التجاري (¬1): يطلق الاسم التجاري على التسمية التي يستخدمها التاجر كعلامة مميزة لمشروعه التجاري عن نظائره، ليعرف المتعاملون معه نوعًا خاصًّا من السلع وحسن المعاملة والخدمة، ويشتمل على الشعار التجاري للسلعة، والعنوان التجاري وهو اسم المحل أو المنشأة، والوصف الذي يتمتع به المحل التجاري، ويمكن أن يعرف حق الاسم التجاري أيضا بأنه: ما يثبت لصاحب الاسم التجاري من اختصاص شرعي بما سماه، يمكنه من نسبته إليه، ودفع الاعتداء عنه، والتصرف فيه، واستئثاره بالمنفعة المالية الناتجة عن استغلاله استغلالًا مباحًا شرعًا. * * * ¬
المطلب الثاني تكييف الحقوق المعنوية
المطلب الثاني تكييف الحقوق المعنوية يتبين مما تقدم أن التأليف والاختراع والاسم التجاري وما يتبعه، تُكْسِب صاحبها حقوقا لكونها من نتاجه فهو أحق بما نتج عنها من غيره، وهذه الحقوق الناتجة قسمان: القسم الأول: الحق الأدبي ويراد به ما يثبت للمبتكر من اختصاص شرعي غير مالي، بابتكاره الذهني، يمكِّنه من نسبته إليه، والتصرف فيه، ودفع الاعتداء عليه (¬1). وثبوت هذا الحق مما لا ينبغي أن يختلف فيه، فقد دلت عليه نصوص الشريعة وقواعدها، بل إن الحق الأدبي من بدائِهِ العلم عند المتقدمين وإن لم يلقبوه بذلك، ويضعوا له أنظمة وقواعد؛ لأنها أمور فطرية تقتضيها الديانة والأمانة، وخرقها مناقض للفطرة، فضلًا عن خرق سنن الشريعة وهديها (¬2). ¬
القسم الثاني: الحق المالي
القسم الثاني: الحق المالي وهو قسيم للحق الأدبي، ويراد به ما يثبت للمبتكر من اختصاص شرعي بابتكاره الذهني، يمكنه من التصرف فيه، والاستئثار باستغلاله استغلالًا مباحًا شرعًا (¬1). ومما تقدم يتبين أن الحقوق المعنوية بشقيها المالي والإداري حقوق غير مادية، ذات قيمة مالية معتبرة شرعًا وعرفًا، ولها شَبهٌ كبير بالمنافع (¬2) من جهة انعدام المادية، وتحقق المالية في كل منهما (¬3). ولا يظهر لي مانع من اعتبارها حقًّا من جهة ثبوتها، ومنفعةً من جهة الاستفادة منها مع انعدام ماديتها (¬4). وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي باعتبارها حقوقا ذات قيمة مالية، ونصه: "الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لِتَمَوُّلِ الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا، فلا يجوز الاعتداء عليها" (¬5). ¬
فيتبين مما تقدم أن الحقوق المعنوية مال، وهذا مُتَّفِقٌ مع مذهب جمهور الفقهاء الذين يوسعون معنى المال ليشمل كل ما كان له قيمة مادية بين الناس، ويشرع الانتفاع به سواء كان عينيًّا أو معنويًّا (¬1)، خلافًا للحنفية الذين يخصون المال بما له قيمة من الأعيان (¬2). ولا شكّ أن ما ذهب إليه الجمهور هو الأظهر، لما يلي: 1 - أن مسمى المال من المسميات المطلقة التي لم يرد لها حدٌّ شرعًا ولا لغة، فيكون مردُّها للعرف، وقد تعارف الناس على مالية غير الأعيان مما له قيمة كالمنافع وبعض الحقوق. 2 - أن الأدلة الشرعية جاءت باعتبار غير الأعيان كالمنافع أموالًا، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْكَحْتُكَهَا بما معك من القرآن" (¬3). فجعل صداق المرأة منفعة، وهو ¬
لا يكون إلا مالًا، كما في قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (¬1). 3 - أنّ حصر المالية بالأعيان لا دليل عليه، فكل ما أمكن تموله مما له قيمة يُعَدُّ مالًا، بل إن الأعيان لا تقصد إلا لمنافعها (¬2). وقد ترتب على اختلافهم في تعريف المال خلافهم في مالية المنافع، فالجمهور يعدون المنافع أموالًا (¬3)، وأما الحنفية فلا يعدونها كذلك (¬4). * * * ¬
المطلب الثالث زكاة الحقوق المعنوية
المطلبْ الثالث زكاة الحقوق المعنوية تبين مما تقدم أن الحقوق المعنوية تعد أموالًا مملوكة لأصحابها، إلا أنه قد اختلف المعاصرون في وجوب زكاتها على قولين: القول الأول: عدم وجوب زكاتها، وقال به الدكتور محمد البوطي (¬1) والدكتور عبد الحميد البعلي (¬2). القول الثاني: عدم وجوب الزكاة في حقوق التأليف والابتكار، ووجوبها في الاسم التجاري والترخيص والعلامة التجارية إذا تحققت فيه شروط زكاة عروض التجارة (¬3)، ¬
أدلة القولين
وقال بذلك الدكتور النشمي (¬1)، وبه صدرت فتوى الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة (¬2). أدلة القولين: دليل القول الأول: أن الحقوق المعنوية هي حقوق ذهنية، وليست سلعا يمكن إدخالها في كينونة الإعداد للبيع، وأما الحقوق المالية التي تنطوي عليها فليست منفصلة عن ثمراتها ونتائجها المادية؛ لذا فإنه لا يتحقق فيها شرط النماء (¬3). ويناقش: بأن كون الحقوق ذهنية لا ينفي ماليتها، بل هي حقوق لها قيمة مالية، فلا مانع من كونها عروضا تجارية، متى انفصلت عن آثارها. دليل القول الثاني: أن تلك الحقوق لا تخلو، إما أن يمكن انفصالها عن موضوعاتها، وإعدادها للتجارة كما في الاسم التجاري والترخيص والعلامة التجارية، أو لا يمكن ذلك كما في حقوق التأليف والابتكار، فإن أمكن انفصالها فإنها تكون عرضًا تجاريا تجب زكاتها إذا انطبقت عليها شروط زكاة عروض التجارة، وإن لم يمكن انفصالها وإعدادها للتجارة فلا تجب زكاتها لعدم تحقق شرط النماء فيها (¬4). الترجيح: يترجح القول الثاني لقوة تعليله، لا سيما وأن بيع تلك الحقوق قد يكون بمعزل ¬
عن آثارها، ويتضح ذلك في الحقوق التي ليس لها آثار كالترخيص التجاري قبل استحداث المنشأة التجارية ونحو ذلك، فإنه متى أعد المال للتجارة حقًّا كان أو عينًا وجبت زكاته بعد استيفاء شروط وجوبها.
المبحث الرابع عشر زكاة مال الإجارة المنتهية بالتمليك
المبحث الرابع عشر زكاة مال الإجارة المنتهية بالتمليك وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك المطلب الثاني: زكاة مال الإجارة المنتهية بالتمليك
المطلب الأول تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك
المطلب الأول تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك وفيه مسألتان: المسألة الأولى: التعريف الإفرادي وفيها فرعان: الفرع الأول: تعريف الإجارة (¬1) تعريف الإجارة اصطلاحًا: عرفت بتعريفات كثيرة، لعل من أجمعها تعريفها بأنها: عقد على منفعة مباحة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة مدّة معلومة، أو عمل معلوم بعوض معلوم (¬2). ¬
الفرع الثاني: تعريف التمليك
ويتبين من التعريف أن الإجارة قسمان: 1 - إجارة أعيان. 2 - إجارة أعمال. الفرع الثاني: تعريف التّمليك (¬1) عُرِّف التّمليك اصطلاحًا بأنه: جعل الغير مالكًا للشيء، والمقصود هنا تمليك الغير عَيْنًا بعوض معلوم (¬2). المسألة الثانية: تعريف الإجارة المنتهية بالتّمليك باعتباره مركبًا يعد عقد الإجارة المنتهية بالتّمليك عقدا حديثا (¬3)، فلم يعرّف في كتب الفقهاء المتقدمين، وإنما عرّفه المعاصرون بعدة تعريفات منها: تعريفه بأنه: تمليك المنفعة ثم تمليك العين نفسها في آخر المدة (¬4). ¬
ويؤخذ عليه الإجمال في بيان حقيقة العقد، وأوضح منه أن يعرف عقد الإجارة المنتهية بالتّمليك بأنه: عقد على إيجار عين معلومة، تدفع أجرتها على أقساط في مدّة معينة، يتبعها تمليك للعين نفسها بمقتضى العقد الأول، أو بعقد جديد مقابل عوض معلوم أو بدون عوض (¬1). ويتبين من التعريف أن للإجارة المنتهية بالتّمليك صورا منها: 1 - عقد إجارة مقرونة بهبة السلعة للمستأجر في نهاية المدة، فيتملك المستأجر السلعة بلا ثمن، ويكتفي بأقساط الإجارة المتقدمة. 2 - عقد إجارة مقرونة ببيع السلعة للمستأجر في نهاية المدة، فيتملك المستأجر السلعة بثمن يقابل الملكية. 3 - عقد إجارة مقرونة بوعد من المؤجر للمستأجر ببيعٍ، أو هبةِ السلعة له في نهاية المدة، فيخير المستأجر عند انتهاء الإجارة في تملك السلعة بعقد جديد، أو عدم تملكها (¬2). * * * ¬
المطلب الثاني زكاة مال الإجارة المنتهية بالتمليك
المطلب الثاني زكاة مال الإجارة المنتهية بالتمليك (¬1) اختلف فقهاء العصر في حكم الإجارة المنتهية بالتّمليك، وذلك بناء على اختلاف صورها، مع اختلافهم فيما بني عليه من مسائل (¬2)، إلا أني لا أرى ذلك ¬
مؤثرًا في بيان حكم زكاة المال الْمُؤَجِّر؛ لأنّ المؤجّر مالكٌ للعين المؤجَّرة، سواء قلنا بصحة العقد أو فساده، لذا فإن حكم زكاة العين المؤجرة إيجارًا منتهيًا بالتّمليك يتخرج على حكم زكاة المستغلات، وقد تقدم بيانها وترجيح عدم وجوب زكاتها، وإنما تجب الزكاة فيما غل منها بعد حَوَلَان الحول على الغلة (¬1)، ولم تجب الزكاة في كامل القيمة، وإنما وجبت في الأجرة؛ لكون العين المؤجَّرة لم تعد للتقليب بالبيع والشراء، وإنما للاستغلال، مما يحول دون تحقق وصف العروض التجارية فيها (¬2). فيجب على مالك العين المؤجرة وهو المؤَجِّر زكاةُ أقساط الأجرة التي يستلمها إذا حال عليها الحول بعد قبضها، فإن شقَّ ضَبْطُ حَوْلِ كُلِّ قسطٍ لها فيمكنه تحديد وقت معين يزكي فيه ما اجتمع له من مال زكوي من تلك الأقساط. * * * ¬
المبحث الخامس عشر زكاة مال الاستصناع
المبحث الخامس عشر زكاة مال الاستصناع وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الاستصناع المطلب الثاني: زكاة مال الاستصناع
المطلب الأول تعريف الاستصناع
المطلب الأول تعريف الاستصناع (¬1) عرف الاستصناع (¬2) لدى الأحناف (¬3) بتعريفات منها: تعريفه بأنه عقدٌ على مَبِيع في الذمة شرط فيه العمل (¬4). كما عرف بأنه: طلب العمل من العامل في شيء خاص، على وجه ¬
مخصوص (¬1). إلا أنه يلاحظ على التعريفين الإجمال في بيان حقيقة الاستصناع، ولذا فإن الأشمل في تعريفه أن يقال: عقد يُشترى به في الحال شيء مما يُصنع صنعًا يلتزم البائع بتقديمه مصنوعًا بمواد من عنده بأوصاف معينه، وبشيء محدد (¬2). ويتضح من التعريف ما يلي: 1 - أن عقد الاستصناع: عقد بيع وليس عقد إجارة أو وعدًا (¬3). 2 - أنّ الأصل في المبيع فيه أنه معدوم عند العقد والمقصود هو صنعه، فلا يجري الاستصناع في الأمور التي لا تدخلها الصنعة كالثمار والحبوب، فهذه تباع سلمًا. 3 - أنَّه لا بد في الاستصناع من تحديد الأوصاف للمستصنع بما ينفي عنه الجهالة. ¬
أولا: الفرق بين الاستصناع والسلم
4 - أنّ الثمن لا يجب تعجيله في الاستصناع، وإنما يجب معرفته نوعًا وقدرًا. 5 - أنَّ المواد التي يتركب منها المستصنع يقدمها الصانع (¬1). ويتضح مما تقدم الفرق بين الاستصناع والسلم والإجارة كما يلي: أولًا: الفرق بين الاستصناع والسلم (¬2): المعقود عليه في السلم هو الموصوف في الذمة دون اشتراط كونه من صنعته، كما أن له أجلًا محددًا، وثمنه مقبوض مقدما، أما الاستصناع فالمعقود عليه فهو العين والعمل، فيشترط فيه الصنع ولا يشترط تعجيل الثمن، فالسلم عام في المصنوع وغيره، مع اشتراط تعجيل الثمن بخلاف الاستصناع. ثانيًا: الفرق بين الاستصناع والإجارة: المعقود عليه في الإجارة هو منفعة العين، أما في الاستصناع فالمعقود عليه هو العين والعمل، فيلزم الصانع إحضار المواد التي يتركب منها المطلوب صناعته، فإذا ¬
أحضرها المستصنع أصبحت إجارة؛ لأن العقد وقع فيها على منفعة العامل فقط دون عين المستصنع (¬1). * * * ¬
المطلب الثاني زكاة مال الاستصناع
المطلب الثاني زكاة مال الاستصناع اختلف الفقهاء في حكم الاستصناع على قولين؛ قول بالجواز وآخر بالمنع (¬1)، إلا أنه استقر رأي جواز الاستصناع وصحته عند فقهاء العصر (¬2)، والمقصود هنا بيان ¬
القول الأول
حكم زكاة المال في الاستصناع في حق الصانع والمستصنع (¬1)، حيث اختلف المعاصرون في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: عدم وجوب الزكاة على المستصنع والصانع في مال الاستصناع (¬2). القول الثاني: وجوب الزكاة على المستصنع في ثمن المصنوع حتى يستلم المصنوع، ووجوبها على الصانع في المصنوع حتى يقبضه المستصنع (¬3). القول الثالث: وجوب الزكاة على الصانع فيما يقبضه من ثمن المصنوع، مع عدم وجوب الزكاة على المستصنع في ذلك الثمن (¬4). أدلة الأقوال: دليل القول الأول: عدم تحقق شرط الملك في العوضين، فالمستصنع لم يملك ثمن المصنوع، لأنه إن كان دفعه للصانع فقد خرج من ملكه، وإن لم يكن دفعه فهو في حكم المشغول بالدين؛ فملكه عليه غير تام، فلا تجب زكاته، وأما الصانع فإنه لا يزكي مواد المصنوع لخروجها عن ملكه بالعقد ولو لم يسلمها؛ لئلا يصير جامعًا ¬
دليل القول الثاني
بين البدل والمبدل (¬1). ويناقش: بأنه لا يسلم عدم ملك الصانع للمصنوع مطلقًا، بل هو مالك له إن كان موجودًا؛ لأنه موصوف في الذمة لا يتعين بالعقد، كما لا يسلم عدم ملك المستصنع لثمن المصنوع مطلقًا، فإنه ماله ما لم يقبضه الصانع، أو يستحقه بحلول أجله، فإن استحقه الصانع بحلول أجله فله حكم زكاة الدين بالنسبة للمستصنع، وهي واجبة في الدين الحال على مليء باذل (¬2). دليل القول الثاني: أن المستصنع لا يملك المصنوع إلا بِقَبْضِه، فيبقى مالكا للبدل المتفق عليه حتى يقبضَ المصنوع، فإن قبضه خرج البدلُ عن ملكه، وكذا الصانع تجب زكاته للمصنوع؛ لأنه مالكٌ له حتى يسلمه للمستصنع، فإذا سلمه له خرج من ملك الصانع إلى المستصنع فوجبت عليه زكاته (¬3). دليل القول الثالث: أن ما يقبضه الصانع ثمنا للمصنوع ملك له كأجرة العامل ونحوه يملكها بقبضها، وأما المستصنع فإن ثمن المصنوع دين عليه، ولا تجب الزكاة في الدين أو ما يقابله (¬4). ويناقش: بأن عدم وجوب الزكاة في الدين أو ما يقابله إنما يكون في الدين إذا حل، أما المؤجل فالأظهر أنه لا يحسم من نصاب ما تجب زكاته؛ لعدم استحقاق الدين حال الخصم. ¬
الترجيح
الترجيح: يترجح القول الثاني؛ وهو وجوب زكاة الثمن على المستصنع ما لم يقبضه الصانع، أو يستحقه، كما يجب على الصانع زكاة المصنوع ما لم يقبضه المستصنع أو يستحقه، وذلك لتحقق ملك المستصنع لثمن المصنوع، وتحقق ملك الصانع لعين المصنوع وموادِّه التي يتركب منها، مع عدم تَحَقُّقِ ملك الصانع للثمن ما لم يقبضه أو يستحقه، فإنْ قَبَضَه فقد تملكه، وإن استحقه ولم يقبضه فتنطبق عليه أحكام زكاة الدين، وهي إنما تجب إن كان الدين على مليء باذل، كما أن ملك المستصنع للمصنوع لا يتحقق ما لم يقبضه أو يستحقه (¬1)، فإن استحقه ولم يقبضه فتجري عليه أحكام زكاة الديون كما تقدم، (¬2) إلا أن إيجاب الزكاة في المصنوع أو ثمنه، إنما يكون في حال وجودِهما لدى مالكهما، وبلوغِهما نِصابًا، وحَوَلَان الحول على ذلك. سبب الخلاف: اختلافهم في ثبوت الملك للمستصنع في المصنوع، وثبوت الملك للصانع في البدل المتفق عليه. * * * ¬
المبحث السادس عشر حكم احتساب الضريبة من الزكاة
المبحث السادس عشر حكم احتساب الضريبة من الزكاة وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الضرائب وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينها وبين الزكاة المطلب الثاني: حكم احتساب الضريبة من الزكاة
المطلب الأول تعريف الضرائب وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينها وبين الزكاة
المطلبْ الأول تعريف الضرائب وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينها وبين الزكاة وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف الضرائب (¬1) ¬
تطلق الضريبة في الاصطلاح الفقهي على أنواع منها (¬1): 1 - ضريبة الجزية. 2 - ضريبة الخراج (¬2). 3 - ضريبة عُشور التجارة (¬3). 4 - ضريبة المكوس (¬4). وغيرها من الأنواع. وليس المقصود هنا بيان هذه الأنواع (¬5)؛ وإنما المراد بيان الضرائب في ¬
الاصطلاح المالي المعاصر، وقد ذكروا لها عدة تعريفات، فمنها: 1 - المقدار من المال الذي تُلْزِم الدولةُ الأشخاصَ بدفعه من أجل تغطية النفقات العامة لها دون أن يقابل ذلك نفعٌ معينٌ لكل ممول بعينه (¬1). 2 - فريضة إلزامية وليست عقابية، يُلْزَمُ الأفرادُ على أساسها بتحويل بعض الموارد الخاصة بهم للدولة بدون مقابل؛ لتحقيق ما تسعى إليه الدولة من أهداف طبقًا لقواعدَ محددة (¬2). ويُلحظ على التعريفين: تخصيص دفع الضريبة بالأفراد، بينما هي مما يُلْزَمُ بها الأفراد والشّركات ونحوها، كما أنها لم تنص على أن تلك الضرائب هي دفعات نقدية. فلذا يمكن أن نعرف الضرائب بأنها: المقدار النقدي الذي يُلْزَمُ الأفراد والشّركات بدفعه للدولة وَفْقَ قواعد محددة، للمساهمة بتغطية النفقات العامة للدولة، وتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية ونحوها، دون نفع معين لكل ممول بعينه. ويتبين بذلك أن أبرز خصائص الضرائب ما يلي: 1 - أن الذي يقوم بتحصيلها جهة عامة. 2 - أن هذا التحصيل جبري. 3 - أن ذلك يكون وفقا لأنظمة وقوانين محددة. ¬
المسألة الثانية: بيان أوجه الاتفاق والاختلاف بين الضريبة والزكاة وفيها فرعان
4 - أن الغرض الأساسي منها تغطية نفقات الدولة (¬1). المسألة الثانية: بيان أوجه الاتفاق والاختلاف بين الضريبة والزكاة وفيها فرعان: الفرع الأول: أوجه الاتفاق بين الضريبة والزكاة تتفق الضريبة مع الزكاة في بعض الأوجه، وتختلف في البعض الآخر؛ فأما أوجه الاتفاق فيمكن أن نعد منها ما يلي: 1 - الإلزام بالدفع في الضريبة والزكاة. 2 - دفع المال في الضريبة إلى الجهة العامة؛ وهي الدولة، وكذا الزكاة فيما يجبيه السعاة منها؛ فإنه يدفع للجهة العامة، وما عدا ذلك فيمكن دفعه للأفراد. 3 - انعدام المنفعة المادية المعينة المقابلة لدفع الضريبة والزكاة؛ فمنفعة دفع الضريبة تكمن في الإسهام في المصالح العامة للدولة، ومنفعة دفع الزكاة هي في الأجر الأخروي لدافعها. 4 - تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية في كلٍّ من الضريبة والزكاة، مع التفاوت بينهما في ذلك، فما تحققه الزكاة أعظم أثرا مما تحققه الضريبة، لكون مصارف الزكاة مصارف متنوعة نص عليها الشارع الحكيم (¬2). الفرع الثاني: أوجه الاختلاف بين الضريبة والزكاة تختلف الضرائب عن الزكاة من أوجه كثيرة، من أهمها: ¬
1 - الضريبة من وضع البشر، بخلاف الزكاة فهي من تشريع العليم الحكيم. 2 - الضريبة فريضة مالية، بينما الزكاة عبادة مالية مفروضة. 3 - الضريبة تُجْبَى من قِبَل الدولة فقط، بخلاف الزكاة، فمنها ما تجبيه الدولة، ومنها ما يدفعه الأفراد من قِبَلِ أنفسهم في المصارف الشرعية. 4 - عقوبة الممتنع من دفع الضريبة هي عقوبة دنيوية فقط، بخلاف الزكاة فعقوبتها لا تختص بالعقوبة الدنيوية، بل تتجاوزها إلى العقوبة الأخروية. 5 - تخضع الضريبة من حيث وعائها الضريبي، ونصابها، والمقدار واجب الدفع، إلى اجتهاد البشر من حكام ومسؤولين، فهي معرضة للتغيير زيادة ونقصا بحسب تغير حاجات الدولة، ونفقاتها العامة، ومواردها المالية، بخلاف الزكاة التي عَيَّنَ الشارع الحكيم وعاءها، فنص على أموال تجب فيها الزكاة، واستثنى أموالا من ذلك، كما عَيَّنَ النصاب الذي تجب عنده الزكاة، والمقدار الذي يجب إخراجه في كل جنس من الأموال الزكوية، وتلك شرائع سماوية ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل. 6 - الضريبة فريضة مالية قابلة للإثبات والإلغاء، بخلاف الزكاة، فمن صفتها الثبات والدوام، فلا يجوز إلغاؤها، أو استبدالها بغيرها من الفرائض المالية البشرية. 7 - الضريبة واجبة في الأموال النامية وغير النامية، بخلاف الزكاة فإنما تجب في الأموال النامية دون غيرها من أموال القنية والاستهلاك. 8 - الضريبة تؤخذ من عموم المقيمين في الدولة؛ الأغنياء والفقراء، بينما الزكاة تجب على الأغنياء دون الفقراء. 9 - الضريبة تصرف في نفقات الدولة العامة ومتطلباتها، بخلاف الزكاة؛ فإنها
تُصْرَف في مصارفها الثمانية المنصوص عليها في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} (¬1). 10 - الضريبة تختص بالدفع النقدي، بخلاف الزكاة، فمنها الأعيان كما في زكاة الخارج من الأرض وبهيمة الأنعام، ومنها النقود كما في زكاة النقدين، وعروض التجارة. ومما تقدم يتبين الفرق الشاسع بين الضريبة والزكاة من أوجه كثيرة تقضي باختلافهما في الأحكام (¬2). * * * ¬
المطلب الثاني حكم احتساب الضريبة من الزكاة
المطلبْ الثاني حكم احتساب الضريبة من الزكاة تبين مما تقدم أن الضريبة فريضة مالية ملزمة من الدولة لجميع القاطنين فيها، سواء كانوا من أهلها أو من الواردين للإقامة فيها؛ مسلمين كانوا أو كفارا (¬1)، إلا أن ¬
المسلم يتوجب عليه شرعًا دفع فريضة الزكاة أيضًا، وهو الأمر الذي تسبب في إثارة هذه المسألة، لا سيما مع انتشار الضرائب في بلاد الإسلام وتقنينها (¬1)، مع أن بعض العلماء المتقدمين قد تكلموا عن هذه المسألة لوجود الضرائب بمسمياتها المختلفة في زمانهم، وقد نقل لنا فيها قولان: القول الأول: جواز احتساب الضريبة من الزكاة، وهو رواية عن أحمد (¬2)، واختاره النووي فيما يأخذه السلطان على أنه بدل من الزكاة (¬3)، وهو قول لشيخ ¬
الإسلام ابن تيمية (¬1). القول الثاني: عدم جواز احتساب الضريبة من الزكاة، وهو قول جمهور أهل العلم (¬2)، واختاره شيخ الإسلام في الرواية الثانية عنه (¬3)، وهو ما عليه عامة الفقهاء المعاصرين (¬4)، وقد أفتت به الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة (¬5). ¬
أدلة القولين: أدلة القول الأول: لم أقف لهذا القول على دليل صريح، إلا ما يمكن أن يلتمس له من التعليل: 1 - بالتيسير على الناس، ودفع المشقة عنهم، وذلك إذا كانت الضرائب ظالمة (¬1). 2 - فأما إن كانت الضرائب مما يراعى فيها العدل، فيُعَلَّلُ لها -إضافةً إلى ما سبق- تحقيق الضريبة العادلة لمقصد الزكاة من سَدِّ خَلَّة الفقراء واستصلاح حالهم (¬2). ويجاب عن ذلك: بأن الزكاة عبادة مفروضة لها أركانها وشروطها، فلا يقوم غيرها مقامها بقصد التيسير، وإنما التيسير فيما تحتمله النصوص لا فيما ينافرها، وما أخذ من المال ظلما من مالكه؛ فإنه يرجى له الأجر عليه، وأن يخلفه الله له، كما أن هذا القدر يخصم من الوعاء الزكوي الذي تجب فيه الزكاة، وهو نوع من التيسير. ¬
وأما التعليل: بأن الضرائب إذا كانت عادلة فإنها تحتسب من الزكاة، لتحقيقها لمقصد الزكاة من سَدِّ خَلَّة الفقراء، فإنه لا يُسَلَّم لما تقدم بيانه من اختصاص الزكاة بشرائط وأركان لا تجتمع مع الضريبة بحال، مع اختلاف النية في كل منهما، وعدم صرف الضريبة كلها في مصارف الزكاة، فأما إن صرفت في مصارف الزكاة، ونواها الدافعُ زكاةً فإن لاحتسابها عندئذ وجها سيأتي بيانه -إن شاء الله- (¬1). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن الزكاة عبادة يُشْتَرَط فيها نيةُ التقرب إلى الله، وذلك مُتَعَذِّر في الضريبة (¬2). ويناقش: بأنه يمكن لدافع الضريبة أن ينوي عند دفعها التقربَ إلى الله، لا سيما إن كانت تصرف في مصارف الزكاة، فإن لم تكن كذلك فإن النية لا تكفي في تحويل الفريضة المالية إلى عبادة شرعية مع اختلاف الحقيقة. الدليل الثاني: أن الضريبة تؤخذ من الناس بغير اسم الزكاة، فلا يشرع عندئذ لدافعها احتسابها من الزكاة (¬3). ويناقش: بأنَّ أَخْذَهَا بغير اسم الزكاة يكون مؤثرا إذا لم تصرف في مصارف الزكاة، وهو الغالب، فإن صُرِفَتْ في مصارفها فلا أثر لأخذها مع اختلاف المسمى. الدليل الثالث: اختلاف الزكاة عن الضريبة من وجوه كثيرة، كمصدر التشريع، ¬
وسبب الإيجاب، وأهداف كل منهما، ومصارفهما، وثبوت الزكاة في كل زمان ومكان، بخلاف الضريبة التي يرتبط ثبوتها وعدمه باجتهاد الحاكم في الحاجة إليها من عدم ذلك (¬1). الترجيح: يترجح القول بعدم مشروعية احتساب الضرائب المعاصرة من الزكاة، وإنما تخصم الضريبة من الوعاء الزكوي بعد استحقاقها، مع عدم جواز تأخير الزكاة لأجل ذلك، ويتأيد هذا الترجيح بما يلي: 1 - أن الزكاة عبادة مفروضة، لها صفات وشروط تختلف كثيرًا عن صفات الضرائب وشروطها، مما يمتنع معه إعطاءُ الضريبة حُكْمَ الزكاة. 2 - أن الضرائب -قديمًا وحديثًا- لا تصرف في مصارف الزكاة، بل تصرف في نفقات الدولة ومتطلباتها، هذا إن سَلِمَتْ من الظلم والجور. 3 - أننا لو سلمنا بإنفاق الضرائب على الفقراء في زمان أو مكان معين، فإن احتساب الضرائب من الزكاة عندئذ مؤداه انحسارها عن مصارفها الأخرى، وهذا ما لا يتفق مع الأدلة والمقاصد الشرعية القاضية بصرف الزكاة في مصارفها المنصوصة ما أمكن، لما في ذلك من منافع عظيمة للإسلام والمسلمين، بل ربما أدى ذلك إلى انحسار الزكاة برمَّتها، كما هو الحال في كثير من بلاد الإسلام التي زاحمت الضريبة فيها الزكاة. 4 - أن المسلم مأجور على ما يصيبه من مشقة إثر اجتماع الضريبة مع الزكاة، إن هو احتسب ذلك عند الله، كما أن المال لا تنقصه الزكاة والصدقة، بل تطهره ويبارك فيه (¬2). ¬
الفصل الثالث النوازل في مصارف الزكاة
الفصل الثالث النوازل في مصارف الزكاة وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: مصرف الفقراء والمساكين البحث الثاني: مصرف العاملين على الزكاة البحث الثالث: مصرف المؤلفة قلوبهم البحث الرابع: مصرف الرقاب البحث الخامس: مصرف (في سبيل الله) المبحث السادس: مصرف ابن السبيل
المبحث الأول مصرف الفقراء والمساكين
المبحث الأول مصرف الفقراء والمساكين وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: قدر الغنى المانع من أخذ الزكاة المطلب الثاني: مقدار ما يعطاه الفقير والمسكين المطلب الثالث: تطبيقات معاصرة لمصرف الفقراء والمساكين
المطلب الأول قدر الغنى المانع من أخذ الزكاة
المطلب الأول قدر الغنى المانع من أخذ الزكاة (¬1) اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز تمليك الزكاة للغني من مصرف الفقراء والمساكين (¬2)، وقد دل على ذلك أدلة منها قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} (¬3). ووجه الدلالة: أن الله حصر جواز إعطاء الزكاة لهذه الأصناف، وليس منها الغني. ¬
القول الأول
وفي حديث عبيد الله بن عدي (¬1) قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخَفَضَه، فرآنا جَلْدَيْن، فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حَظَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" (¬2). واختلفوا في مقدار الغنى المانعِ من أخذ الزكاة على ثلاثة أقوال: القول الأول: إن الغنى المانعَ من أخذ الزكاة هو ما تحصل به الكفاية، فإن لم يجد ذلك جاز أخذ الزكاة، ولو ملك نصابًا، وهو المذهب لدى المالكية (¬3) والشافعية (¬4) ورواية عند الحنابلة (¬5). القول الثاني: إن الغنى المانعَ من أخذ الزكاة هو الغنى الموجبُ لها، فمَن ملك نصابًا من الأموال الزكوية حَرُمَ عليه أن يأخذ من الزكاة، وهو مذهب الحنفية (¬6)، وقول للمالكية (¬7). ¬
القول الثالث
القول الثالث: من ملك خمسين درهمًا أو قيمتها من الذهب، فلا يجوز له الأخذ من الزكاة ولو كان محتاجًا، وهو المذهب عند الحنابلة (¬1). أدلة الأقوال: أدلة القول الأول: 1 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقبيصة بن مخارق رضي الله عنه (¬2): "إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة. . . " وذكر منهم: "ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ، فحلتْ له المسألة حتى يصيبَ قِوامًا من عيش" أو قال: "سِدادًا من عيش (¬3) " (¬4). ¬
وجه الدلالة: أنه أباح المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد، ومعناه أن مَن أصاب الكفاية لا تحل له المسألة. ونوقش: بأن الحديث لم يتعرض للحد المانع من أخذ الزكاة، وإنما ذكر حد تحريم المسألة، وقد تحرم المسألة ولا يحرم أخذ الصدقة إذا جاءته من غير المسألة (¬1). ويجاب: بأن تحريم المسألة إنما يكون لوجود الغنى من السائل. 2 - لأن الحاجة هي الفقر، والغنى ضدها، فمن كان محتاجًا فهو فقير يدخل في عموم النص، ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة، سواء ملك نصابًا أو لم يملك. دليل القول الثاني: ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه لليمن: "وأَعْلِمْهُمْ أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" (¬2). وجه الدلالة: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قسم الناس قسمين: الأغنياء والفقراء، فجعل الأغنياء يؤخذ منهم، والفقراء يُرَد فيهم، فكل مَن لم يؤخذ منه يكون مردودًا فيه، فيجوز إعطاؤه من الزكاة (¬3). ¬
دليل القول الثالث: ما رُوِي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشًا (¬1)، أو خدوشًا (¬2)، أو كدوحًا (¬3) في وجهه". فقيل: يا رسول الله، ما الغنى؟ قال: "خمسون درهما، أو قيمتها من الذهب" (¬4). ¬
ونوقش: بأنه على التسليم بصحة الحديث، فإنه محمول على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله في وقت كانت الكفاية الغالبة فيه خمسين درهمًا (¬1). الترجيح: يترجح قول الجمهور لقوة ما استدلوا به من المنقول والمعقول، فالغنى المانع من أخذ الزكاة هو ما تحصل به الكفاية، فمن وجد من المال ما يكفيه ويكفي من يمونه فهو غني، لا تحل له الزكاة، ومن لم يجد ذلك حلت له الزكاة ولو كان يملك نصابًا، وأما تحديد الكفاية المعتبرة فإنه يرجع للعرف؛ لإطلاق الشرع له، وكل ما أطلقه الشرع ولا ضابط له، فضابطه العرف (¬2). إلا أن الفقهاء اختلفوا في استحقاق الفقير للزكاة إن كان قويًّا مكتسبًا على قولين: ¬
القول الأول: استحقاق الفقير الزكاة ولو كان قادرًا على الكسب، وهو مذهب الحنفية (¬1) والمالكية (¬2). القول الثاني: عدم استحقاق الفقير للزكاة إن كان قادرًا على الكسب، وهو مذهب الشافعية (¬3) ورواية عند الحنابلة (¬4). أدلة القول الأول: 1 - أن الذي يملك أقل من نصاب يعد فقيرًا، سواء كان قادرًا على الكسب أو لم يقدر (¬5). ويناقش: بأنه إن كان قادرا على كسبٍ يدفع حاجته فلا يعد فقيرًا، بل هو غني حكمًا؛ لأن دفع الحاجة نفي للفقر. 2 - حديث عبيد الله بن عدي رضي الله عنه وفيه: أن رجلين أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فيهما البصر وخفضه، فرآهما جَلْدَيْن، فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حَظّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" (¬6). ووجه الدلالة منه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن شئتما أعطيتكما". مما يدل على جواز الأخذ والإعطاء (¬7). ¬
الترجيح
ونوقش: بأن ذلك معارض بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" كما سيأتي بيانه (¬1). أدلة القول الثاني: 1 - حديث عبيد الله بن عدي المتقدم وفيه: "ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" (¬2). ووجه الدلاله منه: تقرير عدم استحقاق الزكاة للقوي المكتسب. ونوقش: بأن الحديث دل على تحريم مسألة القوي المكتسب، لا عدم استحقاقه (¬3). وأجيب: بعدم التسليم، فالحديث شامل لتحريم السؤال والإعطاء للقادر المكتسب، وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إن شئتما أعطيتكما". فدال على جواز إعطاء سائل الزكاة إن كانت حاجته لا تندفع باكتسابه، كما إذا لم يجد كسبا يليق به أو يكفيه. 2 - أن من له كسب يكفيه غني بكسبه؛ لأنه قادر على دفع حاجته ونفي فقره. الترجيح: يترجح القول الثاني لقوة دليله وتعليله، إلا أن ذلك مقيد بكسب حلال يليق به، كما نص عليه الشافعية وغيرهم (¬4)؛ لأن ما لم يكن من الكسب كذلك فوجوده كعدمه. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
المطلب الثاني مقدار ما يعطاه الفقير والمسكين
المطلب الثاني مقدار ما يعطاه الفقير والمسكين (¬1) اختلف الفقهاء في مقدار ما يعطاه الفقير والمسكين (¬2) من الزكاة على أقوال ثلاثة: ¬
القول الأول
القول الأول: إعطاء الفقير والمسكين من الزكاة أقل من النصاب - مائتي درهم - فإن أعطي قدره أو أكثر جاز مع الكراهة. وهو المذهب عند الحنفية (¬1) ¬
القول الثاني
القول الثاني: إعطاء الفقير والمسكين من الزكاة ما يكفيهما ويكفي من يعولون سنة كاملة، وهو المذهب لدى المالكية (¬1)، وقول للشافعية (¬2)، ومذهب الحنابلة (¬3). القول الثالث: إعطاء الفقير والمسكين من الزكاة ما تحصل به الكفاية على الدوام (¬4)، وهو المذهب لدى الشافعية (¬5)، ورواية عند الحنابلة، ورجحه ابن تيمية (¬6). أدلة الأقوال: دليل القول الأول: أن إعطاء الفقير نصابًا أو أكثر يصيره غنيًّا (¬7). ويناقش: بعدم التسليم بحصول الإغناء بهذا المقدار، كما تقدم بيانه في ¬
دليل القول الثاني
المسألة قبلها، ثم لو حصل فإنه لا يتحقق غناه إلا بعد القبض، وأما قبله فهو فقير، ولا مانع من إغنائه عن الفقر من الزكاة (¬1). دليل القول الثاني: أن وجوب الزكاة يتكرر كل حَوْل، فينبغي أن يأخذ ما يكفيه إلى مثله (¬2). ويُناقش: بأنه قد لا يتمكن من أخذ الزكاة كل حول، كما أن أخذه ما يكفيه من الزكاة يغنيه عن زكاة الأعوام القادمة، فيستفيد منها غيره من الفقراء. أدلة القول الثالث: 1 - استدلوا بحديث قبيصة بن المخارق رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة، -وذكر منهم- رجل تحمّل حمالةً، فحلّتْ له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلّتْ له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش - أو قال: سدادًا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة، فحلّتْ له المسألة حتى يصيب قوامًا من عشى - أو قال: سدادًا من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة سُحْتٌ يأكلها صاحبها سحتًا" (¬3). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز المسألة للمحتاج حتى يصيب ما يسد حاجته، فدل على إعطائه ما تحصل به الكفاية على الدوام (¬4). 2 - أن القصد إغناؤه من الفقر، ولا يحصل إلا بذلك (¬5). ¬
الترجيح
ونوقش: بأن المقصود الإغناء المقيد عن المسألة، لا الإغناء المطلق، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أغنوهم عن المسألة هذا اليوم " (¬1) (¬2). ويجاب: بأن الحديث لا يصح، وعلى التسليم بصحته فإنه مختص بزكاة الفطر؛ لأنها مقدار محدد واجب على الغني والفقير الذي يملك قوت يومه، ولا يزيد مقدارها بزيادة المال، أما في زكاة المال فالمقصود هو تحقيق الكفاية. الترجيح: الذي يترجح أنه لا حدَّ مُقَدَّرًا شرعًا للكفاية التي يستحقها الفقير من الزكاة، ولذا فإن كل موضع بحسبه، فمن الفقراء من يستطيع تحقيق الغنى بالعمل والاكتساب، ولكن تنقصه أدوات العمل وآلاته، فيمكن أن يُشترى له ذلك من الزكاة ولو كانت قيمتها أكثر من كفاية السنة، ومن الفقراء مَنْ هو مُكْتَسِبٌ، لكن لا يفي اكتسابه بحاجته، فيشرع له الأخذ من الزكاة (¬3)، ومنهم ضعيف لا يمكنه الاكتساب، فإن كان يغلب على الظن تحصيله للزكاة كلَّ حَوْل، فإن الأولى أن يُعْطى كفاية السنة؛ لتمكين الفقراء غيره من الإفادة من الزكاة، أما إن غلب على الظن عدم تحصيله كفايةَ السنة كل حول من الزكاة، فإنّ للمزكي إعطاءَه كفاية العمر، لا سيما ¬
وقد روى أبو عبيد آثارا عن السلف تؤيد أنهم فهموا أن المقصود من الزكاة ليس مجردَ رفع مؤقت لحال مسغبة، بل هي تحقيق للتكافل والكفاية بتحصيل الأمور الضرورية من مطعم ومسكن وملبس ومركب ونحوها من لوازم الحياة بغير سرف ولا إقتار، ومن تلك الآثار الدالة على ذلك: قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - (إذا أَعْطَيْتُم فَأَغْنوا)، قال أبو عبيد: "وقد رُوِيَ ما هو أجل من هذا " (¬1). قال أبو عبيد: "فكل هذه الآثار دليل على أن مبلغ ما يُعْطَاه أهل الحاجة من الزكاة ليس له وقت محظور على المسلمين ألا يعدوه إلى غيره، وإن لم يكن المعطى غارما، بل فيه المحبة والفضل إذا كان ذلك على جهة النظر من المعطي بلا محاباة ولا إيثار هوى؛ كرجل رأى أهل بيت من صالحي المسلمين أهلَ فقر ومسكنةٍ، وهو ¬
ذو مال كثير، ولا منزل لهؤلاء يُئْويهم ويستر خلتهم، فاشترى من زكاة ماله مسكنًا يُكِنَّهم من كَلَب الشتاء وحرِّ الشمس، أوكانوا عراة لا كسوة لهم، فكساهم ما يستر عوراتهم في صلاتهم، ويقيهم من الحر والبرد، أو رأى مملوكا عند مليكِ سوء قد اضطهده وأساء ملكته، فاستنقذه من رِقِّه بأن يشتريه فيعتقه، أو مَرّ به ابن سبيل بعيد الشّقة نائي الدار، قد انقطع به، فحمله إلى وطنه وأهله بِكِرَاءٍ أو شراء. هذه الخلال وما أشبهها التي لا تُنال إلا بالأموال الكثيرة، فلم تسمح نفس الفاعل أن يجعلها نافلة، فجعلها من زكاة ماله، أَمَا يكون هذا مؤديا للفرض؟ بلى، ثم يكون إن شاء محسنًا، وإني لخائف على مَن صَدّ مثله عن فعله؛ لأنه لا يجود بالتطوع، وهذا يمنعه بفتياه من الفريضة، فتضيع الحقوق ويعطب أهلها" (¬1). وإن مما تجدر الإشارة إليه ضرورة مراعاة حال باقي فقراء البلد المستحقين، فمتى كان إيتاء كفاية العمر يؤدي إلى حرمان مستحقين آخرين من الزكاة فإنه يتعين الاقتصار على كفاية السنة، وإن كان لا يتسنى ضبط ذلك مع كثرة جهات توزيع الزكاة، وانعدام الدراسة للموارد الزكوية وواقع الفقراء ومتطلباتهم، لا سيما مع كثرتهم، مما يجعل كثيرا من مواطن البحث العلمي لتلك المسائل نظريًّا (¬2). ... ¬
المطلب الثالث تطبيقات معاصرة لمصرف الفقراء والمساكين
المطلب الثالث تطبيقات معاصرة لمصرف الفقراء والمساكين وفيه خمس مسائل: المسألة الأولى: صرف الزكاة لحفر الآبار للفقراء لم أقف على كلام للفقهاء المتقدمين في حُكْمِ حفر الآبار للفقراء من الزكاة، إلّا أنّ اتفاقهم على وجوب تمليك الفقراء لمال الزكاة (¬1) يقتضي المنعَ من صرف الزكاة في ذلك؛ لعدم تحقق التّمليك عندئذ، وإنّما المتحقق لهم من ذلك هو السقاية من تلك الآبار، وهي إلى الإباحة أقرب منها إلى التّمليك (¬2)، وقد أصدرت الهيئة ¬
الشرعية في بيت الزكاة الكويتي فتوى بهذا الخصوص أنقلها لأهميتها: "الأصل في الزكاة أن تُصرف للفقراء، أو توضع في مشروع يخصص نفعه أو ريعه للفقراء، على أن تبقى عين المشروع مالًا زكويًّا قابلًا للبيع عند الحاجة؛ ليصرف بدله في الزكاة عند الحاجة إلى ذلك، وهذا لا يتحقق في حفر بئرٍ في منطقة غير داخلة في ملك أحد، ويردها الغني والفقير؛ لأن الماء في مثل هذه الحالة يشترك فيه الناس غنيهم وفقيرهم، ولا يمكن منع أو امتناع الغني من ذلك، وهذا أشبه بالصدقة الجارية، أو الوقف، لكن ترى الهيئة أنه يجوز شرعًا تمليك مال الزكاة لأهل المنطقة الفقراء، ثم يوجهون إلى وضعه في حفر بئر يبيحون الانتفاع بها لهم ولغيرهم" (¬1). وما ذكرته الفتوى وجيه، إلا أنه قد يتعذر حفر البئر في حال تمليكهم المال؛ لسوء تصرفهم فيه، ورغبتهم في الاستئثار بالمال، فلذا أرى جواز صرف الزكاة عندئذٍ بالضوابط التالية: 1 - أن تكون الحاجة إلى حفر البئر ظاهرة. 2 - أن يغلب على الظن استسقاء الفقراء منه دون غيرهم، كما لو كان في منطقة تختص بهم. ¬
المسألة الثانية: صرف الزكاة لبناء أو شراء بيت للفقراء والمساكين
3 - أن يغلب على الظن أنه عند تمليكهم وتوجيهم بحفر البئر أن ذلك لن يتحقق. 4 - ألا يمكن حفر البئر من غير مال الزكاة. ومبتنى هذا الرأي هو إعمال المقاصد الشرعية، حيث إن تحصيل الماء للفقراء من أهم الضروريات، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)} [الأنبياء: 30] (¬1). فبه تُحفظ النفوس وتعيش، كما أنَّ في ذلك مواساة بليغة للفقراء وسدُّا لخَلّتهم، ثم إن القصد من تمليكهم في مثل تلك الحال دفع الحاجة عنهم، وهو متحقق في انتفاعهم بالاستسقاء من البئر كما احتاجوا. المسألة الثانية: صرف الزكاة لبناء أو شراء بيت للفقراء والمساكين يتخرج الحكم لدى الفقهاء في هذه المسألة على ما تقدم ذكره في مقدار ما يُعطاه الفقير والمسكين (¬2)، فبناء على رأي الجمهور المانعين من إعطائه أكثر من كفاية السنة فإنه لا يجوز صرف الزكاة لبناءٍ أو شراءِ بيتٍ للفقراء والمساكين، وأما على القول بجواز إعطائه كفاية العمر؛ فيجوز صرف الزكاة لبناء أو شراء بيت للفقراء والمساكين (¬3)، وقد تبين مما تقدم أنه لا مقدار محددًا للعطاء المستحق للفقير، وإنَّما ينبغي أن يضبط القول بمشروعية صرف الزكاة لبناء أو شراء بيت للفقراء والمساكين بما يلي: 1 - ألا يكون الفقير قويًّا مكتسبًا، يسد كسبه حاجته لو اكتسب، فإن كان كذلك فإنه لا يجوز صرف الزكاة لشراء بيت له، وإنما تصرف في شراء ما يحتاجه من أدوات الكسب إن احتاج. ¬
المسألة الثالثة: صرف الزكاة في دفع قيمة التكاليف الدراسية للطلبة الفقراء
2 - أن تكون قيمة البيت مناسبة لحال الفقراء بلا إسراف ولا إقتار. 3 - ألا توجد وجوه صرف ضرورية عاجلة تقتضي الصرف الفوري للأموال، كالغذاء والكساء، فإن وجدت فإنها تقدم؛ لأن الحاجة إليها أشد من بناء أو شراء بيت قد يستغني صاحبه عنه بالإيجار. 4 - فإن غلب على الظن تحصيلهم قيمة الإيجار كل سنة، فإن الأولى عندي هو عدم صرف مال الزكاة في شراء البيت ليستفيد منها عدد أكبر من الفقراء في في دفع حاجاتهم المتكررة، إلا أني لا أتجاسر على منع ذلك لعدم الدليل، ولما قد يترتب على ذلك من مصلحة للمعطي والآخذ كما تقدم ذكره في كلام أبي عبيد -رحمه الله - (¬1). المسألة الثالثة: صرف الزكاة في دفع قيمة التكاليف الدراسية للطلبة الفقراء (¬2) عامة الفقهاء على جواز إعطاء الزكاة للفقير المشتغل بطلب العلم الشرعي إذا عجز عن الجمع بين طلب العلم والكسب، ويتضح ذلك لدى الحنفية والمالكية الذين يجيزون إعطاء الفقير من الزكاة وإن كان قادرًا على الكسب؛ لتحقق وصف الفقر فيه (¬3). وأما الشافعية والحنابلة فإنهم وإن اشترطوا لاستحقاق الفقير للزكاة ألا يكون ¬
المسألة الرابعة: صرف الزكاة لتزويج الفقراء
قويًّا مكتسبًا، إلا أنهم لم يعتبروا قدرته عندئذ؛ لصرفها في طلب العلم، وهو فرض كفاية مقدم على الاكتساب؛ لما فيه من منفعة متعدية كبيرة لطالب العلم والمجتمع (¬1). ومما تقدم يتبين اتفاق المذاهب الأربعة على جواز صرف الزكاة للفقير المشتغل بالعلم الشرعي إذا لم يمكنه الجمع بين طلبه العلم واكتسابه. وقد ألحق بعض الفقهاء المعاصرين بالعلم الشرعي سائر العلوم النافعة (¬2)، ولو كانت من العلوم الدنيوية؛ وذلك لكون الدراسة من الحاجات المهمة في الحياة، ولما يترتب على ذلك من مصلحة كبيرة تتحقق للدارس والمجتمع، وهذا القول وجيه، وموافق - فيما أرى - لقول الفقهاء المتقدمين؛ لاتفاق العلة في النوعين من العلم، وهي كونهما فرض كفاية، وللحاجة إليهما. ولكن ينبغي أن يُضبط جواز ذلك بما يلي: 1 - أن يكون علمًا مباحًا نافعًا لدارسه ومجتمعه. 2 - أن تكون التكاليف الدراسية المدفوعة من الزكاة بالمعروف، فلا تزيد عن القيمة المعتادة. المسألة الرابعة: صرف الزكاة لتزويج الفقراء لم ينص كثير من الفقهاء على حكم صرف الزكاة لتزويج الفقراء، إلا أن ذلك يندرج ضمنا في حديثهم عن مفهوم الكفاية التي يستحقها الفقراء، وقد تقدمت ¬
الإشارة إلى خلافهم حول مقدارها (¬1)، فمن اعتبر كفاية العمر، فإن تزويج الفقراء ضمن ذلك بلا ريب؛ لكون الزواج من الحاجات الأساسية التي تنفق في مثلها الزكاة، بل قد نص بعض الشافعية على ذلك (¬2)، أما من قيَّد مقدار الكفاية بالسنة؛ فإنه يتخرج على قولهم - فيما أرى - جواز صرف الزكاة للفقراء في حاجيات النكاح الضرورية التي تُقَارِب كفاية السنة، لا جواز صرفها لتحمل جميع تكاليف الزواج وإن كثرت، وقد أشار لنحو هذا المعنى بعض المالكية (¬3)، وقد تقرر بناءً على ما رجحنا في مقدار الكفاية المستحقة للفقير جوازُ صرف الزكاة في تزويج الفقير العاجز عن تكاليف الزواج، وقد اختار ذلك كثير من فقهاء العصر وأفتوا به، وليس ثم دليل يمنع من تحفل الزكاة لتكاليف الزواج، بل إن الأدلة تدل عليه ومن ذلك: 1 - حديث قبيصة بن المخارق رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة، - وذكر منهم - ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادًا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: - سدادًا من عيش. . " (¬4). ¬
ووجه الدلالة منه: أن تحصيل تكاليف الزواج من تحقيق قوام العيش. 2 - أن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد أقسام، أعلاها الضرورية، ومجموعها خمسة: ومنها حفظ النسل (¬1)، ولا يتحقق حفظه إلا بالنكاح، فكانت إقامته من تحقيق المقاصد الضرورية في الشريعة، مع ما في النكاح من تحصيل لمصالح شرعية متعددة، من مثل سد خَلّة المحتاجين، وبناء المجتمع المسلم، وتحقيق التكافل فيه، وإحصان المسلمين، وإشباع حاجاتهم الأساسية. وقد جاء في فتاوى الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة ما يلي: "يعطى من سهم الفقراء والمساكين ما يلي: أ - من كان بحاجة إلى الزواج وهو عاجز عن تكاليفه المعتادة لمثله. ب - طالب العلم العاجز عن الجمع بين طلب العلم والتكسب. . . " (¬2). وقد أفتت اللجنة الدائمة في السعودية بجواز صرف الزكاة في الإعانة على الزواج من غير إسراف (¬3). ¬
المسألة الخامسة: صرف الزكاة لعلاج الفقراء
المسألة الخامسة: صرف الزكاة لعلاج الفقراء لم أقف على نص للفقهاء في حكم علاج الفقير من الزكاة، إلا أن العلاج مما يدخل في مفهوم الكفاية التي اختلف الفقهاء حول الحد المستحق للفقير منها، فيكون حكم صرف الزكاة في ذلك منبنيًا على ما تقدم تقريره من اتفاقهم على استحقاق الفقير كفاية السنة، واختلافهم فيما زاد على ذلك، فيكون صرفها في التكاليف العلاجية التي يحتاجها الفقير لسنة واحدة مشروعا عند الجميع، وأما ما زاد على السنة فإنه يُشرع عند القائلين باستحقاق الفقير لكفاية العمر؛ وهم الشافعية والحنابلة في رواية (¬1)، إلا أن تجويز صرف الزكاة لعلاج الفقراء لا بد له من ضوابط، وهي على النحو التالي: 1 - ألا يتوفر علاجه مجانًا، فإن توفر فلا يجوز صرف الزكاة متى كان الاستطباب مُحَقّقًا للمقصود من دفع المرض، مع عدم المنَّة في ذلك، كما لو أمكن علاجه في المستشفيات الحكومية، وكان ممن تنطبق عليه شروطها. 2 - أن يكون العلاج لما تمس الحاجة لمعالجته من الأمراض، فأما ما كان من الأمور التجميلية الكمالية، أو كان من الأمراض اليسيرة الشائعة التي لا يلحق الشخصَ بتركها ضررٌ، فإني لا أرى مشروعية صرف الزكاة لعلاج مثل تلك الأمراض؛ لخروج ذلك عن الحاجات الأساسية التي يحتاجها الفقير، والتي شرعت الزكاة في هذا المصرف لسدها. 3 - أن يراعى في مقدار تكاليف العلاج عدم الإسراف والإقتار، فمتى تحقق المقصود من العلاج بتكاليف أقلَّ لم يلجأ إلى ما هو أعلى من ذلك؛ لأن القصد هو دفع المرض، فمتى تحقق ذلك بمقدار، كانت مجاوزته سرفًا، وهو محرم، كما قال ¬
تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)} [الأنعام: 141] (¬1). ... ¬
المبحث الثاني مصرف العاملين على الزكاة
المبحث الثاني مصرف العاملين على الزكاة وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بالعاملين على الزكاة المطلب الثاني: تطبيقات معاصرة للعاملين على الزكاة
المطلب الأول المراد بالعاملين على الزكاة
المطلب الأول المراد بالعاملين على الزكاة يتفق الفقهاء بأن وصف العاملين عليها يُرَاد به السُّعَاةُ الذين ينصبهم الإمام لجمع الزكاة من أهلها (¬1)، ويختلفون في تفاصيل ذلك المعنى والزيادة عليه؛ فالحنفية يقتصرون على الوصف المذكور (¬2)، بينما يوسع الجمهور معنى العاملين عليها ليشمل مع جمع الزكاة تفريقها وتوزيعها (¬3). ¬
قال البغوي (¬1) في تفسير لفظ العاملين عليها: "هم السعاة الذين يتولون قبض الصدقات من أهلها، ووضعها في حقها " (¬2). ولا شك أن توسعة معنى العاملين عليها - كما هو مذهب الجمهور - هو الموافق لمدلول اللفظ، وللمقصود من الزكاة، وهو إيصالها لمستحقيها وإغناؤهم بها، وهذا مما لا يتم الواجب إلا به، وليس الجامع للزكاة بأولى من الموزع لها في الأخذ من سهم العاملين عليها؛ لاشتراك المصنفين في القيام بمصلحة الزكاة وإيصالها لمستحقيها، والعمل فيها، كما أن ذلك هو ما تدل عليه السنة العملية فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها في فقرائهم (¬3). ورُوِي أن زيادا وَلّى عمران بن حصين الصدقة، فلما جاء قيل له: أين المال؟ قال: أو للمال بعثتني، أخذناها كما كنا نأخذها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4)، وعن أبي جحيفة قال: أتانا مصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ الصدقة ¬
من أغنيائنا، فوضعها في فقرائنا، وكنت غلاما يتيما، فأعطاني منها قلوصا (¬1). وإن كان لا يظهر في أن الحنفية وغيرهم يقصرون اللفظ على الجباية دون التفريق والتوزيع، لكن لعلهم اكتفوا بالأول لدلالته على الثاني؛ لذا فقد جعل بعض الفقهاء المعنى عامًّا لكل مَن يحتاج إليه فيها، كما صنع ابن قدامة -رحمه الله- حيث قال عن العاملين عليها: "وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذها من أربابها، وجمعها، وحفظها، ونقلها، ومَن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب والكيّال والوزَّان والعدَّاد، وكل مَن يحتاج إليه فيها" (¬2). وقد قال الماوردي (¬3) -رحمه الله- في هذا المعنى ما نصه: "السهم الثالث ¬
سهم العاملين عليها وهم صنفان: أحدهما: المقيمون بأخذها وجبايتها، والثاني: المقيمون بقسمتها وتفريقها من أمين ومباشر متبوع وتابع، جعل الله تعالى أجورهم في مال الزكاة، لئلا يؤخذ من أرباب الأموال سواها " (¬1). فيتبين مما تقدم أن جهاز العاملين عليها في العصر الحاضر يشمل قسمين؛ قسما لتحصيل الزكاة، وقسما لتوزيعها (¬2). وقد استثنى فقهاء المالكية (¬3)، وهو الوجه الأصح عند الشافعية (¬4) الحارس والراعي والخازن من سهم العاملين عليها، وعلل المالكية ذلك بأنه لا حاجة إليهم لوجوب تفرقة الزكاة فورًا، وفي حال الاضطرار إليهم فيعطون من بيت المال (¬5). ويجاب عن ذلك بعدم التسليم؛ لأن النص يصدق على هؤلاء لعملهم في الزكاة وقيامهم بمصلحتها، كما أن الحاجة إليهم ماسة، لا سيما مع كثرة الأموال الزكوية وتعذر إنفاقها فورًا. وأما القول بدفع أجورهم من بيت المال عند الاضطرار فهو مسلَّم في حال عدم ¬
كفاية سهم العاملين عليها لتغطية مستحقاتهم، وأما مع الكفاية فلا دليل يوجب ذلك، بل هم بذلك يزاحمون المستحقين في بيت المال حقوقهم. كما استثنى الشافعية في الوجه الأصح الكيَّال والوزَّان وعاد الغنم (¬1)، وجعلوها على المالك، وعللوا ذلك بأنها لتوفية ما عليه، وقاسوها على أجرة الكيال في البياع، فهي على البائع (¬2)، وهذا مُسَلَّمٌ فيما كان قبل قبض العامل للزكاة، كتمييز المزكي لماله الزكوي من غيره، فأما بعد دفع مال الزكاة للعامل فإن ما ينشأ بعد ذلك من عمل يتعلق بجمع الزكاة أو نقلها أو حفظها، ونحو ذلك فإنه يكون من عمل عامل الزكاة الذي يحتاج إليه في ذلك، فيستحق به الأخذ من سهم العاملين، وهذا مما لا خلاف فيه حتى عند الشافعية (¬3). وقد أصدرت الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة تعريفًا شاملًا لمصرف العاملين عليها، جاء فيه ما يلي: "العاملون على الزكاة هم كل من يعيِّنهم أولياء الأمور في الدول الإسلامية، أو يرخصون لهم، أو تختارهم الهيئات المعترف بها من السلطة أو من المجتمعات الإسلامية للقيام بجمع الزكاة وتوزيعها، وما يتعلق بذلك من توعيةٍ بأحكام الزكاة، وتعريف بأرباب الأموال وبالمستحقين، ونقل وتخزين وحفظ وتنمية واستثمار" (¬4). ¬
المطلب الثاني تطبيقات معاصرة للعاملين على الزكاة
المطلب الثاني تطبيقات معاصرة للعاملين على الزكاة وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: صرف الزكاة من سهم العاملين عليها للموظفين في المؤسسات الزكوية اتسعت المجالات المعاصرة للعاملين على الزكاة سواء في جمعها أو توزيعها؛ لكثرة الموارد الزكوية، وتوسع مصارفها، وتنوع أعبائها، وتطور أوضاعها (¬1)؛ فأقيمت لأجل ذلك الصناديق والمؤسسات الخيرية التي تختص بجمع الزكاة وتوزيعها، وانتظمت تلك الجهاتُ موظفين في مختلف المجالات، سواء كانوا إداريين أو فنيين أو محاسبين أو باحثين شرعيين أو غيرهم، ممن تحتاج إليهم تلك الجهات في تنفيذ أعمالها التي تقوم على جباية الزكاة وتفريقها على مستحقيها؛ لذا فإن البحث يرتكز على حكم الصرف من سهم العاملين عليها لتغطية رواتب هؤلاء الموظفين. ويتبين الحكم بتنزيل المراد بوصف العاملين على الزكاة وتطبيقه على واقع تلك المؤسسات، والتأكد من مدى استحقاقهم للأخذ من مصرف العاملين عليها. ¬
النوع الأول
وتحسن الإشارة ابتداءً إلى أن العاملين على الزكاة الذين يتقاضون راتبًا مكافئًا لعملهم من بيت المال لا يحق لهم الجمع في الأخذ بين بيت المال وسهم العاملين عليها، ولم أقف على خلافٍ في ذلك بين الفقهاء، فقد قرروا أن الحاكم والقاضي لا يحق لهم الأخذ من مصرف العاملين عليها لأخذهم من بيت المال، وكذا غيرهم (¬1). وبتطبيق ذلك على الواقع نجد أن الموظفين في المؤسسات المختصة بجباية الزكاة وتوزيعها على نوعين: النوع الأول منهم: ممن يتقاضى مرتبا دوريًّا من بيت مال الدولة لأجل هذا العمل، كما هو الحال في أقسام جباية الزكاة الحكومية التي تديرها الدولة، فهؤلاء كما تقدم لا يستحقون الأخذ من هذا المصرف. النوع الثاني: العاملون في المؤسسات والجهات الأهلية التي تديرها مجالس خيرية، وإنما تشرف عليها الدولة إشرافًا عامًّا، وإلا فهي مستقلة عن الدوائر الحكومية في إدارتها المباشرة، وبالتالي فإنها تُمَوَّل من المحسنين، وهذا النوع من الموظفين هم ممن ينطبق عليهم وصف العاملين في الزكاة، وذلك لما يلي: 1 - أن النص القرآني ذَكَرَ وصف العاملين عليها في أصناف الزكاة بلا تقييد، وهذا يشمل كل مَنْ عمل عملًا في سبيل تحقيق مهمة جمع الزكاة أو توزيعها، سواء باشر ذلك أو لم يباشر، كالحافظ لها والكاتب والقاسم والحاشر (¬2) والكيَّال والوَّزان ¬
والعدَّاد والساعي والراعي والسائق والحمَّال والجمَّال وغيرهم ممن نص الفقهاء عليهم (¬1). ولا شك أن هؤلاء الموظفين سواء منهم من باشر جمع الزكاة وتوزيعها أو لم يباشر، كالإداري والمحاسب والباحث والفني والمراقب وغيرهم، ممن يساهمون بفاعلية في إيصال الزكاة لمستحقيها على الوجه المطلوب. 2 - كما أن ذكر وصف العاملين عليها دال على أنه هو سبب الإعطاء من الزكاة، فمتى تحقق وصف العمل استحق العامل الأخذَ من الزكاة مقابل عمله، وذلك بقياس غير المنصوص من الأعمال الوظيفية المذكورة على المنصوص عليه لدى الفقهاء مما تقدم ذكره، وذلك أنَّ ذِكْر الحكم - وهو الإعطاء من الزكاة - مقرونًا بوصف مناسب، وهو العاملين عليها، دالٌّ على أن هذا الوصف هو علة الحكم، كما هو مقرر عند الأصوليين في إثبات علة القياس من النص غير الصريح بطريق التنبيه والإيماء (¬2). فيتبين مما تقدم استحقاق الموظفين في المؤسسات الزكوية الأخذ من مصرف العاملين عليها، وفق الضوابط التالية: 1 - أن يكون العمل الذي يقوم به الموظف مما يحتاج إليه في جمع الزكاة وتوزيعها، سواء كان من الأعمال المباشرة للجمع والتوزيع، أو من الأعمال ¬
المساعدة في ذلك، كا لذي يقوم به المحاسبون والباحثون الشرعيون، والإداريون، ونحوهم ممن يُحتاج إليهم للقيام بمهمة العاملين في الزكاة، ولو كثروا (¬1). فأما إن كان الموظف يعمل في قسم لا علاقة له بالزكاة كأقسام الصدقات والأوقاف والاستثمار ونحوها، فإنه لا يتحقق فيه وصف العاملين عليها فلا يستحق عندئذ من مصرف العاملين عليها (¬2). ومثل ذلك إن كان الموظف ممن لا يحتاج إليه في العمل المناط به، فيمكن الاستغناء عنه بلا ضرر أو مشقة، فإنه لا يستحق من مصرف العاملين؛ لما في ذلك من تضييع لمال الزكاة، وصرف لها في غير موطن الحاجة مع وجود كثير من المستحقين في سائر المصارف، ولذا فقد استثنى الفقهاء بعض العاملين في الزكاة لعدم الحاجة إليهم (¬3). 2 - أن يُرَاعى في ذلك إعطاء العامل بقدر عمله، وهو موجب العدل معه، فلا ينقص من حقه، وموجب العدل مع غيره، فلا يزاد في نصيب العامل، فيترتب على ذلك النقص على باقي المستحقين (¬4). ¬
المسألة الثانية: صرف الزكاة من سهم العاملين عليها للنساء العاملات في المؤسسات الزكوية
المسألة الثانية: صرف الزكاة من سهم العاملين عليها للنساء العاملات في المؤسسات الزكوية تقدم في المسألة السابقة بيان مشروعية دفع رواتب الموظفين في المؤسسات الزكوية من مصرف العاملين عليها، ومن المعلوم أن تلك المؤسسات لا تخلو من النساء العاملات، لا سيما مع الحاجة لوجودهن للتعامل مع مثيلاتهن من النساء المحتاجات أو المتصدقات. فهل يشمل حكم العاملين عليها الإناث أيضا، أم هو يختص بالذكور؟ لم ينص أكثر الفقهاء على هذه المسألة، ولعلَّ ذلك لوضوحها لديهم، أو لعدم الحاجة إليها عند بعضهم، وبالنظر في أقوال الفقهاء الذين ذكروها نجد أن في المسألة قولين: القول الأول: اشتراط الذكورة في العاملين عليها، فلا يجوز الصرف من هذا ¬
القول الثاني
السهم للنساء العاملات، وإنما يصرف لهن من الصدقات، وهو مذهب المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، وقول عند الحنابلة (¬3). القول الثاني: جواز الصرف من سهم العاملين عليها للنساء، وعدم اشتراط الذكورة لذلك. وهو قول بعض الحنابلة (¬4)، ورجحه بعض المعاصرين (¬5). أدلة القولين: أدلة القول الأول: 1 - أنها نوع من الولاية، وولاية المرأة لا تجوز، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يفلح قوم وَلَّوْا أمرهم امرأة" (¬6) (¬7). ويناقش: بأن محل الولاية الممنوع هو الولاية العامة، أما تولية المرأة ما ¬
أدلة القول الثاني
يناسب حالها ويوافق طبيعتها، فلا مانع منه. 2 - أنه لم ينقل أن امرأة وليت عمالة الصدقات من عصر النبوة حتى العصور المتأخرة، مما يدل على عدم جواز تولي المرأة لذلك (¬1). ويناقش: بأن عدم نقل ذلك لا يدل على تحريمه، فقد يكون سبب ذلك عدم الحاجة لتولي المرأة والاستغناء بالرجل عنها، كما أن عدم النقل لا يدل على نقل العلم (¬2). 3 - قوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] (¬3). ووجه الاستدلال منه: أنه لفظ مذكر فظاهره يصدق على الذكور دون الإناث (¬4). ونوقش: بعدم التسليم، فاللفظ يراد به الذكور والإناث بدليل ألفاظ باقي المصارف كالفقراء والمساكين والغارمين، وهي شاملة للمذكر والمؤنث (¬5). أدلة القول الثاني: لم أقف لهم على أدلة إلا عدم الدليل على اشتراط الذكورة، فيبقى الأصل وهو العموم. الترجيح: يترجح القول بجواز صرف سهم العاملين عليها للنساء لعدم الدليل على المنع، ¬
المسألة الثالثة: صرف الزكاة من سهم العاملين عليها للقائمين على استثمار أموال الزكاة
إلا أن ذلك مقيد بالأعمال التي لا تقتضي اختلاطا بين الرجال والنساء، ولا يترتب عليها مخالفات شرعية، كعملها في الأقسام النسائية التي تستقبل المتصدقات والفقيرات، وتتحقق من أوضاع الأخيرات ومدى حاجتهن الفعلية للزكاة، ونحو ذلك من الأعمال المتصلة بالنساء، لا سيما أن عددا كبيرا من أولاء أرامل أو مطلقات، لا يجدن من أوليائهن من يقوم بشؤونهن، فتولي المرأة لتلك المهام خيرٌ من تولي الرجل لها، لما يترتب عليه من مباشرة لشؤون النساء. المسألة الثالثة: صرف الزكاة من سهم العاملين عليها للقائمين على استثمار أموال الزكاة تقدم بيان وصف العاملين عليها، وقد ذكر الفقهاء عند ذلك وظائف متعددة، سواء كان منها المباشر لجباية الزكاة وتفريقها، أو المساعد في ذلك، وقد بيَّنَّا وجه الاستدلال بلفظ العاملين عليها في شمول الوظائف المتعددة التي تحقق المقصد في جمع الزكاة وتوزيعها، (¬1) ومن هؤلاء الذين يشملهم وصف العاملين عليها صنف القائمين على استثمار أموال الزكاة، وذلك عند القائلين بجواز استثمار أموال الزكاة (¬2) فيعتبرون من العاملين عليها لما يلي: 1 - انطباق دلالة عموم اللفظ على القائمين بالاستثمار؛ لقيامهم بالعمل في مصلحة تنمية مال الزكاة، كما يمكن الاستدلال على أخذهم بقياسهم على المنصوص عليه لدى الفقهاء، كالساعي على الزكاة بجامع العمل في الزكاة من كل منهما. 2 - أن منفعة استثمار الزكاة وتنميتها لا تقل عما يذكره الفقهاء من وظائف ¬
تندرج تحت وصف العاملين عليها، إذا تحققت فيها الشروط اللازمة من أَمْنِ المخاطرة بتلك الأموال، وعدم وجود الحاجة الماسة إليها التي تحول دون استثمارها، بل ربما كان في استثمار أموال الزكاة من المحافظة عليها وتنميتها لإفادة أكبر عدد من المستحقين ما لا يكون في غيرها من وظائف العاملين على الزكاة. فيتبين مما تقدم مشروعية الصرف من سهم العاملين على الزكاة للقائمين على استثمار أموال الزكاة فيما يقابل عملهم من أجرة، وذلك مشروط بما تقدم في المطلب السابق من عدم أخذهم من بيت المال راتبًا دوريًّا، وكونهم من المعنيين باستثمار أموال الزكاة لا غيرها من الأوقاف أو الصدقات (¬1). ... ¬
المبحث الثالث مصرف المؤلفة قلوبهم
المبحث الثالث مصرف المؤلفة قلوبهم وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بالمؤلفة قلوبهم، وحكم صرف الزكاة لهم المطلب الثاني: تطبيقات معاصرة لمصرف المؤلفة قلوبهم
المطلب الأول المراد بالمؤلفة قلوبهم وحكم صرف الزكاة لهم
المطلب الأول المراد بالمؤلفة قلوبهم وحكم صرف الزكاة لهم وفيه مسألتان: المسألة الأولى: المراد بالمؤلفة قلوبهم تعددت تعاريف الفقهاء للمؤلفة قلوبهم، فقد عرف الحنفيةُ المؤلفةَ قلوبهم بقولهم: "كانوا قومًا من رؤساء العرب كأبي سفيان بن حرب (¬1)، وصفوان بن أمية (¬2)، وعيينة بن حصن (¬3)،. . . . . . . . . . . . . . . . ¬
والأقرع بن حابس (¬1)، وكان يعطيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفرض الله سهما من الصدقة يؤلفهم به على الإسلام، فقيل: كانوا قد أسلموا، وقيل كانوا وعدوا أن يسلموا" (¬2). ونص المالكية على أن الموَلَّف قلبُه: كافر يعطى من الصدقة ليسلم (¬3)، كما عرفوهم بأنهم: قوم ذوو ومحمد وسعة وقدرة على الأداء، أجابوا إلى الإسلام، ولم يتمكن من نفوسهم (¬4). وأما عند الشافعية فهو: من أسلم ونيته ضعيفة أو له شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره (¬5). ¬
الصنف الأول
وأما الحنابلة فكانوا في ذلك أوسع من غيرهم، وأكثر تفصيلًا، ويتبين ذلك من تعريفهم للمؤلفة قلوبهم بما يلي: "هم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه، أو يخشى شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها، أو الدفع عن المسلمين " (¬1). ومع وجود بعض الاختلاف في تعاريف الفقهاء، إلا أنها تركز على مقصد واحد، هو إعطاء من لا يتمكن الإسلام من قلبه إلا بالعطاء (¬2). ويتبين مما تقدم أن هذا الصنف ينقسم قسمين: 1 - كفار. 2 - مسلمون. فأما الصنف الأول: وهم الكفار فينقسمون قسمين أيضا: أ - مَن يرجى إسلامه فيعطى لترغيبه في الإسلام. ب - مَن يخشى شره فيعطى لكف شره. ¬
الصنف الثاني
وأما الصنف الثاني: وهم المسلمون فعلى أربعة أقسام: أ - مَن يرجى بعطائهم إسلام نظرائهم من الكفار. ب - مَن يرجى بعطائهم قوة إيمانهم. ج - مَن يرجى بعطائهم دفعهم عن المسلمين ونصرتهم لهم. د - من يرجى بعطائهم جبايتهم الزكاة ممن لا يعطيها. 1 - فكل هؤلاء يشملهم عموم قوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60] (¬1) , فيجوز إعطاؤهم من الزكاة (¬2). ويتبين بذلك رجحان تعريف الحنابلة لعمومه من غير اشتراط كونهم من السادات والرؤساء لعدم الدليل على ذلك بل الدليل جاء بخلافه، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه مخافة أن يكب في النار على وجهه " (¬3) والنص عام في الرؤساء وفيمن دونهم. وقد قال ابن عباس رضي الله عنه في المؤلفة قلوبهم: هم قوم كانوا يأتون ¬
المسألة الثانية: حكم صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أسلموا وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرضخ (¬1) لهم من الصدقات فإذا أعطاهم من الصدقات فأصابوا منها خيرًا فالوا هذا دين صالح، وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه (¬2)، وقال قتادة: المؤلفة قلوبهم أناس من الأعراب ومن غيرهم، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتألفهم بالعطية (¬3) فتفسيرات السلف عامة في الرؤساء وغيرهم، كما أن المقصد هو تأليف القلب على الإسلام وهو ممكن في الرؤساء وغيرهم، وإنما تراعى المصلحة في ذلك، لا سيما مع عدم الدليل على الاشتراط، فمتى غلبت المصلحة في اختصاص الرؤساء والوجهاء بذلك دون غيرهم فيعطون منها، ومتى كانت المصلحة في إعطاء من دونهم تأليفًا لقلوبهم أو من ورائهم من الناس فإنهم يعطون منها (¬4). المسألة الثانية: حكم صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة مسلمين كانوا أو كفارا ¬
القول الثاني
وهو قول للمالكية، (¬1) والمذهب عند الحنابلة (¬2) وهو قول الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام، (¬3) واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (¬4). القول الثاني: عدم جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة مسلمين كانوا أو كفارا، وهو مذهب الحنفية (¬5). والمذهب عند الشافعية ما لم تنزل بالمسلمين نازلة تستوجب إعطاءهم لرفعها (¬6). القول الثالث: جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة إن كانوا مسلمين، فإن كانوا كفارا فيمتنع ذلك، وهو المذهب عند المالكية (¬7) وقول عند الشافعية (¬8). ¬
أدلة الأقوال
أدلة الأقوال: أدلة القول الأول: 1 - قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة: 60] (¬1) وجه الدلالة: عموم لفظ (المؤلفة قلوبهم) فيشمل المسلم والكافر (¬2). ونوقش: بأن حكم المؤلفة قلوبهم المنصوص في الآية منسوخ (¬3). وأجيب: بعدم التسليم بالنسخ فالآية في سورة التوبة وهي من آخر ما نزل، ولا دليل على النسخ، فيبقى الحكم محكما (¬4). 2 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى المؤلفة قلوبهم من المشركين والمسلمين (¬5). ونوقش: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعطهم من الزكاة وإنما أعطاهم من الغنائم ومن الفيء وخمس الخمس (¬6). ويجاب: بأن هذا مسلم في بعض أعطياته - صلى الله عليه وسلم - (¬7) لكنه لا ينطبق عليها جميعا، فقد جاءت بعض النصوص التي تدل على إعطائهم من الصدقات، كما في حديث ¬
أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل شيئًا على الإسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل فسأله فأمر له بشياه كثيرة بين جبلين من شياه الصدقة، قال: فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة (¬1). وفي تفسير ابن عباس رضي الله عنه لقوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60] (¬2). قال: وهم قوم كانوا يأتون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أسلموا وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَرْضَخ لهم من الصدقات فإذا أعطاهم من الصدقات فأصابوا منها خيرا قالوا: هذا دِين صالح! وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه (¬3). كما أن بعض النصوص كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أعطي قريشًا أتألفهم؛ لأنهم حديث عهد بجاهلية" (¬4) لم يقيد بما يدل على مصدر العطاء، فيبقى محتملًا لكونه من الزكاة أو من غيرها، ويتقوى كونه من الزكاة بعموم النص في آية الصدقات، وهو من أظهر النصوص الدالة على ثبوت مشروعية إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة عموما مسلمين أو كفارًا (¬5). 3 - أن المعنى الذي أعطى من أجله الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو تأليف القلوب على ¬
أدلة القول الثاني
الإسلام لم ينقطع بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمتى دعت المصلحة للتأليف بالزكاة كان ذلك مشروعًا. ونوقش: بما تقدم من كون هذا الحكم منسوخًا (¬1). وأجيب: بعدم التسليم؛ لعدم الدليل على النسخ كما تقدم (¬2). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن حكم إعطاء المؤلفة قلوبهم قد نسخ (¬3)، واختلفوا في تحديد الناسخ، فقيل: نُسِخَ بإجماع الصحابة، حيث لم يعط أبو بكر وعمر المؤلفة قلوبهم من الصدقات، ولم ينكر عليهم بقية الصحابة، فكان إجماعًا (¬4). وقيل: إن الناسخ قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] (¬5) حيث قالها عمر لعيينة بن حصن وكان من المؤلفة قلوبهم، وأراد بذلك أن يمنعه من الأخذ من سهم المؤلفة (¬6). وقيل: إن الناسخ قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم" (¬7). ¬
حيث خص إعطاء الزكاة بفقراء المسلمين، فيستحقونها بهذا الوصف لا بوصف التأليف. ونوقش: بأن دعوى النسخ مردودة لما يلي: 1 - أن الإجماع لا يكون ناسخًا للنصوص؛ لأن الإجماع إنما يكون بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنسخ يكون في حياته - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، قال شيخ الإسلام في الجواب عن جعل الإجماع ناسخًا ما نصه: "وقد نقل عن طائفة كعيسى بن أبان (¬2) وغيره من أهل الكلام والرأي من المعتزلة وأصحاب أبى حنيفة ومالك أن الإجماع ينسخ به نصوص الكتاب والسنة، وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن الإجماع يدل على نص ناسخ، فوجدنا من ذكر عنهم أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخًا، فإن كانوا أرادوا ذلك فهذا قول يُجَوِّز تبديلَ المسلمين دينَهم بعد نبيهم، كما تقول النصارى من أن المسيح سَوّغ لعلمائهم أن يحرموا ما رأوا تحريمه مصلحة، ويُحِلُّوا ما رأوا تحليله مصلحة، وليس هذا دينَ المسلمين، ولا كان الصحابة يسوغون ذلك لأنفسهم، ومن اعتقد في الصحابة أنهم كانوا يستحلون ذلك فإنه يُستتاب كما يُستتاب أمثاله، ولكن يجوز أن يجتهد الحاكم والمفتي فيصيب فيكون له أجران، ويخطئ فيكون له أجر واحد، وما شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - شرعا معلقًا بسبب إنما يكون مشروعًا عند وجود السبب، كإعطاء المؤلفة قلوبهم؛ فإنه ثابت بالكتاب والسنة، وبعض الناس ظن أن هذا نُسِخَ لما رُوِي عن عمر رضي الله عنه أنه ذكر أن الله أغنى عن التألف {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] (¬3) وهذا الظن غلط، ولكن عمر رضي الله عنه ¬
استغنى في زمنه عن إعطاء المؤلفة قلوبهم، فترك ذلك لعدم الحاجة إليه، لا لنسخه، كما لو فرض أنه عدم في بعض الأوقات ابن السّبيل والغارم ونحو ذلك (¬1). 2 - وأما اعتبار الناسخ هو قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] (¬2) فغير صحيح، كما تقدم من كلام شيخ الإسلام؛ وذلك لأن تلك الآية مكية (¬3)، وأما آية المؤلفة قلوبهم فهي مدنية (¬4)، ومن شروط النسخ تأخر الناسخ عن المنسوخ (¬5)، كما أنه لا تعارض بين الآيتين حتى نلجأ للنسخ، وهو لا يكون إلا مع التعارض، فمتى أمكن الجمع فلا نسخ (¬6). 3 - وأما اعتبار قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ رضي الله عنه: "صدقه تُؤخذ من أغنيائهم فتُرَدّ في فقرائهم " (¬7) ناسخًا، فمقتضاه نسخ بقية الأصناف من أهل الزكاة، ممن لم يتعرض له الحديث، كالعاملين عليها وابن السّبيل، وهذا باطل، وإنما الحديث لبيان أحد أخبرني مصارف الزكاة وأوصافها التي تختلف بها عن غيرها من الضرائب المالية (¬8). ¬
ثم إن اختلاف الحنفية في تحديد الناسخ دليل على اضطراب قولهم وضعفه (¬1). 4 - كما أن عدم إعطاء عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة للمؤلفة قلوبهم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بسبب النسخ، وإنما بسبب عدم الحاجة لتأليفهم في زمنه رضي الله عنه، وذلك يرجع تقديره لأُولي الأمر في كل زمنٍ بِحَسَبِه (¬2). الدليل الثاني: زوال العلة التي من أجلها شُرعَ تأليف القلوب بالزكاة، وهي ضعف الإسلام وأهله، فقد استغنى الإسلام والمسلمون عن ذلك بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا مقتضى لصرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم (¬3). ونوقش: بأنه لا يسلم حصر علة المشروعية بضعف الإسلام وأهله، فقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم بعد فتح مكة وانتصار المسلمين، فَلِلتأليفِ على الإسلام عِلَل، منها ما ذكروا، وأَظْهَرُ من ذلك استنقاذ المؤلفة ومَن وراءهم من النار بإسلامهم إن كانوا كفارا، وثباتهم إن كانوا مسلمين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعطي الرجلَ، وغيرُهُ أحَبُّ إليّ منه، خشيةَ أن يُكَبَّ في النار على وجهه " (¬4)، وهذا يكون في حال ضعف المسلمين وقوتهم، وقد نص على توسعة العلةِ الحنفيةُ أنفسهم (¬5)، ¬
دليل القول الثالث
وكذا المالكية (¬1) مما ينفي تقييد العلة بحال الضعف فقط. كما أنه لو سلم بحصر العلة في حال الضعف، فإنها متحققة منذ أزمان متطاولة، ولا زال المسلمون يعيشون الضعف والمذلة علي أيدي الكافرين (¬2). دليل القول الثالث: بأن الزكاة من حقوق المسلمين فلا حَقٌّ فيها للكافرين (¬3). ويناقش: بأنه استدلال بمحل النزاع، وأن هذا مُسَلَّم في غير المؤلفة قلوبهم، أما فيهم فغير مُسَلَّم لعموم اللفظ الوارد، مع عدم تقييده بدليل أو تعليل، بل إن التعليل يؤيد شمول المسلم والكافر؛ لأن الأظهر أن المقصود من التأليف هو طلب النصرة واستنقاذ المؤلَّف من النار، وكلاهما يصدقان على الكافر، ولا يمكن الصرف لهما من غير هذا المصرف، وقد جاء في السنة ما يؤيد ذلك، كما في حديث أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُسْأَلْ شيئًا على الإسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل فسأله، فأمر له بشياه كثيرة بين جبلين من شياه الصدقة قال: فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة (¬4). ¬
الترجيح
الترجيح: يترجح القول الأول، وهو جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة مسلمين كانوا أو كفارا؛ وذلك لقوة أدلته، وإمكان الإجابة عن دليل القول الثاني، ويتضح ذلك بما يلي: 1 - عموم النصوص، كقوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قلُوبُهُمْ} (¬1)، فهو لفظ محكم يشمل المسلم والكافر، ولا ناسخ له أو مخصص، فيبقى على عمومه وإحكامه، وكذا قد وردت السنة بإعطاء هذا الصنف من الصدقات، ولا ناسخ أو مخصص لهذا الحكم أيضًا. 2 - أن العلل المقصودة من شرع هذا المصرف باقية إلى قيام الساعة من نصرة المسلمين أو استنقاذ الكافرين من النار، وانتفاؤها أو خفاؤها في زمن لا يعني انتفاءها في سائر الأزمان، بل إنها تزيد ظهورا مع تأخر الزمان؛ لضعف المسلمين وتسلط الكافرين. 3 - أن المقاصد الشرعية تؤيد بقاء هذا المصرف وعمومه؛ لما فيه من إعزاز للمسلمين، وهداية لغيرهم إلى الدين القويم، وهو نوع من الجهاد في سبيل الله بالمال. وقد قال الإمام أبو جعفر الطبري (¬2) في تفسيره - في تأييد هذا المعنى - كلاما متينا، ونصه كما يلي: "والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين أحدهما: سد خَلّة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته، فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه فإنه يُعطاه الغني والفقير؛ لأنه لا يُعطاه مَن يُعطاه ¬
بالحاجة منه إليه، وإنما يُعطاه معونةً للدين، وذلك كما يُعطى الذي يُعطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يُعطى ذلك - غنيا كان أو فقيرا - للغزو, لا لِسَدِّ خَلَّتِه، وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء استصلاحًا بإعطائهموه أمرَ الإسلام، وطلب تقويته وتأييده، وقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعطى من المؤلفة قلوبهم بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإسلام، وعز أهله، فلا حُجَّة لمحتج بأن يقول: "لا يتألف اليوم على الإسلام أحد لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم، وقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعطى منهم في الحال التي وصفت " (¬1). وقال الشوكاني، بعد أن ساق بعض الأحاديث الدالة على تأليفه - صلى الله عليه وسلم -: "فالتأليف شريعة ثابتة جاء بها القرآن، وجعل المؤلفة أحد المصارف الثمانية وجاءت بها السنة المتواترة، فإذا كان إمام المسلمين محتاجًا إلى التأليف لمن يخشى من ضرره على الإسلام وأهله، أو يرجو أن يصلح حاله ويصير نصيرًا له وللمسلمين كان ذلك جائزًا له " (¬2). ... ¬
المطلب الثاني تطبيقات معاصرة لمصرف المؤلفة قلوبهم
المطلب الثاني تطبيقات معاصرة لمصرف المؤلفة قلوبهم وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: إعطاء الكافر من سهم المؤلفة قلوبهم ليدفع المخاطر عن المسلمين تقدم بيان مشروعية إعطاء الكافرين من سهم المؤلفة قلوبهم، وهو قول عند المالكية والمذهب عند الحنابلة، (¬1) وأما الكافر الذي يرتجى دَفْعُهُ المخاطرَ عن المسلمين، لقوته أو مكانته أو نحو ذلك، مع عجز المسلمين عن القيام بما يقوم به لدفع الخطر عنهم، فلم أجد مَنْ نَصّ على هذا النوع من المؤلفة قلوبهم، وإنما نص الحنابلة على ذلك في حق المسلم، وأما الكافر فإنما يعطى في حالين: 1 - من يرجى إسلامه فيعطى لترغيبه في الإسلام. 2 - من يخشى شره فيعطى لكف شره، وقد دل عليه تفسير ابن عباس رضي الله عنه لقوله تعالى: {وَاَلْمُؤَلَّفَةِ قلُوبُهُمْ} (¬2) قال: "وهم قوم كانوا يأتون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أسلموا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من ¬
الصدقات فأصابوا منها خيرًا قالوا: هذا دين صالح، وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه (¬1). ويتبين مما تقدم أن الكافر الذي يُرتجى دفعه المخاطرَ عن المسلمين ليس من الأنواع المنصوصة عند الفقهاء المتقدمين، وقد عدَّه الشوكاني من المؤلفة قلوبهم وإن كان كافرًّا (¬2)، وهو الأظهر عندي، فيجوز إعطاؤه من سهم المؤلفة قلوبهم لما يلي: 1 - أنه شبيه بالنوع المنصوص عليه عند الفقهاء، وهو من يُعطى لكف شره إن كان يُخشى منه ذلك، فنصرة المسلمين تكون بكفِّ الشر عنهم من المؤلف قلبه أو من غيره. 2 - أن المصلحةَ المترتبةَ على تأليف من تُطلب نُصرتُه لا تقل شأنا عن مصلحة تأليف مَن يُرتجى كف شره بذلك. 3 - أن عموم النص في قوله: {وَاَلمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (¬3) لا تمتنع معه الدلالة على هذا النوع. 4 - أن ذلك العطاء قد يكون سببًا في إسلام هؤلاء الكفار المناصرين للإسلام، حيث نص الفقهاء على مشروعية صرف الزكاة لمن يُرتجى إسلامه بذلك، وجاءت به السنة (¬4). ¬
المسألة الثانية: صرف سهم المولفة قلوبهم في إيجاد مؤسسات لرعاية المسلمين الجدد
المسألة الثانية: صرف سهم المولفة قلوبهم في إيجاد مؤسسات لرعاية المسلمين الجدد تقدم بيان أقسام المؤلفة قلوبهم، ومن ذلك المسلمون الذين يُرتجى ثباتهم، وقُوة إيمانهم، وعلى ذلك جمهور الفقهاء (¬1)، حيث دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، كما تقدم بيانه من عموم قوله تعالى: {وَاَلْمُؤَلَفَةِ قُلُوبُهُمْ} (¬2). كما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى المؤلفة قلوبهم في وقائع متعددة (¬3)، ومن أظهر الأقسام دخولًا في هذا المسمى هم حديثو العهد بالإسلام، ممن يُرتجى ثباتهم وتقوية إيمانهم، لاتفاق الفقهاء القائلين بعدم نسخ حكم المؤلفة قلوبهم على مشروعية إعطاء هذا القسم، (¬4) ولعل ذلك بسبب كونهم من المسلمين، مع الحاجة إلى تأليف قلوبهم لاستثباتهم على الدين، فيستنقذون بذلك من النار، كما أن في تأليف قلوبهم نصرة للإسلام بتقوية أتباعه وثباتهم. ومما تقدم يتبين أهمية إيجاد مؤسسات لرعاية المسلمين الجدد لما لها من مصالحَ شرعيةٍ كبيرة على الفرد والمجتمع، ولما في وجودها من قوة ونُصرة للمسلمين، لا سيما مع ضراوة الجهود المبذولة من أعداء الدين لصد المسلمين الجدد عن دينهم بتشكيكهم في حقائق الإسلام، مع الترغيب والترهيب، مما يؤدي ¬
ببعض حدثاء العهد بالإسلام إلى النكوص عنه لضعف إيمانهم مع قوة الصارف وقلة المعين، لذا فإن من المهم جدا صرف الجهود والعناية بهذا الشأن، بالعمل المؤسسي الجماعي الذي يتسم بالقوة والتنظيم والتطور، ومن هنا فقد بحث الفقهاء المعاصرون مسألةَ دفع الزكاة من مصرف المؤلفة قلوبهم لمثل تلك المؤسسات التي تقوم برعاية المسلمين الجدد، وهو قول كثير من المعاصرين (¬1)، وجاء قرار الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة مُبَيِّنًا أهم المجالات التي يُصَرف عليها هذا السهم، وذكر منها هذا النوع؛ حيث نص على ما يلي: "الثالثة: إيجاد المؤسسات العلمية والاجتماعية لرعاية من دخل في دين الله، وتثبيت قلبه على الإسلام، وكل ما يمكنه من إيجاد المناخ المناسب معنويًّا وماديًّا لحياته الجديدة" (¬2). ¬
القول الثاني: عدم جواز صرف الزكاة لتلك المؤسسات من مصرف المؤلفة قلوبهم، وهو قول لبعض المعاصرين (¬1). أدلة القولين: دليل القول الأول: أن في ذلك تثبيتًا للمسلم على إسلامه وتقويةً له، وذلك من معاني تأليف القلوب على الإسلام التي يُشرع الصرف لها (¬2). دليل القول الثاني: 1 - أن تلك المؤسسات التي يُرَاد منها رعاية المسلمين الجدد لم يتحقق فيها شرط صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وهو التّمليك. 2 - أن في الصرف لتلك المؤسسات من هذا المصرف تداخلًا بينه وبين مصرف (في سبيل الله)، ومن المعلوم أن الأخير لا يُشترط فيه التّمليك، بخلاف الأول، مما يتبين معه أن إلحاق هذه المسألة بمصرف (في سبيل الله) أظهر (¬3). الترجيح: يترجح القول الثاني، وهو عدم جواز الصرف من هذا المصرف لمثل تلك المؤسسات إلا بشرط التّمليك، فيجوز صرف الزكوات التي يتملكها أولئك المسلمون، أما ما لا يُملك منها لِمُعَيَّن، كالذي يصرف في شؤون المؤسسة الإدارية والوظيفية ونحو ذلك، فإنما يجوز الصرف عليه من سهم المؤلفة قلوبهم على خلاف ¬
المسألة الثالثة: إعطاء رؤساء الدول الفقيرة والقبائل الكافرة من الزكاة لتأليف قلوبهم للإسلام
الأصل وَفْق الضوابط التالية: 1 - قيام الحاجة الفعلية لوجود مثل تلك المؤسسات. 2 - حاجة تلك المؤسسات الماسة إلى الصرف عليها من سهم المؤلفة قلوبهم مع تعذر الصرف عليها من الموارد الأخرى. 3 - أن يكون الإنفاق عليها من هذا السهم بقدر الحاجة التي يتحقق معها المقصود من مشروعية هذا المصرف. المسألة الثالثة: إعطاء رؤساء الدول الفقيرة والقبائل الكافرة من الزكاة لتأليف قلوبهم للإسلام تقدم بيان مشروعية إعطاء السادة المطاعين والرؤساء في عشائرهم (¬1)، لتأليف قلوبهم على الإسلام، مع ما في ذلك من إسلام نظرائهم وأتباعهم، فيتبين أن إعطاء مَن كانت هذه حاله أولى من إعطاء سائر الكافرين؛ لذا فقد نصت تعاريف أكثر الفقهاء على تعيين المؤلفة بالسادة في عشائرهم والرؤساء، مما يُفهم منه تقييدهم بهذا الوصف، واستبعاد أحقية عموم الناس ممن يُرجى إسلامه أو يخشى شره، أو يُرجى إسلام نظيره أو ثباته إن كان مسلما أو نصرته، وقد تقدم ترجيح عدم اشتراط ذلك، وأن المعتبر هو تحقق المصلحة، فيصرف السهم فيمن كان صرفه فيه أنفع من غيره للإسلام والمسلمين (¬2). وبناء على ذلك يتبين لنا مشروعية صرف الزكاة لرؤساء الدول الفقيرة والقبائل الكافرة إذا كان ذلك يؤلف قلوبهم للإسلام؛ لما فيه من استنقاذٍ لهم من النار، ودعوةٍ ¬
المسألة الرابعة: صرف سهم المؤلفة قلوبهم في القيام بحملات دعائية؛ لتحسين صورة الإسلام والمسلمين
لغيرهم للإيمان، وتقويةٍ لدين الإسلام، وقد كان لذلك أكبر الأثر في إسلام أعداد كبيرة من الناس في بعض الجهات، كإفريقيا مثلا (¬1). وقد جاء قرار الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة مُبَيّنا أهم المجالات التي يصرف عليها هذا السهم، وذكر منها هذا النوع؛ حيث نص على ما يلي: "تأليف مَن يُرجى إسلامه، وبخاصة أهل الرأي والنفوذ، ممن يُظَنُّ أن له دورًا كبيرًا في تحقيق ما فيه صلاح المسلمين" (¬2). المسألة الرابعة: صرف سهم المؤلفة قلوبهم في القيام بحملات دعائية؛ لتحسين صورة الإسلام والمسلمين يتعرض الإسلام لهجمة شرسة من أعداء الدين يستهدفون فيها تشويه الحقائق الشرعية، وتقديم الإسلام للعالم على أنه دين العنف والتخلف، مما حجب نوره عن كثير من البشر، بل قد أدى ذلك إلى ارتداد بعضِ حدثاء العهد بالإسلام؛ لجهلهم به وضعف إيمانهم، مما يحتم على المسلمين القيام بواجب الدعوة إلى الله، وتقديم دينهم الحق للبشرية، سالمًا من الشُّبه والأباطيل الكيدية، واضحا بالأدلة والحقائق الشرعية، وهذا من أنواع الجهاد باللسان الذي أمِرَ به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما في حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" (¬3). ولكن هل يجوز الصرف من سهم المؤلفة قلوبهم للقيام بحملات دعائية؛ لتحسين صورة الإسلام والمسلمين؟ ¬
القول الأول
لم أجد مَن نصّ على هذه المسألة من الفقهاء المتقدمين، وإنما استجد بحثها لدى بعض فقهاء العصر، وقد اختلفوا فيها على قولين: القول الأول: يجوز الصرف من سهم المؤلفة قلوبهم للقيام بحملات دعائية؛ لتحسين صورة الإسلام والمسلمين (¬1). القول الثاني: لا يجوز ذلك (¬2). أدلة القولين: دليل القول الأول: أن في ذلك نصرةً للإسلام وتقويةً له، وذلك من معاني تأليف القلوب على الإسلام التي يُشرع الصرف لها (¬3). دليل القول الثاني: 1 - أنَّ القيام بتلك الحملات الدعائية لتحسين صورة الإسلام التي شوهها المغرضون لا يتحقق فيها شرط صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وهو التّمليك. 2 - أنَّ صرف الزكاة لنصرة الإسلام تكون من مصرف زكوي آخر، وهو مصرف ¬
الترجيح
(في سبيل الله) لا مصرف المؤلفة قلوبهم، ولكل مصرف حكمه وأهله (¬1). الترجيح: يترجح القول الثاني؛ لما ذكروا من تعليل، وهو إجابة على ما استدل به القول الأول، فالأصناف الأربعة الأُوَل في آية الصدقات على سبيل التّمليك، ومنها المؤلفة قلوبهم، حيث دخلت لام التّمليك على الصنف الزكوي، بخلاف الأربعة الأُخَر؛ فقد دخل عليها حرف الجر (في)، ولا يشترط معها التّمليك، كما أنّ في ذلك تداخلا بين مصرفي المؤلفة قلوبهم و (في سبيل الله)، مع عدم الحاجة لذلك. ويحسن في ختام هذا المبحث ذكر ضوابط الصرف من سهم المؤلفة قلوبهم التي نصّت عليها الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة، وهي على النحو التالي: 1 - أن يراعى في الصرف المقاصد ووجوه السياسة الشرعية، بحيث يتوصل به إلى الغاية المنشودة شرعًا. 2 - أن يكون الإنفاق بقدر لا يضر بالمصارف الأخرى، وألا يُتوسع فيه إلا بمقتضى الحاجة. 3 - توخي الدقة والحذر في أوجه الصرف لتفادي الآثار غير المقبولة شرعًا، أو ما قد يكون له ردود فعل سيئة في نفوس المؤلفة قلوبهم، وما قد يعود بالضرر على الإسلام والمسلمين (¬2). ... ¬
المبحث الرابع مصرف الرقاب
المبحث الرابع مصرف الرقاب وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بمصرف الرقاب المطلب الثاني: تطبيقات معاصرة لمصرف الرقاب
المطلب الأول المراد بمصرف الرقاب
المطلب الأول المراد بمصرف الرقاب (¬1) اختلف الفقهاء في المراد بمصرف الرّقاب المنصوص عليه في آية الصدقات على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن المراد بمصرف الرّقاب هم المكاتبون (¬2)، فيصرف لهم دون غيرهم ليعتقوا منه، وهو مذهب الحنفية (¬3). . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
القول الثاني
ورواية عند المالكية (¬1) ومذهب الشافعية (¬2) ورواية عند الحنابلة (¬3). القول الثاني: أن المراد به إعتاق رقاب الأرقاء المسلمين، وهو مذهب المالكية (¬4) ورواية عن أحمد (¬5). القول الثالث: أن المراد بمصرف الرّقاب هم المكاتبون، وإعتاق الرّقاب من المسلمين، وهو المذهب عند الحنابلة (¬6)، ورجحه أبو عبيد القاسم بن سلام (¬7). الأدلة: أدلة القول الأول: 1 - أن قوله: {وَفِي الرِّقَابِ} (¬8) كقوله: {وَفِى سَبِيلِ} (¬9). فكما يجب ¬
المراد بمصرف الرقاب الدفع للمجاهدين، فكذا يجب الدفع للرقاب، ولا يتحقق هذا إلا في المكاتب، بخلاف الإعتاق، فالدفع فيه للسيد لا للعبد (¬1). 2 - أن الواجب إيتاء الزكاة، والإيتاء تمليك، والدفع إلى المكاتب تمليك، فأما الإعتاق فليس بتمليك (¬2). ويُناقش هذا والذي قبله: بأن الصرف للرقاب لا يلزم منه تمليكهم، ولا الدفع لهم، وإنما صرف الزكاة فيما يتحقق فيه عتق الرقبة أو يعين على ذلك، لكون الصرف إليهم ورد بلفظ (في)، ولم يرد بلفظ اللام التي تقتضي التّمليك (¬3). 3 - الإعتاق يوجب الولاء للمعتق، فكان حقه فيه باقيا، ولم ينقطع من كل وجه، فلا يتحقق الإخلاص المشترط في العبادة، والزكاة عبادة، فلا تتأدى بما ليس بعبادة، فأما الذي يدفع إلى المكاتب فينقطع عنه حق المؤدي من كل وجه، ولا يرجع إليه بذلك نفع، فيتحقق الإخلاص (¬4). ونوقش: بأنه "إن خِيف عليه أن يصير إليه ميراث عتيقه بالولاء، فإنه لا يُؤْمَن أيضًا أن يجني جنايات يلحقه وقومَه عقلُها، فيكون أحدهما بالآخر، وينبغي لمن لم يُجِز هذا أن يَكره صدقةَ الرجل على أبويه أو على أحدٍ من أقربائه خِيفةَ أن يموت ¬
أدلة القول الثاني
المعطي، فترجعَ الصدقة إلى المعطى في الميراث" (¬1). أدلة القول الثاني: 1 - أن كل موضع ذُكرت فيه الرقبة فالمراد عتقها كاملة، وهذا لا يتحقق في المكاتب لأنه بعض رقبة (¬2). ونوقش: بأن الرقبة تطلق على العبد القِنّ (¬3) وعلى المكاتب جميعًا، وإنما خصصناها في الكفارة بالعبد القِنّ بقرينة، وهي أن التحرير لا يكون إلا في القِنّ، وقد قال الله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (¬4). ولم توجد هذه القرينة في مسألتنا، فحملناه على المكاتبين لما ذكرناه أولًا (¬5). ويجاب: بأنه كما لا توجد قرينة باختصاص الرقبة بالعبد القِنّ، فكذا لا توجد قرينة باختصاصه بالمكاتب، فيبقى اللفظ عامًّا للصنفين. ¬
دليل القول الثالث
2 - أنه لو كان المقصود المكاتبين لاكتفى عنهم بذكر الغارمين؛ لأنهم منهم (¬1). ونوقش: بأنه لا يُفهم أحد المصنفين من الآخر، ولأنه جمع بينهما للإعلام بأنه لا يجوز الاقتصار على (أحدهما)، وأن لكل صنف منهما سهمًا مستقلًّا كما جمع بين الفقراء والمساكين، وإن كان كل واحد منهما يقوم مقام الآخر في غير الزكاة (¬2). دليل القول الثالث: 1 - أن لفظ الرقبة عام فيشمل عتق العبد ومكاتبته (¬3). 2 - أن ابن عباس رضي الله عنه قال: أعتق من زكاة مالك (¬4). الترجيح: يترجح القول الثالث لما يلي: 1 - عموم النص، فيشمل عتق الرقبة وما دون ذلك من مكاتبة العبد. ¬
2 - عدم الدليل على تخصيص أحد المصنفين دون الآخر. 3 - ولما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه من الآثار التي تفيد ذلك، قال أبو عبيد: "وقول ابن عباس رضي الله عنه أعلى ما جاءنا في هذا الباب، وهو أولى بالاتباع وأعلم بالتأويل، وقد وافقه الحسن على ذلك، وعليه كثير من أهل العلم " (¬1). 4 - ولما في ذلك من مراعاة المصلحة في توسعة المصرف وإفادة المماليك منه، بتحرير رقابهم من الرق أو الإعانة في ذلك، مما يمكن صاحب الزكاة القليلة والكثيرة من الإسهام في هذا المصرف، بخلاف ما لو حصر ذلك بالإعتاق دون المكاتبة (¬2). ... ¬
المطلب الثاني تطبيقات معاصرة لمصرف الرقاب
المطلب الثاني تطبيقات معاصرة لمصرف الرقاب وفيه مسألتان: المسألة الأولى: صرف الزكاة من سهم الرّقاب لفكاك الأسرى المسلمين (¬1) تقدم بيان المراد بمصرف الرّقاب، وأنه عام في فك رقبة العبد بعتقه أو مكاتبته (¬2)، إلا أن الفقهاء اختلفوا أيضا في شمول مصرف الرّقاب للأسرى على قولين: القول الأول: عدم جواز صرف الزكاة لفك الأسرى من سهم الرّقاب، وهو مذهب الحنفية (¬3) وقول عند المالكية (¬4) ومذهب الشافعية (¬5) ورواية عند الحنابلة (¬6). ¬
القول الثاني
القول الثاني: جواز صرف الزكاة لفك الأسرى من سهم الرّقاب، وهو قول عند المالكية (¬1) والمذهب عند الحنابلة (¬2)، واختاره شيخ الإسلام (¬3). أدلة القولين: دليل القول الأول: لم أقف لهم على دليل صريح، إلا أنّ مَنْعَهُم لذلك هو بسبب اختصاص النص بفك الرّقاب، وليس من ذلك فكاك الأسرى؛ لأنهم أحرار، وأما الرّقاب فيراد بها الأرِقّاء (¬4). ويُناقش: بأن اللفظ في اللغة كما يُطلَقُ على فكّ رقبة العبد من الرِّقّ، فإنه يطلق على فك رقبة الأسير من الأسر، (¬5) ثم إننا لو سلمنا بعدم اشتمال النص على فكاك الأسرى، فإن القياس يمكن أن يُلحق فك الأسير بفك الرقيق من الرق (¬6). أدلة القول الثاني: 1 - أن في ذلك فك رقبة من الأسر، فهو كَفَكّ الرقبة من الرق (¬7). ¬
الترجيح
2 - أن في ذلك إعزازا للدين، فهو كصرفه للمؤلفة قلوبهم (¬1). 3 - أن المال المدفوع إلى الأسير في فك رقبته، كالمال المدفوع للغارم لفك رقبته من الدين (¬2). الترجيح: يترجح القول بجواز صرف الزكاة من سهم الرّقاب لفك الأسرى لقوة حجته، ويتقوى ذلك بما يلي: 1 - أن النص جاء بلفظ في الرقاب ولم ينص فيه على الأَرِقَّاء أو العبيد، وهذا يدل على عموم اللفظ وشموله للعبد والمكاتب والأسير، فالأخير رقبته مقيدة بالأسر، ويكون الصرف عليه بفكاكها من الأسر. 2 - أن من المعاني اللغوية لفك الرّقاب، فكاك رقاب الأسرى. 3 - أننا لو سلمنا بعدم دلالة النص على فك الأسير، فإن قياس الأولى يقتضيه، وهو ما يفيده كلام القاضي ابن العربي -رحمه الله تعالى - (¬3) في قوله: "إذا كان فك رقبة المسلم عن رق المسلم عبادة وجائزا من الصدقة، فَأَوْلى وأَحْرى أن يكون ذلك في فك المسلم عن رِقّ الكافر وذُلّه" (¬4). كما أنه يخاف على الأسير المسلم القتل أو الردة عند أَسْرِه من الكافرين. ¬
المسألة الثانية: صرف الزكاة من سهم الرقاب لفكاك الشعوب المسلمة المحتلة من الكافرين
4 - أن الأدلة قد جاءت بالأمر بفك الأسارى كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فكوا العاني " (¬1). وقد لا يتحقق ذلك إلا بالمال، ومن موارده الكبرى بيت مال المسلمين، والزكاة والصدقة. ويتبين مما تقدم أنه يشرع للمسلمين في هذا الزمان افتكاك أسراهم من الكفار بفديتهم من سهم الرّقاب من الزكاة، لا سيما في مثل هذا الزمان الذي أوقف فيه الرق ومنع فيه ملك اليمين. ويتنازع افتكاك الأسير مصرفا (الرّقاب) و (سبيل الله) إلا أن الأقرب إليه هو مصرف الرّقاب؛ لما تقدم ذكره، فينبغي تقديم الصرف منه، فإن احتاج المسلمون إلى الأخذ من مصرف (سبيل الله) لنفاد الأول، وترجحت مصلحة استنقاذ أسراهم على سائر أوجه الجهاد فإن لأُولِي الأمر منهم فعل الأصلح (¬2). المسألة الثانية: صرف الزكاة من سهم الرّقاب لفكاك الشعوب المسلمة المحتلة من الكافرين في ظل ضعف المسلمين، وتسلط الكافرين عليهم، واحتلالهم لبلدانهم نشأ خلاف فقهي معاصر (¬3) في حكم صرف الزكاة من سهم الرّقاب لفكاك الشعوب المسلمة من احتلال الكفار وذلك على قولين: ¬
القول الأول
القول الأول: مشروعية صرف الزكاة من سهم الرّقاب لتلك الشعوب المحتلة من الكافرين؛ لدحر المحتلين، وهو قول بعض المعاصرين (¬1). القول الثاني: عدم مشروعية صرف الزكاة من سهم الرّقاب لتلك الشعوب. وهو قول أكثر الفقهاء المعاصرين (¬2). دليل القول الأول: أن استرقاق الشعوب في عقائدها وأموالها وسلطانها وحرياتها أشد وأخطر من استرقاق الفرد في حريته (¬3). ونوقش: بأن ذلك توسع يُفقد كلمة الرّقاب مدلولها الأصلي، مع عدم الحاجة إليه، لوجود مصارف أخرى يُشرع الصرف منها في تلك الأحوال كمصرف (في سبيل الله)؛ لكون التحرر من تسلط الكافرين من الجهاد الشرعي (¬4). دليل القول الثاني: أن احتل الله الكافرين لبلاد المسلمين ليس داخلا في دلالة لفظ الرّقاب لغة ولا شرعًا (¬5). ¬
الترجيح
الترجيح: يترجح القول الثاني لما يلي: 1 - عدم الدليل على دخول تحرير الشعوب من الكافرين في مصرف (الرقاب). 2 - عدم الحاجة إلى ذلك؛ لوجود الموارد الأخرى لتحقيق المقصود، سواء كان ذلك من مصرف (في سبيل الله) أو من غيره من موارد بيت المال. 3 - أن تسلط الكافرين على المسلمين موجود في العهد النبوي والقرون المفضلة، ولم ينقل عنهم الصرف من سهم الرّقاب لدفع ذلك (¬1). ... ¬
المبحث الخامس مصرف (في سبيل الله)
المبحث الخامس مصرف (في سبيل الله) وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بمصرف الزكاة (في سبيل الله) المطلب الثاني: تطبيقات معاصرة لمصرف (في سبيل الله)
المطلب الأول المراد بمصرف الزكاة (في سبيل الله)
المطلب الأول المراد بمصرف الزكاة (في سبيل الله) اتفق الفقهاء على أن الغزاة ممن يشملهم مصرف سبيل الله (¬1)، واختلفوا فيما عدا ذلك على أقوال عدة، ثم توسع الخلاف في هذا العصر؛ ليكون مجمل أقوالهم في المسألة خمسة أقوال: القول الأول: المراد بمصرف سبيل الله هو الغزو، وهو قول أبي يوسف (¬2) من الحنفية (¬3)، ومذهب المالكية (¬4) والشافعية (¬5)، ورواية عند الحنابلة (¬6)، رجحها ابن قدامة (¬7). ¬
القول الثاني
القول الثاني: المراد بمصرف سبيل الله هو الغزو والحج والعمرة، وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية (¬1) ومذهب الحنابلة (¬2). القول الثالث: المراد بمصرف (سبيل الله) هو جميع القرب والطاعات، وهو منسوب لبعض الفقهاء (¬3) وقال به كثير من المعاصرين (¬4). القول الرابع: المراد بذلك المصالح العامة، وهو قول بعض المعاصرين (¬5). القول الخامس: المراد بذلك الجهاد بمعناه العام (جهاد اليد والمالك واللسان) فيشمل ذلك القتال في سبيل الله، والدعوة إلى الله، وهو ما صدر به قرار المجمع الفقهي الإسلامي (¬6)، والندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة (¬7). ¬
الأدلة
الأدلة: أدلة القول الأول: 1 - أن المراد من سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو، وأكثر ما جاء في القرآن هو من ذلك (¬1). ونوقش: بعدم التسليم، فالواجب عند عدم النقل الشرعي الأخذ بالمعنى اللغوي، وهو يدل على العموم (¬2). 2 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (¬3) مرفوعًا: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعاملٍ عليها، أو لغارمٍ، أو لرجل اشتراها بمالة، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين، فأهداها المسكين للغني " (¬4). ¬
أدلة القول الثاني
وجه الدلالة: أنه ذكر منهم الغازي، وليس في الأصناف الثمانية من يعطى باسم الغزاة إلا الذين نعطيهم من سهم سبيل الله تعالى (¬1). ونوقش: بأن غاية ما يدل عليه أن المجاهد يعطى من سهم سبيل الله ولو كان غنيا، وسبل الله كثيرة لا تنحصر في الجهاد في سبيل الله (¬2). أدلة القول الثاني: 1 - حديث أم معقل رضي الله عنها (¬3) قالت: خرج أبو معقل حاجًّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قَدِمَ قالت أم معقل: قد علمت أن عَلَيّ حِجَّة، فانطلقا يمشيان حتى دخلا عليه، فقالت: يا رسول الله، إنّ عَلَيَّ حجة، وإن لأبي معقل بكرًا، قال أبو معقل: صدقتِ، جعلتُه في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطِهَا فلتحج عليه؛ فإنه في سبيل الله " (¬4). ونوقش: أولًا: بضعف الحديث (¬5) ¬
ثانيًا: أن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين؛ محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرّقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو مَن يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلَّف والغارم لإصلاح ذات البين، والحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه، ولا حاجة بهم إليه، ولا حاجة به أيضًا إليه؛ لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه، ولا مصلحة له في إيجابه عليه، وتكليفه مشقة قد رفهه الله منها، وخفف عنه إيجابها، وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الأصناف أو دفعه في مصالح المسلمين أولى (¬1). 2 - ورود بعض الآثار الموقوفة الدالة على أن الحج من سبيل الله، كالذي ورد عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم (¬2). ونوقش: بأن أثر ابن عباس رضي الله عنهما لا يصح (¬3)، وأما أثر ابن عمر رضي الله عنه فهو وإن دل على أن الحج من سبل الله، إلا أن سبيل الله الوارد في الآية يفسر بغير ذلك، وهو الجهاد، لأنه الغالب عند الإطلاق (¬4). ¬
دليل القول الثالث
دليل القول الثالث: أن اللفظ عام، فلا يجوز قصره على بعض أفراده إلا بدليل صحيح، ولا دليل على ذلك (¬1). ونوقش: بأدن ذلك غير مسلم، فهذا العموم مقيد بظاهر الاستعمال، كما أنه يلزم منه أن يكون كل مُصَل وصائم ومتصدق مستحقًّا بعمله للزكاة، ولم يقل بهذا العموم أحد من السلف أو العلماء المعروفين (¬2). أدلة القول الرابع: 1 - أنه لا يعرف لكلمة سبيل الله في القرآن معنى غير البر العام، والخير الشامل (¬3). ونوقش: بأن ذلك غير مسلم، فقد جاءت لمعانٍ متعددة، وقد كان الجهاد هو أكثر ما وردت فيه (¬4). 2 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودى صحابيًّا لم يعرف قاتله من إبل الصدقة (¬5). ¬
أدلة القول الخامس
وجه الدلالة: أنه إذا جاز دفع الزكاة في دية قتيل دَفْعًا للنزاع، أي من أجل المحافظة على الأمن، فمن بابٍ أولى جوازُ صرفها للمحافظة على أمن الناس وحياتهم في الدولة الإسلامية، ورعاية مصالحهم العامة (¬1). ونوقش: أولًا: بأن الحديث جاء بلفظ آخر عند البخاري وفيه أنه وداه من عنده، وقد جمع الجمهور بين الروايتين بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اشترى تلك الإبل من أهل الصدقة بعد أن مَلَكُوها، ثم دفعها لأهل القتيل. ثانيًا: على التسليم بأنه وَدَاه من أموال الزكاة، فليس ذلك من المصالح العامة. ثالثًا: أن المقصود من إعطاء الدية ليس دفع النزاع فقط، بل هو جزء من العلة، فإصلاح ذات البين، وتطييب نفوس أولياء المقتول من المقاصد الشرعية، لإعطاء الدية. ثم إن علة المحافظة على أمن الناس لا يتحقق في كل المصالح العامة (¬2). أدلة القول الخامس: 1 - أن إرادة المعنى الخاص وهو الجهاد وما كان في معناه هو الظاهر من أسلوب الحصر في آية الصدقات، فالتعميم يشمل جهات كثيرة، وهذا ينافي أسلوب حصر المصارف في ثمانية أصناف (¬3). 2 - أن الجهاد في الإسلام لا ينحصر في الغزو الحربي والقتال بالسيف، فقد ¬
الترجيح
صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل: أي الجهاد أفضل؟ فقال: "كلمة حق عند سلطان جائر" (¬1). وقال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" (¬2) (¬3). 3 - أن الدعوة إلى الله لو لم تكن داخلة في معنى الجهاد بالنص لوجب إلحاقها بالقياس؛ فكلاهما يُراد به نصرة دين الله وإعلاء كلمته (¬4). الترجيح: يترجح القول الخامس، وهو تخصيص معنى سبيل الله بالجهاد، مع توسيع هذا المفهوم ليشمل كل ما يتحقق به نصرة الدين، وذلك لقوة أدلة هذا القول، ويتأكد ذلك بما يلي: 1 - أن كثيرًا من استعمالات سبيل الله تصدق على الجهاد (¬5)، مما يجعل هذا ¬
المعنى أقرب من غيره فقد ورد لفظ: (في سبيل الله) خمسين مرة منها؛ ثمانية وثلاثين منها مع القتال والجهاد، وثمانية مواضع مع الإنفاق؛ سبعة منها في الإنفاق مع القتال، والثامن هو آية الصدقة، والأربعة المتبقية تمام الخمسين وردت مع الهجرة التي يراد بها التوجه لديار الإسلام إعزازا للدين، فيتبين من ذلك أغلب المواضع التي ورد فيه اللفظ أريد به الجهاد (¬1). ¬
2 - أن تفسير مصرف في سبيل الله بالجهاد هو قول عامة السلف، وجماهير الفقهاء المتقدمين والمتأخرين (¬1). 3 - أن جميع الآيات التي ذكر فيها سبيل الله مقيدا بالجهاد بالنفس ذكر معها الجهاد بالمال مما يفيد توسيع مفهوم الجهاد في سبيل الله بما هو أعم من الغزو (¬2). كما جاء إطلاق الجهاد في النصوص بما هو أوسع من الغزو، في مثل قوله تعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان: 52] (¬3). وقد تقدمت بعض الأحاديث الدالة على ذلك في أدلة القول الخامس. 4 - أن المقصود من الغزو هو نصرة الدين ودحر الكافرين المعتدين، وهذا يتحقق في الجهاد بالمال واللسان ببيان الحق والدعوة إليه ودحض الباطل ورَدّه، ¬
لا سيما في هذه الأزمنة التي ساد فيه الإعلام حتى وصل لسائر بقاع الأرض، وكان له الأثر الكبير في تشكيل عقول الناس وتبديل مفاهيمهم حقا كان ذلك أو باطلًا، بل لقد أصبح الغزو الفضائي بوسائل الإعلام أشد أثرا من الغزو العسكري، مما يؤكد ضرورة عدم التفريق بين الجهاد بأنواعه المختلفة في مشروعية دفع الصدقة، مادام يقصد منه بيان الحق ودحض الباطل. 5 - أن هذا القول هو الذي يتحقق به الجمع بين أسلوب الحصر في الآية، مع موارد اللفظة الموسعة في الكتاب والسنة، بما يفيد عدم التخصيص الضيق أو التعميم الواسع، وإنما هو تخصيص مع توسيع للمعنى لا يخرج به عن الاستعمال الشرعي الكثير، ولا يقتصر فيه على مجرد المعنى اللغوي. وقد صدر تأييدًا لهذا القول قرارٌ من المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، ونص المقصود منه ما يلي: وبعد تداول الرأي ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي: 1 - نظرًا إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين، وأن له حظا من النظر في بعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)} [البقرة: 262] (¬1). ومن الأحاديث الشريفة، مثل ما جاء في سنن أبي داود أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اركبيها فإن الحج في سبيل الله" (¬2). 2 - ونظرًا إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى، وأن ¬
إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون - أيضًا - بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه، بإعداد الدعاة، ودعمهم، ومساعدتهم على أداء مهمتهم، فيكون كِلَا الأمرين جهادًا؛ لما روى الإمام أحمد والنسائي، وصححه الحاكم، عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " (¬1). 3 - ونظرا إلى أن الإسلام مُحَارَبٌ بالغزو الفكري والعقدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين، وأنّ لهؤلاء مَن يدعمهم الدعمَ المادي والمعنوي، فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلامَ، وبما هو أنكى منه. 4 - ونظرا إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها، ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة، بخلاف الجهاد بالدعوة، فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون. لذلك كله فإن المجلس يقرر - بالأكثرية المطلقة - دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يُعِين عليها ويدعم أعمالها في معنى: {وَفِي سَبِيلِ} (¬2). في الآية الكريمة (¬3). كما صدرت بذلك الخصوص فتوى الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة في مصرف في سبيل الله على النحو التالي: "إن مصرف في سبيل الله يُرَادُ به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله، ويشمل مع القتال الدعوةَ إلى الإسلام، والعمل ¬
على تحكيم شريعته، ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه، وصد التيارات المعادية له. وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده، ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي: أ - تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم. ب - تمويل مراكز الدعوة إلى الإسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية، بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر، وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مَقَرًّا للدعوة الإسلامية. ج - تمويل الجهود التي تُثَبّت الإسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلّطَ فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين، والتي تتعرض لخطط تذويبِ البقية من المسلمين في تلك الديار " (¬1). سبب الخلاف: يظهر مما تقدم أن سبب الخلاف هو اختلافهم حول حقيقة لفظ: (في سبيل الله) هل يُحمل على الحقيقة اللغوية؟ أم له حقيقة شرعية فيحمل عليها؟ فمن قال بِحَمْلِه على الحقيقة اللغوية فإنه يُعَمم معنى لفظ في سبيل الله، ومَن قال بثبوتِ حقيقةٍ شرعيةٍ له حمله عليه. ... ¬
المطلب الثاني تطبيقات معاصرة لمصرف (في سبيل الله)
المطلب الثاني تطبيقات معاصرة لمصرف (في سبيل الله) يتبين مما تقدم ترجيح أن المراد بمصرف سبيل الله نصرة الدين بالجهاد بالنفس والمال واللسان، فيشمل ذلك الدعوة إلى الله، مما يتبين معه أن من أخبرني أوجه الصرف المعاصرة في هذا السهم ما يلي: أولًا: ما يتحقق به مطلب الإعداد للجهاد المأمور به في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)} [الأنفال: 60] (¬1). وذلك مثل: 1 - إنشاء وتمويل المصانع الحربية التي تصنع مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وشراء تلك الأسلحة عند الاحتياج. 2 - إنشاء معاهد التدريب على الأسلحة والقتال للمؤهلين للدفاع عن ديار الإسلام. 3 - طبع الكتب والمجلات العسكرية والتوجيهية للمقاتلين المسلمين مما يحتاجونه في جهادهم. ¬
4 - إنشاء مراكز للدراسات المختصة بمواجهة خطط الأعداء (¬1)، وهذه الصور المذكورة إنما يجوز صرف الزكاة فيها إذا قرر علماء الأمة انطباق الوصف الشرعي عليها. ثانيًا: ما يتحقق به الجهاد ونصرة الدين بالدعوة إلى الله، ولذلك صور متنوعة منها: 1 - إنشاء مكاتب الدعوة والإرشاد، وتمويلها بما تحتاج إليه من أثاث ورواتب موظفين، ونحو ذلك من مستلزمات تشغيلية، فذلك مما لا تستطيع تلك المكاتب القيام بوظيفتها إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (¬2). 2 - طباعة الكتب والنشرات التي تهدف لنشر العلم الشرعي والدعوة إلى الله، ونسخ الأشرطة الإسلامية التي تُعْنَى بذلك. 3 - دعم حلقات تحفيظ القرآن وتمويلها بما تحتاج إليه، مما يحقق ما تصبو إليه من تعليم كتاب الله والعمل به، فهو من أعظم أبواب الجهاد، ذلك أن أول آية نزلت في الجهاد كانت عن الجهاد بالقرآن كما قال تعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان: 52] (¬3). 4 - إنشاء وتمويل المواقع الإسلامية في الشبكة العالمية، المختصة ببيان الحق وهداية الخلق والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لا سيما في هذا الزمان الذي أضحت فيه التقنية من أجدى سبل التواصل بين الأمم والبلدان. 5 - تأسيس القنوات الفضائية الإسلامية التي تدعو إلى الله ودعمها لتحقيق ¬
المقصود من إنشائها، وذلك من أعظم وسائل الجهاد بالبيان، لما له من أثبر عظيم بسبب ما يصاحب تلك القنواتِ من وسائل الجذب والتأثير، وقد أصبح الغزو الفضائي أقوى أثرًا من الغزو العسكري، لاختصاصه بالتأثير على العقول، بخلاف الغزو العسكري، فهو إنما يستولي على المحسوسات، وقد تستعصي عليه العقول والمعتقدات. 6 - إنشاء المؤسسات الدعوية التي تُعنى بالدعوة إلى الله، سواء في ذلك دعوة الكفار لدخول الإسلام، أو دعوة المسلمين بتبصيرهم بدينهم وتثبيتهم عليه، لا سيما حديثو العهد بالإسلام. 7 - إنشاء الإذاعات الإسلامية ودعمها، لكي يصل صوت الحق إلى أصقاع الأرض، فإن مدى تلك الإذاعات الصوتية يتجاوز مدى القنوات المرئية؛ لسهولة الحصول عليها واستقبال إرسالها، مما يُمَكّن مختلف فئات الناس من الاستماع إليها، كما إنه من السهل اصطحاب المذياع والاستماع إليه في أوضاع مختلفة، بخلاف القناة الفضائية؛ فهي محدودة الانتقال والحركة. 8 - تأسيس الصحف والمجلات الإسلامية الهادفة للدعوة الصحيحة إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، القائمة ببيان الحق ودحض الباطل. ونحو ذلك من الوسائل الحديثة التي يتحقق بها المقصود من الدعوة إلى الله ببيان الهدى ودين الحق، فذلك من الجهاد بالبيان، وهو من أسباب نصرة الدين وهداية العالمين التي لم يُشرع الجهاد إلا لها، ولذا جاء الأمر بالجهاد الشامل، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " (¬1)، والأولى مما تقدم تقديم ما يختص بدعوة غير المسلمين لكون ذلك هو الألصق بمعنى الجهاد مع عظيم أثره. ¬
المبحث السادس مصرف ابن السبيل
المبحث السادس مصرف ابن السبيل وفيه مطلبان: المطلب الأول: المراد بابن السبيل المطلب الثاني: تطبيقات معاصرة لابن السبيل
المطلب الأول المراد ابن السبيل
المطلب الأول المراد ابن السبيل (¬1) عرف الفقهاء ابن السبيل بتعريفات متقاربة، فقد عرفه الحنفية بقولهم: هو الغريب المنقطع عن ماله وإن كان غنيًّا في وطنه (¬2)، ووسعه بعض متأخريهم ليشمل المقيم الذي لا يستطيع الوصول لماله (¬3). ¬
القول الأول
كما عرفه المالكية بأنه: الغريب المحتاج لما يوصله إلى بلده إذا كان سفره في غير معصية (¬1). وعَرَّفَه الشافعية بأنه: المسافر، أو مَن ينشئ السفر وهو محتاج في بلده (¬2). وعرفه الحنابلة بأنه: المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده (¬3). ومما تقدم يتبين أن الفقهاء يتفقون على أن ابن السبيل هو المسافر المنقطع في سفره عن ماله، فلا يستطيع العودة إلى بلده (¬4)، وأما المقيم فيختلفون في عَدِّهِ من أبناء السبيل واستحقاقه للزكاة بهذا الاعتبار على ثلاثة أقوال: القول الأول: إنه ليس من أبناء السبيل، فلا يُعْطَى من الزكاة بهذا الاعتبار مُطْلَقًا، وهو قول الجمهور من الحنفية (¬5) والمالكية (¬6) والحنابلة (¬7). القول الثاني: إن المقيم يكون من أبناء السبيل إذا كان مُنْشِئًا للسفر من بلده، لكنه لا يجد المال الذي يعينه على السفر، وهو مذهب الشافعية (¬8). القول الثالث: إن المقيم يكون من أبناء السبيل إذا لم يستطع الحصول على ¬
أدلة الأقوال
ماله في بلده، ولو لم ينشئ سفرا، وهو قول متأخري الحنفية (¬1). أدلة الأقوال: دليل القول الأول: 1 - أن السبيل هو الطريق، وابن السبيل الملازم للطريق، الكائِنُ فيها، كما يقال: ولد الليل، للذي يُكْثِر الخروج فيه (¬2). 2 - أنه لا يُفْهم من ابن السبيل إلا الغريبُ دون مَن هو في وطنه، ولو بلغت به الحاجة كل مبلغ، فوجب حمله على المتعارف عليه (¬3). دليل القول الثاني: قياس المنشئ للسفر على المجتاز، بجامع احتياج كل منهما لأهبة السفر (¬4). ويناقش: بأنه قياس مع الفارق؛ لأن ابن السبيل إنما أُعْطِيَ لإيصاله إلى بلده وماله وأهله، بخلاف المنشئ للسفر من وطنه إلى بلد آخر، فحاجته أقل من حاجة المنقطع عن بلده وماله. دليل القول الثالث: أن الحاجة هي المعتبرة، وقد وُجِدَت؛ لأنه فقير يدًا، وإن كان مقيمًا، فألحق بالمسافر المنقطع عن ماله (¬5). ويناقش: بأن إلحاقه بالفقير إن تحققت حاجته أولى من إلحاقه بابن السبيل، لاختصاص ابن السبيل بوصف السفر والانقطاع عن الأهل والمال. ¬
الترجيح
الترجيح: يترجح القول الأول؛ لأن مفهوم اللفظ يدفع إرادة غيره، لا سيما مع دلالة اللفظ على معنى السفر والغربة والانقطاع عن الأهل والوطن، مما يحتاج معه إلى نفقة تُوصله إلى بلده، بخلاف المقيم الذي لا يحتاج إلى ذلك، وإنما قد يحتاج إلى النفقة عليه وعلى من تلزمه نفقته، وهذه إنما يستحقها إن عدمها بفقره، لا بكونه ابن سبيل، فهو فقير حكما لعجزه عن التصرف في ماله (¬1). ويحسن في هذا المقام ذِكْرُ فتوى الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة المتعلقة ببيان المراد من ابن السّبيل وشروطه وبعض الأحكام المتعلقة به، وذلك على النحو التالي: 1 - ابن السبيل: هو المسافر فعلًا، مهما كانت مسافة سفره الذي طرأت عليه الحاجة بسبب ضياع ماله أو نفاد نفقته، وإن كان غنيًّا في بلده. 2 - يشترط لإعطاء ابن السبيل من الزكاة ما يلي: ¬
أ - ألا يكون سفره سفر معصية. ب - ألا يتمكن من الوصول إلى ماله. 3 - يُعطى ابن السّبيل مقدار حاجته من الزاد والرعاية والإيواء، وتكاليف السفر إلى مقصده، ثم الرجوع إلى بلده. 4 - لا يُطلب من ابن السبيل إقامةُ البينة على ضياع ماله أو نفاد نفقته، إلا إذا ظهر من حاله ما يخالف دعواه. 5 - لا يجب على ابن السبيل أن يقترض ولو وجد مَنْ يُقْرِضه، ولا أن يكتسب وإن كان قادرًا على الكسب. 6 - لا يجب على ابن السبيل أن يَرُدَّ ما فَضَلَ يزيده من مال الزكاة عند وصوله إلى بلده وماله، والأَوْلَى أن يَرُدَّ ما فضل - إن كان غنيًّا - إلى صندوق الزكاة، أو إلى أحد مصارف الزكاة. 7 - يندرج في مفهوم ابن السبيل بالقيود والشروط السابقة كلٌّ من: أ - الحجاج والعمار. ب - طلحة العلم والعلاج. ج - الدعاة إلى الله تعالى. د - الغزاة في سبيل الله تعالى. هـ - الْمُشَرَّدون أو الْمُهَجَّرون عن ديارهم أو مساكنهم إلى أن يستوطنوا غيرها. و- المغتربون عن أوطانهم إذا أرادوا العودة ولم يجدوا ما يوصلهم إليها. ز - الْمُرَحَّلُون عن أماكن إقامتهم.
ح - المهاجرون الفارُّون بدينهم الذين حِيلَ بينهم وبين الوصول إلى ديارهم أو الحصول على أموالهم. ط - المراسلون والصحفيون الذين يسعون لتحقيق مصلحة إعلامية مشروعة (¬1). ... ¬
المطلب الثاني تطبيقات معاصرة لابن السبيل
المطلب الثاني تطبيقات معاصرة لابن السبيل وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: الْمُبْعَدُون عن بلادهم التي بها أموالهم لا يخلو حكم الْمُبْعَدين عن بلادهم وأموالهم من المسلمين عن حالين: الحال الأولى: أن تُرتجى عودتهم لبلادهم، فلهم حكم أبناء السبيل؛ لانطباق الوصف المقرر في حق أبناء السبيل عليهم، وهو سفرهم مع انقطاعهم عن أموالهم. الحال الثانية: ألا تُرتجى عودتهم أو يطول بهم المقام مع حاجتهم، كما هو الحال مع المشردين من أبناء فلسطين، فإنهم يُعطون عندئذ بوصف الفقر لا بوصف أبناء السبيل، وذلك لأن حال الإقامة في حقهم أظهر من حال السفر، كما أن إعطاء ابن السبيل إنما يكون لإيصاله لبلده التي بها ماله، فإن كان ذلك متعذرًا فإنه لا يتحقق فيه موجب الإعطاء المختص بابن السبيل (¬1). ¬
المسألة الثانية: المحرومون من المأوى في بلادهم لظروفهم المعيشية الصعبة
المسألة الثانية: المحرومون من المأوى في بلادهم لظروفهم المعيشية الصعبة لم أقف على قول للفقهاء المتقدمين في حكم إعطاء هذا الصنف من مصرف ابن السبيل، وقد تعرض بعض المعاصرين لها، وكان لهم في ذلك قولان: القول الأول: إن المحرومين من المأوى في بلادهم من أبناء السبيل المستحقين للزكاة، وممن قال به الدكتور يوسف القرضاوي (¬1). القول الثاني: إن المحرومين من المأوى ليسوا من أبناء السبيل، وقال به الدكتور عمر الأشقر (¬2). أدلة القولين: أدلة القول الأول: 1 - دخولهم في تفسير ابن السبيل بمعنى السُّؤَّال، كما نص عليه بعض الحنابلة (¬3). ويُناقش: بعدم التسليم بهذا التفسير لغة واصطلاحًا، إذ إن ابن السبيل يطلق في اللغة على المسافر، كما أن تفسير الفقهاء لابن السبيل يدور حول المسافر كما هو رأي الجمهور (¬4)، ويدخل فيه منشئ السفر، كما هو مذهب الشافعية (¬5)، أو الغني في ¬
دليل القول الثاني
بلده الذي لا يستطيع الوصول لماله، كما هو قول متأخري الحنفية (¬1)، فأما المقيم المحتاج للمال فهو فقير لا ابن سبيل (¬2). 2 - أن المحرومين من المأوى هم أبناء الطريق، لسكنهم في الطرقات والتجائهم إليها، فيأخذون حكم المسافر المنقطع عن ماله (¬3). ويناقش: بأن المراد بالسّبيل طريق السفر الذي ينقطع به المسافر عن بلده وماله. دليل القول الثاني: أنهم مقيمون، وليس لهم مال، فيصدق عليهم وصف الفقر دون غيره من الأوصاف التي يستحق بموجبها الزكاة (¬4). الترجيح: الراجح هو القول الثاني، لظهور تعليله، ولما في ذلك من التمييز بين وصف ابن السبيل ووصف الفقير. المسألة الثالثة: المغتربون عن أوطانهم لطلب العلم أو العمل يسافر بعض المسلمين إلى بلاد أخرى لطلب علم ديني أو دنيوي، أو للبحث عن فُرَص وظيفية أجدى من تلك الموجودة في بلاده، إلا أنه قد يحتاج في غربته تلك إلى النفقة عليه لاستكمال دراسته أو للبحث عن الوظيفة، فهل يشرع إعطاؤه من مصرف ابن السّبيل؟ ¬
أولا
جواب ذلك فيما يظهر لي هو بالتفصيل في حالهم كما يلي: أولًا: أن يكون لهم مال في بلادهم لم يستطيعوا الوصول إليه، أو الانتفاع به، فإن أمرهم لا يخلو من حالين: 1 - أن يكونوا قد أقاموا في البلد الذي سافروا له واستقروا فيه، فإنهم ليسوا أبناء سبيل؛ لأن ذلك إنما يصدق على المسافر، لا المقيم. 2 - فإن كانوا لم يقيموا ويستقروا بعد في تلك البلاد فلا يخلو: أ - إن كان يغلب على الظن رجوعهم قريبًا فيعطون من مصرف ابن السبيل ما يعينهم للعودة إلى بلادهم. ب - فإن كانوا سيبقون مدة طويلة للدراسة أو العمل فلهم حكم المقيم مما يمنع أَخْذَهُم من هذا المصرف المختص بالمسافر المجتاز، فإن احتاجوا أخذوا من مصرف الفقراء (¬1). ثانيًا: ألا يكون لهم مال في بلادهم التي سافروا منها، فلهم حكم الفقراء عندئذ لِمَا تقدم تقريره في المراد بابن السبيل (¬2). ¬
المسألة الرابعة: المسافرون لمصلحة عامة يعود نفعها للمسلمين
المسألة الرابعة: المسافرون لمصلحة عامة يعود نفعها للمسلمين إذا أراد المسلم السفر لدراسة أو عمل يحتاجه المسلمون ويعود عليهم بالنفع العام، فهل له حكم ابن السبيل فيُشرع إعطاؤه قبل سفره النفقةَ التي يحتاجها لهذا السفر أم لا يُشرع ذلك؟ اختلف بعض المعاصرين في حكم عَدِّهِ من أبناء السبيل المستحقين للزكاة على قولين: القول الأول: إنه من أبناء السبيل، فيجوز إعطاؤه نفقةَ سفره من هذا المصرف، وهو قول الدكتور يوسف القرضاوي وغيره من المعاصرين (¬1). القول الثاني: إنه ليس من أبناء السبيل، فلا يشرع إعطاؤه من هذا المصرف، وقال به الدكتور عمر الأشقر (¬2). أدلة القولين: أدلة القول الأول: 1 - أن ذلك داخل في معنى ابن السبيل كما هو مذهب الشافعية في حق من يريد سفرًا ولا يجد نفقة (¬3). ¬
ونوقش: بعدم التسليم، فابن السبيل هو المسافر فعلًا، لا المنشئ للسفر، كما هو مذهب الجمهور، مع كون القائل بذلك أخذ يقول الشافعي فيما إذا كان في سفره مصلحة للمسلمين، ولم يأخذ بإطلاق الشافعي في حق كل من أنشأ سفرًا وهو لا يجد نفقة، وفي ذلك تجزئة للقول على خلاف مراد الإمام، لأنه مبني على أصل واحد، وهو أن الآخذ لحاجته وهو يريد سفرًا ممن لا مال عنده يُعَدُّ ابن سبيل؛ لأنه سينفق المال في سفره، فكل من كان هذا حاله جاز له الأخذ، فالقول بجواز الأخذ في حال دون حال غير متجه (¬1). 2 - أن في إعطائه إعانةً له على خير عام للملة والأمة، فأشبه الإعطاء في سبيل الله، وأشبه إعطاء الغارمين لإصلاح ذات البين، فلو لم يكن إعطاءً بالنص لكان إعطاء بالقياس (¬2). ويناقش: بأنه إذا ثبت أن في إعطائه نفعًا عامًّا للأمة، فله الأخذ من مصرف في سبيل الله، ولا حاجة للقياس هنا مع إمكان العدول للأصل، لا سيما مع عدم تحقق وصف ابن السبيل في حق مَن كانت هذه حاله. 3 - أنَّ لفظ (ابن السبيل) معطوف على لفظ (في سبيل الله)، فيكون التقدير وفي ابن السبيل، مما يفيد أن المقصود صرفها في جهة ابن السبيل فلا يشترط تمليكه إياها، فيصح أن تدفع لشركة الطيران التي سيسافر عليها، أو الجامعة التي سيدرس فيها، أو مقر إقامته في بلد السفر (¬3). ونوقش: بأنه ليس فيما ذكر دليل على جواز إعطائه من الزكاة قبل سفره ¬
دليل القول الثاني
وانقطاعه عن ماله، فابن السبيل يأخذ لكونه ابنَ سبيل، ولذا فإنه يأخذ قدر حاجته حتى عند الشافعي، ولا يجوز توسعة هذا المعنى بلا دليل، مع وجود المصارف الأخرى التي يمكن أن تغطي ما فيه منفعة عامة وتقوية للمسلمين (¬1). وإنما ينطبق ما استدلوا به في حق المسافر الذي انقطع عن ماله، وهو محتاج إلى العودة لبلده، سواء كان سفره لمصلحة عامة أو خاصة، إلا أن ذا السفرة العامة أولى من غيره عند حاجته بالزكاة، إن كان ذلك من مصرف ابن السبيل أو من مصرف سبيل الله فيما فيه تقوية للمسلمين وعزٌّ لهم. دليل القول الثاني: إن ابن السبيل هو المسافر الذي يأخذ لضياع ماله أو نفاد نفقته، فأما من عزم على السفر ولو لمصلحة عامة فإنه غير داخل في هذا المعنى لغة وفي اصطلاح أكثر أهل العلم (¬2). الترجيح: يترجح القول الثاني لظهور تعليله، ويتقوى ذلك بما يلي: 1 - أن إطلاق ابن السبيل في اصطلاح أكثر أهل العلم يصدق على المسافر الذي انقطع عن ماله، وإنما يعطى ما يَتَبَلَّغُ به للعودة إلى بلده، فإن كان قد وقع في هذا المعنى خلاف لدى الفقهاء، فإن اللغة تؤيد قول الجمهور المذكور. 2 - أن المسافر لمصلحة عامة يعود نفعها للمسلمين بالقوة والعزة، يُشرع له الأخذ من مصرف في سبيل الله؛ لما في ذلك من معنى تقوية المسلمين التي شرع الجهاد لأجلها، كما تقدم تقريره في المبحث السابق، وعليه فلا حاجة لأخذه من ¬
مصرف ابن السبيل ومزاحمةِ أهله المستحقين، مع وجود المصارف الأخرى التي تندرج تلك الحالة تحتها. ***
الفصل الرابع استثمار أموال الزكاة
الفصل الرابع استثمار أموال الزكاة وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: استثمار أموال الزكاة المبحث الثاني: تكاليف استثمار أموال الزكاة المبحث الثالث: زكاة مال الزكاة المستثمر
المبحث الأول استثمار أموال الزكاة
المبحث الأول استثمار أموال الزكاة وفيه مطلبان: المطلب الأول: استثمار أموال الزكاة من قِبَل مالك المال أو وكيله المطلب الثاني: استثمار أموال الزكاة من قِبَلِ الإمام أو نائبه
المطلب الأول استثمار أموال الزكاة من قبل مالك المال أو وكيله
المطلب الأول استثمار أموال الزكاة من قبل مالك المال أو وكيله (¬1) وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: حكم تأخير إخراج الزكاة إن استثمار المكلفِ لماله الذي وجبت فيه الزكاة يترتب عليه تأخيرُ إخراج الزكاة عن وقتها، مما يستدعي بحثَ تلك المسألة لبيان حكم استثمار أموال الزكاة، حيث اختلف الفقهاء فيها على قولين: ¬
القول الأول
القول الأول: إن الزكاة تجب على الفور، فلا يجوز تأخير إخراجها بعد وجوبها إلا لعذر شرعي، وهو المذهب عند الحنفية (¬1)، ومذهب المالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4). القول الثاني: إن الزكاة تجب على التراخي لا الفور، وهو قول أكثر الحنفية (¬5)، وقول عند الحنابلة (¬6). ¬
أدلة القولين
أدلة القولين: أدلة القول الأول: 1 - ورود الأمر المطلق بإيتاء الزكاة في القرآن، مثل قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (¬1)، والأمر المُطْلق يقتضي الفور؛ ولذلك يستحق المؤخر للامتثال العقابُ، ولذلك أخرج الله تعالى إبليس من الجنَّة، وسخط عليه ووبَّخه بامتناعه عن السجود، ولو أن رجلًا أَمَرَ عبْدَه أن يسقيَه، فأخَّر ذلك استحق العقوبة، ولأن جواز التأخير ينافي الوجوب؛ فالواجب ما يُعاقَب صاحبه على تركه، ولو جاز التأخير لجاز إلى غير غاية، فتنتفي العقوبة بالترك (¬2). 2 - عن عقبة بن الحارث (¬3) قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر فأسرع، ثم دخل البيت، فلم يلبث أن خرج، فقلت، أو قيل له، قال: "كنت خلفت في البيت تبرًا من الصدقة، فكرهت أن أبيته فقسمته" (¬4). وجه الدلالة: أنه - صلى الله عليه وسلم - بادر بقسمة الصدقة وأظهر الكراهة من التأخر من ذلك، ¬
أدلة القول الثاني
مما يدل على فورية إخراج الزكاة. قال ابن حجر (¬1): "قال ابن بَطَّال (¬2): فيه أن الخير ينبغي أن يُبَادر به، فإن الآفاتِ تَعْرِض، والموانعَ تمنع، والموت لا يُؤْمن، والتسويف غير محمود. زاد غيره: وهو أخلص للذمة، وأنفى للحاجة، وأبعدُ عن المَطْل المذموم، وأرضى للرب، وأَمْحى للذنب" (¬3). 3 - أن الزكاة وجبت لحاجة الفقراء، وهي حاجة ناجزة، فيجب أن يكون الوجوب ناجزًا (¬4). 4 - أن الزكاة عبادة تتكرَّر، فلم يَجُزْ تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها، كالصلاة والصوم (¬5). أدلة القول الثاني: 1 - أن مُطْلق الأمر لا يقتضي الفور؛ ولذا يجوز للمكلَّف تأخير إخراج الزكاة، فالمطلوب الأداء، ولم يتعرّض الأمر المطلق للوقت (¬6). ونوقش: أولًا: بأننا لا نُسَلّم بكون الأمر عند الإطلاق يقتضي التراخي؛ بل هو على ¬
الفور على الراجح أصوليا لما يلي: 1 - أن الله أمر بالمسارعة والمسابقة في الخيرات، كما في قوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] (¬1). وقوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] (¬2). فهو أَمْر بالمسارعة، وأمره يقتضي الوجوب. ب - أن مقتضاه عند أهل اللسان الفور؛ فإن السيد لو قال لعبده: اسقني. فأَخّر، حسن لومه، وتوبيخه وذمه، ولو اعتذر عن تأديبه على ذلك، بأنه خالف أمري وعصاني، لكان عذره مقبولًا. ج - أنه لا بد من زمان، وأَوْلى الأزمنة عقيب الأمر، ولأنه يكون ممتثلًا يقينًا، وسالمًا من الخطر قطعًا، ولأن الأمر سببٌ للزوم الفعل، فيجب أن يتعقبه حكمه كالبيع والطلاق وسائر الإيقاعات؛ ولذلك يعقبه العزم على الفعل والوجوب (¬3). ثانيًا: لو سلمنا بأن الأمر المطلق لا يقتضي الفور، فإنه يقتضيه هنا لوجود قرينة تدل عليه، وهي دفع حاجة الفقير المعجلة، فلو لم يكن الأمر على الفور لم يحصل المقصود على التمام (¬4). 2 - أنّ مَن عليه الزكاة إذا هلك نصابه بعد تمام الحول والتمكن من الأداء لا يضمن، ولو كانت واجبة على الفور لَضَمِن، كمن أخَّر صوم شهر رمضان عن وقته، فإنه يجب عليه القضاء (¬5). ¬
الترجيح
ونوقش: بأن مسألة عدم الضمان بهلاك النصاب مسألة خلافية مبنية على مسألةِ فوريةِ إخراج الزكاة، فيضمن عند من يقول بالفورية، ولا يضمن عند من لا يقول بها (¬1). الترجيح: يترجح القول الأول لقوة أدلته، وإمكان الإجابة عن أدلة القول الثاني (¬2) ¬
المسألة الثانية: حكم استثمار أموال الزكاة من قبل المالك
المسألة الثانية: حكم استثمار أموال الزكاة من قبلَ المالك ويتبين مما تقدم أن الراجح عدم جواز استثمار أموال الزكاة من قِبَلِ المالك، وذلك لما يلي: 1 - أن استثمار أموال الزكاة يحتاج لمدة طويلة مما يؤدي لتأخير إخراج الزكاة، وهذا يضر بالمستحقين، وقد تقدم ترجيح القول بوجوب إخراج الزكاة عند وجوبها على الفور. 2 - أنه قد ينشأ عن الاستثمار خسارة، فيضمن المالك ذلك، فيعجز عن التعويض، فيضيع حق الفقراء. 3 - أن مال الزكاة المستثمر قد يَدُرُّ أرباحًا طائلة، تصيب المزكي بالطمع، مما قد يؤدي لعدوله عن إخراج الزكاة، أما إخراجها فورًا فهو أقطع للطمع، وأبعد عن الجشع (¬1). المسألة الثالثة: حكم استثمار أموال الزكاة من قِبَلِ وكيل مالك المال (¬2) اتفق الفقهاء على مشروعية التوكيل في إخراج الزكاة، (¬3) فيأخذ الوكيل حكم الأصيل، وهو مالك المال فيما يتعلق به من أحكام، ومن ذلك حكم استثمار مال الزكاة، وقد ترجح في المسألة السابقة عدم جواز ذلك في حق مالك المال، فلا ¬
يجوز أيضا في حق الوكيل أن يستثمر مال الزكاة بعد تعلق حق المستحقين به، ومما تجدر الإشارة إليه أن الوكيل قد يكون شخصًا حقيقيّا، وقد يكون شخصًا حُكْميًّا يتمثل في جهة، كالمؤسسات والمكاتب الخيرية التي لم تُكَلّف من الإمام بجمع الزكاة وتفريقها، فتكون وكيلة عن المالك فقط، فينطبق عليها حكم المالك في استثمار أموال الزكاة كما تقدم تقريره، فإن كُلّفَتْ من الإمام أو أذن لها بالقيام بذلك فهي وكيلة عن المالك والمستحق في وقت واحد، فيكون لاستثمارها لأموال الزكاة بحث آخر سيأتي بيانه - إن شاء الله - في المسألة التالية (¬1). ... ¬
المطلب الثاني استثمار أموال الزكاة من قبل الإمام أو نائبه
المطلب الثاني استثمار أموال الزكاة من قبل الإمام أو نائبه (¬1) اتفق الفقهاء على مشروعية جمع الإمام أو مَنْ يُنِيبه لأموال الزكاة، فتبرأ ذمة المزكي بدفع زكاته إلى الإمام الذي يتولى جمعَ الزكاة لوضعها في مصارفها الشرعية (¬2)، وإنما وقع الاختلاف بين الفقهاء المعاصرين في حكم استثمار الإمام أو نائبه لتلك الأموال الزكوية بعد جمعها من مالكيها، (¬3) وذلك على عدة أقوال ترجع إلى قولين: ¬
القول الأول
القول الأول: عدم جواز استثمار أموال الزكاة، وقد اختار هذا القول المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة (¬1)، ومجمع الفقه الإسلامي في الهند في ندوته الثالثة عشرة (¬2)، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية (¬3). وذهب إليه بعض العلماء المعاصرين كالشيخ محمد بن عثيمين (¬4). القول الثاني: جواز استثمار أموال الزكاة، واختار ذلك مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثالثة (¬5)، والندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة (¬6)، وبيت التمويل الكويتي (¬7)، والهيئة الشرعية لبيت الزكاة في الكويت (¬8). وقالله به كثير من المعاصرين كالشيخ مصطفى الزرقا (¬9)، والدكتور وهبة ¬
أدلة القولين
الزحيلي (¬1)، والدكتور يوسف القرضاوي (¬2)، بالإضافة إلى غيرهم من المعاصرين (¬3). أدلة القولين: أدلة القول الأول: 1 - قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة: 60] (¬4). وجه الدلالة: أن مصارف الزكاة محصورة في الأصناف المذكورة، واستثمار الزكاة يخرج بها عن تلك الأصناف، ويخالف مقتضى الحصر (¬5). ونوقش: بأن استثمار أموال الزكاة من قِبَلِ الإمام أو مَن ينيبه اجتهادٌ في كيفيّة ¬
صرف الأموال للمستحقين، وليس صرفًا لها في غير المصارف المنصوصة، فهو اجتهاد في الصَّرْف لا في المَصْرَف، كما أن ذلك في مصلحة المستحقين وليس خروجًا عليها (¬1). 2 - أن استثمار أموال الزكاة يؤدي إلى تأخير صرف الزكاة لمستحقيها، وهو منافٍ للفورية الواجبة في إخراج الزكاة (¬2). ونوقش: أولًا: بأن خطاب الفورية يتعلق بالمزكي لا بالإمام، فإذا دُفِعَتِ الزكاة للإمام فقد تحققت الفورية بالنسبة للمزكي، فيجوز للإمام حينئذ تأخيرُ قسمتها للمصلحة، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسم إبل الصدقة (¬3) مما يدل على جواز تأخير القسمة؛ إذ لو لم يجز ذلك لما احتاج لِوَسْم إبل الصدقة (¬4). ثانيًا: أنه قد يتعذَّر صرفُ الزكاة فورًا في بعض الأحيان، فبعض مؤسسات الزكاة تأتيها الأموال، ولا تتمكَّن من صرفها حالًا؛ لأن الطلبات المقدّمة من المستحقين بحاجة إلى دراسة متأنية لتوثيقها ومعرفة الأحق منها، وهذه الإجراءات تأخذ وقتًا ليس باليسير، وليس من المصلحة تعطيل الملايين من أموال الزكاة كلَّ هذا ¬
الوقت، بل يمكن أن تُسْتثمر لتزيد، خاصة أن القوة الشرائية للنقود قد تنخفض (¬1). 3 - أن استثمار أموال الزكاة يعرضها للخسارة، فتضيع أموال المستحقين (¬2). ونوقش: بأن احتمال الخسارة لا يمنع الاتجار بالأموال؛ لما فيه من تنمية للمال وزيادة، كما أن استثمار الأموال يخضع في هذا الوقت إلى دراسات اقتصادية من قِبَلِ أهل الخبرة والاختصاص، قبل الاستثمار في أي مشروع، مما يضعف احتمال الخسارة في استثمار أموال الزكاة (¬3). علمًا بأن أخبرني ضوابط استثمار أموال الزكاة عند القائلين بجوازه توافرُ الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر، بحيث يتم توظيف الأموال في استثمارات قليلة المخاطر، قائمة على دراسات علمية دقيقة (¬4). 4 - أن استثمار أموال الزكاة من قِبَل الإمام أو نائبه يؤدي إلى عدم تملّك المستحقين للزكاة، وهذا مخالفٌ لما عليه جمهور الفقهاء من اشتراط التّمليك في أداء الزكاة، ولذا لا يجوز استثمار أموال الزكاة من قبل الإمام أو نائبه (¬5). ونوقش: أولًا: بأنه قد أجاز كثير من العلماء صرفَ الزكاة بغير تمليك في بعض الصور، كصرفها في شراء العبيد وعتقهم (¬6). ¬
ثانيًا: أنه على التسليم باشتراط التّمليك، فهو حاصل في استثمار أموال الزكاة من خلال صور، منها: - التّمليك الجماعي، بأن يملك المستحقون المشروع الاستثماري، بحيث تُدار الأموال التي يملكونها في هذا المشروع. - تمليك الإمام أو مَن يُنِيبه من المؤسسات أو الجمعيات، فالدولة أو المؤسسة شخص حكمي ينوب عن المستحقين، وله أن يتملَّك نيابةً عنهم إلى أن يصرف عليهم أموال الزكاة المستثمرة. - توكيل المستحقين لجهة الزكاة التي تستثمر الأموال، فهذه الجهة وكيل في القبض والتصرُّف لصالح المستحقين، وتمليكها تمليك للمستحقين (¬1). ثالثًا: لا يُسَلَّم بمنافاة استثمار أموال الزكاة من قِبَلِ الإمام أو نائبه لمبدأ التّمليك؛ لأن الأموال المستثمرة مع أرباحها ستئول إلى ملك المستحقين، غاية ما هنالك تأخير صرفها (¬2). 5 - أن استثمار أموال الزكاة يؤدي إلى حرمان الفقراء من حاجاتهم الأصلية من غذاءٍ وكساءٍ ونحو ذلك، وسَدُّ حاجة المستحقين هو من المقاصد الأساسية لفريضة الزكاة، فلا يجوز إهماله من أجل استثمار الأموال، وهي إنما تعالج مشكلة الفقر المُتوقَّع، والأصل في الزكاة معالجة الفقر الواقع لا المتوقع (¬3). ¬
أدلة القول الثاني
ونوقش: أولًا: أن من شروط جواز استثمار أموال الزكاة عند القائلين به أن يكون الاستثمار بعد تلبية الحاجات المُلِحَّة والفورية للمستحقين، فيجب سَدّ حاجتهم أولًا، ثم التفكير في استثمار الأموال، وليس من المعقول أن يتضوَّر الفقراء جوعًا، بينما تكدِّس مؤسسات الزكاة الأموال للمتاجرة بها!! ثانيًا: أن السبب في عدم تلبية أموال الزكاة للاحتياجات المتزايدة للمستحقين هو امتناع بعض الأغنياء عن إخراج زكاة أموالهم، ولو أُلْزِم هؤلاء بدفع زكاتهم لتحصَّل من ذلك أموال كثيرة يمكن أن تلبّي حاجاتِ المستحقين، كما يمكن استثمار بعضها لتوفير أرباح دورية لصالح المستحقين. ثالثًا: أن استثمار أموال الزكاة ينشأ عنه أرباح دورية، يمكن صرفها على المستحقين متى ما عجزت الزكاة المجموعة من الأغنياء عن تلبية حاجات المستحقين، وهكذا فالاستثمار يعالج مشكلة نقص الأموال الزكوية، ولا يؤدي إلى حرمان المستحقين من تلبية احتياجاتهم (¬1). أدلة القول الثاني: 1 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين كانوا يستثمرون أموال الصدقات من إبل وبقر وغنم، فقد كان لتلك الحيوانات أماكنُ خاصة للحفظ والرعي والدَّرّ والنسل، كما كان لها رعاة يرعونها ويُشرفون عليها، ويؤيد ذلك ما رُوِيَ عن أنس رضي الله عنه: أن أناسًا من عُرَيْنَةَ اجتووا المدينة، فرخص لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يأتوا إبل الصدقة، فشربوا من ألبانها وأبوالها. . . الحديث (¬2). ¬
فدل الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقسِم إبل الصدقة على المستحقين حال وصولها إليها، وإنما وضع لها راعيًا، واستثمرها بما ينشأ عنها من تناسل ولَبَنٍ يُصْرف للمستحقين (¬1). وهكذا خلفاؤه - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك ما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فسأل عنه، فأخبره الذي سقاه أنه ورد على ماءٍ قد سَمَّاه، فإذا نَعَمٌ مِن نَعَم الصدقة وهم يَسْقُون، قال: فحلبوا في من ألبانها، فجعلتُه في سِقائي، فهو هذا، فأدخل عمر رضي الله عنه يده فاستقاءه (¬2). ونوقش: بأن اعتبار ذلك استثمارًا غيرُ مُسَلَّم، فقد كان لمجرد حفظ الحيوانات لحين توزيعها على المستحقين لا للاستثمار، وما يحصل من توالد وتناسل ودَرّ لبن فهو طبيعي غير مقصود، فلا يدل هذا الدليل على جواز إنشاء مشاريع إنتاجية طويلة الأجل، وإنما يدل على جواز استثمار أموال الزكاة في إحدى المصارف الإسلامية لحين توزيعها أو توصيلها إلى المستحقين، فإن هذا الاستثمار للحفظ وتحقيق النفع للمستحقين من رَيْعها، فلا حرج فيه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن استطاع منكم أن ينفع أخاه فَلْيَفْعَل " (¬3) (¬4). ¬
2 - ما ورد أن رجلًا من الأنصار أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يسأله فقال: "أما في بيتك شيء؟ " قال: بلى، حِلْسٌ (¬1) نلبس بعضَه ونبسط بعضَه، وقَعْبٌ (¬2) نشرب فيه من الماء، قال: "ائْتِنِي بِهِما"، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال: "من يشتري هذين؟ " قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: "مَن يزيد على درهم؟ " مرتين أو ثلاثًا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: "اشتر بأحدهما طعامًا وانْبِذْه إلى أهلك، واشتر بالآخر قَدُومًا فَأتني به"، فأتاه به، فشدَّ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودًا بيده، ثم قال له: "اذهب فاحتطب ولا أرينك خمسة عشر يومًا"، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرةَ دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكْتَةً في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غُرْم مفظع، أو لذي دم موجع (¬3) " (¬4). ¬
وجه الدلالة: أنه إذا جاز استثمار مال الفقير المشغول بحاجاته الأصلية جاز للإمام استثمار أموال الزكاة قبل شغلها بحاجاتهم (¬1). ونوقش: أولًا: بأن إسناد هذا الحديث ضعيف، فلا يحتج به. ثانيًا: وعلى التسليم بصحته فهو عام في الاستثمار والإنتاج، وليس خاصا باستثمار أموال الزكاة (¬2). 3 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى عروة البارِقِي -رضي الله عنه - (¬3) دينارًا يشتري له به شاةً، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه. الحديث (¬4). وجه الدلالة: أن عروة رضي الله عنه اتَّجَر في مال لم يوكَّل بالاتَّجار به، فيدل ذلك على جواز استثمار مال الغير بغير إذن مالكه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّه على ذلك ودعا له بالبركة، وإذا جاز استثمار المال الخاص بغير إذن صاحبه، جاز للإمام أو نائبه استثمار أموال الزكاة بغير إذن المستحقين؛ لأن الإمام له حق النظر والتصرّف بالمال ¬
بما يُحَقِّق المصلحة للمستحقين ويدفع الضرر عنهم (¬1). ونوقش: بأن الحديث واقعة عين، فيُحْتمل أن يكون عروة رضي الله عنه وكيلًا في البيع والشراء معًا (¬2). وأجيب: بأن هذا الاحتمال بعيد، بل ظاهر الحديث أنه كان موكَّلًا بالشراء فقط؛ لأن الحاجة من التوكيل كانت داعية إلى الشراء دون البيع (¬3). 4 - أن عبد الله وعبيد الله (¬4) ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم خرجا في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو أمير البصرة، فرحَّب بهما وسَهَّل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مالٌ من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك، ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأُرْبِحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر، قال: أكُلُّ الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا. فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين، فأسلفكما. أَدّيا المالَ ورِبْحَه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص هذا المال أو هلك لضمنّاه، فقال عمر: أَدّيَاه. فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين. . . لو ¬
جعلته قِرَاضًا؟ (¬1) فقال عمر: قد جعلته قراضًا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال (¬2). وجه الدلالة: أن ابني عمر استثمرا مالًا من أموال الله - كما في الأثر -، فدلَّ ذلك على جواز مثل هذه الصورة (¬3)، وأموال الزكاة من أموال الله تعالى، فيجوز استثمارها، وفي الأثر لم يعترض عمر رضي الله عنه على ابنيه لاستثمارهما هذا المال، وإنما اعترض عليهما؛ لأن أبا موسى رضي الله عنه خصهما بالمال لينتفعا من ورائه دون غيرهما، فيدل ذلك على إقرار عمر لهما على الاستثمار. ونوقش: بأن الأثر ليس فيه نص على أن المال كان من أموال الزكاة؛ وإنما كان لبيت المال، فلا علاقة له بالزكاة (¬4). ويمكن أن يُجاب ذلك بأن المال المُسْتَثمَر وُصِف بأنه (مال الله)، وهذا الوصف ينطبق على الزكاة، وعلى فرض أنه لم يكن زكاةً، فإنه يمكن قياس مال الزكاة عليه بجامع أن كلًّا منهما حق مالي لله تعالى. ¬
ويُلحظ في هذا الأثر أن ابني عمر يضمنان هذا المال، ويمكن استثمار أموال الزكاة بهذه الصورة، وذلك بأن تُدفع الأموال لمن يستثمرها بجزء من الربح على أن يضمنها كما في هذا الأثر؛ لأنها مال الله (¬1). 5 - أن بعض الفقهاء والمفسّرين قد توسّعوا في مصرف (في سبيل الله)، فجعلوه شاملًا لكل وجوه الخير من بناء الحصون وعمارة المساجد وبناء المصانع، وغير ذلك ممَّا فيه نفع للمسلمين (¬2). وإذا جاز صرف الزكاة في جميع وجوه الخير، جاز صرفها في إنشاء المصانع والمشاريع ذات الريع التي تعود بالنفع على المستحقين (¬3). ونوقش: بعدم التسليم بمعنى مصرف (في سبيل الله) المذكور، فلا تؤيده الأدلة، ولم ينقل عن فقيه معروف، بل الفقهاء متفقون على أن المراد بمصرف (في سبيل الله) الجهاد في سبيل الله وما في معناه، كما تقدم تقرير ذلك وترجيحه (¬4). 6 - القياس على استثمار المستحقين للزكاة بعد قبضها ودفعها إليهم بقصد الاستثمار، فإذا جاز دفعها إليهم بقصد استثمارها لتأمين كفايتهم وتحقيق إغنائهم جاز استثمارها وإنشاء مشروعات صناعية أو زراعية، تدر على المستحقين ريعًا دائمًا ينفق في حاجة المستحقين، ويؤمن لهم أعمالًا دائمة تتناسب مع إمكاناتهم وقدراتهم (¬5). ¬
ونوقش: بأن هذا قياس مع الفارق، ففي استثمار المستحقين لأموال الزكاة تحقق شرط التّمليك، أي: أنهم استثمروها بعد أن ملكوها، وصارت من جملة أموالهم، وهذا بخلاف استثمار الأموال من قِبَلِ الإمام أو نائبه، حيث لم يتحقَّق شرط التّمليك (¬1). وأجيب: بأن هذا مبني على اشتراط التّمليك في دفع الزكاة، وهذا ليس مسلَّمًا بإطلاق، فيمكن القول بأنه يتحقَّق التّمليك الجماعي للمستحقين عند استثمار أموالهم من قِبَلِ الإمام أو مَن ينيبه (¬2). 7 - قياس استثمار أموال الزكاة من قِبَلِ الإمام أو من يُنِيبُه على استثمار أموال اليتامى من قِبَل الأوصياء؛ لأنه نوعٌ من حفظ ماله من التلف والاستهلاك، وهو مقيَّد بأمان العاقبة، والتصرّف وفق المصلحة لقول الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] (¬3). وإذا جاز استثمار أموال الأيتام، وهي مملوكة لهم حقيقةً، جاز استثمار أموال الزكاة قبل دفعها إلى المستحقين لتحقيق منافع لهم، فهي ليست بأشد حُرمةً من أموال اليتامى (¬4). ونوقش: بعدم التسليم بهذا القياس لما يلي: أولًا: أن استثمار مال اليتيم خاص بالأموال الزائدة عن حاجاته الأصلية، بدليل وجوب الزكاة فيها، أما أموال الزكاة فالغالب أنها لا تزيد عن حاجات ¬
المستحقين، ولو زادت يمكن نقلها إلى مكان آخر؛ ولذا لا يجوز قياس استثمار أموال الزكاة المشغولة بحاجات المستحقين على استثمار أموال اليتامى الزائدة عن حاجتهم (¬1). ثانيًا: أن مال الزكاة واجب الدفع إلى المستحقين على الفور، ولا يُحجر عليهم التصرف فيه، أما مال اليتيم فإنه يُنْتَظر فيه بلوغه الرشدَ وتحقق أهلية التصرف فيه، فلا يجب الدفع إليه فورًا، بل هو على التراخي؛ ولذا يُستفاد من استثماره وتنميته حتى لا ينقص بالإنفاق عليه وبإخراج الزكاة منه (¬2). 8 - قياس استثمار أموال الزكاة من قِبَلِ الإمام أو من ينيبه على استثمار مال الوقف، بجامعِ أنّ كلًّا منهما مالٌ تعلَّق به استحقاقٌ يُقصَدُ به البر والتقرُّب إلى الله تعالى، فتعلّق حق الفقير بمال الزكاة، وتعلُّق حق الموقوف عليه بالوقف، فكما أنه يجوز تنمية مال الوقف والاستفادة من منفعته، فكذا يجوز هذا في مال الزكاة، وإذا جاز للناظر التصرف في الأوقاف بتنميتها واستثمارها لمصلحة الموقوف عليهم، جاز للإمام التصرف في أموال الزكاة باستثمارها لمصلحة المستحقين (¬3). ونوقش: بأنه قياس مع الفارق؛ وذلك لما يلي: أولًا: أن تعريفات الفقهاء مع اختلاف عباراتها متفقة على أن المقصود من الوقف منفعة الموقوف وريعه مع بقاء رقبته وعينه (¬4)، ونظرًا لأن الموقوف عليه لا ¬
يملك رقبة الموقوف؛ فإنه لا يتمكن من الانتفاع بها إلا بطلب غلتها وثمرتها، فجاز له استثمارها، أما الزكاة فإن المستحقين لها يملكون رقبة الأموال وما ينشأ عنها من منفعة، فافترقا من هذا الوجه (¬1). ثانيًا: أنّ مِن أركان الوقف أن يكون هناك واقف، وفي استثمار أموال الزكاة لا يوجد واقف؛ لأن أموال الزكاة قبل قبضها من قبل المستحقين ليست مملوكةً لهم حقيقةً حتى يقفوها، كما أنها ليست مملوكة للمزكين أو للإمام (¬2). وقد أجيب ذلك بأن هذه الحالة ذات شَبَهٍ بالوقف من بعض الوجوه، وليست مطابقةً له، وما دام الأمر كذلك، فليست بحاجة لتوفُر أركان الوقف وشروطه (¬3). 9 - القياس على تقديم الزكاة قبل الحول لمصلحة المستحقين وسَدِّ حاجتهم، فإذا جاز تقديم الزكاة لصالح المستحقين، جاز تنميتها واستثمارها لصالحهم من باب أولى (¬4). ويناقش: بأن النصوص جاءت بجواز تقديم الزكاة، بخلاف التأخير، فقد ترجح عدم جوازه، مع كون الاستثمار يتعرض للتأخير والخسارة. 10 - العمل بالاستحسان (¬5) في هذا المسألة خلافًا للقياس، فالأصل عدم جواز تأخير صرف أموال الزكاة لاستثمارها، إلا أن الحاجة ماسَّة إلى ذلك في هذا ¬
الترجيح
العصر، نتيجةً لاختلاف البلاد وأنظمة العيش وأنماط الحياة، ولما يترتب على ذلك من مصلحة المستحقين المتمثِّلة في تأمين موارد مالية ثابتة لسد حاجاتهم المتزايدة (¬1). ونوقش: بأن الاستحسان لا بد أن يكون مبنيًّا على دليل أو مسوّغ شرعي (¬2). ويمكن أن يُجاب ذلك بما أُورِدَ من الأدلة الشرعية على جواز استثمار أموال الزكاة، مع الحاجة الكبيرة إلى ذلك (¬3). 11 - أن تَصَرُّف الإمام منوط بالمصلحة، وله صلاحيات في تحقيق المقاصد الشرعية، ومن ذلك ما يتعلق بمراعاة حال المحتاجين في المجتمع، وولي الأمر يملك بمقتضى ولايته تطوير الموارد الاقتصادية لسد حاجة الفقراء وتحقيق العدل الاجتماعي، ولا بد لتحقيق ذلك من زيادة أموال الزكاة بطريق الاستثمار المشروع، وهذا ما تقتضيه المصلحة العامة، فلا ينبغي سد باب اجتهاد الإمام في هذا الجانب (¬4). الترجيح: يتبين مما تقدم من أدلةٍ أن الواجب المبادرةُ بصرف أموال الزكاة لمستحقيها، سواء كان ذلك من المالك أو من الإمام، إلا أن ذلك لا يتعارض مع جواز استثمار بعض تلك الأموال لصالح مستحقيها إذا رأى الإمام الحاجةَ إلى ذلك بضوابط شرعية تتحقق فيها المصلحة من الاستثمار أو تغلب على المفسدة إن وجدت، وترجح هذا على القول بمنع استثمار أموال الزكاة مطلقا لما يلي: ¬
1 - سلامة بعض أدلة القائلين بجواز الاستثمار، بخلاف القائلين بعدم جواز ذلك، حيث نوقشت أدلته وأجيب عنها. 2 - أن للإمام التصرف في أموال الزكاة عند الحاجة لذلك بما يحقق مصلحة المستحقين، إذا لم يتعارض ذلك مع النصوص الشرعية، وقد قرر الفقهاء هذا في نصوصهم الفقهية، ومن ذلك قول بعض المالكيَّة: "إذا قلنا بنقل الزكاة إلى البلد المحتاج، واحتاجت إلى كِراء يكون من الفيء. . .، فإن لم يكن فيء، أو كان ولا أمكن نقلها، فإنها تباع في بلد الوجوب، ويُشْترى بثمنها مثلُها في الموضع الذي تُنْقل إليه إن كان خيرًا " (¬1). وقال النووي: "إذا وقعت ضرورة، بأن أشرفت بعض الماشية على الهلاك، أو كان في الطريق خطر، أو احتاج إلى رد جُبْران أو إلى مئونة نقل، فحينئذٍ يبيع " (¬2). وقال ابن قدامة: "وإذا أخذ الساعي الصدقة، واحتاج إلى بيعها لمصلحةٍ من كلفةٍ في نقلها أو مرضها، أو نحوهما فله ذلك " (¬3). فيتبين مما تقدم جواز تصرف الإمام أو نائبه، كالساعي وغيره في أموال الزكاة عند الحاجة لذلك، سواء كان ذلك بالبيع أو غيره، مما لا يفوت معه حق الفقراء، ومن ذلك: التصرف باستثمار أموال الزكاة وتنميتها وتكثيرها، فهي حاجة تسوِّغ بيع بعض الأموال والمتاجرة بها لصالح المستحقين، ما لم يترتب عليهم ضرر (¬4). ¬
3 - أن الفقهاء قرروا أحكامًا في الزكاة على خلاف الأصل الذي دلت عليه الأدلة، مراعاة لمصلحة المستحقين، وتحقيقًا للمقاصد الشرعية من الزكاة، كتجويز إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة؛ لأنه أرفق بالمزكي والمستحق (¬1)، فكذا هنا يجوز تأخير صرف الزكاة لتنميتها لصالح المستحقين بالاستثمار المأمون. 4 - أن استثمار أموال الزكاة يحقق من المصالح ما يرجح على المفسدة المظنونة بالتأخير أو الفوات، وذلك لقلة أموال الزكاة مع كثرة حاجة المصارف الزكوية المتنوعة، فالنقص أو التأخير في دفعها لأهلها عند استحقاقها هو آني مؤقت، لكنه على المدى البعيد نماء ومضاعفة لأموال الزكاة، إلا أن تلك المصالح المترتبة على الاستثمار إنما تكون بعد توفر الضوابط الشرعية لذلك العمل، حتى لا يتجنى المستثمرون للأموال الزكوية على المستحقين في سائر المصارف المنصوصة، ولذا فإنه يحسن بيان تلك الضوابط التي تحقق المصالح الشرعية التي جوّزت مخالفة الأصل القاضي بتعجيل تلك الأموال إلى مصارفها، وعدم التأخر في توزيعها. وقد صدرت بذلك فتوى الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة وكان نص المقصود منها ما يلي: يجوز استثمار أموال الزكاة بالضوابط التالية: 1 - ألا تتوافر وجوه صرف عاجلة تقتضي التوزيع الفوري لأموال الزكاة. 2 - أن يتم استثمار أموال الزكاة - كغيرها - بالطرق المشروعة. 3 - أن تتخذ الإجراءات الكفيلة ببقاء الأصول المستثمرة على أصل حكم ¬
الزكاة، وكذلك ريع تلك الأصول. 4 - المبادرة إلى تنضيض (تسييل) الأصول المستثمرة إذا اقتضت حاجة مستحقي الزكاة صرفها عليهم. 5 - بذل الجهد للتحقق من كون الاستثمارات التي ستوضع فيها أموال الزكاة مجدية ومأمونة، وقابلة للتنضيض عند الحاجة. 6 - أن يُتَّخَذ قرار استثمار أموال الزكاة ممن عَهِدَ إليهم ولي الأمر بجمع الزكاة وتوزيعها لمراعاة مبدأ النيابة الشرعية، وأن يسند الإشراف على الاستثمار إلى ذوي الكفاية والخبرة والأمانة (¬1). ... ¬
المبحث الثاني تكاليف استثمار أموال الزكاة
المبحث الثاني تكاليف استثمار أموال الزكاة
المبحث الثاني تكاليف استثمار أموال الزكاة إن أبرز ما يندرج تحت هذا العنوان هو نفقات القائمين على استثمار أموال الزكاة، وإن كان المشروع الاستثماري لا يخلو من مصاريف ونفقات لا تتعلق بالقائمين على الاستثمار، وإنَّما تتصل باستئجار المواقع الاستثمارية أو الأجهزة والخدمات ونحوها، إلا أن تلك التكاليف تُحسم من الأرباح لكونها من متطلبات العمل الاستثماري (¬1). أما محل البحث هنا فهو في حكم إعطاء القائمين على استثمار أموال الزكاة رواتب ومكافآت من الزكاة لقاءَ قيامهم باستثمار الأموال الزكوية، ومقدار ذلك إن جاز، وذلك ينبني على تحديد صفة هؤلاء المستثمرين لتلك الأموال، وقد تقدم اعتبارهم من العاملين على الزكاة (¬2)، وذلك لما يلي: ¬
1 - أن عموم دلالة لفظ العاملين على الزكاة الذي يشمل كلّ من احتيج إليه فيها يصدق على القائمين بالاستثمار؛ لكونه عملا في مصلحة تنمية مال الزكاة، كما يمكن الاستدلال على أخذهم بقياسهم على المنصوص عليه لدى الفقهاء، كالساعي على الزكاة، بجامع العمل في الزكاة من كل منهما. 2 - أن منفعة استثمار الزكاة وتنميتها لا تقل عما يذكره الفقهاء من وظائف تندرج تحت وصف العاملين عليها، إذا تحققت فيها الشروط اللازمة من أمن المخاطرة بتلك الأموال، وعدم وجود الحاجة الماسة إليها التي تحول دون استثمارها، بل ربما كان في استثمار أموال الزكاة من المحافظة عليها وتنميتها لإفادة أكبر عدد من المستحقين ما لا يكون في غيرها من وظائف العاملين على الزكاة. فيتبين مما تقدم مشروعية الصرف من سهم العاملين على الزكاة للقائمين على استثمار أموال الزكاة، وذلك مشروطٌ بِعَدَمِ أخذهم من بيت المال راتبا دوريًّا، وكونهم من المعنيِّين باستثمار أموال الزكاة لا غيرها من الأوقاف أو الصدقات (¬1). فإن استحقوا الأخذ فإن مقدار ذلك الأجر يكون بقدر عملهم، كما هو الحال في حق العاملين عليها المنصوص عليهم عند عامة الفقهاء، (¬2) فيفرض لهم ولي الأمر ¬
ما يراه أجرًا مناسبًا للعمل الذي قاموا به، مراعيا في ذلك الجهد المبذول، والمبالغ المستثمرة، والمكانة التجارية للمستثمرين ونحو ذلك مما يؤثر إيجابًا في الاستثمار. وفي تأصيل ذلك يقول الإمام مالك -رحمه الله-: "الأمر عندنا في قَسْم الصدقات أن ذلك لا يكون إلا على وجه الاجتهاد من الوالي، فأيُّ الأصناف كانت فيه الحاجة والعدد أُوْثِر ذلك الصنف بقدر ما يرى الوالي، وعسى أن ينتقل ذلك إلى الصنف الآخر بعد عام أو عامين أو أعوام، فيؤثر أهل الحاجة والعدد حيث ما كان ذلك، وعلى هذا أدركت من أرضى من أهل العلم، وليس للعامل على الصدقات فريضة مسمَّاة إلا على قدر ما يرى الإمام " (¬1). * * * ¬
المبحث الثالث زكاة مال الزكاة المستثمر
المبحث الثالث زكاة مال الزكاة المستثمر
المبحث الثالث زكاة مال الزكاة المستثمر تقدم بيان مشروعية استثمار مال الزكاة بالضوابط الشرعية المذكورة، إلا أن استثمار هذا المال يتطلب زمنا قد يتجاوز الحول، وهو الوقت الذي تجب فيه الزكاة في المال المستجمع للشروط، وعند النظر في مال الزكاة المستثمر نجد أن ذلك لا يخلو من حالين: الحال الأولى: ألا يكون لهذا المال مالك معين، وإنما أخرجه الأغنياء من ملكهم وقبضه الإمام أو نائبه، ولم يصل لمستحقه بعد، هذه هي الحالة الغالبة في مثل تلك الأموال المستثمرة، فالظاهر عدم وجوب الزكاة حينئذ لما يلي: أولًا: عدم تحقق شرط الملك في المال المستثمر؛ ذلك أنه خرج من ملك المزكي ولم يقبضه المستحق أو يستحق لمعين، وإنما هو في حوزة الإمام أو نائبه، لصرفه في مصارفه الشرعية، وقد تقدم تقرير اشتراط أن يكون المال مملوكًا لمعين لتحقق شرط تمام الملك، (¬1) وهذا ما لم يتحقق هنا. ثانيًا: أن الزكاة لو وجبت في أموال الزكاة المُسْتثمرة لوجب في هذه الزكاة زكاةٌ أيضًا إذا عُزِلت ولم يُبادَر بصرفها حتى حال عليها الحول، وهذا يُفضي إلى ¬
الحال الثانية
التسلسل (¬1)، وهو باطل، فما أفضى إليه فهو باطل أيضًا. ثالثًا: أن هذه الأموال الزكوية المستثمرة لها مصارف معينة، ولو أوجبنا الزكاة فيها، فإن مصارف هذه الزكاة الواجبة هي بعينها مصارف الأموال المستثمرة، فلا فائدة من اقتطاع شيء من هذه الأموال باسم الزكاة؛ لأن مصارفهما واحدة (¬2). رابعًا: قياس أموال الزكاة المستثمرة على المال الموقوف على غير معين في عدم وجوب الزكاة (¬3) بجامع أن كلا منهما حق مالي واجب لله ليس له مالك معين (¬4). الحال الثانية: أن يكون استثمار أموال الزكاة بعد تعيين المستحقين لها، كما في وقف بعض الأصول الاستثمارية، وجَعْل ريعها زكاة للمستحقين، فإن الظاهر في مثل تلك الحال عدم وجوب الزكاة أيضا في الأصل الموقوف وريعه؛ وذلك لأنه قد تقرر أن المستغلات لا تجب الزكاة في عينها، لا سيما في مثل تلك الحال لعدم تحقق شرط تمام الملك في الأصل الموقوف، وإنما يتحقق ذلك للمستحق في الربح بعد قبضه، كما أن الزكاة لا تجب في الغلة إلا بعد حَوَلَان حولٍ على قبضها من مالك وبلوغها نصابا (¬5). وقد عمد بعض الباحثين إلى تخريج الخلاف والحكم في هذه المسألة على ¬
زكاة المال الموقوف على معين، (¬1) ولا أرى وجاهة ذلك إلا إذا لم نشترط حولا للغلال الناتجة من هذا الأصل، وهو ما لا نرجحه، لما تقدم تقريره في موضعه، فأما إذا اشترطنا حولان الحول على ما بلغ نصابًا من تلك الغلال فإن مؤدى ذلك عدم وجوب الزكاة فيها عندئذ، وأما النظر في تحقق موجبات الزكاة فيها بعد حولان حولها فهو متحقق في كل الأموال الزكوية. * * * ¬
الفصل الخامس نوازل زكاة الفطر
الفصل الخامس نوازل زكاة الفطر وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: توكيل الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية لإخراجها المبحث الثاني: إخراج القيمة في زكاة الفطر المبحث الثالث: حكم نقل زكاة الفطر للبلدان البعيدة المبحث الرابع: صرف المؤسسة الزكوية لزكاة الفطر بالمبالغ المتوقعة قبل استلامها لها
المبحث الأول توكيل الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية لإخراجها
المبحث الأول توكيل الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية لإخراجها تقدم حكاية الاتفاق على مشروعية التوكيل في إخراج الزكاة، (¬1) وقد استدل الفقهاء على ذلك بأدلة منها: 1 - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث عمَّاله لجباية الزكاة من أصحاب الأموال ثم تفريقها على مستحقيها، كما في حديث معاذ رضي الله عنه عندما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، ومما جاء فيه: "فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم" (¬2). وجه الدلالة: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ معاذًا بأن يخبرهم بأن عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم نيابةً عنهم، وهذا يدل على جواز النيابة في تفريق الزكاة، وإذا جازت النيابة بغير طلب من المنوب عنه جازت الوكالة من باب أولى (¬3). ¬
الحال الأولى
2 - أن الزكاة عبادة مالية محضة، فيجوز للمالِك أن يوكِّل غيره فى إخراجها، كما يجوز له أن يوكل في قضاء ما عليه من الدَّيْن والنذر والكفارة (¬1). 3 - أن الحاجة قد تدعو إلى الوكالة لتعذر قيام المالك بإخراج الزكاة في بعض الأحوال (¬2). إذا تقرر هذا فإن التوكيل يكون لأصناف منها الجمعيات الخيرية في بلاد المسلمين، ولها حالان: الحال الأولى: أن تكون نائبة عن المزكي، وذلك هو الغالب في الجهات الخيرية التي لم تكلف من قِبَلِ الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها؛ ولم يؤذن لها بذلك (¬3) ويتحقق التوكيل بدفع المزكي الزكاة للجمعية لتوزيعها على الفقراء، أو بأن يدفع لها المبلغ النقدي لتقوم هي بشراء زكاة الفطر وتوزيعها، فيكون المزكي في تلك الحالة مُعَيَّنا، بخلاف الفقير؛ فهو غير معين، مما يمتنع معه التوكيل منه (¬4). ¬
الحال الثانية
الحال الثانية: أن تكون نائبة عن المزكي والفقير معا، وذلك إذا كانت جهة الزكاة حكومية أو مكلفة من الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها، أو مأذونًا لها بذلك (¬1) فتكون وكيلة عن الغني لكونه دفع الزكاة لها، وطلب منها توزيعها على المستحقين، وتكون نائبة عن الفقير لكونها مكلفة من الإمام وهو نائب عن الفقراء (¬2). لا سيما إن كان الفقراء معينين لدى تلك الجمعيات. وبناء على مما تقدم فإنه يجوز في الحال الأولى تقديم زكاة الفطر قبل العيد ولو بمدة طويلة من المزكي إلى الجمعية الخيرية المأذون لها بجمع الزكاة وتوزيعها؛ لأنه ليس إخراجا، وإنما الإخراج هو بإقباض الجمعية للفقير. وأما تأخير إخراجها من الجمعية عن يوم العيد فإنه لا يجوز في الحال الأولى التي تكون فيها الجمعية نائبة عن المزكي، فأما الحال الثانية فيجوز تأخيرها لها لنيابتها عن الفقير، ويتقوى هذا بتعيين الفقراء. ¬
وأما المراكز الإسلامية في البلاد غير الإسلامية فيظهر لي إلحاقها بالحال الثانية فتكون نائبة عن الإمام في القيام بجمع الزكاة وتفريقها على مستحقيها؛ لعدم وجود إمام للمسلمين في بلاد الكفار، والإمام نائب عن الفقراء، مع كونها نائبة عن المزكي أيضا كما تقدم (¬1). * * * ¬
المبحث الثاني إخراج القيمة في زكاة الفطر
المبحث الثاني إخراج القيمة في زكاة الفطر اتفق الفقهاء على مشروعية إخراج زكاة الفطر من الأنواع المنصوصة (¬1) كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير (¬2)، وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه: كنا تخرج زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب (¬3) وأما إخراج قيمتها للفقير، سواء كان ذلك بغير سبب، أو بسبب؛ كحاجة الفقير للنقود، أو تعذر شراء المزكي لزكاة الفطر، أو لكون إخراجها نقدًا هو الأيسر جمعًا وحفظًا ونقلًا وتوزيعًا لجهات الجمع كالجمعيات ونحوها (¬4)، فقد اختلف فيه الفقهاء في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر على قولين: ¬
القول الأول
القول الأول: عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، وهو مذهبُ الجمهور من المالكية (¬1) والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3). القول الثاني: جواز إخراج القيمة في في كاة الفطر مُطْلَقًا، وهو مذهب الحنفية (¬4). الأدلة (¬5): أدلة القول الأول: 1 - قول ابن عمر رضي الله عنه: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر صاعًا من تمر وصاعًا من شعير. . (¬6). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض الصدقة من تلك الأنواع، فمَنْ عدل إلى القيمة فقد ترك المفروض (¬7). ¬
ونوقش: بأن ذِكْرَ هذه الأنواع ليس للحصر، وإنما هو للتيسير ورفع الحرج، فإخراج تلك الأنواع المنصوصة أيسرُ من إخراج غيرها من الأموال، فقد عين النبي - صلى الله عليه وسلم - الطعام في زكاة الفطر لندرته بالأسواق في تلك الأزمان، وشدة احتياج الفقراء إليه لا إلى المال، فإن غالب المتصدقين في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كانوا يتصدقون إلا بالطعام (¬1). ويجاب: بأننا إن سلمنا بأن ذكر تلك الأصناف ليس للحصر، فهي مقدمة على غيرها ما لم تظهر مصلحة إخراج القيمة، ولا يُسَلَّمُ القول بتسويتها بغيرها، وأن ذِكْرها لكونها هي المتيسرة، لا سيما وأن قيمة زكاة الفطر يسيرة لا تشق على أكثر الناس، فلما لم تذكر القيمة مطلقا دل على تقديم إخراجها طعاما. 2 - عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نُخْرجها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من طعام، وكان طعامنا التمر والشعير والزبيب والأقط (¬2). وجه الدلالة: أن الصحابة رضي الله عنه لم يكونوا يخرجونها من غير الطعام، وتتابعهم على ذلك دليل على أن المشروع إخراجُها طعامًا (¬3). 3 - أن ابن عباس رضي الله عنه قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفطر طُهْرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعْمةً للمساكين (¬4). ¬
وجه الدلالة: أن الطُّعمة تكون بما يُطْعِم، ولا تكون بالدراهم التي تُقْضَى بها الحاجات، مما يدل على أن إخراج زكاة الفطر طعاما مقصود للشارع (¬1). 4 - أن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنسٍ معين، فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين، كما لو أخرجها في غير وقتها المعين (¬2). 5 - أن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، وشكرًا لنعمة المال، والحاجات متنوعة، فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به (¬3). 6 - ولأن مُخْرِجَ القيمة قد عَدَلَ عن المنصوص، فلم يُجزئه، كما لو أخرج الرديء مكان الجيد (¬4). ونوقش: بأنه إنما عدل عنه لكون ذلك هو الأصلح للفقير والأدفع لحاجته، مع عدم وجود الدليل المانع من ذلك (¬5). 7 - أن إخراج زكاة الفطر من الشعائر، فاستبدال المنصوص بالقيمة يؤدي إلى إخفائها وعدم ظهورها (¬6). ¬
أدلة القول الثاني
8 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرضها من أصناف متعددة مختلفة القيمة، فدل على إرادة الأعيان، ولو كانت القيمة معتبرةً لفَرَضَها من جنس واحد، أو ما يعادله قيمة من الأجناس الأخرى (¬1). ونوقش: أولًا: بأن ذلك من قياس الحاضر على الغائب المجهول، فإنهم قاسوا عصرهم على عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وظنوا أن هذه الأشياء لما كانت مختلفةَ القيم في عصرهم، كانت كذلك في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أمر يحتاج إلى نقل صريح في إثباته، وإلا فالأزمنة تختلف في الأسعار، ومساواة الأشياء وتفاضلها. ثانيًا: أن هذه دعوى غير مسلمة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - غاير بين هذه الأشياء ولم يسو بينها (¬2). أدلة القول الثاني (¬3): 1 - أن الواجب في الحقيقة إغناء الفقير لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم" (¬4)، والإغناء يحصل بالقيمة؛ لأنها أقرب إلى دفع الحاجة (¬5). ويناقش: بأن الحديث ضعيف، وأن الإغناء كما يكون بالمال يكون بالطعام أيضًا. ¬
2 - أن الأصل في الصدقة المال، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} (¬1)، والمال في الأصل ما يملك من الذهب أو الفضة، وبيان الرسول للمنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج، لا لحصر الواجب (¬2). ويناقش: بعدم التسليم بهذا الأصل، فالمال يطلق على كل ما يتمول، ومن ذلك بهيمة الأنعام والحبوب، والأنواع المنصوصة في زكاة الفطر، فالأصل في زكاة كل نوع ما ورد فيه. 3 - إذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان، فجوازها في الزكاة المفروضة على الرقاب -زكاة الفطر- أولى؛ لأن الشرع أوجب الزكاة في عين الحب، والتمر والماشية، والنقدين، كما في حديث معاذ الذي قاله له النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه لما بعثه إلى اليمن: "خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر" (¬3) ولما كان الحال كذلك اقتضت حكمة الشرع البالغة أمر الناس في عهد النبوة بإخراج الطعام ليتمكن جميعهم من أداء ما فرض عليهم، ولا يحصل لهم فيه عسر، ولا مشقة؛ وذلك لأن النقود كانت نادرة الوجود في تلك الأزمان ببلاد العرب ولا سيما البوادي منها، وخصوصًا الفقراء، فلو أمر بإعطاء النقود في الزكاة ¬
المفروضة على الرؤوس لتعذر إخراجها على الفقراء بالكلية، ولتعسر على كثير من الأغنياء الذين كان غناهم بالمواشي والرقيق، والطعام، أما الطعام فإنه متيسر للجميع، ولا يخلو منه منزل إلا من بلغ به الفقر منتهاه، فكان من أعظم المصالح، وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر، العسر إخراجه إلى الطعام المتيسر وجوده، وإخراجه لكل الناس. ويناقش: بعدم التسليم بإطلاق هذا التعليل، إذ التشريع لكل زمان ومكان، كما أن قيمة زكاة الفطر يسيرة، والدراهم والدنانير كانت شائعة في زمنهم، ولا تشق على كثير منهم، مع كون الزكاة فيها معنى التعبد الذي يتحقق يقينًا بإخراج الطعام في زكاة الفطر. 4 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غاير بين القدر الواجب من الأعيان المنصوص عليها، مع تساويها في كفاية الحاجة، وسد الخلة فأوجب من التمر والشعير صاعًا، ومن البر نصف صاع (¬1)، وذلك لكونه أعلى ثمنًا لقلته بالمدينة في عصره، فدل على أنه اعتبر ¬
القيمة، ولم يعتبر الأعيان، إذ لو اعتبرها لسوى بينها في المقدار (¬1). ويناقش: بأن اعتبار القيمة هنا لا يلغي اعتبار النوع، فهما جميعًا معتبران. 5 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للنساء يوم عيد الفطر: "تصدقن ولو من حليكن" (¬2). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستثن صدقة الفرض من غيرها (¬3). ويناقش: بأنه لو كان المقصود زكاة الفطر لما أمرهن بها فى الخطبة بعد الصلاة، وقد أمر المسلمين أن يؤدوها قبل الصلاة (¬4). 6 - أن الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)} (¬5). وجه الدلالة: أن المال هو المحبوب، فإن كثيرًا من الناس يهون عليه إطعام الطعام، ويصعب عليه دفع ثمن ذلك للفقراء، بخلاف الحال في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذا كان إخراج الطعام في حقهم أفضل لأنه أحب، وإخراج المال في عصرنا أفضل، لأنه إلينا أحب (¬6). ¬
ويناقش: بأن هذا التفريق بين العصرين في ذلك لا دليل عليه، ثم إنه لو سلم فيحمل على صدقة التطوع، أما الفرض فيتبع فيه المشروع، ويكون هو الأفضل. 7 - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم" (¬1) وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيد الإغناء بيوم العيد ليعم السرور جميع المؤمنين، ويستوي فيه الغني والفقير، وهذا المعنى لا يحصل اليوم بإخراج الحب الذي ليس هو طعام الفقراء والناس كافة، ولا في إمكانهم الانتفاع به ذلك اليوم حتى لو أرادوا اقتياته على خلاف العادة (¬2). ويناقش: بما تقدم من تضعيف الحديث (¬3). 8 - أن مراعاة المصالح من أعظم أصول الشريعة، وحيثما دارت تدور معها، فالشريعة كلها مبنية على المصالح ودرء المفاسد (¬4). ¬
الترجيح
ويناقش: أن ذلك مسلم فيما إذا كانت المصلحة الظاهرة في إخراج القيمة، أما إذا كان ثم مصلحة معتبرة في إخراج الطعام فهو مقدم لكونه ورد النص به. الترجيح: يترجح القول بمنع إخراج القيمة في زكاة الفطر، فإن عدم انتفاع الفقير بها لاستغنائه عن الطعام فإن القول بجواز إخراج القيمة عندئذ متجه، وفي مثل ذلك يقول شيخ الإسلام في إخراج القيمة في زكاة المال: "وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك -إلى قوله- والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدر النبي - صلى الله عليه وسلم - الجبران بشاتين أو عشرين درهما، ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقا فقد يعدل المالك إلى أنواع ردئية، وقد يقع في التقويم ضرر؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل، فلا بأس به مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزيه ولا يكلّف أن يشتري ثمرا أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك، ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كاف ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة، ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء كما نقل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يقول لأهل اليمن: ائتوني بخميص أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من ¬
المهاجرين والأنصار (¬1)؛ وهذا قد قيل إنه قاله في الزكاة، وقيل في الجزية (¬2). ويمكن أن يستفاد من ذلك منعه إخراج القيمة في زكاة الفطر أيضًا إلا عند الحاجة أو المصلحة؛ لانتفاء الفارق المؤثر في مثل هذا الحكم بين زكاة الفطر وزكاة المال، وهو ما يفهم أيضا من قوله في بداية الفتوى: "أما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك". ومنه يتبين ترجح ذلك لما يلي: 1 - أن فيه جمعًا بين أدلة القولين في الجملة مع المحافظة على الأصل، وهو إخراج الأنواع المنصوصة. 2 - أن النصوص حددت إخراج زكاة الفطر من الأنواع المذكورة، وما في ¬
حكمها من الأطعمة، فهي مقدمة في الإخراج على المال، لا سيما وأن في الزكاة شائبة التعبد، إلا أن ذلك لا يلغي اشتمالها على معنى مناسب ينبغي مراعاته عند الاقتضاء. 3 - أنه شرع إخراج القيمة في زكاة الفطر عند وجود المصلحة لعدم وجود المانع المطلق من إخراج قيمة زكاة الفطر، فليس دفع القيمة ضد البدل المنصوص بل هو عوض عنه، وبذلك يمكن الجمع بين الأدلة في المسألة.
المبحث الثالث حكم نقل زكاة الفطر للبلدان البعيدة
المبحث الثالث حكم نقل زكاة الفطر للبلدان البعيدة إن مما لا يخفى كثرةَ المسلمين وانتشارهم في أصقاع الأرض، إلا أن ذلك لم ينفك عن زيادة الفقر فيهم والعوز، مع تفاوتٍ في ذلك بينهم، حيث وصل الأمر في بعض البلدان إلى الموت جوعا وفقرًا، بينما الفقر في البلدان الغنية لا يصل إلى ذلك ولا يدانيه؛ لذا فقد اتجه بعض الأفراد والجهات إلى نقل الزكاة سواء كان منها زكاة المال أو الفِطر إلى بلدان أشد فقرًا، مما يدفع بإعادة بحث المسألة، وإبرازها، مع كونها قد بحثها الفقهاء قديمًا، سواء منها زكاة المال أو الفطر، فحكمهما في النقل لدى الفقهاء واحد، وإنما الاختلاف بينهما في الموطن الزكوي (¬1)، فموطن زكاة ¬
تحرير محل النزاع
المال التي يشرع إخراجها فيه هو مكان وجود المال؛ لتعلق الزكاة به (¬1)، وأما في زكاة الفطر فهي متعلقة بالمخرج نفسه لا بماله، فيكون المشروع إخراجها حيث هو (¬2). تحرير محل النزاع: اتفق الفقهاء على أن أهل كل بلد أولى بصدقتهم من غيرهم (¬3). ¬
القول الأول
كما اتفقوا على مشروعية نقل الزكاة من موضعها إذا استغنى أهل ذلك الموضع عن الزكاة كلها أو بعضها (¬1). واختلفوا في حكم نقلها إذا كان في البلد مستحق لها على أقوال: القول الأول: لا يجوز نقل الزكاة عن البلد الذي وجبت فيه، وهو قول الجمهور من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). القول الثاني: يكره نقل الزكاة عن البلد الذي وجبت فيه لغير قريب وأحوج، وهو قول الحنفية (¬5). أَدلة القولين: أدلة القول الأول: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذًا -رضي الله عنه - إلى أهل اليمن، قال له: "فَأَعْلِمهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخذ من أكنيائهم وتُرَدُّ في فقرائهم" (¬6). ¬
وجه الدلالة: أنه - صلى الله عليه وسلم - بَيَّن أن الزكاة تؤخذ من أغنياء البلد فترد في فقرائه كما يفيده الضمير في قوله: "فقرائهم". وهذا يعم زكاة المال والفطر (¬1). ونوقش: بأن الضمير في "فقرائهم" يعود على المسلمين جميعًا (¬2). وأجيب: بأن معاذًا أمر بأخذ الصدقة من أهل اليمن وردها فيهم، ولم يؤمر بأخذها من عموم المسلمين، فالضمير لمعهودٍ، وهو أهل البلد المذكور (¬3). 2 - أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - أنكر على معاذ لما بعث إليه بثلث صدقة الناس، وقال له: لم أبعثك جابيًا، ولا آخِذَ جزيةٍ، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدًا يأخذه مني. . . (¬4). 3 - ما رُوِيَ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كتب: من خرج من مخلاف (¬5) إلى مخلاف، فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته (¬6). ¬
أدلة القول الثاني
وجه الدلالة: أن معاذًا رضي الله عنه جعل مكان الصدقة هو مكان الأهل والمال، ولم يجعل لمن خرج عنهما نقل زكاة ماله حيث خرج (¬1). 4 - أن فقراء البلد قد اطلعوا على أموال الأغنياء، وتعلقت بها أطماعهم، والنقل يوحشهم، فكان الصرف إليهم أولى (¬2). أدلة القول الثاني: 1 - استدلوا بأدلة القول الأول، وحملوا الكراهة على التنزيه، لأن المصرف هو مطلق الفقراء، وهو يصدق على أهل البلد وغيرهم (¬3). 2 - رعاية حق الجوار في دفعها لأهل البلد دون نقلها لغيرهم من الأبعدين (¬4). الترجيح: يظهر مما تقدم أن الأصل توزيع الزكاة في بلدِ جَمْعِهَا؛ لقوة أدلة القول الأول، ولما في ذلك من تحقيق التكافل الاجتماعي، ودفع الضغينة بين الفقراء والأغنياء، ولما فيه من تحقيق الاكتفاء الذاتي من كل إقليم وناحية، فلا يحتاجون إلى غيرهم، مما يدفع عنهم مشقة استتباع الغير والركون إليهم. إلا أن ذلك لا يمنع من نقل الزكاة والخروج عن الأصل إذا رأى أهل الاجتهاد ¬
ومن صور تلك المصلحة التي يجوز نقل الزكاة لأجلها
تقرير ذلك، قال ابن زنجويه (¬1): السُّنّة عندنا أن الإمام يبعث على صدقات كل قوم من يأخذها من أغنيائهم ويفرقها في فقرائهم، غير أن الإمام ناظر للإسلام وأهله، والمؤمنون إخوة، فإن رأى أن يصرف من صدقات قوم لغناهم عنها إلى فقراء قوم لحاجتهم إليها فعل ذلك على التحري والاجتهاد (¬2). وقد أفتى بنحو ذلك شيخ الإسلام، حيث نص على جواز نقل الزكاة وما في حكمها لمصلحة شرعية (¬3). ومن صور تلك المصلحة التي يجوز نقل الزكاة لأجلها: 1 - أن يكون فقراء البلد الآخر أشد حاجة، وقد نص على ذلك الحنفية (¬4) والمالكية (¬5)، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (¬6). فيجوز نقل الزكاة إليهم؛ لأن المقصود من الزكاة سدُّ خَلَّةِ الفقير، فمن كان أحْوَجَ كان أولى، ويؤيد ذلك عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ المومنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد" (¬7). ¬
2 - أن يكون المنقول إليه قريبا محتاجا، وقد نص عليه الحنفية (¬1) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (¬2)، وقد استدلوا لذلك بما جاء في فضل الصدقة على القريب المحتاج، ومن ذلك ما جاء في حديث زينب امرأة ابن مسعود (¬3) أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تصدقن يا معشر النساء ولو من حليِّكن". قالت: فرجعتُ إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيفُ ذاتِ اليد (¬4)، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بالصدقة، فَأْتِه فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنتِ. قالت: فانطلقتُ، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أُلْقِيَتْ عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتامٍ في حجورهما؟ ولا تخبره مَنْ نحن، قالت: فدخل بلال على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من هما؟ " فقال: امرأة من الأنصار، وزينب. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أي الزيانب؟ " قال: امرأة عبد الله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لهما أجران؛ أجر القرابة، وأجر الصدقة" (¬5). ¬
3 - أن تنقل الزكاة من بلدها إلى مَنْ هو أنفع للمسلمين من الفقراء، كأهل العلم وطلبته، فقد نص الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) على مشروعية نقل الزكاة لهم لفضلهم ونفعهم للمسلمين. فيتبين مما تقدم مشروعية توزيع الزكاة في البلد الذي جُمِعَتْ فيه، ويجوز نقلها إلى بلد آخرَ وَفْقَ الضوابط التالية: 1 - وجود مسوغ شرعي يقدره أهل الاجتهاد، كما تقدمت الإشارة لبعض صوره. 2 - عدم نقل الزكاة كلها من البلد ما دام فيها مستحق، وإنما ينقل جزء منها؛ لأحقية أهل البلد بها، مع جواز نقل المالك لجميع زكاته عند وجود المقتضي؛ لأنها جزء من زكاة البلد. 3 - كون الطريق مأمونا؛ لأن الزكاة مستحقة للغير، فلا يجوز المخاطرة في تضييعها، فإنْ خَاطَرَ بذلك وضاعت أو تلفت ضمنها (¬3). * * * ¬
المبحث الرابع صرف المؤسسة الزكوية لزكاة الفطر بالمبالغ المتوقعة قبل استلامها لها
المبحث الرابع صرف المؤسسة الزكوية لزكاة الفطر بالمبالغ المتوقعة قبل استلامها لها تعمد بعض المؤسسات الخيرية إلى تقدير مبلغ معين لشراء زكاة الفطر، وذلك في أول أو أوسط شهر رمضان، ثم دفعه عن أناس غير معينين، يدفعون الزكاة بلا إنابة منهم في إخراج تلك الزكاة، وسبب اللجوء لذلك هو تهيئة الوقت الكافي للقيام بتوزيع تلك الزكوات علَى المستحقين، حيث يتعذر ذلك قبل العيد بيوم أو يومين مع كثرة المستحقين وتفرقهم، فيتبين مما تقدم أنه لا بد من بيان مسألتين قبل معرفة حكم صنيع تلك المؤسسات. المسألة الأولى: حكم اشتراط النية في أداء الزكاة ذهب عامة الفقهاء إلى أن النية شرط في أداء الزكاة (¬1) ¬
واستدلوا بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات" (¬1) (¬2). ولأنها عبادة تتنوع إلى فرض ونفل، فافتقرت إلى النية كالصلاة (¬3). وحُكِيَ عن الأوزاعي (¬4) مخالفته للفقهاء فلم يوجب النية عند أداء الزكاة (¬5). واستدل لذلك: بأنها دَيْنٌ، فلا تجب لها النية، كسائر الديون، ولهذا يخرجها ولي اليتيم، ويأخذها السلطان من الممتنع (¬6). ¬
وأجيب بمفارقتها قضاء الدين؛ فإنه ليس بعبادة، ولهذا يسقط بإسقاط مستحقه، وولي الصبي والسلطان ينوبان عند الحاجة، وإنما سقطت النية عنهما لتعذرها منهما (¬1). فيتقرر مما تقدم أنه لا يجزئ إخراج الزكاة إلا بنية من المزكي، وذلك إنَّما يكون بفعله، أو بعلمه وإذنه بإخراجها. أما إذا أذن الناس للمؤسسة الزكوية أو كان هناك عرف بإخراج صدقة الفطر عنهم ولو قبل دفعهم إياها، فإن الظاهر من نصوص الحنفية والمالكية جواز ذلك، فقد قال في الهداية: "لو أدى عنهم -أي زكاة الفطر- أو عن زوجته بغير أمرهم أجزأه استحسانًا لثبوت الإذن عادة" (¬2). قال الشارح في العناية: "قوله: (ولو أدى عنهم) ظاهر، وهو استحسان، والقياس ألا يصح كما إذا أدى الزكاة بغير إذنها. وجه الاستحسان أن الصدقة فيها معنى المؤنة فيجوز أن تسقط بأداء الغير وإن لم يوجد الإذن صريحًا، وفي العادة أن الزوج هو الذي يؤدي عنها، فكان الإذن ثابتًا عادة" (¬3). وقال في شرح مختصر خليل: "وإن أداها عنه أهله أجزأه، وإليه أشار بقوله: (وجاز إخراج أهله عنه) إذا ترك عندهم ما يخرج منه، ووثق بهم وأوصاهم، زاد في التوضيح: أو كانت عادتهم" (¬4). قال في الذخيرة: "فإذا أخرج أهله وكان ذلك عادتهم، أو أمرهم أجزأه، وإلا ¬
المسألة الثانية: حكم إخراج زكاة الفطر من أول شهر رمضان أو أوسطه اختلف الفقهاء في حكم إخراج زكاة الفطر من أول شهر رمضان أو أوسطه على أقوال
تخرج على الخلاف فيمن أعتق عن غيره بغير إذنه وعلمه، والإجزاء أحسن" (¬1). المسألة الثانية: حكم إخراج زكاة الفطر من أول شهر رمضان أو أوسطه اختلف الفقهاء في حكم إخراج زكاة الفطر من أول شهر رمضان أو أوسطه على أقوال: القول الأول: جواز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تعجيلها أكثر من ذلك، وهو مذهب المالكية (¬2) والحنابلة (¬3). القول الثاني: جواز إخراجها من منتصف شهر رمضان، وهو قول عند الحنابلة (¬4). القول الثالث: جواز إخراجها من أول الشهر، وهو قول عند الحنفية (¬5) والمذهب عند الشافعية (¬6)، وقول عند الحنابلة (¬7). ¬
القول الرابع
القول الرابع: جواز تعجيلها مطلقًا، ولو قبل رمضان، وهو مذهب الحنفية (¬1). أدلة الأقوال: أدلة القول الأول: 1 - أن ابن عمر -رضي الله عنه - قال: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين. (¬2). وجه الدلالة: أن ابن عمر نقل فعل الصحابة -رضي الله عنهم- بضمير الجمع الدال على الاتفاق، ولا يتفق الصحابة إلا على الحق، لصدورهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 2 - ولأن التقديم يومًا أو يومين لا يخل بحكمة التشريع، وهو إغناء الفقير عن المسألة في يوم العيد، وأما تقديمها أكثر من ذلك فقد يتسبب في فنائها منه قبل يوم العيد، فلا يحصل به الإغناء المقصود (¬4). دليل القول الثاني: القياس على تعجيل أذان الفجر، والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل. ويناقش: بأنه قياس مع الفارق؛ لأن تعجيل أذان الفجر لا يُقصد به دخول وقتها، وأما الدفع من مزدلفة فإنما أُجِيز بعد منتصف الليل بغروب القمر، لورود الترخيص الشرعي في ذلك، مع تحقق المكث أكثر الليل، وهذا ليس موجودا هنا، بل الترخيص اقتصر على اليومين فيلتزم؛ لموافقته حكمة زكاة الفطر، وهي إغناء الفقير في يوم العيد. ¬
دليل القول الثالث
دليل القول الثالث: 1 - أن سبب الصدقة هو الصوم والفطر منه، فإذا وُجِدَ أحد السببين، جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب (¬1). ونوقش: بأن سبب وجوبها هو الفطر بدليل إضافتها إليه، أما زكاة المال فسببها ملك النصاب، فالقياس مع الفارق (¬2). 2 - أن التقديم بيوم أو يومين جائز باتفاق المخالف، فألحق الباقي به قياسا بجامع إخراجها في جزء منه (¬3). ويناقش: بأن القياس مع الفارق؛ لأن التقديم بيوم أو يومين منقول كالإجماع من الصحابة، وهو لا يؤثر على الحكمة التشريعية في إغناء الزكاة للفقير يوم العيد لقرب الزمن، بخلاف التقديم الكثير فهو مخالف لذلك. دليل القول الرابع: أنه وُجِدَ سبب الوجوب، وهو رأسٌ يمونه ويلي عليه، والتعجيل بعد وجودِ السبب جائزٌ كتعجمِل الزكاة (¬4). ويناقش: بما تقدم، من أن سبب الوجوب هو الفطر، وأن الحكمة فيما يظهر من هذه الزكاة هو إغناء الفقير في يوم العيد، وقياسها على زكاة المال قياسٌ مع الفارق؛ لثبوت السبب فيها، ووقوع التعجيل بعده، بخلاف زكاة الفطر. الترجيح: يترجح لي القول الأول، وهو عدم جواز تعجيل الزكاة قبل العيد بأكثر من ¬
يومين؛ لوروده عن الصحابة رضي الله عنهم، ولكونه المناسبَ لحكمة التشريع، حيث يتمكن الفقير في اليومين من تهيئة الزكاة ليوم العيد، وقبل ذلك تذهب منه. فإذا تقرر القول باشتراط النية في زكاة الفطر من المزكي، وعدم جواز تعجيلها قبل العيد بأكثر من يومين، فإنه يتبين عندئذ أنه لا يجوز للمؤسسات الزكوية ولا غيرها إخراجُ الزكاة من أول شهر رمضان أو وسطه بالمبالغ المتوقعة، لا سيما وأن تلك عبادة يجب فيها الاقتصار على الوارد، مع كونه هو الموافق في الظاهر لمقاصد التشريع من تلك العبادة (¬1). وإن كان ذلك لا يمنع من دفع الزكاة قبل اليومين للوكيل سواء كان شخصًا أو جهة. وأما ما يُذكر من أن ضيق الوقت قد يحول دون شرائها ثم توزيعها، فإن ذلك قد يمكن تلافيه بإخراج القيمة في زكاة الفطر، لكونها أسهل في الجمع والتوزيع، وقد تقرر جواز ذلك إذا اقتضته المصلحة الشرعية، كما هو الحال هنا، والله أعلم. * * * ¬
الخاتمة
الخاتمة
الخاتمة الحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، ذي الفضل والإنعام، الذي يسر وأعان على التمام، فها هو البحث قد كملت مسائله، وتذللت مصاعبه، فكان لا بد من بيان أبرز النتائج والتوصيات التي توصلتُ إليها في هذا البحث، فأقول مستعينا بالله متوكلًا عليه: 1 - النوازل في الزكاة هي الحوادث الجديدة التي تحتاج لحكم شرعي. 2 - لا يخلو تأثير الديون الاستثمارية في بلوغ النصاب الزكوي من أقسام: أ - إذا كانت الديون لتمويل أصول ثابتة بقصد الاستثمار وزيادة الأرباح، وكانت زائدة عن الحاجات الأصلية للمدين، فإن هذه الديون تجعل في مقابل تلك الأصول، ولا تُنقص من الأموال التي في يده والغلة المستفادة له. ب - إذا كانت الديون لتمويل أصول ثابتة ضرورية لا تزيد عن حاجة المدين الأصلية، فيُنقص الدين الحال، وهو القسط السنوي، من وعاء المدين الزكوي، ولا يُنقص الدين المؤجل لما تقدم. وبذلك يتبين أثر هذه الديون على نصاب ما بيد المدين من أموالٍ زكوية، وأنَّ الديون تُنقص من تلك الأموال، ثم ينظر ما بقي، فإن كان نصابًا زُكّي، وإلا فلا. جـ - إذا كانت الديون لتمويل عمل تجاري، فيُنقص القسط السنوي عندئذٍ
من قيمة العروض والأموال التي في يده، ويزكي ما تبقى، أما المؤجل من الأقساط فلا ينقص كما تقدم. 3 - إن تأثير الديون الإسكانية في بلوغ النصاب الزكوي لا يخلو من أحوال: الأول: أن تكون الديون الإسكانية لبناء بيت يسكنه المستدين بلا إسراف، ويكون الدين مقسطًا، فيُنقص القسط السنوي من الأموال الزكوية التي في يده، ويزكي ما بقي إن بلغ نصابًا، وبذلك يتبين أن لهذه الديون أثرًا في النصاب، فقد يستغرق الدين الحال النصاب أو ينقص المال الزكوي عن بلوغ النصاب فتسقط الزكاة عنه. الثاني: أن تكون الديون الإسكانية المؤجلة، لبناء بيت يزيد عن حاجته أو فيه إسراف وتبذير، فإنَّ هذا الدَّين يجعل في مقابل القسم الزائد عن حاجته من العقار، فإن استغرق الدين ما زاد من العقار السكني، ولم يفضل الدين على العقار فإنه يزكي ما بيده من أموال زكوية ولا يتأثر نصابها بالدين، وإن فَضَلَ الدين على العقار، فينقص القسط الحال في سنة الدين من أمواله الزكوية، ويزكي ما بقي إن بلغ ماله نصابًا. الثالث: أن تكون الديون الإسكانية المؤجلة لغرض استثماري، فإنَّ الدَّين الإسكاني في هذه الحالة استثماري فينطبق عليه ما تقدم في القسم الثالث من المسألة السابقة، فينقص قسط الدين الحال من قيمة الوحدات السكنية، ولا ينقص مما بيده من أموال زكوية إلا إذا استغرق الأصول الثابتة (الوحدات السكنية)، أما الأقساط المؤجلة من الدين فلا تؤثر في نصاب المال الزكوي.
4 - لا أثر للتضخم النقدي، في المقدرات بالنص الشرعي من الأموال الزكوية، كالنقدين وسائمة الأنعام والحبوب والثمار، وكذا لا تأثير له في نصاب الأوراق النقدية إلا من جهة انخفاض قيمتها التبادلية وقوتها الشرائية، فيرتفع مقدار نصابها؛ لتغير قيمة النصاب الذي تعتبر به، وهو نصاب الذهب والفضة، فقد يصبح نصاب الأوراق النقدية الذي أوجبنا الزكاة عند بلوغه قبل التضخم مما لا تجب الزكاة فيه؛ لانخفاض قيمة الأوراق النقدية بسبب التضخم. 5 - الأصل هو احتساب الزكاة وَفْق التاريخ الهجري، ولا ينبغي الاعتداد بالتاريخ الميلادي في ذلك إلا عند وجود المشقة المعتبرة بناء على جواز تأخير إخراج الزكاة للحاجة، مع وجوب احتساب الفرق بين التاريخ الهجري والميلادي، فتُصبح نهاية الحول الميلادي زمنًا للإخراج وليست وقتًا للوجوب. 6 - أن مقدار نصاب الزروع والثمار وهو خمسة أوسق يساوي بالمقاييس الحديثة بوحدة قياس الحجم ستمائة وعشرة كيلوات وخمسمائة جرام، ويساوي بوحدة قياس الثقل سبعمائة وتسعة وعشرين لترًا. 7 - لا تأثير لنفقات الري بالوسائل الحديثة على القدر الواجب إخراجه زكاة لا زيادةً ولا نقصًا، كما أنه لا تأثير لزيادة الأرباح باستخدام تلك الوسائل في زيادة القدر المخرج زكاة ورفعه عن نصف العشر. 8 - حكم الثمار المعدة للتجارة لا يخلو من حالين: أ - أن يكون مالكها يزرعها ثم يبيعها، فيترجح زكاتها زكاة العين بإخراج العشر أو نصفه من الزروع والثمار، والمتعيّن غالبًا في هذه الأزمان هو نصف العشر، لوجود الكلفة في الزراعة والتخزين ونحوها من متطلبات الزراعة الحديثة.
ب - أن يكون مالكها يشتري المحصول بعد حصاده ليبيعه، فتجب فيها زكاة التجارة؛ لأنها عروض تجارة. 9 - لا تخلو الحيوانات المتخذة للاتّجار بنتاجها كالألبان ونحوها من قسمين: الأول: أن تكون مما تجب الزكاة في عينه، كسائمة بهيمة الأنعام فلا يخلو الأمر من حالين: أ - أن تكون تلك الحيوانات سائمة -وهذا نادر في واقع الحال- فالأقرب هو القول الثاني، وهو إيجاب الزكاة فيها إذا بلغت نصابًا وحال حولها، ويعتبر إنتاجها من الألبان ونحوها مالًا آخر تجب الزكاة فيه إذا اتخذ للتجارة، وحال الحول عليه، وبلغ نصابًا، فيزكى زكاة التجارة، فإن بيع فيزكى ثمنه وأرباحه بعد حَوَلان الحول على إنتاجه وبلوغه النصاب، فإن تعسر ذلك فيمكن تحديد يوم في السنة لتزكية جميع ما لدى المزكي من النصاب. ب - ألا يتحقق فيها وصف السَّوْم -وهو الغالب- فالراجح هو القول الثالث وهو تزكية غلتها بعد حولان حول عليها. القسم الثاني: أن تكون الحيوانات المنتجة مما لا تجب الزكاة في عينه كالغزلان والطيور والوحوش، فالراجح عدم إيجاب الزكاة في الأصل وهو الحيوان؛ لأنه مما لا تجب الزكاة في عينه، كما أنه ليس عرض تجارة يقلب في البيع والشراء، وإنما هو مال يستفاد من غلته لبيعها لغرض التجارة، فيترجح القول بزكاة الغلة زكاة عروض تجارة من عينها أو ثمنها عند حولان الحول على استفادتها وبلوغها النصاب. 10 - أن زكاة المصانع تكون بتزكية صافي غلالها بعد حولان الحول على بداية إنتاج المصنع.
11 - ما تم تصنيعه من بضائعَ معدةٍ للبيع يجب تزكيتها زكاة التجارة، باحتساب قيمتها السوقية إذا استكملت حولًا ونصابًا. 12 - وجوب الزكاة في المواد الخام المملوكة بنية التجارة إذا بلغت نصابًا وحال عليها الحول، فتقوّم عندئذ وتخرج منها زكاة التجارة. 13 - ما لا يدخل في تركيب المصنوع مما يحتاج إليه في التصنيع كمواد التشغيل، والصيانة كالوقود والزيوت ونحوها لا تقوّم ولا تجب زكاتها. 14 - إنَّ نصاب الأوراق النقدية يكون ببلوغها أدنى نصابي الذهب أو الفضة. 15 - الأقرب تكييف المال المودع في الحساب الجاري بأنه قرض من مُودِع المال للمصرف، وهو في حكم المليء الباذل، فيكون الحكم في زكاته كالحكم في زكاة الدين إذا كان على مليء باذل، وهو وجوب الزكاة على المقترض (الدائن) كلما حال على المال حول ولو لم يقبضه، فإن تعسّر ضبط هذا لكثرة حركة المال في الحساب الجاري على مدى العام، فإنَّ المزكي يعيِّن يومًا في السنة ويزكي فيه المال المودع في الحساب الجاري. 16 - لا تخلو زكاة الأسهم من حالين: الأولى: أن يكون المزكِّي هو المساهم -وهذا هو الأصل الواجب شرعًا- فإن الزكاة تكون بحسب نوع الشركة ونية المساهم مع ملاحظة ما يلي: أ - بلوغ أسهم المزكي نصابًا بنفسها أو بضمها لأمواله الزكوية إذا كان له حكمها، ويراعى في ذلك حسم قيمة الأصول الثابتة والمصاريف الإدارية، والديون المستحقة الحالة على الشركة، وكذا على المساهم.
ب - تطبيق زكاة النقود على الفوائض النقدية، وزكاة التجارة على البضائع التجارية الموجودة في الشركات الزراعية والصناعية. جـ - في حال عدم تمكن المساهم من العلم بموجودات الشركة الزكوية لاحتساب زكاتها فإنه يخرج ربع عشر قيمة السهم الدفترية. الثانية: أن يكون المزكي هو الشركة المساهمة، كما لو نص في نظام الشركة الأساسي، أو صدر به قرار الجمعية العمومية للشركة، أو ألزم بذلك قانون الدولة، أو فوض المساهم الشركة بإخراج زكاة أسهمه، فإن حكم الزكاة عندئذ يكون باعتبار أموال المساهمين كمال الشخص الواحد، من جهة نوع المال وحوله ونصابه مع ملاحظة ما يلي: أ - عدم أخذ الزكاة على أموال غير المسلمين لفقدهم أهم شروط الزكاة وهو الإسلام. ب - بالنسبة للمضارب بالأسهم، فإنه لا يكتفي بزكاة الشركة، بل يجب عليه إخراج الفرق بين زكاة الشركة بالقيمة الحقيقية للسهم وبين زكاته بالقيمة السوقية، كما أن الشركات الصناعية لا تزكي إلا ريع السهم الصافي، بينما يجب عليه أن يزكي كامل قيمته، مع حسم ما أخرجته الشركة إذا علم بمقداره، فإن شق معرفة ذلك على المضارب فإنه يخرج الزكاة بالنظر لقيمة الأسهم السوقية. 17 - تجب الزكاة في أصل السند الربوي مع عدم مشروعية زكاة الفوائد الربوية، بل يجب التخلص منها في مصارف خيرية مشروعة، وتكون زكاة مبلغ الدين كاملا، وذلك بحسب قيمته الحقيقية. 18 - لا يخلو حكم الزكاة في الصناديق الاستثمارية من حالين:
أ - أن تكون استثماراتها في نشاط معين مثل النشاط الصناعي أو الزراعي، فلها حكم زكاة هذا النشاط كما تقدم بيانه وتفصيله في زكاة الأسهم. ب - أن تكون استثماراتها في النشاط التجاري بتقليب المال بيعا وشراء، وهو الغالب، فلا يخلو ذلك من أحد حالين: الحال الأولى: أن تكون حقيقة العلاقة بين الطرفين المتعاقدين هي المضاربة التجارية، فلا تجب الزكاة على العامل -وهو الجهة الاستثمارية المديرة للصندوق- إلا بعد استحقاقه لنصيبه، ويكون ذلك بعد ثبوت الربح له بالقسمة، وحولان حول عليه إن كان نصابا، أما رب المال فتجب الزكاة فيه عليه بعد حولان حول على نصابه، فيحتسب ماله وأرباحه، وتخرج زكاته للربح. الحال الثانية: أن تكون حقيقة العلاقة بينهما هي الوكالة بأجر، فتكون زكاة الصندوق الاستثماري، بالنسبة لرب المال هي زكاة مال التجارة، فيحتسب رأس ماله وربحه، ويزكيه بإخراج ربع عشره، إن بلغ ماله نصابا، وحال حول زكاته. وأما زكاة أجرة العامل في هذه الصورة، فحكمها كحكم زكاة المال المستفاد، إذا كان من جنس نصاب عنده، وليس من نمائه، فيشترط لإيجاب الزكاة فيه حَوَلان الحول عليه بعد استفادته إن كان نصابًا. فيحسب العامل -وهو إدارة الصندوق الاستثماري- ما له، فإن كان نصابًا ابتدأ حوله من حين استحقاقه للمال. 19 - لا تجب الزكاة في المال العام، سواء كان مستثمرا أم غير مستثمر، ومن ذلك الشركات المملوكة للدولة، أو نصيب الدولة التي تملكه في بعض الشركات. 20 - وجوب زكاة قسط أو دفعة التأمين على المؤمن، وتكون صفة زكاة التأمين
بالنسبة لشركات التأمين التجارية بأن تحسب الشركة رأس مالها وأرباحها، مع الديون المرجوة لها عند الغير، وتخصم الديون التي عليها، وقيمة أصول الشركة من الوعاء الزكوي، وتخرج قدر زكاة التجارة (ربع العشر) من المال المتبقي بعد ذلك. 21 - لا زكاة في أقساط التّأمين التعاوني أو دفعاته التأمينية على المؤمن والمؤمن له، إلا في حالة انقضاء السنة المالية وزيادة مبالغ التأمين التعاوني بعد تغطيتها للأخطار المؤمن ضدها، فإن للمؤمّنين الحقَّ في استعادة الفائض المالي بالنسبة بين جميع الشركاء، ما لم يتفق على خلاف ذلك، كأن يكون هذا الفائض من نصيب شركة التأمين التعاوني لقاء إدارتها لأموال التّأمين، فإنه والحالة هذه يجب تزكية المال الفائض وما نشأ عنه من أرباح بعد حول من تحققه لشركة التّأمين؛ لكونها لم يستقر ملكها إياه قبل ذلك. 22 - عدم وجوب زكاة الراتب التقاعدي ومكافأة التقاعد على الموظف، لعدم تمام الملك، وأما الدولة فلا تجب زكاتها عليها كذلك؛ لأنها جهة عامة لا تملك. 23 - لا تجب الزكاة في مكافاة نهاية الخدمة قبل استحقاقها بنهاية الخدمة، وصدور قرار صرفها للموظف العامل، وتزكى بعد حَوَلان حول من قبضها من مستحقها. 24 - يزكى الراتب الشهري زكاة المال المستفاد، فيحسب حول لكل راتب من حين تملكه، ويزكيه إن بلغ نصابًا، إلا أنه لمّا كان ضبط ذلك شاقًّا، فإنّه يشرع للمكلف تحديد يوم في السنة لزكاة رواتب السنة كلها، فينظر ما لديه من نصاب ويزكيه، فما كان منه قد حال عليه الحول فقد وجبت زكاته، وما لم يَحُلْ حوله فإن زكاته تكون زكاة معجلة.
25 - عدم وجوب الزكاة في حقوق التأليف والابتكار، ووجوبها في الاسم التجاري والترخيصِ والعلامة التجارية إذا تحققت فيها شروط زكاة عروض التجارة، لا سيما وأنَّ بيع تلك الحقوق قد يكون بمعزل عن آثارها، ويتضح ذلك في الحقوق التي ليس لها آثار، كالترخيص التجاري قبل استحداث المنشأة التجارية ونحو ذلك، فإنه متى أعد المال للتجارة حقًّا كان أو عَيْنًا وجبت زكاته بعد استيفاء شروط وجوبها. 26 - حكم زكاة العين المؤجرة إيجارًا منتهيًا بالتّمليك يتخرج على حكم زكاة المستغلات، فتجب الزكاة فيما غل منها بعد حولان الحول على الغلة، لا في كامل قيمة العين. فيجب على مالك العين المؤجرة -وهو المؤجر- زكاة أقساط الأجرة التي يستلمها إذا حال عليها الحول بعد قبضها، فإن شق ضبط حول كل قسط لها فيمكنه تحديد وقت معين يزكي فيه ما اجتمع له من مال زكوي من تلك الأقساط. 27 - وجوب زكاة الثمن على المستصنع ما لم يقبضه الصانع، أو يستحقه، كما يجب على الصانع زكاة المصنوع ما لم يقبضه المستصنع أو يستحقه، وذلك لتحقق ملك المستصنع لثمن المصنوع، وتحقق ملك الصانع لعين المصنوع ومواده التي يتركب منها، مع عدم تحقق ملك الصانع للثمن ما لم يقبضه أو يستحقه، فإن قبضه فقد تملكه، وإن استحقه ولم يقبضه فتنطبق عليه أحكام زكاة الدَّيْن، وهي إنما تجب إن كان الدين على مليء باذل، كما أن ملك المستصنع للمصنوع لا يتحقق ما لم يقبضه أو يستحقه، فإن استحقه ولم يقبضه فتجري عليه أحكام زكاة الديون كما تقدم، إلا أن إيجاب الزكاة في المصنوع أو ثمنه، إنَّما يكون في حال وجودهما لدى مالكهما، وإعدادهما للتجارة. 28 - الغنى المانع من أخذ الزكاة هو ما تحصل به الكفاية، فمن وجد من المال ما يكفيه ويكفي مَن يمونه، فهو غني لا تحل له الزكاة، ومن لم يجد ذلك حلتْ له
الزكاة ولو كان يملك نصابا، وأما تحديد الكفاية المعتبرة فإنه يرجع للعرف؛ لأنه ورد مطلقًا في الشرع فيضبط بالعرف. 29 - الأصل عدم مشروعية حفر بئر للفقراء من مال الزكاة لعدم تحقق التّمليك لهم، لكن يجوز شرعا تمليك مال الزكاة لأهل المنطقة الفقراء، ثم يوجهون إلى وضعه في حفر بئر يبيحون الانتفاع بها لهم ولغيرهم، فإن تعذر ذلك فيتوجه القول بالجواز بالضوابط التالية: أ - أن تكون الحاجة إلى حفر البئر ظاهرة. ب - أن يغلب على الظن استسقاء الفقراء منه دون غيرهم، كما لو كان في منطقة تختص بهم. جـ - أن يغلب على الظن أنه عند تمليكهم وتوجيهم بحفر البئر أن ذلك لن يتحقق. د - ألا يمكن حفر البئر من غير مال الزكاة. 30 - يشرع صرف الزكاة لبناء أو شراء بيتٍ للفقراء والمساكين بالضوابط التالية: أ - ألا يكون الفقير قويا مكتسبا، يسدِ كسبه حاجته لو اكتسب، وإنما تصرف حينئذٍ في شراء ما يحتاجه من أدوات الكسب إن احتاج. ب - أن تكون قيمة البيت مناسبة لحال الفقراء بلا إسراف ولا إقتار. جـ - ألا توجد وجوه صرفٍ ضرورية عاجلة تقتضي الصرف الفوري للأموال كالغذاء والكساء، فإن وجدت فإنها تقدم. د - فإن غلب على الظن تحصيلهم قيمة الإيجار كل سنة، فإنّ الأولى
عندي هو عدم صرف مال الزكاة في شراء البيت، ليستفيد منها عددٌ أكبر من الفقراء في دفع حاجاتهم المتكررة. 31 - يجوز صرف الزكاة في دفع قيمة التكاليف الدراسية للطلبة الفقراء للحاجة الكبيرة للدراسة، ولكن ينبغي أن يضبط جواز ذلك بما يلي: أ - أن يكون عِلمًا مباحًا نافعًا لدارسه ومجتمعه. ب - أن تكون التكاليف الدراسية المدفوعة من الزكاة بالمعروف، فلا تزيد عن القيمة المعتادة. 32 - جواز صرف الزكاة في تزويج الفقير العاجز عن تكاليف الزواج. 33 - تجويز صرف الزكاة لعلاج الفقراء لا بد له من ضوابط، وهي على النحو التالي: أ - ألا يتوفر علاجه مجانًا، فإن توفر، فلا يجوز صرف الزكاة متى كان الاستطباب محققًا للمقصود من دفع المرض، مع عدم المنة في ذلك. ب - أن يكون العلاج لما تمس الحاجة لمعالجته من الأمراض. جـ - أن يراعى في مقدار تكاليف العلاج عدم الإسراف والإقتار، فمتى تحقق المقصود من العلاج بتكاليف أقل لم يلجأ إلى ما هو أعلى من ذلك؛ لأن القصد هو دفع المرض، فمتى تحقق ذلك بمقدار كانت مجاوزته سرفًا، وهو محرم. 34 - العاملون على الزكاة هم كل من يُعَيِّنُهم أهل الحل والعَقْد في الدول الإسلامية، أو يُرَخِّصُون لهم، أو تختارهم الهيئات المعتبرة للقيام بجمع الزكاة وتوزيعها وما يتعلق بذلك من توعيةٍ بأحكام الزكاة، وتعريف بأرباب الأموال
وبالمستحقين، ونقل وتخزين وحفظ وتنمية واستثمار. 35 - ينقسم الموظفون في المؤسسات المختصة بجباية الزكاة وتوزيعها قسمين: القسم الأول منهم: من يتقاضى مرتبا دوريا من بيت المال (الدولة) كما هو الحال في أقسام جباية الزكاة الحكومية التي تديرها الدولة، فهؤلاء لا يستحقون الأخذ من هذا المصرف لأخذهم أجرا على عملهم. القسم الثاني: العاملون في المؤسسات والجهات الأهلية المستقلة عن الدوائر الحكومية في إدارتها المباشرة، والمموَّلة من المحسنين، فهؤلاء ينطبق عليهم وصف العاملين في الزكاة ذكورا كانوا أم إناثًا. ويراعى في إعطائهم الضوابطُ التالية: أ - أن يكون العمل الذي يقوم به الموظف مما يحتاج إليه في جمع الزكاة وتوزيعها، سواء كان من الأعمال المباشرة للجمع والتوزيع أو من الأعمال المساعدة في ذلك، كالذي يقوم به المحاسبون والباحثون الشرعيون، والإداريون، ونحوهم ممن يحتاج إليهم للقيام بمهمة العاملين في الزكاة، ولو كثروا. ب - أن يراعى في ذلك إعطاء العامل بقدر عمله، وهو موجب العدل معه، فلا ينقص من حقه، وموجب العدل مع غيره فلا يزاد في نصيب العامل، فيترتب على ذلك النقص على باقي المستحقين. 36 - لا يجوز الصرف من مصرف العاملين عليها للمؤسسات التي ترعى المسلمين الجدد إلا بشرط التمليك، فيجوز صرف الزكوات التي يتملكها أولئك المسلمون، أما ما لا يُملك منها لمعين كالذي يصرف في شؤون المؤسسة الإدارية
والوظيفية ونحو ذلك، فينظر في الصرف عليه مصرفًا أو موردا غير الزكاة. 37 - أن المؤلفة قلوبهم صنفان: 1 - كفار. 2 - ومسلمون. فأما الصنف الأول: وهم الكفار، فينقسمون قسمين أيضا: أ - من يرجى إسلامه فيعطى لترغيبه في الإسلام. ب - من يخشى شره فيعطى لكف شره. وأما الصنف الثاني: وهم المسلمون، فعلى أربعة أقسام: أ - من يرجى بعطائهم إسلام نظرائهم من الكفار. ب - من يرجى بعطائهم قوة إيمانهم. جـ - من يرجى بعطائهم دفعهم عن المسلمين ونصرتهم لهم. د - من يرجى بعطائهم جبايتهم الزكاة ممن لا يعطيها. فكل هؤلاء يشملهم عموم قوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}، فيجوز إعطاؤهم الزكاة. 38 - مشروعية صرف الزكاة لرؤساء الدول الفقيرة والقبائل الكافرة إذا كان ذلك يؤلف قلوبهم للإسلام، لما فيه من استنقاذ لهم من النار، ودعوة لغيرهم للإيمان، وتقوية لدين الإسلام. 39 - المراد بمصرف الرقاب: إعتاق الأرقاء من المسلمين، كما يشمل المصرف المكاتبين، وفكاك أسرى المسلمين، ولا يشمل ذلك المصرف تحرير الشعوب الإسلامية من الكافرين.
40 - المراد بمصرف سبيل الله: نصرة الدين بالجهاد بالنفس والمال واللسان، فيشمل ذلك قتال الكفار والدعوة إلى الله، ومن الصور المعاصرة لهذا المصرف: أ - إنشاء وتمويل مصانع المسلمين الحربية وأسلحتهم ومعاهد التدريب العسكرية لديهم. ب - طبع الكتب والمجلات العسكرية والتوجيهية للمقاتلين المسلمين مما يحتاجونه في جهادهم. جـ - إنشاء مراكز دراسات لمواجهة خطط الأعداء. د - إنشاء مكاتب الدعوة والإرشاد، وتمويلها بما تحتاج إليه لتحقق مهمتها. هـ - طباعة الكتب والنشرات التي تهدف لنشر العلم الشرعي والدعوة إلى الله، ونسخ الأشرطة الإسلامية التي تُعْنَى بذلك، لا سيما فيما يتعلق بدعوة غير المسلمين. و- دعم حلقات تحفيظ القرآن وتمويلها بما تحتاج إليه. ز - إنشاء وتمويل المواقع الإسلامية في الشبكة العالمية المختصة ببيان الحق وهداية الخلق. ح - تأسيس القنوات الفضائية الإسلامية ودعمها لتحقيق المقصود من إنشائها. ط - إنشاء الإذاعات الإسلامية ودعمها؛ لكي يصل صوت الحق إلى أصقاع الأرض، ونحو ذلك من الوسائل الحديثة التي يتحقق بها المقصود من الدعوة إلى الله ببيان الهدى ودين الحق، فذلك من الجهاد بالبيان، وهو من أسباب نصرة الدين وهداية العالمين التي لم يشرع الجهاد إلا لها. 41 - ابن السبيل هو: المسافر المنقطع في سفره عن ماله، فلا يستطيع العودة
إلى بلده، ولا الوصول لماله، فيعطى ما يوصله إلى بلده. 42 - لا يخلو حكم المبعدين عن بلادهم وأموالهم من المسلمين عن حالين: الحال الأولى: أن ترتجى عودتهم لبلادهم، فلهم حكم أبناء السّبيل؛ لانطباق الوصف المقرر في حق أبناء السّبيل، وهو سفرهم مع انقطاعهم عن أموالهم. الحال الثانية: ألا ترتجى عودتهم، أو يطول بهم المقام مع حاجتهم، فإنهم يعطون عندئذ بوصف الفقر لا بوصف أبناء السبيل، وذلك لأن حال الإقامة في حقهم أظهر من حال السفر، كما أن إعطاء ابن السبيل إنما يكون لإيصاله لبلده التي بها ماله، فإن كان ذلك متعذرا فإنه لا يتحقق فيه موجب الإعطاء المختص بابن السبيل. 43 - المسافر لطلب العلم أو العمل إن لم يستطع الوصول لماله في بلده فلا يخلو من حالين: أ - أن يكون قد أقام في البلد الذي سافر له واستقر فيه، فليس من أبناء السبيل. ب - فإن لم يقم أو يستقر بعدُ في تلك البلاد ويغلب على الظن رجوعه قريبا فيعطى من مصرف ابن السبيل ما يعينه للعودة إلى بلاده. 44 - لا يجوز استثمار الزكاة من قِبَلِ المالك أو وكيله؛ لما يؤدي إليه من تأخير إخراجها بلا عذر مع تعرضها للخسارة. 45 - جواز استثمار بعض أموال الزكاة من الإمام أو نائبه لصالح مستحقيها إذا دعت الحاجة لذلك بضوابط شرعية تتحقق فيها المصلحة من الاستثمار، أو تغلب على المفسدة إن وجدت. ومن تلك الضوابط: أ - ألا تتوافر وجوه صرف عاجلة. ب - أن يتم استثمار أموال الزكاة -كغيرها- بالطرق المشروعة.
جـ - أن تتخذ الإجراءات الكفيلة ببقاء الأصول المستثمرة على أصل حكم الزكاة، وكذلك ريع تلك الأصول. د - المبادرة إلى تنضيض الأصول المستثمرة إذا اقتضت حاجة مستحقي الزكاة صرفها عليهم. هـ - بذل الجهد للتحقيق من كون الاستثمارات التي ستوضع فيها أموال الزكاة مجدية، ومأمونة، وقابلة للتنضيض عند الحاجة. و- أن يتخذ قرار استثمار أموال الزكاة ممن عهد إليهم ولي الأمر بجمع الزكاة وتوزيعها مراعاةً لمبدأ النيابة الشرعية، وأن يسند الإشراف على الاستثمار إلى ذوي الكفاية والخبرة والأمانة. 46 - جواز دفع زكاة الفطر قبل العيد ولو بمدة طويلة من المزكي إلى الوكيل إذا كانت الجمعية نائبة عن المزكي، وذلك هو الغالب في الجهات الخيرية التي لم تُكَلّف من قِبَل الدولة أو يؤذن لها بجمع الزكاة وتوزيعها؛ لأنه ليس إخراجًا، وإنما الإخراج هو بإقباض الجمعية للفقير. وأما تأخير إخراجها عن يوم العيد فلا يجوز؛ لأن قبض الجمعية لها قبض للوكيل من الموكل، فهي لم تصل بعد للفقير. وأما المراكز الإسلامية في البلاد غير الإسلامية فيظهر لي أنها نائبة عن المزكي والفقير معًا، وذلك إذا كانت جهة الزكاة حكومية أو مكلفة من الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها، فتكون وكيلةً عن الغني لكونه دفع الزكاة لها، وطلب منها توزيعها على المستحقين، وتكون نائبة عن الفقير لكونها مكلفة من الإمام وهو نائب عن الفقراء، فتكون نائبةً عن الإمام في القيام بجمع الزكاة وتفريقها على مستحقيها؛ لعدم وجود إمامٍ للمسلمين في بلاد الكفار، والإمام نائب عن الفقراء، مع كونها نائبة عن المزكي أيضًا كما تقدم.
47 - جواز إخراج القيمة في الزكاة عند وجود الحاجة أو المصلحة. 48 - مشروعية توزيع الزكاة في البلد الذي جُمِعَتْ فيه، ويجوز نقلها إلى بلد آخر وفق الضوابط التالية: أ - وجود مسوغ شرعي يقدره أهل الاجتهاد، كما تقدمت الإشارة لبعض صوره. ب - عدم نقل الزكاة كلها من البلد ما دام فيها مستحق، وإنما ينقل جزء منها؛ لأحقية أهل البلد بها، مع جواز نقل المالك لجميع زكاته عند وجود المقتضي؛ لأنها جزء من زكاة البلد. جـ - كون الطريق مأمونا؛ لأن الزكاة مستحقة للغير، فلا يجوز المخاطرة في تضييعها، فإنْ خاطر بذلك وضاعت أو تلفت ضَمِنَها. 49 - لا يجوز للمؤسسات الزكوية ولا غيرها دفع الزكاة للفقراء من أول شهر رمضان أو وسطه بالمبالغ المتوقعة؛ لاشتراط النية في زكاة الفطر من المزكي، وعدم جواز تعجيلها قبل العيد بأكثر من يومين. وأختم نتائج هذا البحث بالتوصيات التالية * أهمية التوسع في بحث كثير من نوازل الزكاة لتجدد صور الأموال المعاصرة ومصارفها، مما يتعذر معه استيعابها في بحوث محددة. * العناية بإيجاد البحوث المشتركة بين أهل التخصصات ذات العلاقة بالأموال الزكوية، من الفقهاء والاقتصاديين والمحاسبين؛ للخروج بنتائج تطبيقية متكاملة. * أهمية إبراز قواعد الزكاة وضوابطها وربطها بالتطبيقات الفقهية، وتأسيسها على الأدلة والمقاصد الشرعية.
* أهمية إنشاء موسوعة علمية للزكاة، تحتوي على المسائل التراثية والنوازل المعاصرة، مع اشتمالها على البحوث المحررة في فقه الزكاة في الماضي والحاضر، ونشرها ورقيا وفي أقراص مدمجة. * ضرورة تبسيط فقه الزكاة وتقديمه لعامة الناس من خلال وسائل متعددة منها: أ - إصدار دليل فقهي مبسط يشتمل على أبرز مسائل الزكاة بأسلوب واضح، مع البعد عن الخلافات وكثرة التفصيلات. ب - إنشاء مراكز علمية أهلية غير ربحية لتعريف الناس بحساب أموالهم وتدريبهم على ذلك. ج - نشر ملخصات للبحوث المتميزة في الزكاة وتوزيعها على الأفراد والجهات ذات العلاقة. * إنشاء مواقع متميزة على الشبكة العالمية يعنى بفقه الزكاة المعاصر، والإِجابة على أسئلة الناس، وإرشادهم لحلول مشكلاتهم في إخراج الزكاة أو صرفها. وأخيرًا -وهو من أهم التوصيات- تأسيس هيئات فقهية للزكاة تعنى بتحقيق ما تقدم ذكره من وسائل خدمة فقه الزكاة، وتوعية الناس بهذه الفريضة، وتعمل على التنسيق بين الجهات المختلفة في الجهود المبذولة في إحياء فقه الزكاة المعاصر وتأصيله، وتبصير الناس بهذا الركن العظيم، وعقد الموتمرات والندوات العلمية في سبيل ذلك. والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ثبت المصادر والمراجع
ثبت المصادر والمراجع
(أ)
ثبت المصادر والمراجع 1 - القرآن الكريم. (أ) 2 - أبحاث هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، طبع ونشر إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالرياض سنة 1421 هـ. 3 - أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة، للدكتور محمد الأشقر وزملاؤه، دار النفائس، الطبعة الثانية، 1420 هـ. 4 - أثر التضخم الاقتصادي على الزكاة، لقاسم الحموي، ضمن مجلة أبحاث اليرموك مجلد (11). 5 - أثر الزكاة على تشغيل الموارد الاقتصادية، للدكتور محمد بن إبراهيم السحيباني، الطبعة الأولى، 1411 هـ. 6 - أثر الملك في وجوب الزكاة لصالح المسلم، رسالة دكتوراه في قسم الفقه في كلية الشريعة، عام 1428 هـ. 7 - الإجارة المنتهية بالتمليك في ضوء الفقه الإسلامي، لخالد الحافي، الطبعة الأولى، 1420 هـ. 8 - الإجماع، للإمام أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري 318 هـ، تحقيق صغير أحمد بن محمد خفيف، مكتبة الفرقان ومكة الثقافية، الطبعة الثانية 1420 هـ.
9 - أحكام الأسواق المالية، للدكتور محمد هارون، دار النفائس، الطبعة الأولى، 1419 هـ. 10 - أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي، لستر الجعيد، دار الجعيد، الطبعة الأولى، سنة 1413 هـ. 11 - أحكام الأوراق التجارية في الفقه الإسلامي، للدكتور سعد بن تركي الخثلان، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1425 هـ. 12 - أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة، للدكتور مبارك آل سليمان، دار كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى 1426 هـ. 13 - الأحكام الجلية في زكاة الأموال العصرية، لمحمد عبد المقصود داود، دار الجامعة الجديدة للنشر، سنة 2004 م. 14 - أحكام الزكاة على ضوء المذاهب الأربعة، لعبد الله علوان، دار السلام، الطبعة الرابعة، 1406 هـ. 15 - أحكام الزكاة والصدقة، لمحمد عقلة، مكتبة الرسالة الحديثة، 1402 هـ. 16 - أحكام زكاة صور من عروض التجارة المعاصرة، للدكتور أحمد الكردي، ضمن أبحاث الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 17 - أحكام زكاة صور من عروض التجارة المعاصرة، للشيخ عبد الله بن منيع، ضمن أبحاث الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 18 - أحكام زكاة صور من عروض التجارة المعاصرة، للدكتور وهبة الزحيلي، ضمن أبحاث الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 19 - الأحكام السلطانية، لعلي بن محمد بن حبيب الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
20 - الإحكام في أصول الأحكام، لسيف الدين أبي الحسن علي الآمدي، تعليق: إبراهيم العجوز، دار الكتب العلمية. 21 - الإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1404 هـ. 22 - أحكام أوراق النقود والعملات، للقاضي العثماني من بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 3، ج 3. 23 - أحكام القرآن، لأبي بكر بن أحمد بن علي الرازي الحنفي المشهور بالجصاص، دار الفكر. 24 - أحكام المال الحرام وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي، للدكتور عباس الباز، دار النفائس، الأردن، الطبعة الثانية، 1420 هـ. 25 - أحكام المعاملات الشرعية، لعلي الخفيف، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1417 هـ. 26 - أحكام النقود الووقية، للدكتور أبو بكر دوكوري، ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 3، ج 3. 27 - أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات والنذور والكفارات، بيت الزكاة، الطبعة الثالثة، 1425 هـ. 28 - أحكام النقود الورقية، للدكتور أبو بكر دوكوري، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 3 ج 3. 29 - أحكام النقود والعملات للقاضي العثماني، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 3 ج 3. 30 - أخبار القضاة، لمحمد بن خلف بن حيان، عالم الكتب، بيروت، لبنان.
31 - اختيارات ابن قدامة الفقهية في أشهر المسائل الخلافية، علي بن سعيد الغامدي، الطبعة الثانية، 1457 هـ. 32 - الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لعلاء الدين أبي الحسن على بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي المتوفى سنة 803 هـ ومعه تعليقات للشيخ محمد بن صالح العثيمين، تحقيق: أحمد الخليل، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1418 هـ. 33 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405 هـ، 1985 م. 34 - استثمار أموال الزكاة وما في حكمها من الأموال الواجبة حقا لله تعالى، للدكتور صالح بن محمد الفوزان، دار كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى 1426 هـ. 35 - استثمار أموال الزكاة، للدكتور محمد شبير، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة. 36 - استثمار أموال الزكاة، للدكتور عيسى زكي شقرة، ضمن أبحاث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة. 37 - الاستثمار والمتاجرة في أسهم الشركات المختلطة، للدكتور عبد الله العمراني، دار كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى، 1427 هـ. 38 - استثمار أموال الزكاة، للدكتور عيسى زكي شقرة، ضمن أبحاث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة. 39 - الاستثمار في الأسهم، والوحدات للدكتور عبد الستار أبو غدة، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 9، ج 1. 40 - الاستذكار، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ.
41 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، دار الجيل، بيروت، 1412، الطبعة الأولى، تحقيق: علي محمد البجاوي. 42 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد ابن عبد البر، تحقيق: طه الزيني، مطبوع: بهامش الإصابة، مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولى 1399 هـ. 43 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، للحافظ ابن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري المتوفى سنة 630 هـ دار الفكر بيروت، لبنان 1409 هـ. 44 - أسنى المطالب شرح روض الطالب، لأبي زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري، دار الكتاب الإسلامي. 45 - الأسهم والسندات وأحكامها في الفقه الإسلامي، للدكتور أحمد الخليل، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1424 هـ. 46 - الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي أبي محمد عبد الوهاب البغدادي المالكي، المتوفي 422 هـ، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1420 هـ. 47 - الأشباه والنظائر، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى 911 هـ، تحقيق محمد المعتصم البغدادي، دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة 1417 هـ. 48 - الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي ابن محمد بن الحجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان. 49 - أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكى، لمحمد رياض، دار مراكش، الطبعة الأولى، سنة 1416 هـ.
50 - أصول نظام العمل السعودي، للدكتور جلال علي العدوي، معهد الإدارة العامة، 1403 هـ. 51 - أضواء البيان في الضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية 1415 هـ. 52 - إعلام الموقعين عن رب العالمين، لشمس الدين أبي عبد الله بن محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى سنة 1411 هـ. 53 - الأعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1980 م. 54 - أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، 1379 هـ. 55 - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية دار المعرفة بيروت، الطبعة الثانية 1395 هـ، تحقيق محمد حامد الفقي. 56 - الاكتتاب والمتاجرة بالأسهم، للدكتور مبارك السليمان، دار كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى، 1427 هـ. 57 - الأم، للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 هـ، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، الطبعة الأولى. 58 - الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى 204، تخريج وتعليق محمود مطرجي، دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1413 هـ. 59 - الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى 224، تحقيق محمد خليل هراس، دار الفكر، بيروت، 1408 هـ.
(ب)
60 - الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1406 هـ. 61 - الأموال، لأبي جعفر أحمد الداودي، تحقيق الدكتور محمد سراج، وعلي جمعة محمد، دار السلام، الطبعة الأولى، 1421 هـ. 62 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ علاء الدين أبي الحسن على بن سليمان المرداوي المتوفى سنة 885 هـ، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والإعلان، الطبعة الأولى 1417 هـ. 63 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ علي بن سليمان بن أحمد المرداوي، دار إحياء التراث العربي. 64 - الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي قيمتها وأحكامها، لأحمد حسن، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1422 هـ. (ب) 65 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لزين الدين بن إبراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم الحنفي، دار الكتاب الإسلامي. 66 - البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، ت 794، تحرير الدكتور عمر الأشقر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت. 67 - بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، للدكتور عمر الأشقر وزملائه، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى، 1418 هـ. 68 - بحوث فقهية معاصرة، للدكتور محمد الشريف، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
69 - بحوث في الاقتصاد الإسلامي، للشيخ عبد الله المنيع، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1416 هـ. 70 - بحوث في الاقتصاد الإسلامي، للدكتور علي القره داغي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، 1423. 71 - بحوث في الزكاة، للدكتور رفيق المصري، دار المكتبي، الطبعة الأولى، 1420 هـ. 72 - بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، للدكتور علي محيي الدِّين القره داغي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1422 هـ. 73 - بحوث وفتاوى فقهية معاصرة، للدكتور أحمد الكردي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، 1420 هـ. 74 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، دار الكتب العلمية، طبعة: 1406 هـ. 75 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، المتوفى سنة 587 هـ، دار المعرفة بيروت، الطبعة الأولى، 1420. 76 - بدائع الفوائد، للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 هـ تحقيق علي العمران، دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى 1425 هـ. 77 - البداية والنهاية، لأبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، المتوفى سنة 774 هـ، دار أم القرى بالقاهرة، الطبعة الأولى سنة 1408 هـ. 78 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، لمحمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
(ت)
79 - بريقة محمودية في شرح طريقة محمودية، لأبي سعيد الخادمي المتوفى 1168 هـ، دار إحياء الكتب العربية. 80 - بلغة السالك لأقرب المسالك، وهي حاشية على الشرح الصغير للدردير لأحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي، دار المعارف 1412 هـ 81 - بهجة المشتاق في حكم زكاة أموال الأوراق، لأحمد الحسيني، مطبعة كردستان العلمية (القاهرة)، 1329 هـ. 82 - البيان شرح المهذب، لأبي الحسين يحيى العمراني الشافعي ت 585، دار المنهاج، الطبعة الأولى، 1421 هـ. 83 - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة، لأبي الوليد ابن رشد القرطبي (الجد) المتوفى سنة 520 هـ، تحقيق: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، دار الغرب الإسلامي بيروت، الطبعة الأولى 1404 هـ. (ت) 84 - تاج التراجم في طبقات الحنفية، لقاسم بن قطلوبغا، الطبعة الثانية، مطبعة العاني، بغداد 1962 م. 85 - التاج والإكليل على مختصر خليل، للشيخ محمد بن يوسف العبدري الشهير بالموَّاق، المتوفى سنة 897 هـ، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان. 86 - التأجير المنتهي بالتمليك، للدكتور حسن الشاذلي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 9، ج 1. 87 - التأجير المنتهي بالتمليك، للدكتور سلمان الدخيل، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء، 1418 هـ. 88 - تأريخ الأمم والملوك المعروف بتاريخ الطبري، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية - بيروت.
89 - تاريخ دمشق، لأبي القاسم علي بن حسن الشافعي المعروف بابن عساكر، دار الفكر. 90 - التاريخ الهجري، للدكتور زيد الزيد، مطابع جامعة الإمام، الطبعة الأولى، 1424 هـ. 91 - التأصيل الفقهي لزكاة الأسهم والسندات، للدكتور صالح الزهراني، ضمن أبحاث ندوة التطبيق المعاصر للزكاة، ج 2، 1996 م. 92 - تأليف القلوب على الإسلام بأموال الصدقات، للدكتور عمر الأشقر، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة. 93 - التأمين الاجتماعي في ضوء الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد اللطيف آل محمود، دار النفائس، الطبعة الأولى، 1414 هـ. 94 - التأمين الإسلامي، لأحمد سالم ملحم، دار الإعلام، الطبعة الأولى، 1423 هـ. 95 - التأمين، إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء، ضمن أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1421 هـ. 96 - التأمين بين الحظر والإباحة، لسعدي أبو جيب، دار الفكر، دمشق - سورية، الطبعة الأولى 1403 هـ. 97 - التأمين الخاص وفقاً لأحكام القانون المدني، لمصطفى محمد الجمال، الإسكندرية الفتح للطباعة والنشر، الطبعة الأولى. 98 - التأمين في الشريعة والقانون، للدكتور غريب الجمال، دار الفكر العربي 1975 م. 99 - التأمين وأحكامه، للدكتور سليمان بن إبراهيم الثنيان، دار ابن الحزم، الطبعة الأولى 1424 هـ.
100 - التأمينات الاجتماعية ونظامها في المملكة العربية السعودية، للدكتور محمد فاروق الباشا، الطبعة الثانية، سنة 1416 هـ. 101 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للشيخ فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي، المتوفى 743، دار الكتاب الإسلامي. 102 - تحديد الصاع النبوي والأحكام الفقهية المتعلقة به، لخالد السرهيد، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء، 1425 هـ. 103 - تحرير القواعد وتحرير الفوائد، للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي المتوفى 795 هـ، تحقيق: مشهور بن حسن آل سليمان، دار ابن عفان للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الثانية 1419 هـ. 104 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، أبي العلى محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، المتوفى 1353 هـ، دار الكتب العلمية. 105 - تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال، لأحمد بن محمد الصديق الغماري، تحقيق نظام محمد صالح يعقوبي، دار هجر للطباعة والنشر 1409 هـ. 106 - التحقيق في أحاديث الخلاف، لعبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، المتوفى سنة 597 هـ، تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الأولى، 1415 هـ. 107 - تخريج الأصول على الفروع، لمحمود بن أحمد الزنجاني، تحقيق محمد أديب الصالح، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1398 هـ. 108 - تذكرة الحفاظ، لأبي عبد الله شمس الدين محمد الذهبي، المتوفى سنة 748، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.
109 - التشريعات الاجتماعية العمالية الأسرية، لمحمد شفيق، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث 1417 هـ. 110 - التصرف في المال العام، للدكتور خالد الماجد، بحث لنيل درجة الماجستير في كلية الشريعة بالرياض، 1416 هـ. 111 - التضخم المالي، للدكتور غازي حسين عناية، مؤسسة شباب الجامعة عام 1405 هـ. 112 - التضخم النقدي في الفقه الإسلامي، لخالد المصلح، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1427 هـ. 113 - التضخم والكساد في ميزان الفقه الإسلامي، للدكتور علي السالوس، ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 9، ج 2. 114 - التطبيق المعاصر للزكاة، للدكتور شوقي شحاتة، دار الشروق، الطبعة الأولى، سنة 1397 هـ. 115 - التطبيقات التاريخية والمعاصرة لفريضة الزكاة، لمحمد عقلة إبراهيم، دار الضياء، الطبعة الأولى، 1406 هـ. 116 - تغيير الأحكام، لإسماعيل كوكسال، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ. 117 - التعريفات للجرجاني، للإمام علي بن محمد الجرجاني المعروف بالسيد الشريف، المتوفى سنة 816 هـ دار الفكر، الطبعة الأولى، 1418 هـ. 118 - تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي، للدكتور نزيه حماد، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 3 ج 1. 119 - تفسير القرآن العظيم، للإمام أبي الفداء الحافظ إسماعيل بن كثير القرشي
الدمشقي، المتوفى سنة 774 هـ، دار الجيل ببيروت، لبنان، الطبعة الأولى، سنة 1408 هـ. 120 - التفسير الكبير، لفخر الدين محمد بن عمر الرازي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421 هـ. 121 - تقريب التهذيب، للحافظ أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، دار القلم، الطبعة الثالثة، سنة 1411 هـ. 122 - التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج (879 هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1403 هـ. 123 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، تصحيح عبد الله هاشم اليماني، المدينة، 1384 هـ. 124 - تمام المنة في التعليق على فقه السنة، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية، دار الراية للنشر، الطبعة: الثالثة، 1409 هـ. 125 - التمليك والمصلحة فيه ونتائجه، للدكتور محمد عثمان بشير، ضمن أبحاث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة. 126 - تنظيم وحماية الزكاة في التطبيق المعاصر، للدكتور شوقي شحاته، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الثانية، 1408 هـ. 127 - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1988 م. 128 - تهذيب التهذيب، للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، دار
(ث)
الفكر، بيروت، 1404، الطبعة الأولى. 129 - تهذيب الكمال، للإمام يوسف بن الزكي بن عبد الرحمن أبي الحجاج المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1400، الطبعة الأولى، تحقيق: الدكتور بشار عواد. 130 - توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحقين، للدكتور حسن الأمين، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع 3، ج 1. 131 - تيسير الفقه الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، للدكتور أحمد موافي، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية 1416 هـ. (ث) 132 - الثبات والشمول، لعابد سفياني، مكة المكرمة، مكتبة المنارة، الطبعة الأولى، سنة 1408 هـ. (ج) 133 - الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، المتوفى سنة 671 هـ، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1418 هـ. 134 - الجامع في أصول الربا، للدكتور رفيق المصري، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1422 هـ. 135 - الجوهر النقي في الرد على البيهقي، لابن التركماني علي بن عثمان المارديني، المتوفى 750 هـ مطبوع بذيل (السنن الكبرى) للبيهقي. 136 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لابن أبي الوفاء أبي محمد عبد القادر ابن محمد بن نصر الله، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، مطبعة عيسى الحلبي 1398 هـ.
(ح)
137 - الجوهرة النيرة (شرح مختصر القدوري)، لأبي بكر بن علي بن محمد الحداد، المتوفى سنة 800 هـ المطبعة الخيرية. (ح) 138 - حاشية البجيرمي على الخطيب، للشيخ سليمان بن محمد البجيرمي، المتوفى سنة 1221 هـ، دار الفكر بيروت، لبنان، سنة 1415 هـ، 1995 م. 139 - حاشية البجيرمي على المنهج، للشيخ سليمان بن محمد البجيرمي، دار الفكر بيروت، لبنان، طبعة أخيرة سنة 1369 هـ، 1950 م. 140 - حاشية العدوي، للشيخ علي الصعيدي العدوي، المتوفى 1189 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان، سنة 1414 هـ، 1994 م. 141 - الحاوي الكبير في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، لأبي الحسن علي ابن محمد بن حبيب الماوردي البصري، تحقيق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الجواد، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، الطبعة الأولى سنة 1414 هـ. 142 - الحسابات والودائع المصرفية، للدكتور محمد بن علي القري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد التاسع سنة 1417 هـ. 143 - حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاري، للدكتور البوطي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 5، ج 3. 144 - حقوق الاختراع والتأليف في الفقه الإسلامي، لحسين الشهراني، دار طيبة، الطبعة الأولى، 1425 هـ. 145 - الحقوق المعنوية، لمحمد سعيد البوطي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدده، ج 3.
(خ)
146 - الحقوق المعنوية وبيع الاسم التجاري والترخيص، لعبد العزيز عيسى، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدده، ج 3. 147 - حكم الزكاة في أموال منشآت القطاع العام الهادفة للربح، للدكتور محمد شبير، ضمن أبحاث الندوة الثالثة عشر لقضايا الزكاة المعاصرة. 148 - حكم الزكاة في أموال منشآت القطاع العام الهادفة للربح، للدكتور وهبة الزحيلي، ضمن أبحاث الندوة الثالثة عشر لقضايا الزكاة المعاصرة. 149 - حكم زكاة مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي، للدكتور عبد الستار أبو غدة، ضمن أبحاث الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة. 150 - حكم زكاة مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي، للدكتور محمد نعيم ياسين، ضمن أبحاث الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة. (خ) 151 - الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي، للدكتور يوسف الشبيلي، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، سنة 1425 هـ. 152 - الخدمات المصرفية وموقف الشريعة الإسلامية منها، للدكتور علاء زعتري، دار الكلم الطيب، الطبعة الأولى، 1422 هـ. 153 - الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية، لمحمد ضياء الدين الريس، دار الأنصار، الطبعة الرابعة، 1977 م. 154 - الخطر والتأمين، هل التأمين التجاري جائز شرعاً؛، للدكتور رفيق بن يونس المصري، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى سنة 1422 هـ. 155 - الخطط التوقيفية الجديدة لمصر والقاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة، لعلي مبارك، المطبعة الأميرية في القاهرة، الطبعة الأولى، 1306 هـ.
(د)
156 - خطوط رئيسة في الاقتصاد الإسلامي، أبو السعود، مطبعة معتوق، بيروت، الطبعة الأولى، 1385 هـ. 157 - خطوط رئيسة في الاقتصاد الإسلامي، لأبي السعود، الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، 1389 هـ. 158 - خلاصة أحكام التجارة والصناعة في الفقه الإسلامي، للدكتور يوسف قاسم، دار النهضة العربية، مطبعة جامعة القاهرة، طبعة 1400 هـ. (د) 159 - الدر المختار، لمحمد علاء الدين الحصفكي المتوفى سنة 1088 هـ، دار الفكر بيروت، لبنان سنة 1412 هـ. 160 - دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة، لمحمد الشنقيطي، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الثانية، 1422 هـ. 161 - دراسات في المحاسبة الزكوية، للدكتور صالح الزهراني، دار الكتاب الجامعي، سنة 1418 هـ. 162 - درر الحكام شرح مجلة الأحكام، لعلي حيدر، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان. 163 - الدعوة إلى الله من مصارف الزكاة، لصالح العليوي، المكتب التعاوني بالمذنب، الطبعة الأولى، 1424 هـ. 164 - دليل الإرشادات لحساب زكاة الشركات، إصدار بيت الزكاة، الطبعة الأولى، سنة 1427 هـ. 165 - دور بنوك الاستثمار في خدمة الأسواق المالية النامية، الأكادمية العربية المصرفية، عمان، 1996 م.
(ذ)
166 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لإبراهيم بن علي بن محمد ابن فرحون اليعمري المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 167 - ديوان السنن والآثار، جزء الزكاة، للدكتور عبد الملك قاضي، الطبعة الأولى، 1415 هـ. (ذ) 168 - الذخيرة، للشيخ أحمد بن إدريس القرافي، المتوفى سنة 684 هـ تحقيق: الأستاذ سعيد أعراب، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1994 م. 169 - الذيل على طبقات الحنابلة، للإمام زين الدين أبي الفرج بن شهاب الدين أحمد البغدادي الدمشقي الحنبلي المعروف بابن رجب المتوفى سنة 795 هـ دار المعرفة بيروت، لبنان. (ر) 170 - الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة، للدكتور عبد الله بن محمد السعيدي، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1421 هـ. 171 - الربا والمعاملات المصرفية، للدكتور عمر المترك، دار العاصمة، الطبعة الثانية، 1417 هـ. 172 - رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، للشيخ محمد أمين بن عمر الشهير بابن عابدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1412 هـ. 173 - الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204، تحقيق أحمد شاكر، دار الكتب العلمية 1358 هـ. 174 - روضة الطالبين وعمدة المفتين، للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي، المتوفى سنة 676، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، سنة
(ز)
1412 هـ. 175 - روضة الناظر وجنة المناظر، لموفق الدين عبد الله بن قدامة المتوفى سنة 620 هـ، تحقيق الدكتور عبد الكريم النملة، مكتبة الرشد، الطبعة الرابعة 1416 هـ. 176 - الروضة الندية، لصدّيق حسن خان، دار ابن عفان، القاهرة 1999 م، الطبعة الأولى، تحقيق علي حسين الحلبي. (ز) 177 - زكاة أسهم الشركات، للدكتور وهبة الزحيلي، ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 4، ج 1. 178 - زكاة الأسهم في الشركات، لحسن الأمين، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، الطبعة الأولى 1413 هـ. 179 - زكاة الأسهم في الشركات، للشيخ عبد الله البسام، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 4، ج 1. 180 - زكاة الأسهم في الشركات، للدكتور محمد الصديق الضرير، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 4، ج 1. 181 - زكاة الأسهم في الشركات، للدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 4، ج 1. 182 - زكاة الأسهم في الشركات، للدكتور وهبة الزحيلي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 4، ج 1. 183 - زكاة الزراعة وزكاة الأسهم في الشركات وزكاة الديون، للدكتور محمد الصديق الضرير، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 13، ج 2.
184 - زكاة الزراعة وزكاة الأسهم في الشركات وزكاة الديون، للدكتور علي الندوي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 13، ج 2. 185 - زكاة الزراعة وزكاة الأسهم في الشركات وزكاة الديون، للدكتور محمد الصديق الضرير، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 13، ج 2. 186 - زكاة الأسهم المتعثرة، للدكتور يوسف القاسم، منشور في مجلة العدل، العدد الخامس والعشرون، في عام 1426 هـ. 187 - زكاة الأصول الاستثمارية، للدكتور محمد عثمان شبير، ضمن أبحاث الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة. 188 - زكاة الأموال دراسة فقهية محاسبية، للدكتور محمد الشباني، دار عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1418. 189 - زكاة الأموال المجمدة، للدكتور عجيل النشمي، ضمن أبحاث الدورة السادسة عشر لمجمع الفقه الإسلامي. 190 - زكاة الأموال المجمدة، للدكتور وهبة الزحيلي، ضمن أبحاث الدورة السادسة عشر لمجمع الفقه الإسلامي. 191 - زكاة الأنعام، للدكتور الخضر علي إدريس، ضمن أبحاث الندوة الثانية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة. 192 - زكاة الأنعام، الدكتور محمد رأفت عثمان، ضمن أبحاث وأعمال الندوة الثانية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة. 193 - زكاة الحقوق المعنوية، للدكتور عبد الحميد البعلي، ضمن أبحاث الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 194 - زكاة الحقوق المعنوية، للدكتور محمد البوطي، ضمن أبحاث الندوة السابعة
لقضايا الزكاة المعاصرة. 195 - زكاة الدين وتطبيقاته المعاصرة، للدكتور أحمد الخليل، ضمن مجلة العدل، العدد 29، عام 1427 هـ. 196 - زكاة الديون، للدكتور الصديق محمد الضرير، ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 2، ج 1. 197 - زكاة الديون الاستثمارية المؤجلة والديون الإسكانية الحكومية، للدكتور محمد عثمان شبير، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة، ضمن أبحاث الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 198 - زكاة الزروع والثمار، للدكتور محمد رأفت عثمان، ضمن أبحاث الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة. 199 - زكاة عروض التجارة، للدكتور محمد رأفت عثمان، ضمن أبحاث الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة. 200 - زكاة العقارات والأراضي المأجورة، للدكتور يوسف القرضاوي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 2، ج 1. 201 - زكاة الفطر، للدكتور محمد عبد الغفار الشريف، ضمن بحوث فقهية معاصرة. 202 - زكاة المال العام، للدكتور وهبة الزحيلي، دار المكتبي، الطبعة الأولى، 1420 هـ. 203 - زكاة المال العام، للدكتور محمد سعيد البوطي، ضمن أبحاث الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة. 204 - زكاة النقود الورقية المعاصرة المعاصرة، للدكتور محمود الخالدي، مكتبة
الرسالة الحديثة، الطبعة الأولى، 1405 هـ. 205 - زكاة المال الحرام، للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، ضمن أبحاث الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 206 - زكاة المال الحرام، للدكتور محمد نعيم ياسين، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة. 207 - زكاة المال الحرام، للدكتور عبد الله بن منيع، ضمن أبحاث الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 208 - زكاة المال العام، للدكتور البوطي، ضمن أبحاث الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة. 209 - زكاة المستغلات، للدكتور السالوس، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 2، ج 1. 210 - زكاة مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي، للدكتور محمد نعيم ياسين، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة. 211 - الزكاة وانعكاساتها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، من منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 1414 هـ. 212 - الزكاة وتطبيقاتها المعاصرة، للدكتور عبد الله الطيار، مكتبة التوبة، الطبعة الثانية، 1414 هـ. 213 - الزكاة والتنمية، للدكتور عبد الرحيم أبو كريشة، مركز المحروسه، الطبعة الأولى، 1999 م. 214 - الزكاة والضريبة، للدكتور محمد عثمان شبير، ضمن أبحاث فقهية في قضايا
(س)
الزكاة المعاصرة. 215 - الزكاة والضمان الاجتماعي، لعثمان حسين عبد الله، دار الوفاء للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1401 هـ. وعام 1409 هـ. 216 - الزواجر عن اقتراف الكبائر، للإمام ابن حجر الهيثمي، المكتبة العصرية، لبنان بيروت 1420 هـ، الطبعة الثانية، تحقيق مركز الدراسات والبحوث بمكتبة نزار الباز. 217 - زيف النقود الإسلامية، لضيف الله الزهراني، الطبعة الأولى 1413 هـ. (س) 218 - سبل الاستفادة من النوازل والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصر، مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 11، ج 2. 219 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الجديدة، 1415 هـ. 220 - سندات الاستثمار وحكمها في الفقه الإسلامي، للدكتور أحمد الخليل، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، 1418 هـ. 221 - سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر. 222 - سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، مذيلة بحكم الألباني، اعتنى به أبو عبيدة مشهور حسن سلمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى. 223 - سنن البيهقي الكبرى، لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414 هـ.
224 - السنن الكبرى للبيهقي، لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، دار صادر، طبعة حيدر آباد، 1344 هـ. 225 - سنن الترمذي، (الجامع الصحيح سنن الترمذي)، لمحمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 226 - سنن الترمذي، (الجامع الصحيح سنن الترمذي)، لمحمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي، مذيلة بحكم الألباني، اعتنى به أبو عبيدة مشهور حسن سلمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، الطبعة الأولى. 227 - سنن الدارقطني، لعلي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني، دار المعرفة، بيروت، 1386 هـ. 228 - سنن النسائي (المجتبى من السنن)، لأحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الثانية، 1406 هـ. 229 - سنن النسائي (المجتبى من السنن)، لأحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، مذيلة بحكم الألباني، اعتنى به أبو عبيدة مشهور حسن سلمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى. 230 - سنن ابن ماجه، لمحمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت. 231 - سنن ابن ماجه، لمحمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، مذيلة بحكم الألباني، اعتنى به أبو عبيدة مشهور حسن سلمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى. 232 - سير أعلام النبلاء، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
(ش)
المتوفى سنة 748 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413، الطبعة التاسعة، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، محمد نعيم العرقسوسي. 233 - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، لمحمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة 1250 هـ، تحقيق محمد إبراهيم زايد، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405 هـ. (ش) 234 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، للشيخ محمد بن محمد بن مخلوف، دار الفكر. 235 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن أحمد بن محمد العكبري الحنبلي، دار بن كثير، دمشق، 1406 هـ، الطبعة الأولى، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرناؤوط. 236 - شرح السير الكبير، لمحمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، المتوفى 483 هـ، الشركة الشرقية للإعلانات. 237 - شرح صحيح مسلم، للإمام محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي المتوفى سنة 676 هـ، مطبعة دار الريان للتراث، الطبعة الأولى، سنة 1407 هـ. 238 - شرح قانون العمل الأردني، لهشام رفعت هاشم، مكتبة المحتسب، عمان، الأردن. 239 - شرح القواعد الفقهية، لأحمد الزرقا، تعليق مصطفى الزرقا، دار القلم، الطبعة الرابعة 1417 هـ. 240 - الشرح الكبير، لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن قدامة، المتوفى 682، تحقيق: الدكتور عبد الله التركي، دار هجر، الطبعة الأولى، 1415 هـ.
241 - شرح الكوكب المنير المسمى (مختصر التحرير): للشيخ محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المعروف بابن النجار، المتوفى سنة 972 هـ، تحقيق: الدكتور محمد الزحيلي والدكتور نزيه حماد، مكتبة العبيكان، 1413 هـ. 242 - شرح الكوكب المنير لابن نجار مطبعة السنة المحمدية. 243 - شرح مختصر خليل، لمحمد بن عبد الله الخرشي، المتوفى سنة 1010 هـ، دار الفكر. 244 - الشرح الممتع على زاد المستقنع، للشيخ محمد بن عثيمين، مؤسسة آسام، الطبعة الأولى، 1414 هـ. 245 - الشرح الممتع على زاد المستقنع، للشيخ محمد بن عثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1425 هـ. 246 - شركة المساهمة في النظام السعودي، للدكتور صالح المرزوقي، دار الصفا بمكة، 1406 هـ. 247 - شركات الأشخاص بين الشريعة والقانون، للدكتور محمد الموسى، دار العاصمة، الطبعة الثانية، 1419 هـ. 248 - الشركات متعددة الجنسية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لمحمد السيد سعيد، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 1978 م. 249 - الشركات متعددة الجنسيات، لسمير كرم، معهد الإنماء العربي، الطبعة الأولى، سنة 1976 م. 250 - الشركات المتعددة الجنسيات، لثيو دور موران (ترجمة جورج خوري)، دار الفارس، الطبعة الأولى، 1994 م.
(ص)
251 - الشركات المتعددة القوميات، للدكتور حسام عيسى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر. (ص) 252 - صحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: الدكتور مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، بيروت، الطبعة الثالثة، 1407 - 1987. 253 - صحيح ابن خزيمة، للإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة، أبو بكر السلمي النيسابوري، تحقيق: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1390 هـ. 254 - صحيح الجامع الصغير وزيادته، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، سنة 1408 هـ. 255 - صحيح مسلم، للإمام مسلم بن الحجاج أبي الحسين القشيري النيسابوري، تحقيق وترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 256 - صناديق الاستثمار الإسلامية، لعز الدين خوجة، مجموعة دلة البركة، الطبعة الأولى، سنة 1412 هـ. 257 - صناديق الاستثمار في الدول العربية، لحسن الفطافطة، دار الفطافطة للدعاية والإعلان. (ض) 258 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت. 259 - الضعفاء والمتروكين، للإمام أحمد بن شعيب أبي عبد الرحمن النسائي،
(ط)
تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى، 1369 هـ. 260 - ضعيف الجامع الصغير وزيادته، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1410 هـ. 261 - ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، لمحمد سعيد رمضان البوطي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، سنة 1397 هـ. 262 - ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، لمحمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، الطبعة الرابعة 1426 هـ. (ط) 263 - طبقات الشافعية، لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، عالم الكتب، بيروت، 1407، الطبعة الأولى، تحقيق: الدكتور الحافظ عبد العليم خان. 264 - طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، طبعة هجر للطباعة والنشر والتوزيع، 1413 هـ، الطبعة الثانية، تحقيق: الدكتور محمود محمد الطناحي، الدكتور: عبد الفتاح محمد الحلو. 265 - طبقات الفقهاء، ويطلق عليه طبقات الشيرازي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، دار القلم، بيروت لبنان. 266 - طبقات المفسرين، لجلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ، مكتبة وهبة، القاهرة، 1396، الطبعة الأولى، تحقيق: علي محمد عمر. 267 - طبقات المفسرين لأحمد بن محمد الأدنروي، تحقيق: سليمان الخزي، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
(ع)
268 - الطبقات الكبرى: لمحمد بن سعد بن منيع أبي عبد الله البصري الزهري، المتوفى سنة 230 هـ، دار صادر بيروت، لبنان. 269 - طبقات النحويين واللغويين، للإمام أبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، سنة 1973 م. 270 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية، دار البيان. 271 - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، للإمام نجم الدين أبي حفص عمر النسفي، المتوفى 537 هـ، تعليق وتخريج: خالد العك، دار النفائس، الطبعة الأولى، 1416 هـ. (ع) 272 - العبر في خبر من غبر، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: الدكتور صلاح الدين المنجد، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، الطبعة الثانية 1984 م. 273 - العدة في أصول الفقه، للقاضي أبي يعلى محمد بن الفراء البغدادي الحنبلي، المتوفى سنة 458، تحقيق: الدكتور أحمد بن علي سير مباركي، الطبعة الثالثة 1413 هـ. 274 - عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، للدكتور سعد الشثري، دار الحبيب، الطبعة الأولى، 1421 هـ. 275 - عقد الاستصناع، للدكتور علي السالوس، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 7، ج 2. 276 - عقد الاستصناع، للدكتور محيي الدين القره داغي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 7، ج 2.
(غ)
277 - عقد الاستصناع ومدى أهميته في الاستثمارات الإسلامية، لمصطفى الزرقا، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 7، ج 2. 278 - عقد الاستصناع، للدكتور وهبة الزحيلي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد 9، ج 8. 279 - عقد القرض في الشريعة الإسلامية، للدكتور نزيه حماد، دار القلم، الطبعة الأولى، 1411 هـ. 280 - عقود التأمين من وجهة الفقه الإسلامي، للدكتور محمد بلتاجي، دار العروبة بالكويت، 1402 هـ. 281 - العناية شرح الهداية، لمحمد بن محمود بن أحمد البابرتي، المتوفى سنة 768 هـ، دار الفكر، بيروت لبنان. 282 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1419 هـ. (غ) 283 - الغياث (غياث الأمم في التياث الظلم)، لعبد الملك الجويني، تحقيق عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، الطبعة الأولى. 284 - غريب الحديث، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تحقيق: الدكتور عبد الله الجبوري، مطبعة العاني، بغداد، الطبعة الأولى، سنة 1397 هـ .. (ف) 285 - فتاوى السبكي، لتقي الدين علي عبد الكافي السبكي، المتوفى سنة 657 هـ، مكتبة القدسي، 1356 هـ.
286 - الفتاوى السعدية، للشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي، المتوفى سنة 1376 هـ، مطبعة دار الحياة، الطبعة السابعة، سنة 1388 هـ. 287 - الفتاوى الهندية، لجنة من العلماء برئاسة نظام الدين البلخي، دار الفكر سنة 1411 هـ، 1991 م. 288 - الفتاوى الكبرى، لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية المتوفى سنة 728 هـ، دار الكتب العلمية، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا. 289 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، مطبوعات رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1419 هـ. 290 - فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة، من الندوة الأولى إلى الثالثة عشر، إصدار بيت الزكاة. 291 - فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي، إعداد: السعيد بن صابر عبده، دار الفضيلة، الطبعة الثانية، 1420 هـ. 292 - فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر أبي الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة، بيروت، 1379 م. 293 - فتح القدير شرح الهداية، للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد، المعروف بابن الهمام، دار الفكر، بيروت، لبنان. 294 - فتح القدير وبهامشه البناية شرح الهداية للعيني، لكمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهمام، المتوفى سنة 861 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 295 - الفتح المبين في طبقات الأصوليين، لعبد الله مصطفى المراغي، اعتنى محمد أمين دمج، الطبعة الثانية، بيروت، لبنان، 1394 هـ، 1974 م.
296 - الفروع، لأبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي المتوفى سنة 763، دار عالم الكتب، بيروت، الطبعة الرابعة 1405 هـ - 1985 م. 297 - الفروق (أنوار البروق في أنواء الفروق)، للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي الشهير بالقرافي، المتوفى سنة 684 هـ، عالم الكتب بيروت. 298 - الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1409 هـ. 299 - الفقه الإسلامي والحقوق المعنوية، لعبد السلام العبادي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدده، ج 3. 300 - فقه الزكاة، للدكتور يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، الطبعة الثانية، 1414 هـ. 301 - فقه المعاملات الحديثة، للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1426 هـ. 302 - فقه النوازل، للدكتور بكر أبو زيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1416 هـ. 303 - الفقيه والمتفقه، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، المتوفى سنة 462 هـ، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1417 هـ. 304 - فقه النوازل في سوس للحسن العبادي، أكادير، منشورات كلية الشريعة - 1400 هـ. 305 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية، لأبي الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوي، تعليق محمد النعاسي، دار المعرفة، بيروت.
(ق)
306 - فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر بن أحمد الكتبي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000 م، الطبعة الأولى، تحقيق: علي محمد بن يعوض الله، عادل أحمد عبد الموجود. 307 - الفواكه الدواني على رسالة بن أبي زيد القيرواني، للشيخ أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي المتوفى سنة 1126 هـ، دار الفكر، سنة 1415 هـ. 308 - الفواكه الدواني على رسالة بن أبي زيد القيرواني، للشيخ أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي المتوفى سنة 1126 هـ، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، سنة 1418 هـ. (ق) 309 - قانون الزكاة السوداني 2001 م. 310 - القانون التجاري السعودي للدكتور الجبر، الدار الوطبية الجديدة، الطبعة الثالثة 1409 هـ. 311 - القاموس المحيط، للعلامة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي المتوفى سنة 817 هـ، مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة 1416 هـ. 312 - قرارت المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، من 1398 هـ - 1422 هـ، طبع بمطابع رابطة العالم الإسلامي. 313 - قرارات وتوصيات الدورة الرابعة عشرة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي، لعام 1426 هـ مذكرة صادرة عن المجلس لم تطبع بعد. 314 - قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة الموتمر الإسلامي بجدة، دار القلم، الطبعة الثانية 1418 هـ، تنسيق وتعليق: الدكتور عبد الفتاح أبو غدة.
(ك)
315 - قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، للدكتور نزيه حماد، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1421 هـ. 316 - قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للإمام سلطان العلماء أبي أحمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1419 هـ. 317 - القواعد لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقرّي، المتوفى سنة 758 هـ تحقيق أحمد بن حميد، مطبوعات جامعة أم القرى، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي. 318 - القوانين الفقهية، لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي، المتوفى سنة 741 هـ، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، سنة 1418 هـ. (ك) 319 - الكافي، للإمام الموفق أبي محمد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة 620 هـ، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات في دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1417 هـ. 320 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النميري القرطبي المتوفى سنة 463 هـ، دار الكتب العلمية. 321 - الكامل في ضعفاء الرجال: عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد أبو أحمد الجرجاني، تحقيق يحيى مختار غزاوي دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1409 هـ. 322 - كساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصها وأثر ذلك في تعيين الحقوق والالتزامات للدكتور محمد القري بن عيد، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 9، ج 2.
(ل)
323 - كساد النقود وانقطاعها بين الفقه والنظام، للدكتور منذر قحف، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 9، ج 2. 324 - كشف الفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة كثير من الناس، لإسماعيل محمد العجلوني الجراحي، تحقيق: أحمد القلاش، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة، 1405 هـ. 325 - كشاف القناع على متن الإقناع، للشيخ منصور بن يوسف البهوتي، المتوفى سنة 1051 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان سنة 1402 هـ. (ل) 326 - لائحة قواعد وإجراءات صرف المعاشات والتعويضات، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، سنة 1404 هـ. 327 - اللباب في شرح الكتاب، لعبد الغني بن طالب حمادة الميداني، المتوفى سنة 1298 هـ، تعليق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ. 328 - لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر، الطبعة الثانية، 1412 هـ. 329 - لغز النماء في زكاة المال، للدكتور رفيق المصري، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1421 هـ. (م) 330 - مالية الدولة على ضوء الشريعة، للدكتور محمد الشباني، دار عالم الكتب، 1413 هـ. 331 - المبدع في شرح المقنع، للعلامة أبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد
ابن عبد الله بن مفلح، المتوفى سنة 884 هـ، المكتب الإسلامي. 332 - مبدأ التمليك ومدى اعتباره في صرف الزكاة، للدكتور محمد عثمان شبير، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة. 333 - المبسوط، للإمام شمس الأئمة أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي، دار المعرفة بيروت، لبنان سنة 1409 هـ. 334 - مجلة الأحكام العدلية، عناية بسام الجابي، دار ابن حزم، سنة 1424 هـ. 335 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الفكر، بيروت، 1412 هـ. 336 - المجموع شرح المهذب، للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي، المتوفى سنة 676 هـ، دار الإرشاد، تحقيق وإكمال محمد نجيب المطيعي. 337 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد، طبع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 1416 هـ. 338 - مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، جمع وترتيب فهد السليمان، دار الثريا، الطبعة الأولى، 1423 هـ. 339 - المحاسبة والضريبة والزكاة الشرعية من الناحية النظرية والتطبيق العملي في المملكة العربية السعودية، لعبد الله المنيف، وعبد الرحمن الحميد، ومحمود عبد السلام، مطابع جامعة الملك سعود، الطبعة الثانية، 1417 هـ. 340 - المحصول في علم أصول الفقه، لفخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي المتوفى سنة 606 هـ، تحقيق: طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1418 هـ.
341 - المحلى بالآثار، للإمام أبي محمد بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، المتوفى سنة 456 هـ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الفكر. 342 - مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر الرازي، دار القلم. 343 - المدخل إلى نظرية الالتزام العامة، لمصطفى الزرقا، دار القلم، الطبعة الأولى 1420 هـ. 344 - المدخل الفقهي العام، لمصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، الطبعة الأولى، 1418 هـ. 345 - المدخل للفقه الإسلامي تاريخه ومصادره ونظرياته العامة، لمحمد سلام مدكور، دار الكتاب الحديث، الطبعة الثانية، سنة 1996 م. 346 - المدونة الكبرى، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، رواية للإمام سحنون عن الإمام عبد الرحمن بن قاسم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1415 هـ. 347 - مذكرات في النقود والبنوك، لإسماعيل هاشم، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 1396 هـ. 348 - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، للإمام أبي محمد علي بن حزم الظاهري، ويليه: نقد مراتب الإجماع، لشيخ الإسلام ابن تيمية، اعتنى به: حسن أحمد إسبر، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1419 هـ. 349 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية، براوية الكوسج، تحقيق: خالد الرباط وزملاؤه، دار الهجرة، الطبعة الأولى، 1425 هـ. 350 - المستدرك على الصحيحين مع تعليقات الذهبي في التلخيص، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1411 هـ.
351 - المستصفى، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، المتوفى 505 هـ، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413 هـ. 352 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، لأبي عبد الله الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، مؤسسة قرطبة - القاهرة. 353 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق جماعة من المحققين بإشراف شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة. 354 - مسند الشافعي، لأبي عبد الله، محمد بن إدريس الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت. 355 - مشكلة الفقر وكليف عالجها الإسلام، للدكتور يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1415 هـ. 356 - مشمولات مصرف في سبيل الله بنظرة فقهية معاصرة، للدكتور عمر الأشقر، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة، دار النفائس، الطبعة الثانية 1420 هـ. 357 - مصارف الزكاة بين التقليد والاجتهاد، للدكتور أحمد عوض أبو الشباب، منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الثامن والستون، في عام 1427 هـ. 358 - مصاراف الزكاة وتمليكها، للدكتور خالد العاني، دار أسامة، الطبعة الأولى، 1420 هـ. 359 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير لأحمد بن محمد الفيومي، المتوفى 770، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414. 360 - مصرف ابن السبيل وتطبيقاته المعاصرة، للأستاذ عز الدين توني، ضمن أبحاث الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة.
361 - مصرف ابن السبيل وتطبيقاته المعاصرة، للدكتور عمر الأشقر، ضمن أبحاث الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 362 - مصرف السهم في سبيل الله في الصدقة، للدكتور عبد الفتاح إدريس، ضمن أبحاث ندوة التطبيق المعاصر للزكاة، ج 3، 1996 م. 363 - مصرف العاملين عليها، للدكتور الأشقر، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة. 364 - مصرف العاملين عليها، للدكتور وهبة الزحيلي، ضمن أبحاث الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 365 - مصرف الفقراء والمساكين، لخالد الشعيب، ضمن أبحاث الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة. 366 - مصرف الفقراء والمساكين، للدكتور علي المحمدي، ضمن أبحاث الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة. 367 - مصرف في الرقاب، للدكتور علي القره داغي، ضمن أبحاث الندوة الثانية لقضايا الزكاة. 368 - مصرف في الرقاب، للدكتور نزيه حماد، ضمن أبحاث الندوة الثانية لقضايا الزكاة المعاصرة. 369 - مصرف في الرقاب، للدكتور وهبة الزحيلي، ضمن أبحاث الندوة الثانية لقضايا الزكاة المعاصرة. 370 - مصرف وفي سبيل الله بين العموم والخصوص، للدكتور سعود الفنيسان، مكتبة التوبة، الطبعة الأولى، 1424 هـ. 371 - مصرف المولفة قلوبهم، للشيخ عبد الله ابن منيع، ضمن أبحاث الندوة الثالثة
لقضايا الزكاة المعاصرة. 372 - مصرف المؤلفة قلوبهم، للدكتور وهبة الزحيلي، ضمن أبحاث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة. 373 - مصنف عبد الرزاق، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ. 374 - المصنف في الأحاديث والآثار، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409 هـ. 375 - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: الدكتور سعد بن ناصر الشثري، دار العاصمة، الطبعة الأولى، سنة 1419 هـ. 376 - مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، للشيخ مصطفى بن سعد بن عبدة الرحيباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة 1414 هـ. 377 - معادلة الأوزان والمكاييل الشرعية بالأوزان والمكاييل المعاصرة، للدكتور أحمد الكردي، ضمن أبحاث الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 378 - معادلة الأوزان والمكاييل المعاصرة، للشيخ عبد الله بن منيع، ضمن أبحاث الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 379 - معادلة الأوزان والمكاييل المعاصرة، للدكتور محمود الخطيب، ضمن أبحاث الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 380 - المعاملات المالية المعاصرة، للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1423 هـ.
381 - المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، للدكتور محمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، الطبعة الثانية، 1418 هـ. 382 - المعاملات المالية المعاصرة في ميزان الفقه الإسلامي، للدكتور على السالوس، مكتبة الفلاح، الطبعة الثالثة، 1413 هـ. 383 - المعاملات المالية في ضوء الفقه والشريعة، للدكتور محمد رواس قلعة جي، دار النفائس، الطبعة الأولى، 1420 هـ. 384 - مدى تأثير الديون الاستثمارية والإسكانية المؤجلة في تحديد وعاء الزكاة، للدكتور محمد شبير، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة. 385 - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، مكتبة المثنى، دار إحياء التراث العربي. 386 - معجم العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي، دار الرشيد، بغداد، 1980 م. 387 - معجم المصطلحات الاقتصادية، للدكتور أحمد زكي بدوي، دار الكتاب المصري، ودار الكتاب اللبناني، الطبعة الثانية، 1424 هـ. 388 - معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، للدكتور نزيه حماد، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الطبعة الثالثة، سنة 1415 هـ. 389 - معجم المصطلحات التجارية والمالية والمصرفية، للدكتور أحمد زكي بدوي، وصديقة يوسف محمود، دار الكتاب المصري، ودار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى، 1414 هـ. 390 - معجم المصطلحات الفقهية والقانونية، للدكتور جرجس جرجس، الشركة العالمية للكتاب، الطبعة الأولى، 1996 م. 391 - معجم المصلطحات المحاسبية والمالية، لعدنان عابدين، مكتبة لبنان، بيروت. 392 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، وضعه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، الطبعة الثالثة 1412 هـ.
393 - معجم المقاييس في اللغة، لأبي الحسين بن فارس بن زكريا، المتوفى سنة 395 هـ، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت. 394 - المعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى وزملائه، المكتبة الإسلامية، الطبعة الثانية، 1392 هـ. 395 - المعيار المعرب والجامع المغرب، لأحمد بن يحيى الونشريسي، إشراف: الدكتور محمد حجي دار الغرب الإسلامي، طبعة سنة 1401 هـ، بيروت. 396 - المغني، لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن قدامة المقدسي، المتوفى 620، تحقيق: الدكتور عبد الله التركي، عبد الفتاح الحلو، دار هجر، الطبعة الثانية، 1412 هـ. 397 - مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، للشيخ شمس الدين محمد بن أحمد الشربيني الخطيب، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، سنة 1415 هـ، 1994 م. 398 - المغرب في ترتيب المعرب، لأبي الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزي، مكتبة لبنان، بيروت، سنة 1999 م. 399 - المغرب في ترتيب المعرب، لأبي المكارم ناصر بن عبد السيد المطرزي، دار الكتاب العربي. 400 - المفردات في غريب القرآن، للحسن بن محمد بن المفضل الراغب الأصفهاني المتوفي سنة 502 هـ، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، الطبعة الأولى، 1418 هـ. 401 - مفهوم النماء، للدكتور محمد نعيم ياسين، ضمن أبحاث الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة. 402 - المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها: محمد نجم الدين الكردي، مطبعة السعادة، 1404 هـ.
403 - مقاصد الشريعة الإسلامية، لمحمد الطاهر بن عاشور، الشركة التونسية عام 1398 هـ. 404 - المقاصد الكلية للاجتهاد المعاصر، لحسن محمد جابر، دار الحوار، الطبعة الأولى 1422 هـ. 405 - مقدمة في النقود والبنوك، لزكي شافعي، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 1398 هـ. 406 - المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات، لأبي الوليد محمد بن أحمد القرضي، المتوفى سنة 520 هـ تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1408 هـ. 407 - المقنع، لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن قدامة، تحقيق الدكتور عبد الله التركي، دار هجر، الطبعة الأولى، 1415 هـ. 408 - الملكية في الشريعة الإسلامية، لعبد السلام العبادي، مكتبة الأقصى، عمّان الطبعة الأولى 1394 هـ. 409 - الملكية في الشريعة الإسلامية، لعلي الخفيف دار النهضة العربية، بيروت طبعة عام 1990 م. 410 - المنتقى شرح الموطأ، للشيخ سليمان بن خلف الباجي، دار الكتاب الإسلامي. 411 - المنثور في القواعد الفقهية، لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، المتوفى 794 هـ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت. 412 - منح الجليل شرح مختصر خليل، للشيخ محمد بن أحمد بن محمد عليش، المتوفى 1299 هـ، دار الفكر سنة 1409 هـ، 1989 م. 413 - المنفعة في القرض دراسة فقهية تأصيلية وتطبيقية، للدكتور عبد الله بن محمد
العمراني، رسالة ماجستير مقدمة لقسم الفقه بكلية الشريعة بالرياض 1419 هـ. 414 - منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، للدكتور مسفر القحطاني، دار الأندلس الخضراء، الطبعة الأولى، 1424 هـ. 415 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، لمحمد بن محمد بن عبد الرحمن المشهور بالحطاب، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1412 هـ. 416 - موسوعة الاقتصاد الإسلامي، للدكتور محمد الجمال، دار الكتاب المصري، دار الكتاب اللبناني، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية، 1406 هـ. 417 - الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية القاهرة، الطبعة الأولى 1402 هـ. 418 - موسوعة العمل والتأمينات الاجتماعية، جمع: حسن الفاكهاني القاهرة، الدار العربية للموسوعات القانونية، 1383 هـ. 419 - الموسوعة الفقهية، إعداد: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت، مكتبة الآراء، مطبعة ذات السلاسل، الكويت، الطبعة الثانية، سنة 1404 هـ. 420 - موسوعة القواعد الفقهية، للشيخ محمد صدقي البورنو، مكتبة التوبة، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1421 هـ. 421 - موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية، للدكتور عبد العزيز هيكل، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، 1406 هـ. 422 - موطأ الإمام مالك، لأبي عبد الله الإمام مالك بن أنس الأصبحي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، مصر. 423 - الميزان في الأقيسة والأوزان، لعلي باشا مبارك، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد.
(ن)
(ن) 424 - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، للعلامة جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي، دار الحديث، الطبعة الأولى، سنة 1415 هـ. 425 - نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه، للشيخ مصطفى بن أحمد الزرقا، مؤسسة الرسالة، بيروت، الأولى، 1415 هـ. 426 - نظام التقاعد المدني في المملكة العربية السعودية، الرياض، وزارة المالية والاقتصاد الوطني 1381 هـ. 427 - نظام التقاعد المدني للموظف العام، إعداد سامي بن فهد العقيلي، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء 1422 هـ. 428 - نظام مصرف الزكاة وتوزيع الغنائم في عهد عمر، للدكتور إبراهيم شعلان، دار الإشعاع، 1402 هـ. 429 - نظرية التضخم، للدكتور نبيل الروبي، مؤسسة الثقافة الجامعية، الطبعة الثانية. 430 - النظام القانوني للشركات المساهمة في دول مجلس التعاون للدكتور إبراهيم الزامل، والدكتور ولاء رفعت. الدار الوطنية الجديدة 1409 هـ. 431 - النقود والمصارف، لناظم الشمري، جامعة الموصل، 1396 هـ. 432 - نقل الزكاة من موطنها الزكوي، للدكتور محمد عثمان شبير، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة. 433 - النهاية في غريب الحديث والآثر، لأبي السعادات ابن الأثير مجد الدين المبارك بن محمد الجزري، إشراف علي بن حسن بن عبد الحميد، دار ابن الجوزي، ط الأولى 1421 هـ.
(و)
434 - النيابة في العبادات، للدكتور صالح الهليل، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1417 هـ. 435 - نيل الابتهاج بتطريز الديباج، لأحمد بابا التنبكتي (ت 1036) تحقيق: مجموعة من الطلاب، كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس ليبيا، الطبعة الأولى سنة 1458 هـ. (و) 436 - الوافي بالوفيات، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، بيروت، 1420 هـ. 437 - الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، لصلاح الدين الناهي، دار الفرقان للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى 1402 هـ. 438 - الودائع المصرفية، للدكتور أحمد الحسني، المكتبة المكية، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1420 هـ. 439 - الودائع المصرفية، لحسين كامل، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد 9، ج 1. 440 - الودائع المصرفية (حسابات المصارف)، للدكتور سامى حسن حمود، مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد التاسع، سنة 1417 هـ. 441 - الوسيط في التأمينات الاجتماعية، لمصطفى محمد الجمال، مؤسسة شباب الجامعة، 1395 هـ. 442 - الوسيط في تاريخ القانون والنظم القانونية، لعبد السلام الشرمايئي، جامعة الكويت، 1402 هـ. 443 - الوسيط في شرح القانون المدني الأردني، إشراف: عبد الباسط جميعي، الدار العربية للموسوعات، 1987 م.
444 - الوسيط في شرح القانون المدني، لعبد الرزاق أحمد السنهوري، دار النهضة العربية الطبعة الثانية، سنة 1408 هـ. 445 - الوسيط في المذهب، للغزالي، وزارة الأوقاف الإسلامية، الطبعة الأولى، 1414 هـ. 446 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، دار الثقافة لبنان، تحقيق: إحسان عباس.